جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مع فرض المعارضة ، لكن هل تتحيض بالنسبة إلى العدد بالروايات بادئ بدء أو انه بعد فقد عادة النساء؟ لا يبعد الثاني ، وهل تتخير في الروايات أو تقتصر على رواية السبع؟ إشكال ، بل لعل أصل رجوعها الى الروايات لا يخلو من إشكال ، لعدم ظهورها في شمولها ، فينبغي فيها حينئذ ملاحظة القواعد ، ولعلها تقتضي التحيض بالعشر هنا لقاعدة الإمكان وللاستصحاب ، لمكان تيقن حيضيتها بالنسبة إلى أول الوقت وربما تلحق هذه بمن نسيت العدد وحفظت الوقت ، وستسمع الكلام فيها ، هذا كله إذا رأته في الوقت ، أما إذا رأته خارج الوقت فيحتمل قويا رجوعها للمبتدأة في المراتب كلها ، فليتأمل.

وأما إذا كانت العادة عددية خاصة فلا إشكال في تبعيتها عددها ، لتناول أخبار ذات العادة لها ، وهل تلتزم وضعه في الجامع للتمييز مع موافقته لتمام العدد ، بل ومع عدمها فتكمل من غيره مع النقصان ، أو تنقص مع الزيادة وان لم يتجاوز العشر بناء على ترجيح العادة عليه في مثل ذلك أيضا كما تقدم ، أو لا؟ لا يبعد الأول للجمع بين الأدلة ، ولعله الظاهر من رواية إسحاق بن جرير (١) الواردة في التمييز ، كما انه لا يبعد وضعه في أول الدم مع عدم التمييز على ما تقدم منا سابقا في التحيض بعدد الروايات.

وأما المضطربة فهي التي ذكرها المصنف هنا ، وقد عرفت ما في إطلاقه الرجوع الى التمييز في جميع صورها ، كإطلاقه التربص ثلاثة أيام ، فقال ولا تترك الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام على الأظهر لعدم تماميته في الضابطة للوقت الناسية للعدد إذ هي تتحيض برؤية الدم فيه قطعا ، نعم هو متجه بالنسبة لناسيتهما معا أو ناسية الوقت خاصة ، بل قد عرفت ان الأقوى مساواتها للمبتدأة في التفصيل بين الجامع للصفات وعدمه ، وربما فرق بعضهم بينهما فاحتاط في المبتدأة بالثلاثة ، وجعل المدار هنا على الظن ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٣٠١

مستدلا برواية‌ إسحاق بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة ترى الصفرة ان كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض » بتقرير ان الحكم بذلك انما هو لمكان الظن من جهة التقدم باليومين ، وفيه ان قوله عليه‌السلام : ( قبل الحيض ) ينافي ما نحن فيه من المضطربة ، نعم هو دال على حكم المعتادة مع التقدم باليومين ، فتأمل.

وكيف كان فان فقدت التمييز فلا رجوع إلى عادة نساء أو أقران لعدم الدليل ، بل هو على العدم موجود ، ولذا قال‌ فهنا مسائل ثلاث : ( الأولى ) لو ذكرت العدد تاما ونسيت الوقت فلم تذكر شيئا منه وكان العدد المذكور ضالا في جملة عدد لا يزيد ذلك المذكور على نصف ما وقع الضلال فيه ، بل هو إما يساويه أو يقصر عنه كالخمسة أو الأربعة في ضمن العشرة قيل كما في المبسوط والإرشاد والحدائق بالاحتياط ، وهو بأن تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، وتقضي بعد ذلك صوم عادتها لعدم تشخيصها الحيض في وقت خاص مع أدلة الاحتياط ، وقيل وهو المشهور كما في الحدائق ، ومذهب الأكثر كما في المدارك انها تتخير في وضع عددها في أي وقت شاءت من الشهر ، واختاره في المختلف والقواعد والمسالك وغيرها وفي الذكرى والبيان اشتراط ذلك بعدم الامارة المفيدة للظن بموضع خاص ، وفي الذخيرة انه لو قيل بجلوسها في الشهر الأول من أول الدم مقدار حيضها ثم انها تجري الأحكام في باقي الشهور لم يكن بعيدا من الصواب ، ومن العجيب ما في الخلاف « من ان ناسية الوقت أو العدد تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام ، وتغتسل وتصلي الباقي وتصوم فيما بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢ وهو خبر إسحاق ابن عمار عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام كما تقدم تفصيله في الصحيفة ٢٩٧.

