جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما أن المتجه بناء على المختار وجوب الغسل بمسه على ما صرح به في الكتب السابقة ، بل صرح في بعضها بذلك أيضا في كل غسل شرع للضرورة ، قال : وبالأولى التيمم ، وكأنه للاستصحاب وعدم إفادة مثل ذلك طهارة للميت ، لكن قد يناقش فيه بظهور الأدلة في قيام الاضطراري من الطهارات مقام الاختياري ، كما في وضوء الجبائر والأقطع وغسلهما ونحو ذلك ، وخصوصا في التيمم ، لما دل على « أنه بمنزلة الماء » (١) و‌ « انه أحد الطهورين » (٢) ونحوهما ، لكن قد يدفع الأخير بأن وجوب الغسل بالمس انما هو للنجاسة التي لا ترتفع بالتيمم ، على أن مبدل التيمم هنا ليس ماءا فقط ، بل هو مع ماء السدر والكافور ، ولا دليل على حصول حكمهما بعد تعذرهما بالتيمم ، وهو قوي ، ومنه ينقدح الفرق بين الميمّم وغيره ، فيجب الغسل بمس الأول دون الثاني بشرط عدم حصول التمكن قبل الدفن ، وإلا فيجب أيضا ، لانكشاف عدم الاجتزاء به حينئذ ، إلا انا لم نقف على هذا التفصيل لأحد من الأصحاب ، ولعله لعموم أو إطلاق ما دل (٣) على وجوب الغسل بمس الميت حتى يغسل ، وهو منصرف إلى المتعارف المعهود ، وهو الغسل الاختياري دون غيره مما لم يظهر من الأدلة قيامه مقامه في جميع ثمراته وأحكامه ، ومجرد الإلزام بوجوبه وعدم السقوط بتعذر البعض لا يقضي بذلك ، فمن هنا كان الأولى ما عليه من عرفت من الأصحاب وإن كان ما سبق منا لا يخلو من قوة ، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر الأصحاب والأخبار (٤) أنه لا يقوم شي‌ء مقام السدر في الاختيار والاضطرار ، لكن حكي عن العلامة في التذكرة والنهاية أنه قال : « إذا تعذر السدر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت.

١٤١

ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي إشكال ، من عدم النص ، وحصول الغرض » انتهى. وعندي لا إشكال في الجواز وعدم الوجوب ، ولا ينافيه ما في الوسائل عن‌ الصدوق بإسناده إلى عمار الساباطي (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إذا غسلت رأس الميت ولحيته بالخطمي فلا بأس » قال : « وذكر هذا في حديث طويل يصف فيه غسل الميت » انتهى.

( ولو خيف من تغسيله ) أي الميت ولو صبا تناثر جلده كالمحترق والمجدور يتيمم بالتراب بلا خلاف أجده بين رؤساء الأصحاب ، بل عليه إجماع العلماء كما في التذكرة ، بل في الخلاف « إذا مات إنسان ولم يمكن غسله يمم بالتراب مثل الحي ، قاله جميع الفقهاء إلا ما حكاه الساباطي عن الأوزاعي أنه قال : يدفن من غير غسل ولم يذكر التيمم ، دليلنا إجماع الفرقة » ونحوه حكاه في المدارك عن التهذيب ، كما أن فيها وعن الذخيرة نسبة الحكم أيضا إلى الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك الخبر المجبور سنده بما سمعت عن‌ زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (٢) قال : « إن قوما أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور ، فان غسلناه انسلخ ، فقال : يمموه » فلا وجه للمناقشة في الحكم بعد ذلك كما في المدارك بالأصل ، وب‌ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣) « عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب ، والثاني ميت ، والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء ويغتسل به؟ وكيف يصنعون؟ قال : يغتسل الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي عليه وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز » لوجوب الخروج عنهما بما عرفت لو سلم ظهور الثانية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ١.

١٤٢

فيما نحن فيه ، مع أنا لم نقف على هذه الرواية بهذا المتن والسند في شي‌ء من الأصول المشهورة ، نعم هي في التهذيب بهذا المتن ، لكن عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن رجل حدثه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام فهي مرسلة ، وفي الفقيه بالسند المذكور من غير إرسال ، لكن فيها بعد قوله : « ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي عليه وضوء » فهي لنا لا علينا ، إذ لعله سقط ذلك من قلم الشيخ أو النساخ لتوهم التكرار ، فتأمل جيدا.

كما انه لا حاجة بعد ما عرفت إلى التمسك على الحكم بعموم بدلية التراب عن الماء لا مكان توجه المناقشة فيه بما سمعته سابقا من ظهورها في غير المقام من حيث شركة غير الماء مع الماء في المقام ، ومن ظهورها أيضا في رفع الأحداث خاصة ، لا في مثل ما نحن فيه من الغسل الذي يحصل به رفع الخبث وغيره ، إلى غير ذلك. وكيف كان فقضية ما عرفته من أدلة الحكم عدم وجوب أزيد من تيمم واحد ، بل قد يشعر نسبته إلى الأصحاب في الذكرى وكشف اللثام بالإجماع ، قلت : وينبغي القطع به إذا جعلنا التطهير بماء القراح ، ومثله أيضا على المختار من أن غسل الميت عمل واحد ، نعم قد يشكل ذلك بناء على أنها أغسال متعددة ، ومن هنا اختار في التذكرة وجوب الثلاث وتبعه في جامع المقاصد معللا له في الأخير بأنه بدل عن ثلاثة أغسال ، وكونها في قوة واحد لا يخرجها عن التعدد ، وإذا وجب التعدد في المبدل منه مع قوته ففي البدل الضعيف بطريق أولى انتهى. وهو كما ترى مع مخالفته لإطلاق النص والفتوى لا محصل له بحيث يصلح مدركا شرعيا ، بل ظاهره وجوب ذلك حتى على البناء على كونه عملا واحدا ، وهو عجيب ، إذ كيفية المبدل منه لا تنسحب إلى البدل كما هو واضح.

