جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على إرادة الرخصة من الأمر لها في تقديم الغسل على الفجر بمقدار صلاة الليل ، لكونه في مقام توهم الحظر ، ويؤيده ما يأتي من ظهور كلام من تعرض لجواز تقديمها الغسل في الرخصة دون الشرطية في صحة الليل ، أو أنه يحمل على الندب أو غير ذلك.

فظهر لك ما في تأييده لمختاره به كالذي ذكره بعده أيضا من انه « يومي اليه إطلاق الأمر بالغسل هنا فيما تقدم في مقابلة الأمر بالاغتسال مع التجاوز ، فكما ان موجبها حدث بالنظر الى الصلاة مع الاستمرار فكذا موجبه بدونه حدث بالنسبة إليها ، والفارق بينهما الاكتفاء بالغسل الواحد في جميعها في الثاني مع الاستمرار وعدمه ، ولزوم الثلاثة معه في الأول ، نعم لا فرق بينهما حينئذ مع رؤية الدم مطلقا في وقت الصلاتين ظهرين أو عشاءين ، كما انه لا فرق بينهما مع رؤيته كذلك في وقت صلاة الصبح » انتهى. وفيه ما عرفت ، ولا أظنك تصغي إلى شي‌ء من ذلك بعد ما تقدم ، إذ مرجعه الى تقييد النصوص (١) والفتاوى الدالة على إيجاب الغسل الواحد بما إذا كان سابقا على الصبح من غير دليل صالح لذلك ، وكيف يتصور إغفال الأصحاب والأخبار لمثله وإطلاق الحكم بالغسل الواحد من غير إشارة أحد منهم اليه ، وان هو إلا تدليس ، ومن العجيب ذكره دام ظله هذا الحكم مسلما ، ولا يبعد أن يكون ذلك من بعض تلامذته ، واشتبه النساخ فيها لا منه لخلو بعض نسخ الرياض عن ذلك كله ، والله أعلم.

و ( منها انه قد يستظهر من عبارة المصنف وما ماثلها كظاهر الأخبار (٢) إيجاب الجمع للكثيرة بين الصلاتين بغسل ، فليس لها حينئذ فعل كل من الصلاتين بغسل مستقل ، وربما كان صريح المفيد في المقنعة ومال إليه في الرياض لظاهر الأخبار ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣ ـ والباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة.

٣٤١

صرح جماعة من الأصحاب منهم العلامة في المنتهى والمحقق الثاني في جامع المقاصد وصاحب المدارك والذخيرة وشيخنا الأكبر في شرح المفاتيح بجواز ذلك ، بل في جامع المقاصد والمدارك انه جائز قطعا ، وقد قيل انها ممن لا يعمل إلا بالظنيات تجري مجرى الإجماع ، وقد يؤيد بما‌ في بعض الروايات (١) الموثقة ( تغتسل عند كل صلاة ) وفي‌ مرسلة يونس الطويلة (٢) « ان فاطمة بنت أبي جيش كانت تغتسل في كل صلاة » وب‌ قوله عليه‌السلام في خبر الحلبي (٣) : « تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين » مع انه قد يقال : ان المنساق من أخبار الجمع (٤) كونه رخصة للإرفاق بحالها لا عزيمة ، وإلا فتعدد الغسل أولى لكونه أبلغ في التطهير ، ومن هنا جعله في المنتهى وغيره مستحبا مستدلا عليه بقوله عليه‌السلام (٥) : « الطهر على الطهر عشر حسنات » ومما ذكرنا يظهر لك الحال فيما لو اتفق حدوث الكثيرة بعد الظهر أو المغرب ، فيجب الغسل حينئذ لخصوص العصر أو العشاء ، وكأنه لا خلاف فيه وان قلنا بعدم جواز التفريق في السابق ، فتأمل.

و ( منها ) انه صرح جماعة من الأصحاب بوجوب معاقبة الصلاة للغسل ، بل لم أعرف مخالفا فيه كما عساه يشعر بنفيه ما في المدارك من نقله في القليلة بالنسبة للوضوء دونه ، كالمحكي عن الحدائق وغيرها ، كما انه يشعر بالحكم ما في النص (٦) والفتوى بالجمع بين الصلاتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر ، إذ لو كان ذلك جائزا لم يكن في تأخير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١ و ٤ و ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

٣٤٢

العصر عن الظهر بأس ، ولا ينافي ذلك ما تقدم منا سابقا من ظهور إرادة الرخصة في أخبار الجمع دون العزيمة ، إذ ذاك بالنسبة إلى اتحاد الغسل وتعدده ، وإلا فلا ريب في ظهورها في إرادة الوجوب الشرطي بمعنى إن أريد فعل الصلاتين بغسل واحد كان هذا الجمع واجبا ، فليتأمل. وقد يؤيده أيضا ما في أخبار الجمع من الباء كقوله (ع) (١) : ( تجمع بين صلاتين بغسل ) لاشعارها بمقارنة الغسل لها ، وما في خبري أبي المعزى (٢) و‌إسحاق بن عمار (٣) « انها تغتسل عند كل صلاتين » ونحوه غيره (٤) وفي‌ خبر عبد الله بن سنان (٥) عن الصادق عليه‌السلام « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الفجر فتصلي الفجر » وهو ـ مع اشتماله على لفظ ( عند ) التي ستسمع فيما يأتي ان ابن إدريس ادعى صراحتها في ذلك عند الكلام في وضوء القليلة ، حتى أن من تأخر عنه ممن خالفه في ذلك لم ينكر عليه ذلك ، بل أنكر وجود رواية مشتملة عليها ـ قد اشتمل على لفظ الفاء التي هي للتعقيب من غير مهلة ، ويؤيده مع ذلك كله انه الموافق لمقتضى الحكم بحدثية دم الاستحاضة ، فيقتصر فيه حينئذ بالنسبة للعفو عنه على محل اليقين.