٣٠٢

ولا قضاء عليها ـ الى ان قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة » قلت : لا ينبغي التوقف في رجوعها الى عددها في كل شهر ، لما في التكليف بالاحتياط من العسر والحرج المنفيين بالآية (١) والرواية (٢) بل قد يقطع بعدمه إذا لوحظ خلو الأخبار عنه ، مع اشتمالها على خلاف ذلك في التي هي أسوء حالا منها كالناسية للوقت والعدد على ما صرح به في مرسلة يونس الطويلة ، بل قد يدعى شمول بعض ما فيها كقوله عليه‌السلام (٣) : « تجلس قدر أقرائها وأيامها » ونحو ذلك لمثلها كالأخبار المستفيضة (٤) الآمرة بالجلوس أيام الحيض وقدر الأقراء ، ودعوى كون المراد منها معلومة الوقت ممنوعة ، وان كان ربما يظهر من ملاحظة مرسلة يونس الطويلة ، فإنه لا إشكال عندهم في الحكم لمستقرة العادة عددا فقط ، بل في الرياض دعوى الإجماع عليه ، واحتمال الفرق بينهما بالنسيان فيما نحن فيه وعدم الاستقرار في تلك ضعيف ، مع أنا لو أعرضنا عن ذلك كله كان في اقتضاء القواعد العمل بالاحتياط ـ بأن تكلف أحكام الحائض من ترك اللبث ونحوه سيما الأحكام المتعلقة بالزوج كالوطء ونحوه ـ نظر وتأمل. نعم قد يقال : بوجوب أغسال المستحاضة عليها حينئذ خاصة حتى يمضي الشهر ، فإذا مضى قضت صوم عادتها خاصة ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا ريب ان الأقوى ما ذكرنا ، نعم لا يبعد إيجاب وضع العدد عليها في أول الدم مع عدم التمييز كما قلناه في السابقة وفاقا لكاشف اللثام ، ولعله المنساق من التدبر في الأخبار بعد فرض شمولها لها ، ولاستلزام التخيير لها في ذلك أحكاما‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨١ وسورة الحج ـ الآية ٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١ مع اختلاف في اللفظ.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

٣٠٣

كثيرة لم يدل على شي‌ء منها الأخبار ، بل لعلها تدل على عدم بعضها ، منها نقض ما تحيضت به في نفس العشرة وغيره ، نعم لو جاءها في الأثناء تمييز انكشف فساد حكمها الأول مع احتمال عدمه إذا كان بعد مضي العشرة كما ذكرناه في المبتدأة سابقا ، فليتأمل جيدا فان كلام الأصحاب غير منقح كما أشرنا إلى بعضه فيما تقدم ، هذا كله مع فرض كون العدد المحفوظ ناقصا عن نصف ما وقع الضلال فيه أو مساويا ، أما إذا كان زائدا فهو مثل الأول أيضا بالنسبة إلى الاحتياط وعدمه في كل ما لم يتيقن فيه الحيضية أو عدمها ، نعم يفرق بينهما بأنه لا بد وأن يحصل اليقين بشي‌ء من الحيض ، وهو ما زاد به على النصف وضعفه ولو كسرا دون الأولى ، وهي قاعدة مطردة ، فلو أضلت أربعة أو خمسة في ضمن عشرة فلا يقين ، أما لو أضلت ستة في ضمن عشرة فالخامس والسادس يقين حيض ، أو سبعة في ضمنها فالرابع والخامس والسادس والسابع يقين حيض ، وهكذا من غير فرق بينما كان الزائد يوما أو كسرا ، فلو أضلت خمسة في ضمن تسعة كان الخامس يقين حيض ، ونحو ذلك ما لو قالت حيضي عشرة والثاني عشر حيض بيقين ، فما وقع الضلال فيه حينئذ تسعة عشر يوما من الشهر ، للقطع بطهرية اليومين الأولين والتسعة الأخيرة ، فالعشرة زائدة على النصف بنصف يوم ، فيوم كامل حينئذ حيض ، وهو الثاني عشر.

ومن هنا يعلم مسائل الامتزاج المسماة بالخلط عند العامة ، منها لو قالت حيضي ستة وكنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم فهذه أضلت ستة في العشرة الأواسط فلها يومان يقين حيض ، وهما الخامس عشر والسادس عشر ، والعشرة الأولى طهر بيقين ، ولو قالت لي في كل شهر حيضتان كل واحدة ثمانية فلا بد بينهما من الطهر ، فالمضلة ما عدا ستة أيام من الثالث الى الثامن ، لأنه لا يمكن تأخير الحيض الأول‌

٣٠٤

عن أول اليوم الخامس ، ولا تأخير مبتدأ الحيض الثاني عن الثالث والعشرين ، والمتيقن في الحيضة الأولى من أول الخامس الى آخر الثامن وفي الثانية من الثالث والعشرين الى السادس والعشرين ، والمتيقن من الطهر من أول الثالث عشر الى آخر الثامن عشر ، والضال من الحيض ثمانية من كل واحدة أربعة ، وقد ترجع هذه إلى القاعدة المتقدمة أيضا عند التأمل ، وذلك لأنها تؤول إلى أنها أضلت ثمانية في اثني عشر ، فيزيد على النصف بيومين ، فهما وضعفهما حيض ، وهو من أول الخامس الى آخر الثامن ، فتأمل جيدا. ولو قالت كان حيضي عشرة وكنت أمزج شهرا بشهر أي كنت آخر الشهر وأول ما بعده حائضا فالمتيقن من الحيض لحظة من آخر كل شهر ولحظة من أوله ، والمتيقن من الطهر ، اللحظة الأخيرة من اليوم العاشر إلى أول لحظة من اليوم الحادي والعشرين ، فتضل العشرة في عشرين يوما تنقص لحظتين ، وهي ما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر العاشر وما بين اللحظة من أول ليلة الحادي والعشرين واللحظة من آخر شهر ، فتزيد عن نصفها بلحظة ، فلحظتان باقيتان ، الى غير ذلك من مسائل الامتزاج ، ولقد أكثر منها الأصحاب ( رضوان الله عليهم ) سيما الشيخ في المبسوط من أرادها فليراجعها ، ومن المعلوم انه في جميع ما ذكرنا يختلف الحال بالنسبة إلى الاحتياط وعدمه ، فإنه قد يبلغ في اليوم الواحد ثمانية أغسال مع عدم التداخل ، لاحتمال انقطاع الحيض ما لم تكن عالمة بوقت مخصوص لانقطاعه كالطهر مثلا وبناء على التخيير تكون مخيرة بين إكمال ما علمته من السابق أو اللاحق أو مع التلفيق مع الإمكان ، كما انه بناء على المختار يتعين عليها الإكمال من السابق مع الإمكان أيضا.

