جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المكاتبة السابقة على ما في الكافي « والجريدة أفضل » وبالأولى يستفاد غيره ، وهو لا يخلو من تأمل بعد بيان التخضير في الأخبار بالجريدة ، ومعارضة إشعار الأفضلية بما في هذا الخبر نفسه من تقييد الجواز بالإعواز فضلا عن ظهور غيره فيه أيضا ، فتأمل.

وكيفية وضع الجريدتين أن تجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع الترقوة ويلصقها بجلده على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الغنية الإجماع عليه ، وكذا وضع الأخرى مع الترقوة من الجانب الأيسر إلا أنها بين القميص والإزار وإن لم ينص على الترقوة في المتن ككثير من عبارات الأصحاب ، لكن ظاهرهم ذلك كما نص عليه بعضهم ودل عليه الصحيح الآتي ، بل هو معقد الشهرة في الذكرى ، بل الإجماع في الغنية ، قال فيها : « ويجعل إحداهما مع جانب الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة بجلده ، والأخرى من الجانب الأيسر كذلك إلا أنها بين الدرع والإزار ، كل ذلك بدليل الإجماع » انتهى. وهو مع شهادة التتبع له مستند الحكم أيضا ، مضافا إلى‌ الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (١) قال : « قال : إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت مما يلي الجلد الأيمن ، والأخرى في الأيسر عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص » وهي مع صحتها واعتضادها بالشهرة بل بالإجماع المحكي صريحة في المطلوب ، ولا يقدح ما فيها من الإضمار كما مر غير مرة ، وعليها يحمل إطلاق خبري الفضيل (٢) والحسن بن زياد الصيقل (٣).

وربما يشهد للتحديد بالترقوة أيضا‌ قول الصادق عليه‌السلام في المرسل (٤) عن يحيى بن عبادة : « تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع وأشار بيده من عند ترقوته إلى يده تلف مع ثيابه » ونحوه عن‌ معاني الأخبار (٥) بطريق صحيح ، قال فيه :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

٢٤١

« وأشار بيده إلى عند ترقوته تلف مع ثيابه » وقول أبي جعفر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر يحيى بن عبادة (١) بعد أن سأل عن التخضير : « جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة » وما عساه يظهر منها كسابقها من الاجتزاء بالواحدة مع أنه لا ينافي الاستدلال على المطلوب محمول على إرادة الجنس أو مجرد كيفية الوضع أو الضرورة أو غير ذلك كما تقدم الكلام فيه ، كما أنه لا دلالة فيه على عدم الإلصاق بالجلد ، نعم قد يقال : إنها عدا رواية معاني الأخبار منافية لما تقدم من معقد إجماع الغنية من وضع الجريدة قائمة وإن أطلق غيره من الأصحاب ، فتأمل.

وكيف كان فهي مع ما تقدم حجة على المحكي عن الاقتصاد والمصباح ومختصره أن اليمنى على الجلد عند حقوه من الأيمن واليسرى على الأيسر بين القميص والإزار ، مع أنا لم نعرف له شاهدا ، اللهم إلا أن يحتج له بمضمر جميل في الصحيح (٢) « عن الجريدة توضع من دون الثياب أو فوقها؟ قال : فوق القميص ودون الخاصرة ، فسألته من أي جانب؟ فقال : من الجانب الأيمن » وهو مع ظهوره في الاجتزاء بالجريدة الواحدة ومخالفته لما ذكر من وضع اليمنى على الجلد وعدم صراحة لفظ الدون فيما أراد محتمل لقراءة الخاصرة بالحاء المهملة أي اللفافة المحيطة كما في كشف اللثام فلا يكون له شاهد فيه.

وبالمحكي من عبارة‌ الفقه الرضوي « واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده ، ثم تمد على قميصه ، والأخرى عند وركه » وهو كما ترى غير منطبق على تمام المدعى ، نعم هو موافق لما يحكى عن الصدوقين من جعل اليسرى عند وركه ما بين القميص والإزار ، واليمنى عند ترقوته ملاصقة للجلد » وإن كان فيه قصور أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

٢٤٢

في الجملة ، كما أنه قاصر عن معارضة ما تقدم لو قلنا بحجيته.

ومن العجيب استدلاله في المختلف للصدوقين بخبر يونس (١) عنهم عليهم‌السلام « ويجعل له قطعتين من جريد النخل تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ ، ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن » وهو كما ترى بمعزل عن ذلك ، نعم هو منطبق على تمام ما يحكى عن الجعفي كانطباق عجزه على المحكي عن ابن أبي عقيل من جعل واحدة تحت إبطه الأيمن مقتصرا عليها ، لكنه قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه ، ومع الإغضاء عن ذلك فالمتجه حينئذ التخيير بين الكيفيتين ، أو الحمل على تفاوت مراتب الفضيلة ، إلا أنا لم نعرف قائلا بشي‌ء من ذلك ، نعم قال المصنف في المعتبر بعد ذكره مستند المشهور خبر جميل المتقدم وخبر يحيى بن عبادة : والروايتان ضعيفتان ، لأن القائل في الأولى مجهول ، والثانية مقطوعة السند ، ومع اختلاف الروايات والأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها ، وهو استحباب وضعها مع الميت أو قبره بأي هذه الصور شئت ، واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه ، وفيه نظر من وجوه لا تخفى بعد ملاحظة ما ذكرناه ، فلا ريب أن الأقوى ما عليه المشهور لكن مع الاختيار ، أما مع التقية فلتوضع حيث يمكن ولو في القبر ، لمرفوعة سهل بن زياد (٢) وعليه يحمل إطلاق نفي البأس عن الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) والمرسل (٤) بعد أن سئل فيهما عن الجريدة توضع في القبر؟ قال : « لا بأس » ولو نسيت أو تركت فالأولى جواز وضعها فوق القبر للنبوي المتقدم (٥) وإن كان في تناوله لما ترك عمدا تأمل ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

