جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مطرزة بالذهب فيدل عليه ـ مضافا إلى ما عرفت من أنه معقد إجماعي المعتبر والتذكرة وإلى أنه إتلاف مال غير مأذون فيه ـ ما في جامع المقاصد من تعليله بامتناع الصلاة ، نعم قد يناقش فيما ألحقه به بعضهم من المنع أيضا بالمطرز بالحرير ، لأنه إتلاف مال غير مأذون فيه بأنه يكفي في الاذن إطلاق الحبرة ، نعم قد يستشكل في خصوص التطريز بالحرير إذا لم يكن من قبيل مزج السداء واللحمة تبعا للإشكال في الصلاة فيه.

وحاصل الكلام فيه وفي سابقه أن ما منع من الصلاة فيه منع من التكفين فيه ، لما عرفت سابقا ، وإلا كان كل ما يدخل تحت مسمى الحبرة يستحب التكفين به مزج بحرير أو غيره أولا ، سيما بعد ما ورد من استحباب المغالاة في الكفن ، وقد تقدم خبر البرد وتسمع غيره ، نعم لو حسنت الحبرة بأمور خارجة عن مادتها كأن أضيف إليها شي‌ء من الذهب ونحوه اتجه المنع للإتلاف.

ثم إنه قد ظهر لك أن قضية ما سمعته من تعليل المطرز بالذهب المنع من التكفين به ، فما في الرياض من جعل ذلك مستحبا مع تعليله بما يقضي بمنعه لا يخلو من نظر ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب زيادة خرقة لفخذيه إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (١) وإن اشتملت على الأمر الظاهر في الوجوب ، بل‌ في بعضها « أن الخرقة والعمامة لا بد منهما وليستا من الكفن » لكن صرف ذلك إلى إرادة الاستحباب لازم في المقام كما لا يخفى ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الله ابن سنان (٢) : « إن الخرقة لا تعد شيئا ، إنما تصنع لتضم ما هناك ، وما يصنع من القطن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨ و ١٢ و ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨ ونصه‌ « تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه ، قلت : فالإزار؟ قال : لا ، أنها لا تعد شيئا » إلخ قال في الوافي في بيان هذا الحديث : « إذا كانت الخرقة تواري العورة فما تصنع بالإزار؟ فقال عليه‌السلام : « إنها لا تعد شيئا » ‌، يعني أن الخرقة لا تعد من الكفن ، ولا تغني من الإزار والإزار لا بد منه ».

٢٠١

أفضل منها » ونحوه خبر حمران بن أعين (١) وفي هذا الصحيح كخبر عمار (٢) تصريح بكون هذه الخرقة غير المئزر ، فما عساه يظهر من الفقيه كما عن المقنع من أنها المئزر ليس بشي‌ء.

ثم إنه لا فرق في استحباب الخرقة بين الرجل والمرأة للأصل واتحاد المقتضي والمرسل المرفوع (٣) الدال على اتحاد كفنهما غير أنها تزاد لفافة لثدييها ، إلى أن قال : « ثم تشد عليها الخرقة شدا شديدا » وتسمى هذه الخرقة عندهم الخامسة ، وكأنه لأنها كذلك من حيث زيادة الحبرة على الثلاثة الواجبة ، أو لأنها خامسة الأكفان المشتركة بين الرجل والمرأة ، وقد يناقش في الأول بزيادة العمامة ، واحتمال القول إن العمامة ليست من الكفن يدفعه مع أن الخرقة أيضا كذلك أن ظاهر الصحيح وغيره كونها منه ، ومن هنا قيل كونها من المندوب دون المفروض طريق الجمع وتظهر الثمرة في الدخول والخروج بنذر الكفن المندوب ، قلت : لكن قد يناقش فيه بأنه يأباه‌ قول الصادق عليه‌السلام : « كتب أبي في وصيته ـ إلى أن قال ـ : وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن إنما يعد ما يلف به الجسد » من حيث اشتماله على التعليل المنافي لجعلها من الواجب والمندوب ، فلعل الأولى عدم كونها منه شرعا ، وصرف ما دل على ذلك إلى نوع من المجاز ، نعم قد يشعر هذا التعليل كظاهر غيره بكون الخرقة منه ، فيتجه حينئذ الجمع المتقدم بالنسبة إليها ، لكن ومع ذلك لا يخلو عدها من جملة أجزاء الكفن من تأمل ونظر.

ثم الخرقة ينبغي أن يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر ونصف كما في خبر عمار عن الصادق عليه‌السلام (٤) وفي عرض شبر في‌ خبر يونس عنهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

٢٠٢

عليهم‌السلام (١) لكن ليس فيه تقدير الطول ، إنما فيه خرقة طويلة ، وفي آخره « وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا » ولعله لذا قال المصنف تقريبا جمعا بينهما ، فيجزئ كل منهما كما أنه يجزئ الأقل والأزيد ما لم يؤد إلى الإسراف ، بل وكذا الطول ، ولعل التقريب في المتن راجع إلى الجميع ، فتأمل.