المسألة ( الثانية ) لو ذكرت الوقت ونسيت العدد ف فيها صور أربع : ( الأولى ) ان ذكرت أول حيضها أكملته ثلاثة لتيقن كونها حيضا ويبقى الزائد إلى تمام العشرة مشكوكا فيه ما لم تعلم انتفاء بعضها ، فيحتمل حينئذ اقتصارها على الثلاثة فقط ، وتعمل‌

٣٠٥

فيما عداها عمل الاستحاضة لأصالة شغل ذمتها بالعبادة ، واختاره في البيان وعن المعتبر ، واستحسنه في المدارك كما انه احتمله في الذكرى ، ولعله الظاهر من موضع من المبسوط وابن حمزة في الوسيلة ، ويحتمل رجوعها الى الروايات إما بأخذ السبعة تعيينا كما هو ظاهر الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع ، أو التخيير بين السبعة والستة أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر ، واختاره الشهيد الثاني وغيره من بعض متأخري المتأخرين ، لصدق النسيان الموجب للحكم في حديث السنن (١) ويحتمل القول بالاحتياط بأن تجمع بين عمل الاستحاضة وانقطاع الحيض ، فقد يجتمع حينئذ عليها مع كثرة الدم وعدم التداخل ثمانية أغسال ، وهو ظاهر ابن سعيد في الجامع والعلامة في التذكرة ، بل نقل عنه في جملة من كتبه ، كما انه نقل عن الشيخ في المبسوط وفي الذكرى ان الاحتياط في هذه ونظائرها مشهور ، قلت : لكن ينبغي لها حينئذ تقديم غسل الحيض لوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة ، ويحتمل تحيضها بالعشرة في كل شهر ما لم تعلم انتفاء بعضها ، وإلا فبالممكن منها ، لاستصحاب الحيض وقاعدة الإمكان وغيرها مع عدم اطراد العمل بالروايات لها في كل وقت كما ستسمع ، وهو لا يخلو من قوة.

( الثانية ) ان تذكر اليوم الذي هو آخره ، وهي التي أشار إليها المصنف بقوله : فان ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة إذ هي حيض قطعا وعملت في بقية الزمان السابق واللاحق ما تعمله المستحاضة أما اللاحق فلأنه طهر قطعا ، وأما السابق فكذلك عدا المكمل للعشرة منه ، وأما فيها فللاحتياط أو للحكم باستحاضة ما عدا الثلاثة ، ولم تظهر ثمرة هنا بين هذين القولين بالنسبة إلى الأغسال ، لعدم احتمال انقطاع الحيض فيما مضى لمكان حفظ الآخر ، فقول المصنف وتغتسل للحيض في كل زمان يفرض فيه الانقطاع انما يتجه بالنسبة لليوم الآخر ان لم تعلم وقت الانقطاع فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

٣٠٦

بالخصوص ، نعم تظهر الثمرة بالنسبة إلى باقي الأمور ان قلنا بدخولها على القول بالاحتياط كترك اللبث في المساجد ونحوها. وفي انها تقضي صوم عشرة أيام احتياطا ما لم يقصر الوقت الذي عرفته عن العشرة على القول بالاحتياط ، وأما بناء على التحيض بالثلاث فلا ، وكذا على القول بأن تحيضها بإكمال ما علمته من الحيض بالروايات على الاختلاف المتقدم ، إلا إذا اختارت التحيض بالعشر ، فإنها يجب حينئذ عليها قضاء ذلك في وقت الطهر ، لكن تظهر الثمرة حينئذ بينه وبين السابق بأمور أخر كثيرة جدا.

ويظهر لك وجه الجميع مما تقدم كما انه يظهر أيضا وجه التحيض بالعشر أيضا ، وقد عرفت سابقا أن الأقوى الرجوع الى الروايات ، لكن قد يشكل بما لو علمت انتفاء مضامينهن من السبع أو العشر ، واحتمال قصرها حينئذ على رواية الثلاثة فيه أنها أي الثلاثة انما تصح إذا صح التحيض بالعشر في الشهر الآخر ، نعم يتجه حينئذ إما القول بالاحتياط أو بحيضية الثلاثة فقط لا من جهة الأخبار أو الحكم بحيضية ما أمكن فقط.

الصورة ( الثالثة ) ان تعلم اليوم الذي هو وسط الحيض ، فان علمته انه وسط بمعنى انه محفوف بمثليه كما تقدم في الوسط في الكفارة فهي معلومة الحيض حينئذ من غير فرق بين أن يكون المذكور يوما أو أزيد ، وان علمت بأنه وسط بمعنى كونه محفوفا بمتساويين فهو مع سابقه ولاحقه يقين حيض ، وما عداها مشكوك فيه يجري فيها ما تقدم ، منها الإكمال بالروايات ، قيل لكن ينبغي هنا حينئذ اختيار السبعة أو الثلاثة ليوافق الوسطية المحفوظة ، وفيه ان اختيارها الثلاثة في شهر يوجب عليها العشرة في آخر ، مع أنه قد يكون المحفوظ وسطا لا يوافق شيئا من الروايات ، كما إذا انضم الى اليوم بعض الكسور ، فلعل ذلك مما يؤيد ما تقدم سابقا من ان المتجه لها هنا وفيما تقدم التحيض بما أمكن ، بناء على قاعدة الإمكان مراعية لحفظ الوسطية المتقدمة وان استلزم تكسيرا ، ويؤيده زيادة على ما تقدم انه قد يكون المحفوظ من عادتها مما لا يطابق شيئا‌

