جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عساه يظهر من المنقول في السرائر من خلاف المرتضى رحمه‌الله ، وبه صرح بعض متأخري المتأخرين كصاحب المدارك وغيره ، نعم يمكن القول بالاستحباب تخلصا من شبهة الجنابة كما صرح به في المبسوط والمعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى والدروس والنفلية والروض وغيرها وعن الإصباح ونهاية الأحكام ، بل نسبه في شرح الدروس والذخيرة إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه ولعل وجهه حسن الاحتياط ، وصرح بعض الأصحاب انه ينوي الوجوب في غسله ، واستغربه آخر من حيث الحكم بالاستحباب مع نية الوجوب ، وفيه انه لا تنافي بين نية الوجوب الاحتياطية واستحباب هذا الاحتياط.

وهل يكتفي بهذا الغسل حتى لو علم بعد ذلك بأن الجنابة منه أو ما دام مجهول الأمر؟ استوجه المحقق الثاني وجوب الإعادة لو علم بعد ذلك ، وكأنه لعدم الجزم بالنية في السابق ، وساغ لعدم إمكان غيره ، أما مع الإمكان فلا ، وفيه انه خلاف ما يظهر من الأدلة وكلام الأصحاب وما يقتضيه أصل مشروعية الاحتياط ، على انه يبعد تحقق ما قاله في مثل المقام أي في نحو ارتفاع الحدث ، فإنه إما ان يكون ذلك الغسل رافعا له أو لا ، فان كان الأول ثبت المطلوب ، وإلا فلا معنى للحكم باستحبابه مع نية الرفع فيه ، وأما القول بأنه يرتفع الى ان يعلم بالجنابة فيعود فلا تخفى بشاعته ، وإذ قد عرفت عدم وجوب الغسل على كل واحد منهما لتمسكه بأصالة الطهارة وغيرها إلا انه هل يقضي ذلك بسقوط حكم الجنابة عنهما بالنسبة الى كل فعل ، فيكون حالهما كحال الطاهر من سائر الوجوه ، أو إنه يسقط بعض أحكامها بالنسبة الى كل واحد منهما ، وتظهر الثمرة بائتمام كل منهما بالآخر ، وبانعقاد الجمعة بهما؟ ظاهر التذكرة والمنتهى وصريح المدارك والذخيرة وشرح الدروس والرياض الأول ، وخيرة المعتبر والإيضاح والدروس والبيان وجامع المقاصد والروض الثاني ، ولعله الأقوى ، لحصول العلم حينئذ بالجنب قطعا ، ففي مثل الائتمام يعلم أنها‌

٢١

إما صلاة جنب أو مع جنب ، وكل منهما يفسد ، وكذا يعلم فساد صلاة واحد من العدد ، ومن هنا جعل الضابط في الإيضاح وجامع المقاصد أن كل فعل توقفت صحته على صحة فعل الآخر بطل المتوقف خاصة كما في الائتمام ، وبطلا معا ان كان التوقف من الجانبين كما في عدد الجمعة ، وأما إذا لم يتوقف صحة صلاة أحدهما على صلاة الآخر مثلا ولو توقف المعية صحت الصلاتان ، ومنع حصول حدث الجنابة إلا مع تحقق الانزال من شخص بعينه يدفعه انه مناف لما دل على تسبيب الانزال الجنابة من غير اشتراط بشرط كما هو واضح ، كوضوح فساد الاستدلال عليه بسقوط الغسل عن كل واحد منهما ، إذ ذلك لمكان التمسك بالاستصحاب السالم عن معارضة باب المقدمة ، وهو حجة ظاهرية لا يمنع العلم بحصول الواقع ومانعيته لغير المستمسك ، على ان تمسك المأموم هنا بالاستصحاب بالنسبة اليه والى إمامه يذهب المعلوم واقعا ، كتمسكه بطهارة ثوبه بعد إصابة كل من الإناءين له ، وكذا ما يقال : ان هذه الجنابة أسقط اعتبارها الشارع ، ولذا أجاز لهما قراءة العزائم واللبث في المساجد ونحو ذلك ، إذ فيه انه مصادرة ان أريد سقوط اعتبارها حتى في مثل المقام ، وما ذكر من الأمثلة خارج عما نحن فيه قطعا ، لما عرفت من جواز تمسكهما بالنسبة إلى أفعالهما الغير الموقوف بعضها على بعض بالاستصحاب.

