جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مع نفي الخلاف السابق في المنتهى إيجاب تحنيط الصدر أو إيجاب وضع الزائد عليه ، لكنه لا يخفى عليك ضعفه إن أراده سيما الأول ، بل ينبغي القطع بعدم إرادتهما له ، لاناطتهما له بالزيادة الغير اللازمة ، فتأمل جيدا.

والمراد بالمسح بالحنوط هو المسح بما تيسر من الكافور مما يصدق معه المسح به ، ولا مقدر للواجب فيه على المشهور بين المتأخرين ، للأصل وإطلاق كثير من الأدلة مع قصور أكثر ما دل (١) على التقدير سندا بل ودلالة في جملة منها على الوجوب مع التصريح بالفضل في بعضها ، واختلاف الجميع في المقادير قلة وكثرة ، كاختلاف الأصحاب ، فيتجه حينئذ حملها على الاستحباب ، لقصورها عن تقييد تلك المطلقات المنجبرة بالشهرة بين المتأخرين ، بل قد يظهر من جماعة من متأخريهم كما هو صريح الرياض أنه ليس محل خلاف يعرف ، وربما يؤيده دخوله تحت معقد جملة من الإجماعات خصوصا إجماع التذكرة وإن كانت ليست مساقة لبيانه ، انما هي لوجوب الحنوط ، وكأنهم حملوا خلاف الأصحاب فيما يأتي بالنسبة للأقل درهم أو مثقال أو مثقال وثلث على إرادة أقل الفضل كما هو ظاهر المتن والقواعد وغيرهما ، بل هو ظاهر معقد نفي علم الخلاف عنه في المعتبر ، لكن قد يأبى ذلك بعض عبارات من نسب إليه الخلاف ، لظهورها في عدم الاجتزاء بالأقل من مقدار الأقل سواء كان ذلك منهم تقديرا للمسمى أو أنه تقدير شرعي وإن تحقق المسمى بأقل منه ، منها عبارة الصدوق في الفقيه ، قال : ما حاصله « والكافور السائغ للميت وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، فمن لم يقدر فأربعة مثاقيل ، فان لم يقدر فمثقال لا أقل منه لمن وجده » وأصرح منه ما حكاه في المعتبر عن المفيد في الأعلام وأقل ما يحنط به الميت درهم ، إلى غير ذلك. ويؤيده ما في الذكرى وجامع المقاصد والروض ، حيث فهموا النزاع في ذلك بالنسبة للواجب ، قال في الأول :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين.

١٨١

« وأقله مسماه لصدق الامتثال ، واختلف الأصحاب في تقديره فالشيخان والصدوق أقله مثقال ، وأوسطه أربعة ، والجعفي مثقال وثلث ، وابن الجنيد أقله مثقال » إلى آخره ، ونحوه الآخران.

وكيف كان فلا إشكال في ضعف القول بوجوب المقدر للأصل والإطلاقات وقصور الأدلة عن إفادته كما عرفته سابقا وتعرفه لاحقا إن شاء الله ، كما أنه لا إشكال في عدم الفرق فيما ذكرنا من التحنيط بالنسبة إلى سائر الأموات رجالا ونساء إلا أن يكون الميت محرما فلا يقربه الكافور بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى بل في الخلاف الإجماع عليه ، وأنه يفعل به ما عدا ذلك جميع ما يفعل بالحلال ويغطى رأسه ، وفي الغنية الإجماع أيضا على عدم جواز تطييبه به وبغيره من الطيب ، وإطلاق ذلك كإطلاق ما تسمعه من الأدلة يقتضي عدم الفرق فيه بين الغسل والتحنيط وغيرهما كما هو نص معقد إجماع جامع المقاصد ، حيث حكاه على عبارة القواعد ولا يجوز تقريبهما أي الكافور والذريرة ولا غيرهما من الطيب في غسل ولا حنوط ، كما أنه نسبها في كشف اللثام إلى المعروف بين الأصحاب ، وفي المنتهى الإجماع على أن غسل المحرم كالحلال إلا أنه لا يقرب طيبا ولا كافورا ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) بعد أن سأله عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ : « إن عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه‌السلام وهو محرم ، ومع الحسين عليه‌السلام عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر ، فصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا ، قال : وذلك في كتاب علي عليه‌السلام » ومثله صحيح عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام (٢) أيضا ، وفي‌ موثق أبي خديجة (٣) « فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه وخمروا وجهه ورأسه ودفنوه » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥ لكن رواه عن أبي مريم.

١٨٢

وزاد في‌ خبره الآخر (١) وقال : « هكذا في كتاب علي عليه‌السلام » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٢) سألته « عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا » كخبره الآخر (٣) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وفي‌ موثق سماعة (٤) سألته « عن المحرم يموت ، فقال : يغسل ويكفن بالثياب كلها ، ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يمس الطيب » وقال أبو الحسن عليه‌السلام في خبر أبي حمزة (٥) في المحرم يموت : « يغسل ويكفن ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس شيئا من الطيب » والصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق ابن عمار (٦) بعد أن سأله عن المرأة المحرمة تموت وهي طامث : « لا تمس الطيب وإن كن معها نسوة حلال ».

