جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة في جملة ما خرج لنا في مسائل الخلاف » انتهى وهو بعد ما سمعته منه في الخلاف عجيب ، اللهم إلا أن يكون مقصوده القطع بعدم نفاسية الزائد عليها في مقابلة الرد على العامة ، فتأمل. وكيف كان فلا يخفى عليك ما في دعوى الإجماع في المقام ، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافه كما سمعته من الخلاف والغنية على الظاهر.

و ( منها ) قلة العدد ، فإنك قد عرفت أن أخبار الرجوع الى العادة تقرب من نحو عشرة أخبار معتبرة ، وكثير منها متكرر في الأصول ، وأخبار الثمانية عشر لم نقف منها على ما يدل على المطلوب في الكتب الأربعة إلا على صحيحتي العلاء عن محمد بن مسلم (١) ومرسل الفقيه (٢) ولعل الأولين رواية واحدة وان اختلف الطريق الى العلاء كما يشعر به اتحادهما في المتن ، قال فيها : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النفساء كم تقعد؟ فقال : ان أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تغتسل لثمان عشرة ، فلا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين » نعم له صحيحة ثانية تقدمت آنفا مشتملة على الترديد بين السبع عشر والثمان عشر ، وقد بينا انه لم يعمل بها أحد إن أريد التخيير ، وغير دالة على المطلوب إن كان شكا من الراوي ، مع انه يحتمل اتحادها مع روايتيه وأن النقل بالمعنى دون اللفظ كما هو شائع في الأخبار ، وفي الفقيه (٣) « ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر في حجة الوداع ، فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تقعد ثمانية عشر يوما ـ ثم قال ـ : وقد روي (٤) انه صار حد قعود النفساء عن الصلاة ثمانية عشر يوما ، لأن أقل أيام الحيض ثلاثة ، وأكثرها عشرة ، وأوسطها خمسة ، فجعل الله عز وجل للنفساء أقل الحيض وأوسطه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٢.

٣٨١

وأكثره » ونحوه (١) ما رواه في‌ الوسائل عن العلل مسندا الى حنان بن سدير ، قال : « قلت : لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما » وذكر نحوه ، وعن عيون الأخبار بإسناده‌ عن الفضل بن شاذان (٢) عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون قال : « والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما » الحديث. وعن‌ المقنع (٣) انه قال : « وروي أنها تقعد ثمانية عشر يوما ».

وأنت خبير ان العمدة انما هو صحيح ابن مسلم ، وإلا فالاستصحاب لا يتم في جميع صور المقام ، كما لو لم تر دما إلا بعد العاشر ، وهو ـ مع تضمنه للاستظهار باليومين المنافي لكون الثمانية عشر أكثره ، إذ لا وجه للاستظهار بعد استيفاء الأكثر ـ غير صالح لمعارضة ما تقدم من أخبار العادة وغيرها ، سيما بعد معارضته بغيره مما دل على قصة أسماء بنت عميس مما ينافيه ، كمرفوعة إبراهيم بن هاشم (٤) قال : « سألت امرأة أبا عبد الله عليه‌السلام فقالت : إني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ولم أفتوك بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن أسماء سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتى لها ثمانية عشر يوما ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة » وما رواه المحقق الشيخ حسن في منتقى الجمان على ما نقله عنه غير واحد عن كتاب الأغسال لأحمد ابن محمد بن عياش الجوهري في‌ الموثق كالصحيح عن حمران بن أعين (٥) قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ١١.

٣٨٢

« قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا : اقرأ أبا جعفر عليه‌السلام السلام وقل له إني كنت أقعد في نفاسي أربعين يوما وإن أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : من أفتاها بثمانية عشر يوما؟ قال : قلت : للرواية التي رووها في أسماء بنت عميس انها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة ، فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف أصنع؟ فقال لها : اغتسلي واحتشي وأهلي بالحج ، فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضى الحج ، فرجعت الى مكة فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحرمت ولم أطف ولم أسع ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكم لك اليوم؟ فقالت : ثمانية عشر يوما ، فقال : أما الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي ، فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنها لو سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها به ، قلت : فما حد النفساء؟ قال : تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن ، فإن هي طهرت ، وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة ثم اغتسلت واحتشت ، فان كان انقطع الدم فقد طهرت ، وان لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي ».

قلت : وبهذه الروايتين يظهر لك عدم صحة الاستدلال ببعض الأخبار المشتملة على قصة أسماء غير صحيح ابن مسلم المتقدم ، إذ ليس فيها سوى أنه سألته بعد ان مضى لها ثمانية عشر ، فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، بل في بعضها ما يظهر منه أنه أمرها قبل الثمانية عشر.

و ( منها ) ان أخبار العادة أبعد عن مذاهب العامة بخلاف الثمانية عشر ، فإنه لم يذهب إلى الأولى أحد منهم بخلاف الثانية ، فإنه وان لم يكن القول به معروفا بينهم‌

٣٨٣

إلا أنه يظهر من الشيخ وغيره كما في المصابيح وجود القائل بها منهم ، وربما كان في الأخبار إشعار بذلك ، على انه قد يقال : لما كانت قصة أسماء وولادتها من الأمور المقررة الثابتة في أخبار القوم ورواياتهم بحيث لا سبيل لهم إلى إنكارها أمكن تأدي التقية بذلك من حيث كون الحكم بما اقتضته مخالفا لما هو المعروف بين الخاصة موافقا لما هو مروي من طرق المخالفين ، بحيث لا يضعف التعلق به في مقام الاحتياج وان لم يوجد قائل به من العامة ، وقد يشعر به تكرير حكايتها في الأخبار ، بل ربما أجابوا عن سؤال من سألهم بنفس الحكاية من دون تصريح بالحكم ، كما في صحيحة ابن مسلم ، وأيضا فعدولهم عن التصريح بالجواب الى نقل رواية أو ذكر حكاية مما يفوح منه رائحة التقية كما لا يخفى على المتتبع العارف بأساليب الكلام ، الى غير ذلك من المرجحات الكثيرة لأخبار العادة على هذه مما يظهر لك بالتأمل فيما ذكرنا سابقا.