٢٤٣

ومن جملة السنن أن يسحق الكافور بيده كما في المقنعة والقواعد والمنتهى وعن غيرها ، لما في‌ خبر يونس (١) عنهم عليهم‌السلام « ثم اعمد إلى كافور مسحوق » الحديث. ولا دلالة فيه على استحباب كون السحق باليد ، ولذا حكاه المصنف في المعتبر عن الشيخين ، وقال لم أتحقق مستنده ، وفي المدارك إليهما وأتباعهما ، وعلله في الذكرى بخوف الضياع ، وهو كما ترى غير صالح لإثبات حكم شرعي ، فللتوقف فيه حينئذ مجال ، وأولى منه ما في المبسوط من كراهة أن يسحق بحجر أو غير ذلك وإن كان الاحتياط يقضي بهما ، فتأمل.

ومن جملتها أيضا أن يجعل ما يفضل من الكافور من مساجده على صدره على المشهور كما في كشف اللثام ، بل في الخلاف الإجماع على وضع الفاضل على صدره ، وفي ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه ، لكن زاد على المساجد طرف الأنف كما تقدم سابقا ، ولم أقف على ما يدل عليه من الأخبار وإن استدل عليه بحسنة الحلبي (٢) « فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ولحيته وعلى صدره من الحنوط » وخبر زرارة (٣) « واجعل في فمه ـ إلى أن قال ـ : وعلى صدره » لكنهما لا دلالة فيهما على أزيد من استحباب تحنيطه لا وضع الفاضل عليه ، نعم ما يحكي عن عبارة‌ الفقه الرضوي (٤) صريح فيه « تبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به ، وتلقي ما بقي على صدره » وإن كان فيه مخالفة أيضا من حيث عدم الاقتصار على المساجد ، ولعل الإجماع السابق المؤيد بنفي الخلاف إن لم يريدا الوجوب وبالرضوي كاف في استحبابه ، لكنك خبير بأنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم نقل باستحباب تحنيط غير المساجد مما تقدم سابقا ، وإلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ١.

٢٤٤

اتجه إرادة الفاضل عنها وعن المساجد حينئذ ، أو يقال حينئذ بالتخيير في المستحب بين وضع تمام الباقي على الصدر وتحنيطها ، فتأمل جيدا.

ومنها ان يطوي جانب اللفافة الأيسر على الجانب الأيمن من الميت والأيمن منها على الأيسر منها أو منه كما في المقنعة والمبسوط والخلاف والوسيلة وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في الخلاف إجماع الفرقة وعملهم عليه ، كظاهر الذكرى حيث نسبه إلى الأصحاب ، وكفى بذلك مستندا لمثله ، وعلله بعضهم بالتيمن بالتيامن ، وفيه أنه أوضح في صورة العكس ، والظاهر أن خلاف المستحب العكس ، أو هو وجمعهما من غير وضع فقط ، وإن كان في شمول نحو العبارة للثاني تأمل لا ترك اللف أصلا ، أو من جانب سيما الأول لعدم صدق اللفافة حينئذ ، ولا الجمع فقط ، فيكون المستحب حينئذ السعة ، فتأمل.

وفي التعبير باللفافة تعميم للحكم بجميع اللفائف كما عن المهذب ، ومنها الحبرة كما نص عليها بعضهم والنمط إن قلنا أنه لفافة ، لكن حيث يجتمع اللفافتان مثلا فهل يصنع بكل واحدة مستقلة الهيئة المذكورة أو يجمع جانبهما معا فيطويان؟ وجهان ، والظاهر جوازهما معا ، لكن قد يظهر من عبارة الذكرى الثاني ، قال : قال الأصحاب : ونقل الشيخ فيه الإجماع يطوي اللفافتان جانبهما الأيسر على جانبه الأيمن ، وجانبه الأيمن على جانبهما الأيسر ، مع احتمال إرادته الأول أيضا ، والأمر سهل ، ولمّا فرغ من ذكر مسنون هذا القسم شرع في مكروهة ، لكن كان ينبغي ذكر ما ذكره بعض الأصحاب من استحباب إعداد الإنسان كفنه ، وإجادة الأكفان والتنوق فيها خصوصا الثاني ، لاستفاضة به (١) اللهم إلا أن يدعى خروجهما عما نحن فيه.

( ويكره تكفينه بكتان عند ) علمائنا كما في التذكرة وجامع المقاصد وعن نهاية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب التكفين.

٢٤٥

الأحكام ، وذلك ظاهر في دعوى الإجماع ، ولعله كذلك ، إذ لا أعرف فيه خلافا إلا من الصدوق ، فلا يجوز مع احتمال إرادته ذلك أيضا كما وقع منه في غير المقام مما يبعد إرادة الحرمة فيه ، ومن ابن زهرة في الغنية ، وأفضل الثياب البيض من القطن والكتان مدعيا الإجماع عليه ، ونحوه عن الكافي من دون دعواه ، ولعل ذكره الإجماع شاهد على إرادته اللون بناء على استحبابه مستقلا عن القطن ، وإلا فتتبع كلام الأصحاب يشهد بخلافه ، وفي‌ خبر أبي خديجة عن الصادق عليه‌السلام (١) « الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به ، والقطن لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وهو لا يخلو من إشعار بالكراهة بعد القطع باستحباب القطن لما تقدم ، وإن قال في كشف اللثام : إنما يدل على فضل القطن ، وفي‌ مرسل يعقوب بن يزيد (٢) عن عدة من أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام « لا يكفن الميت في كتان » كالمحكي عن‌ الرضوي (٣) « لا تكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم » وهما وإن كانا ظاهرين فيما ذكره الصدوق لكن عدم القول بحجية الثاني وضعف سند الأول وإن كان الإرسال فيه عن عدة مع ما عرفت من إعراض من عداه عنه يوجب الحمل على الكراهة ، سيما بعد ظهور إجماع الغنية كظاهر الإجماعات السابقة والأصل بناء على جريانه في مثله وإطلاق الأدلة في الجواز.