هذا مع ما عرفته سابقا من ظهور عدم الخلاف فيه سوى ما في كشف اللثام ، وتبعه العلامة الطباطبائي من جواز الفصل بينه وبين الصلاة ، ولعله للأصل وإطلاق بعض الأخبار (٦) وقول الصادق عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن عبد الخالق (٧) المروي عن الحميري في قرب الاسناد « فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٥.

٣٤٣

ثم تصلي ركعتين قبل الغداة ، ثم تصلي الغداة » وخبر ابن بكير (١) « فإذا مضى عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت » وهي للتراخي ، ولإباحة دخول المسجد والطواف قبل الصلاة ، ولأن سائر الغايات كالطواف وقراءة العزائم والوطء على القول بتوقفه على الغسل يجوز فيها الفصل ، ولأن أكثر الغايات مما لا تجتمع في وقت واحد ، فإذا اغتسلت لها وللصلاة فلا بد من تحقق الفصل في البعض ، والقول بتعدد الغسل وإفراد كل عبادة بغسل خلاف الإجماع كما قيل.

وفيه ان الأولين لا يعارضان ما ذكرنا ، وكذا الثالث ، إذ هو مع الغض عن سنده لا دلالة فيه على أزيد من جواز الفصل بركعتي النافلة ، وقد نلتزمه إما في سائر النوافل لكونها من توابع الصلاة ومقدماتها ، وقد صرح جمع من الأصحاب بعدم القدح في الفصل بشي‌ء من مقدمات الصلاة كالستر والاجتهاد في القبلة والأذان والإقامة ، بل في الدروس وانتظار الجماعة ، نعم قد يظهر من الخلاف منع ما عدا الأذان والإقامة من مقدماتها ، أو في خصوص المقام لمكان قلّتها ، وفحوى ما تسمعه من جواز تقديم الغسل في خصوص الغداة لصلاة الليل ، وكذا الرابع ـ مع إضماره بل في المنتهى وضعفه ـ قد يراد به نفس الترتيب من غير ملاحظة التراخي ، ولعله المنساق هنا ، ويظهر لك الحال فيما يأتي ان شاء الله عند البحث في ان المستحاضة متى فعلت ما أوجب عليها من الأغسال والوضوء للصلاة كانت بحكم الطاهر ، فتستبيح حينئذ غيرها من الغايات من غير تجديد غسل مثلا ، وتعرف حينئذ منع ما ينبغي ان يمنع مما ادعى هنا من الخامس وما بعده وما لا ينبغي منعه ، مع عدم منافاته لما نحن فيه ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٣٤٤

فظهر من ذلك أن الأقوى الأول ، ومنه تعرف عدم جواز تقديم الأغسال على الوقت مع استمرار الدم ، إلا ان يدخل عند الفراغ ، فان الظاهر حينئذ ما عن نهاية الأحكام من الاجزاء ، لكن ينبغي ان يستثنى من ذلك التقديم لصلاة الليل كما ذكره جماعة من الأصحاب ، ونسبه في كشف اللثام الى الصدوقين والسيد والشيخين والأكثر ، بل في الذخيرة أني لا أعلم فيه خلافا ، ونسبه غيره إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، لكن قد استشكله بعض متأخري المتأخرين بعدم الدليل عليه ، وربما استدل له بإطلاق ما دل على الجمع بين كل صلاتين بغسل ، وهو كما ترى. نعم قد يستند له بما في الفقه الرضوي (١) لكنه مع اختصاصه بالمتوسطة يشكل الاعتماد عليه لعدم ثبوت حجيته ، إلا أنه قد عرفت كون الحكم مسلما عندهم ، بل لعله يدخل تحت معقد إجماع الخلاف ، فإنه لما ذكر أحكام المستحاضة التي من أقسامها الكبرى قال : « انها تجمع بين صلاة الظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، والفجر وصلاة الليل بغسل ، قال : وتؤخر صلاة الليل الى قرب الفجر وتصلي الفجر بها ـ الى ان قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » انتهى. ومما ذكره أخيرا يعلم انها ليس لها ان تقدمه زائدا على الغرض من صلاة الليل ، ويؤيده الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن ، لكن ذكر في الروض انها لو زادت على ذلك فهل يجب إعادته؟ يحتمل ، لما مر في الجمع بين الصلاتين ، وعدمه للإذن في التقديم ، وفيه انه لم نجد إطلاقا في ذلك حتى يستند اليه سوى الفقه الرضوي ، مع انه ليس فيه إلا ( انها تغتسل لصلاة الليل والغداة بغسل ) ولعل المنساق منه ما سمعته من الخلاف.

ثم ان الظاهر قصر جواز التقديم المذكور على الغاية المتقدمة أعني صلاة الليل ، فليس لها حينئذ ان تقدمه بدون ذلك ، بل لو فعلته بهذه النية إلا أنه عرض لها ما منعها‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

٣٤٥

من فعلها مثلا لم تكتف به واحتاجت إلى إعادته على إشكال فيه ، بل وفي سابقه أيضا إذ يمكن ان يقال : ان هذا الحكم مما يكشف عن جواز تقديم الغسل بهذا المقدار من الزمان ، وإلا فلا وجه للحكم بكونها محدثة ان لم تصل ، وليست بمحدثة ان صلت فتأمل.