كما انه يظهر لك بالتأمل فيه أيضا ضعف ما ذكره العلامة من التفصيل إن لم نقل إنه خرق للإجماع المركب ، مضافا الى عدم الشاهد عليه ، واقتضائه حمل أخبار الثمانية عشر على الفرد النادر من المبتدأة المتنفسة والمضطربة من دون إشعار في شي‌ء من ذلك في السؤال والجواب ، بل مع التصريح في بعضها كما سمعت بأن ذلك حد جعله الله للنفساء يجمع مراتب الحيض ، وأيضا فإن أسماء بنت عميس تزوجت بأبي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب كما قيل ، وكانت قد ولدت منه عدة أولاد ، ومن المستبعد أن لا يكون لها في تلك المدة كلها عادة في الحيض ، ومع ذلك فقد حكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقعود ثمانية عشر يوما من دون استفصال عن حالها مع شدة ظهور قيام الاحتمال ، ومثل ذلك لا يقصر عن التصريح بالحكم كما لا يخفى ، كل ذا مع إشعار ما تضمن‌

٣٨٤

الاستظهار من أخبار العادة بكون أكثر الحيض عشرة مطلقا زيادة على إشعار جميع أخبارها بكون النفاس كالحيض ، كما هو الأصل عندهم بالنسبة إلى مشاركة الحائض لها في جميع أحكامها حتى انهم نقلوا الإجماع على ذلك ، فلا ينبغي الإشكال في سقوط ما ذكره العلامة سيما بعد ما عرفت من خروج أخبار الثمانية عشر عن الحجية للتعارض الواقع فيها ، فتأمل جيدا.

بقي الكلام في الأمر الثاني وهو رجوع ذات العادة إليها مع تجاوز الدم العشرة والى العشرة مع الانقطاع عليها كالحائض فيهما ، بخلاف غير ذات العادة من المبتدأة والمضطربة ، فإن لهما العشرة مع التجاوز ، وإلا فما انقطع الدم عليه من الأيام ، فنقول أما ما ذكرناه من حكم الأولى فهو المصرح به على لسان جملة من الأعيان ، ويرشد إليه ـ زيادة على ما تكرر ذكره من كون النفاس حيضا احتبس لغذاء الولد ، كما هو قضية أصالة مشاركة النفاس للحيض في الأحكام إلا ما خرج والمنساق من سبر ما جاء من الأخبار مما يتعلق بذات العادة من الحائض والنفساء ، فان الجميع على نسق واحد من إطلاق بعضها الرجوع الى عادتها ، وبعضها مع الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أو بعشرة على جعل الباء بمعنى ( إلى ) على نحو ما جاء في الحائض من غير فرق أصلا ـ انه وجه الجمع في هذه الأخبار بحمل ما دل منها على الرجوع الى العادة من غير ذكر الاستظهار على ما تضمنه منها ، وحمل أخبار الاستظهار المتضمنة لليوم أو اليومين أو الثلاثة على إرادة الاستظهار إلى العشرة ، لقول الصادق عليه‌السلام (١) ليونس : « تنتظر عدتها التي كانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة » بناء على كون الباء بمعنى ( الى ) كما ذكره الشيخ ، فيكون الترديد فيها باليوم أو اليومين أو الثلاثة باعتبار اختلاف عادات النساء بالسبعة والثمانية والتسعة ونحو ذلك لا للتخيير كما تقدم الكلام فيه في الحائض ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٢.

٣٨٥

واعترف به بعضهم هنا ، فحيث كان الأمر كذلك ظهر انه لا إشكال في نفاسية الجميع مع الانقطاع للعشرة ، تحقيقا لمعنى الاستظهار ، إذ المراد به على الظاهر انها تطلب ظهور حالها في هذه المدة ، فلو لم يكن الانقطاع مظهرا لحالها بما قلنا لم يكن له معنى محصل مع ما يشير اليه‌ موثق حمران بن أعين عن الباقر عليه‌السلام المروي عن منتقى الجمان عن كتاب الأغسال للعياشي ، وقد ذكرناه فيما مضى ، وفيه « ما حد النفساء؟ قال عليه‌السلام : تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها ، فإن هي طهرت وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت ، فان كان انقطع الدم فقد طهرت ، وان لم ينقطع فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين » الى آخره. فان قوله عليه‌السلام : ( فان كان انقطع الدم ) كالصريح في إلحاق أيام الاستظهار بأيام النفاس مع الانقطاع.