وكيف كان فكيفية تيممه كما يتيمم الحي العاجز رأسا الذي لا قابلية له بأن يتولى شيئا من الفعل ولو بمعين ، فإنه حينئذ يتولاه بتمامه الأجنبي عدا النية ، وبها يفترق عن الميت ، لوجوبها على المباشر ، إذ هو المكلف بالتيمم بخلاف الحي ، وانما‌

١٤٣

قيدنا الحي بما سمعت حذرا من احتمال اقتضاء التشبيه الضرب بيدي الميت الأرض والمسح بهما جبهته ويديه كما يصنع بالحي المتمكن من ذلك ، وهو مناف لما صرح به بعض الأصحاب من كيفية تيمم الميت ، ويؤيده الاعتبار ، لكون التيمم بدل الغسل المكلف به الحي ، فلا مدخلية لضرب الأرض بيد الميت ، لكن قد يوهم ذلك عبارة المقنعة فلاحظها ، ويحتمل أن يراد بالعبارة وغيرها كمعقد إجماع الخلاف إرادة بيان أصل كيفية التيمم ، وانه لا خصوصية لتيمم الميت وإن كان لا يخلو ذلك من بعد في نحو عبارة المصنف ، للوصف فيها بالعاجز ، والأمر سهل.

( وسنن الغسل )

( ان يوضع ) الميت على ساجة أو سرير بلا خلاف كما في المنتهى ، أو مطلق ما يرفعه عن الأرض كما في الغنية مدعيا الإجماع عليه ، ويرشد إليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى ما عساه يشعر به ما في بعض الأخبار (١) من الأمر بوضعه على المغتسل ـ أنه أحفظ لبدن الميت من التلطخ إلا أن ذلك لا يخص الساج بل ولا الخشب ، لكن الأولى تقديمه على الخشب ، ثم الخشب على غيره ، وكيف كان فينبغي حينئذ أن يكون مكان الرجلين منحدرا عن موضع الرأس كما نص عليه بعضهم ، وفي كشف اللثام « والساج خشب أسود يجلب من الهند ، والساجة الخشبة المربعة منها » انتهى.

ويستحب وضعه مستقبل القبلة على هيئة المستحضر ، فيستقبل بباطن قدميه ووجهه القبلة بلا خلاف أجده بين أصحابنا في الكيفية ، نعم هو واقع بالنسبة للاستحباب والوجوب ، فالأول خيرة المصنف في كتبه ، والعلامة في القواعد والإرشاد والمختلف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

١٤٤

والشهيدين في البيان والروض ، والشيخ في الخلاف والجمل والعقود ، وابن زهرة في الغنية ، وابن سعيد في الجامع ، وهو المحكي عن مصريات السيد والوسيلة والإصباح ، وفي المدارك نسبته إلى الأكثر ، والثاني ظاهر المبسوط أو صريحه كظاهر المنتهى وصريح المحقق الثاني ، واختاره بعض متأخري المتأخرين ، والأقوى الأول ، للأصل وإطلاق أكثر الأدلة ، وصحيح ابن يقطين (١) سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام « عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه إلى القبلة؟ قال : يوضع كيف تيسر ، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره » المعتضدين بالشهرة بين الأصحاب ، واستبعاد خفاء مثله ، بل في الغنية بعد نصه على استحباب ذلك وغيره كل ذلك بدليل الإجماع ، وربما يظهر ذلك من الخلاف أيضا في وجه ، بل في المدارك بعد نسبة ذلك إلى الشيخ وأكثر الأصحاب حكى عن المعتبر دعوى اتفاق أهل العلم عليه ، قلت : لكن الموجود فيه « وسنن الغسل يشتمل على مسائل : الأولى أن يوضع الميت على مرتفع موجها إلى القبلة ـ إلى أن قال ـ : وأما الاستقبال في التغسيل فهو اتفاق أهل العلم ، لكن عندنا يستقبل بباطن قدميه ليكون وجهه إلى القبلة ، ويدل عليه من طريق أهل البيت عليهم‌السلام روايات » انتهى. وهو محتمل لإرادة الاتفاق على الاستقبال من دون تعرض للاستحباب ، ولعل رجوعه إلى ما قدمه سابقا من استحباب الاستقبال فتكون اللام للعهد أولى ، فتأمل.

