جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« ويكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين ، فان نقص عنه لم يكن به بأس » انتهى.

لكن صرح في جامع المقاصد وتبعه عليه غيره أنه متى زيد على الواجب اعتبر فيه رضا الورثة أو الوصية به ، وقد يناقش فيه بأن المستحب مما ذكرنا انما هو أحد أفراد الواجب المخير لا مستحبا صرفا ، فيتخير حينئذ المكلف بإخراجه من أصل الماء من غير اعتراض لأحد عليه ، كما عساه يظهر من التأمل في نحو وصية الميت لشخص وكان الوصي غير الوارث مثلا ، اللهم إلا أن يكون ذلك المكلف في المقام هو الوارث ، فيعتبر حينئذ رضاه سيما مع ثبوت السلطنة للوارث على سائر تركة الميت ، فالواجب عليه حينئذ أقل ما يصدق عليه ، لكن ومع ذلك فللنظر فيه مجال ، لعدم انحصار التكليف في الوارث إما لصغره أو جنونه ، بل لعل التكليف انما هو للولي دون سائر الورثة ، كما أنه قد يقال بالالتزام بالخروج من أصل المال حيث يوصي ، إذ الوصية تمنع تخيير المكلف في أفراد المطلق ، كما تمنعه لو أوصى بتكفينه في خام خاص مثلا ، كل ذا لما دل (١) على خروج الواجب من الكفن من أصل المال الشامل للفرد الفضلي وغيره ، فتأمل جيدا عسى يندفع جميع ذلك ، وللتفصيل مقام مذكور في مسألة انتقال التركة للوارث أو تبقى على حكم مال الميت أو غير ذلك ، ومنه يعلم بطلان المناقشة المزبورة ، والله العالم.

وكيف كان فيدل على اعتباره في الكفن ـ مضافا إلى ما عرفت وإلى ما في المنتهى « المئزر واجب عند علمائنا » وإلى الاحتياط في وجه ـ قول الصادق عليه‌السلام في‌ خبر معاوية بن وهب (٢) : « يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه ، وإزار ، وخرقة يعصب بها وسطه ، وبرد يلف فيه ، وعمامة يعتم بها ويلقى فضلها على صدره » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٣.

١٦١

إذ بعد معلومية استحباب الخرقة والعمامة ينحصر الواجب في الثلاثة ، والمراد بالإزار منها المئزر كما عن الصحاح وغيره ، ويستفاد أيضا من الغريبين ، وعن الكنز أن الإزار « لنك كوچك » وفي مجمع البحرين « الإزار بالكسر معروف يذكر ويؤنث ، ومعقد الإزار الحقوين » انتهى. ويرشد إليه كثرة إطلاقه مرادا به المئزر على وجه يقطع أو يظن بكونه حقيقة فيه كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في ستر العورة عند دخول الحمام وفي أثواب المحرم وغيرهما ، ولا ينافيه مقابلته للمئزر في كتب الفقه ، وكذا ما يحكى من كلام بعض أهل اللغة أنه ثوب شامل لجميع البدن ، ويؤيده عرف زماننا هذا ، إذ لعل ما في كتب الفقه مبني على العرف المذكور ، كما أنه يمكن منع المحكي من كلام البعض إن أراد الحقيقة ، ولا يجدي المجاز ، ومع التسليم فلا أقل من الاشتراك ، فيجعل كلمات الأصحاب ومعقد إجماعاتهم وغير ذلك وما تسمعه فيما يأتي قرينة على التعيين ، بل قد يشعر قوله عليه‌السلام : « وبرد يلف فيه » عدم حصول ذلك أي لف تمام الميت بغير البرد ، فيتعين المئزر ، فتأمل جيدا.

ومما ذكرنا يظهر لك وجه الاستدلال‌ بالصحيح (١) « كيف أصنع بالكفن؟ قال : خذ خرقة فشد على مقعدته ورجليه ، قلت : فما الإزار؟ قال : انها لا تقعد شيئا ، إنما تصنع لتضم ما هناك وأن لا يخرج منه شي‌ء » الحديث. مع أنه هو اللائق بتوهم الاستغناء به عن الخرقة بخلاف ما لو أريد به اللفافة ، وكذلك يظهر دلالة‌ الموثق (٢) أيضا « ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ، ثم تذر عليها من الذريرة ، ثم الإزار طولا حتى تغطي الصدر والرجلين ، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثم القميص » مضافا إلى ظهور كون الإزار فيه بمعنى المئزر للتصريح بتغطيته الصدر والرجلين خاصة ، واللفافة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

١٦٢

يعم البدن ونحوه على تأمل تعرفه فيما يأتي ، والمرسل (١) « ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ، ثم ابسط القميص عليه » قيل وأظهر منهما‌ الرضوي (٢) « يكفن بثلاثة أثواب لفافة وقميص وإزار » إذ لو كان المراد بالإزار اللفافة لكان اللازم أن يقال : قميص ولفافتان.