وكذا يكره أن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام على المشهور بين الأصحاب بل نسبه جماعة إليهم ، وكاشف اللثام إلى قطعهم ، للمرسل عن الصادق عليه‌السلام (٤) قال : « قلت له الرجل يكون له القميص أيكفن فيه؟ فقال : اقطع أزراره ، قلت : وكمه ، قال : لا ، انما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما ، فأما إذا كان ثوبا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

٢٤٦

لبيسا فلا تقطع منه إلا أزراره » وضعف سنده مع ما عرفت يوجب حمله على الكراهة ، فما عن المهذب لا يجوز ضعيف ، ومنه كغيره من الأخبار المشتملة على الصحيح يستفاد عدم كراهة ذلك في ذي كم كان يلبسه هو أو غيره ، مع ما في التذكرة من نسبته إلى علمائنا ، وكشف اللثام إلى قطع الأصحاب ، ومن هنا قيد المصنف كغيره من الأصحاب بالمبتدأة ، نعم هو صريح كصحيح ابن بزيع في قطع أزراره ، وظاهره الوجوب ، فالمتجه القول به إن لم يكن إجماع على عدمه ، وإلا فالأصل والإطلاق لا يعارضان ، وعدم التعرض له فيما ورد من تكفين فاطمة بنت أسد بقميص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا دلالة فيه على الجواز بدونه فتأمل.

وكذا يكره أن يكتب عليها أي الأكفان بالسواد كما في الوسيلة والجامع والمعتبر والنافع وكثير من كتب المتأخرين ، وفي المبسوط « لا يكتب » كما عن النهاية « لا يجوز » ولم نقف على دليل يقتضي الكراهة فضلا عن الحرمة سوى دعوى تناول النهي عن التكفين بالسواد له ، وهو مع تسليم التناول سيما لما كتب عليه القليل كالشهادتين فقط إنما يفيد الكراهة ، لقصوره عن إفادة الحرمة كما تقدم سابقا ، وعلل في المعتبر الكراهة بالاستبشاع ، وبأن وظائف الميت متلقاة فتتوقف على الدلالة ، والأول اعتبار محض ، والثاني ـ مع أنه لو تم لاقتضى المنع ـ يتجه لو كان المدعى التوظيف فيه ، وعدم الكراهة أعم منه ومن الجواز كما هو قضية إطلاق دليل استحباب الكتابة ، ومما ذكرنا يعرف ما في إلحاق مطلق الأصباغ بالسواد كما عن بعضهم ، لعدم الدليل عليه إلا دعوى تناول السواد له ، وهو كما ترى ، ثم إن الحكم من الأصحاب بالكراهة في خصوص الأسود في المقام قاض بأن مرادهم في الترتيب السابق بالنسبة للتربة والطين والماء والإصبع إنما هو في الفضيلة ، فتأمل.

وكذا يكره أن يجعل في سمعه أو بصره شيئا من الكافور كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

٢٤٧

مسائل ثلاث‌ ( الأولى ) إذا خرج من الميت نجاسة قبل تكفينه تنجس بها بدنه وجب إزالتها عنه من غير فرق في ذلك بين كونها بعد تمام الغسل أو في أثنائه بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه كما اعترف به في كشف اللثام ، وهو الظاهر من غيره ، ويدل عليه في الجملة ـ مضافا إلى فحوى ما دل (١) على قرض الكفن عند تنجسه والى ما في بعض الأخبار (٢) من مطلوبية ملاقاته لربه طاهر الجسد ، وإشعار جملة منها (٣) أيضا بالتحفظ عليه من النجاسة ـ قول الصادق عليه‌السلام في موثق روح بن عبد الرحمن (٤) : « إن بدا من الميت شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ، ولا تعد الغسل » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر الكاهلي والحسين بن المختار (٥) بعد أن سألاه عن الميت يخرج منه شي‌ء بعد ما يفرغ من غسله : « يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل » وخبر سهل (٦) عن بعض أصحابه رفعه ، قال : « إذا غسل الميت ثم أحدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل ».

نعم قد يستشكل في وجوب إزالتها لو كانت في الأثناء قبل الشروع في الباقي منه أو عند إرادة غسل محلها على نحو ما تقدم في النجاسة السابقة على أصل الغسل ، لكن ينبغي القطع بعدم وجوب إزالتها عن العضو الذي غسل ، فتنجس بعد غسله سابقا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣ و ٥ والباب ١٤ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١ لكن رواه عن روح بن عبد الرحيم.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