ومنها مع إجماع الخلاف السابق يستفاد بطلان ما يحكى عن السيد والحسن بن أبي عقيل والجعفي من عدم تغطية رأس المحرم ، مع ضعف مستندهم في ذلك من أن النهي عن تطييبه دليل بقاء إحرامه ، إذ هو اجتهاد في مقابلة النص ، ومن‌ قول الصادق عليه‌السلام (٧) : « من مات محرما بعثه الله ملبيا » إذ لا دلالة فيه على المطلوب ، والخبر (٨) « لا تخمروا رأسه » ولم يثبت عندنا ، كما أنه يستفاد من إطلاقها عدم الفرق بين إحرام الحج بأقسامه ، والعمرة مفردة أو غيرها ، وبين موته قبل الحلق أو التقصير وبعده قبل طواف الزيارة ، لأن تحريم الطيب انما يزول به ، واحتمال دوران الحكم على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨ لكن رواه عن أبى مريم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧ وهو خبر ابن أبي حمزة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

(٨) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

١٨٣

الأول لخروجه عن صورة المحرمين بلبسه وأكله ما لا يلبسه ويأكله المحرم ، وللاقتصار على ما خرج عن عموم الغسل بالكافور والتحنيط به على المتيقن بعيد ، نعم قد يحتمل ذلك فيما لو مات بعد طواف الزيارة وإن صدق عليه اسم المحرم حينئذ ، لحلية الطيب له حينئذ حيا ، فميتا أولى ، واختاره العلامة في نهاية الأحكام ، وهو لا يخلو من قرب ، فتأمل.

ولا يلحق بالمحرم في هذا الحكم المعتدة للوفاة والمعتكف من حيث تحريم الطيب عليهما ، للأصل والعمومات وبطلان القياس عندنا وبطلان الاعتداد والاعتكاف بالموت كما هو واضح.

ثم انك قد عرفت أنه لا إشكال في ظهور الأدلة بل صراحتها في مساواة المحرم للمحل فيما عدا ما ذكرنا ، فيغسل حينئذ ثلاث غسلات وإن كانت الثانية لا كافور فيها ، ومنه يستفاد قوة ما تقدم سابقا من عدم سقوط الغسل بتعذر الخليطين ، إذ الممتنع عقلا كالممتنع شرعا.

( وأقل الفضل في مقداره ) أي الحنوط للتحنيط من دون مشاركة الغسل في جميع هذه التقادير كما هو ظاهر المصنف والأكثر وصريح جماعة ، بل هو الظاهر من معقد إجماع الغنية ونفي علم الخلاف فيه في المعتبر ، ولعل الأمر فيه كما ذكرا ، إذ لم يعرف القائل بشركة الغسل معه في ذلك ، وإن حكاه في السرائر عن بعض الأصحاب وعن بعض متأخري المتأخرين الميل إليه ، وكأنه لإطلاق ما دل على تقدير ذلك بالنسبة إلى الميت من غير تعرض للتحنيط ، وربما يؤيده استبعاد تغسيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بماء فيه كافور (١) غير الذي أنزله له جبرائيل عليه‌السلام من الجنة وكان أربعين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

١٨٤

درهما ، فقسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثلاثا بينه وبين علي وفاطمة ( صلوات الله عليهم ) فكان نصيبه ثلاثة عشر درهما وثلث ، وهو مقدار الأكثر ، فالظاهر أنه غسل ببعضه أيضا ، لكن يدفعه ان الإطلاق لا يعارض المقيد ، كقوله عليه‌السلام في مرفوعة إبراهيم بن هاشم (١) : « السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره » ونحوها مرفوعة ابن سنان (٢) سيما بعد ما عرفت من أنه ظاهر الأكثر ، واحتمال كون المراد بالحنوط الكافور فيشمل الممزوج مع الماء أيضا مخالف للمنساق إلى الذهن ، وإن كان ربما يشهد له إطلاق الحنوط في جملة من (٣) مرادا به الكافور لا ما يحنط به منه ، ولعله لأن المقصد الأهم منه التحنيط ، أو لأن أغلبه يحنط به ، أو غير ذلك فتأمل جيدا. ولا استبعاد فيما ذكرناه سابقا سيما مع أن المقصد الأهم بالكافور انما هو التحنيط ، مع أنه مختص بمقدر الأكثر خاصة ، ومعارض باستبعاد المشاركة بالأقل بناء على ما ذكرنا من عدم الاجتزاء بالمسمى في الغسل ، ولعله لما ذكرنا من الأمرين تردد العلامة في التحرير وظاهر التذكرة ونهاية الأحكام على ما حكي عنه ، لكن الأحوط بل الأقوى القول بالاختصاص سيما بالنسبة إلى مقدر الوسط والأقل ، ويؤيده مضافا إلى ما ذكرنا ما عن‌ الفقه الرضوي (٤) « إذا فرغت من غسله فحنطه بثلاثة عشر درهما » إلى آخره.

مقداره درهم كما في الجمل والعقود والسرائر والوسيلة والنافع والمعتبر والقواعد وعن النهاية والمصباح ومختصره والجامع بل في المعتبر نفي علم الخلاف عنه وعن التقديرين الآخرين ، ولعله الحجة عليه. مع ما عساه يظهر من مقدر الأكثر بثلاثة عشر درهما وثلث ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤ و ٧ و ٨.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ٢.