وذكر المصنف في كيفية لف الخرقة المذكورة أن يشد طرفاها على حقويه ، ويلف بما استرسل منها فخذاه لفا شديدا وفي المعتبر وخرقة لشد فخذيه لفا شديدا ثم يخرج طرفها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ، ويغمزه في الموضع الذي شدها فيه ، ولم أعثر على كيفية ذلك في شي‌ء من كلمات قدماء الأصحاب ، بل قضيتها سيما معقد إجماع الغنية وغيرها كالمحكي عن أكثر عبارات الأصحاب تأدي السنة بشدها من الحقوين ولفها على الفخذين بأي وجه اتفق ، ويؤيده ما صرح به في (٢) من أن الغرض منها كي لا يبدوا من ما هناك شي‌ء ، فجعل المدار حينئذ على ذلك لا يخلو من قوة ، وإن كان الموجود في‌ مرسل يونس عنهم عليهم‌السلام (٣) « فشدها من حقويه ، وضم فخذيه ضما شديدا ، ولفها في فخذيه ، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ، واغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة ، وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا » والظاهر أن « في » في قوله عليه‌السلام : « في فخذيه » بمعنى « على » كما أن الظاهر إرادة الغمز في الموضع الذي انتهى عنده اللف منه ، وقد يحمل ما سمعته من المعتبر على ذلك ، فتأمل. وفي‌ خبر الكاهلي (٤) « ثم أزره بالخرقة ، ويكون تحتها القطن ، تذفره به إذفارا قطنا كثيرا ، ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شدا شديدا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨ و ١٢ والباب ١٤ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

٢٠٣

حتى لا تخاف أن يظهر شي‌ء » كذا فيما حضرني من نسختي الوسائل والوافي ، قال في الثاني : « والذفر بتقديم المعجمة الجمع الشديد والشد ، وفي بعض النسخ « أذفره » وكأنه بمعناه ، والإذفار كأنه لغة في الاثفار بالثاء المثلثة ، وهو الشد بالثفر أعني السير » انتهى.

وقد يقال : إن الأوجه من ذلك قرائتها أزره بالخرقة بالزاء المعجمة ، والإذفار إنما هو بالقطن بمعنى الاثفار ، ثم يؤزر بالخرقة عليه ، قال في كشف اللثام بعد هذه الرواية : « فيحتمل أن يكون أذفره بالفاء وإعجام الذال ، أي طيب الميت بالخرقة التي تحتها القطن ، وتطييب الميت بالقطن بنشر الذريرة عليه ، وأن يكون بالقاف وإهمال الدال ، أي أملاه أي ما بين إليتيه بالخرقة والقطن أي بالقطن ، ولذا أعاد قوله : « تذفره به » أي القطن ، وفي الذكرى هكذا وجد في الرواية ، والمعروف يثفر بها من أثفرت الدابة إثفارا ، قلت : فإن أريد به الاثفار فلعله إثفاره برأسها حين يخرج ويغمز في الموضع الذي لفت به » انتهى ما في كشف اللثام. ولا يخفى عليك بعد ما ذكره بل عدم استقامته سيما الثاني ، قلت : وكأن ما ذكره في المدارك تبعا لجده في الروض وغيره من الكيفية قد أخذه من هذه الرواية كما صرح به في الروض بناء على أن الموجود فيها الإذفار ، وأنه بمعنى الأثفار ، وهي بأن يربط أحد طرفي الخرقة على وسط الميت إما بأن يشق رأسها أو يجعل فيها خيط ونحوه ، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه ويضم بها عورته ضما شديدا ، ويخرجها من تحت الشداد الذي على وسطه ، ثم يلف حقويه وفخذيه بما بقي لفا شديدا ، فإذا انتهت فأدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت عنده ، انتهى.

وأنت خبير بعدم استفادة تمام ما ذكره من الأخبار ، بل خبر يونس ينافي بعض ذلك ، لكن لا بأس بذلك كما لا بأس بغيرها من الكيفيات لما عرفت ، ولخلو جملة من‌

٢٠٤

الأخبار عن التعرض للكيفية ، بل قضية إطلاقها ما سمعته منا سابقا ، ففي‌ خبر عمار (١) « التكفين أن تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه وفخذيه وعورته » ولعل المراد شدها تحت القميص ، ولكن بعد إلباسه إياه استظهارا في التحفظ من انكشاف عورته ، وفي‌ خبر حمران (٢) « يؤخذ خرقة فيشد بها سفله ، ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك » وفي‌ خبر معاوية بن وهب (٣) « وخرقة تعصب بها وسطه » إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة فيما ذكرنا ، وإن كان الأولى المحافظة على ما في خبر يونس ، وأما ما ذكره المصنف من شد الطرفين على الحقوين فلم أعثر على ما يشهد له ، بل قد يصعب تصوره إن أريد ظاهره بحيث ينطبق على ما عرفت ، فتأمل.