٢٤٨

على تمام تلك الغسلة ، وإن احتمل وجوبه بالنسبة إلى أصل الشروع في الغسلة التي بعدها إن كانت ، وإلا كان له تأخير الإزالة بعد تمامها للأصل وإطلاق الأدلة السالمين عن المعارض ، وهو واضح ، كما أنه ينبغي القطع أيضا بعدم إعادة الغسل لو كانت النجاسة غير حدثية مطلقا ، وكذا الحدثية لو كانت بعد تمام الغسل للأصل وما سمعته من الأخبار السابقة المؤيدة بإطلاق غيرها منها ومن فتاوى أكثر الأصحاب ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، إذ لا خلاف فيه من أحد حتى ابن أبي عقيل ، لظهور لفظ الاستقبال في المحكي عنه في الأثناء كما تسمعه ، وإن حكاه بعضهم عنه أيضا ، وإلا كان محجوجا بما عرفت ، مضافا إلى عدم المستند له كالذي حكاه في الذكرى عن بعض المنتمين إلى الشيعة أنه إن حدث في أثناء الثلاث لم يلتفت إليه ، وإن حدث بعد إكمالها تممت خمسا ، وبعد الخمس يكمل سبعا ، وبعد السبع لم يلتفت إليه ، ولقد أجاد الشهيد حيث قال بعد نقله ذلك : « وهذا مبني على ما لم يثبت عن أهل البيت عليهم‌السلام »

وكذا لو كانت حدثية في الأثناء على المشهور بين الأصحاب كما في كشف اللثام وغيره ، بل قد يظهر من بعضهم انحصار المخالف في ابن أبي عقيل ، حيث قال : فان انتقض منه شي‌ء استقبل به الغسل استقبالا ، ولعله لكونه كغسل الجنابة أو نفسه ، وهو ينتقض بالحدث ، ولإرادة خروجه من الدنيا طاهرا ، ولما يشعر به تقييد عدم الإعادة في خبر روح وغيره بالخروج بعده ، وفيه ـ مع أن الأول مبني على إعادة غسل الجنابة بذلك ، وهو خلاف التحقيق كما عرفت ـ قد يدفع بانصراف التشبيه بالأخبار إلى إرادة الكيفية ، كما أن الذي دل منها على كونه غسل جنابة حقيقة ظاهر في إرادة الحكمة ، أو محمول على ما لا يعرفه إلا الإمام عليه‌السلام من الأمور التي لا يناط التكليف الظاهري بها ، مضافا إلى عدم تناول ما دل على انتقاض غسل الجنابة من المرسلة السابقة هناك وغيرها لمثل ذلك ، كما هو واضح عند التأمل ، والثاني ـ مع أنه مبني‌

٢٤٩

على أن الموت من الأحداث ـ مصادرة محضة ، والثالث ـ مع أنه معارض بما يشعر به الأمر بمسح بطنه قبل كل غسلة من الغسلات الثلاثة من غير أمر بإعادة الغسل لو خرج منه شي‌ء مثلا قبل غسلة الكافور أو بعدها بل ظاهرها عدمه ، بل لعله صريح‌ خبر يونس (١) لقوله عليه‌السلام : « فان خرج منه شي‌ء فأنقه ثم اغسل » إلى آخره ـ إن أقصاه بعد تنقيح تقريره فيها مفهوم غير دال على الوجوب لا يصلح لأن يحكم به على الأصل بمعنييه وإطلاق الأدلة الظاهرة في الاجتزاء مطلقا المؤيدين بالشهرة المحكية وإن كان في تحققها نظر ، لقلة من تعرض لخصوص المسألة من الأصحاب ، بل قد يشعر اقتصار جملة منهم على ذكر الخروج بعد الغسلات الثلاثة بالخلاف في المقام ، ومن هنا كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك هنا سيما على القول بوجوب مراعاته في مثله ، وسيما لو كان الحدث في أثناء غسل القراح ، ومما ذكرنا يظهر لك عدم إعادة الوضوء لو كان قد فعله سابقا ، للأصل واقتضاء الأمر الإجزاء المؤيدين يخلو بالنصوص وأكثر الفتاوى منه ، بل في الخلاف الإجماع عليه لو كان الحدث بعد الثالثة.

هذا كله قبل التكفين ، وأما إذا كان خروج النجاسة بعد تكفينه ف لا إشكال في عدم وجوب إعادة الغسل أيضا لما عرفت ، وإن لاقت جسده غسلت بالماء لما عرفت من وجوب إزالة النجاسة عنه ، لكن ظاهره كغيره بل كاد يكون صريح الذكرى أنه لا فرق في ذلك بين طرحه في القبر وعدمه بل ولو توقف إزالتها على خروجه منه ، ولعله لإطلاق الأدلة السابقة ، إلا أن شمولها لبعض ذلك كما لو كان بعد الوضع في القبر أو التوقف على الخروج منه نظر وتأمل ، لظهور سياقها فيما قبل الوضع في القبر كما في الحدائق ، بل قد يشعر أمرهم بقرض الكفن في مثل هذين الحالين كما ستعرف من غير تعرض لغسل البدن مع تلازمهما غالبا بالعفو عنها ، ومن هنا قال في الحدائق :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

٢٥٠

إن الظاهر من كلامهم اغتفارها في مثل ذلك ، اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم على غلبة تعذر غسل البدن المعتبر شرعا حينئذ فيه ، وإخراجه منه لذلك هتك لحرمته وأذية له من غير دليل ، نعم لو تمكن من الإزالة فيه على الوجه المعتبر شرعا بحيث لا يتنجس الميت أو كفنه أمكن القول حينئذ بالوجوب ، لإطلاق أو عموم ما دل على وجوب إزالتها عنه ، ولقد أجاد المحقق الثاني حيث قال : « تجب إزالة النجاسة على كل حال وإن وضع في القبر ، إلا مع التعذر ولا يجوز إخراجه بحال لما فيه من هتك الميت ، مع أن القبر محل النجاسة » انتهى. وربما يظهر من المحكي عن الأردبيلي الإجماع على وجوب إزالة النجاسة عن البدن قبل الدفن مطلقا.