وقد يستدل أيضا بصحيح ابن مسلم (٣) « يكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين » للتصريح فيه بالدرع الذي هو قميص ، والمنطق الذي هو الإزار ، ولا فرق بينها وبين الرجل في ذلك إجماعا ، والزائد لها انما هو الخمار واللفافة الثانية ، وبالصحيح (٤) « كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفن » والخبر عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام (٥) « اني كفنت أبي عليه‌السلام في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه » بمعونة ما يأتي في باب الحج إن شاء الله من أن ثوبي الإحرام إزار يتزر به ، ورداء يتردى فيه ، كل ذا مع عدم معارض في الأخبار لما ذكرنا سوى إطلاق ما دل (٦) على التكفين بالأثواب الثلاثة ، أو الثوبين والقميص ، فيجب حمله على ذلك كما هو الأصل المقرر في المطلق والمقيد ، ودعوى عدم تناول اسم الثوب للمئزر واضحة البطلان كدعوى قصوره عن إفادة وجوب الإزار ، وحمل المطلق موقوف عليه ، لإمكان منعه في نفسه في بعضها أولا وبالانجبار بفتوى الأصحاب ومعقد إجماعاتهم في جميعها ثانيا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الكفن ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين.

١٦٣

سيما مع تأيد ذلك بالاحتياط الواجب المراعاة هنا في وجه ، وبأن ما ذكرناه أخيرا من الأخبار مفصحة أن المئزر من جملة الأثواب التي وقعت متعلق الأمر ثالثا ، مضافا إلى ظهور بعض ما قدمناه سابقا منها في معروفية الإزار من قطع الكفن في ذلك الزمان بحيث ينصرف المطلق اليه.

وكأن الشبهة نشأت لصاحب المدارك ومن تبعه من عدم تنزيله الإزار فيما تقدم من الأخبار على المئزر ، ومن هنا قال : « المئزر قد ذكره الشيخان وأتباعهما ، وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة ، ولم أقف في الروايات على ما يقضي بذلك ، بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد أو الأثواب الثلاثة ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه ـ إلى أن قال ـ : والمسألة قوية الاشكال ، ولا ريب أن الاقتصار على القميص واللفافتين أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة والخرقة التي يشهد بها الفخذ أولى » انتهى. وظاهره أو صريحه ما ذكرنا ، ومآله حينئذ إلى منع كون المئزر أحد الثلاثة ، فلا يجتزى به فضلا عن أن يلزم به ، فاتضح الرد عليه بجميع ما تقدم من الأخبار ، مع أنه عجيب في نفسه ، إذ لا شك في صدق اسم الثوب عليه لغة وعرفا ، وليس فيها قيد الشمول ولا ظهور بلفظ الإدراج في بعضها فيه ، فإطلاقها حينئذ يعمه ، نعم قد يقال : إن قضية الجمع بين أخبار الإزار بمعنى المئزر وبين غيرها ـ مما عساه يشعر بالاجتزاء بغيره كالحسن (١) « قلت : فالكفن ، قال : يؤخذ خرقة فيشهد بها سفله ، ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع به الكفن » من حيث ظهور اللفافة في شمول تمام الميت ، سيما مع قصور أدلة الإزار على الوجوب ، وكثرة المطلقات ونحو ذلك ، ـ التخيير بين المئزر وغيره ، ولعله الظاهر من المحكي عن ابن الجنيد ، كما أنه عساه يظهر من المصنف في المعتبر ، أو القول باستحباب المئزر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

١٦٤

ولا يخفي عليك ضعف ذلك كله بعد ما عرفت ، وأما الحسن فهو مع قصوره عن معارضة ما قدمناه محتمل لإرادة الفرد الأكمل من المئزر ، وهو الذي يغطي الصدر والرجلين ، ومثله يصدق عليه اسم اللفافة ، ويؤيده أنه لو أراد به الشامل لجميع الجسد لقال : لفافتان ، بل قد يشعر قوله عليه‌السلام : « برد يجمع به الكفن » باختصاص الشمول به ، فتأمل.

( وقميص ) والواجب منه مسماه عرفا ولم يكن من الأفراد النادرة ، وقدره بعضهم بما يصل إلى نصف الساق ، ولا بأس به ، وقال : إنه يستحب إلى القدم ولم يثبت ، وربما احتمل الاكتفاء به وإن لم يبلغ نصف الساق ، وهو مشكل لندرته في زمان صدور الأخبار ، وتقدم في المئزر ما له نفع في المقام ، فلاحظ.

ثم ان وجوب كون أحد القطع الثلاث قميصا هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل هو معقد إجماع الخلاف والغنية وعن غيرهما ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى الاحتياط في وجه ـ ما في‌ صحيح ابن سنان (١) « ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف ، وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه » وصحيح ابن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام « تكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار » الخبر. وخبر الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٣) « كتب أبي عليه‌السلام في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب ، أحدها برداء له حبرة كان يصلى فيه الجمعة ، وثوب آخر وقميص » الحديث. ونحوه خبره الآخر (٤) ومعاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام (٥) « يكفن الميت في خمسة أثواب : قميص لا يزر عليه ، وإزار » إلى آخره. وخبر يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام (٦) « سمعته يقول : إني كفنت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٥.

١٦٥

أبي عليه‌السلام في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه » الحديث. وخبر حمران بن أعين عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « قلت : فالكفن ، قال : يؤخذ خرقة فيشهد بها سفله ، ويضم بها فخذيه ليضم ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد تقدم بعض منها في المسألة السابقة ، وفيها ما يشعر بمعروفية كون القميص من أجزاء الكفن بحيث ينصرف الإطلاق إليه.