وكيف كان فلا وجه للمناقشة في الصحيح بعد ذلك بخروجه عما نحن فيه ، لعدم وجوب ما لا يتيسر قطعا ، مع إمكان اندفاعها أولا بظهور المراد منه عرفا ، وبدلالتها على التخيير أيضا مع تيسر الحالتين كدلالتها على عدم وجوب نقله عن ذلك المكان إذا تعسر توجيه وجهه إلى القبلة ، كل ذا مع عدم قوة ما يصلح لإفادة الوجوب حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

١٤٥

يرتكب له مثل ذلك ، إذ ليس هو إلا الأمر بوضعه مستقبل القبلة عند إرادة تغسيله في مرسل يونس (١) وخبر الكاهلي (٢) وهما ـ مع القصور في السند واشتهار « افعل » في الندب ـ قد يظن أو يقطع بإرادته منه هنا بعد ما سمعت ، وخصوصا مع اشتمالهما على كثير من المستحبات ، فكأنها مساقة لبيان مطلق الرجحان ، والحسن بإبراهيم (٣) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة » وهو مع تسليم ظهوره لا يقاوم ما عرفت ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب ان يغسل تحت الظلال قاله الأصحاب كما في جامع المقاصد سقفا كان أو غيره‌ للصحيح (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ قال : لا بأس ، وإن ستر فهو أحب إلى » وخبر طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام (٥) « ان أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت وبين السماء الستر يعني إذا غسل » وهما يفيدان استحباب مطلق الستر ، لكن قال في المعتبر : « ويستحب أن يغسل تحت سقف ـ إلى أن قال بعد ذكره الرواية الثانية ـ : إن طلحة بن زيد بتري ، لكنها منجبرة برواية علي بن جعفر عليه‌السلام (٦) واتفاق الأصحاب » انتهى. وفي التذكرة « ويستحب أن يكون تحت سقف ، ولا يكون تحت السماء ، قاله علماؤنا » انتهى. ولعلهما يريدان ما ذكرنا خصوصا الثاني بقرينة ما سمعته من جامع المقاصد وظهور قوله في التذكرة « ولا يكون » في تفسير المراد بالأول ، وإلا لأفاد كراهية ذلك ، مع ظهور الصحيح في عدمه كما عرفت ، والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

١٤٦

وكذا يستحب أن يجعل لماء الغسل حفيرة تختص به إجماعا كما في الغنية ، وللحسن السابق « وكذا إذا غسل يحفر له موضع الغسل ».

ويكره إرساله في الكنيف المعد لقضاء الحاجة ، لما في الذكرى « أجمعنا على كراهية إرسال الماء في الكنيف دون البالوعة » انتهى. ول‌ مكاتبة الصفار (١) في الصحيح أبا محمد عليه‌السلام « هل يجوز أن يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع عليه‌السلام يكون ذلك في بلاليع » وهو مع اعتضاده بالإجماع السابق كاف في إثبات ذلك ، ومع الأصل كاف في نفي الحرمة ، فما عن‌ الفقيه كالرضوي (٢) « لا يجوز ذلك » مراد به ما ذكرنا ، وإلا كان كما ترى. ولا بأس بالبالوعة وان اشتملت على نجاسة ، لإطلاق الصحيح المتقدم ، وما سمعته من الذكرى ، بل وإن تمكن من الحفيرة لاطلاقهما أيضا ، فما عن جماعة من اشتراط ذلك بتعذرها لا يخلو من نظر.

ويستحب ان يفتق قميصه ان افتقر إليه النزع من تحته باذن الوارث البالغ الرشيد ، فلو تعذر لصغر أو غيبة لم يجز كما نص عليه في جامع المقاصد والمدارك ، ولعله لضعف ما دل (٣) عليه عن مقاومة ما دل (٤) على النهي عن التصرف في مال الغير بغير إذنه وإن كان لحكم مستحب ، ولكن قد يتأمل فيه لإطلاق‌ خبر عبد الله بن سنان (٥) « ثم يخرق القميص إذا فرغ من غسله وينزع من رجليه » مع انجباره بإطلاق عبارات الأصحاب وملاحظة غالب أحوال الناس في ذلك من استنكار طلب الاذن وعدم تيسره غالبا ، فلعل الأقوى حينئذ القول به مطلقا سيما مع عدم تحقق النهي عنه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب عقد البيع وشرائطه من كتاب التجارة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٨.

١٤٧

وإذا فتق قميصه ينزع من تحته لما سمعته من الخبر المنجبر بفتوى كثير من الأصحاب به ، بل في جامع المقاصد أنه « لا كلام بين الأصحاب في استحباب نزع القميص من تحت الميت » انتهى. ويؤيده مع ذلك أنه أحرى لسلامة الأعالي من تلطخ النجاسة التي هي مظنة وقوعها من المريض ، انما البحث في أنه هل المستحب تغسيله عريانا مستور العورة كما هو صريح المعتبر وغيره ، بل في المختلف وعن غيره أنه المشهور ، ولعله لأنه أمكن في التطهير من التغسيل بالقميص ، ولأن الحي يغتسل مجردا فالميت أولى ، وفي المعتبر والتذكرة « تعليله بأن الثوب ينجس بذلك ولا يطهر بصب الماء فينجس الميت والغاسل » انتهى. أو المستحب تغسيله في قميصه كما هو المحكي عن ابن أبي عقيل والمنسوب إلى ظاهر الصدوق ، واختاره بعض متأخري المتأخرين لما في‌ صحيحي ابن مسكان (١) وابن خالد (٢) « إن استطعت أن يكون عليه قميص فتغسله من تحته » وصحيح ابن يقطين (٣) « ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه » والمروي (٤) من تغسيل أمير المؤمنين عليه‌السلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قميصه ، بل عن ابن أبي عقيل دعوى تواتر الأخبار في ذلك ، أو أنه مخير بين الأمرين كما هو ظاهر المحقق الثاني أو صريحه كالخلاف ، جمعا بين هذه الأخبار وبين ما دل عليه عريانا مستور العورة خاصة كمرسل يونس عنهم عليهم‌السلام (٥) « فان كان عليه قميص فأخرج يده من القميص ، واجمع قميصه على عورته ، وارفعه من رجليه إلى ركبتيه ، وإن لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة » والحسن كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام (٦) قال : « إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته إما قميص أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

