جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان فيدل على تلك الأحكام ـ بعد الاستصحاب في وجه لعدم العلم باشتراط اجتماع الجملة في شي‌ء من ذلك ، وقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ، وما لا يدرك كله لا يترك كله ، وفحوى ما ستعرفه من الأدلة على وجوب الغسل للقطعة ذات العظم من الإجماع وغيره ، والإجماع على الحكم الأول هنا في الغنية كنفي الخلاف المستفاد من ظاهر المنتهى هنا بالنسبة إليه ، وفي مجمع البرهان « لعلهم أخذوا الحكم بمساواة صدر الميت للميت من النصف الذي فيه القلب كما وقع في الأخبار أو من الإجماع أو خبر لم نعرفه » انتهى. وإجماعي التذكرة ونهاية الأحكام على الثالث المستلزم غيره أو يتمم بعدم القول بالفصل ، حيث قال في الأول : « ويصلى على البعض الذي فيه الصدر والقلب أو الصدر نفسه عند علمائنا ، وفي الثاني يصلى على الصدر والقلب أو الصدر وحده عند جميع علمائنا » انتهى. وما في الخلاف « إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم وجب غسله ، وإن كان صدره وما فيه قلبه وجب الصلاة عليه ـ إلى أن قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » انتهى. وإمكان تعليله مع ذلك باشتماله على القلب الذي هو رئيس الأعضاء ومحل الاعتقادات التي بها تمتاز الدرجات ، فكأنه الإنسان حقيقة ، إلى غير ذلك مما دل (١) مفرقا على دفن أجزاء الميت ولو يسيرة ونحوه ـ خبر الفضل بن عثمان الأعور المروي في الفقيه (٢) والتهذيب عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام « في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ، وصدره ويداه في قبيلة ، فقال : ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه ، والصلاة عليه ».

والمناقشة في سنده كالمناقشة في متنه بعدم استلزام الصلاة غيرها من الأحكام وانضمام اليدين إلى الصدر مدفوعة بالانجبار بما عرفت ، مع أن طريق الصدوق رحمه‌الله إلى الفضيل بن عثمان صحيح في قول على ما في بعض كتب الرجال المعتمدة ، وثبوت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٤.

١٠١

التلازم المذكور سيما في المقام ، وذلك لما ستعرفه من الإجماع على وجوب الغسل في القطعة ذات العظم ، وربما يشعر بها ظهور اتفاقهم فيما يأتي من اشتراط تقدم الغسل على الصلاة في غير الشهيد ، كما أنه يومي إليها استقراء حكم الميت ، فلم نجد من وجب الصلاة عليه ولم يجب تغسيله ، مع توقف طهارته عليه والتمكن منه ، كل ذا مع إمكان التتميم بعدم القول بالفصل ، كما أنه يمكن دفع الثانية بالإجماع منقولا ومحصلا على الظاهر على عدم اشتراط شي‌ء من هذه الأحكام بوجود اليدين مع الصدر ، وكأنه ذكره في الجواب للتطابق مع السؤال ، فما عساه يظهر من المعتبر من اشتراط الصلاة على الصدر بوجود اليدين في غير محله.

و‌مرفوعة البزنطي المروية (١) في المعتبر قال : « المقتول إذا قطع بعض أعضائه يصلى على العضو الذي فيه القلب » ونحوه المرسل الآخر عن الصادق عليه‌السلام (٢) ويقرب منهما غيرهما مما دل (٣) على الأمر بالصلاة على النصف الذي فيه القلب ، وفيها الصحيح وغيره بتقريب أن الصدر هو المشتمل على القلب سيما بعد الانجبار بما عرفت ، وبه يندفع ما عساه يلوح منها من اشتراط ذلك باشتماله عليه فعلا ، حتى لو لم يكن فيه لم يصل عليه ، مع إمكان إنكار الاشعار بإرادة محل القلب وإن لم يكن معه ، لكن الإنصاف أن الاستدلال بها على ذلك بحيث يفيد تمام المطلوب لا يخلو من اعتساف ، نعم يمكن القول بمضمونها ، فيصلي على ما فيه القلب مطلقا صدرا كان أو غيره أو بعض الصدر ، بل قد تشعر بأن القلب منفردا يصلى عليه كما عساه يظهر من بعض العبارات ، لكنه مناف لما تسمعه منهم من عدم الصلاة على نحو اللحم مجردا ، وكذا العظم غير الصدر ، فتأمل.

و‌خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : « لا يصلى على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٥ و ١٠.

١٠٢

عضو رجل من رجل أو يد أو رأس ، فإذا كان البدن فصل عليه وإن كان ناقصا من الرأس واليد والرجل » بتقريب صدقه على تمام الصدر ، لكنه كما ترى.