هذا كله مع ما يقتضيه إلحاقها بالحائض من الحكم بنفاسية جميع ما يمكن كونه كذلك كالحيض ، مضافا الى استصحاب حكم النفاس ، ويرشد إليه زيادة على ذلك كله ما ستسمعه عند الكلام على قوله : « ولو لم تر دما إلا العاشر » فظهر لك حينئذ انه لا ينبغي الإشكال في الحكم بنفاسية الجميع مع الانقطاع على العشرة فما دون وان زاد على العادة ، فما عساه يظهر من بعضهم من التوقف في ذلك لمكان إطلاق بعض أخبار الرجوع الى العادة ضعيف ، لما عرفت من انها محمولة على ما اشتمل منها على الاستظهار ، والمراد منها بعد ما سمعت من الجميع المتقدم إلى العشرة ، كما مر نظير ذلك كله في الحيض ، ومنه يظهر وجه ما في النافع والمعتبر من أن النفساء إذا انقطع عنها الدم ظاهرا اعتبرت ذلك بإدخال قطنة ، فان خرجت نقية اغتسلت ، وإلا صبرت للنقاء أو مضي العشرة من غير فرق بين المعتادة وغيرها ، بل في الثاني ما هو كالصريح في تناول الحكم للمعتادة حيث استدل على الحكم المذكور بأن هذه المدة هي أكثر الحيض فتكون أكثر النفاس ،

٣٨٦

لأن النفاس حيض ، وأيده بما رواه‌ يونس بن يعقوب (١) عن الصادق عليه‌السلام « ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة ، وان رأت صفرة فلتتوضأ » الى آخره. قال : « ولو قيل : قد رويتم انها تستظهر بيوم أو يومين قلنا : هذا يختلف بحسب عوائد النساء ، فمن عادتها تسع تستظهر في النفاس بيوم ، ومن عادتها ثمان تستظهر بيومين ، وضابطه البقاء على حكم النفاس ما دام الدم مستمرا حتى يمضي لها عشرة ثم تصير مستحاضة » انتهى.

قلت : وهو نص فيما ذكرناه هنا وفي باب الحيض ، لكن قد يرد عليه انه قد ذكر الخبر في استظهار الحائض دليلا لمن قال باستظهارها إلى عشرة ، ورده برجحان أخبار الاستظهار بيوم أو يومين قوة وكثرة وشبها بالأصل وتمسكا بالعبادة ، وقد يدفعه ما في كشف اللثام « من افتراق الحائض والنفساء بالإجماع على رجوع الحائض إلى عادتها ، وعدم الدليل عند المحقق على رجوع النفساء إليها » انتهى. والأمر سهل ، لكن في المنتهى بعد ان ذكر الاعتبار بإدخال القطنة قال : « إنها إن خرجت ملوثة صبرت الى النقاء أو تمضي مدة الأكثر وهي عشرة أيام ان كانت عادتها ، وإلا صبرت عادتها خاصة واستظهرت بيوم أو يومين ، وكذا البحث لو استمر بها الدم ، وبعض المتأخرين غلط ها هنا فتوهم ان مع الاستمرار تصبر عشرة ، ولا نعرف فيه دليلا سوى ما رواه يونس ـ وذكر الخبر ثم قال ـ : وهو غير دال على محل النزاع ، إذ من المحتمل ان يكون عادتها ثمانية أو تسعة ، ويدل على ما اخترناه من الأحاديث التي قدمناها ، فإنها دالة على حوالة النفساء على الحائض في الأيام والاستظهار بيوم أو يومين » انتهى.

قلت : كأنه عرض بذلك الى المحقق رحمه‌الله ، لكنك قد عرفت في الحيض قوة القول بجواز الاستظهار إلى العشرة وكثرة الشواهد عليه ، على انه لا معنى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٣.

٣٨٧

للاقتصار على اليوم واليومين بعد دلالة الدليل على الأزيد كالثلاثة ، كما انه لا يقدح ما ذكر من الاحتمال في ظهور الخبر بما قلنا ، وأيضا فليس ما ذكره بأولى من أن يقال : إن أخبار اليوم واليومين محمولة على ما إذا كانت العادة تسعة أو ثمانية كما ذكره المحقق ، بل هذا أولى من وجوه قد أشرنا إليها سابقا ، فظهر لك من ذلك كله سقوط ما اعترض به على المحقق من هذه الجهة ، نعم يتجه عليه أن ظاهر قوله : ( وضابطه ) الى آخره الحكم بنفاسية العشرة وان تجاوز الدم كما صرح به بعد في جملة فروع ذكرها ، حيث قال : « لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم الى عادتها في النفاس ، ولا إلى عادتها في الحيض ولا إلى عادة نسائها ، بل تجعل عشرة نفاسا ، وما زاد استحاضة حتى تستوفي عشرة ، وهو أقل الطهر ، وفي رواية (١) « تجلس مثل أيام أمها وأختها وخالتها ، وتستظهر بثلثي ذلك » والرواية ضعيفة السند شاذة » انتهى.

قلت : ولم أعرف أحدا صرح بذلك ممن تقدمه أو تأخر عنه ، بل صرح بعضهم برجوعها الى عادتها حينئذ ، كما هو قضية مساواتها للحائض في ذلك على ما يستفاد من ملاحظة أخبار الطرفين ، ويشعر به زيادة على ذلك ذكر الاستظهار ، إذ لو لا انه يظهر حالها من عدم الانقطاع على العشرة بحيث ترجع الى عادتها لم يكن لإطلاق الاستظهار عليها معنى محصل ، على أن الرجوع الى العادة هو قضية الأخبار المطلقة الآمرة بالرجوع إليها ، وخروج صورة الانقطاع على العشرة فما دون عنها لا يقدح في ذلك ، وقد مر في باب الحيض عند الكلام على نحو ذلك ما له نفع تام في المقام ، ولعل ما ذكره المحقق انما كان لخلو كلام الأصحاب عن الرجوع الى عادتها ، وإطلاقهم أن الأكثر عشرة وثمانية عشر ، ونقل الشيخ في الخلاف الإجماع على كون العشرة نفاسا ، وللاستصحاب ومخالفة الحيض في الاسم وفي بعض الأحكام وان كان هو دم الحيض حقيقة واحتباسه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٠.