١٤٨

غيره ، ثم تبدأ » إلى آخره. وفي الخلاف « يستحب أن يغسل الميت عريانا مستور العورة ، إما بأن يترك قميصه على عورته ، أو ينزع قميصه ويترك على عورته خرقة ، وقال الشافعي : يغسل في قميصه ، وأبو حنيفة ينزع قميصه ويترك على عورته خرقة ، دليلنا إجماع الفرقة وعملهم أنه مخير بين الأمرين » انتهى. والظاهر أن مراده بالأمرين التغسيل بالقميص وعريانا مستور العورة ، لا ما ذكرهما أولا من الستر بالقميص أو الخرقة ، اللهم إلا أن يراد بالتغسيل في القميص ذلك.

ومنه ينقدح حينئذ إمكان تنزيل الأخبار السابقة الآمرة بالتغسيل في القميص على إرادة ذلك ، فلا ينافي استحباب النزع الذي حكيت عليه الشهرة ، لكنه بعيد كاحتمال حملها على إرادة الجواز ، فلا تنافيه أيضا سيما في بعضها نحو‌ قوله عليه‌السلام : « ولا يغسل إلا في قميص وغيره » ولعل الأقوى التخيير ، ومن جميع ما ذكرنا يستفاد ضعف ما يظهر من ابن حمزة من إيجاب تغسيله مجردا عن ثيابه ، لما عرفت من الإجماع والأخبار ، وكذا ما عساه يظهر من التعليل السابق في المعتبر والتذكرة من نجاسة الثوب بذلك وعدم طهارته بالصب فيتنجس الميت والغاسل ، لظهور الأخبار في الأمر به ، وهو إما لعدم احتياج طهارته هنا إلى العصر ، أو عدم تنجس الميت به وإن أوجبنا عصره بالنسبة إلى طهارته نفسه بعد ذلك ، أو غيرهما ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب أن يستر عورته حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب كما لو كان المغسل أعمى ، أو واثقا من نفسه بعدم النظر ، أو كان المغسل بالفتح ممن يجوز النظر إلى عورته ، كما لو كان طفلا أو زوجا ، وإلا فلا إشكال في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم ، قلت : قد يناقش حينئذ في ثبوت الاستحباب في بعض ما تقدم ان لم يكن الجميع ، إذ الوجوه الاعتبارية لا تصلح مدركا للأحكام الشرعية ، والأمر في الأخبار بستر العورة ظاهره الوجوب فهو محمول على غيرها ، نعم قد يقال : إن‌

١٤٩

وجوب الستر انما هو على المنظور ، وإلا فالناظر انما يحرم عليه النظر ، وبعد فرض سقوط الأول هنا بالموت فلم يبق إلا الثاني ، وهو لا يستلزم وجوب الستر ، لعدم التوقف عليه ، فيستحب خصوص الستر حينئذ استظهارا وحذرا من الغفلة ونحوها ، وحينئذ فلا ينبغي أن يخص الحكم بما ذكر ، بل هو على إطلاقه ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب تلين أصابعه برفق فان تعسر تركها ، وهو مذهب أهل البيت عليهم‌السلام كما في المعتبر ، وكفى به حجة لمثله ، وكيف مع ما في الخلاف من إجماع الفرقة وعملهم على استحباب تليين أصابع الميت ، وفي‌ خبر الكاهلي (١) « ثم تلين مفاصله ، فان امتنعت عليك فدعها ، ثم ابدأ بفرجه » إلى آخره. وعن‌ الفقه الرضوي (٢) « وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق ، وإن كان يصعب عليك فدعها » إلى آخره. مع انجبار ذلك كله بالشهرة المحكية في المختلف ، ولعلها محصلة ، فما عن ابن أبي عقيل ـ أنه لا يغمز له مفصلا مدعيا تواتر الأخبار عنهم (ع) بذلك ، ول‌ خبر طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام (٣) « كره أن يغمز له مفصل » ـ واضح الضعف ، وعن الشيخ حمله على ما بعد الغسل ، وفيه أنه لا يتجه في مثل‌ حسنة حمران بن أعين عن الصادق عليه‌السلام (٤) « إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به ولا تعصروه ولا تغمزوا له مفصلا » لظهوره عند التغسيل ، فلعل الأولى حملها على إرادة ما ينافي الرفق ، فلا ينافي ما ذكرنا ، فتأمل.

وكذا يستحب أن يغسل رأسه برغوة السدر باتفاق فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام كما في المعتبر مع زيادة الجسد ، وهو الحجة ، مضافا إلى ما في‌ مرسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٦.