و‌صحيح محمد بن خالد (١) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو من أعضائه تام صلي على ذلك العضو ودفن ، وإن لم يوجد له عضو لم يصل عليه ودفن » بدعوى صدق العضو التام على الصدر ، واشتماله على ما لا نقول به لا يخرجه عن الاستدلال به للمطلوب ، كالذي في‌ صحيح علي ابن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليهما‌السلام (٢) قال : « سألته عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن » ودعوى ظهوره في إرادة مجموع العظام فلا يصدق على الصدر وحده من حيث إفادة إضافة الجمع العموم قد تدفع بعدم صراحته في ذلك ، سيما بعد غلبة عدم بقاء تمام العظام من أكيل السبع والطير ، فيصدق على عظام الصدر ، والعمدة في الاستدلال على المطلوب ما عرفته أولا

ثم انه قد يظهر من جماعة من الأصحاب ممن أطلق مساواة الصدر أو ما فيه الصدر للميت وجوب الحنوط كما عن صريح الشيخ وسلار ، وفي القواعد فيه إشكال كما عن النهاية والتذكرة ، وفي الأخير « ينشأ من اختصاصه بالمساجد ومن الحكم بالمساواة » انتهى. قلت قد يناقش فيه بعدم ثبوت هذه المساواة في شي‌ء من النصوص حتى بتمسك بإطلاقها ، وكيف مع اختصاص التحنيط بالمساجد ، بل قد يشعر الاقتصار على التغسيل والتكفين والدفن والصلاة فيما سمعت من النصوص بعدم وجوب التحنيط ، فمن هنا اتجه ما عن الشهيد وتبعه جماعة ممن تأخر عنه من أنه لا إشكال في الوجوب مع وجود المحل ، كما لا إشكال في عدمه مع عدمه ، ولعله على الأول ينزل ما عن الشيخ وسلار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ١.

١٠٣

كما استظهره بعضهم منهما ، نعم لا يشترط اجتماع جميعها فيوضع الحنوط على الموجود منها ، بل في جامع المقاصد أنه لو وجد عضو من المساجد كاليد حنطت.

وهل يعتبر التكفين بالقطع الثلاثة كما هو المنساق من إطلاق التكفين في النص والفتوى ، أو ما عدا المئزر باعتبار عدم مدخلية الصدر فيه لعدم وصوله إليه؟ ظاهر الأصحاب الأول ، وهو لا يخلو من تأمل بالنسبة إلى المئزر إن لم يثبت إجماع عليه ، وذلك لعدم وضوح دليل على تشبيهه بالميت بحيث يشمل ذلك ، سيما إن أريد وضع مئزر له على هيئة الميت ، بل لعله مقطوع بعدمه عند التأمل والانتقال إلى إرادة القطع الثلاثة وإن لم يكن بتلك الكيفية لا دليل عليه ، والاستصحاب وقاعدة الميسور لا يصلحان لا ثبات ذلك عند التأمل التام ، ومن هنا استشكل في الروض في وجوب المئزر لعدم وصوله إلى الصدر في السابق ، فتأمل.

وهل يلحق بالصدر بعضه كما هو قضية بعض الأدلة السابقة من الاستصحاب ، وعدم سقوط الميسور بالمعسور ، وكونه من جملة كذلك وبه صرح بعضهم ، أولا؟ كما يشعر به تعليق الحكم في العبارة وغيرها من عبارات الأصحاب على الصدر الذي لا يصدق على البعض ، ولعله الأقوى إذا لم يكن البعض المشتمل على القلب ، وإلا كان الأقوى الأول للإطلاق المتقدم ، فتأمل.

هذا كله إذا كان بعض الميت صدرا أو فيه الصدر ، وأما إن لم يكن كذلك وكان فيه عظم غسل بغير خلاف بين علمائنا كما في المنتهى ، وإجماعا كما في الخلاف والغنية ، وذكره الأصحاب كما في جامع المقاصد ، قلت : ولم أعثر فيه على مخالف من الأصحاب ، فما عساه يشعر بوجوده من نسبته إلى الشهرة في كلام جماعة في غير محله ، نعم ربما وقع فيه تردد من بعض متأخري المتأخرين من حيث انحصار‌

١٠٤

المدرك في الإجماع المنقول مع المناقشة فيه ، ولا ريب في ضعفه عندنا. مع إمكان تأييده أيضا ـ بعد قاعدة الميسور والاستصحاب في وجه ، إذ هو كما يجب تغسيله متصلا فكذا منفصلا ـ بما في الخلاف والمنتهى وغيرهما من أنه‌ روي (١) « ان طائرا ألقى بمكة في وقعة الجمل يدا فعرفت بالخاتم ، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، فغسلها أهل مكة » وبما في الذكرى من أنه يلوح مما ذكره الشيخان من صحيح علي بن جعفر المتقدم في المسألة السابقة ، لصدق العظام على التامة والناقصة سيما بعد غلبة التفريق والنقصان فيها في مثل أكيل السبع ونحوه.

لكن الإنصاف أن العمدة في الاستدلال الأول ، لإمكان المناقشة في ذلك بعدم ثبوت الرواية الأولى من طرقنا مع عدم الحجة في فعل أهل مكة ، وبظهور الصحيح في وجود تمام العظام أو أكثرها ، فتأمل. نعم قد يرشد إليه فحوى ما قد ورد في القطعة المبانة من الرجل ، كصحيح أيوب بن نوح (٢) عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فكلما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » بتقريب اقتضاء الحكم بالميتة جريان أحكامها عليها ، ولا ينافيه ذكر وجوب الغسل بالمس إن لم يؤكده ، فتأمل. ومنه حينئذ يستفاد إلحاق القطعة المبانة من حي بالمبانة من ميت ، كالإجماع في الخلاف على وجوب الغسل بمس قطعة فيها عظم سواء كانت من حي أو ميت ، لظهور التلازم بين الحكمين كما اعترف به في الذكرى ، بل نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب وفاقا لصريح السرائر والمنتهى والتذكرة والذكرى والدروس وغيرها ، بل في الحدائق أنه ظاهر الأكثر ، وفي المسالك أنه أشهر القولين ، بل قد يقضي التدبر‌

__________________

(١) الإصابة ـ ج ٢ ـ ص ٧٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل المس ـ حديث ١.