والمناقشة في جملة مما ذكرنا منها بالنسبة للوجوب سندا ودلالة قد تدفع بالانجبار بالشهرة المحصلة والمنقولة ، بل الإجماع المنقول ، فما عن ابن الجنيد من عدم وجوب القميص فخير بينه وبين إبداله بثوب آخر يدرج فيه الميت ، وتبعه عليه المصنف في المعتبر وبعض من تأخر عنه كالشهيد الثاني في روضته ، للأصل الذي يجب الخروج عنه ببعض ما مر لو سلم جريانه ، وكذا إطلاق الأثواب في كثير من الأخبار ضعيف ، نعم قد يستدل لهم بخبر محمد بن سهل عن أبيه (٢) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال : ذلك الكفن ، يعني قميصا ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب ، قال لا بأس به ، والقميص أحب إلى » ولعل هذه‌ الرواية التي أرسلها في الفقيه حيث قال : « سئل موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال : لا بأس به ، والقميص أحب إلىّ » لكن ـ مع قصوره سندا بل قيل ودلالة لاحتمال كون الألف واللام في القميص للعهد أي القميص الذي يصلى فيه أحب إلى لا مطلق القميص ـ لا يقاوم بعض ما ذكرنا ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

١٦٦

( وإزار ) أي ثوب يشمل جميع بدنه طولا وعرضا بلا خلاف أجده ، وفي السنة (١) ما يغني عن الاستدلال بغيرها عليه ، وهل يستحب زيادته طولا بحيث يشد كما صرح به بعضهم أو يجب كما في جامع المقاصد والروض؟ ولعله لعدم تبادر غيره من الأخبار واختاره في الرياض وهو لا يخلو من وجه وإن كان لا يخلو من نظر مع تحقق الشمول بدونه ، وأما زيادته عرضا بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر فلم أعرف من نص على وجوبها ، بل صرح بعضهم بالاكتفاء بشموله ولو بالخياطة للصدق ، لكنه اختاره في الرياض حاكيا له عن الروض وغيره معللا له بالعلة السابقة ، ولعله أراد بغيره جامع المقاصد ، إلا أن ظاهرهما أو صريحهما الاستحباب وإن أوجبا ذلك في الطول ، والأحوط ما ذكره وإن كان في تعينه تأمل.

ثم ان المشهور في كيفية تكفينه على ما حكاه جماعة بل في المحكي من عبارة الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، كما ان فيه عن الشيخ حكاية الإجماع عليه أن يبدأ أولا بلفافة الفخذين ، ثم المئزر ثم القميص ، ولا بأس به إلا أني لم أقف فيما وصلني من الأخبار على تمام هذه الكيفية ، إذ لم يتعرض في شي‌ء منها لها إلا‌ مرسل يونس عنهم عليهم‌السلام (٢) وموثقة عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام وفي الأول « ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط القميص عليه ، وترد مقدم القميص عليه ، ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده ، وامسح بالكافور على جميع مفاصله ـ إلى أن قال بعد أن ذكر التحنيط ـ : ثم يحمل فيوضع على قميصه ، ويرد مقدم القميص ليه » إلى آخره. ولا ريب في منافاته للمشهور لو أريد بالإزار فيه المئزر على حسب ما قدمنا ، لانه يكون حينئذ فوق القميص ، ومن هنا أمكن أن يراد به هنا اللفافة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

١٦٧

الأولى وتكون الحبرة حينئذ اللفافة الثانية المستحبة كما سيأتي ، وعلى هذا لم يكن حينئذ فيه تعرض للخرقة والمئزر ، ولعله يشد فخذاه ثم يؤزر ، وبعد ذلك ينقل إلى أكفانه كما عساه يشعر به قوله عليه‌السلام : « ثم يحمل فيوضع » فلا ينافي المشهور حينئذ.

وفي الموثق « تبدأ وتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة ، وتضم فخذيه ضما شديدا ، وجمر ثيابه بثلاثة أعواد ، ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ، ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر والرجلين ، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شي‌ء ، واجعل الكافور في مسامعه ـ إلى أن قال ـ : والتكفين أن تبدأ بالقميص ، ثم بالخرقة فوق القميص على إليتيه وفخذيه وعورته ، ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ، وعرضها شبر ونصف ، ثم تشد الإزار » إلى آخره. ولا ريب في منافاته للمشهور من جعل الخرقة تحت المئزر والقميص فوقه ، ولما يستفاد من غيره من الأخبار من تقدم الخرقة ، كخبر حمران بن أعين عن الصادق عليه‌السلام (١) قال فيه : « قلت فالكفن ، قال : تؤخذ خرقة فيشد بها سفله ، ويضم فخذيه بها ، ليضم ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » ولعل الوقوف مع المشهور أولى ، لظهور إعراض جميع الأصحاب عن هذه الموثقة بالنسبة إلى ذلك ، بل قد عرفت عن الشيخ حكاية الإجماع على خلافها ، نعم يحكى عن العماني تقدم القميص على المئزر ، ولعله لها ، وهو ضعيف ، فتأمل.