١٥٠

يونس (١) « ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ، ثم أضجعه على جانبه الأيسر » إلى آخره. لكن لا دلالة فيهما على كون ذلك أمام الغسل وان ذكر ذلك المصنف هنا والعلامة في جملة من كتبه ، فمن العجيب ما في الرياض من جعله مستند الحكم في المقام إجماع المعتبر ، بل ظاهر المرسل كونه من الغسل الواجب كما اعترف به جماعة ، وليس في غيره تعرض لذكر الرغوة فضلا عن الغسل بها مقدما على الغسل ، نعم قد يشعر به‌ صحيح ابن يقطين عن العبد الصالح عليه‌السلام (٢) « غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ، ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر ، ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه ، ويجعل في الماء شي‌ء من سدر وشي‌ء من كافور » إلى آخره.

على أن يراد بالسدر رغوته بقرينة ما بعده ، لكنه كما ترى ، ولعل القول باستحباب ذلك وجعله من أجزاء الغسل بناء على ما تقدم سابقا من عدم اشتراط بقاء الإطلاق في غسلة السدر لا يخلو من قوة ، ولا يأبى ذلك كثير من كلمات الأصحاب ، قال في كشف اللثام بعد أن قال العلامة : ويستحب غسل رأسه برغوة السدر أولا ، وذكر الاستدلال عليه بمرسل يونس السابق : « ولا دلالة له على خروجه عن الغسل ، بل الظاهر أنه أوله ، وكذا سائر الأخبار وعبارات الأصحاب ، وعبارة الكتاب وان احتملت ذلك كعبارات أكثر كتبه لكنه لما اشترط في ماء السدر البقاء على الإطلاق دل ذلك على إرادته ما قدمناه » انتهى. وهو ظاهر فيما ذكرنا ، فتأمل جيدا. وإن تعذر السدر فالخطمي وشبهه في التنظيف كما عن التذكرة والمنتهى والتحرير ، ولم نقف له على دليل صريح فيه ، نعم قد يشهد له ما في‌ خبر عمار (٣) « وان غسلت رأسه ولحيته بالخطمي فلا بأس ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

١٥١

وكذا يستحب أن يغسل فرجه بماء السدر والحرض أي الأشنان سابقا على الغسل كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والجامع والقواعد ، لخبر الكاهلي (١) وفيه تثليث غسله ، والإكثار من الماء ، والأمر بغسله كذلك في ماء الكافور والقراح ، ولذا قال في الذكرى : « ويستحب غسل يديه وفرجيه مع كل غسلة كما في الخبر وفتوى الأصحاب » انتهى. وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم والسرائر الاقتصار على الحرض خاصة ، ولعله لخبر معاوية بن عمار (٢) قال : « أمرني أبو عبد الله (ع) أن أعصر بطنه ثم أوضأه بالأشنان ثم أغسل رأسه بالسدر » إلى آخره. ومن العجيب ما في الرياض حيث قال بعد أن نقل ما ذكرناه عن الكتب السالفة : « ولم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي ، وليس فيها إلا غسله بالسدر خاصة » انتهى. إذ صريح خبر الكاهلي السدر والحرض ، كما أن في خبر معاوية ما عرفت.

وكذا يستحب أن تغسل يداه إجماعا كما في الغنية ان خلت من النجاسة وإلا فيجب ، ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب ، وستسمع ما في المعتبر والتذكرة في المسألة الآتية ، وكيف كان فالحجة فيه مضافا إلى ذلك ما في‌ مرسل يونس (٣) « ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع » ومنه يستفاد استحباب التثليث كما عن الاقتصاد والمصباح ومختصره والسرائر ، كما أنه يستفاد من سياقه كون ذلك بماء السدر كما عن الفقيه النص عليه ، ولا بأس به كما لا بأس بما عن الدروس من التحديد لليدين برؤوس الأصابع إلى نصف الذراع ، لما عرفته من المرسل السابق ، لكن قد يناقش فيه بما في‌ الحسن كالصحيح (٤) « ثم تبدأ بكفيه » اللهم إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

١٥٢

أن يحمل الكف فيه على ما يعم الذراعين ، أو يجمع بينه وبين السابق بالحمل على الاختلاف في الفضل ، كما أنه يحتمل ذلك أيضا في‌ صحيح ابن يقطين (١) « غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض » فتأمل جيدا.

ويستحب أن يبدأ بعد ذلك بشق رأسه الأيمن لما في‌ خبر الكاهلي (٢) « ثم تحول إلى رأسه وابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه » وما في سنده من الطعن لو سلم لا ينافي إثبات مثله ، على أنها مجبورة بما في المعتبر والتذكرة ، قال في الأول : « ويبدأ بغسل يديه قبل رأسه ثم يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر ، ويغسل كل عضو ثلاثا في كل غسلة ، وهو مذهب فقهائنا أجمع ـ إلى أن ذكر خبر الكاهلي وقال ـ : عمل الأصحاب على مضمونه » وقال في الثاني : « يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه ثم غسل رأسه يبدأ بشقة الأيمن ثم الأيسر ، ويغسل كل عضو منه ثلاث مرات ، قاله علماؤنا » انتهى. ومنهما يستفاد استحباب ما ذكره المصنف من أنه يغسل كل عضو منه ثلاث مرات في كل غسلة مع ما في الذكرى من الإجماع أيضا على تثليث غسل أعضائه كلها من اليدين والفرجين والرأس والجنبين ، ومرسل يونس (٣).‌