٣٨٨

واحتمال أخبار الرجوع الى أيام أقرائها أن أكثره العشرة كالحيض ، ولا يخفى ضعف الجميع ، نعم قد يستدل له بما عساه يظهر من الأخبار من إلحاق أيام الاستظهار بما قبلها تجاوز الدم أو انقطع ، وقد سبق ان الاستظهار عنده إلى العشرة ، لكنك قد عرفت هنا وفي باب الحيض ما يدفع ذلك وان أعيى على بعض المعاصرين ، فتأمل.

ومن العجيب ما في الذكرى حيث قال : « الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها الى عادتها في الحيض ، والأصحاب يفتون بالعشرة ، وبينهما تناف ظاهر ، ولعلهم ظفروا بأخبار غيرها ، وفي التهذيب قال : جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى النفاس عشرة ، وعليها أعمل لوضوحها عندي ، ثم ذكر الأخبار الأول ونحوها ، حتى أن في بعضها (١) عن الصادق عليه‌السلام « فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام » قال الشيخ : يعني إلى عشرة ، إقامة لبعض الحروف مقام بعض ، وهذا تصريح بأن أيامها أيام عادتها لا إلى العشرة ، وحينئذ فالرجوع الى عادتها كقول الجعفي في الفاخر وابن طاوس والفاضل أولى ، وكذا الاستظهار كما هو هناك ، نعم قال الشيخ : لا خلاف بين المسلمين أن عشرة أيام إذا رأت المرأة الدم من النفاس ، والذمة مرتهنة بالعبادة قبل نفاسها فلا يخرج عنها إلا بدلالة ، والزائد على العشرة مختلف فيه ، فان صح الإجماع فهو الحجة ، ولكن فيه طرح للأخبار الصحيحة أو تأويلها بالتقييد » انتهى.

وفيه مواضع للنظر تظهر مما تقدم لنا سابقا ، ( منها ) قوله : « إن الأصحاب يفتون بالعشرة » مستظهرا ذلك من قولهم : إن أكثر النفاس عشرة ، وإلا فلم نعرف أحدا نص على ذلك قبل المحقق كما اعترف به في كشف اللثام ، وقد عرفت فيما مضى انه لا تنافي بين الرجوع الى العادة والفتوى بالعشرة ، فإنهم إنما يفتون بأنها أكثره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٣.

٣٨٩

لا بكونها كلها نفاسا إذا تعداها الدم وان كانت ذات عادة ، ويحتمل قريبا بل لعله الظاهر من أمارات كثيرة أنهم فهموا من تلك الأخبار مجموع الأمرين أعني الرجوع الى العادة وكون الأكثر عشرة ، ولم يصرحوا بالأول هنا ، بل اكتفوا بتشبيه النفساء بالحائض في الأحكام غير ما استثنوه ، وبحكمهم برجوع المستحاضة إلى عادتها ، و ( منها ) ما ادعاه من تصريح ما ذكره من الخبر بأن أيامها أيام عادتها ممنوع ، إذ لا معنى لاستظهارها إلى عشرة إلا أنها تستكشف حالها بعد أيام العادة إلى العشرة ، وهو ـ مع ظهوره فيما إذا تعدى الدم ، ونحن نعترف بالرجوع إليها خاصة في هذا الحال ـ كما يحتمل خروج ما بعدها عن النفاس مع التعدي يحتمل الدخول احتمالا متساويا. و ( منها ) انه لا جهة لاستدراكه بنفي الشيخ الخلاف في كون العشرة نفاسا ، فإنه في مقام الاحتجاج على أقوال العامة من كون أكثره أربعين أو خمسين أو ستين أو سبعين الى غير ذلك.

هذا كله في ذات العادة ، وأما غيرها من المبتدأة والمضطربة فالأقوى تحيضهما بالعشرة للاستصحاب وغيره ، وفاقا لظاهر القواعد والإرشاد وعن صريح التذكرة ونهاية الأحكام ، بل في الذكرى أن المشهور هنا عود المبتدأة والمضطربة إلى العشرة ، وخلافا للبيان ، حيث انه جعل الأقرب رجوع المبتدأة إلى التمييز ثم النساء ثم العشرة ، والمضطربة إلى العشرة مع فقد التمييز ، وهو ضعيف وان كان ربما يشعر به مساواتها للحائض في الحكم ، بل في كشف اللثام « أنه يجوز تعميم أيام الأقراء المحكوم بالرجوع إليها لجميع ذلك » انتهى. لكن قد يفرق بينهما بأن النفاس متيقن الابتداء ، إذ الدم المتعقب للولد نفاس قطعا بخلاف الحيض ، ويؤيده خلو النصوص والفتاوى عن الإشارة إلى شي‌ء من ذلك مع تعرضهم لنظيره ، على أنك قد عرفت سابقا أن التحيض بالروايات انما هو بملاحظة تعادل الأدوار ، فهو إما ستة أو سبعة من كل شهر ، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر ، وكان المتجه بناء على ما ذكره الجلوس بستة أو سبعة كالحائض ،