ويجزى عند الضرورة عقلا أو شرعا قطعة من القطع الثلاثة بلا خلاف أجده ، بل في المحكي عن التذكرة الإجماع عليه ، والمراد بالاجزاء في العبارة وغيرها وجوب التكفين بالمتيسر منها ، للأصل وعدم سقوط الميسور بالمعسور لو قلنا بكونه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

١٦٨

المركبات ، مع أن الظاهر خلافه ، نعم قد يشكل وجوب القطعة من كل قطعة التي لا تدخل تحت اسم أحدها في غير ما يستر العورة ، وأما فيها فالظاهر وجوبه مع التمكن ، كما أنه يشكل وجوب تقديم الإزار على القميص ، ثم القميص على المئزر مع الدوران وإن نص عليه في جامع المقاصد ، ويشهد له الاعتبار بالنسبة إلى الأول خاصة ، لكن بحيث يصل إلى حد الوجوب قد يتأمل فيه ، بل قد يمنع بالنسبة إلى تقديم القميص على المئزر ، إلا أن الاحتياط بما ذكر.

( ولا يجوز التكفين ) بالمغصوب إجماعا محصلا ومنقولا ، وللنهي عن التصرف ، ولا بالنجس ولو عرضية إجماعا كما في الذكرى كالإجماع في المعتبر على اشتراط طهارة الأكفان والغنية على عدم جوازه فيما لا تجوز فيه الصلاة ، وقضية إطلاق الأولين عدمه حتى فيما عفي عنه بالنسبة إلى الصلاة ، ولعله يرشد إليه وجوب إزالتها عن الكفن بعد التكفين ، فقبله بطريق أولى.

ولا ( بالحرير ) المحض إجماعا سواء كان رجلا أو امرأة كما في المعتبر والتذكرة ، وللرجل والمرأة باتفاقنا كما في الذكرى ، وصريح الأخير المساواة في الإجماع كظاهر الأولين ، وربما يشعر به‌ مرسل سهل (١) قال : « سألته كيف تكفن المرأة؟ قال : كما يكفن الرجل » وكيف كان فالحجة على أصل الحكم ما عرفت ، مضافا إلى الاحتياط في وجه ، واستصحاب المنع عنه في الرجل في آخر على إشكال في جريانه في نحو المقام ، لانقطاع التكاليف بالموت ، وعدم ثبوت تكليف غيره ، فتأمل. وإعراض السلف عنه مع الأمر بجودة الكفن والمغالاة فيه ، ومضمر الحسن بن راشد (٢) في الكافي ، وعن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام مرسلا في الفقيه « عن ثياب تعمل بالبصرة على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

١٦٩

عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس » والمناقشة في سنده كالمناقشة في متنه بعدم اقتضاء البأس الحرمة سيما مع القطع بعدمها في بعض أفراد المفهوم ، بل لعله الظاهر منه لو سلم العموم فيه مدفوعة بالانجبار بما عرفت ، والنهي عن التكفين بكسوة الكعبة في عدة أخبار (١) مع الاذن ببيع ما أراد منه ، وطلب بركته في بعضها (٢) وما ذاك إلا لكونه حريرا كما استظهره بعضهم ، وإلا كان مستحبا طلبا للتبرك به ، والمرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) عن بعض الكتب « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير » ولا مفهوم له ينافي ما قدمناه في المرأة مع وجوب الغاية في جنبه لو كان ، فما عن المنتهى ونهاية الأحكام من احتمال جواز تكفين النساء فيه استصحابا لحال الحياة ضعيف بعد ما عرفت ، كما أنه يجب حمل ما في‌ خبر إسماعيل بن أبي زياد (٤) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم الكفن الحلة ، ونعم الأضحية الكبش الأقرن » على التقية كما عن الشيخ لو أريد بالحلة الإبريسم وليس بمتعين ، لما عن القاموس « أن الحلة إزار ورداء برد أو غيره ، ولا يكون إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة » انتهى.

ثم انه قد يشعر اقتصار المصنف على المنع من الحرير بالنسبة إلى جنس الكفن كما عن المبسوط والنهاية والاقتصاد والجامع والتحرير والمعتبر والتذكرة ونهاية الأحكام بجواز التكفين بغيره مطلقا وإن كان مما يمنع من الصلاة به ، ولعله لعدم استفادة اعتبار أزيد من ذلك من الأخبار ، وعدم ثبوت مسمى شرعي للكفن ، وعلى تقديره فإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

١٧٠

الأدلة كاف في بيانه ، وما ورد (١) من النهي عن الكتان وانه كان لبني إسرائيل يكفنون به ، والقطن لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمول على الكراهة والندب قطعا ، وإن كان ربما يظهر من الخلاف وجوب ذلك ، بل دعوى الإجماع عليه.

وقد يناقش في ذلك أولا بعدم انحصار الأدلة في الأخبار ، ففي الغنية لا يجوز أن يكون مما لا تجوز فيه الصلاة من اللباس ، وأفضله الثياب البياض من القطن أو الكتان ، كل ذلك بدليل الإجماع ، وثانيا بمنع بقاء التكفين على المعنى اللغوي ، بل الظاهر ثبوت المراد الشرعي منه ولو مجازا ، ويكفي ذلك في ثبوت إجماله فيستصحب الشغل إلى البراءة اليقينية ، ولا أقل من حصول الشك في الاجتزاء بما منع من الصلاة به للإجماع المتقدم ، أو لاشتراط جماعة في الكفن ذلك ، منهم المصنف في النافع والعلامة في القواعد ، فاشترطا كونه مما تجوز فيه الصلاة للرجال اختيارا ، ولعله الظاهر أيضا ممن عبر بأن كل ما جازت الصلاة فيه جاز التكفين فيه كالسرائر وغيرها ، وفي جامع المقاصد لا يجوز التكفين بجلد ووبر ما لا يؤكل لحمه قطعا ، وقد عرفت غير مرة أنها ممن لا يعمل بالظنيات تجري مجرى الإجماع ، ولعله يشعر به أيضا عدم نقل خلاف فيه ممن عادته التعرض لمثل ذلك ، وفي المحكي من مجمع البرهان « وأما اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يصلى فيه وكونه غير جلد فكأن دليله الإجماع » انتهى.

