جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ما سمعت من أمر علي بن الحسين عليهما‌السلام بالحفر إلى الرشيح ، إذ لعل بلوغه ذلك يحصل بالمقدار المزبور ، ويؤيده ما قيل إن أرض البقيع كذلك ، كما أنه لا ينافيه أيضا ما في‌ خبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام (١) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يعمق القبر فوق ثلاث أذرع » بل لعله يؤيده لظهور تقارب الثلاث للمقدار المتقدم ، فيستفاد منه حينئذ كراهة التعميق زائدا على ذلك لحمل النهي عليه قطعا ، أو يقال باختصاص ذلك في أرض المدينة لبلوغ الرشيح فيها ، أو غير ذلك.

نعم قد ينافيه ما في‌ خبر أبي الصلت عن الرضا عليه‌السلام (٢) في حديث أنه قال : « سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل ، وأن يشق لي ضريحة ، فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا ، فان الله ليوسعه إلى ما يشاء » من حيث ظهور زيادة ذلك على القامة ، اللهم الا أن يحمل على ذلك بتقارب المراقي بعضها من بعض ، أو على وجه آخر ، فتأمل.

ثم الظاهر إنه لا فرق في ما ذكرنا بين الرجل والمرأة ، وفي المنتهى نفي الخلاف عنه ، كما أن الظاهر إرادة مستوي الخلقة من القامة والترقوة ، واحتمال الاجتزاء بأقل ما يصدق عليه أحدهما ضعيف.

ومنها أن يجعل له لحد فإنه أفضل من الشق مع صلابة الأرض بلا خلاف معتبر أجده ، بل في الخلاف والغنية الإجماع عليه مع زيادة عمل الفرقة عليه في الأول ، وفي التذكرة والمنتهى ذهب إليه علماؤنا ، وفي الذكرى وجامع المقاصد والروض عندنا وفي الحدائق أن عليه اتفاق ظاهر كلام الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (٣) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحد له أبو طلحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

٣٠١

الأنصاري » والمناقشة فيه ـ بأنه لا يدل على أمره به ، فلعل فعله إنما هو لكونه أحد الفردين ـ مدفوعة بظهور كونه بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنه المتولي ، كظهور العدول عن الشق إليه مع ما فيه من زيادة الكلفة في أفضليته عليه ، وخبر علي بن عبد الله عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام (١) قال في حديث : « لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي عليه‌السلام انزل فألحد إبراهيم في لحده » وفيه إشعار بمعروفيته في ذلك الوقت ، كصحيح أبي بصير (٢) « فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه » الخبر. واحتج عليه بعضهم‌ بالنبوي (٣) « اللحد لنا والشق لغيرنا » لكن لم نعثر عليه من طرقنا ، بل ظاهر المعتبر وغيره أنه من طرق العامة ، إلا أنه لا بأس بذكره مؤيدا بعد التثبت فيه بموافقة مضمونه لما تقدم من الإجماعات وغيرها المعتضدة بعدم ظهور خلاف من أحد فيه ، ومن هنا وجب صرف ما عساه يظهر منه أفضلية الشق ، كخبر إسماعيل بن همام (٤) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام حين أحضر : إذا أنا مت فاحفروا لي وشقوا لي شقا ، فان قيل لكم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحد له فقد صدقوا » والحلبي (٥) في حديث عن الصادق عليه‌السلام « إن أبي كتب في وصية ـ إلى أن قال ـ : وشققنا له الأرض شقا من أجل أنه كان بادنا » وأبي الصلت المروي عن العلل والأمالي الذي سمعته آنفا إلى غيره ، بل لعل ظاهر الخبرين الأولين بل صريح الثاني أنه إنما لم يلحد للباقر عليه‌السلام لكونه بدينا ، وكأنه لعدم إمكان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) كنز العمال ـ ج ـ ٨ ـ ص ٨٨ الرقم ـ ١٦٨١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

٣٠٢

توسيع اللحد بحيث يسعه لرخاوة أرض المدينة كما قيل ، بل هما عند التأمل دالان على المطلوب.

ومن هنا قيد في معقد إجماع الخلاف استحباب اللحد بالصلبة بل نص جماعة منهم الفاضل والشهيد على استحباب الشق في الرخوة ، ويشهد له حينئذ الخبران بناء على ما ذكرناك لاعتبار فإنه يخشى عليه حينئذ من الانهدام ، لكن قال المصنف في المعتبر : « إنه يعمل له في الأرض الرخوة شبه اللحد من بناء تحصيلا للفضيلة » وهو لا يخلو من تأمل ، لعدم صدق اللحد عليه ، والمراد باللحد أنه إذا انتهى إلى أرض القبر حفر في جانبه مكانا يوضع فيه الميت ، والشق أن يحفر في قعره شبه النهر يوضع فيه الميت ثم يسقف عليه.