٣٩٠

ومن هنا قال في المنتهى في المقام : « انه يمكن أن يقال : إنها تجلس ستة أيام أو سبعة ، لأن الحائض تفعل ذلك فكذلك النفساء ، لأنه حيض في الحقيقة ، ولأن‌ قوله عليه‌السلام (١) : « تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض » كما يتناول الماضي يتناول المستقبل » ولا يخفى ضعفه ، نعم يحتمل في خصوص المبتدأة الرجوع الى نسائها لقول الصادق عليه‌السلام (٢) في الموثق : « وان كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها ، واستظهرت بثلثي ذلك ، ثم صنعت كما تصنع المستحاضة » الحديث. واشتماله على ما لا نقول به من الاستظهار مع إمكان فرضه بما لا ينافي المختار غير قادح في الحجية ، والظاهر ان مراده عليه‌السلام بقوله أيام نفاسها أيام حيضها كما يشعر به أوله ، وإلا فلا رجوع لها الى أيام النفاس كما صرح به غير واحد وان أشعر بذلك خبر محمد بن يحيى الخثعمي (٣) لكنه شاذ ، بل لعل الأول أيضا كذلك كما سمعته سابقا من المصنف في المعتبر ، ولعله لظهوره في غير المبتدأة ، وهي لا ترجع الى ذلك في الحيض فضلا عن النفاس ، والأقوى ما تقدم.

ثم انه إذا استمر الدم في النفساء وجلست الأيام الموظفة لها فهل يعتبر بالنسبة الى ما عليها من أحكام مستمرة الدم فصل أقل الطهر فحسب ، ثم ينتقل الى تعرف حال دمها أو مضي شهر؟ يظهر من بعض الأصحاب كالمصنف في المعتبر الأول ، ويحتمل الثاني ، ويظهر وجهه مما تقدم لنا في المباحث السابقة في الحيض ، كما أنه تقدم أيضا البحث عن استحباب الاستظهار ووجوبه ، فتأمل جيدا.

ولو كانت حاملا باثنين مثلا وتراخت ولادة أحدهما كان ابتداء نفاسها من الأول عند علمائنا كما في المنتهى وعن التذكرة ، واستيفاء عدد أيامها من وضع الأخير فيدخل فيه ما بقي من عدد أيام النفاس الأول ان لم يتخلل بينهما عشرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ١٨.

٣٩١

أيام ، وإلا كان عدد كل مستوفى تاما مستقلا من غير تداخل ، فقد يكون حينئذ جلوسها عشرين يوما ، كما إذا وضعت الثاني بعد عشرة أيام ، ولا ينافيه كون أكثر النفاس عشرة ، لأنهما نفاسان ، لصدق النفاس مع كل منهما ، وهو مع عدم العثور على مخالف من الأصحاب فيه مدرك الحكم في المقام ، وبه صرح في المبسوط والانتصار والسرائر والجامع والمنتهى والقواعد والإرشاد وجامع المقاصد وغيرها كما عن الناصرية والخلاف والوسيلة والمهذب والجواهر والإصباح ، فما في المعتبر من التردد في نفاسية الأول لأنها حامل ولا حيض ولا نفاس مع حمل ضعيف ، لما تقدم من المختار في مجامعة الحيض للحمل أولا ، وإمكان منع انتفاء النفاس خاصة ثانيا ، نعم قد يتردد في أصل الحكم بالنفاسين مع عدم تخلل أقل الطهر بينهما بأن النفاس كالحيض عندهم في الأحكام ، وخصوصا في ذلك كما يشعر به حكمهم بعدم حيضية الدم السابق على الولادة بدون تخلل أقل الطهر حتى في المتصل منه الممكن الحكم بالحيضية كما أشرنا إليه سابقا ، وكذا اللاحق بعد انتهاء مدة النفاس وان صادف العادة في كل منهما ، وما ذكره في كشف اللثام من انه لا دليل على امتناع تعاقب النفاسين بلا تخلل يدفعه ان التعاقب محتاج الى الدليل ، لا امتناعه بعد المساواة المذكورة التي هي المستند لهم في كثير من أحكام الباب ، مضافا الى ما دل على عدم قصور أقل الطهر عن عشرة ، كما لو فرض وضع الثاني بعد مضي زمان بعد العشرة يقصر عن أقل الطهر ، اللهم إلا أن يستند في دفع ذلك كله إلى الإجماع ، وهو جيد لو تم ، كما هو ظاهر نسبته له في المصابيح الى المعروف من مذهب الأصحاب ناقلا عن ظاهر التذكرة إجماع علمائنا عليه ، ومع ذلك كله فتماميته أي الإجماع لا يخلو من إشكال ، بل قد يشعر ما في الانتصار بعدمه ، حيث قال : لست أعرف لأصحابنا نصا صريحا في هذه المسألة ، وما في السرائر حيث قال بعد‌

٣٩٢

أن ذكر المسألة : فليلحظ ذلك ويحقق ، فقد شاهدت جماعة ممن عاصرت من أصحابنا لا يحقق القول في ذلك ، وما في المعتبر من التردد المتقدم بل ربما توهم من عبارة المصنف ونحوها مما يقرب منها أن المراد ابتداء عدد أيام النفاس من الأول مع تكميلها من أيام وضع الثاني ، فلا يكون حينئذ للثاني نفاس إلا مقدار ما يكمل به الأول فقط ، وعلى هذا فلو فرض وضع الثاني بعد العشرة مثلا لم يكن له نفاس كما هو المنقول عن بعض العامة وعن آخر منهم ان ابتداء النفاس من الثاني ، لكن ذلك كله مما ينبغي القطع بعدم إرادته لأحد من الأصحاب وأن المراد بالعبارة كما هو المصرح به في كلام جملة من الأصحاب استيفاء تمام عدة النفساء من وضع الثاني وان كان ما عدته بعد الأول نفاسا أيضا ، وليس المراد أن مجموع أيام نفاس هذه المرأة أي الحامل باثنين من وضع الأخير كما عساه يتوهم من ظاهر العبارة أيضا حتى تتوجه المنافاة بين هذا الحكم والحكم بأن ابتداء نفاسها من وضع الأول وان كان هذا الوهم أقرب من الوهم السابق بالنسبة إلى العبارة.