وكيف كان فالذي يقوى في النظر عدم جواز التكفين بجنس ما يمنع من الصلاة فيه كسائر ما لا يؤكل لحمه ، نعم قد يناقش في الكلية الثانية ، وهو جوازه بكل ما جازت الصلاة فيه بظهور الأدلة في اشتراط كون الكفن من مصداق الثياب ، واحتمال المناقشة فيها بحمل التقييد فيها بذلك على الغالب ضعيفة ، ولا ريب في عدم التلازم بين ما يصلى فيه وبين الثوبية ، إذ لا إشكال في تحقق الأول بما لا يدخل تحت مسمى الثوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التكفين.

١٧١

من جلد ما يؤكل لحمه ونحوه بخلاف الثاني ، ولعله لذا صرح جماعة بعدم جواز التكفين بالجلود وإن كانت مما يؤكل لحمه ، ويرشد إليه مضافا إلى ذلك نزعه عن الشهيد مع أنه يجمع ما عليه في الدفن معه ، واحتمال المناقشة ـ بمنع عدم صدق اسم الثياب على الجلود سيما في مثل الفراء ونحوها أو مما خيط منها على صورة الثياب ، وربما يشعر به الاجتزاء به في الكفارة على ما قيل ـ مدفوعة بانصراف الثياب في المقام إلى غيرها لو سلم أصل الصدق.

ومما ذكرنا يظهر لك عدم جواز التكفين بنحو ذلك حتى لو قلنا ببقاء التكفين على المعنى اللغوي من المواراة كما هو التحقيق في النظر ، يقال : كفن الخبزة بالملة أي واراها ، وذلك لظهور الأدلة في اشتراط كونه من مسمى الثياب ، فلا يتفاوت الحال حينئذ في ذلك ، نعم لا يشترط فيه أزيد مما ذكرنا من الطهارة وعدم الحريرية والغصبية وكونه ثوبا ، فلا إشكال في جواز التكفين بعد إحرازها وإن كان شعر ووبر ما يؤكل لحمه كما هو المشهور ، بل لعله مجمع عليه بين الأصحاب ، بل في الرياض أنه أجمع على جوازه بالصوف مما يؤكل لحمه ، وعلى كل حال فلا أعرف فيه خلافا سوى ما يحكى عن الإسكافي ، حيث أطلق المنع من التكفين بالشعر والوبر ، وهو ضعيف ، مع احتمال تنزيله على غيره.

نعم هل يعتبر الساترية في كل قطعة من القطع الثلاثة أو يكفي حصول الستر بالمجموع؟ صرح في جامع المقاصد والروض والروضة بالأول ، لأنه المتبادر من الأثواب ، وقد يمنع ، ولأنه أحوط ، وهو مبني على وجوب مراعاته في المقام ، وقد يمنع أيضا سيما بعد إطلاق الأدلة بالاجتزاء بثلاثة أثواب ، ومن هنا مال في الحدائق إلى الثاني تمسكا بأصالة العدم ، لخلو المسألة عن النص ، بل قد يشعر‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (١) : « إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

١٧٢

منه يواري فيه جسده كله » بالاكتفاء بساترية المجموع بجعل ضمير « فيه » إلى الكفن من غير فرق في ذلك على نسختي الواو وأو ، وتبادر إرادة شمول تمام البدن لا أنه لا يحكي ما تحته لا ينافي إرادته منه معه كما يشعر به ما عرفته سابقا من بقاء التكفين على المعنى اللغوي من المواراة ، فيراد حينئذ مواراته بثلاثة أثواب ، فيجزي وإن حصل ذلك بمجموعها ، ودعوى صدق المواراة وإن حكى ما تحته ممنوعة ، لكن قد يناقش في ذلك بما عرفته من الإجماع في الغنية على عدم جواز التكفين بما لا تجوز فيه الصلاة ، وظاهره اشتراط ذلك في كل قطعة ، فلا يثمر الاجتزاء حينئذ بساترية المجموع في الصلاة ، إلا أنه قد ينزل على إرادة ما يمنع فيه من الصلاة لجنسه لا لوصفه ، وإلا فقد يمنع حصول الظن منه بالنسبة إلى ذلك ، لخلو كلام الأصحاب عن النص على شي‌ء من ذلك نفيا وإثباتا كما اعترف به في جامع المقاصد والروض.

ومن هنا تعرف أن الثاني لا يخلو من قوة وإن كان الأحوط الأول ، وأما احتمال عدم اشتراط مطلق الساترية حتى بالمجموع فمما ينبغي القطع بعدمه ، لمنافاته لحكمة التكفين بل معناه ، نعم ربما يحتمل اشتراط الساترية بالنسبة إلى كل قطعة لما يخصها من البدن دون غيره ، فلا يجب في القميص مثلا ساترية ما تحته مما ستر بالمئزر وهكذا ، لكن لا أعرف أحدا ذكره ، فتأمل.