وليكن اللحد مما يلي القبلة كما نص عليه جماعة ، بل ربما يظهر من بعضهم خصوصا الفاضل في التذكرة دخوله في مسمى اللحد ، كما أنه يظهر منه دخوله في معقد إجماعه ، وفي جامع المقاصد وعن الروض أنه قاله الأصحاب ، وكفى بذلك حجة لمثله ، مع إمكان الاستئناس له بغيره أيضا ، فتأمل.

وكذا ينبغي أن يكون اللحد واسعا بقدر ما يمكن فيه الجلوس للرجل ، لمرسل ابن أبي عمير المتقدم (١) ومعقد إجماع الخلاف ، وليسهل عليه الجلوس لمنكر ونكير ، كاستحباب أن يكون ذراعين وشبرا لخبر أبي الصلت.

ومنها ان تحل عقد الأكفان إذا وضع في القبر من قبل رأسه ورجليه وغيرهما إن كانت للأخبار (٢) وإجماعي الغنية والمعتبر ، وليسهل عليه الجلوس للمسائلة ولأن شدها كان لخوف الانتشار ، وفي خبر حفص (٣) ومرسل ابن أبي عمير عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدفن.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٠٣

الصادق عليه‌السلام (١) « يشق الكفن من قبل رأسه » قال في المعتبر : « هذا مخالف لما عليه الأصحاب ، وإفساد للمال على وجه غير مشروع ، والصواب الاقتصار على الحل » قلت : يمكن أن يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه.

ومنها أن يجعل معه شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام على ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه ، فلعل شهرته بينهم والتبرك بها وكونها أمانا من كل خوف ، وما في‌ الفقه الرضوي (٢) « ويجعل في أكفانه شي‌ء من طين القبر وتربة الحسين عليه‌السلام » كاف في ثبوته ، مضافا إلى‌ الصحيح المروي عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (٣) قال : « كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام وقرأت التوقيع ومنه نسخت يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله » وعن الاحتجاج روايته عن محمد ابن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان عليه‌السلام ، وخبر جعفر بن عيسى (٤) المروي عن مصباح الشيخ انه سمع أبا الحسن عليه‌السلام يقول : « ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين ، ولا يضعها تحت خده ورأسه » بناء على أن المراد بالطين فيه طين قبر الحسين عليه‌السلام ، ولذلك لم يذكر أحد استحباب ذلك بدونه ، ولعل إجمال العبارة للتقية أو شيوع هذا الإطلاق يومئذ فيه.

وربما يستأنس له زيادة على ذلك بما رواه في‌ المنتهى (٥) وغيره « أن امرأة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

٣٠٤

كانت تزني فتضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفا من أهلها ، ولم يعلم بها غير أمها ، فلما ماتت دفنت وانكشفت التراب عنها ولم تقبلها الأرض ، فنقلت عن ذلك الموضع إلى غيره فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصادق عليه‌السلام وحكوا له القصة ، فقال لأمها فما كانت تضع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها ، فقال الصادق عليه‌السلام : إن الأرض لا تقبل هذه ، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه‌السلام ففعل ذلك ، فسترها الله تعالى ».

ثم إن ظاهر العبارة كالمبسوط والقواعد والمنتهى بل عن أكثر العبارات كالصحيح المتقدم والقصة الأخيرة الاكتفاء بمطلق استصحابها ، سواء كانت تحت خده أو تلقاء وجهه في اللحد أو غير ذلك كما عن المختلف التصريح به ، وتبعه عليه غيره. وعن المفيد واختاره جماعة جعلها تحت خده ، ولم نقف له على مأخذ كالمحكي في المعتبر من الوضع في الأكفان ، بل في الخبر الثاني النهي عن الوضع تحت الخد على ما عن بعض النسخ ، نعم هو دال على الوضع مقابل الوجه كما عن الشيخ ، ولعله يرجع إليه ما عن الاقتصاد تجعل في وجهه ، لكن ظاهر السرائر مغايرته للأول ، وربما يؤيده الاحتياط عن وصول النجاسة إليها ، ولعله أولى وإن كان الاكتفاء بالجميع لا يخلو من قوة.