ثم إن المستفاد من النص والفتوى كون وضع الخرقة بعد أن يجعل بين ألييه شي‌ء من القطن مثلا وإن لم يكن شرطا في استحبابها كالعكس على الظاهر لكن الأحوط في مراعاة المستحب ذلك ، لما يظهر من بعض الأخبار (٤) والمراد بما بين إليتيه في العبارة وغيرها الوضع على دبره كما صرح به جماعة ، وقضيته إجماع الخلاف ، وحكي عن آخرين ، بل لا أجد فيه خلافا في الجملة ، إذ لا ينافيه الاقتصار على حشو الدبر من غير تعرض للوضع عليه كما حكي عن جماعة ، وهو الحجة بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٥) : « تبدأ فتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة » ونحوه في إفادة ذلك غيره ، ولعله يرجع إليه المحكي عن القاضي « ويسد دبره بالقطن سدا جيدا » بل المستفاد من‌ خبر يونس عنهم عليهم‌السلام (٦) وغيره استحباب وضعه على القبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣ و ٥ و ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

٢٠٥

أيضا ، قال فيه : « واعمد إلى قطن تذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجيه قبل ودبر » وحكي التصريح به عن جماعة ، بل قيل يمكن تعميم ما بين الأليتين لهما خصوصا في المرأة ، وعن التذكرة ونهاية الأحكام وصف القطن بنزع الحب ، ولا بأس به كما لا بأس بالتعدي من القطن إلى غيره بعد حصول الغرض به ، فتأمل.

وإن خشي خروج شي‌ء فلا بأس أن يحشى في دبره كما في القواعد والمنتهى ، وتعطيه عبارة الخلاف والجامع وغيرهما ، بل الظاهر أنه مراد كل من أطلق حشوه من دون اشتراط ذلك كما لا يخفى على من لاحظ عباراتهم ، إذ فيها شواهد عليه ، فما ظنه بعض متأخري المتأخرين من كون ذلك قولا مقابلا لما في المتن في غير محله ، نعم ظاهر السرائر أو صريحه كالمحكي عن نهاية الأحكام منع ذلك مطلقا مراعاة لحرمته ميتا كحرمته حيا ، وهو ضعيف ، بل لعل مراعاة الحرمة تقتضي العكس سيما بعد قيام الدليل عليه من إجماع الفرقة وعملهم عليه في الخلاف المؤيد بالتتبع لكلمات الأصحاب ، والمرسل المرفوع (١) « ويصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال ، ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٢) « وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل » وخبر يونس عنهم عليهم‌السلام (٣) « واحشوا القطن في دبره لئلا يخرج منه شي‌ء » وحملها على إرادة الحشو فيما بين الأليتين ونحو ذلك مجاز بعيد لا مقتضي له ، نعم يتجه الاقتصار على ما ذكره المصنف من الاشتراط كما يشعر به ما في الأخير ، ويؤيده مراعاة حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا ، كما أنه يستفاد أيضا من خبر عمار استحباب حشوه مع وضع القطن عليه أيضا ، فالاقتصار على الأول خاصة كما عن بعضهم لا يخلو من نظر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

٢٠٦

ثم الظاهر إرادة المصنف من نفي البأس الاستحباب كما هو ظاهر الأصحاب والأخبار وصريح معقد إجماع الخلاف ، ولا تقدير للقطن المحشو في الفتاوى وأكثر النصوص ، لكن في‌ خبر عمار (١) « تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من ».

وكذا يستحب زيادة عمامة يعمم بها إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (٢) وما في بعضها من ظهور الوجوب لا بد من صرفه إليه ، ولا مقدر لها في النصوص والفتاوى ، فيكون المدار على ما يحصل به اسمها ، لكن صرح جماعة أنه يعتبر فيها بالنسبة إلى الطول ما يؤدي الهيئة التي ستأتي بأن يلف بها رأسه ، ويكون لها ذؤابتان من الجانبين يلقيان على صدره ، وفي العرض ما يطلق معه اسم العمامة ، قلت : قد يناقش فيه بالنسبة إلى الأول بأن ذلك مستحب في مستحب ، وإلا فلا يعتبر فيها ذلك ، فالأولى حينئذ جعل المدار فيهما معا على صدق اسمها ، نعم ينبغي أن يكون لها حنك للنهي (٣) في بعض أخبار المقام عن عمة الأعرابي ، والظاهر أنها التي لم تشتمل على الحنك كما في الحدائق ، مع أن هذا في الحقيقة راجع إلى كيفية التعميم لا إلى العمامة ، فتأمل.

وقد تقدم سابقا أن الأقوى أن العمامة ليست من الكفن واجبة ومندوبه كما صرح به جماعة ، بل حكاه في كشف اللثام عن المعظم ، وعن كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ما يشعر به أخبار تكفينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أثواب (٤) مع ظهور أنه عمم ـ نفي كونها منه في عدة أخبار (٥) بل في بعضها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١ و ٨ و ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣ و ٤ و ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١ و ١٠ و ١٢.

٢٠٧

ما هو كالصريح في ذلك ، للتعليل فيه بأنه انما يعد من الكفن ما يلف به الجسد ، وفرع بعضهم على ذلك أنه لا يقطع سارقها من القبر ، لكونه حرزا للكفن ، وآخر انها لا تدخل في الوصية بالكفن المندوب ، وكذا النذر ، وللنظر فيهما مجال سيما الأول ، لكن الأمر في الثمرة سهل ، إذ هي إن لم تظهر في ذلك تظهر في أمور أخر كعدم اشتراط ما يشترط في الكفن فيها ، ونحو ذلك.

وفي الذكرى وجامع المقاصد والروضة في كتاب الحدود انها ليست من واجبة لكنها من مندوبه جمعا بين تلك الأخبار وبين ما دل على أنها منه ، كقوله عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) « ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف ، وعمامة يعصب بها رأسه » وفي‌ خبر معاوية بن وهب (٢) « يكفن الميت في خمسة ـ إلى أن قال ـ : وعمامة يعمم بها » وفي‌ خبر يونس بن يعقوب (٣) « ان أباه أوصاه فقال : اشتر لي بردا واحدا وعمامة وأجدهما فإن الموتى يتباهون بأكفانهم » وقد يقال : إن الجمع بحمل هذه الأخبار على نوع من المجاز أولى لما عرفت ، فتأمل.