١٠٥

في عبارة المنتهى أنه لا خلاف فيه بين علمائنا ، فلاحظ وتأمل ، كما أنه قد يقضي ظاهر ما حضرني من نسخة الغنية بالإجماع عليه ، حيث أطلق فيه حكم الأبعاض ، وخلافا لصريح المعتبر والروض ومجمع البرهان والمدارك والرياض وظاهر المصنف هنا ، فلم يوجبوا تغسيلها للأصل وكونها من جملة لا تغسل ، وقد يمنع التعليل بأن الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة ، كما أنه يمكن تأييد الأول بأنه لو لم يجب تغسيلها لم يجب تغسيل من قطع حيا إذا وجدت قطعة متفرقة ، لأن كل قطعة لا يتعلق بها الوجوب ، وبإمكان استفادته من فحوى أخبار المقام أيضا حيث لم يراع فيها احتمال اقتطاع الأعضاء منه وهو حي في أكيل السبع والطير وغيره ، ولا ريب أنه أحوط إن لم يكن أظهر.

(و)حيث ظهر لك وجوب تغسيل البعض ذي العظم من الميت فكذا يجب أن( يلف في خرقة ويدفن ) بلا خلاف أجده في الثاني بل والأول وإن اختلفت عبارات الأصحاب في التعبير عنه باللف في خرقة كما هنا وفي التحرير وعن التذكرة ونهاية الأحكام ، وبالتكفين كما في المقنعة والسرائر والجامع والنافع والإرشاد وعن المبسوط والمنتهى والنهاية والتبصرة والتلخيص ، وكما يحتمل إرجاع الأول إلى الثاني بإرادة اللف من التكفين يحتمل إرجاع الثاني إلى الأول ، بل لعله أظهر ، وإن قيل الأظهر التفصيل بأنه إن كان مما يتناوله القطع الثلاث حال الاتصال وجب وإن لم يكن بتلك الخصوصيات ، وإلا فاثنتان ، وإلا فواحدة ، وربما ينزل عليه إطلاق الجماعة التكفين لقاعدة الميسور والاستصحاب وفيه أنهما لا يقضيان بوجوب القطع الثلاث بعد القطع بانتفاء الخصوصية السابقة ، إذ الانتقال من المئزر والقميص إلى قطعتين وأن بالقطعة يكونان كذلك محتاج إلى دليل غيرهما ، لعدم دخول ذلك تحت الميسور من المكلف به ، وتغير الموضوع ، فتأمل جيدا. ويظهر مما سبق البحث في التحنيط أيضا ، فيجب حينئذ مع وجود شي‌ء من محاله وإلا فلا ، ولعله على هذا ينزل ما عن الشيخين وسلار من إطلاق التحنيط كما يومي‌

١٠٦

إليه ما عن التذكرة ، حيث قال بعد نقله ذلك : « وهو حسن إن كان أحد المساجد وجوبا وإلا فلا ».

ثم ان الظاهر إلحاق العظم المجرد بذات العظم في جميع ما تقدم كما هو ظاهر بعض عبارات الأصحاب وعن صريح ابن الجنيد وغيره ، وقد يحمل عليه عبارات الأصحاب بالقطعة ذات العظم ، كما عساه يشعر به المقابلة بذكر اللحم بلا عظم ، بل قد يقال بشمول ما ذكر من القطعة ذات العظم لما إذا كانت مستصحبة للعظم ولو كان مجردا ، ومن هنا لم نجد أحدا ممن أوجب تغسيل القطعة ذات العظم صرح بعدم الوجوب فيه ، وكأن ما نقله بعض المتأخرين من القول به أراد به من أنكر وجوب التغسيل للقطعة ذات العظم.

نعم قال في كشف اللثام : « إن فيه وجهين ينشئان من الدوران ، وقول الكاظم عليه‌السلام لأخيه في الصحيح (١) « في الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم ، قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن » وقول الباقر عليه‌السلام في خبر القلانسي (٢) « في من يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم ، قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن » وإن لم يتضمنا إلا جميع العظام فان كل عظم منها بعض من جملة تغسل ، ولا فرق بين الاتصال والانفصال للاستصحاب ، مع أن الظاهر تفرقها وهو خيرة الشهيد ، ومن ضعف الدوران وعدم تنجس العظم بالموت إلا نجاسة عرضية بمجاورة اللحم ونحوه ، واحتمال « يغسل » في الخبرين التخفيف من الغسل للنجاسة العرضية » انتهى. ولا يخفى عليك ضعف منشأ الوجه الثاني سيما ما في آخره من احتمال التخفيف في « يغسل » ، كما أنه قد يدعى الإجماع على وجوب تغسيل الميت مع بقائه تماما عظاما من غير لحم ، فما عساه يشعر به ما ذكره في ذلك من أن التغسيل للميت انما هو إذا كان مع اللحم في غير محله ، بل قضيته أنه لا يجب التغسيل للعظم المكشوف من الميت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٥.

١٠٧

فيختص حينئذ بغيره من المستور باللحم أو اللحم ، وهو كما ترى.