وكيف كان فالعمدة في المقام الإجماع لو تم ، وإلا فلم نعرف لهم دليلا هنا سوى صدق اسم النفاس ، وهو لا يرفع ما سمعت من الاشكال ، وأشكل منه ما فرعه في الذكرى والدروس فاحتمل فيه ذلك أيضا ، قال : « ولو سقط عضو من الولد وتخلف فالدم نفاس على الأقرب ، ولو وضعت الباقي بعد العشرة أمكن جعله نفاسا آخر كالتوأمين ، وعلى هذا لو تقطع بفترات تعدد النفاس ، ولم أقف فيه على كلام سابق » انتهى. وشمول النصوص لمثل ذلك لا يخلو من تأمل ، ويحتمل هنا توقف النفاس على خروج المجموع وان اكتفينا ببروز الجزء مع الاتصال ، للفرق بينه وبين الانفصال فتأمل جيدا.

ثم اعلم انه بعد ما عرفت من الحكم السابق وهو أن ذات التوأم يحكم لها بنفاسين إلا أن استيفاء تمام العدد من وضع الثاني فهل المراد ان نفاسية الأول تنتهي بتحقق الثاني أو أن الأول يشارك الثاني فيما بقي من عدده وينفرد الثاني بالزائد؟ احتمالان ، أقواهما‌

٣٩٣

الثاني كما هو الظاهر من بعضهم ، لصدق اسم النفاس عليه بالنسبة للأول ، واجتماع سبب آخر معه لا ينافيه ، أقصاه انه يكون حينئذ من باب التداخل ، نعم قد يتم ذلك فيما لو علم ان الدم الثاني بسبب الولادة الثانية من غير مدخلية للأولى ، أما مع عدمه فالمتجه ما ذكرنا ، وتترتب على ذلك ثمرات ، منها ما لو رأت بياضا بعد الولادة الثانية ثم رأت دما بعد ذلك في أيام يمكن ان تكون من نفاسية الأول ، فبناء على المختار يحكم بنفاسية البياض لكونه مكتنفا بين دمي نفاس واحد بخلافه على الثاني ، إذ هو ابتداء نفاس واحد ، واحتمال القول بأنا نحكم بنفاسية مثل ذلك على كل حال ، وإلا لزم صيرورة الطهر أقل من عشرة يدفعه ان ذلك غير ممنوع بالنسبة إليهما كما أشرنا إليه سابقا ، فهو كما لو وضعت الثاني بعد انتهاء عدد الأول ثم انها رأت بياضا بعد ولادة الثاني ، وكما لو ولدت الثاني بعد يوم أو يومين من انتهاء عدة الأول ، فتأمل جيدا حتى تظهر لك ثمرات أخر في المقام.

( ولو لم تر دما ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاسا ) خاصة دون ما قبله من النقاء كما في السرائر والجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير والإرشاد وغيرها ، بل في المدارك ان هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، قلت : ولعله لكونه دما بعد الولادة في أيام النفاس مع عدم ثبوت اشتراط معاقبته بلا فصل ، بل لعل الثابت عدمه كما يرشد اليه نص الأصحاب في المسألة الآتية ، ولأن النفاس أمر طبيعي عادي ، فيجب الحكم به مع الاشتباه كما في الحيض ، ومنه ينقدح إمكان جريان قاعدة الإمكان فيه ، نعم يتجه عدم نفاسية الأيام السابقة ، لعدم الدم فيها ، وهو موقوف عليه ، ولا يقدح قصورها عن العشرة بعد اتصالها بالطهر السابق على الولادة ، وفي المدارك أن هذا الحكم مشكل لعدم العلم باستناد هذا الدم إلى الولادة ، وعدم ثبوت الإضافة عرفا » انتهى. وهو كما ترى بعد ما عرفت وتعرف في المسألة الآتية.

٣٩٤

ثم ان ظاهر إطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في هذا بين المعتادة وغيرها تجاوز الدم العاشر أو انقطع عليه ، وهو متجه بناء على ما اختاره في المعتبر من التحيض بالعشرة مطلقا ، وأما بناء على ما اخترناه من الرجوع الى العادة فينبغي تقييد الحكم المذكور بما إذا انقطع على العاشر أو كانت مبتدأة أو مضطربة أو ذات عادة هي عشرة ، أما إذا لم يكن كذلك كما لو كانت عادتها دون العشرة ورأت الدم في العاشر ثم استمر الدم متجاوزا فلا يتجه الحكم بالنفاسية حينئذ للأمر بالرجوع إلى العادة مع التجاوز ، والفرض عدم الدم فيها ، لكن قد يشك في شمولها لمثل المقام ، لظهور أخبارها فيمن رأت الدم في العادة وخارجها واستمر ، فتبقى قاعدة الإمكان وغيرها سالمة عن المعارض ، سيما بعد إطلاق الأصحاب الحكم ، فيسقط حينئذ ما في الذكرى وان تبعه عليه بعض من تأخر عنه ، حيث قال بعد ان ذكر الحكم كما ذكره الأصحاب : « وعلى اعتبار العادة ينبغي أن يكون ما صار فيها نفاسا دون ما زاد عليها ، ويحتمل اعتبار العشرة إذا لم يتجاوز ، كما لو انقطع دم المعتادة على العشرة ، أما مع التجاوز فالرجوع إلى العادة قوي » انتهى. بل ظاهر أول كلامه عدم الحكم بالنفاسية حتى لو انقطع على العاشر مع فرض خروجه عن العادة ، ولا يخفى ضعفه ، كضعف ما في الرياض ، حيث أنه استشكل أيضا في المعتادة دون العشرة مع رؤيتها الدم في العاشر خاصة وانقطع قائلا للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع الى أيام العادة التي لم تر فيها شيئا بالمرة ، إذ هو ـ مع ظهور مخالفته لما هو المجمع عليه بين الأصحاب أو كالمجمع عليه ـ يرد عليه مثله بالنسبة الى أولى جهتي شكه فيما لو كانت العادة عشرة أو دونها ورأت الدم في آخرها خاصة ، ويشكل بالنسبة إلى ثاني الجهتين بعدم الأمر لها بالرجوع إلى العادة في هذا الحال.