وهيئته وضع العمامة أن يعمم بها محنكا بالإجماع على الظاهر كما في كشف اللثام وعليه الأصحاب في المعتبر ، وذهب إليه علماؤنا في التذكرة ، والظاهر أنه لا خلاف فيه في الذخيرة ، ومجمع عليه في الحدائق ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (٤) في العمامة للميت : « حنكه » قيل ويفيده‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عثمان النواء (٥) : « وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢ ـ ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

٢٠٨

قلت : كيف أصنع؟ قال : خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفيها على صدره » كذا عن التهذيب وأكثر نسخ الكافي ، وعن بعضها « وأطرح طرفيها على ظهره » والمراد بعمة الأعرابي من غير حنك كما في الحدائق وظاهر المبسوط.

ومن المعروف في رواية خبر عثمان النواء يستفاد ما ذكره المصنف من أنه يلف بها رأسه لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره وأتم منه في ذلك‌ خبر يونس عنهم عليهم‌السلام (١) « ثم يعمم ويؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ، ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن ، ثم يلقى على صدره » ونحوه المحكي عن الفقه الرضوي (٢) هذا مع انا لا نعرف في ذلك خلافا ، بل في التذكرة « ويستحب العمامة للرجل تثنى عليه محنكا ، ويخرج طرفاها من الحنك ، ويلقيان على صدره ، ذهب إليه علماؤنا » انتهى. نعم في خبر عثمان النواء على ما عن بعض نسخ الكافي ما ينافي ذلك ، كخبر حمران بن أعين (٣) « ثم خذوا عمامته فانشروها مثنية على رأسه ، وأطرح طرفيها من خلفه ، وأبرز جبهته » لكن لم أعثر على عامل بهما غير أنه قال في كشف اللثام : « يمكن التخيير بينهما » انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت ، بل المتجه طرحهما أو تأويلهما بما لا ينافي المطلوب ، كخبر معاوية بن وهب (٤) « ويلقى فضلها على وجهه » مع أن المحكي عن الكافي « على صدره » وهو أضبط من الشيخ. وخبر عمار (٥) « وليكن طرفا العمامة متدليا على جانبه الأيسر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ٤.

٢٠٩

قدر شبر يرمى بها على وجهه » وصحيح ابن سنان (١) « ويرد فضلها على وجهه » وعن التهذيب رواية « على رجليه » ويمكن اتحاد الوجه والصدر ، وتأويل الرجلين بجهتهما ، لكنه بعيد.

ويستحب أن يزاد للمرأة لفافة لثدييها كما في المبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والنافع والمعتبر والقواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا ، فما عساه يشعر نسبته إلى الشهرة في كلام بعضهم بوجوده في غير محله ، كالتوقف فيه من آخر نظرا إلى ضعف مستنده من‌ مرفوع سهل المضمر (٢) « سألته كيف تكفن المرأة؟ قال : كما يكفن الرجل غير أنه يشد على ثدييها خرقة تضم الثدي وتشد إلى ظهرها » الحديث. إذ هو مع عدم قدح ذلك فيه بعد انجباره بما عرفت حكم مستحب يتسامح في دليله.

وما في الرياض من عدم جواز المسامحة في مثله لاستلزامه تضييع المال المحترم يدفعه أولا عدم انحصار فوائد المال في الأغراض الأخروية حسب بل يكفي في عدم كونه تضييعا مثل إرادة عدم بدو حجم الثديين وعدم انتشار الأكفان بهما مثلا. وثانيا أن بذل المال في احتمال ترتب النفع الأخروي لا يعد تضييعا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا إذا كان الاحتمال معتدا به ناشئا من شهرة بين الأصحاب أو خبر في الباب أو نحو ذلك. وثالثا أن حرمة التضييع لا تعارض ما دل (٣) على التسامح في أدلة السنن ، بل هي كحرمة التشريع يرتفع موضوعهما بثبوت المستحب ولو بخبر ضعيف بعد أن دل الدليل المعتبر على اعتباره في مثله. ورابعا قد يقال وإن بعد بل منع عند التأمل : إن الخبر الضعيف المثبت لحكم خاص استحبابي يحكم به على العام القاضي بحرمته ، لشمول ما دل على التسامح لمثله ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٢١٠

فالحاكم حقيقة ما دل على اعتباره في مثل المقام لا هو نفسه ، لكن لا يلحظ التعارض ابتداء بينه وبين ذلك العام كسائر الأدلة ، فإنه لا ينظر في حال تعارضها إلى دليل حجيتها ، ومن هنا يحكم بالخاص الاستصحابي على العام وإن كان كتابيا.

لا يقال : إنه يعارضه في المقام حينئذ الأمر بالاحتياط ، لأنا نقول حال الخبر الضعيف مثلا في المقام بعد قيام الأدلة المعتبرة على اعتباره كالخبر الصحيح المعتبر إذا دل على استحباب فرد من أفراد العام المحرم ، فما يقال فيه يقال هنا ، نعم قد ينازع في شمول ما دل على التسامح كقوله عليه‌السلام : « من بلغه ثواب على عمل » لما إذا عارض عموم تحريم ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة كثيرة الفوائد جدا.