٣٠٧

من الروايات ، كما لو علمت انها لا تزيد على التسعة ولا تنقص عن الثمانية ، أو لا تزيد عن الخمسة ولا تنقص عن الأربعة ، أو مع انضمام بعض الكسور في العادة ونحو ذلك ، وفي الرياض « انها ان علمت وسطه المحفوف بمتساويين وانه يوم حفته بيومين واختارت السبع لتطابق الوسطية ، ويومان حفتهما بمثلهما ، فتيقنت أربعة واختارت هنا الستة ، مع احتمال الثمانية بل والعشرة بناء على تعين السبعة وإمكان كون الثامن والعاشر حيضا ، فتجعل قبل المتيقن يوما أو يومين أو ثلاثة وبعده كذلك » انتهى. وكأنه لا يرجع الى محصل إلا أن يريد ما ذكرنا ، وأما إن علمت أنه وسط بمعنى أنه في أثناء الحيض تحيضت به وبما علمته من سابقه ولاحقه ، وجرى في الزائد ما تقدم ، هذا إن لم تكن حافظة معه شيئا يحصل به العلم بتمام حيضها ، كما إذا قالت اني كنت ثاني الشهر حائضا ورابعه طاهرة ، فإن ذلك يعلم به ان حيضها الثلاثة فقط.

الصورة ( الرابعة ) ان تعلم انه يوم حيض من غير معرفة بشي‌ء من أوصافه‌ كالأولية والآخرية والوسطية جعلته حيضا وجرى ما تقدم من الوجوه في غيره فتأمل جيدا.

المسألة ( الثالثة ) لو نسيتهما جميعا أي الوقت والعدد فلم تحفظ شيئا منهما فهذه تتحيض في كل شهر مع عدم ثبوت عادة لها في طهرها ان قلنا بذلك بسبعة أيام أو ستة أو عشرة في شهر وثلاثة من آخر ما دام الاشتباه باقيا على الأصح كما تقدم البحث فيه سابقا في المبتدأة ، وفي المدارك والمسالك ان رجوعها الى الروايات هو المعروف من المذهب ، بل في الأول انه ادعى في الخلاف الإجماع عليه ، وفي الذكرى ان ظاهر الأصحاب العمل بالروايات ، قلت : وفيها أقوال أخر قد أشرنا إلى بعضها فيما سبق ، لكن أكثرها مشتركة في الضعف سيما القول بالرد الى أسوء الاحتمالات ، وهو فرض الحيض بالنسبة الى ما يحرم في حاله أو يجب عدا الصوم والصلاة وفرض الاستحاضة بالنسبة الى كل ما يجب عليها عند انقطاعه ، إذ هو ـ مع ما فيه من‌

٣٠٨

العسر والحرج ومنافاته لما تقتضيه حكمة الباري تعالى وندرة القائل بل في البيان انه ليس قولا لنا ، ويؤيده ما عن المنتهى من نسبته إلى الشافعي ـ ان فيه طرحا للمرسل المعمول به بين الأصحاب مع كثرة الشواهد منه ومن غيره على صحة مضمونه ، وقد تقدم الكلام فيه سابقا ، وما في الذخيرة من عدم دلالته على المضطربة غفلة عن ملاحظة آخره ، نعم لا يبعد الاقتصار في العمل عليه خاصة بالنسبة إلى المضطربة ، فتختص حينئذ بالفرد الأول من فردي التخيير ، بل بالسبعة منه ، لما عرفت سابقا من عدم وضوح دليل على ثبوت الفرد الآخر أي العشرة من شهر وثلاثة من آخر في غير المبتدأة إلا انه قد تقدم منا سابقا ما يحصل منه الظن بالمساواة سيما مع ملاحظة ما سمعته الآن من الشهيدين وصاحب المدارك ان أرادوا بالروايات في كلامهم ما يشمل الروايتين لا جنس الرواية في مقابلة القول بالرد الى أسوء الاحتمالات وان كان هذا أظهر في كلامهم ، لعدم عثورنا على الإجماع الذي نقله في المدارك عن الخلاف على غير مضمون المرسل ، وظاهر الشهيد الأول العمل عليه خاصة ، فتأمل لكن لا بأس بالعمل بالاحتياط مع إمكانه ، وهو يحصل بثمانية أمور أو باثني عشر تستخرج بالتأمل وان كان بعضها متعلقا بالزوج ، فتأمل هذا.

وليعلم ان المهم في جميع هذه الصور المتقدمة تنقيح ما تقتضيه القواعد العامة حتى يرجع إليها عند الشك في كثير من الصور في شمول الأدلة لها ، قد أشرنا إلى جملة منها سابقا ، ولعل المتجه في كل ما لا يتأتى فيه استصحاب الحيضية أو قاعدة الإمكان بعد البناء عليها بشرط عدم معارضتها بجريان مثلها في باقي الدم البناء على الطهارة في نفس الشهر ، ثم قضاء متيقن الحيض بعده في متيقن الطهر ، لا الاحتياط ، لعدم الدليل على وجوبه هنا ، وباب المقدمة يشكل جريانه في مثل الزمان الذي ينقضي تدريجا ، والرجوع الى متيقن الحيض خاصة في نفس الشهر يحتاج الى دليل بالنسبة إلى تعيينه في‌

٣٠٩

خصوص أيام ذلك الشهر ، فتأمل جيدا جدا.