ومنها أن يلقنه بعد وضعه في لحده قبل تشريح الابن بلا خلاف أعرفه فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه ، والأخبار به كادت تكون متواترة كما في الذكرى ، وهو كذلك ، ففي‌ صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام (١) « إذا وضعت الميت في القبر فقل بسم الله ـ إلى أن قال ـ : واضرب بيدك على منكبه الأيمن ، ثم قل يا فلان قل قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسولا ، وبعلي عليه‌السلام إماما ، وتسمي إمام زمانه » الحديث. وفي حسنه (٢) « وسمّ حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٠٥

إمام زمانه » وفي‌ خبر محفوظ الإسكاف عن الصادق عليه‌السلام (١) « ويدني فمه إلى سمعه ويقول : اسمع افهم ثلاث مرات ، الله ربك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيك والإسلام دينك ، وفلان إمامك ، اسمع وافهم ، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين » وفي‌ خبر أبي بصير عنه عليه‌السلام (٢) أيضا « فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه وقل الله ربك ، والإسلام دينك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيك ، والقرآن كتابك ، وعلي عليه‌السلام إمامك » وعن‌ خبر آخر له (٣) « فضع يدك على أذنه وقل الله ربك » إلى آخر ما مر.

وفي‌ خبر إسحاق بن عمار (٤) « ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر ، وتحركه تحريكا شديدا ، ثم تقول يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل الله ربي ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، وعلي عليه‌السلام إمامي ، حتى تسوق الأئمة عليهم‌السلام ثم تعيد عليه القول ، ثم تقول فهمت يا فلان ، وقال عليه‌السلام فإنه يجيب ويقول : نعم ثم تقول : ثبتك الله بالقول الثابت ، هداك الله إلى صراط مستقيم ، عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته ، ثم تقول : اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وأصعد روحه إليك ولقنه منك برهانا ، اللهم عفوك عفوك ، ثم تضع الطين واللبن ، فما دمت تضع الطين واللبن تقول : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك ، فإنما رحمتك للظالمين ، ثم تخرج من القبر وتقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم ارفع درجته في أعلى عليين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا رب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) الكافي ـ باب سل الميت وما يقال عند دخول القبر ـ حديث ٢ من كتاب الجنائز.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

٣٠٦

العالمين » إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المشتملة على كثير من المستحبات التي لم يذكرها المصنف كقراءة آية الكرسي والفاتحة والمعوذتين وقل هو الله أحد والتعوذ من الشيطان وغير ذلك فلاحظ.

وهذه الأخبار وإن اختلفت في الجملة بالنسبة إلى كيفية التلقين ، لكن لا بأس في العمل بالجميع ، لظهورها في كون المراد تذكير الميت وتفهيمه في هذه الحال ذلك ، ومنه ما ذكره الشيخان والعلامة في المنتهى‌ « يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، وأن عليا أمير المؤمنين ، والحسن والحسين عليهم‌السلام ويذكر الأئمة إلى آخرهم أئمتك أئمة هدى أبرار » كذا في المقنعة بالتنكير ، وغيره ذكر أئمة الهدى بالتعريف ، قال المفيد : فإنه إذا لقنه ذلك كفى المسألة بعد الدفن إن شاء الله ، فتأمل.

ثم إن هذا التلقين هو التلقين الثاني ، وعن بعضهم جعله ثالثا بدعوى استحباب التلقين عند التكفين ، ولم نقف له على مستند.

ومما سمعته من خبر إسحاق بن عمار يستفاد استحباب أن يدعو له بعد التلقين بما عرفت ، وفي‌ خبر سماعة (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ماذا أقول إذا أدخلت الميت منا قبره؟ قال : قل : اللهم هذا عبدك » إلى آخره. وفي‌ خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٢) « إذا وضع الميت في لحده فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللهم عبدك وابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم افسح له في قبره ، وألحقه بنبيه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا » الخبر ، إلى غير ذلك من الأخبار التي يشبه بعضها بعضا ، وقد تقدم استحباب الدعاء له عند نزوله ، كما أنه في‌ خبر آخر لسماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٠٧

عن الصادق عليه‌السلام (١) « فإذا سويت عليه التراب قل اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين ، وألحقه بالصالحين ».

وكما أنه يستحب أيضا الدعاء له عند معاينة القبر بقوله : « اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ، ولا تجعله حفرة من حفر النار » والغرض أنه يستفاد من ملاحظة الأخبار استحباب الدعاء للميت في أكثر أحواله كانزاله ووضعه في لحده وتشريحه اللبن والخروج منه وتسوية التراب عليه ونحو ذلك.