(و) أما ( إن لاقت ) النجاسة كفنه ف ظاهر الأصحاب وجوب الإزالة ، ويؤيده أوامر القرض ، وما تقدم سابقا من عدم جواز التكفين بالنجس ، واحتمال قصره على النجاسة السابقة على التكفين ممنوع ، فما عن ابن حمزة من الاستحباب ضعيف ، نعم خيرة المصنف ككثير من المتأخرين بل في المدارك نسبته إلى الصدوقين وأكثر الأصحاب ، وفي مجمع البرهان إلى الأصحاب إزالتها كذلك أي كالبدن تغسيل بالماء إلا أن يكون بعد طرحه في القبر ، فإنها تقرض بل قيده المحقق الثاني تبعا للشهيد في البيان بما إذا لم يتمكن من الغسل في القبر ، ولعله مراد من أطلق ، تنزيلا لإطلاقهم على غلبة التعذر فيه ، خلافا للشيخ وابني حمزة وسعيد وعن ابن البراج من إطلاق القرض من غير فرق بين الوضع في القبر وعدمه.

واليه أشار المصنف بقوله ( ومنهم من أوجب قرضا مطلقا ) وكأنه لقول الصادق عليه‌السلام في الصحيح إلى ابن أبي عمير (١) وابن أبي نصر (٢) عن غير واحد : « إذا خرج من الميت شي‌ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن » وقوله عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

٢٥١

في خبر الكاهلي (١) : « إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي‌ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض » والمناقشة في سند الأولى بالإرسال والثانية بعدم توثيق الكاهلي في غير محلها بعد كون المرسل ابن أبي عمير ، سيما بعد ضميمة ابن أبي نصر معه وإرساله عن غير واحد ومدح الكاهلي ، بل لعله ثقة بناء على الظنون الاجتهادية مضافا إلى عمل الأصحاب بها في الجملة ، كما أنه لا وجه لدعوى معارضتها بالأخبار السابقة الآمرة بالغسل ، وبالنهي عن إتلاف المال ، مع استلزام القرض انتفاء الساترية عن الكفن أو أحد أثوابه بناء على اعتبارها في كل واحد منها ، فتنزل حينئذ هذه على الوضع في القبر مطلقا أو مع قيد عدم التمكن من الغسل.

( و) من هنا قال المصنف : إن الأول أولى إذ ذلك ـ بعد تسليم ظهور تلك فيما يشمل الكفن وعدم ظهور هذه فيما قبل الوضع في القبر ـ من تعارض الإطلاق والتقييد ، على أنه لا شاهد له سوى ما يحكى عن‌ الفقه الرضوي (٢) على نحو عبارة الصدوق « فان خرج منه شي‌ء بعد الغسل فلا تعد غسله لكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده ، فإن خرج منه شي‌ء في لحده لم تغسل كفنه لكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه ، ومددت أحد الثوبين على الآخر » وهو مبني على حجيته في نفسه ، ويقوى في النفس أن المراد بأوامر القرض الإرشاد والتعليم والتنبيه على العلاج الذي لا ينتقل إليه الذهن عند الابتلاء بذلك ، وإلا فالمطلوب الإزالة على أي نحو كان مع المحافظة على ما ثبت اشتراطه فيه في هذا الحال ، فالمتبع فيه حينئذ الترجيح الذي لا ينفك عنه غالب أفعال العقلاء ، فربما يكون القرض أرجح من الغسل قبل الوضع ، كما لو كان المتنجس من الكفن مثلا قليلا من أطرافه وكان الغسل محتاجا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٢٥٢

إلى تكلف مع خوف عدم الإزالة على الوجه المعتبر ونحو ذلك ، وقد ينعكس الحال على حسب أثواب الحي وإن ورد الأمر بغسلها ، نعم قد يقال برجحان القرض على الغسل في خصوص الميت عند تساوي مصلحتيهما ، لأن مآل كفنه إلى التلف ، ولأنه أبلغ في الإزالة من الغسل ونحو ذلك ، ولعله لذا عد في الوسيلة من المندوبات قرض ما أصاب الكفن من النجاسة ، والا فلا يريد استحباب أصل الإزالة ، لمخالفته لظاهر اتفاق الأصحاب وإن فهمه منه في كشف اللثام كما سمعته سابقا ، وما يقال ـ إن القرض قد يؤدي الى انتفاء الساترية في الكفن أو أحد أثوابه ـ فيه ـ مع أنه مبني على اعتبار الاستدامة في ذلك كالابتداء ، وانه لا يكتفي بالمواراة فيه ولو بمخالفة الأثواب أو نحو ذلك ـ أنه لا يقضي بتعين الغسل مطلقا ، فلعلنا نلتزمه حينئذ مع التمكن منه ، كما أنه قد يتعين القرض عند تعذر الغسل مثلا ، فتأمل جيدا.

ولو تنجس معظم الكفن بحيث يفحش قرضه ومع ذلك تعذر غسله فقد يظهر من الذكرى حينئذ كجامع المقاصد سقوطهما للحرج ، وقد ينظر فيه بعد فرض عدم تناول أدلة القرض لمثله حتى يجتزى به بأن المتجه وجوب إبداله على الولي ، اللهم إلا أن يقال : إن قضية الأصل وجوب مهية التكفين على الولي مثلا وقد حصل ، وان هذه تكاليف أخر مستقلة ، فتسقط بالتعذر ، وليست هي من شرائط الكفن ، المجزئ شرعا ، والمقام يحتاج إلى التأمل ، ومنه تحصل للمسألة شعوب كثيرة غير منقحة في كلامهم ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة ( الثانية كفن المرأة على زوجها ) إجماعا كما في الخلاف والتنقيح وعن نهاية الأحكام وإن كانت ذا مال كما عليه فتوى الأصحاب في المعتبر والذكرى ، وعند علمائنا في المنتهى والتذكرة ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ خبر السكوني (١) عن جعفر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