وربما يرشد إلى ما قلناه زيادة على ما سمعت‌ الحسن كالصحيح (١) قال : « إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه ، فان وجد عظم بلا لحم فصلي عليه » بعد حمله كما هو الظاهر منه على إرادة وجدانه تاما أو يقرب منه عظما بلا لحم ، لاستلزام الصلاة الغسل كما ذكرنا سابقا ، وإذ قد ظهر لك من ذلك كله وجوب التغسيل مع بقائه عظاما تاما اتجه حينئذ الاستدلال على وجوب ذلك في بعض العظام بالاستصحاب ، وقاعدة الميسور ، ونحو ذلك ، فتأمل جيدا. لكن ينبغي أن يستثنى من ذلك السن والظفر ونحوهما للسيرة القاطعة على عدم وجوب شي‌ء من ذلك فيهما ، بل ولو قطع معهما شي‌ء من اللحم اليسير ، لظهور قولهم : « قطعة ذات عظم » في غير ذلك ، فتأمل.

بقي شي‌ء وهو أن الظاهر من الأصحاب هنا عدم اعتبار تحقق كون القطع من رجل لو أراد التغسيل الرجل ، ولا من امرأة لو أرادت ذلك الأنثى ، وهو مناف لما تقدم من ظاهر بعضهم وصريح آخر من اشتراط التماثل ، وأصالة البراءة من حرمة اللمس والنظر لا تحقق ذلك ، نعم يتجه ذلك بناء على ما أشرنا إليه سابقا من أن اعتبار المماثلة انما هو بعد تحقق حال الميت ، فتأمل جيدا. كما أن الظاهر عدم وجوب مراعاة الترتيب بالنسبة إلى الجانبين مع تفرق الأعضاء ، فيجوز تغسيل اليد اليسرى مثلا قبل اليمنى مع احتماله ، نعم يسقط وجوب مراعاة ذلك مع الاشتباه ، فلا يجب تكرير غسل اليدين تحصيلا لذلك مع احتماله أيضا ، والظاهر وجوب مراعاة الترتيب إذا أمكن جمع أعضائه المفرقة كما يشير إليه‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر العلاء ابن سيابة (٢) بعد أن سأل عن القتيل في معصية الله إلى أن قال : « قلت : فان كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

١٠٨

الرأس قد بان من الجسد وهو معه كيف يغسل؟ فقال : يغسل الرأس إذا غسل اليدين والسفلة بدئ بالرأس ثم بالجسد ، ثم يوضع القطن فوق الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل في الكفن ، وكذلك إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته للقبلة » ثم إن ظاهر المصنف بل صريحه كما هو صريح جماعة عدم وجوب الصلاة على القطعة ذات العظم وإن كان عضوا تاما كالرجل والرأس ونحوهما ، بل قد يظهر من الخلاف إن لم يكن صريحه الإجماع عليه كجامع المقاصد والروض وغيرهما ، بل لعله محصل لتعليق وجوب الصلاة في كلامهم على الصدر أو ما فيه القلب ، خلافا للمنقول عن ابن الجنيد ، حيث قال : ولا يصلى على عضو الميت والقتيل إلا أن يكون عضوا تاما بعظامه أو يكون عظما مفردا ولم يفصل في ذلك بين الصدر وغيره ، كالمنقول عن علي بن بابويه حيث قال : « فان كان الميت أكيل السبع فاغسل ما بقي منه ، وإن لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها » إلا أنه يحتمل أن يكون مراده تمام عظامه أو أكثرها ، فيخرج عن محل البحث.

وكيف كان فيؤيد ما ذهب إليه الإسكافي ـ بعد الاستصحاب وقاعدة الميسور وكونه من جملة كذلك ـ بالمرسل عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلي عليه ودفن ، وإن لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن » وبما‌ عن الكليني (٢) انه قال : « روي أنه يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد » وبما‌ عن ابن المغيرة (٣) انه قال : « بلغني عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه يصلي على كل عضو رجلا كان أو يدا والرأس جزء فما زاد ، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه » كما أنه قد يؤيد ما ذهب إليه ابن بابويه بعد الاستصحاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ١٢.

١٠٩

والقاعدة أيضا بصحيح إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام (١) « إن عليا عليه‌السلام وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها فدفنت ».

لكن لا يخفى عليك ضعف جميع ذلك في مقابلة ما تقدم ، إذ هي ـ مع معارضتها لما هو مجمع عليه بين الأصحاب أو كالمجمع عليه من اختصاص الصلاة بالصدر أو ما فيه القلب وللأخبار الظاهرة في اختصاصها أيضا بالذي فيه القلب ، ولخصوص‌ خبر طلحة ابن زيد عن الصادق عليه‌السلام (٢) « لا يصلى على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا ، فإذا كان البدن فصلي عليه وإن كان ناقصا من الرأس واليد والرجل » وللمرسل أنه (٣) « إن لم يوجد من الميت إلا الرأس لم يصل عليه » ـ غير جامعة لشرائط الحجية ، لأنها بين ما هو محتاج إلى الجابر وهو مفقود ، بل الموهن من إعراض الأصحاب موجود ، وبين ما هو صحيح لكنه قاصر الدلالة كالصحيح الأخير ، إذ هو حكاية حال لا عموم فيه ولا إطلاق ، ونحوه‌ الحسن كالصحيح المتقدم عن الباقر عليه‌السلام (٤) « إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه ، فان وجد عظم بلا لحم فصلي عليه » لظهور إرادة وجدان القتيل كذلك ، وهو إما تمامه أو أكثره ، وبذلك كله تعرف انقطاع الاستصحاب والقاعدة المتقدمة ، لكن الاحتياط لا يترك ، بل عن بعض الأصحاب حمل أخبار ابن الجنيد على الاستحباب ، ولعل الأولى حملها على التقية كما قيل ، فتأمل جيدا.