ثم اعلم أن ما ذكرناه سابقا مما منع من التكفين كالحرير والنجس والجلد وغيرها انما هو في حال الاختيار أي وجود غيرها ، أما مع الاضطرار فمنها ما هو غير جائز قطعا كالمغصوب ، وأما غيره فقد قال في الذكرى : « إن فيه وجوها ثلاثة : المنع لإطلاقه ، والجواز لئلا يدفن عاريا مع وجوب ستره ولو بالحجر ، ووجوب ستره العورة حالة الصلاة ثم ينزع بعد ، وحينئذ فالجلد مقدم لعدم صريح النهي فيه ، ثم النجس لعروض المانع ، ثم الحرير لجواز صلاة النساء فيه ، ثم وبر غير المأكول ، وفي هذا‌

١٧٣

الترتيب للنظر مجال ، إذ يمكن أولوية الحرير على النجس لجواز صلاتهن فيه اختيارا » انتهى. وفرق في البيان بين الجلد الذي تجوز فيه الصلاة وبين غيره من الحرير والجلود التي لا تصح فيها الصلاة والأشعار والأوبار والنجس ، فأجاز الأول مع التعذر ، ونظر في غيره ، واستظهر في جامع المقاصد الفرق بين النجس وغيره ، فأجاز الأول لعدم وجوب نزعه عن الميت لو استوعبت النجاسة وتعذر غسلها وقرضه ، ولأنه آئل إلى النجاسة عن قريب ، فأمره أخف ، ومنع في الثاني تمسكا بإطلاق ما دل على المنع منهما من مفهوم الموافقة الحاصل من الأمر بالنزع عن الشهيد في الجلود ، ومما عرفته سابقا في الحرير قال : « وجواز صلاة النساء فيه لا يقتضي جواز التكفين به ، لعدم الملازمة ، على أنه لو تم لزم اختصاص الحكم بالنساء ، ووبر غير المأكول أبعد من الجميع ـ إلى أن قال ـ : ولو اضطر إلى ستر عورته حال الصلاة ولم يوجد غير الممنوع منه أمكن الستر بأحد الأشياء الممنوعة من غير ترتب ، لعدم الدليل عليه ، مع احتمال وضعه في القبر على وجه لا ترى عورته ، ثم يصلى عليه » انتهى.

وفرق في الرياض بين ما منع منه للنهي كالحرير وبين غيره مما منع منه لعدم الدليل ، فاستوجبه المنع في الأول لإطلاق النهي ، وفي الثاني الجواز للأصل ، وانتفاء المانع لاختصاصه بصورة وجود غيره مما يجوز التكفين به ، ثم قال : « وأما الوجوب فمشكل ، لعدم الدليل لعدم الإجماع فيه ، واختصاص الأمر بالتكفين في الأخبار بحكم التبادر بغيره » انتهى. قلت : ولعل هذا بناء منه على إجمال التكفين وإن له مسمى شرعيا ليتوجه جريان أصالة البراءة حينئذ مع الشك في اندراجه تحت الكفن ، ولا وجوب للاحتياط هنا لفرض وقوع الشك في الشغل لا في المشغول به ، وإلا فبناء على ما ذكرنا من التحقيق من بقائه على المعنى اللغوي وان ما اعتبر فيه من قبيل الشرائط فمع فرض ظهور ما دل على اشتراطها بصورة الاختيار لا مناص حينئذ عن الوجوب ، للأمر به ،

١٧٤

ودعوى انصرافه إلى غير ذلك فيتمسك بأصالة البراءة حينئذ كالأول ممنوعة.

نعم قد يستشكل في وجوب ذلك الترتيب المتقدم وإن كان ربما يقوى في النفس التخيير بين المتنجس وبين جلد ما يؤكل لحمه ، وتقديمهما معا على الحرير وجلد ما لا يؤكل لحمه وشعره ووبره ، والتخيير بينهما ، مع احتمال تقديم الحرير فيهما خاصة ، كاحتمال تقديم المتنجس في الأولين ، سيما مع قلة النجاسة وعدم تلويثها. وينبغي القطع بوجوب ستر العورة في سائر ما ذكر وان قلنا بالمنع من التكفين بها بناء على وجوب سترها لو تمكن منه خاصة بالاختياري كما تقدم ، إذ ليس ذا من التكفين بشي‌ء حتى يمنع منه ، ولا يدخل تحت النهي عن لبس الحرير ، كما أنه ينبغي القطع بجواز تكفينه في تلك الأمور وإن لم نقل بوجوبه ولا بدخوله تحت الكفن المأمور به ، ودعوى أنها إضاعة مال وإتلافه من غير إذن مدفوعة بالغرض الدنيوي واحتمال إصابة الغرض الأخروي ، نعم قد يستشكل في خصوص ما ورد النهي عنه كالحرير مثلا لو سلم فيه ذلك وقلنا إن المراد بالنهي عنه الحرمة لا عدم الاجتزاء به عن الكفن المطلوب خاصة. فتأمل.