٢٥٣

عن أبيه عليهما‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : على الزوج كفن امرأته أن ماتت » والصحيح المروي في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « ثمن الكفن من جميع المال وقال عليه‌السلام : كفن المرأة على زوجها إذا ماتت » كما استدل به جماعة من متأخري المتأخرين ، لكن احتمل بعضهم أنه ليس من جملة الصحيح ، بل من مراسيل الصدوق مؤيدا لذلك بالمتعارف من عادة الصدوق ، ويخلوها عن ذلك في رواية الكافي والتهذيب بهذا السند أو قريب منه ، وبعدم استدلال أحد به إلى زمان صاحب المدارك.

قلت : لو سلم ذلك فلا ريب في حجيته بعد الانجبار بما عرفت ، ولعل ما ذكرنا هو الحجة في المقام أو من التعليل بأنه من الإنفاق الواجب على الزوج لبقاء الزوجية بعد الموت ، ولذا جاز له تغسيلها والنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه إلا به ، ولقوله تعالى (٢) : ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) فسماهن أزواجا بعد الترك ، قال في المعتبر : « وإذا ثبت تسميتها زوجة لزم كفنها » ولأن سقوط أحكام الزوجية إنما تتحقق متأخرة عن الوفاة ، والكفن يجب عند الوفاة مقارنا لا متأخرا ، وفيه بعد تسليم صدق اسم الزوجة في هذا الحال منع دوران وجوب النفقة عليه ، لمكان ظهور أدلتها في غيره ، بل لعله لا يدخل تحت مسمى النفقة التي أمر بها ، ومن هنا يسقط وجوب نفقة من وجب الإنفاق عليه من الأقارب بموته وإن بقي الاسم ، فما ذكر من بقاء تلك الأمور من النظر واللمس ونحوهما لا يجدي حينئذ في إثبات المدعى ، مع إمكان القول بأن المقتضي لها الزوجية السابقة المستمرة إلى الموت ، وإمكان معارضتها أيضا بثبوت ما ينافيها من حلية نكاح الأخت والخامسة ونحو ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ و ٣٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) سورة النساء ـ الآية ١٣.

٢٥٤

فالعمدة ما سمعته من إطلاق النص المنجبر بمعقد الإجماعات المتقدمة ، فكل ما اندرج فيها جرى الحكم عليه ، فلا فرق حينئذ بين المدخول بها وغيرها ولا بين الصغيرة والكبيرة ولا بين الحرة والأمة وإن كان بين ما دل على كون الكفن على السيد والزوج عموم من وجه ، لظهور حكم ما نحن فيه عليه كالنفقة ، ولا بين الناشزة والمطيعة ، ولا بين العاقلة والمجنونة ، ولا بين الدائمة والمتمتع بها إلا ما شك في اندراجه فيه كما احتمله في المدارك أو غيرها في الأخيرة معللا له بأن المنصرف إلى الذهن عند الإطلاق الدائمة ، وعساه الظاهر من البيان والدروس أيضا ، وفيه منع ، سيما في التي استعدها الرجل أهلا ، وجعل مدة عقدها سنينا متعددة ، وأولى منه في المنع ما في الرياض من دعوى عدم انصراف الإطلاق للناشز أيضا ، إذ نشوزها لا يقضي بذلك قطعا ، نعم ذكر جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في جامع المقاصد أنه بناء على الاستدلال للحكم بالتعليل السابق يتجه حينئذ عدم الوجوب فيها وفي سابقتها ، بل قال في الأخير : « إن عدم تعلق النفقة في حال الحياة لعدم صلاحية الزوجية في المتمتع بها لذلك ، ولثبوت المانع في الناشز يقتضي عدم تعلق الكفن بعد الموت بطريق أولى ، لزوال الزوجية حينئذ أو ضعفها ، ولذا تحل له أختها والخامسة ، فيقيد بذلك إطلاق الخبر مع ضعفه ، ولعل عدم الوجوب أظهر » انتهى.

وأنت خبير بما في ذلك كله بعد ما عرفت أن المستند إطلاق النص المنجبر بما تقدم على تقدير ضعفه ، وإطلاق معقد الإجماعات السابقة ، على أنا نقول : إن الاستدلال بالتعليل السابق لا يمنع من الاستدلال بما قلنا في المقام الذي لا يجري فيه ، كما أن وجود غيره مما ذكرنا لا يمنع من الاستدلال به في المحل الذي يجري فيه ، إذ لا مانع من تعدد الأدلة ، فيتجه حينئذ الاستدلال به على ما نص عليه جماعة من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا من إيجاب باقي مؤن التجهيز كثمن السدر والكافور ونحوهما وإن لم تنهض‌

٢٥٥

الإطلاقات عليه ، لكنه لا يخلو من نظر ، لما عرفته من المناقشة السابقة في التعليل ، فيبقى الأصل حينئذ محكما ، ولعله من هنا توقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين ، اللهم إلا أن يستفاد ذلك من فحوى وجوب الكفن ، فتأمل جيدا.

ثم إنه مما تقدم من الإطلاق في الزوجة تعرف الإطلاق أيضا في الزوج من عدم الفرق بين صغيره وكبيره ومجنونه وعاقله ونحو ذلك وإن تعلق الخطاب حينئذ بالولي ، ويلحق بالزوجة المطلقة رجعية بخلاف البائن ، وفي المحللة وجهان ، أقواهما العدم.