هذا كله بالنسبة إلى الغسل ، أما ما أوجب منها الوضوء كالاستحاضة القليلة بل والوسطى بالنسبة إلى الظهرين والعشاءين فالأقوى أنه كالغسل ، فمتى توضأت في أول الوقت ثم صلت في آخره مثلا لم يصح ، كما صرح به في المبسوط والخلاف والسرائر والجامع والبيان وغيرها ، وعن الوسيلة والإصباح ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا من العلامة في المختلف ، وتبعه العلامة الطباطبائي في مصابيحه مدعيا فيها انه ظاهر الأكثر حيث لم ينصوا على وجوب المعاقبة بين الطهارة وغاياتها المتعددة ، مع اكتفائهم بالطهارة الواحدة في الجميع ، ويرشد إلى الأول ـ مضافا الى الاحتياط اللازم مراعاته في خصوص المقام في وجه تحصيلا للبراءة اليقينية ، وإلى عدم ظهور الفرق بينه وبين الغسل في ذلك ، وقد تقدم ما يدل عليه هناك ، والى عدم ثبوت العفو عن هذا الدم في الزائد على هذا المقدار ، والى احتمال وجوب تخفيف الحدث بالنسبة إلى الصلاة كالخبث ، والى دعوى انه المنساق الى الذهن من الأمر بالوضوء لكل صلاة ، سيما ما كان منها مقرونا بالباء ، كقوله عليه‌السلام (١) : « تصلي كل صلاة بوضوء » فتأمل ـ إيجاب تجديد الوضوء لكل صلاة ، إذ لو لم تقدح الفاصلة لم تجب إعادته ، والتزام صيرورة استمراره حدثا بمجرد فعل الصلاة لا مع عدمها كما ترى ، وقوله عليه‌السلام في خبر الصحاف (٢) : « فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة » بناء على تعليق الظرف بالأول ، ولم نجد غيرها من الأخبار قد اشتملت على لفظ عند ، لكن في السرائر بعد ان ذكر وجوب المعاقبة قال : لأن‌ قولهم عليهم‌السلام : ( يجب الوضوء عند كل صلاة ) يقتضي المقارنة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٧.

٣٤٦

لأن ( عندا ) في لسان العرب لا تصغر فهي للمقارنة كما ان قبيلا وبعيدا للمقارنة فكذلك ( عند ). لأنها مع ترك التصغير بمنزلة بعيد وقبيل في التصغير ، ولعله عثر على ما لم نعثر عليه من الأخبار ، فلا وجه للإنكار عليه بعدم الوجدان كما وقع من بعضهم ، ويؤيده زيادة على ذلك ما عساه يظهر من الخلاف من دعوى الإجماع عليه ، حيث قال : « المستحاضة ومن به سلس البول يجب عليه تجديد الوضوء عند كل صلاة ، ثم ذكر أحكام المستحاضة ـ الى ان قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » قلت : وقد يعين ان مراده دخول ذلك تحت الإجماع قوله حيث تعرض لخصوص ما نحن فيه من المسألة ، ثم قال : « دليلنا ما قدمناه من انه يجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة ، وذلك يقتضي أن تعقبه الصلاة » انتهى. فان استدلاله بما تقدم من العبارة الأولى كالصريح في كونها مدلولة للإجماع والأخبار ، فتأمل.

وبذلك كله يظهر لك الحال فيما عساه يستند به للثاني من الأصل ، والعمومات وورود الأخبار بالوضوء للصلاة أو عند وقتها ، وخبر ابن بكير المتقدم (١) « فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثم صلت » و ( ثم ) للتراخي ، وفي المصابيح « انه قد تقرر في محله ما يدل عليه في الجمع بين الفريضة والنافلة بوضوء واحد ، وكذا ما دل على جواز الطواف وصلاته بوضوء واحد » انتهى. لعدم صلاحية الأولين لمعارضة ما ذكرنا كالثالث ان لم ندع ان المنساق منها ما قلناه ، وتقدم الكلام في الرابع ، وفي المنتهى بعد ذكره هذا الخبر على جواز الفصل قال : إلا ان الرواية ضعيفة السند ، وابن بكير لم يسندها الى إمام (ع) فنحن في هذا من المتوقفين ، ونحوه عن المعتبر ، وفيه انه ليس المانع من العمل بها ذلك انما هو ظهورها في إرادة الترتيب خاصة من غير تعرض لغيره كما ذكرنا ، وإلا فغيرها من الروايات مثلها موجود ، كقول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٣٤٧

في خبر يونس (١) في النفساء : « وان رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل » فتأمل جيدا. وستعرف فيما يأتي حال ما ذكره في المصابيح ، على انه لا يستفاد منه مطلق جواز الفصل.

ثم انه قد صرح جماعة من الأصحاب بأنه لا يقدح الاشتغال ببعض مقدمات الصلاة كالستر والاجتهاد في تعرف القبلة ، وهو حسن ما لم يستلزم طول زمان ، لكن ظاهر كلام الخلاف منعه ، ويظهر من الشهيد في الذكرى انه لا إشكال في جواز الفصل بالأذان والإقامة ، وهو كذلك ، وأما انتظار الجماعة فقد استثناها أيضا بعض الأصحاب ، وهو لا يخلو من نظر ، والأولى عدم الفصل بما يعتد به عرفا وينافي المقارنة العرفية مطلقا حتى فيما يتعلق بالصلاة عدا ما يكون التلبس بها تلبسا في الصلاة كالأذان والإقامة ونحوهما ، ثم ليعلم ان ما ذكرناه هنا والمسألة السابقة من عدم جواز الفصل انما هو مع استمرار الدم لا مع انقطاعه قبل الوضوء ولو لغير برء ، فلو توضأت ولم تصل ومع ذلك لم يخرج شي‌ء من الدم فلا إشكال في صحة صلاتها بذلك الوضوء ، ولعل إطلاق بعض كلمات الأصحاب مما ينافي ذلك منزل عليه أو على بعض الوجوه التي لا تنافيه ، فتأمل جيدا.