( وكذا السقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعدا ) يغسل ويلف في خرقة ويدفن ولا يصلى عليه ، أما ( الأول ) فلم أجد فيه خلافا بين الأصحاب ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، وفي المعتبر نسبته إلى علمائنا ، وفي المنتهى إلى أكثر أهل العلم ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجنائز ـ حديث ٧.

١١٠

الذكرى وجامع المقاصد والروض إلى الأصحاب ، وفي كشف اللثام لا نعرف فيه خلافا إلا من العامة ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ خبر زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل » ونحوه مرفوعة أحمد بن محمد (٢) ولا يقدح في ذلك ما في سندهما من الطعن بعد الانجبار بما عرفت ، واستدل عليه في المعتبر وغيره بموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : « سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن ، قال : نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى ».

وأشكل ذلك في المدارك بأن الحكم فيها قد علق على الاستواء لا الأربعة ، اللهم إلا أن يدعى التلازم ، وهو مشكل وتبعه في الذخيرة ، وقد يدفع ذلك ـ مع خلو رواية الكليني عن هذا القيد واحتمال عدم إرادة التقييد في الرواية التي قيدت به ، بل هو إعادة لما في السؤال ، وتصريح الفقه الرضوي (٤) على ما نقل عنه كالفقيه بأن حد تمام الولد أربعة أشهر ـ بما في الحدائق من دلالة الأخبار على ذلك ، ( منها ) الموثق عن الحسن بن الجهم (٥) قال : « سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ، ثم تصير مضغة أربعين يوما ، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى فيؤمران » الحديث و ( منها ) خبر محمد بن إسماعيل أو غيره (٦) قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ندعو للحبلي أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا ، قال : تدعو ما بينه وبين أربعة أشهر ، فإنه أربعين ليلة نطفة ، وأربعين ليلة علقة ، وأربعين مضغة ، فذلك تمام أربعة أشهر ، ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٥) الكافي ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب العقيقة ـ حديث ٣.

(٦) الكافي ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب العقيقة ـ حديث ٦.

١١١

يبعث الله ملكين خلاقين » الحديث. ونحو ذلك صحيحة زرارة (١) ثم قال : وهذه الأخبار كما ترى صريحة في أنه بتمام الأربعة تتم خلقته ، انتهى وتبعه على ذلك في الرياض.

قلت : وقد يناقش فيه بأنه لا دلالة في استئذان الملكين على التمامية ، سيما بعد ما عساه يظهر من‌ خبر زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : « إذا سقط لستة أشهر فهو تام ، وذلك أن الحسين بن علي عليهما‌السلام ولد وهو ابن ستة أشهر » وذيل مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة ، فإنه قال بعد أن ذكر أن السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل وقال إذا تم له ستة أشهر فهو تام ، فهي كالصريحة في عدم دوران وجوب الغسل على التمام ، فلعل الأقوى حينئذ القول بوجوب التغسيل إذا بلغ الأربعة سواء قلنا بلزومها للتمامية أولا تمسكا بما عرفت من الإجماع والأخبار ، بل يظهر من المنتهى عدم التلازم بينهما ، كما أن الأقوى ذلك أيضا وان لم نقل بحلول الحياة فيه إذا بلغ هذه المدة ، وان أشعر بذلك تعليل كشف اللثام وجوب التغسيل لذي الأربعة بحلول الحياة كالذكرى ، بل فيها « أن في الخلاف اعتبر الحياة في وجوب الغسل ، والظاهر أن الأربعة مظنتها ، ويلوح ذلك من‌ خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (٣) ـ الى أن قال ـ : وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إذا بقي أربعة أشهر ينفخ فيه الروح » وفي خبر الديلمي عن الصادق عليه‌السلام (٤) إشارة اليه » انتهى.

قلت : قد ينافي ذلك كله ما في‌ خبر يونس الشيباني (٥) عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب العقيقة ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ حديث ٤ من كتاب الديات.

(٤) الكافي باب العلة في غسل الميت غسل الجنابة ـ حديث ١ من كتاب الجنائز.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ حديث ٦ من كتاب الديات.

١١٢

« إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة » فالمتجه حينئذ ما ذكرنا استنادا إلى الإطلاق السابق ، مع أن عبارة ما عندنا من الخلاف ليست بصريحة فيما نقله عنه ، بل ولا ظاهرة عند التأمل والتدبر فيها وفيما ذكره بعدها ، لظهور إرادة ذلك في مقابلة العامة من حيث وجوب الصلاة ، فلاحظ وتأمل.

وأما ( الثاني ) فظاهر المصنف كالتحرير عدم وجوب التكفين للتعبير باللف بناء على إرادة التشبيه بما في العبارة السابقة لا بالصدر ، وان نقل عن المسالك ذلك ، لكنه بعيد جدا سيما مع ملاحظة ما بعده وعدم استثناء الصلاة ، وكيف كان فالأقوى وجوب التكفين المعهود كما هو المنساق من التعبير به في الموثق السابق وفي المقنعة والجامع والمنتهى والإرشاد وعن المبسوط والنهاية والمراسم والتلخيص ومقتضى التذكرة ونهاية الأحكام ، بل يمكن إرجاع ما في العبارة والتحرير اليه ، ويؤيده مضافا إلى ذلك ما عن الفقه الرضوي أيضا (١) وإمكان اندراجه تحت ما دل على الكفن سيما بعد القول بحلول الحياة فيه ، ولعله لذلك وللرضوي صرح بعضهم بوجوب التحنيط كما هو ظاهر آخر ، وهو أحوط إن لم يكن أقوى. وأما ( الثالث ) فلا خلاف ولا إشكال فيه كالرابع أي عدم الصلاة ، بل حكى عليه الإجماع في الخلاف والمعتبر ولعله كذلك ، وقد يرشد إليه أيضا ترك التعرض لها في الموثقة السابقة.