وكذا يستحب أن تزاد المرأة أيضا نمطا كما في النافع والقواعد وعن الكامل والمهذب ، وظاهر المصنف وغيره أن ذلك مستحب مع الحبرة ، فيكون لها حينئذ بناء على كون النمط مما تلف به ثلاث لفائف : أحدها الواجب لظهور إرادة زيادتها على أكفان الرجل واجبة ومندوبه عدا العمامة ، فتعوض عنها قناعا ، وإلا لم تكن الحبرة مستحبة للنساء ، ولا لفافة الفخذين عند المصنف ومن مائلة ، وقد عرفت سابقا ظهور الإجماع على استحبابهما معا بالنسبة إليها ، وفي الوسيلة أن المسنون ستة أشياء أن يزاد للرجل ثوبان حبرة وخرقة وعمامة ، وللمرأة لفافتان أو لفافة ونمط وخرقة تشد بها ثدياها ، ومن العجيب أن الأستاد الأعظم في حاشية المدارك أنكر وجود قائل باستحباب الثلاث.

قلت : بل قد يظهر من المقنعة والخلاف والمبسوط ومحكي المراسم والنهاية استحباب أربعة ، قال في الأول بعد ذكره زيادة الحبرة والخامسة في أكفان الرجل ، وأكفانها مثل أكفانه : « ويستحب أن تزاد ثوبان ، وهما لفافتان أو لفافة ونمط » ونحوه ما عن النهاية ، اللهم إلا أن يريدا بأحدهما لفافة الثديين ، وقال في الثاني : « والمسنون خمسة :

٢١١

إزاران أحدهما حبرة وقميص ومئزر وخرقة ، ويضاف إلى ذلك العمامة ، وتزاد المرأة إزارين آخرين ـ إلى أن قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة » وقال في الثالث بعد ذكره أكفان الرجل الواجب والمندوب : « ويستحب للمرأة أن تزاد لفافتين على ما قدمناه ، ويستحب أن تزاد خرقة تشد بها ثدياها إلى صدرها » ونحوه المحكي عن المراسم ، لكنه لم ينقل عنه ذكر لفافة الثديين ، فيحتمل فيه حينئذ ما سمعته في عبارة المقنعة ، وقال في كشف اللثام : « لعلهم أرادوا الزيادة على اللفافة المفروضة أي يستحب أن يزاد للرجل لفافة هي الحبرة إن وجدت ، وللمرأة لفافتين » انتهى. قلت : وفيه بعد أو منع فلاحظ.

وعن الاقتصاد تزاد لفافة أخرى إما حبرة أو ما يقوم مقامها ، ثم قال : وإن كان امرأة زيد لفافة أخرى ، وروي أيضا نمط وظاهره التربيع إن كان عاملا برواية النمط ، وإلا فالتثليث ، وعلى كل حال فالثلاثة متيقنة الإرادة في كلامهم ، بل في الغنية ما يقضي باستحباب الثلاث حتى للرجال حيث أطلق بعد ذكره الواجب استحباب زيادة لفافتين أحدهما الحبرة وخرقة للفخذين ، إلى أن قال : كل ذلك بدليل الإجماع كالمحكي عن القاضي من استحباب التثليث كذلك مع كون أحدها حبرة وكون إحداها نمط إن كانت امرأة ، وإن لم توجد حبرة ولا نمط فازاران ، بل قد يظهر من الفقيه والهداية كما عن رسالة علي بن بابويه والده والحلبي استحباب النمط للرجال والنساء ، لذكرهم له مطلقا ، قال في الأول : « تبدأ بالنمط وتبسطه وتبسط عليه الحبرة ، وتبسط الإزار على الحبرة ، وتبسط القميص على الإزار » ونحوه عن رسالة أبيه ، وفي الذكرى أنه « قال في المقنع بقول أبيه بلفظ الخبر » انتهى. وزيد في الهداية بعد ذلك ويعد مئزرا ، وهو دليل على التثليث ، لكن قد يقال : إن الظاهر منهما كون النمط شيئا يفرش تحت كفن الميت لا أنه يلف به الميت ، وعن الحلبي أنه قال : ثم تكفنه في درعين‌

٢١٢

ومئزر ولفافة ونمط ، وتعممه إلى أن قال : والأفضل أن تكون الملاف ثلاثة إحداهن حبرة يمنية ، وتجزى واحدة ، إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب.