( ثم يشرج ) اللبن عليه أي ينضد به لحده لئلا يصل إليه التراب ، ولا نعلم في استحبابه خلافا كما اعترف به في المنتهى ، وفي الغنية والمدارك والمفاتيح الإجماع عليه ، وفي المعتبر مذهب فقهائنا ، وهو الحجة ، مضافا إلى إشعار المعتبرة (٢) بالمداومة عليه في الأزمنة السابقة ، كالحسن (٣) « إذا وضعت عليه اللبن تقول » إلى آخره. ونحوه غيره (٤) وإلى‌ الصحيح (٥) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : جعل علي عليه‌السلام على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبنا ، فقلت : أرأيت أن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ فقال : لا » وإلى خبر إسحاق بن عمار (٦) المتقدم.

ومنه يستفاد استحباب الترتيب الذي في العبارة وكذا تسويته بالطين ليكون أبلغ في منع التراب ، كخبر عبد الله بن سنان المروي (٧) عن العلل عن الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢ و ٦ والباب ٢٨ منها.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٧) المجالس للصدوق ـ المجلس الحادي والستون ـ الحديث ٢.

٣٠٨

عليه‌السلام « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ يمنة سرير سعد بن معاذ مرة ويسرته مرة حتى انتهى به إلى القبر ، فنزل حتى لحده وسوى عليه اللبن ، وجعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا نسد به ما بين اللبن ، فلما أن فرغ وحثى التراب عليه وسوى قبره قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلى ولكن الله عز وجل يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه » إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على استحباب اللحد ، ومعروفيته في ذلك الزمان ، وفي المنتهى وعن غيره « انه يقوم مقام اللبن مساوية في المنع من تعدي التراب كالحجر والقصب والخشب » انتهى. ولا بأس به ، بل قد يشعر به الخبر المتقدم ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد بالحجر فيه اللبن ، كما أنه لا بأس فيما ذكره فيه أن اللبن أولى من غيره ، لأنه المنقول عن السلف المعروف في الاستعمال ، وفيما حكي عن الراوندي عمل العارفين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس ، ولعله لأنه الأهم من غيره.

ومنها أن يخرج من قبل رجل القبر لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرسل الكليني (١) وخبر جبير بن نفير الحضرمي (٢) والصادق عليه‌السلام في موثق عمار (٣) مع تفاوت يسير : « لكل بيت باب ، وباب القبر من قبل الرجلين » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (٤) : « من دخل القبر فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين » وهو دال على كراهة الخروج من غيره ، كمرفوع سهل بن زياد (٥) المضمر « يدخل القبر من حيث يشاء ، ولا يخرج إلا من قبل رجليه » وقضية إطلاق هذه الأخبار كعبارات أكثر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة كما صرح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣٠٩

به بعضهم ، فما عن ابن الجنيد من الموافقة في الرجل ومن عند الرأس في المرأة ضعيف جدا ، كما أن قضية ما اشتمل منها على أن باب القبر من قبل الرجلين استحباب الدخول منها أيضا كما عن المنتهى ، ورده بعض متأخري المتأخرين لخبر السكوني ومرفوعة سهل المتقدمين ، وفيه ـ مع أنه لا دلالة في الأول ، وإمكان حمل الثانية على إرادة بيان الجواز ـ يمكن إرادة الفرق فيها بين الدخول والخروج بالنسبة للكراهة وعدمها لا الاستحباب وعدمه ، فتأمل.

ومنها أن يهيل ويصب الحاضرون غير أولى الرحم التراب بظهور الأكف لمرسل محمد بن الأصبغ (١) « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام وهو في جنازة فحثا على القبر بظهر كفيه » وفي‌ المحكي عن الرضا عليه‌السلام (٢) « ثم أحث التراب عليه بظهر كفك ثلاث مرات ، وقل اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمات كتب الله له بكل ذرة حسنة » وبعينه عبر عنه في الهداية ، وربما احتملت عبارتها دخول ذلك كله تحت ما نسبه إلى الصادق عليه‌السلام فيها قبل ذلك كما ستسمعها ، وكذا في الفقيه ، فلاحظ وتأمل ، هذا مع ما في المعتبر من نسبة المذكور مقيدا بما يأتي من الاسترجاع إلى الشيخين وابن بابويه ، وإن عليه فتوى الأصحاب ، فهو مشعر بالإجماع كالمدارك أيضا ، فلعل ذلك كاف في استحبابه ، كاستحباب كونهم قائلين : إنا لله وإنا إليه راجعون المنسوب في الذكرى إلى الأصحاب أيضا ، وإلا فلم نعثر على خبر مشتمل على تمام هذه الكيفية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