١٨٥

أقل الفضل في الدرهم للتوزيع ، ومتى نقص عنه كان المسمى الذي هو واجب ، وإلا فلم أعرف له شاهدا في الأخبار ، بل في‌ المرسل عن الصادق عليه‌السلام (١) « أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال » وفي‌ آخر (٢) « مثقال ونصف » كما أنه لم أتحقق ما سمعته من المعتبر ، إذ في المقنعة والخلاف والفقيه وكذا الغنية وعن الاقتصاد وجمل العلم والمراسم والكافي وكتب الصدوق التحديد بالمثقال ، بل في الخلاف الإجماع عليه كظاهر معقده في الغنية ، فالأقوى حينئذ ذلك ، اللهم إلا أن يثبت ما ادعاه في المنتهى أن المراد بالمثقال ها هنا الدرهم نحو ما ادعاه في السرائر بالنسبة إلى مقدر الوسط بأربعة دراهم ، حيث قال : وفي بعض الكتب مثاقيل ، والمراد بها الدراهم ، وعلل في الذكرى ما في السرائر بالنظر إلى قول الأصحاب ، لكن عن ابن طاوس مطالبته بالمستند ، وهو في محله ، لأن المثقال الشرعي على ما قيل درهم وثلاثة أسباع الدرهم ، فالدرهم نصف المثقال وخمسه ، ولذا كانت العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية ، والصيرفي على ما قيل مثقال وثلث من الشرعي ، فالمثقال الشرعي حينئذ ثلاثة أرباع الصيرفي ، فدعوى أن المراد بالمثقال هنا الدرهم لا مأخذ لها ، فظهر من ذلك كله أن تحديد الأقل بالدرهم لا مستند له إلا ما عرفت كالمحكي عن الجعفي أنه مثقال وثلث وإن قرب منه مرسل المثقال والنصف المتقدم ، لكن قد يقال لا بأس بالجميع مع التفاوت في الفضيلة.

وكذا لم نجد شاهدا للمقدار الآخر الذي ذكره المصنف بقوله وأفضل منه أربعة دراهم سوى ما عرفته من نفي الخلاف في المعتبر والاستظهار من مقدر الأكثر الذي سمعته سابقا ، نعم في المحكي من عبارة‌ الفقه الرضوي (٣) أنه « إن لم يقدر على مقدار الأكثر فأربعة دراهم » وإلا فالموجود في‌ الحسن عن الصادق عليه‌السلام (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

١٨٦

« القصد من الكافور أربعة مثاقيل » وعن نسخة أخرى « الفضل » وحكيت الفتوى به عن كتب الصدوق وسائر كتب الشيخ والوسيلة والإصباح والجامع ، بل هو معقد إجماع الخلاف ، ومن ذلك يظهر ما في نفي الخلاف المتقدم في المعتبر ، اللهم إلا أن يثبت ما سمعته من السرائر ، وفيه ما عرفت ، لكن قد يقال : إنه لا غبار على نحو عبارة المصنف ، للقطع بأن الأربعة دراهم أفضل من السابق بعد ثبوت الأقل المذكور سواء قلنا مثقالا أو درهما قضاء للتوزيع ، فتأمل.

وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلث للإجماع المنقول في الخلاف وغيره المؤيد بنفي الخلاف في المعتبر ، وللأخبار (١) الدالة على أن الحنوط الذي نزل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعون درهما ، وقسمه أثلاثا بينه وبين علي وفاطمة ( صلوات الله عليهم ). ولما في‌ مرفوعة إبراهيم بن هاشم (٢) « السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره » ومن لفظ الأكثر فيها يستفاد وجود مرتبة أخرى للفضل والاستحباب ، بل قد يستفاد المرتبتان الوسط والأقل ، ويرجع في تعيينهما إلى ما عرفت من كلام الأصحاب وغيره كل على مختاره ، فما يقال : إنه لا يستفاد من الأخبار إلا المرتبة العليا لعله لا يخلو من نظر ، ومن العجيب ما يحكى عن ابن البراج من تحديد الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف ، إذ هو مع مخالفته لما سمعته من الأدلة خال عن المستند ، كالذي وقع في الحدائق من الاشكال فيما ذكره الأصحاب من حمل هذه الأخبار بالنسبة إلى هذه التقادير على الفضل والاستحباب ، وان الواجب الاجتزاء بالمسمى ، مع أنها ظاهرة في الوجوب ، وأنه لا يصار إلى المرتبة الوسطى إلا مع تعذر العليا ، ولا إلى الدنيا إلا مع تعذر الوسطى ، إذ بعد وضوح منع دلالتها على ما ذكر ، وحكاية الإجماع على ذلك من بعضهم ، ونفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١ و ٦ و ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

١٨٧

الخلاف من آخر ان قصور أسانيد أكثرها وضعف دلالة الباقي على الوجوب ، مع التصريح بالفضل في بعضها ، واختلاف الجمع في المقادير قلة وكثرة أوضح قرينة على إرادة الاستحباب ، كما هو واضح ، فتأمل جيدا.

هذا كله مع الاختيار والتمكن وأما عند الضرورة عقلا أو شرعا يدفن بغير كافور قطعا كما هو واضح ، ولا بدل له شرعا ، للأصل مع خلو الأدلة عن ذلك ، بل قد يظهر من المحكي عن التذكرة الإجماع عليه ، كما أن ظاهر الأدلة حصر الحنوط بالكافور ، كقول الصادق عليه‌السلام (١) : « الكافور هو الحنوط » وقوله عليه‌السلام (٢) : « انما الحنوط الكافور » ونحو ذلك ، ولا ينافي ذلك جواز تطييبه بالذريرة أو بالمسك إن قلنا به ، لعدم التلازم بين جوازه في نفسه وبدليته عن الكافور في التحنيط بحيث يجب مع فقده أو يستحب ، كما هو واضح.