فان لم يكن له أي للبعض الذي وجد من الميت عظم بل كان لحما مجردا فلا يجب تغسيله إجماعا كما في الغنية والحدائق وكذا الخلاف ، بل في الثاني عليه وعلى نفي التكفين المعهود والصلاة ، وهو الحجة ، مضافا إلى ما دل من المعتبرة على عدم الصلاة عليه ، وإلى ما تقدم من فحوى عدم وجوبها على ذي العظم ، وبه ينقطع ما عساه يقرر هنا من اقتضاء قاعدة الميسور والاستصحاب وكونه من جملة كذلك وجوب التغسيل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

١١٣

والتكفين ، بل والصلاة لو سلم صحتها ، نعم ربما قيل بوجوب اللف في خرقة كما في النافع والقواعد ، وهو خيرة المصنف في الكتاب ، حيث قال اقتصر على لفه في خرقة ودفنه وحكاه في المعتبر عن المراسم ولم يثبت ، وقد يؤيده ما سمعت من القاعدة السابقة لعدم معارضة الإجماع لها هنا ، إذ أقصاه عدم وجوب التكفين بالقطع الثلاثة ، ولا يستلزم ذلك الإجماع على عدم القطعة الواحدة ، فيقتصر في تخصيصها به حينئذ على غير ذلك ، ولا ريب في كونه أحوط وإن كان في تعينه نظر كما لا يخفى ، ولذا اختار في المعتبر عدم الوجوب ، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه للأصل.

( وكذا السقط إذا لم تلجه الروح ) بأن يكون لدون أربعة أشهر فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل في المعتبر « ولو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن ، ذكر ذلك في النهاية والمبسوط والمقنعة ، وهو مذهب العلماء إلا ابن سيرين ، ولا عبرة بخلافه ، ولأن المعنى الموجب للغسل وهو الموت مفقود » انتهى. ونحوه المحكي من عبارة التذكرة « لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ولف في خرقة ودفن ، وهو مذهب العلماء كافة » انتهى. ويؤيده ـ مضافا إلى ذلك وإلى الأصل وإلى إجماعي الخلاف والغنية على عدم وجوب الغسل أيضا وإلى مفهوم الأخبار السابقة ـ مكاتبة محمد بن الفضيل (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب إليه « السقط يدفن بدمه في موضعه » ولا خفاء في دلالته بعد تقييده بما دون الأربعة أشهر للأخبار السابقة ، نعم لا تعرض فيه للف في خرقة ، بل هو مشعر بعدمه ، ومن هنا قال في الرياض تبعا للمدارك والذخيرة : « إن مستند اللف غير واضح ، بل في الرضوي المتقدم وغيره الاقتصار على الدفن بدمه ، ولذا خلا عنه كلام الشيخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

١١٤

وغيره ، ولكنه منقول عن المفيد وسلار والقاضي والكيدري ، وهو أحوط » انتهى. قلت : لعله لم يلتفت إلى معقد الإجماعين السابقين ، وفي المحكي عن مجمع البرهان نفي الخلاف عنه على الظاهر ، وفي الروض بعد نسبته إلى المتأخرين أنه يظهر من العلامة الإجماع عليه ، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة كوجوب الدفن فيه وفي سابقه وإن لم يتضح لنا دليل عليه بالنسبة إلى الأول ، لكنه قد يشعر به ما في بعض المعتبرة (١) من الأمر بوضع شعر الميت وما سقط منه في كفنه مع عدم ظهور الاشكال فيه من أحد من الأصحاب ، وإذ قد ظهر لك حكم السقط بان لك حكم أبعاضه أيضا بأدنى تأمل.

وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر يؤمر بتغسيله ولا محرم من النساء دفن بغير غسل ولا تيمم ولا تقربه الكافرة ولا المسلمة الأجنبية وكذا المرأة ، وروي أنهم يغسلون وجهها ويديها (٢) كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا ، والحمد لله كما هو أهله.

( ويجب إزالة النجاسة ) العارضية ( عن بدنه أولا ) قبل الشروع في الغسل كما في القواعد والمعتبر والمنتهى ، بل في الأخير نفي الخلاف فيه كما أن في التذكرة ونهاية الأحكام الإجماع على وجوب البدأة بإزالة النجاسة عن بدنه ، وفي المدارك أن هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب كما أن في مجمع البرهان والذخيرة أن الظاهر أنه لا خلاف فيه ، وعن المفاتيح الإجماع عليه أيضا ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى ما تقدم منا سابقا في غسل الجنابة بضميمة ما دل (٣) على المساواة بينهما وإلى توقف البراءة اليقينية عليه بناء على اعتبار مثل ذلك في مثله ـ ما في‌ خبر الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب غسل الميت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل الميت.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٩.