و ( منها ) انه يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم‌ بحسب الإمكان كما إذا لم تتضرر بحسبه بحشو الفرج بقطن أو غيره بعد غسله ، فان انحبس وإلا فبالتلجم والاستثفار بأن تشد وسطها بتكة مثلا وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل أحدهما قدامها والآخر خلفها وتشدهما بالتكة ، كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين ، بل لم أجد فيه خلافا ، بل لعله تقضي به بعض الإجماعات السابقة في تغيير الخرقة ونحوها ، ويدل عليه ـ مضافا الى ما دل (٢) على اشتراط طهارة ظاهر البدن في الصلاة ووجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب النجاسات.

٣٤٨

تقليل النجاسة في أقوى الوجهين ـ المعتبرة المستفيضة (١) حد الاستفاضة ، وقد تقدم أكثرها في مطاوي الباب ، وعن بعضهم تعليله زيادة على ذلك بحدثية هذا الدم ، فيجب عليها الاستظهار في منعه ، وقضيته بطلان الطهارة بخروجه إذا كان لتقصير في الشد كما صرح به في الذكرى ، قال : « ولو خرج دم الاستحاضة بعد الطهارة أعيدت بعد الغسل والاستظهار ان كان لتقصير فيه ، وان كان لغلبة الدم فلا للحرج » انتهى. وفي استفادة ذلك من الأدلة نظر ، بل مقتضاها العفو عن حدثيته بعد الطهارة نعم يستفاد منها شرطيته بالنسبة للصلاة خاصة ، فلعل الأقوى حينئذ عدمه ، كما ان الأقوى أيضا عدم إيجاب كون الاستظهار قبل الوضوء في القليلة والمتوسطة بالنسبة الى غير الغداة ، وان ذكره بعضهم قائلا انه قضية الأخبار.

نعم قد يستفاد من صحيح الصحاف (٢) وخبر عبد الرحمن (٣) المروي عن حج التهذيب كونه بعد الغسل ، لعطفه عليه بثم ، ومع ذلك فإيجابه فيه أيضا محل نظر لأولوية فعله في أثناء الغسل عليه بعده ، ولانصراف الذهن الى عدم إرادة الإيجاب من ذلك ، بل هو لغلبة حصول مشقة الفعل في الأثناء ، وللعطف في كثير (٤) من الأخبار بالواو وان قدم فيها ذكر الغسل عليه مرتبا بثم على غيره ، ولعله وقع الوهم من بعض حتى قال : ان قضية الأخبار وكلام الأخيار كون الاستظهار بعد الغسل ، وعلله مع ذلك بعدم إمكان الغسل مسبوقا بالاستظهار ، وفيه منع واضح كمنع ما وقع في الذكرى أيضا ناسبا له الى قطع الفاضل من وجوب هذا الاستظهار تمام النهار على الصائمة ، نظرا إلى إشعار توقف صحته على الغسل بتأثره بالدم ، إذ لا دليل عليه ، بل قد تشعر الأدلة بخلافه ، نعم هو واجب الى تمام الصلاة ، فمتى ظهر الدم في الأثناء لتقصير في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١ و ٣ و ٥.

٣٤٩

الشد اتجه البطلان ، أما إذا كان لغلبة الدم فهو ان لم يكن لانتقال الاستحاضة إلى أعلى منه فلا بأس به على الأظهر ، وأما إذا كان له كحدوث الوسطى مثلا على الصغرى أو الكبرى عليها أو على الوسطى اتجه إعادة الطهارة والصلاة حتى إذا اتفقا في الأثر ، لكونها حدثا آخر لا يجزئ عنه الأول ، فيجب حينئذ الغسل بمجرد حدوث الكثيرة مثلا في أثناء الصلاة أو قبلها وان كان قد اغتسلت للوسطى سابقا ، وكذا الوضوء بالنسبة إلى عروض الوسطى على القليلة بالنسبة إلى صلاة الظهر مثلا ، وربما احتمل الاجتزاء مع اتفاق الأثر غسلا أو وضوءا لعدم وجوب نية كون الغسل مثلا منه ، وهو ضعيف ، فتأمل جيدا.

ثم انه نص جماعة هنا منهم الشيخ والعلامة والشهيد على وجوب الاستظهار أيضا في المبطون والمسلوس للنص (١) في الثاني وفحواه وبعض ما تقدم سابقا في الأول ، ونحو المسلوس بولا ما يقطر منه الدم للنص (٢) أيضا لكن صرح جماعة بالفرق بينهما وبين الاستحاضة في وجوب تغيير الشداد فيها دونهما ، معللين ذلك بالنص فيها ، والتعدي قياس ، وتقدم سابقا ما يرشد إليه في تغيير الخرقة ، لكن ينبغي تقييده بما إذا تنجس كما عرفت فيما مضى ، والأحوط التغيير أيضا فيهما كالمستحاضة ، كما ان الأولى أيضا حشو الإحليل بقطن مع إمكانه ، ثم ان الأقوى في النظر عدم وجوب خصوص الاستثفار مع إمكان التوقي بغيره مما يساويه في المنع ، لإطلاق الأمر بالاستيثاق في بعض المعتبرة (٣) وانصراف الذهن من الأمر بالتلجم والاستثفار إلى إرادة منع خروج الدم ، كما ان الأقوى أيضا عدم وجوب الاستذفار بالذال المعجمة ان فسر بغير الاستثفار ، بل ينبغي القطع به ، فلعل ما في‌ رواية الحلبي (٤) من ( انها تستذفر بثوب )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٢.