٣١٠

نعم قد سمعت في‌ خبر إسحاق بن عمار (١) « أنه يخرج من القبر ويقول إنا لله » إلى آخره وفي الهداية (٢) قال الصادق عليه‌السلام : « إذا خرجت من القبر فقل وأنت تنفض يدك من التراب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أحث التراب » إلى آخر ما سمعته من الرضوي المتقدم ، بل ربما كان ظاهر‌ خبر عمر بن أذينة (٣) أو صريحه خلاف الحكم الأول ، قال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يطرح التراب على الميت ، فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه ، ولا يزيد على ثلاثة أكف ، قال : فسألته عن ذلك فقال : يا عمر كنت أقول : إيمانا بك وتصديقا ببعثك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم زدنا إيمانا وتسليما » اللهم إلا أن يدعى أن هذه كيفية أخرى غير الإهالة ، فيمكن حينئذ دعوى التخيير بين الكيفيتين ، فلا منافاة بينه وبين ما تقدم ، وكذا ما في‌ خبر داود بن النعمان (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام « فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده » ومحمد بن مسلم (٥) عن الباقر عليه‌السلام « فحثا عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفيه ، ثم بسط كفه على القبر وقال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وأصعد إليك روحه ، ولقه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك » لما عرفت مع احتمال ظاهر الكف أيضا والجواز الخالي عن الاستحباب ، مع كونهما فعلا على وفق الأفعال المعتادة ، فيبعد دعوى الرجحان فيها ، والأمر سهل.

ومما عرفت ظهر لك أنه يستحب أيضا الدعاء زيادة على الاسترجاع بما تقدم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

٣١١

ولذا لم يقتصر الشيخان والعلامة وعن غيرهما عليه ، بل زادوا قول : « هذا ما وعدنا الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدق الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم زدنا إيمانا وتسليما » وفي‌ خبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام (١) « إذا حثوت التراب على الميت فقل : إيمانا بك وتصديقا ببعثك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من حثى على ميت وقال : هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة » وقد سمعت ما في حسنة ابن أذينة وغيرها ، وكذا تثليث الحثيات كما عن الهداية والفقيه والاقتصاد والسرائر والإصباح ، ولا بأس به ، فتأمل جيدا.

ومنها أن يرفع القبر عن الأرض ليعرف فيزار ويحترم ويترحم على صاحبه ولا ينبش ، ول‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر قدامة بن زائدة (٢) : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع قبر إبراهيم » ولم أقف على غيرها مما أطلق فيه الرفع على كثرة أخبار المقام بل أكثرها مقيدة بمقدار أربع أصابع كعبارات الأصحاب ومعاقد الإجماعات ، فالقول حينئذ باستحباب مطلق الرفع وجعل المقدار مستحبا في مستحب لمكان هذه الرواية ، مع أنه لا إطلاق فيها كما عساه يظهر من كشف اللثام لا يخلو من نظر ، وأعجب منه نسبته له مع ذلك إلى الإجماع والنصوص ، اللهم إلا أن يكون قد يدعى استفادته من المقيدات أنفسها.

ثم إن قضية إطلاق المتن كغيره من عبارات بعض الأصحاب بل عن أكثرهم بل هو معقد إجماع المعتبر والمدارك التخيير بين كون الأصابع مضمومة أو مفرجة كما نص عليه في المنتهى والذكرى ، ويؤيده مع ذلك إطلاق كثير من الأخبار ، منها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣١٢

قول الباقر عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (١) : « ويرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع » ونحوه غيره (٢) وفيها ما اشتمل على وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) والباقر عليه‌السلام (٤) بذلك ، والجمع بين المقيد منها بالمضمومة كما في خبر سماعة (٥) بل قد يدعى انصراف المطلقات إليه لشيوعه في المقدار ، والمقيد بالمفرجات كما في‌ خبر علي بن رئاب عن الصادق عليه‌السلام (٦) « إن أبي أمرني أن أرفع القبر من الأرض أربع أصابع مفرجات » الخبر ونحوه خبر الحلبي وابن مسلم (٧) عنه عليه‌السلام أيضا ، وخبر محمد بن مسلم (٨) عن أحدهما عليهما‌السلام ، وعمر بن واقد (٩) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام المروي عن العلل.