ثم ان ظاهر الأصحاب الاقتصار على نفاسية العاشر خاصة دون ما اتصل به مما‌

٣٩٥

بعده حتى لو كانت معتادة ، فليس لها استيفاء تمام عادتها مما بعد العشرة وان قلنا به بالنسبة للحائض ، ولعله لعدم وجود النفاس عندهم فيما زاد عليها ، إذ مبدأ حساب أكثره انما هو من حين الولادة كما عن نهاية الأحكام ومعطي كلام السرائر ، ولذا لو لم تر إلا بعد العاشر لم يكن نفاسا كما نص عليه غير واحد من الأصحاب ، ويدل على ابتداء الحساب من الولادة‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام لمالك بن أعين (١) : « إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم » وفي‌ خبر الفضلاء (٢) « ان أسماء سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الطواف بالبيت والصلاة فقال لها : منذ كم ولدت؟ » وأيضا لو لم تبتدئ منها لم تتحدد مدة التأخر عنها ، لكن مع ذلك كله والمسألة لا تخلو من إشكال ، لظهور الروايتين في واجدة الدم لا فيما كان من نحو المقام ، وإمكان الفرق بين ما لو رأته بعد العشرة وبينه فيها إما بالإجماع إن تم أو بغيره ، فيحكم بتكملة العادة مثلا في الثاني كما هو قضية مساواتها للحائض دون الأول ، ولعله لتحقق النفاس فيه ولو بجزء من العشرة فيستصحب دونه ، على انه لا دليل على عدم وقوع النفاس خارج العشرة في مثل المفروض ، وقولهم : إن أكثره عشرة لا يقضي به ، إذ المفروض عدم نفاسية السابق من النقاء ، اللهم إلا أن يدعى انسياق الذهن من قولهم : إن أكثر النفاس عشرة أن مبدأ الحساب من حين الولادة وان لم تر دما ، كما عساه يظهر من إطلاق بعض الأخبار (٣) ان قلنا بشمولها لمثله على ندرته ، فتأمل جيدا.

وأشكل من هذا ما لو أمكنها تكميل العادة ببعض العشرة وان تجاوز الدم ، كما لو رأت رابع الولادة مثلا وسابعها لمعتادتها واستمر الى ان تجاوز العشرة ، فلعل الأقوى حينئذ تكميل العادة بالثلاثة الأخيرة لقاعدة الإمكان والاستصحاب ومساواة الحائض ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٤.

٣٩٦

فما في الرياض تبعا للروضة من اختصاص النفاس بأربعة العادة لا يخلو من نظر ، كما انه لا يخلو ما فيهما أيضا من أنها لو رأته في السابع خاصة وتجاوز فهو النفاس ، إذ يمكن القول بتتميمه ببعض العشرة وان لم يف بتمام العادة بناء على عدم عبور النفاس العشرة لما عرفت ، نعم لو رأته من أول السبعة والسابع وتجاوز العشرة اتجه الاقتصار على العادة خاصة ، إذ هي كما لو رأت تمام العادة دما لكون هذا النقاء المتخلل نفاسا ، ولو رأته أولا وبعد العادة وتجاوز فلعل الأقوى الاقتصار على نفاسية الأول خاصة كما في الروضة ، لعدم تمامية ما يتصور من احتمال غيره بناء على عدم نفاسية المتعقب للعادة بعد تجاوزها. وأما لو رأت عقيب الولادة ثم طهرت ثم رأت في العاشر أو قبله كان الدمان وما بينهما نفاسا مع عدم تجاوز الدم للعشرة ، بل ومعه إذا كانت غير ذات عادة ، بل وإذا كانت كذلك مع كونها عشرة ، أما إذا كانت ذات عادة دون العشرة ثم تجاوز الدم في محل الفرض فالنفاس الأول خاصة كما سمعته آنفا ، للأمر بالرجوع إليها مع التجاوز ، وليس إلا الأول خاصة ، وقد تقدم الاشكال فيه سابقا بالنسبة إلى شمول الأدلة لمثله ، وكيف كان فلم نعرف خلافا بين الأصحاب فيما ذكرناه من الحكم الأول ، بل قد يظهر من الأردبيلي دعوى الإجماع ، ولعل الأمر فيه كما ذكر ، فما في الحدائق من الإشكال في نفاسية النقاء كما انه استشكل فيه أيضا بالنسبة إلى الحيض بناء منه على عدم اشتراط العشرة في نحوه من الطهر المتخلل بين الحيضة الواحدة أو نحوها ضعيف ، نعم قد يقال هنا : إن عدم اشتراط تخلل الطهر بين النفاسين عندهم يقضي بعدمه في نحو المقام ، بل لعله أولى ، ويدفع بالفرق بين النفاس الواحد والنفاسين ، ونحوه ما عن الذخيرة حيث قال بعد الحكم المذكور : وان لم يثبت إجماع على الكلية المذكورة كان للتأمل في الحكم المذكور مجال ، وكأنه أشار بالكلية إلى قاعدة الإمكان ، وقد تقدم الكلام فيها ، كما أنه قد يقال : إن الحكم بنفاسية الدم الثاني ليس لقاعدة الإمكان ،