٣٥٠

يراد بها الاستثفار أو يحمل على الاستحباب ، لكن في آخرها « ان الاستذفار ان تتطيب وتستجمر بالدخنة وغير ذلك ، والاستثفار ان تجعل مثل ثفر الدابة » وظاهره ان ذلك من الامام عليه‌السلام. لكن يحتمل قويا ان ذلك من الكليني كما احتمله في الوافي ، وقال فيه أيضا : « وربما يقال باتحاد معنييهما ، وانه قلب الثناء ذالا » انتهى. والأمر سهل بعد إمكان القطع بعدم وجوبه من خلو الفتاوى وأكثر النصوص عنه ، اللهم إلا ان يتوقف عليه التوقي من خروج الدم ، كما ان الظاهر أيضا عدم وجوب التحشي المفسر بربط خرقة محشوة بالقطن ، يقال لها المحشي على عجيزتها ، للأصل وخلو الفتاوى والنصوص عنه عدا‌ خبر ابن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « من انها تغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر وتحني وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج » إلا ان يتوقف عليه أيضا التوقي كما تقدم ، وعن بعض النسخ تحتبي بالتاء المثناة من فوق ، والباء الموحدة من الاحتباء ، وهو جمع الساقين والفخذين الى الظهر بعمامة ونحوها ، ليكون ذلك موجبا لزيادة تحفظها من تعدي الدم ، وعن بعض النسخ ولا تحني بزيادة لا وبالنون وحذف حرف المضارعة أي لا تختضب بالحناء ، وأرسل عن العلامة انها بالياءين التحتانيتين ، أولهما مشددة أي لا تصلي تحية المسجد ، فهي مع هذا الاضطراب وخلو غيرها من النصوص ككلام الأصحاب غير صالحة للحكم من جهتها بالإيجاب إلا مع التقييد المذكور ، والأولى حملها على الاستحباب كضم الفخذين ، فليتأمل.

و ( منها ) ان المستحاضة إذا فعلت جميع ذلك مما تقدم من الواجبات عليها بحسب حالها من قلة الدم وكثرته كانت بحكم الطاهرة لها ما لها وعليها ما عليها من غير خلاف أجده سوى ما ستسمعه من ابن حمزة وعن الشيخ خاصة بالنسبة إلى دخول الكعبة ، بل حكى عليه الإجماع جماعة ، والذي يظهر بعد إمعان النظر في عبارة المصنف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

٣٥١

وما ماثلها من عبارات الأصحاب المحكي عليها الإجماع من بعضهم ، وفيما تقتضيه الضوابط الشرعية في الباب وغيرها ان المراد ان المستحاضة مطلقا صغرى كانت أو غيرها إذا فعلت ما يجب عليها كانت بحكم الطاهر مما كانت متلبسة به من حدث الاستحاضة ، وارتفع به ما ثبت مانعيته منه على حسب حاله من القلة والكثرة ، فلا دلالة في هذه العبارة ونحوها على انها مع الإخلال بشي‌ء من أفعالها ولو كانت صغرى مثلا تكون بحكم الحائض مثلا ، أو انه يتوقف جواز وطئها على فعل الوضوء حيث تكون كذلك ، أو ان المراد بحسب الظاهر أنها مع فعلها لما وجب عليها حتى تغيير الخرقة والقطنة تكون بحكم الطاهر من كل وجه مثل التي لم تتلبس بشي‌ء من هذا الدم ، ومع الإخلال بشي‌ء من ذلك لا تكون كذلك وان جاز لها مس كتابة القرآن وقراءة العزائم مثلا بدون التغيير المذكور ، لعدم الدليل على اشتراط غير الصلاة به ، فيكون المراد رفع الإيجاب الكلي الذي يكفي في صدقه حينئذ عدم صحة الصلاة مثلا ، أو ان المراد كونها بحكم الطاهر بالنسبة إلى الصلاة التي وجبت هذه الأفعال لها على معنى انه لا يقدح استمرار الدم فيها ، وحينئذ فالمفهوم بطلان الصلاة ان أخلت بشي‌ء من ذلك من دون تعرض لغيره ، وهذا هو المناسب كما حكي من الإجماع ونفي الخلاف ، ضرورة كونه بهذا المعنى مفروغا منه منطوقا ومفهوما ، بل لعله متيقن في عبارة المصنف والقواعد وما شابههما ، للنص فيه على الصلاة الدال على إرادته في المنطوق.