وقد نقل في الذكرى جملة وافية منها ، ثم قال بعدها : « فظهر أن النمط مغاير للحبرة في كلام الأكثر وان بعض الأصحاب على استحباب لفافتين فوق الإزار الواجب للرجل والمرأة وإن كانت تسمى إحداهما نمطا. وان الخمسة في كلام الأكثر غير الخرقة والعمامة ، والسبعة للمرأة غير القناع » انتهى. وهو صريح فيما قلنا ، وكأن غرضه بما استظهره من الأكثر من مغايرة الحبرة للنمط الرد على ما في السرائر « وإن كانت امرأة زيدت على مستحب الرجال لفافة أخرى لشد ثدييها ، وروي نمط ، والصحيح الأول ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله في كتاب الاقتصاد ، لأن النمط هو الحبرة ، وقد زيدت على أكفانها ، لأن الحبرة مشتقة من التحبير ، وهو التزيين والتحسين ، وكذلك النمط هو الطريقة ، وحقيقته الأكسية والفرش ذوات الطرائق ، ومنه سوق الأنماط بالكوفة » انتهى وظاهره عدم استحباب لفافة أخرى شاملة للجسد ، ولا يخفى عليك بعد ما فهمه من الاقتصاد بل امتناعه على ما سمعت من عبارته ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد يستدل على استحباب الثلاث بالنسبة للرجل والمرأة بإجماع الغنية المؤيد بفتوى من عرفت ، بل على الأربع بالنسبة للمرأة بإجماع الخلاف المؤيد أيضا بذلك ، وبما رواه في‌ البحار (١) عن مصباح الأنوار عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام « أن فاطمة عليها‌السلام كفنت في سبعة أثواب » وعن‌ إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر (٢) « ان عليا عليه‌السلام كفن فاطمة عليها‌السلام في سبعة أثواب » بضميمة ظهور كون السبعة غير الخرقتين أو غير القناع وخرقة الفخذين وعلى خصوص كون أحدها نمطا بما أرسله من الرواية في السرائر وعن الاقتصاد والمقنع‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ٩.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ١٠.

٢١٣

مع التأييد بفتوى كثير من الأصحاب ، بل في المدارك نسبة استحبابه للمرأة إلى قطع الأصحاب ، وفي حاشية الكتاب للشيخ علي « النمط بالتحريك ثوب فيه خطط معد للزينة ، فان لم يوجد جعل بدله لفافة كما يجعل بدل الحبرة لفافة أخرى عند فقدها ، قاله الأصحاب » انتهى.

ويؤيده مع ذلك كله وقوعه في نحو عبارة الصدوقين التي هي متون أخبار ، بل قيل إنهم كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاوى علي بن بابويه ، كل ذا مع التسامح في أدلة السنن ، وقد عرفت اندفاع المناقشة في جريان التسامح في نحو المقام ، فيكفي ذلك في ثبوت ما قلناه ، وفي تخصيص ما‌ في الصحيح (١) « ان ما زاد سنة إلى أن يبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع » ان نافاه ، وإن كنا لم نقف في شي‌ء من أخبارنا الموجودة في الوسائل والوافي على ذكر النمط ، بل ولا على ما يدل على استحباب تثليث اللفائف في المرأة فضلا عن الرجل ، وفضلا عن الأربعة ، إذ ليس إلا ما سمعته مما دل على استحباب الخمس ، وما في‌ مرسل يونس (٢) « الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنة ، وأما النساء ففريضة خمسة أثواب » فإنه مع تسليم كون المراد بالخمسة ما عدا العمامة وخرقة الفخذين وخمار المرأة ولفافة الثديين لا دلالة فيه إلا على الإزار الواجب ولفافة فوقه ، وقد تكون الحبرة ، اللهم إلا أن يقال ان الأصل عدم تداخل الأمر بالحبرة في الأمر بهذه اللفافة ، فيستفاد حينئذ لفائف ثلاث ، وبمثله يندفع احتمال إرادة لفافة الثديين أو الخرقة بإحداهما ، وحمل المطلق على المقيد مشروط باتحاد المكلف به ، وتنقيح ذلك بأصالة عدم تعدد التكليف قد يدفعه ظهور الخطاب فيه.

وبهذا التقرير يظهر أنه لا ينافي الاستدلال حينئذ به ونظائره‌ قول الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٧.

٢١٤

(عليه‌السلام)(١) بعد أن سأله عبد الرحمن في كم تكفن المرأة؟ : « في خمسة أثواب أحدها الخمار » والباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٢) : « يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين » من حيث دخول الخمار في الخمسة ، بل لعل بعضها يكون حينئذ شاهدا للمطلوب فتأمل. نعم قال في المدارك في خصوص الخبر الأخير بعد أن ذكر الاستدلال به للأصحاب على التثليث : « وانه نمط وليس فيه دلالة على المطلوب بوجه ، فان المراد بالدرع القميص ، والمنطق بكسر الميم ما يشد به الوسط ، ولعل المراد به هنا ما يشد به الثديان ـ إلى أن قال ـ : وليس فيها ذكر للنمط ، بل ولا دلالة على استحباب زيادة المرأة لفافة عن كفن الرجل كما بيناه فيما سبق من مفاد الأخبار اعتبار الدرع واللفافتين أو الثلاث لفائف في مطلق الكفن » انتهى. وفيه من البعد في إرادة المنطق بما ذكر ما لا يخفى ، لعدم مناسبة المعنى اللغوي ، إذ الناطقة الخاصرة لغة ، فالمنطق والمنطقة والنطاق ما يشد عليها ، وفي القاموس « المنطق شقة تلبسها المرأة ، وتشد وسطها فيرسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض ، والأسفل ينجر على الأرض ، ليس لها حجرة ولا ساقان » انتهى. بل لعل إرادة المئزر منه حينئذ أقرب كما في الذكرى وعن الحبل المتين ، فحينئذ لا يتوجه ما ذكر ، فتأمل. ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جماعة من متأخري المتأخرين ، تركنا التعرض له خوف الإطالة ، فلاحظ.