( ولا يجوز تطييبه ) أي الميت بغير الذريرة والكافور كما في القواعد والدروس وعن التحرير ونهاية الأحكام والبيان وظاهر الذكرى وفي المبسوط لا يخلط بالكافور مسك أصلا ولا شي‌ء من أنواع الطيب ، وعن النهاية لا يكون مع الكافور أصلا ، وفي الجامع لا يحنط بالمسك ، وفي الغنية الإجماع على أنه لا يجوز أن يطيب بغير الكافور ، وهو الحجة لما في المتن ، وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٣) وخبره أيضا مع أبي بصير (٤) « لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور ، فان الميت بمنزلة المحرم » والصادق عليه‌السلام في خبر يعقوب بن يزيد (٥) عن عدة من أصحابنا « لا يسخن للميت الماء ، لا تعجل له النار ، ولا يحنط بمسك » وما دل على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

١٨٨

انحصار الحنوط بالكافور في جملة من الأخبار ، وربما يشعر به بل يدل عليه إن أريد بما في العبارة ما يشمل الكفن ونحوه النهي عن تجمير الكفن في مرسل ابن أبي عمير (١) وتقريب النار إلى الميت يعني الدخنة في خبر أبي حمزة (٢) واتباع الجنازة بمجمرة في خبر السكوني (٣) وخبر إبراهيم بن محمد الجعفري (٤) قال : « رأيت جعفر بن محمد عليهما‌السلام ينفض بكمه المسك عن الكفن ، ويقول : ليس هذا من الحنوط في شي‌ء » هذا مع ما فيه من تضييع المال وإتلافه من غير غرض يعتد به ، وموافقة العامة العمياء التي جعل الله الرشد في خلافها ، إذ يستحب عندهم على ما حكي التطيب بالمسك ، في أخبار المقام (٥) تصريح بذلك ، ولا ينافي جميع ما ذكرنا خروج الذريرة كما استثناها المصنف وغيره ، لما ستعرفه من الأدلة المخرجة لها عن العموم والإطلاق.

نعم قد يناقش في جميع ذلك ، أما الإجماع فبموهونيته بفتوى كثير من الأصحاب بخلافه من الكراهة ، بل في المختلف أن المشهور كراهة أن يجعل مع الكافور مسك ، وفي الخلاف وعن الإصباح الإجماع على كراهية جعل المسك والعنبر مع الكافور ، كما أن في الأول الإجماع أيضا على كراهية تجمير الأكفان بالعود ، وفيه أيضا الإجماع على كراهية أن يكون عند غسل الميت مجمرة يبخر فيها ، وعن التذكرة كره علماؤنا أجمع تجمير الأكفان ، وهو تجميرها بالبخور ، وفي المعتبر إجماع علمائنا على كراهية تجمير أكفان الميت ، وعلى تطييبه بغير الكافور والذريرة ، وقضية ذلك كله مع الأصل الجواز على كراهيته ، واحتمال تنزيل هذه الإجماعات على إرادة مطلق المرجوحية في مقابلة القول بالاستحباب من العامة وبعض الخاصة ليس بأولى من أن يراد بعدم الجواز في معقد إجماع الغنية الكراهة وإن بعد ، كاحتمال القول أنه متى كان ذلك مكروها كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩ و ١٠ و ١٤.

١٨٩

ممنوعا ، لاستلزامه تضييع المال المحترم وإتلافه بدون غرض صحيح ، إذ هو ـ مع خروجه عن محل البحث من الحرمة من حيث كونه تطييبا للميت ولا يجري حينئذ فيما لو أريد تكفينه بثياب كانت مطيبة بذلك سابقا ـ قد يدفع بالاكتفاء بظهور طيب رائحته لمن يشمه من المشيعين مثلا في كونه غرضا صحيحا ونحو ذلك.

وأما الأخبار فمع وهنها بما عرفت أيضا والطعن في أسانيدها حتى الأخير لما في سنده من الإرسال وإن كان عن عدة من أصحابنا وسهل ، والكلام فيه معروف ، مضافا إلى ما في دلالته من حيث إشعار سياقه بالكراهة كسياق غيره بها من خبر أبي حمزة وغيره ، واحتمال إرادة التحنيط فيه عوض الكافور أو على نحوه لا مطلق التطيب ونحو ذلك يجري في بعضها أيضا ، كجريان احتمال إرادة التعريض بذلك بالعامة حيث يجعلون الحنوط مخلوطا بأنواع الطيب من الكافور وغيره ، ومنه يعرف وجه انحصار الحنوط بالكافور فيما تقدم من أخبار الخصم ، مضافا إلى إمكان المناقشة في دلالة مثل هذا الحصر علي المطلوب من إرادة مطلق التطيب ، كالمناقشة في عدم دلالة النهي عن اتباع الجنازة بالمجمرة على ذلك أيضا ، إذ الاتباع خارج عما نحن فيه ، مع ما في‌ الصحيح أو الحسن (١) وغيره « اني أكره أن يتبع بمجمرة » معارضة‌ بالمرسل (٢) قال : « سئل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام هل يقرب إلى الميت المسك أو البخور؟ قال : نعم » وآخر‌ في الفقيه (٣) أنه « روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حنط بمثقال مسك سوى الكافور » وخبر عبد الله بن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس بدخنة كفن الميت ، وينبغي للمرء المسلم أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر » وخبر غياث ابن إبراهيم عنه (ع) (٥) أيضا « انه كان يجمر الميت بالعود فيه المسك ، وربما جعل على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٤.