١١٥

قال : « سألته عن الميت ، فقال : أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا ، ثم طهره من غمز البطن ، ثم تضجعه ثم تغسله » الحديث. ومعاوية بن عمار (١) قال : « أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام أن أعصر بطنه ، ثم أوضأه بالأشنان ، ثم أغسل رأسه » الحديث. وما في خبر يونس (٢) من الأمر بغسل الفرج وتنقيته مقدما على التغسيل ، وما في خبر الكاهلي (٣) أيضا من الأمر بذلك لكن بماء السدر ، وما في المستفيضة (٤) في باب الجنابة من الأمر بغسل الفرج مقدما في غسلها بضميمة ما دل على المساواة ، بل في بعضها أنه عينه (٥) ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر العلاء بن سيابة (٦) بعد أن سئل عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله : « إذا قتل في معصية يغسل أولا منه الدم ، ثم يصب عليه الماء صبا » إلى آخره. ومع ذلك كله فقد علله بعضهم أيضا بأنه لما وجب إزالة الحكمية عن الميت فالعينية أولى ، وبصون ماء الغسل عن النجاسة.

لكن قد يناقش في الأول بعد تسليمه أنه لا يقضي بالمدعى من وجوب التقديم على الغسل ، وفي الثاني بذلك أيضا ، وبأن النجاسة لازمة للماء لا تنفك عنه بسبب المباشرة لبدن الميت ، نعم لو لم نقل بنجاسة بدن الميت كما عن بعضهم اتجه ذلك ، إذ يكون حينئذ كالجنب ، لكن يبقى فيه إشكال ذكرناه في باب الجنابة ، فلاحظ وتأمل. وربما يدفع ما أورد على الثاني بأنه قد يقال : لا تلازم بين العفو عن خصوص نجاسة الميت وبين النجاسة العارضية ، بل عدمه ثابت لمكان الضرورة في الأولى دون الثانية ، نعم قد يتوجه النظر في أصل اعتبار عدم نجاسة الماء بعد وضعه على بدن الميت ولو بالنجاسة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الجنابة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ١.

١١٦

العارضية ، إذ الثابت من الإجماع انما هو اعتبار طهارة الماء قبل الشروع لا بعده ، كما أنه قد يتوجه أنه لا يتصور تطهير بدن الميت عن النجاسة قبل الغسل لمكان نجاسته ، ولا وجه لرفع نجاسة حال ثبوت أخرى.

ومن هنا استظهر في كشف اللثام أن مراد الفاضلين وكل من ذكر تقديم الإزالة أو التنجية مجرد إزالة العين لئلا يمتزج بماء الغسل وإن لم يحصل التطهير ، وقد يدفع ذلك كله بثبوت الإجماع على اعتبار طهارة الماء من النجاسة العارضية ولو بعد الشروع ، بل لا يكتفى بالغسلة الواحدة عنهما لأصالة عدم التداخل ، وبأنه لا مانع من ثبوت الطهارة من نجاسة خاصة مع ثبوت نجاسة الأخرى ، إذ هما من الأحكام الشرعية التعبدية التي ليس للعقل فيها مدخلية ، نعم هي تدور مدار التوقيف من الشارع ، فلا ينبغي الإشكال فيه بعد ثبوته من الشارع ، ولا إشكال في الثبوت في الجملة ، أي عند إرادة غسل كل جزء ، أما وجوب التقديم على أصل الغسل فلا يخلو من نظر وتأمل وإن كان لا يخلو من قوة تمسكا بما سمعت من الإجماع المعتضد بنفي الخلاف وغيره ، وبما عساه تشعر به الأخبار السابقة وإن كان في استفادته من بعضها نظر سيما ما اشتمل منها على غسل الفرج ، لظهور كون المراد منه استحباب ذلك في التغسيل لا للنجاسة كما يومي إليه الأمر بفعل ذلك أيضا عند الغسل بماء الكافور وماء القراح أيضا ، فالعمدة حينئذ الإجماعات السابقة مع إمكان المناقشة فيها أيضا بخلو كثير من عبارات الأصحاب عن التعرض لذلك ، بل قضية تشبيهه بغسل الجنابة عدمه إلا أن يشترط به فيه أيضا أو أنه يراد من التشبيه الكيفية فعن المهذب ليس إلا تقديم إزالة النجاسة من غير نص على الوجوب ، ولا في الوسيلة إلا وجوب التنجية من غير نص على القبلية ، كما عن الكافي ليس إلا تقديمها من غير نص على الوجوب ، ولا في النافع إلا وجوب الإزالة من غير نص على التقديم ، ولا في المقنعة والسرائر والإشارة وعن النهاية والمبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم‌

١١٧

إلا تقديم تنجيته أو غسل فرجه بالسدر والأشنان أو أحدهما مع ظهور عدم إرادتهم ما نحن فيه ، بل هو مستحب من المستحبات كما نص عليه بعضهم ، ولا في الغنية إلا وجوب غسل فرجه ويديه مع النجاسة والإجماع عليه ، ولكن الاحتياط لا يترك سيما في المقام ، بل جعله بعضهم مدرك الحكم فيه لوجوب مراعاته في كل ما اشتغلت به الذمة يقينا مع عدم ثبوت خصوص المبرئ شرعا ، وفيه أنه مبني على أصل لا نقول به سيما فيما شك في شرطيته وفيما نحن فيه من غسل الأموات التي كثرت الأخبار ببيانه ، وقد تقدم في غسل الجنابة ما له نفع تام في المقام ، فلاحظ وتأمل.