ويستحب أيضا مسح بطنه برفق في الغسلتين الأوليين أي قبلهما حذرا من خروج شي‌ء بعد الغسل ، ولخبر الكاهلي وغيره كالإجماع في الغنية على استحباب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين ، ونحوه المصنف في المعتبر ، والظاهر دخوله تحت معقد إجماع الخلاف أيضا إلا أن يكون الميت امرأة حاملا فلا يستحب بل يكره ، كما عن الوسيلة والجامع والمنتهى النص عليه حذرا من الإجهاض ، ول‌ خبر أم أنس بن مالك (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

١٥٣

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا توفيت المرأة فإن أرادوا أن يغسلوها فليبدؤوا ببطنها وتمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى ، وإن كانت حبلى فلا تحركيها » وظاهره الحرمة كما عساه الظاهر من المصنف في المعتبر ، حيث قال : إنه لا يؤمن معه الإجهاض ، وهو غير جائز كما لا يجوز التعرض له في الحية ، ويحتمله ما في الذكرى وجامع المقاصد ، مع ما في الأخير « أنها لو أجهضت فعشر دية أمه ، نبّه على ذلك في البيان » انتهى.

لكن الذي يقوى في النظر عدم الحرمة في نحو المسح الرفيق ، لقصور الخبر عن إفادته فيبقى الأصل سالما ، نعم قد يقال بها مع العنف كما في الحية للاستصحاب ، ولحرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا ، فتأمل.

ثم ان ظاهر اقتصار المصنف وغيره على استحباب المسح في الغسلتين عدمه في الثالثة وهو كذلك إجماعا كما في المعتبر والتذكرة والذكرى ، ويعضده الأصل وخلو الأخبار ، بل في الخلاف وعن غيره النص على كراهيته ، بل ربما يشمله إجماعه فيه ، فلاحظ وتأمل.

وان يكون الغاسل له عن يمينه كما عن النهاية والمصباح ومختصره والجمل والعقود والمهذب والوسيلة والسرائر والجامع ، بل في الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة فيه بعد المسامحة مع عموم التيامن المندوب اليه ، فما عن المقنعة والمبسوط والمراسم والمنتهى من عدم التقييد بالأيمن للأصل وخلوا النصوص لا يخلو من نظر لما عرفت ، نعم قد يقال باستحباب مطلق الجانب مع زيادة الفضيلة في الأيمن ، فتأمل.

ويستحب أن ( يغسل الغاسل يديه مع كل غسلة ) أي بعدها بلا خلاف أجده في الجملة ، لما في مرسل يونس (١) من الأمر بغسلهما إلى المرفقين بعد كل غسلة من الغسلتين الأولتين ، ولعله لذا حكي عن ابن البراج الاقتصار على ذلك ، لكن في‌ خبر عمار (٢) « ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين » إلا أنه ظاهر في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

١٥٤

كون ذلك بعد الفراغ من الغسلات الثلاث ، كصحيح يعقوب بن يقطين (١) « ثم يغسل الذي غسله قبل أن يكفنه يديه إلى المنكبين ثلاث مرات » الحديث. ولعله لذا حكي عن جماعة عدم ذكر استحباب ذلك إلا بعد الفراغ من الغسلات الثلاثة ، ولكن لا بأس بما ذكره المصنف لعدم المنافاة بين الأخبار ، فيثبت حينئذ استحبابه بعد كل غسلة ، نعم كان ينبغي تقييده بالمرفقين ، كما هو المحكي عن جماعة لما عرفت ، ولعله أراد تمام اليد ، فيكون موافقا لما في صحيح ابن يقطين ، إلا أني لم أعثر على من صرح به ، كما أني لم أعثر على ما فيه أيضا من التثليث لأحد من الأصحاب ، إلا أنه لا بأس به فتأمل.

ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ من الأغسال الثلاثة للأخبار (٢) وفي المعتبر والتذكرة وعن نهاية الأحكام الإجماع عليه ، كما في المنتهى لا نعلم فيه مخالفا ، انتهى. نعم لم أجد ما يشهد لما عساه يظهر من العبارة من كون استحباب ذلك بعد غسل الغاسل يديه ، بل ظاهر خبر عمار (٣) خلافه ، لكن قد يؤيده الاعتبار ، فتأمل.

ويكره ان يجعل الميت بين رجليه وفاقا للمحكي عن الأكثر ، بل لم أقف على من حكي الخلاف فيه فضلا عن الوقوف عليه ، واستدل عليه جماعة بخبر عمار (٤) « ولا يجعله بين رجليه في غسله ، بل يقف من جانبه » وهو حسن لقصوره عن إفادة الحرمة ، سيما بعد معارضته بما في‌ خبر ابن سيابة (٥) « لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك وأن تقوم فوقه ، فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا ، تضبطه برجليك لئلا يسقط لوجهه » فجمع بينهما بحمل الأول على الكراهة ، والثاني على أصل الجواز ، وفي الغنية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢ و ٣ و ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١٠.