١٩٠

النعش الحنوط ، وربما لم يجعله ، وكان يكره أن يتبع الميت بالمجمرة » وفي‌ خبر عمار (١) « وجمر ثيابه بثلاثة أعواد » واحتمال حملها جميعها على التقية وخصوص الثاني على كون ذلك من خواصه ليس بأولى من حملها على بيان الجواز والرخصة ، وتلك على الكراهة جمعا بشهادة ما عرفت ، بل لعله أقوى من غير فرق في ذلك بين بدن الميت وثيابه ، ويكفي ذلك في حصول الرشد بالنسبة إلى مخالفة العامة ، نعم قد وضح لك من جميع ذلك ضعف ما يحكى عن الفقيه من الأمر بتجمير الأكفان مرادا به الاستحباب على الظاهر وإن كان ربما يشهد له بعض هذه الأخبار ، سيما مع إمكان الجمع بينها وبين ما تضمن النهي عن ذلك بما إذا كانت عليه لا فيما إذا جمرت سابقا ثم كفن بها إن كان مراده ذلك ، لكنها لا تقاوم ما عرفت من الإجماعات وغيرها لوجوه عديدة لا تخفى ، فتأمل جيدا.

ومن سنن هذا القسم‌ أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه إن أراده أو يتوضأ وضوء الصلاة كما في النافع والمعتبر والقواعد والإرشاد والذكرى والدروس واللمعة وجامع المقاصد والروضة وعن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع وغيرها ، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، ولم أقف له على مستند ، نعم علله في المعتبر بأن الاغتسال والوضوء على من غسل ميتا واجب أو مستحب ، وكيف ما كان فإن الأمر به على الفور ، فيكون التعجيل أفضل ، وهو كما ترى ، على أنه لا ينطبق على التخيير بين الاغتسال والوضوء ، ونحوه ما عن التذكرة بالنسبة للاغتسال خاصة ، ولم يعلل الوضوء بشي‌ء ، وفي المنتهى ليكون على أبلغ أحواله من الطهارة المزيلة للنجاسة العينية والحكمية عند تكفين البالغ في الطهارة ، فان لم يتمكن من الغسل استحب له أن يتوضأ لأنه إحدى الطهارتين ، فكان مستحبا كالآخر ، ومرتبا عليه لنقصانه عنه ، وهو ـ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

١٩١

مع أنه لا ينطبق على التخيير المذكور ، وقضيته في المرتبة الأولى الاغتسال والوضوء كما هو المحكي عن الصدوق وأنه وجه اعتباري لا يصلح أن يكون بمجرده مدركا لحكم شرعي ـ معارض باستحباب التعجيل في تجهيز الميت وبغير ذلك ، كل ذا مع ظهور الروايات المعتبرة في خلاف ذلك ، ففي‌ صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (١) قلت : « فالذي يغسله يغتسل ، قال : نعم ، قلت : فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل ، قال : يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل » وفي‌ صحيح يعقوب ابن يقطين عن الرضا عليه‌السلام (٢) « ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات ، ثم إذا كفنه اغتسل » وفي‌ خبر عمار عن الصادق عليه‌السلام (٣) « تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه » وعن الخصال عن‌ أبي بصير وابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « من غسل منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه ».

وتنزيل هذه الأخبار ـ على إرادة الترتيب في المستحب بالنسبة إلى قلة الثواب وعدمه ، فما فيها دون الاغتسال أو الوضوء وإن كان مختلفا في نفسه أيضا ، إذ غسل اليد من العاتق أفضل من كونه من المرفق ، وهو مع الركبتين أفضل منه مجردا ، أو على عدم التمكن من الاغتسال إما لخوف فساد الميت أو غير ذلك ـ تصرف لا شاهد عليه ، ولا معارض يلجأ إليه ، كدعوى إضافة ما فيها إلى ذلك مخيرا بينها ، فيكون المستحب أحد أمور ثلاثة : الاغتسال أو الوضوء أو غسل اليدين إلى المنكبين ، ولعله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧ وهو خبر يعقوب عن العبد الصالح عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ حديث ١٣.

١٩٢

لما ذكرنا لم يذكر في المقنعة والمقنع والمراسم والكافي على ما حكي إلا غسل اليدين إلى المرفقين.

لكنك خبير أن ذلك قد تضمنه خبر عمار ، فكان عليهم أن يذكروا حينئذ غسل الرجلين إلى الركبتين ، كما أنه كان على العلامة في المنتهى ذلك أيضا ، حيث قال بعد ذكره استحباب الغسل والوضوء إن لم يتمكن منه : « ويكفيه أن يغسل يديه إلى المرفقين ثم يكفنه » ومن الغريب ما في المعتبر وعن التذكرة ونهاية الأحكام من غسلهما إلى الذراعين إن لم يتفق الوضوء مستدلين عليه بالاستظهار ، وبصحيح ابن يقطين المتقدم ، وقد عرفت ان الموجود فيه إلى المنكبين ، واحتمال إرادتهما بالذراع منتهاه مع حمل الصحيح على القريب من المنكبين كما ترى ، مع أنه لا داعي إليه ، وعن الصدوق في الفقيه أنه استحب غسل اليدين من المرفقين قبل تنشيف الميت ثم الوضوء والغسل بعده قبل التكفين ، ومما تقدم يظهر لك ما فيه ، فلعل الأقوى الاقتصار على ما عرفته من تلك الأخبار مع التعدي عن مضمونها باستحباب غسل مظان ما يتنجس من بدن المغسل ، لما عساه يشعر به بعضها عند التأمل ، ثم الاغتسال بعد ذلك ، نعم قد يقال باستحباب المسارعة للاغتسال في نفسه لا من حيث السبق على التكفين عند إرادة تأخير التكفين لغرض أو لعدم وجوده أو نحو ذلك ، وهو أمر خارج عما نحن فيه.