هذا كله ان لم نقل ان المراد بالشرطية في عبارات الأصحاب انما هو منطوقها خاصة ، لكونه معقد إجماع وأمر متيقن بالنسبة إلى صيرورتها كالطاهر من غير نظر الى المفهوم ، وهو كثيرا ما يستعمل في عبارات الفقهاء ، إلا ان عبارات الأصحاب في المقام لا تخلو عن إجمال ، لكنها لا تأبى الانطباق على بعض ما ذكرنا ، فجماعة عبروا‌

٣٥٢

بنحو عبارة المصنف ، وفي المدارك في شرحها ان المشار اليه بذلك فيها جميع ما تقدم من الغسل والوضوء وتغيير القطنة والخرقة بحسب اختلاف حال الدم ، والمراد من كونها بحكم الطاهر ان جميع ما يصح من الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة يصح منها ، فتصح صلاتها وصومها ودخولها المساجد مطلقا ويأتيها زوجها ان شاء ، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، ثم ذكر الاختلاف في جواز وطئها قبل ذلك ، وأشار إليه بالنسبة إلى دخول المساجد ، وفي الغنية ولا يحرم على المستحاضة ولا منها شي‌ء مما يحرم على الحائض ومنها ، بل حكمها حكم الطاهر إذا فعلت ما ذكرناه ، بدليل الإجماع المشار اليه ، وفي المعتبر « إذا فعلت ذلك صارت طاهرا ، مذهب علمائنا أجمع إن الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده ، فمع الإتيان بما ذكره من الوضوء إن كان قليلا والأغسال ان كان كثيرا يخرج عن حكم الحدث لا محالة ، ويجوز لها استباحة كل ما تستبيحه الطاهر من الصلاة والطواف ودخول المساجد وحل وطئها ، وان لم تفعل ذلك كان حدثها باقيا ولم يجز ان تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة » ونحوه عبارة المنتهى ، وفي التذكرة « إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال والوضوءات والتغيير للقطنة والخرقة صارت بحكم الطاهر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع » الى غير ذلك من عبارات الأصحاب التي يقرب بعضها من بعض ، والوجه فيها جميعا بحسب الظاهر ما تقدم ، وإلا فقد يسبق الى بعض الأذهان من ملاحظة بعضها ان المستحاضة ولو كانت صغرى لا يجوز لها دخول المساجد مثلا ولا الصوم ولا قراءة العزائم متى أخلت ببعض ما وجب عليها ولو تغيير قطنة مثلا ، نظرا الى مفهوم الشرط في بعضها انها متى أخلت بشي‌ء من ذلك كانت كالحائض ، وهو مما لا ينبغي الالتفات اليه كما يرشد إليه زيادة على خلو الأدلة عن الإشارة إلى شي‌ء من ذلك مع الأصول حصرهم غايات الوضوء في غير ذلك من دون إشارة أحد منهم إلى شي‌ء من هذه الأمور ، سيما مع نص بعضهم عليها بالنسبة إلى أغسال المستحاضة‌

٣٥٣

الى غير ذلك من القرائن الكثيرة التي تدل على ما ذكرنا ، اللهم إلا ان يقال : انما لم يذكر ذلك في الغايات لكونه في الحقيقة ليس غاية ، إذ هو أمر تابع للمحافظة على أفعال الصلاة ، وإلا فلا تشرع هذه الأفعال ابتداء لغيرها ، فتأمل وانظر فإنك ستسمع له مزيد تحقيق.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في صيرورتها بحكم الطاهر مع إتيانها بالأفعال ، فيصح لها ما يصح لها وعليها ما عليها بلا خلاف أجده من أحد سوى من ابن حمزة في الوسيلة ، وربما نقل عن الشيخ حيث حرم عليها دخول الكعبة وان جاءت بالأفعال ، ولعله لما في‌ مرسل يونس (١) عن الصادق عليه‌السلام « المستحاضة تطوف بالبيت وتصلي ولا تدخل الكعبة » وهو مع مخالفته لما سمعت من الإجماعات المتقدمة والأصول الشرعية قاصر عن إثبات ذلك ، لمكان إرساله وعدم الجابر ، فلذا كان المتجه حمله على الكراهة وفاقا لابني إدريس وسعيد وغيرهما ، لشدة الاعتناء في التحفظ عليها من التلوث أو غير ذلك ، كما انه لا ينبغي الإشكال في عدم جواز وقوع ما كان مشروطا بالطهارة منها مع إخلالها بما تحصل به صغرى كانت أو غيرها كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ونحوها ، إنما الإشكال في توقف بعض الأمور على ذلك ، للإشكال في مانعية حدث الاستحاضة منه حتى يتوقف على رفعه لها ، ( منها ) اللبث في المساجد والجواز في المسجدين ، فالمشهور بين الأصحاب كما في موضع من المصابيح توقف جواز دخوله على الغسل ، وفي آخر قد تحقق ان مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد وقراءة العزائم على المستحاضة قبل الغسل الى ان نقل بعض الأقوال المنافية لذلك منها جواز دخولها ذلك من دون توقف كقراءة العزائم أيضا ، ثم قال : ولا ريب في شذوذ هذه الأقوال ، وحكى هو عن حواشي التحرير انه قال : وأما حدث الاستحاضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب الطواف ـ حديث ٢ من كتاب الحج.

٣٥٤

الموجب للغسل فظاهر الأصحاب انه كالحيض ، وعن شارع النجاة الإجماع على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر مطلقا عدا المس ، ثم قال : وظاهرهما الإجماع على وجوب غسل الاستحاضة لدخول المساجد وقراءة العزائم ، ويستفاد ذلك أيضا من الغنية والمعتبر والتذكرة فيما تقدم من عباراتهم ، انتهى.