(٤) المعتبر ـ ص ٧٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

١٥٥

الإجماع على أنه يستحب أن لا يتخطاه ، فتأمل.

ويكره أيضا أن يقعده وفاقا للمحكي عن المعظم ، وفي الخلاف إجماع الفرقة وعملهم عليه ، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وفي‌ خبر الكاهلي (١) « إياك أن تقعده » ولأنه ضد الرفق المأمور به عموما وخصوصا في الميت ، فما في‌ صحيح الفضل عن الصادق عليه‌السلام (٢) حيث سأله « عن الميت فقال : أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا » الحديث. محمول على التقية ، كما هو المحكي عن عامة العامة ، أو على أصل الجواز ، أو لكونه في مقام توهم الحظر للنهي عنه في غيره ، أو غير ذلك ، ولم نعثر على غيره فيما وصل إلينا من الأخبار وإن ظهر من صاحب المدارك وغيره العثور على غيره ، وكيف كان فلا إشكال فيما ذكرنا لما عرفت ، فما في الغنية انه لا يجوز وعن ابن سعيد من النص على حرمته للنهي المتقدم ضعيف ، لوجوب الخروج عنه بما سمعت من الأصل والإجماع المنجبر بالشهرة ، وما أبعد ما بينهما وبين المصنف في المعتبر من التأمل في أصل الكراهة للصحيح المتقدم ، وهو ضعيف.

وكذا يكره أن يقص شي‌ء من ( أظفاره وأن يرجل شعره ) وفاقا للمحكي عن الأكثر ، بل في المعتبر والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث (٣) « كره أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل ، أو يقلم له ظفر ، أو يجز له شعر » وفي‌ خبر طلحة بن زيد (٤) « كره أن يقص من الميت ظفر ، أو يقص له شعر ، أو يحلق له عانة ، أو يغمز له مفصل » وعلى ذلك يحمل النهي في‌ مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام (٥) أيضا « لا يمس من الميت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شي‌ء فاجعله في كفنه » وفي‌ خبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

١٥٦

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) بعد أن سأله عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم ظفره « لا يمس منه شي‌ء ، اغسله وادفنه » وفي خبر أبي الجارود (٢) حيث سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الرجل يتوفى أتقلم أظافيره وينتف إبطه وتحلق عانته إن طال به المرض؟ فقال : لا » لقصورها عن إفادة الحرمة حتى المرسل ، وان أجراه الأصحاب في القبول مجرى الصحيح في غير المقام ، إلا أنك قد عرفت حكاية الإجماع منهم هنا على الكراهة ، فهو بالنسبة للحرمة لا جابر له.

لكن مع ذلك كله فقد يناقش فيه بمعارضة الإجماعين بمثلهما على الحرمة من الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية ، قال في الأول : « لا يجوز تقليم أظافير الميت ولا تنظيفها من الوسخ بالخلال ـ إلى أن قال بعد أن حكى عن الشافعي قوليه الإباحة والكراهة مفرعا على الثاني ـ : انه إذا قال : مكروه استحب تخليل الأظافير بأخلة تنظف ما تحتها ، دليلنا الإجماع المتردد ، ولأن الأصل براءة الذمة ، وإثبات ما قالوه مستحبا يحتاج إلى دليل وليس » إلى آخره. وقال أيضا : « مسألة لا يجوز تسريح لحيته كثيفة كانت أو خفيفة ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال الشافعي : إن كانت كثيفة يستحب تسريحها ، دليلنا إجماع الفرقة » انتهى. وقال ابن زهرة في الغنية : « لا يجوز قص أظفاره ولا إزالة شي‌ء من شعره بدليل الإجماع المشار اليه » انتهى. وقال في المنتهى : « قال علماؤنا لا يجوز قص شي‌ء من شعر الميت ولا من ظفره ولا يسرح رأسه ولا لحيته ، ومتى سقط منه شي‌ء جعل في أكفانه » انتهى. فلا مانع حينئذ من انجبار أخبار النهي بذلك سيما مع عدم ظهور لفظ الكراهة في الخبرين السابقين في المعنى المصطلح ، وعدم اشتمالهما على ترجيل الشعر أي تسريحه ، واحتمال إرادة مطلق المرجوحية من الكراهة في معقد إجماعي التذكرة والمعتبر كما عساه يلوح ذلك عند التأمل في عبارة الأول ، ومن ذلك كله نص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

١٥٧

ابنا حمزة وسعيد على حرمة قص الظفر وتسريح الرأس واللحية في الوسيلة والجامع ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين.

لكن الأقوى في النظر الأول ، إذ أقصى ذلك تصادم الأدلة من الجانبين ، فيبقى الأصل سالما عن المعارض ، وكيف مع إمكان ترجيح أدلة الأول بالشهرة المحكية وضعف احتمال إرادة الكراهة بالمعنى الأعم في الخبرين السابقين ، سيما فيما اشتمل منها على ذكر الغمز ، للقطع بإرادتها فيه بالمعنى الأخص واحتمال إرادة الخلاف والغنية والمنتهى من عدم الجواز شدة الكراهة سيما الأول ، لأنه قال بعد ذلك فيه أيضا : « مسألة حلق شعر العانة والإبط وحف الشارب وتقليم الأظفار للميت مكروه ـ إلى أن قال بعد أن حكى بعض مذاهب العامة ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، فإنهم لا يختلفون في ذلك » انتهى. وقال في المنتهى بعد ما حكيناه عنه : « فروع ـ إلى أن قال ـ : الثاني لا فرق بين أن تكون الأظفار طويلة أو قصيرة ، وبين أن يكون تحتها وسخ أو لا يكون في كراهية القص » انتهى. فهو كالصريح في إرادة ما ذكرنا ، فتأمل جيدا.