ولعله الأقوى في النظر لو كان فيه مخالف ، لاحتمال عدمه ، وإن اقتصر المفيد وابنا إدريس وحمزة كما عن سلار والشيخ في الاقتصاد والحلبيين على المفرجات ، كظاهر التذكرة ونهاية الأحكام كما عن ابن أبي عقيل الاقتصار على المضمومة لكنه محتمل لارادتهم بيان الأعلى والأقل ، ولذا نص الأولان على عدم الزيادة على ذلك كما عن الاقتصاد والكافي ، ولعل المراد الكراهة كما في المنتهى وعن التذكرة والنهاية ناسبا له في الأول إلى فتوى العلماء ، وبه يصرف النهي عن الرفع أزيد من أربع أصابع مفرجات في خبر عمر بن واقد (١٠) عن أبي الحسن عليه‌السلام المروي عن العلل ، كالأمر بلزق القبر إلى الأرض إلا عن قدر أربع أصابع مفرجات في خبر محمد بن مسلم (١١) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦ وهو عن الحلبي.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٧.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١١.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١١.

(١١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣١٣

أحدهما عليهما‌السلام ، والجميع حجة على ابن زهرة حيث خير في المستحب بين الأربع مفرجات والشبر كما عن القاضي ، بل عن جامع المقاصد التخيير بينه وبينها مضمومة أو مفرجة ، والأحوط ما ذكرنا إن لم يكن أقوى وأولى ، وإن كان خبرا إبراهيم بن علي (١) والحسين بن علي الرافقي (٢) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام « إن قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع شبرا من الأرض » لكنه ـ مع احتماله التقية ومعارضته بقول الباقر عليه‌السلام في خبر عقبة بن بشير (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انه قال لعلي عليه‌السلام : يا علي ادفني في هذا المكان ، وارفع قبري من الأرض أربع أصابع » الحديث ـ قاصر عن مقاومة ما عرفت ، مع أنه لا دلالة فيه على أنه فعل من يجب اتباعه ، فطرحها حينئذ متجه ، أو يراد بالشبر فيها الأربع أصابع مفرجات ، تقريبا أو غير ذلك ، كخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (٤) « إن قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع من الأرض قدر شبر وأربع أصابع » فتأمل.

ومنها أن يربع للإجماع المحكي في الغنية والمعتبر والمدارك وغيرها ، وقول أحدهما عليهما‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٥) : « ويربع قبره » والصادق عليه‌السلام في خبر عبد الأعلى مولى آل سام المروي في إرشاد المفيد (٦) « أن أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهودا ، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر ، فقال : اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه ، ( يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٩ مع تقطيع في الوسائل.

٣١٤

لَكُمُ الدِّينَ ) حنيفا ( فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، ) وأوصى محمد بن علي ابنه جعفر بن محمد عليهم‌السلام ، وأمره أن يكفنه في دبره الذي كان يصلي فيه الجمعة ، وأن يعممه بعمامة ، وأن يربع قبره ويرفعه من الأرض أربع أصابع » إلى آخره وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر الأعمش المروي عن الخصال (١) : « والقبور تربع ولا تسنم » وقوله عليه‌السلام في مرسل الحسين بن وليد (٢) المروي عن العلل جواب سؤال لأي علة يربع القبر؟ قال : « لعلة البيت ، لأنه نزل مربعا » بل في سؤاله إشعار بكونه معروفا في السابق.

والمراد بالتربيع هنا خلاف التدوير والتسديس ما كانت له أربع زوايا قائمة ، لا المربع المتساوي الأضلاع ، قيل لتعطيل كثير من الأرض وعدم كونه معهودا في الزمن السالف كما نرى فيما بقي آثارها من القبور ، وعن بعضهم أن المراد بالتربيع خلاف التسنيم ، وربما استظهر ذلك من التذكرة ، ولا ريب في بعده ، وكذا ما لعله يقال أو قيل من استحباب التربيع يستفاد استحباب تسطيح القبر ، إلا أنا في غنية عن ذلك بما في صريح الخلاف والتذكرة وجامع المقاصد كظاهر غيرها من الإجماع عليه ، مع معروفية ذلك عند الشيعة ، بل عن ابن أبي هريرة أنه قال : « السنة التسطيح ، إلا أن الشيعة استعملته فعدلنا عنه إلى التسنيم » بل الظاهر كراهة التسنيم لما في التذكرة من الإجماع عليه ، كالغنية لا يسنم ، والنهي في خبر الأعمش المتقدم ، وعن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) « ويكون مسطحا لا مسنما » وربما يشهد له أيضا‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأصبغ (٤) : « من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام » إن كان بالحاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