ثم ظاهر الأصحاب أن الغسل غسل المس كما يشعر به تعليلاتهم ، وبه صرح بعضهم ، لكنه حكى في كشف اللثام عن الذكرى أن من الأغسال المسنونة الغسل للتكفين ، وعن النزهة ان به رواية (١) قلت : وقد يحتمله عبارة المصنف ، والظاهر ان ما حكاه عن الذكرى في غير المقام ، وإلا فقد صرح فيها هنا بأنه غسل المس ، وعلى كل حال فلعل ذلك منهما نظر إلى‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح ابن مسلم (٢) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ حديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ حديث ١١.

١٩٣

« الغسل في سبعة عشر موطنا ـ إلى قوله (ع) ـ : وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد » ونحوه في حسنه عن الباقر عليه‌السلام (١) لكن بإبدال « أو » بالواو على ما حضرني من نسخة الوسائل ، فيقوى حينئذ جعلها في الصحيح بمعنى الواو فلا ينافي إرادة غسل المس ، مضافا إلى أن ظاهره وقوع الغسل بعد التكفين ، فتأمل جيدا.

وكذا الظاهر من فحاوي بعض كلمات الأصحاب أيضا أن هذا الوضوء انما هو الوضوء الذي يفعل مع غسل المس لرفع الأصغر بناء على توزيع الفعلين على الحدثين ، فالغسل للأكبر ، والوضوء للأصغر ، فحينئذ لا ينبغي الإشكال في صحة استباحة الصلاة به وغيرها مما يشترط بالطهارة إذا تعقبه بعد ذلك ما يرفع الحدث الآخر ، ولا حاجة إلى نية الرفع أو الاستباحة به بناء على ما هو التحقيق من الاكتفاء بنية القربة ، وأما بناء على اعتبارهما فلا يحصل للوضوء حينئذ صحة بحيث يترتب عليه إتيان التكفين على الوجه الأكمل بدون نيتهما ، اللهم إلا أن يقال : إن نية التكفين تقوم مقام نية رفع الحدث أو الإباحة ، لانصرافها إلى أراه وقوعه على الوجه الأكمل الذي لا يحصل إلا بذلك ، نظير ما قالوه في الوضوء لقراءة القرآن ونحوها مما يستحب لها الطهارة.

لكن قال العلامة في القواعد : والأقرب عدم الاكتفاء بهذا الوضوء في الصلاة إذا لم ينوبه ما يتضمن رفع الحدث ، وعلله بعض شارحي كلامه أن التكفين مشروع بدونه ، فلا يستلزم نيته نية رفع الحدث ، وفيه نظر من وجهين : الأول أنه لا وجه حينئذ للحكم بصحة الوضوء حتى بالنسبة للتكفين بناء على القول باشتراط صحته بنية الرفع أو ما يستلزمها ، والثاني أن مشروعيته بدون الوضوء لا ينافي ما ذكرناه من الانصراف الذي يكتفي بمثله كما في قراءة القرآن ، وربما يدفع ذلك بأن المراد بهذا الوضوء وضوء خاص للتكفين ، فيكتفى به حتى لو كان صوريا لا الوضوء الذي يشترط فيه ذلك ، إذ هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأغسال المسنونة ـ حديث ٤.

١٩٤

موقوف على دليل يدل على اعتبار الطهارة فيه التي هي عبارة عن رفع الحدث وليس ، انما المذكور في كلام الجماعة الوضوء ، وهو أعم من الطهارة ، وبذلك حصل الفرق بينه وبين قراءة القرآن ونحوها من المستحبات التي يعتبر فيها الطهارة.

ولا ينافي ذلك ما في عبارة المصنف ونحوها من قولهم « وضوء الصلاة » ، إذ لا يراد به مبيح الصلاة ، بل المراد صورة وضوء الصلاة ، كما أنه لا ينافيه اشتراطهم صحة الوضوء بنية الرفع أو الاستباحة ، لأن المراد بتلك الصحة انما هي صحة الدخول في الصلاة لا مطلق الاعتبار في الجملة ، فيتجه لك حينئذ ما قربه العلامة من عدم الاكتفاء بهذا الوضوء مع عدم تلك النية ، لعدم استلزام نية التكفين نية الرفع حينئذ ، وهو موقوف على نيته أو ما يستلزمه ، نعم يتجه بناء على مختارنا من أن رفع الوضوء للحدث قهري حيث لا مانع من الاكتفاء به ، فتأمل. هذا كله فيما لو أراد من باشر تغسيله تكفينه ، أما إذا كفنه شخص آخر غيره فقد يقال بناء على ما عرفت من كلام الأصحاب باستحباب رفع حدثه أصغر أو أكبر ، لما يستفاد من فحوى استحباب الغسل للمس والوضوء إن قلنا ان الوضوء لذلك لا على ما ذكرناه آنفا ، فتأمل.