وإذ قد فرغ المصنف من بيان أقسام المستحاضة شرع في بيان أحكامها ، فقال : وأما أحكامها فنقول ان لدم الاستحاضة مراتب ثلاثة على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا ، والمستفاد من ملاحظة مجموع الأخبار كما ستسمعها في مطاوي المبحث صغرى ووسطى وكبرى ، فما عن ابن أبي عقيل من إنكار القسم الأول فلم يوجب له وضوءا ولا غسلا ضعيف نادر ، بل في جامع المقاصد ان إجماع الأصحاب بعده على خلافه ، كضعف ما ينقل عنه أيضا وعن ابن الجنيد وعن الفاضلين في المعتبر والمنتهى من إدخال الثانية في الثالثة ، فأوجبوا تعدد الأغسال فيها كما سيظهر لك ذلك كله إن شاء الله ، نعم في كثير من الأخبار قصور عن إفادتها تماما ، لكنه صريح المنقول عن الفقه الرضوي (١) ويقرب منه‌ خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٢) المنقول عن حج التهذيب ، قال فيه : « ولتستدخل كرسفا ، فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي ، فإن كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة الى الصلاة ، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد » الخبر ، ولا فرق فيما ذكرنا من المراتب الثلاثة بين الدم والصفرة ، فما يظهر من جملة من الأخبار (٣) ان ليس للصفرة إلا الوضوء ، بل كاد يكون صريح موثقة سماعة (٤) محمول على القليلة ، إذا الغالب كما قيل انه متى كانت صفرة تكون قليلة بخلاف الدم ، وإلا كانت مطرحة للإجماع بحسب الظاهر على عدم الفرق ، فتأمل.

ثم انه صرح جماعة من الأصحاب بوجوب اعتبار الدم عليها ومعرفته على أي‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١ و ٧ و ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٦.

٣١٠

حال ، وكأنه لمكان العلم بالحدث إجمالا وإمكان تعرفه من أي الأحداث مع اختلاف الأحكام ، وللأمر بالاعتبار في بعض الأخبار (١) لكن ينبغي القطع بعدم إرادتهم انها ان لم تعتبر حالها بطلت صلاتها ، ولو كان ما فعلته موافقا للواقع مشتملا على نية التقرب ، لعدم وضوح دليل عليه ، كما انه يشكل دعوى وجوب التعرف عليها حتى لو أرادت العمل بأسوء الاحتمالات ، ويشكل أيضا دعوى الوجوب عليها لو كان معها استصحاب يشخص حالها ، كما لو اختبرت حالها قبل الوقت فكانت صغيرة كل ذلك مع إمكانها التعرف والاعتبار ، أما مع تعذره إما لعمى مع فقد المرشد ولو بالاستيجار ونحوه فلا إشكال في سقوط ذلك عنها مع عدم سقوط الصلاة ، لكن هل لها الأخذ بالمتيقن من وجوب الوضوء ونفي الزائد بالأصل أو انها يتعين عليها الأخذ بأسوء الاحتمالات تحقيقا للفراغ اليقيني؟ وجهان ، أقواهما الثاني.

وكيف كان فلا إشكال في ثبوت ما ذكرناه من المراتب الثلاثة ، لأن دم الاستحاضة إما ان لا يثقب الكرسف أو يثقبه ولا يسيل أو يسيل كما في الفقيه والخلاف والسرائر والدروس وغيرها ، ولعله يرجع الى ذلك ما في عبارات البعض من التعبير عن الأولى بعدم الظهور أو الرشيح ، والثانية بالظهور عليه من الجانب الآخر أو الرشح ، مع عدم السيلان على إشكال بالنسبة إلى الرشح ، نعم قد تظهر المخالفة في مثل التعبير عن الأول بعدم الغمس ، وعن الثانية بالغمس مع عدم السيلان كما في القواعد واللمعة وعن غيرها ، لكون الثقب أعم من الانغماس ، فنقيضه أخص من نقيضه ، فيدخل حينئذ في الصغرى بعض أفراد الوسطى ، لكنه قطع في جامع المقاصد ان مراد الجميع واحد ، وان المراد بالثقب والظهور استيعاب ظاهر القطنة وباطنها ، فيكون معنى الانغماس حينئذ ونحوه ما في المسالك وقد يؤيده تعبير بعضهم عن الصغرى بعدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة.

٣١١

الثقب ، وعن الوسطى بالغمس مع عدم السيلان ، ولعل التعبير بما في الكتاب أولى ، لأنه الموافق لخبر عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد » وخبر زرارة (٢) « وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فإذا نفذ اغتسلت » وغيرهما (٣) ودعوى اقتضاء النفوذ الاستيعاب لكونه مأخوذا من نفذ السهم من الرمية إذا خرقها ممنوع ، مع عدم دلالة ما ذكر من التعليل عليه ، نعم لو أمكن دعوى إرادة الجميع معنى واحدا بحمل الغمس على ما يشمل الثقب وان لم يستوعب تمام الكرسف لكان متجها إلا أنه بعيد ، والمراد بالكرسف القطن كما نص عليه في القاموس وغيره من الأصحاب ، فهو حينئذ كقول أبي الحسن عليه‌السلام (٤) وأبي عبد الله عليه‌السلام (٥) : ( وتستدخل قطنة ) إلا انه قد يلحق به ما كان مثله مما لا يمنع صلابته أو صلابة جزء منه نفوذ الدم ، ومن هنا قيد بعضهم القطنة بكونها مندوفة ، وان كان في استفادة مثل هذا القيد من النصوص تأمل.