٣٩٧

بل انما هو إما للإجماع على الظاهر أو لتحقق مسماه معه ، إذ هو متعقب للولادة في ضمن العشرة ، فيلزم الحكم بنفاسية النقاء بناء على عدم قصور الطهر عن عشرة مطلقا إلا في التوأم ، وهو غير قادح في أصل القاعدة. ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض من اللبث في المساجد وقراءة العزائم وغيرهما وكذا ما يندب لها من الوضوء للذكر ونحوه ويكره ويباح لها مما تقدم ذكره سابقا بلا خلاف أجده فيه كما في التذكرة بل بين أهل العلم كما في المنتهى ، وفي المعتبر انه مذهب أهل العلم لا أعلم فيه خلافا ، فحكم النفساء حكم الحائض في جميع الأحكام اللازمة للحائض بغير خلاف كما في السرائر وفي الغنية « والنفساء والحائض سواء في جميع الأحكام إلا في حكم واحد ، وهو ان النفاس ليس لأقله حد ، وذلك بدليل الإجماع السالف » انتهى. قلت : ولعله لم يستثن المصنف هنا وكذا من عبر بنحو عبارته مثل الأقل وغيره مما اختلف فيه النفاس مع الحيض ، لعدم تناول العبارة لمثل ذلك ، إذ هي ظاهرة في إرادة المساواة بالنسبة للأحكام الشرعية من الحرمة والإباحة ونحوهما لا ما يتعلق في الأقل والأكثر والرجوع الى العادة ونحو ذلك ، فلا حاجة حينئذ إلى ذكر ما يفترق به الحيض عن النفاس من التحديد لأقل الأول بالثلاثة دون الثاني ، وكالخلاف في أكثره دون الأول ، وعدم الرجوع الى عادة النفاس ولا عادة النساء فيه ولا في الحيض ولا الروايات بالنسبة للمبتدأة والمضطربة ، وعدم الدلالة به على البلوغ بخلاف الحيض ، وبانقضاء العدة فيه دون النفاس إلا نادرا كما في الحامل من زنا ، وعدم اشتراط تخلل أقل الطهر بين النفاسين وان كان بعضها محلا للنظر والتأمل ، إلا ان الأمر سهل حيث لا إشكال عندهم في مساواة النفساء للحائض في الأحكام ، وفي أصل التساوي أيضا بالنسبة إلى باقي الأمور وان خرج ما مرت الإشارة إليه في مطاوي البحث ، ولعله لذلك لم يستثن شيئا من ذلك بعض الأصحاب هنا ، وإذ قد عرفت ذلك كله كنت في غنية عن قول المصنف ( ولا يصح‌

٣٩٨

طلاقها ) إذ هو من الأحكام التي ساوت الحائض فيها ، فيعتبر حينئذ ما تقدم سابقا في الحيض من الشرائط المتقدمة ، بل وعن قوله ( وغسلها كغسل الحائض ) سواء وجوبا وكيفية ، وكذا البحث في الاستغناء به عن الوضوء وعدمه ، والله سبحانه ورسوله والأئمة الطاهرون ( صلوات الله عليهم ) أعلم بحقائق الأحكام.

الى هنا تم الجزء الثالث من كتاب جواهر الكلام

وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته بالنسخة

الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف ( قدس روحه

الشريف ) ويتلوه الجزء الرابع في أحكام الأموات

بحول الله خالق البريات.

عباس القوچاني‌

٣٩٩

فهرست الجزء الثالث

من كتاب جواهر الكلام

الصحيفة

العنوان

الصحيفة

العنوان

٢

الواجب من الأغسال ستة

٢٩

من لا ختان له كمقطوع الحشفة يتحقق جنابته بدخول ذلك المقدار

٣

إنزال المنى موجب للغسل

٣١

الوطء في دبر المرأة موجب للغسل

٧

وجوب الغسل معلق على خروج المنى إلى خارج الجسد

٣٥

الوطء في دبر الغلام موجب للغسل

٨

الدفق مع الشهوة وفتور الجسد موجب للغسل

٣٦

الوطء في دبر الخنثى المشكل موجب للغسل بالنسبة للواطئ والموطوء

١٢

كفاية الشهوة وفتور الجسد في وجوب الغسل على المريض

٣٦

وطء البهيمة لا يوجب الغسل مع عدم الانزال

١٣

لو تجرد البلل عن الشهوة والدفق مع اشتباهه لم يجب الغسل

٣٩

وجوب الغسل على الكافر عند حصول سببه لكن لا يصح منه في حال كفره.

١٣

وجوب الغسل على واجد المني في الثوب المختص به دون المشترك

٤٠

إذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل ويصح منه

٢٥

الجماع موجب للغسل

٤٠

لو اغتسل المكلف ثم ارتد ثم عاد لم يبطل غسله

٢٦

لا فرق بين كون الواطئ والموطوء مكلفا أو غير مكلف

٤١

الوطء سبب للغسل بالنسبة إلى غير المكلف

٢٨

وجوب الغسل معلق على غيبوبة الحشفة

٤٠٠