قلت : ويؤيده أيضا إطلاق جملة من الأصحاب كالمصنف والعلامة وغيرهما وجوب الغسل للغايات الخمس في مبحث الغايات من غير فرق بين الأسباب الموجبة له ، كما عن آخرين أيضا حيث استثنوا مس الميت خاصة ، ومع ذلك كله فقد اختار في الرياض جواز الدخول لها بدون الأفعال تبعا للمدارك والذخيرة وشرح المفاتيح لشيخنا الأعظم ومجمع البرهان وعن روض الجنان ناسبا له في الأخير إلى الدروس انه أطلق الجواز ، وربما استدل بخبر زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهل بالحج ، فلما قدموا ونسكوا المناسك سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الطواف بالبيت والصلاة ، فقال لها : منذ كم ولدت؟ فقال : منذ ثماني عشرة ، فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان تغتسل وتطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك » ولكنه كما ترى لا دلالة فيها على ذلك ، نعم هي دالة على جواز إدخال النجاسة المسجد إذا لم تتعد ، فالعمدة حينئذ الأصل مع عدم دليل معتد به مخرج عنه ، وما سمعته من النسبة إلى الأصحاب انها مع عدم الغسل كالحائض قد يناقش فيه بأنه مع ابتنائه على المفهوم الذي قد تقدم الكلام فيه ان جملة من العبارات كعبارة المصنف لا دليل فيها سوى أنها ان لم تفعل لم تكن بحكم الطاهر ، والأخرى لا صراحة فيها ، بل ولا ظهور في أنها مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ١٩.

٣٥٥

عدم الأفعال يحرم عليها سائر ما يحرم على الحائض.

ومن العجيب نسبة العلامة الطباطبائي استفادة الإجماع على ذلك مما سمعته من عبارة الغنية والمعتبر والتذكرة ، على ان اعتبار مثل هذا المفهوم يقضي بعدم الاقتصار على حدث الاستحاضة الموجب للغسل خاصة ، لشمول المفهوم لحدث الاستحاضة الموجب للوضوء أيضا خاصة ، ولم أعرف أحدا قال بوجوبه بالنسبة إلى دخول المساجد وقراءة العزائم ونحو ذلك ، وكيف كان فلا ريب في ضعف الظن الحاصل من النسبة المذكورة كالذي نقله عن حواشي التحرير بعد ان علم ان مأخذها من نحو هذه العبارات ، بل وكذا ما حكاه عن شارع النجاة مع إمكان إرادة غير غسل الاستحاضة ، نعم لا تخلو بعض عبارات الأصحاب من نوع إشعار به إلا انه بحيث يكون مدركا شرعيا يقطع به الأصل الشرعي لا يخلو من إشكال سيما ممن لم يقل بحجية كل ظن حصل للمجتهد ، ولكن الاحتياط لا ينبغي ان يترك ، ومن ذلك يظهر لك الحال في قراءة العزائم ونحوها ، فتأمل جيدا.

و ( منها ) جواز الوطء‌ وفي توقفه على أفعالها مطلقا قليلة كانت أو كثيرة أغسالا كانت أو غيرها ، أو على الغسل خاصة ، أو مع تجديد الوضوء ، وعدمه فلا يتوقف على شي‌ء من ذلك؟ أقوال ، نسب أولها في الرياض إلى الشهرة العظيمة بعد ان اختاره ، وحكاه في كشف اللثام عن ظاهر الاقتصاد والمقنعة والجمل والعقود والكافي والإصباح والسرائر بل ظاهر المعتبر والتذكرة والذكرى نسبته الى ظاهر الأصحاب معللين ذلك بأنهم قالوا يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، كما عساه يظهر أيضا من المنتهى في أحد موضعيه أو نسختيه ، والثاني إلى ظاهر الصدوقين في الرسالة والهداية ، وربما احتمل تنزيل غيره عليه ، لاستبعاد مدخلية غير الغسل من الوضوء وغيره في حلية الوطء ، والثالث الى الشيخ في المبسوط ، والرابع إلى جماعة‌

٣٥٦

من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد وغيرهم ، ولعله الأقوى لكن على كراهة مع ترك الأغسال كما صرح بها بعضهم ، أما الجواز فللأصل وإطلاق ما دل على إباحة وطء النساء وخصوصا بعد نقائهن من الحيض قبل الغسل منه أو بعده من الكتاب (١) والسنة (٢) وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (٣) : « وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها » وصحيح ابن سنان (٤) « ولا بأس ان يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام حيضها » قيل ومثلها موثقته (٥) وقول أبي الحسن (ع) في صحيح صفوان (٦) : « لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل ، ويأتيها زوجها إن أراد » ونحوها غيرها (٧).

وقد يقال : إن المراد من هذه الأخبار انما هو بعد فعلها الأفعال كما عساه يشعر به تقديم ذكر ذلك على ذكر إباحة الوطء فيها ، ولما سمعته من دعوى الشهرة العظيمة حتى نسب إلى الأصحاب من جهتها ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن (٨) حيث سأله « عن المستحاضة أيطأها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ : تقعد قرئها التي كانت تحيض فيه ، فان كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به ، وان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل وتستدخل كرسفا ـ الى ان قال بعد ذكره عمل المستحاضة ـ : وكل شي‌ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ، ولتطف بالبيت » وقول أحدهما عليهما‌السلام في خبر زرارة وفضيل (٩) : « المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها ، وتحتاط‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٢.

٣٥٧

بيوم أو يومين ـ ثم قال بعد ان ذكر عمل المستحاضة ـ : فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها » وقول الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) المروي في المعتبر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب « في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها » الى ان قال بعد ذكر أيام الاستظهار : « فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل ، ويأتيها زوجها إذا أحب وحلت لها الصلاة » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن عبد الخالق (٢) المروي عن قرب الاسناد ، وفيه قلت : « يواقعها زوجها ، قال : إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها إن أراد » والمضمر في موثق سماعة (٣) « وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل » وما عن‌ الفقه الرضوي (٤) حيث قال بعد ذكر المستحاضة : « والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد ان تغتسل وتتنظف ، لأن غسلها يقوم مقام الغسل للحائض » وقول الباقر عليه‌السلام في خبر مالك بن أعين (٥) عن النفساء : « ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد ان يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أحب » وخبره الآخر (٦) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال : تنظر الأيام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر ، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام ، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أراد ».