ثم انه من المعلوم ان ذلك انما هو عند الاختبار لحالها ، وإلا فهي حيث ينكشف حالها لا إشكال في جواز احتشائها بغير القطن ، كما انه لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بالتقدير مع عدم القطنة ، بمعنى تقدير انه لو كان المحتشى به قطنا لثقبه الدم مثلا ، ولم نقف في شي‌ء من الفتاوى على تقدير زمان إبقاء القطنة أو مقدارها ، ولعل الثاني مستغنى عنه لاحالته على المتعارف ، وأما الأول فالذي يظهر من ملاحظة أخبار الباب أنها لا تقدير له ، بل تبقى محتشية به حتى تنتقل من حالة الى أخرى ان كانت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١ وهو خبر معاوية ابن عمار كما ينقله قدس‌سره عنه قريبا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٣١٢

أو تغيرها عند كل صلاة كما ستسمع.

وكيف كان ف في الأول وهي المسماة بالصغرى عندهم يلزمها تغيير القطنة وتجديد الوضوء عند كل صلاة أما الأول فقد نص عليه في الناصريات والغنية والمنتهى والتذكرة والإرشاد والمعتبر والنافع والجامع والسرائر والتحرير والذكرى واللمعة والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها ، وهو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في صدر عبارة الأول ظاهر الإجماع ، بل قد يدخل تحت صريح الإجماع في عجزها كالثاني أيضا ، وفي الثالث نفي الخلاف عنه ، وفي الرابع يجب تغيير القطنة والوضوء لكل صلاة ذهب إليه علماؤنا ، وفي مجمع البرهان كأنه إجماعي ، ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك والى عدم ثبوت العفو عن قليل هذا الدم وكثيره ، بل عن الغنية دعوى الإجماع على إلحاق دم الاستحاضة والنفاس بالحيض في عدم العفو كما عن السرائر نفي الخلاف عن ذلك ـ بعض الأخبار المعتبرة (١) الدالة على وجوب التغيير في الوسطى والكبرى مع عدم تعقل الفرق ، بل قال بعضهم : انه لا قائل بالفرق ، وفي الرياض انه يتم بالإجماع المركب ، منها‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر صفوان بن يحيى (٢) : « هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل ، ويأتيها زوجها ».

فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من الإشكال في هذا الحكم لعدم الدليل على بطلان الصلاة بحمل النجاسة مطلقا ، مع أنها مما لا تتم الصلاة بها منفردة وكون النجاسة ملحقة بالبواطن لا يلفت إليه في مقابلة ما تقدم ، نعم قد يناقش فيه بقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر الجعفي (٣) : « وان هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٠.

٣١٣

فلتصل بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف » وب‌ خبر الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المرأة تستحاض فأمرها أن تمكث أيام حيضها لا تصلي فيها ، ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ثم تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب » وب‌ قول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيح الصحاف (٢) في حديث حيض الحامل الى أن قال : « فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر وتصلي الظهر والعصر ثم لتنظر ، فان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف ، فان طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليه الغسل ، وان طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتوضأ ولتصل ولا غسل عليها ، قال : وان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فان عليها ان تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، وتحتشي وتصلي وتغتسل للفجر وتغتسل للظهر والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة » الحديث. وب‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعقوب (٣) : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت كرسفا وتنظر ، فان ظهر على الكرسف زادت كرسفا وتوضأت » وبمفهوم‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٤) المروي عن حج التهذيب : « فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي » الى غير ذلك مما يشعر به إطلاق بعضها أيضا ، كل ذا مع ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٣ وهو خبر ابن أبي يعفور كما ينقله قدس‌سره عنه في التعليقة « ٥ » من الصحيفة ٣١٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨.

٣١٤

وجوب الإبدال في نحوها من المشقة مع عدم ظهور فائدة لذلك ، إذ بوضع الجديدة تتنجس كنجاستها ، فمن ذلك كان القول بعدم الوجوب لا يخلو من قوة ، ولعله لذا لم يذكره الصدوقان والقاضي على ما قيل ، فتأمل.

ومنه يظهر انه ينبغي القطع بعدم وجوب تغيير الخرقة كما هو ظاهر المصنف وغيره وصريح جماعة خلافا للمقنعة والمبسوط والسرائر والجامع وغيرها ، بل نسبه في كشف اللثام إلى الأكثر لما عرفته من عدم وصول الدم في القليلة إليها ، مع أصالة البراءة وخلو الأخبار عنه ، لكن قد يقطع بعدم إرادة الوجوب التعبدي حتى لو لم تتنجس الخرقة ، فينزل حينئذ على اتفاق وصول النجاسة إليها ولو على بعض ما تقدم من التفسير للقليلة مما لا ينافي وصول الدم إلى الخرقة ، فحينئذ يتجه وجوب الإبدال أو الغسل ان لم نقل بالعفو عن مثل ذلك ، فتأمل جيدا. كما انه يتجه القول بوجوب غسل ما تنجس من ظاهر الفرج وان كان قليلا ، بناء على عدم العفو عنه ، ولعل عدم تعرض المصنف له للإحالة على وجوب إزالة النجاسة عن البدن ، لكنه نص عليه هنا المفيد في المقنعة والشهيدان في البيان والمسالك والروضة والمحقق الثاني في جامع المقاصد والأردبيلي في مجمع البرهان ، بل في الأخير انه كأنه إجماعي ، ولعل مقصود الجميع ما ذكرنا ، والمراد بظاهر الفرج هو ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين كما في المسالك وشرح المفاتيح.