ويستحب إجماعا في الغنية وظاهر الخلاف أو صريحه ، وعند علمائنا في التذكرة والمعتبر ، وعندنا في الذكرى أن يزاد للرجل بل والمرأة كما هو معقد ما في الأخير وقضية إطلاق الأولين ، وتركها المصنف لدلالة ما سيأتي عليها ، لأصالة الاشتراك ، وقوله في‌ مرسل سهل (١) مضمرا بعد أن سأله « كيف تكفن المرأة؟ فقال : كما يكفن الرجل غير أنها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر ، وتشد على ظهرها ويصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال » الحديث. فما قد تعطيه عبارة الوسيلة وعن الإصباح والتلخيص من اختصاص ذلك بالرجل لاختصاص به (٢) ضعيف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣ و ٦ و ١٠.

١٩٥

إذ هو اختصاص مورد كما في أكثر الأحكام لا اختصاص خصوصية حبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة كعنبة ضرب من برود تصنع باليمن من قطن أو كتان من التحبير وهو التزيين والتحسين ، قيل ويقال ثوب حبرة على الوصف والإضافة إلى الوشي لا على أن حبرة موضع أو شي‌ء معلوم ، بل هو شي‌ء أضيف إليه الثوب ، كما قيل « ثوب قرمز » والقرمز صبغه.

وزاد المصنف كونها عبرية كما في المبسوط والوسيلة والنافع والقواعد والتحرير وعن النهاية والإصباح وغيرها ، بل هو معقد إجماعي المعتبر والتذكرة بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر جانب الوادي أو موضع ، وكونها غير مطرزة بالذهب كما في الكتب السابقة أيضا والجامع ، بل هو في معقد إجماعي الكتابين ، ولا بالحرير كما نص عليه جماعة وصريح المصنف كغيره من الأصحاب ، بل في الذكرى وجامع المقاصد نسبته إلى عمل الأصحاب ، مضافا إلى ما سمعته من الإجماعات السابقة كون الحبرة زائدة على الثياب الثلاثة المفروضة ، وأنكره جماعة من متأخري المتأخرين ، وتبعهم عليه الفاضل المعاصر في الرياض ، لعدم ظهور دليل على ذلك من أخبار الباب ، بل في كشف اللثام ظاهر أكثرها كونها اللفافة المفروضة ، كقول الباقر عليه‌السلام في خبر أبي مريم (١) : « كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين » وفي‌ مضمر سماعة (٢) بعد أن سأله « عما يكفن به الميت ، فقال : ثلاثة أثواب ، وانما كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة » بل في‌ حسن الحلبي بإبراهيم عن الصادق عليه‌السلام (٣) ما يعطي أن الزائد على الثلاثة موافق للعامة ، حيث قال : « كتب أبي عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٠.

١٩٦

في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي عليه‌السلام : لم تكتب هذا؟ فقال : أخاف أن يغلبك الناس ، وإن قالوا كفنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل ، قال : وعممته بعد بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن ، انما يعد ما يلف به الجسد ».

وأيده أيضا في الرياض بما في بعض المعتبرة (١) المتضمنة لذكر الثلاثة ، وان ما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنة ، قال : ولا ريب أن الزائد على الثلاثة الذي هو سنة هو العمامة والخرقة المعبر عنها بالخامسة ، وبما في الزيادة من إتلاف المال وإضاعته المنتهى عنهما في الشريعة.

وأنت خبير بجميع ما في ذلك ، إذ الأدلة سيما بالنسبة للمستحبات غير منحصرة في الأخبار ، وكفى بما سمعت من الإجماعات المنقولة التي يشهد لها التتبع لكلمات الأصحاب إلا من ندر كالمحكي عن الحسن بن أبي عقيل ومن وافقه من متأخري المتأخرين كصاحبي المدارك والذخيرة دليلا لمثله ، على أنه قد تشعر به بعض المعتبرة (٢) أيضا كقول أبي الحسن الأول عليه‌السلام : « إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه ، وعمامة كانت لعلي بن الحسين عليهما‌السلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربع ماءة دينار » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر حمران بن أعين (٣) على أحد الاحتمالين أو أظهرهما بعد أن سأله عن الكفن ، فقال : « يؤخذ خرقة فيشد بها سفله ، ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » كخبر يونس عنهم عليهم‌السلام (٤) « ابسط الحبرة بسطا ، ثم ابسط عليها الإزار ، ثم ابسط القميص عليه » وقول الباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٥) : « يكفن الرجل في ثلاثة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩.

١٩٧

أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين » لظهور اللفافة فيما يشمل الجسد مع عدم القول بالفصل بين المرأة والرجل بالنسبة إلى ذلك ، واحتمال إرادة لفافة الثديين من إحدى اللفافتين بعيد ، والأظهر ما قلناه ، وعليه حينئذ تحمل الخمسة في‌ خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم تكفن المرأة؟ قال : تكفن في خمسة أثواب ، أحدهما الخمار » واحتمال إرادة الخرقة من إحدى اللفافتين يدفعه مع ما عرفت ما في‌ خبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (٢) « ان العمامة والخرقة لا بد منهما ، وليستا من الكفن » فيعلم منه حينئذ أنه عند الإطلاق في كلامهم ينصرف إلى غيرها.