٣١٥

المهملة أي سنم ، وفي‌ خبر السكوني (١) المروي عن المحاسن مسندا قال : « بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، فقال : لا تدع صورة إلا محوتها ، ولا قبرا إلا سويته ، ولا كلبا إلا قتلته » ولأبي الهياج الأسدي (٢) « ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته؟ » إن كان المراد التسنيم ، بل ربما كان التسنيم حراما في بعض الوجوه لكونه بدعة كما عن جماعة التصريح به ، ويقتضيه ما سمعته من ابن أبي هريرة ، لكن قال في المنتهى : « إن التسطيح أفضل من التسنيم ، وعليه علماؤنا » انتهى. وظاهره المنافاة للكراهة ، بل وللإباحة أيضا لمكان أفعل التفضيل ، اللهم إلا أن يحمل على غير ذلك في مقابلة العامة.

ومنها أن يصب عليه أي على القبر الماء بلا خلاف أجده فيه ، بل في المنتهى عليه فتوى علماؤنا ، ويشهد له مع ذلك الاعتبار من حيث إفادته استمساكا للتراب ، فلا يفرقه الريح ونحوه ، وتذهب آثار القبرية عنه ، والأخبار المستفيضة (٣) حد الاستفاضة ، بل كادت تكون متواترة ، وفيه أنه يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب ، ثم أن أكثرها أطلقت الرش والنضح ، وظاهرها استحباب ذلك كيف وقع ، وهو كذلك كما لا يخفى على من لاحظها.

وما عساه يظهر من المتن ـ كبعض عبارات الأصحاب بل معقد إجماع الغنية والمعتبر من تقييد الاستحباب يكون الصب من قبل رأسه ثم يدور عليه مع اختلاف يسير في التعبير عن ذلك ـ غير مراد قطعا.

نعم لا بأس به مستحبا في مستحب لقول الصادق عليه‌السلام في خبر موسى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الدفن.

٣١٦

ابن أكيل النميري (١) « السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل ، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر ثم ترش على وسط القبر فذلك السنة » ومنه يستفاد استحباب استقبال الصاب القبلة كما في المنتهى.

و‌خبر سالم بن مكرم (٢) المروي في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام إلى أن قال : « فإذا سوي قبره تصب على قبره الماء وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل القبلة ، وتبدأ بصب الماء عند رأسه وتدور به على قبره من أربع جوانبه حتى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء ، فان فضل من الماء شي‌ء فصب على وسط القبر » إلى آخره لكن الظاهر أن ذلك من عبارة الصدوق لا من تتمة خبر سالم كما لا يخفى على من لاحظ ، سيما ولم يذكره أحد في المقام مع اشتماله على جملة وافية من الأحكام ، نعم قد يظهر من صاحب الوسائل ذلك ، وربما يؤيد ما قلنا أيضا أنه بعينه عبر في المحكي عن الفقه الرضوي (٣) والممارس العالم بغلبة اتحاد تعبيرهما معه يكاد يقطع أن ذلك ليس من تتمة الرواية ، فالعمدة حينئذ الرواية الأولى إلا أن في عبارة المصنف قصورا عن إفادة تمام مضمونها وكذا ليس فيها ما يدل على قوله فان فضل من الماء شي‌ء ألقاه على وسط القبر نعم هو بعينه قد سمعته في محتمل خبر سالم والرضوي وذكره غير واحد من الأصحاب ، بل نسبه في المعتبر إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولعله لذا كان لا يبعد استحباب رش الوسط ابتداء كغيره من الجوانب لخبر موسى ، واستحباب وضع ما يفضل من الماء عليه أيضا لما عرفت ، وكذا يستفاد من خبر سالم وفقه الرضا عليه‌السلام أن لا يقطع الماء ، وقد يدعي دلالة خبر موسى عليه أيضا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

٣١٧

ثم إنه هل استحباب الرش مخصوص بما بعد الدفن خاصة أو فيه وفي كل زمان وإن تأخر عنه؟ قد ينساق إلى الذهن من فتاوى الأصحاب وكثير من الأخبار الأول ، لكن عن‌ الكشي في رجاله (١) أنه « روي عن علي بن الحسن عن محمد بن الوليد أن صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب وقال : من صاحب هذا القبر؟ فإن أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام أوصاني وأمرني أن أرش قبره أربعين شهرا أو أربعين يوما كل يوم مرة » والشك من علي بن الحسن ، وفيه دلالة على خلاف الأول ، فتأمل.