وأما تجديد الوضوء لكل صلاة أو فريضة فهو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل في الناصريات والخلاف والغنية الإجماع عليه ، وفي المعتبر نسبته إلى الخمسة وأتباعهم ، وفي جامع المقاصد ان الإجماع بعد ابني أبي عقيل والجنيد على خلافهما ، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا ، قلت : ولعله كذلك ، إذ لم أجد فيه خلافا سوى ما ينقل عن العماني من عدم إيجابه وضوءا ولا غسلا ، مع ان المنقول من عبارته محتمل لإرادة عدم الإيجاب عند عدم رؤية شي‌ء ، وما عن ابن الجنيد من إيجابه الغسل في كل يوم بليلته ،

٣١٥

وأما ما نقله في المسالك عن المفيد من الاجتزاء بالوضوء الواحد للفرضين فالظاهر انه اشتباه كما لا يخفى على من لاحظ المقنعة ، فانحصر الخلاف في القولين ، وهما نادران ضعيفان محجوجان بما تقدم ، وب‌ قول الباقر عليه‌السلام في موثق زرارة (١) : « عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع ، قال : تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة ، فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت » وب‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٢) « المستحاضة تنظر أيامها ـ الى ان قال ـ : وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء » الخبر. الى غير ذلك من الأخبار (٣) التي قد تقدم بعضها كصحيح الصحاف على أحد الوجهين فيه وغيره ، والأخبار (٤) الكثيرة الآمرة بالوضوء في الصفرة الشاملة لنحو المقام ، بل قد عرفت سابقا ان الغالب كما قيل فيها ان تكون قليلة ، بل كاد بعضها يكون صريحا في ذلك هنا لاشتمالها على نفي الغسل.

وبذلك كله يسقط ما عساه يستدل به للأول من الأصل ومن حصر موجبات الوضوء ونواقضه في بعض الأخبار في غيرها ، ومن مفهوم‌ قوله عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٥) : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت كرسفا وتنظر ، فان ظهر على الكرسف زادت كرسفها وتوضأت وصلّت » مع احتمال أن يراد بالظهور على باطن القطنة ، فيكون نصا فيما نحن فيه ، وإلا فهو لا يوافق ما نقل عنه من إيجابه الأغسال الثلاثة عند ظهور الدم على الكرسف.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٦ و ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١ و ٧ و ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٣.

٣١٦

وقد يستدل له أيضا بقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح » من حيث ترك التعرض لما يوجب الوضوء منها مع انه في مقام البيان ، فدل على عدمه ، وفيه ان ذلك لا ينافي الثبوت بغيره من الأخبار ، ولو قرر الاستدلال به له بغير ذلك بل بتعليق الحكم بالاغتسال على طبيعة المستحاضة لكان الجواب عنه انه محمول على غيره من الأخبار ، إذ هو لا يوافق بظاهره المنقول عنه من عدم إيجابه في تلك الحالة شيئا ، فيجب حينئذ تقييده بغير القليلة قطعا ، نعم هو موافق لما احتمله من عبارته في كشف اللثام من إيجابه الأغسال الثلاثة في جميع الأحوال ، وكيف كان فلا إشكال في ضعفه وإن أمكن الاستشهاد له بإطلاق بعض الأخبار (٢) لكنها منزلة على المختار قطعا ، كضعف ما سمعته عن ابن الجنيد ، وان أمكن الاستشهاد له أيضا بمضمرة سماعة (٣) « المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ، وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة » مع عدم صراحته فيه ، بل هو ممكن التنزيل على المتوسطة كما ستسمعه فيما يأتي ان شاء الله.

ثم ان ظاهر المصنف بل كاد يكون صريحه لقوله ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد مؤكدا لما سبق من عبارته عدم الفرق في ذلك بين الفرض والنفل ، فكما لا يجوز جمع فرضين بوضوء كذلك الفريضة والنفل ، بل هو ظاهر معقد الشهرات والإجماعات المتقدمة عدا الخلاف ، لتقييده عدم جواز الجمع بالوضوء الواحد للفرضين ، بخلاف غيره فأوجب الوضوء لكل صلاة من غير تقييد ، وبه صرح في المعتبر والمنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٦.

٣١٧

وجامع المقاصد والتذكرة ، بل في الأخير لا تجمع المستحاضة بين صلاتين في وضوء واحد عند علمائنا ، سواء كانا فرضين أو نفلين ، ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك والى أنها مستمرة الحدث ، فيقتصر على مقدار الضرورة المتيقن استباحتها له ، وهو الفرض الواحد ـ الموثق (١) والصحيح (٢) المتقدمان‌ ( تصلي كل صلاة بوضوء ) لكن قال في المبسوط : انه إذا توضأت المستحاضة للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل وتبعه في المهذب ، وربما كان قضية من لم يوجب معاقبة الصلاة للوضوء كالعلامة في المختلف وتبعه العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، وهو ـ مع مخالفته لما سمعت ـ لا دليل عليه سوى بعض إطلاقات في الأمر بالوضوء لا تصلح لمعارضة ما تقدم ، مع انه لا يقول بمقتضاها بالنسبة للفرضين ، اللهم إلا أن يفرق فيدعي دخول نوافل كل فرض في اسمه ، فلا ينافيه حينئذ‌ قوله عليه‌السلام : ( كل صلاة بوضوء ) سيما بعد احتمال إرادة وقت كل صلاة ، بل قد يدعى ظهوره ، لكنه ينبغي حينئذ اختصاص ارادته النوافل لكل فرض لا مطلق النوافل ، ويؤيده سهولة الملة وسماحتها ، إذ في التجديد لكل ركعتين كما يقتضيه التعميم المتقدم من المشقة ما لا يخفى ، واحتمال عدم مشروعية النوافل بالنسبة إليها باعتبار ان طهارتها اضطرارية ولا ضرورة بالنسبة إليها ضعيف بل مقطوع بعدمه ، وقد يستأنس له مضافا الى ذلك ببعض ما دل (٣) في غير هذه الحالة على جواز صلاتها الفريضة والنافلة بغسل واحد ، وبما ستسمعه من ان المستحاضة متى فعلت ما هو واجب عليها كانت بحكم الطاهر ، فتأمل.