وأما النمط فعن الصحاح أنه ضرب من البسط ، وعن شمس العلوم فراش منقوش بالعهن ، وعن العين والمحيط طهارة الفراش ، وعن النهاية الأثيرية ضرب من البسط له خمل رقيق ، وعن فقه اللغة للثعالبي والسامي أنه الستر ، وعن الأساس والمغرب أنه ثوب من صوف ، وعن موضع من المعرب المهمل ثوب من صوف يطرح على الهودج ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩.

٢١٥

وعن موضع آخر منه قيل وهو بالفارسية نهالي ، وعن المصباح المنير ثوب من صوف ذو لون من الألوان ، ولا يكاد يقال للأبيض نمط ، وعن تهذيب الأزهري النمط عند العرب والزوج ضرب من الثياب المصبوغة ، ولا يكادون يقولون النمط والزوج إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة ، فأما البياض فلا يقال له نمط ، وفي القاموس النمط طهارة فراش ما ، أو ضرب من البسط والطريقة والنوع من الشي‌ء وثوب صوف يطرح على الهودج.

قلت : لا يخفى بعد بعض ما في هذه الكتب عن كونه لفافة ، ولعله يوافق حينئذ ما عساه يظهر من بعض الأصحاب من عدم كونه لفافة ، لعطفه عليها تزاد لفافة ونمطا ، لكن المعروف في تفسيره عند الأصحاب على ما نص عليه في المعتبر وعن التذكرة والمنتهى والسرائر وغيرها أنه ثوب فيه خطط ، بل في جامع المقاصد بعد أن حكى عن جماعة من الأصحاب ذلك « الظاهر أنه لا خلاف في أن النمط ثوب كبير شامل للبدن كاللفافة والحبرة » انتهى. وقد سمعت سابقا ما حكيناه عنه في حاشية الكتاب ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب أن يوضع لها بدلا عن العمامة قناع أي خمار بلا خلاف أجده بين المتأخرين ، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة محمد بن مسلم (١) وخبر عبد الرحمن (٢) المتقدمان ، وعن شرح الإرشاد لفخر الإسلام « ان الخنثى المشكل يكتفى فيها بالقناع ، لأن الخنثى المشكل حكمه في الدنيا الاستتار بالقناع وعدم العمامة ، وجسده عورة ، وفي الإحرام حكمه حكم المرأة » انتهى. وللنظر فيه مجال ، ولعل الاحتياط في تحصيل المستحب يقضي بالعمامة والقناع ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٨.

٢١٦

ويستحب ان يكون الكفن قطنا أبيضا وهو مذهب العلماء على ما في المعتبر ، وبزيادة « كافة » في التذكرة ، كما عن النهاية الإجماع عليه ، وفي الخلاف نفي الخلاف عن استحباب البياض من الألوان ، ويدل على المطلوب ـ مضافا إلى ما سمعت وإلى التأسي لما نقل في المعتبر والتذكرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفن بالقطن الأبيض ـ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي خديجة (١) : « الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به ، والقطن لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر مثنى الحناط (٢) وخبر أبي القداح (٣) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البسوا البياض ، فإنه أطيب وأطهر ، وكفنوا فيه موتاكم » والباقر عليه‌السلام في خبر جابر (٤) : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من لباسكم شي‌ء أحسن من البياض ، فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم » ولقصورها عن إفادة الوجوب في الأمرين معا لأمور عديدة تعين حملها على الاستحباب ، فما عساه يظهر من الخلاف من وجوب كونه قطنا ضعيف أو محمول على إرادة الاستحباب.

ثم ان قضية ما سمعت من معقد الإجماع تقييد استحباب القطن بالبياض وبالعكس ، وربما يقال بمنافاته لما سمعته من الأدلة من حيث الأمر بالقطن مستقلا كالأمر بالبياض ، وبينهما عموم من وجه ، فمن كفن بقطن غير أبيض أو بالعكس جاء بالمستحب من جهة وتركه من أخرى ، فإذا أرادهما معا جاء بهما معا ، لكن قد يدفع ذلك بأن المتجه في مثله بعد حصول شرط حمل المطلق على المقيد تقييد كل منهما بالآخر ، فيحصل المطلوب من أن المستحب القطن الأبيض سيما بعد ما عرفت من معقد الإجماع ، وحمله على إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

٢١٧

استحباب كل منهما من دون تقييد ، كما عساه يظهر من بعضهم خلاف الظاهر ، فتأمل جيدا. كما أن قضية أخبار الباب وكلام الأصحاب عدم استحباب ما خالفهما لا كراهته ، نعم قد يقال ذلك في خصوص الكتان لما تعرفه إن شاء الله عند ذكر المصنف له ، وفي خصوص السواد للإجماع في المعتبر والتذكرة وعن نهاية الأحكام عليه ، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافا ، وللنهي عن التكفين به في خبر الحسين بن المختار عن الصادق عليه‌السلام (١) فما عن المشهور من كراهة غير الأبيض مطلقا مع انا لم نتحققه لا دليل عليه ، كما أنه لا دليل على ما في الذكرى من كراهة مطلق الصبغ ، اللهم إلا أن يراد بالسواد في الخبر المتقدم المصبوغ أو غير الأبيض ، وهو ممنوع ، وأضعف من ذلك ما عن البراج من المنع من التكفين بالمصبوغ ، وكأنه حمل الأمر بالبياض على حقيقته من الوجوب ، وفيه ما عرفت ، مع أن قضية ذلك إيجابه خصوص الأبيض لا تحريمه المصبوغ فقط.