هذا كله إذا كان الزوج مؤسرا ، وأما إذا كان معسرا لا يملك بعد المستثنيات في الدين أزيد من قوت يوم وليلة له ولعياله حتى بملاحظة ما انتقل منها إليه أو كان العقد متعة لا إرث فيه فقد صرح جماعة بل في الذخيرة نسبته إلى الأصحاب ، وفي المدارك إلى قطعهم بأنها تكون حينئذ من تركتها ، وظاهرهم سقوطها عن الزوج حتى لو أيسر بعد الدفن ، وربما علل أصل الحكم بأن الإرث إنما هو بعد الكفن ، وهو لا يرجع إلى محصل عند التأمل إلا أن يراد أن ما دل على كون الكفن من أصل المال ظاهر في تناوله للرجل والمرأة ، والمتيقن من خروجه عند بالنسبة للزوجة إنما هو مع يسار الزوج ، لكن لو لا عدم معروفية الخلاف فيه وانجبار تلك العمومات بذلك مع معلومية زيادة أمر الكفن على النفقة والدين لأمكن المناقشة فيه بإطلاق ما دل على لزوم الزوج القاضي بتحكيمه على الأول بفرديه ، فيجب عليه مع التمكن ، ولو كان معسرا كما احتمله في المدارك وغيرها ، والقياس على الدين والنفقة لا نقول به ، بل ومع عدمه ينبغي أن تكون كفاقد الكفن تدفن عارية أو تكفن من بيت المال أو نحو ذلك ، إذ سقوط الخطاب عنه حينئذ لعدم قدرته لا يقضي بالانتقال إلى تركتها ، كما أن عصيانه بعدم أدائه حال يساره وعدم التمكن من إجباره لا يقضي بذلك أيضا ، لكن ذلك كله مدفوع بما عرفت ، فتأمل.

٢٥٦

ولو أعسر عن البعض وجب ما تيسر ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولأن إيجاب الكفن يقتضي جميع أجزائه ، واحتمال سقوطه بتعذر الكل ضعيف ، وهل يزاحم وجوب الكفن حق الديان أو النفقة الواجبة ونحوهما من الحقوق المالية أو يقدم عليها؟ احتمالان ، أقواهما الأول ، ولو كان قد تعلق به حق الديانة بحجر لفلس قبل موت الزوجة سقط وجوب الكفن على الظاهر ، وكذا لو كان مال الزوج مرهونا لم يجب تكفينها ، لامتناع تصرفه به إلا أن يبقى بعد الدين بقية ، فيجب التوصل إلى صرفها بحسب الممكن شرعا كالنفقة ، ولو اقترن موت الزوجة والزوج فالظاهر السقوط للأصل ، مع ظهور انصراف الأدلة لغيره نعم لو مات بعدها لم يسقط ، لكونه من الواجبات المالية ، ولو لم يكن عنده إلا كفن واحد فالظاهر تقديمه عليها لما دل على تقديم الكفن على سائر الحقوق ، واحتمال تقديمها عليه لسبق التعلق ضعيف حتى لو كان قد وضع عليها ، لعدم زوال ملكه عنه بذلك ، ولذا كان له إبداله ، نعم لو دفنت فلا إشكال في اختصاصها به وإن لم نقل بخروجه عن ملكه أيضا بذلك ، مع أنه محتمل لثبوت استحقاقها له ، لكنه ضعيف لعدم صلاحية الميت للملك ابتداء ، وما يشعر به‌ قول الكاظم عليه‌السلام في خبر الفضل بن يونس (١) بعد أن سأله « عن الميت الذي لم يخلف شيئا أجهزه من مال الزكاة؟ ـ إلى أن قال له أيضا ـ : فإن اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان عليه دين أيجعل الدين؟ قال : لا ، ليس هذا ميراثا إنما هذا شي‌ء صار إليه بعد وفاته » الحديث.

وتظهر الثمرة فيما لو اتفق وجود الكفن ويئس من الميت بأن أخذه السيل أو السبع ونحوهما ، فعلى الأول يختص الزوج به ، كما لو كان الكفن مأخوذا من بيت المال مثلا أو تبرع به متبرع فإنه يعود إليهما ، وعلى الثاني يكون ميراثا ، وقد يحتمل أن يكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

٢٥٧

الناس فيه شرعا سواء ، لزوال ملك الزوج عنه بالاعراض ، وعدم ملك الميت له حتى يكون إرثا ، فتأمل.

ولا يلحق بالزوجة في وجوب الكفن من وجبت نفقته من الأقارب والأباعد إلا المملوك على ما صرح به الفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني وصاحبو المدارك والذخيرة والحدائق والرياض ، بل لا أجد خلافا في كل من الحكمين ، بل في المعتبر والتذكرة والذكرى والروض والمدارك الإجماع عليه بالنسبة للمملوك ، وقضية الإطلاق أنه لا فرق بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شي‌ء ، أما لو تحرر منه شي‌ء فبالنسبة ، بل قد يظهر من الذكرى وغيرها اندراج ذلك كله تحت ما ادعاه من الإجماع ، وكفى بذلك حجة عليه ، وأما الحكم الأول فلم أجد من توقف فيه ممن عادته ذلك فضلا عن المخالف ، كما هو الظاهر من العلامة حيث لم ينقل فيه خلافا إلا من الشافعي ، حيث أوجبه على من وجبت عليه النفقة ، بل قد يظهر من الروض كون ذلك من المسلمات حيث جعله إلزاما على تعليل وجوب كفن الزوجة بالنفقة.