ومن ذلك كله ينقدح الكلام في شي‌ء قد أشرنا إلى نظيره في المسلوس ، وهو انه هل يستباح بمثل هذا الوضوء باقي ما اشترط بالطهارة كمس كتابة القرآن؟ وكذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٥.

٣١٨

الكلام بالنسبة إلى غاياته المستحبة كقراءة القرآن وغيرها ، وما مقدار ما يستباح منه؟ ولو أمكن القول بعدم نقض حكم هذا الوضوء بعد حصوله بمثل هذا الاستمرار للحدث لكان متجها كما ادعاه بعضهم في المسلوس ، وربما يومي اليه من جوز الفصل بين الوضوء والصلاة بغير ما يتعلق بالصلاة كالعلامة في المختلف ويأتي له تتمة ان شاء الله وان قلنا بوجوب تجديده هنا للفرض الثاني للدليل ، فتأمل جيدا.

وفي الثاني أي ثقب الدم للكرسف أو غمسه أو الظهور عليه على الاختلاف المتقدم في التعبير عن الوسطى وهي الحالة الثانية يلزمها مع ذلك أي ما تقدم في الصغرى من تغيير القطنة بلا خلاف صريح أجده فيه هنا سوى ما سمعته من المناقشة السابقة لبعض متأخري المتأخرين من جهة كونه مما لا تتم به الصلاة ، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام إجماع المسلمين عليه ، وهو الحجة مضافا الى ما تقدم سابقا في القليلة من نفي الخلاف وغيره ، لدلالته عليه هنا بطريق أولى قطعا ، كل ذا مع سلامته هنا مما سمعته منا من المناقشة في الأولى من جهة الأخبار ، لظهور بعضها في المقام بوجوب الابدال ظهورا كاد يكون صريحا في‌ خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) عن الصادق عليه‌السلام قال فيه : « فلتحتط بيوم أو بيومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفا ، فان ظهر عن الكرسف فلتغتسل ، ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي ، فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة ، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد » وفي‌ خبر الجعفي (٢) « فإن هي رأت طهرا اغتسلت ، وان هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت ، فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف » مضافا الى ما دل (٣) عليه في الكبرى لعدم القائل بالفرق ، كما أنه لم يقل أحد به أيضا بالنسبة إلى الصلوات ، فلا يضر حينئذ عدم دلالة الخبرين المتقدمين عليه سيما بعد انجبارهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١٣.

٣١٩

بالفتوى بالنسبة الى ذلك وبما دل عليه بالنسبة الى كل صلاة من خبر أبي بصير (١) في الكثيرة كما عرفت من عدم قائل بالفرق ، كما لا يضر إشعار بعض الأخبار (٢) بعدم وجوب الابدال ، منها ما تقدم سابقا في الأولى ، لوجوب عدم الركون إليه في مقابلة ما سمعت.

وبذلك كله يتضح الدليل على ما ذكره المصنف وجماعة بل نسبه في كشف اللثام إلى الأكثر من وجوب تغيير الخرقة إذ هو أولى من القطنة قطعا لصغرها ، ولكونها كالملحقة بالبواطن بخلافها ، من غير فرق بين تنجسها بكثير الدم أو قليله ، بناء على عدم العفو عنه خصوصا في المقام ، ولا دلالة في عدم ذكر السيدين له كما عن القاضي على عدم الوجوب ، ومع فرضها فهم محجوجون بما تقدم ، كما انه لا دلالة في خلو الأخبار عنها على ذلك أيضا فتدبر ، ومن الوضوء لكل صلاة كما في المقنعة والسرائر والجامع والوسيلة والقواعد والتحرير والإرشاد واللمعة والروضة وغيرها ، وهو المشهور ، بل لعله لا خلاف فيه بالنسبة الى غير الغداة ، كما يرشد اليه دعوى الإجماع في الناصريات والخلاف والغنية على ما يتناولها ، بل ولا فيها وان أوهمته هذه الكتب الثلاثة والمبسوط كالمنقول عن الصدوقين والقاضي وأبي الصلاح وغيرها ، لمكان اقتصارهم على الأمر بالوضوء لغيرها ، لكنها تحتمل جميعا إرادة انما يجب عليها الغسل لصلاة الغداة ، وانما يجب عليها لغيرها الوضوء ، فلا ينافي حينئذ وجوب الوضوء لها كما ذكره المحقق في نكت النهاية على ما نقل عنه في تفسير عبارتها ، وإن أبيت فهم محجوجون بقول الصادق عليه‌السلام في موثقة سماعة (٣) الآتية : « وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

٣٢٠