ويجب الحنوط على المشهور بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن سلار ولم يثبت بل المحكي من ظاهر أول كلامه الوجوب ، بل في الخلاف والمنتهى والتذكرة والروض والمفاتيح وعن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مع التأسي والأمر به في عدة أخبار (١) وإن كان ربما يناقش في إفادتها كلها أو بعضها ذلك ، وذلك لاختلافها واشتمالها على كثير من المندوبات ، ووقوع بعضها بعد السؤال عن كيفية التحنيط وغير ذلك ، إلا أنه يندفع بضميمة ما عرفت ما يمكن اندفاعه منها ، كما أنه يستغنى به عما لا يمكن.

وهل هو قبل التكفين كما في القواعد وعن غيره لقول الباقر والصادق عليهما‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

١٧٥

قيل : ول‌ قولهم عليهم‌السلام في خبر يونس (١) : « ابسط الحبرة بسطا ، ثم ابسط عليها الإزار ، ثم ابسط القميص عليه ، وترد مقدم القميص عليه ، ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته ـ إلى قولهم عليهم‌السلام ـ : ثم يحمل فيوضع على قميصه » ولا صراحة فيه بل ولا ظهور على تقديمه على المئزر ، بناء على ما عرفته سابقا فيها من عدم التعرض لذكر المئزر بحمل الإزار فيها على غيره ، نعم هو صريح في تقديمه على إلباسه القميص ، أو بعد التكفين كما هو ظاهر الفقيه ، فإذا فرغ من تكفينه حنطه بما ذكرته ، ولا أعرف له شاهدا إن أراد الإلزام أو الاستحباب ، بل فيما عرفت شهادة عليه ، كما أني لا أعرفه أيضا ، لما في المنتهى وعن صريح المراسم والتحرير ونهاية الأحكام وظاهر المقنعة والمبسوط والوسيلة من كونه بعد التأزير بالمئزر ، بل عن المقنعة والمراسم كما في المنتهى بعد ذلك ما يعطي التأخير عن إلباس القميص ، وقد عرفت أن خبر يونس وغيره يشهد بخلافه بالنسبة إليه ، بل في الأخير ما هو كالصريح في خلاف ما أعطاه سابقا بعد ذلك أيضا ، حيث رتب إلباس القميص بعد التأزير والتحنيط ، ولعل الأقوى جواز الكل وفاقا لكاشف اللثام ، للأصل وإطلاق كثير من الأدلة ، وإن كان الأولى تقديمه على الكفن ، للصحيح المتقدم ، خصوصا القميص لما تقدم ، والعمامة له أيضا ، ولما في‌ خبر عمار (٢) « واجعل الكافور ـ إلى أن قال ـ : ثم عممه » أو عما عدا الخامسة لما تشعر به بعض الأخبار ، ولئلا يخرج منه شي‌ء بعده ، ولا طريق للاحتياط بعد ما عرفت من كلام الأصحاب.

(و) كيف كان فـ ( يجب أن يمسح ) أي يحنط ( مساجده ) السبعة بالحنوط إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا (٣) ومنها طرف إبهامي الرجلين ، ولعله يرجع إليه ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين.

١٧٦

المقنعة والمبسوط ، وعن الإصباح ظاهر أصابع قدميه ، وكذا ما في السرائر ، وعن المصباح ومختصره وغيرهما طرف أصابع الرجلين ، وإلا فلا دليل عليهما ، إذ الموجود في كثير من الأخبار المساجد (١).

ثم ان ظاهر المصنف وغيره بل هو معقد إجماع التذكرة وغيرها إيجاب المسح في تحنيط المساجد ، ولعله للأمر به في بعض الأخبار الآتية مع ما عرفت من كونه معقد إجماع التذكرة والروض ، بل كاد يكون صريح الأول ، لكن يظهر من جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في جمله والحلي في سرائره وابن حمزة في وسيلته وابن زهرة في غنيته والمصنف في نافعة والعلامة في منتهاه ان الواجب الوضع والإمساس ، بل لعل صريح الجمل والوسيلة استحباب المسح ، ولعله لإطلاق الأمر بالجعل في جملة من الأخبار الآتية ، مع أن معقد إجماع الخلاف الوضع أيضا ، لكن قد يقال إنه يجب تنزيل هذا المطلق على المقيد ، وهو المسح للقاعدة المعلومة فيهما ، ومنه تعرف قوة الأول ، ولم أعثر على تنقيح لذلك في كلمات الأصحاب ، فلاحظ وتأمل. وربما ظهر من بعضهم كالشيخ في المبسوط الفرق بين الراحة وغيرها من المساجد ، فتمسح الأولى دون الثانية.

وعلى كل حال فظاهر المصنف أو صريحه أيضا كغيره من الأصحاب عدم وجوب الزائد على ذلك ، للأصل والاقتصار على الأمر بجعل الحنوط في المساجد‌ من الصادق عليه‌السلام بعد أن سئل عن الحنوط للميت فقال : « اجعله في مساجده » والإجماع من الفرقة وعملهم في الخلاف على أن لا يترك على أنفه ولا أذنيه ولا عينيه ولا فيه شي‌ء من الكافور ، مع الإجماع فيه أيضا على ترك ما زاد من الكافور على المساجد على صدر الميت ردا على الشافعي ، حيث استحب مسح جميع بدنه به ، والنهي عن مس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١ و ٥.