ثم انه ينبغي استثناء الحبرة من استحباب البياض كما نص عليه بعضهم ، لما قد عرفت سابقا من دلالة الأخبار (٢) المستفيضة على رجحان كونها حمراء ، بل ربما يظهر من‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار بن يونس (٣) : « الكفن برد ، فان لم يكن بردا فاجعله كله قطنا ، فان لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا » مغايرة البرد للقطن ، وأفضليته عليه ، ولعله الممتزج بالإبريسم ، وربما يؤيده‌ قول الكاظم عليه‌السلام (٤) : « وكفنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار » لاستبعاد بلوغ قيمته هذا المبلغ وهو قطن محض ، فبناء على كون الحبرة بهذه الصفة ينبغي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣ والباب ١٣ حديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤ وهو خبر عمار بن موسى.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

٢١٨

استثناؤها حينئذ من استحباب القطن أيضا ، كما أنه ينبغي استثناء النمط منهما أيضا بناء على بعض ما تقدم في تفسيره ، ويستفاد من خبر عمار المتقدم شمول استحباب كون الكفن قطنا للعمامة ، وبالأولى الخرقة ، فما عساه يستشكل في ذلك بناء على كونها ليست من الكفن فلا تشملها الأدلة ضعيف ، نعم قد يستشكل في اعتبار البياض فيها لذلك ، مع أن الأقوى خلافه من حيث ظهور أدلته في شمولها ، كاللبس في حال الحياة ، فتأمل.

ويستحب أن تنثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة بل على سائر الكفن ، لما في المعتبر والتذكرة من الإجماع على استحباب تطييبه بها ، بل عن الأخير الإجماع أيضا على استحباب تطييب الميت بها أيضا ، وفي‌ خبر عمار (١) « وألق على وجهه ذريرة » ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في الموثق (٢) : « إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور » وفي‌ موثق عمار (٣) « ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ، ثم تذر عليها من الذريرة ـ إلى أن قال ـ : ويجعل على كفنه ذريرة » بل الظاهر استحباب وضعها على القطن الذي يوضع على فرج الميت كما نسبه في كشف اللثام إلى الأصحاب ، بل ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه ، لما في‌ خبر عمار (٤) « فتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة » وربما يحتمله‌ مرسل يونس عنهم عليهم‌السلام (٥) « واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط فضعه على فرجه قبل ودبر ».

ومما سمعت يظهر لك ما في المنتهى من عدم استحبابها على اللفافة الظاهرة ، وكذا ما عساه يشعر به الاقتصار على أولي ما في العبارة عن المقنعة والمبسوط والنهاية والوسيلة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

٢١٩

والتحرير والبيان من عدم استحباب غيرهما كالذي عساه يشعر به الاقتصار في العبارة والقواعد على الثلاثة من عدم استحباب ما عداها ، فتأمل.

والمراد بالذريرة الطيب المسحوق على ما في المعتبر والتذكرة ، بل يظهر من الأول أنه المعروف بين العلماء حيث نسب ما قاله بعض الأصحاب من أنه نبات يعرف بالقمحان إلى خلاف المعروف بين العلماء ، ويرجع اليه ما عن الصنعاني أنها فعيلة بمعنى مفعولة ، وهي ما يذر على الشي‌ء ، واختاره من متأخري المتأخرين المحقق الثاني والشهيد الثاني معللا له في الأول بأن اللفظ انما يحمل على المتعارف الشائع الكثير ، إذ يبعد استحباب ما لا يعرف أو لا يعرفه إلا أفراد من الناس ، وكأنهم لاحظوا فيه المعنى الوضعي من أنها فعيلة بمعنى مفعولة ، أي ما يذر على الشي‌ء ، ولا يخفى عليك ما فيه من البعد ، وعليه ينبغي أن يقيد حينئذ ما تقدم من كراهة تطييب الميت به من المسك والعنبر ونحوهما بما إذا لم يسحقا ، وإلا كانا من الذريرة ، مع أن ما في بعض الأخبار السابقة (١) من نفض ما على الكفن من المسك بكمه (ع) قائلا أنه ليس من الحنوط يشعر بأنه كان ذريرة بالمعنى الوضعي ، والحاصل أنه لا ينبغي الشك في بعد ما ذكر من إرادة المسحوق من كل طيب لمعروفية العلمية منها ، نعم قد يقال : إنها عبارة عما حكاه الصنعاني من أنه باليمن يجعلون أخلاطا من الطيب ، يسمونها الذريرة ، وما حكاه في الذكرى من أنها الورد والسنبل والقرنفل والقسط والأشنة وكلها نبات ، ويجعل فيها اللاذن ، ويدق جميع ذلك لاجتماع الوصفية والعلمية حينئذ ، وربما يرجع اليه سابقه ، كما أنه في عرفنا الآن كذلك نوع خاص من الطيب مسحوق يسمى ذريرة ، ولعله هو الذي أراده في المدارك بأنه طيب مخصوص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد وما والاها ، لكن نص في المقنعة والمبسوط وعن النهاية والمصباح ومختصره والإصباح أنها القمحة ، وعن التذكرة أنه قال بضم القاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١١.

٢٢٠