ثم يغسل بماء السدر على كيفية غسل الجنابة ف يبدأ برأسه ثم جانبه الأيمن ثم الأيسر مع نية التقرب لاشتراطها في غسل الميت على الأقوى وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل نسبه في جامع المقاصد تارة إلى ظاهر المذهب وأخرى إلى المتأخرين عدا المصنف في المعتبر بل فيه أيضا ، والمعتبر والذكرى عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه لكن لم نتحققه ، إذ الموجود فيما حضرني من نسخته « مسألة ، غسل الميت يحتاج إلى نية ـ ثم نقل عن الشافعي وأصحابه قولين ثانيهما عدم الاحتياج إلى أن قال ـ : دليلنا طريقة الإمامية ، لأنه لا خلاف في أنه إذا نوى الغسل يجزئ دون ما إذا لم ينو » انتهى. وهو كما ترى ، وكيف كان فنحن في غنية عنه لأصالة العبادة في كل ما أمر به لقوله تعالى (١) ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) مع توقف صدق الامتثال عليها ، ولعموم ما دل (٢) على اعتبارها في كل عمل ، وأنه لا عمل بدونها (٣) بدعوى إرادة التقرب من النية فيها ، مع أنه لم يقل أحد هنا باشتراط القصد فقط بحيث لا يحكم بصحة فعل الساهي مثلا دون التقرب ، إذ الناس بين قائل بأنه عبادة فيجزي‌

__________________

(١) سورة البينة ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ١.

١١٨

عليه حكمها ، وبين قائل بكونه كإزالة النجاسة فيجزي عليه حكمها أيضا ، هذا كله مضافا إلى الاحتياط في وجه وإلى ما ورد في المستفيضة من تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة ، بل في بعضها التعليل بخروج النطفة منه عند الموت ، إذ لا يحسن تشبيه إزالة النجاسة به ، بل مراعاة الترتيب فيه يومي الى كون هذا الغسل عبادة ، وأنه ليس كإزالة النجاسة ، فتأمل.

خلافا للمنقول عن المرتضى في المصريات ، واختاره في موضع من المنتهى ، وربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين للأصل ، ومنع كونه عبادة لا تصح إلا مع النية ، لاحتمال كونه إزالة نجاسة ، وإطلاق الأدلة من دون ذكر النية في شي‌ء منها ، وأصالة عدم التخصيص والتقييد ، ولا يخفى عليك ضعف الجميع بعد ما عرفت سيما الأخير ، وذلك لما عرفت من أن أكثر العبادات قد خلت خصوص أخبارها عن التعرض للنية ، وما ذاك إلا للاعتماد على تلك الأخبار وعلى ظهور الأمر في ذلك ، ومنه يظهر لك أنه لا وجه للتردد في ذلك كما وقع في المعتبر وعن التذكرة ونهاية الأحكام.

والكلام في وجوب التعرض للوجه كالكلام في غيره من الواجبات ، وقد عرفت في باب الوضوء أن الأقوى عدمه ، نعم لعل الأمر هنا اتفاقي بالنسبة إلى عدم وجوب نية الرفع أو الاستباحة ، لعدم المقتضي وان أمكن المناقشة في ذلك بالتعليل في غسل الميت بخروج النطفة ، فينبغي أن ينوي الرفع ، كاحتمال القول أيضا باشتراط التكفين والصلاة به ، فينبغي أن تنوي الاستباحة ، لاندفاع الأولى بظهور إرادة الحكمة في ذلك ، والثانية بأنها أمور واجبة مترتبة ، وليست من ذلك في شي‌ء ، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر الاجتزاء بنية واحدة للأغسال الثلاثة وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين ، وخلافا لصريح الروض والروضة والرياض فأوجبوا تعددها للأغسال الثلاثة ،

١١٩

وكأنه لعموم‌ ما دل (١) على أنه « لا عمل إلا بنية » ونحوه ، فالأصل حينئذ يقتضي إيجابها لكل عمل ، بل ما شك في كونه عملا واحدا أو أعمالا متعددة ، بل لو لا الإجماع على عدم وجوب تجديدها في أجزاء العمل الواحد لكان المتجه ذلك فيه أيضا ، فكيف مع ظهور الأعمال المتعددة المستقلة في المقام كما يومي اليه تشبيه كل واحد منها بغسل الجنابة في النص والفتوى ، وما سيأتي من عدم سقوط بعضها عند تعذر الآخر ، ومع ذلك فهو الموافق للاحتياط.

لكن قد يدفع ذلك كله بظهور الأدلة في كونه عملا واحدا من حيث إطلاق اسم غسل الميت عليه ، وإشعار كثير من الأخبار به (٢) كالمشتملة على بيان كيفيته بعد السؤال عن غسل الميت ونحوها المشتملة على تعدد الأغسال وعدم ترتب الآثار إلا عليه جميعه ، ول‌ قوله عليه‌السلام في المستفيض (٣) بعد أن سئل عن الجنب إذا مات : « اغسله غسلا واحدا يجزى عن الجنابة والموت » إذ من المعلوم إرادة غسل الميت ، وعبر عنه بالوحدة ، ومن هنا قال في المختلف فيما يأتي : « عندنا أن غسل الميت غسل واحد وان اشتمل على ثلاثة أغسال » انتهى. فلعل الأقوى حينئذ ما ذكرناه ، ومن العجيب ما في جامع المقاصد من التخيير بين النية الواحدة والتثليث عملا بالامارتين الموجبتين للتعدد والاتحاد ، وفيه منع واضح ، بل هو كالمتدافع عند التأمل سيما مع تصريحه هنا بعدم جواز تجديد النية في أجزاء العمل الواحد ، كما هو الأقوى أيضا إن أريد بتجديدها إرادة التقرب بالجزء لنفسه لا من حيث الجزئية ، نعم لا يضر نية التقرب بالأجزاء من حيث الجزئية أو مع عدم قصد شي‌ء من ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب غسل الميت.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب غسل الميت.

١٢٠