وكيف كان فمستندهم كما صرح به جماعة الأصل مع فقد المعارض ، والقياس على الزوجة لا نقول به ، قلت : وما عساه يتخيل من أن قضية إطلاق الأوامر بالتكفين يقتضي إيجاب المقدمات التي منها بذل الكفن مدفوع ـ بعد تسليم اقتضائها ذلك ، وإلا فقد يقال إنها إنما تقتضي عمل التكفين فقط بالكفن مع وجوده لا بذل الكفن ، فتأمل ـ بأن الإجماع محصل أو منقول كما ستعرفه على كون الكفن من صلب المال ، فمنه يظهر أن المراد بتلك المطلقات إنما هو ذلك أي عمل التكفين ، فحيث لا يكون له مال يتجه حينئذ سقوطه ، للأصل مع عدم الدليل على الانتقال ، لمكان تنزيل تلك المطلقات على ما عرفت ، فهي لا دلالة فيها وليس غيرها ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع فيما يأتي ، وكذا الكلام في مؤن التجهيز كقيمة السدر والكافور ونحوهما مما يرجع إلى المال ، ولا استبعاد في‌

٢٥٨

ذلك كله بعد قيادة الدليل إليه من غير فرق فيه بين القليل والكثير وشدة قرب الميت وعدمها ، وقابليته للملك وعدمه كالسقط.

( ويؤخذ كفن الرجل من أصل تركته ) دون ثلثه بإجماع الفرقة ، فإنهم لا يختلفون في ذلك كما في الخلاف ، ومذهب أهل العلم إلا شذاذ من الجمهور كما في المعتبر ، ونحوه في التذكرة ، لكن مع وصف الكفن بالواجب ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) : « الكفن من جميع المال » والمراد بأصل المال وجميعه أنه يبدأ به مقدما على الديون كما يكشف عنه‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر السكوني (٢) : « أول شي‌ء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الميراث » وفي‌ صحيح زرارة المضمر (٣) « سألته عن رجل مات وعليه دين بقدر ثمن الكفن ، قال : يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن يتجر عليه بعض الناس ، فيكفنوه ويقضي ما عليه مما ترك » هذا كله مع حكاية الإجماع عليه أيضا من جماعة ، وبالأولى يستفاد تقديمه أيضا على الوصايا والإرث ، بل في كشف اللثام والروض وغيرهما الإجماع عليه أيضا ، وإطلاق النص والفتوى ومعاقد الإجماعات يقتضي تقديمه على حق المرتهن والمجني عليه وغرماء المفلس ، بل لم أعرف فيه خلافا بالنسبة إلى الأخير ، بل في الروض أنه يقدم عليه قطعا.

قلت : ولعله كذلك ، ودعوى الشك في شمول الأدلة ممنوعة ، نعم قد يتردد فيه بالنسبة إلى الرهن لسبق التعلق بالعين ، وتقدمه على النفقة في الحياة ، وأولى منه حق الجناية في العبد الجاني مع سبقها على الموت ، بل في الذكرى تقديم حق المرتهن إلا أنه قد يقوى الفرق بين الرهن والجناية ، فيقدم على الأول بدعوى تناول الأدلة له بخلاف الثاني ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من كتاب الوصايا ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الوصايا ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من كتاب الوصايا ـ حديث ٢.

٢٥٩

ثم إن الظاهر من تقييد الكفن بالواجب كما في التذكرة خروج المندوب عنه إلا برضا الوارث ، وبه صرح في المعتبر وجامع المقاصد ، بل في أولهما أنه لو كان هناك دين مستوعب منع من الندب ، وإن كنا لا نبيع ثياب التجمل للمفلس لحاجته إلى التجمل بخلاف الميت فإنه أحوج إلى براءة ذمته ، ولو أوصى بالندب فهو من الثلث إلا مع الإجازة. قلت : والظاهر أن مرادهم بالندب ما يشمل الزيادات المستحبة في القطع الواجبة ، ولكن قد تقدم سابقا لنا بحث في ذلك ، ولعله يتأتى في المستحب الصرف أيضا كالحبرة ، بناء على أن ذلك من المستحبات المالية مخاطب به الولي مثلا ، فيتبع اختياره من غير نظر إلى غيره من الوراث صغارا كانوا أم كبارا ، فيكون من قبيل استحباب خروج الزكاة من مال الطفل ، ويؤيده إطلاق ما دل على أن الكفن من صلب المال من غير تخصيص له بالواجب والمندوب ، فالواجب منه واجب ، والمندوب منه مندوب ، بل لعل حق الدين أيضا لا يزاحم ذلك ، لما دل على تعلق الدين بعده ، نعم لو كان المخاطب بالندب نفس الوارث كان اعتبار رضاه متجها ، فتأمل جيدا ، ولو أوصى بعدم الندب احتمل إلغاء ذلك ونفوذه ، ولعل التفصيل بملاحظة المصلحة إما رفقا بالورثة أو حصول الغضاضة عليه بتبرع متبرع فتنفذ ، وإلا فلا ـ لا يخلو من قوة.

( فان لم يكن له كفن دفن ) جوازا ( عاريا ، ولا يجب على ) أحد من المسلمين بذل كفنه كما صرح به جماعة من الأصحاب ، بل نسبه في جامع المقاصد إلى كثير منهم ، بل في المدارك أنه لا خلاف فيه بين العلماء ، كما استظهر نفيه أيضا في الذخيرة وأرسل بعضهم عن نهاية الأحكام الإجماع عليه ، بل يستحب اتفاقا كما في كشف اللثام ، ولا خلاف فيه كما في المدارك ، واستظهره أيضا في الذخيرة ، كما أنه أرسل عن نهاية الأحكام الإجماع عليه ، ويدل عليه أيضا‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح سعد بن طريف (١) قال : « من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

٢٦٠