١٧٧

مسامعه بكافور في‌ خبر عثمان النواء (١) وعن جعل الحنوط فيها في خبر عبد الرحمن (٢) ، « ولا تقرب أذنيه شيئا من الكافور » في خبر حمران بن أعين (٣) والمرسل (٤) « إياك أن تحشو مسامعه شيئا ، فإن خفت أن يظهر من المنخرين شي‌ء فلا عليك أن تصير قطنا ، وإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئا » وما في‌ مرسل يونس عنهم عليهم‌السلام (٥) « ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا ».

هذا مع شدة اختلاف الأدلة الدالة على الزائد بحيث تقصر عن إفادة الوجوب معه ، سيما مع قصور سند بعضها وإعراض الأصحاب عدا النادر عنها ، وموافقتها للعامة ، إذ فيها مضافا إلى ما ذكرنا الأمر بالمسح بالكافور آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط ، كما في حسن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٦) وقال أيضا في خبر عمار (٧) : « واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه » الحديث. ولعبد الله بن سنان (٨) بعد أن سأله كيف أصنع بالحنوط؟ : « تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه » ول‌ حمران (٩) إذ سأله عن الحنوط أيضا : « يوضع في منخره وموضع سجوده ومفاصله » وفي‌ خبر سماعة (١٠) « وتجعل شيئا من الحنوط على مسامعه ومساجده ، وشيئا على ظهر الكفين » والحسين بن المختار (١١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٢.

(١١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

١٧٨

« يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبة » وفي صحيح زرارة (١) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام « إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها ، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه ، وقال : حنوط الرجل والمرأة سواء » وفي مرسل يونس عنهم عليهم‌السلام (٢) « ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته وموضع سجوده ، وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه وفي رأسه وعنقه ومنكبيه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه ـ إلى قولهم (ع) ـ : ولا تجعل في منخريه ولا بصره ولا مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا » كذا عن الكافي في كشف اللثام ، وفيما حضرني من نسختي الوسائل والوافي بل الثاني رواه عن الشيخ كذلك أيضا ، لكن الأول قال : « وفي التهذيب وامسح بالكافور على جميع مغابنه من اليدين والرجلين ومن وسط راحتيه » إلى غير ذلك.

وهي مع اختلافها هذا الاختلاف لا تعرض في شي‌ء منها للوضع منه على الأنف ، لكن المفيد والعلامة في المنتهى زادا على المساجد طرف الأنف كما عن الحسن والحلبي والقاضي ، بل قد يظهر من الثاني أنه لا خلاف فيه ، حيث قال : « مسألة ثم يعمد إلى الكافور الذي أعده أولا لحنوطه ، فيسحقه بيده ويضع منه على مساجده السبعة وطرف أنفه ، فإن فضل من الكافور شي‌ء كشف قميصه وألقاه على صدره ، ولا خلاف في ذلك » إلى آخره. ولعلهم أخذوه من لفظ المساجد في الأخبار من حيث استحباب إرغامه في السجود.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٣.

١٧٩

ولا ريب في ضعف الوجوب ، للأصل وتبادر السبعة من المساجد في النص والفتوى ، بل قد عرفت أنه في الخلاف ادعى الإجماع على ترك ما زاد على السبعة على الصدر ، ومنه مع التتبع لكلمات الأصحاب يعرف ما في نفي الخلاف عنه في المنتهى ، هذا مع خلو الأخبار المتقدمة على كثرة ما اشتملت عليه عنه ، وكذا ضعف ما في الفقيه « ويجعل الكافور على بصره وأنفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها وعلى أثر السجود منه ، فإن بقي منه شي‌ء جعله على صدره » وإن شهد له بأكثر ما ذكر بعض الأخبار المتقدمة ، لكنك قد عرفت قصورها عن إفادة الوجوب ، سيما مع معارضتها بالنهي في بعض ذلك ، والإجماع من الخلاف كذلك ، وإعراض الأصحاب وغير ذلك مما مضى مفصلا.

نعم قد يقال قويا باستحباب تطييب هذه المواضع من الميت سيما ما كان منها محلا للرائحة والعرق المستكرهين ، لكن غير ما نهي عنه فيما تقدم كالمسامع ونحوها ، أو حكي الإجماع على عدم وضع شي‌ء فيه ، بل قد يقال باستحبابها أيضا بحمل النهي على إرادة الوضع فيها وحشوها ، وإن كان في بعضها (١) بلفظ « على » لكنه يصح كونها بمعنى « في » كالعكس كقوله تعالى (٢) ( لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) وحمل الأمر على إرادة الوضع عليها ، ولعل ذلك قضية كلام الشيخ في التهذيب والاستبصار ، ولا يأباه كلام الفقيه المتقدم كالمحكي عن المقنع « يجعل على جبينه وعلى فيه وموضع مسامعه » وربما احتمل حمل هذه الأخبار على التقية ، وقد يؤيده ترك ذكر الاستحباب لذلك في أكثر كلام الأصحاب ، وما عرفته من الإجماع ونفي الخلاف على وضع الفاضل على الصدر ، إلا أن ما ذكرناه أولى ، ولا يذهب عليك أن قضية هذا الإجماع من الشيخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٥.

(٢) سورة ( طه ) ـ الآية ٧٤.

١٨٠