وكذا يكره ان يغسل مخالفا فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا ، وقد ترك المصنف هنا التعرض لجملة من المندوبات والمكروهات ، بل من الأصحاب من ذهب إلى حرمة بعضها ، ولتفصيل ذلك مقام آخر والله الهادي.

الثالث

من أحكام الأموات

( في تكفينه‌ )

وهو كالتغسيل وغيره من أحكامه لا خلاف فتوى ونصا في وجوبه ، وفيه فضل جزيل وثواب جسيم‌ ( ويجب أن يكفن في ثلاثة أقطاع ) لا أقل بلا خلاف أجده بين‌

١٥٨

المتقدمين والمتأخرين عدا سلار ، فاجتزى بالثوب الواحد ، وهو ضعيف ، للإجماع المنقول مستفيضا أو متواترا كالسنة (١) على خلافه ، ولا مستند له سوى الأصل ان قلنا به في نحو المقام ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح (٢) : « انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله ، فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة ، فما زاد مبتدع » والأصل مقطوع بما عرفت ، والصحيح ـ مع أنه مستلزم للتخيير بين الأقل والأكثر ، وفي الكافي بالواو ، بل وكذا عن بعض نسخ التهذيب ، كما انه عن أكثرها حذف الثوب ، « انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام » ـ محتمل للحمل على التقية ، أو ان « أو » من الراوي ، أو على حالتي الاختيار والاضطرار ، أو انها بمعنى الواو على ان يكون المراد بقوله « أو ثوب » بمعنى « وثوب منها » أو من عطف الخاص على العام ، أو غير ذلك ، فلا يصلح لمقاومة بعض ما ذكرنا ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة لإطلاق الأدلة ، وخصوص بعضها ، بل ادعي الإجماع عليه ، فما في بعض الأخبار (٣) مما ينافيه مطرح أو مؤل.

كما انه ينبغي القطع أيضا بعدم اعتبار النية فيه وفي التحنيط ونحوهما من أحكام الميت كحمله ودفنه ، ولعله بعد ظهور الإجماع من الأصحاب على ذلك ، لأن المفهوم من الأدلة بروز هذه الأمور إلى الخارج من غير اعتبار لها ، ولظهور وجه الحكمة فيها ، وانها ليست من الأمور التي يقصد بها تكميل النفس ورياضتها والقرب ونحو ذلك ، نعم تعتبر النية في حصول الثواب كما في غيرها من الأفعال التي هي كذلك ، وليس ذا معنى اعتبار النية في العبادة ، مع احتمال ان يقال هنا بحصول الثواب مع عدم النية ، لظواهر الأدلة ما لم ينو العدم ، بل ربما ظهر من المحكي عن الأردبيلي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٧ و ٩ و ١٨.

١٥٩

حصوله معه أيضا ، وهو لا يخلو من وجه.

ومن العجيب ما وقع في الروض حيث قال بعد ذكره أحكام الكفن والحنوط : « والنية معتبرة فيهما ، لأنهما فعلان واجبان ، لكن لو أخل لم يبطل الفعل ، وهل يأثم بتركها يحتمله ، لوجوب العمل ولا يتم إلا بالنية ، لقوله عليه‌السلام (١) : « لا عمل إلا بالنية » وعدمه ، وهو أقوى ، لأن القصد بروزهما للوجود ـ إلى أن قال ـ : ولكن لا يستتبع الثواب إلا إذا أريد بها التقرب » انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت ، فتأمل.

وكيف كان فالواجب في الإقطاع الثلاثة على المشهور نقلا وتحصيلا بل هو معقد إجماع الخلاف والغنية وغيرهما مئزر بكسر الميم ، ثم الهمزة الساكنة ، ويقال له إزار في اللغة والأخبار ، ويجزئ فيه مسماه عرفا ، وحده في جامع المقاصد من السرة إلى الركبة بحيث يسترهما معللا له بأنه المفهوم منه ، وقد يمنع بتحقق الصدق بأقل من ذلك ، وكذا ما في الروضة والروض ما يستر ما بين السرة والركبة ، وإن كان أقرب من الأول ، نعم لا يجتزى بما يستر العورة خاصة ، وان احتمله في الأخير ، وأبعد منها ما في المقنعة وعن المراسم من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه ، وكذا ما في المصباح يؤزره من سرته إلى حيث يبلغ المئزر ، وإن كان أقرب من سابقه ، لعدم توقف صدق اسم المئزر على الستر من السرة ، نعم قد يقال باستحباب كونه من الصدر إلى الساقين ، كما في الوسيلة والجامع ، بل ستره الصدر والرجلين كما عن الذكرى لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٢) : « ثم الإزار طولا حتى يغطى الصدر والرجلين » ويحتملهما ما في المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التكفين ـ حديث ٤.

١٦٠