وما فيها من القصور في السند أو الدلالة مجبور بما سمعت من دعوى الشهرة المتقدمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٦.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

٣٥٨

لكن قد يناقش في ذلك كله بمنع ظهور التقييد المزبور فيما ذكرنا من الأخبار ، إذ قوله عليه‌السلام : ( ويأتيها زوجها ) فيها هي إما جملة مستأنفة لبيان حكم المستحاضة أو معطوفة على الجملة السابقة ، وهي على كلا التقديرين ظاهرة فيما قلنا ، والواو ليست للترتيب على الأصح ، وخبر عبد الرحمن مع الطعن في سنده لا دلالة فيه على الاشتراط المذكور إلا بالمفهوم الضعيف في نفسه فضلا عن المقام ، كما هو واضح ، مع احتمال إرادة تعليق الإباحة السالمة عن الكراهة أو غير ذلك ، وكذا خبر زرارة الذي بعده ، مع انه قد يقال فيه زيادة على ذلك بأن المراد إذا حلت لها الصلاة أي صارت مستحاضة بعد ان كانت حائضا ، لصدق حلية الصلاة عليها حينئذ لسبب ارتفاع مانع الحيض ، وان لم تكن متطهرة فعلا كالمرأة المحدثة بالأصغر مثلا ، بل لعله الظاهر منها ، فتكون للمختار حينئذ لا عليه ، كصحيح ابن مسلم الذي بعده ، بأن يجعل قوله عليه‌السلام : ( ويأتيها زوجها ) فيه بيان حكم المستحاضة في نفسه ، وهو قريب جدا ، مع إمكان تأيده أيضا بأنه لو أريد منه حلية الصلاة فعلا لكان لا يجوز ان توطأ المستحاضة مع فعلها الأفعال وصلّت بها ثم انه دخل وقت الصلاة الثانية ، وذلك لعدم حلية الصلاة لها فعلا ، لوجوب تجديد الأفعال لها ، وهو مناف لقولهم : إنها إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر ، ودعوى تقييد ذلك بما لم يدخل وقت الثانية مثلا لا وجه لها ولا شاهد عليها ، إذ أقصى ما يستفاد من كلمات الأصحاب انها متى أخلت بالأفعال لم تكن بحكم الطاهر ، وهذا غير صادق عليها في هذا الحال ، إذ الفرض اتساع الوقت ، فلا يقدح عدم مبادرتها لذلك ، ولا تكون بمجرد ذلك بحكم الحائض ، فلا ينتقض حكم طهارتها الأولى حينئذ بالنسبة للوطء ونحوه إلا إذا خرج الوقت ولم تفعل ما وجب عليها ، فتأمل. فلعل الأظهر حينئذ ان تكون الرواية لنا لا علينا ، مع انه لا دلالة فيها على توقف إباحة الوطء على غير الغسل.

٣٥٩

ونحوه خبر إسماعيل بن عبد الخالق مع الطعن في سنده ، والتعليق على ما لا يقول به الخصم من طول الزمان ، بل كان حمله على الاستحباب لازم حتى منه ، وذلك لظهوره في كون المراد غسلا ووضوءا للوطء ، فلا يكتفى بما عملته سابقا ، وهو مجمع على بطلانه بحسب الظاهر ، وحمله على إخلالها بأفعال المستحاضة بعيد ان لم يكن ممنوعا. ومثلها موثقة سماعة ، إذ قوله : ( فحين تغتسل ) لا دلالة فيه على المنع بدون ذلك ، لاحتمال كون المراد الجواز الذي لا كراهة فيه ، أو غير ذلك ، والرضوي كاد يكون تعليله كالصريح في المختار ، لما عرفت سابقا من جواز وطء الحائض قبل الغسل ، ومنه ينقدح زيادة تأييد لما قلنا ، إذ من المعلوم ان حدث الحيض أعظم من الاستحاضة سيما الصغرى ، ومع ذلك لم يمنع من جواز الوطء فالاستحاضة أولى ، واحتمال إبداء الفرق بانقطاع الدم فيها دونها ضعيف ، لأن الغسل والوضوء لا يزيل نفس الدم في المستحاضة ، انما يزيل حكمه ، وهو الحدث الحاصل منه ، فيكون المنع حينئذ مستندا اليه ، فيتم ما ذكرنا ، ومنه يظهر فساد الاستدلال أيضا بكون دم الاستحاضة أذى ، فيمتنع الوطء معه ، إذ الأفعال لا ترفع الدم انما ترفع حكمه.

وقد أجاد في الذكرى فقال : وما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطء الحائض قبل الغسل ، وخبر مالك مع أنه بالجملة الخبرية ظاهر في كون الغسل عن حدث الحيض ، فيتجه حينئذ حمله على الاستحباب ، لما تقدم في محله كخبره الآخر ، ولا دلالة فيه على كون الغسل غسل الاستحاضة ، الى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي تقدح في الدلالة فيها بالنسبة الى ذلك ، وكأن المستدل بها لاحظ في استدلاله إشعارا ما ينقدح عند تلاوتها ، بل هو في كثير منها مبني على كون الواو للترتيب ونحوه من الأمور المعلومة الفساد من غير نظر الى ما يقتضيه التأمل فيها ، وإلا فبعده يظهر عدم دلالتها على ذلك ،

٣٦٠