ومنها أن يوضع اليد مفرجة الأصابع غامزا بها على القبر عند رأسه بعد نضحه بالماء تأسيا‌ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث وضع يده عند رأس إبراهيم غامزا بها حتى بلغت الكوع ، وقال : « بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك » كما رواه في البحار (٢) عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام مرسلا.

ومنه يستفاد حكم تأثير اليد لقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « إذا حثي عليه التراب وسوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء » والصادق عليه‌السلام (٤) في حسنه « إذا فرغت من القبر فانضحه ، ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز كفك عليه بعد النضح » وظاهر الثاني كالأول إن علق الظرف فيه بجواب الشرط كون الوضع بعد النضح ، وكذا الغمز للكف كما هو صريح الثاني ، بل والأول أيضا ، كما أن ظاهرهما كون الوضع عند الرأس لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

٣١٨

قد يقوى في النظر كونه مستحبا في مستحب ، كما عساه يحتمل في الأول أيضا ، فيستحب الوضع حينئذ عند غير الرأس وبدون النضح.

ويتأكد استحباب الوضع لمن لم يحضر الصلاة ، لقول أبي الحسن الأول عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (١) بعد أن قال له : « إن أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر ، أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال : إن ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة » وعلى عدم التأكد يحمل النفي أو النهي في‌ خبر محمد بن إسحاق عن الرضا عليه‌السلام (٢) بعد أن سأل بما يقرب من سؤال الأول فقال : « إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة ، فأما من أدرك الصلاة فلا » وذلك لإطلاق الأصحاب والأخبار الحكم المذكور إطلاقا كاد يكون كالصريح في خلاف ذلك ، بل فيما تسمعه من الصحيح الآتي المشتمل على فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصريح به ، وأيضا فأخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجة في نفسه ، سيما مع تقرير الامام عليه‌السلام ، بل لم أعثر على من نص على التأكد وعدمه كما قلناه قبل الشهيد ، وتبعه بعض من تأخر عنه ، لكن لا بأس به ، كما أنه لا بأس بالقول باستحباب زيادة تأثير اليد بزيادة الغمز إذا كان القبر لهاشمي ، وإن لم يذكره أحد من الأصحاب تأسيا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبر إبراهيم كما سمعت ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين ، كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع كفه على القبر حتى يغمز أصابعه في الطين ، فكان القريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة ويرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٤.

٣١٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : من مات من آل محمد ( صلوات الله عليهم )؟ ».

ويحتمل أن يكون صنيعة المختص بهم أصل الوضع لمكان كرامة بني هاشم ، لا لعدم مشروعيته لغيره ، لكن عن البحار أنه‌ روي عن العلل عن محمد بن علي بن إبراهيم ابن هاشم (١) قال : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا مات رجل من أهل بيته يرش قبره ويضع يده على قبره ليعرف أنه من العلوية وبني هاشم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصارت بدعة في الناس كلهم. ولا يجوز ذلك » ولا بد من طرحه أو تأويله بما لا ينافي ذلك لقصوره عنها جدا ، هذا.

وعن بعضهم أنه يستحب الاستقبال حينئذ ، ولعله لأنه خير المجالس ، وأقرب إلى استجابة الدعاء للميت ، ول‌ خبر عبد الرحمن (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « كيف أضع يدي على قبور المؤمنين؟ فأشار بيده إلى الأرض ووضعها عليه ورفعها وهو مقابل القبلة » لكن لا صراحة فيه بكون الاستقبال منه كان لذلك ، اللهم إلا أن يستشعر من حكاية السائل أنه فهم منه ذلك ، نعم في‌ الفقه الرضوي (٣) « ضع يدك على القبر وأنت مستقبل القبلة ، وقل اللهم » إلى آخره. وربما يشهد له أيضا ما ستعرفه من خبر ابن بزيع (٤).

وهل استحباب الوضع المذكور كل ما يزار القبر أو يختص بحال الدفن؟ ظاهر الأخبار الأول ، لكن قال في الذكرى بعد ذكره الخبر المتقدم : « إنه يشمل حالة الدفن وغيره » وفيه أنه لا إطلاق مساق لذلك فيه ، كما هو واضح ، نعم قد يستدل عليه‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٣.

٣٢٠