ويؤيده ما في أكثر الأخبار من تثليث الكفن ، ومن المستبعد عدم الخرقة ، ومنه مع ما في حسن الحلبي السابق يعرف ما في التأييد المتقدم بقوله (ع) (٣) : « إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنة » حيث جعل العمامة والخرقة تتمة الخمسة ، إذ قد عرفت أن العمامة ليست من الكفن ، فلا ينصرف إليها الإطلاق ، مضافا إلى ظهور قوله (ع) فيه : « والعمامة سنة » في إرادة الخمسة ما عداها ، ولو لا القطع بكون الخرقة من جملتها في خصوص هذه الرواية لأمكن المناقشة فيها بما عرفت ، وبذلك يتضح أن تأييد المطلوب‌ بقوله (ع) : « إلى أن يبلغ خمسة » أولى من التأييد به لخلافه ، كما أنه يتضح أيضا بما عرفت من هذه الأخبار ، مع أن المحكي عن العامة عدم الزيادة على الثلاثة حمل الصحيح المتقدم المتضمن للوصية على وجه آخر لا ينافي المطلوب ، ويتضح أيضا أنه لا وجه للتأييد بما عرفته آنفا من أنه إضاعة مال ، إذ لا وجه لذلك بعد ثبوت الاستحباب.

لكن الإنصاف أن العمدة في إثبات الحكم عمل الأصحاب وإجماعاتهم ، وإلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

١٩٨

فليس في الروايات ما يفيد تمام المطلوب من كل وجه ، إذ أقصى ما تفيده تلك الأخبار بعد التسليم عدا خبر يونس أن المستحب زيادة لفافة ، وأما أنها حبرة عبرية ونحو ذلك فلا ، اللهم إلا أن يتمم بالإجماع المركب ، لكنه محل منع ، بل لعل الأقوى في نظري أن استحباب الحبرة ليس مخصوصا بالثوب الرابع ، بل يجزئ لو كان هو الثالث مع الاقتصار على الثلاثة على ما صرح به كاشف اللثام ، ويدل عليه كثير من الأخبار المتقدمة ، بل ومع عدم الاقتصار عليها بأن زيد لفافة غير حبرة ، وجعل الحبرة هي الثالثة ، وإن كان الأولى مع وجود الحبرة أن تجعل اللفافة الثانية ، كما يشعر به خبر يونس في أحد الاحتمالين.

ومما ذكرنا يظهر لك أن استحباب اللفافة الثانية ليس مشروطا بالحبرة ، بل هي في نفسها مستحبة ، فمع عدم وجود الحبرة يستحب حينئذ لفافة ثانية على ما يشعر به خبر البرد وغيره ، وصرح به بعضهم ، وإن كان قضية بعض عبارات الأصحاب ذلك من حيث تقييد اللفافة الزائدة بالحبرة ، لكن التأمل قاض بأن مرادهم المستحب في المستحب ، وكذا التقييد بالعبرية ، فلا ينتفي حينئذ الخطاب بالاستحباب عند انتفاء العبرية ، على أنهم لا دليل لهم واضح من الروايات على استحباب العبرية في الزائدة ، إذ ليس إلا نحو‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين ، وثوب يمنية عبري أو أظفار » وهو مع اشتماله على الترديد كما ترى لا دلالة فيه على اعتبار ذلك فيما نحن فيه من اللفافة الثانية.

لكنك قد عرفت أنه معقد إجماعي المعتبر والتذكرة ، وكأن الأصحاب جعلوا ما يستفاد من الأخبار من استحباب كون الثوب الثالث حبرة عبرية لما ذكروه من اللفافة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

١٩٩

الثانية ، ولعلهم لأنهم فهموا منها إرادة الرابعة بترك ذكر المئزر في قطع الكفن ، كما وقع نظيره في الأخبار وكلام بعض قدماء الأصحاب حيث لا يجعلونه من جملة الكفن ، بل يذكرونه ذكرا مستقلا كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في نحو المقام ، ومن ذلك قوله عليه‌السلام : « ابسط الحبرة » إلى آخره في أحد الاحتمالين ، لكن كان عليهم حينئذ أن يذكروا استحباب كون الحبرة حمراء لاستفاضة الأخبار بذلك ، فتأمل.

ولو لا ظهور اتفاق الأصحاب على أن المستحب حبرة واحدة لأمكن القول باستحباب حبرتين ، أحدهما اللفافة الأولى الواجبة ، والثانية الزائدة ، أما الأولى فللأخبار ، وأما الثانية فللاجماعات السابقة ، كما أنه لو لا ظهور عبارات جملة منهم كبعض الأخبار أن الزائدة لفافة لأمكن القول بأن المستحب زيادة ثوب رابع يطرح عليه ، ولا يلف به الميت ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان (١) : « البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا ، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه » ويؤيده ـ مضافا إلى كثرة ما دل على تثليث الكفن ، إذ لا يكون البرد الزائد حينئذ بناء على ذلك من الكفن ـ ما قيل : إنه‌ ورد (٢) « أن شقران مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرش تحت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبره قطيفة » ولعله لا يأبى الحمل على ذلك جملة من عبارات الأصحاب ، بل عن الفقيه أنه قال : « وإن شاء لم يجعل الحبرة معه حتى يدخله قبره فيلقيه عليه » فتأمل جيدا.

وكيف كان فالظاهر أن استحباب الحبرة لا ينحصر في المصنوعة باليمن ، وإن كان ربما يقال : إن ذلك أفضل ، بل قد يقال باستحباب مطلق الثوب المزين المحسن كما يومي إليه بعض الأخبار (٣) فتأمل. وأما ما ذكره المصنف وغيره من كونها غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب التكفين.

٢٠٠