نعم قد يقال : ان أقصى ما ثبت من الأدلة اشتراطه بالنسبة الى الائتمام هو عدم علم المأموم بفساد صلاة الإمام لا العلم بصحتها ، فوجود الجنابة حينئذ واقعا لا يؤثر فسادا في صلاة المأموم ، كما ان عدم العلم بها من خصوص الامام يصحح الائتمام ، وهو أي عدم العلم لا ينافي احتمال كونها منه ، وهو كاف في رفع الجنابة عن المأموم ، ومن هنا لم يظهر خلاف بين الأصحاب في جواز ائتمام الخارج عنهما بكل واحد منهما بفرضين ، كأن يأتم بواحد منهما في الظهر ، وفي الآخر بالعصر ، مع انه يعلم حينئذ‌

٢٢

وقوع الائتمام بالجنب في أحد الفرضين ، فإنه لو كانت الجنابة في الواقع مؤثرة في فساد الائتمام لوجب عليه إعادة أحد الفرضين أو قضاؤه ، وبطلان اللازم يظهر من التأمل في كلمات الأصحاب ، كحصر الضابط فيما تقدم من الفخر والمحقق الثاني ، لكن قد يقال : انه بعد تسليم كون أقصى ما تفيده الأدلة ذلك خروج عن المتنازع فيه ، لأن الفرض توقف صحة فعل المأموم على صحة فعل الامام واقعا لا ظاهرا ، على انه من المستبعد جدا إمكان جريان هذه الدعوى في مثل انعقاد الجمعة بهما ، لفساد صلاة واحد منهما قطعا.

والحاصل انا ندعي الفساد في مورد الضابط المتقدم مع تقييد الصحة بالواقعية ، وبذلك يخرج الائتمام ، لأن شرطه الصحة الظاهرية في حق الامام مع عدم العلم بخلافها ، بل يمكن دعوى جوازه حتى لو علم المأموم بخلافها بعد فرض دخول الامام بوجه شرعي ، لكنه لا يخلو من تأمل ونظر ، ولتفصيله مقام آخر ، ومما ذكرنا ينقدح عدم جواز استئجارهما عن مشغول الذمة بعبادة واجبة ونحوه ، للعلم بفساد صلاة أحدهما ، وما يقال ـ : ان تمسك كل واحد منهما بالاستصحاب الذي هو حجة شرعية يقضي بصحة فعل كل منهما واقعا ما دام الواقع غير منكشف ، فلا ينافيه وجوب الإعادة بعد الانكشاف ، ولا كون الطهارة شرطا واقعيا ـ يدفعه ظهور ما دل على شرطية الصلاة مثلا بالطهارة ، وان الاستصحاب حجة ظاهرية لا يفيد سوى المعذورية ، فلا يجوز استئجار مستصحب الطهارة مع علم المستأجر بمخالفة استصحابه للواقع ، فكذلك ما نحن فيه ، ولا يصلح الفرق بالعلم الإجمالي والتفصيلي كما هو واضح عند التأمل ، وينقدح أيضا مما ذكرنا وجوب إخراجهما من المسجد إن قلنا : بوجوب إخراج الجنب على سائر المكلفين للتعظيم ، وكذا قراءة العزائم ، فتأمل جيدا.

ولم يتعرض المصنف لما يعيده من الصلاة واجد المني في الثوب المختص ، والظاهر انه يجب عليه ان يعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة ، كما صرح به في السرائر‌

٢٣

والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والذكرى والدروس والبيان وجامع المقاصد والروض والمدارك والذخيرة وشرح الدروس والحدائق والرياض ، ووجهه أما بالنسبة للمعاد فواضح بناء على ما ذكرنا ، لحصول العلم حينئذ بوقوعه بعد جنابة ، مع ان الطهارة شرط واقعي ، وأما بناء على ان الجنابة من باب التعبد فلعل وجهه الاتفاق ظاهرا على وجوب إعادة ذلك ، ومن هنا جعله بعضهم القدر المتيقن ، ولقوله عليه‌السلام في موثق سماعة المتقدم : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته » ولظهور تنزيله حينئذ منزلة يقين الجنابة التي لم يغتسل منها إلا انه لم يعلم الوقت بخصوصه ، فأصالة التأخر حينئذ تقضي بأنه في آخر أوقات إمكانه ، وفي الكل نظر ، وكان كلامهم هنا مما يرشد الى بناء المسألة على ما ذكرنا من العلم بكون المني منه وانه لم يغتسل منه إلا انه لم يعلم الوقت بخصوصه ، فيتجه حينئذ وجوب إعادة ما يعلم تأخره عنه ، وأما الوجه في عدم وجوب غيره فلأصالة الصحة ، وأصالة عدم تقدم الغسل ، وأصالة البراءة في بعض أفراد المسألة كالقضاء ونحوه ، بل يمكن ان يندرج تحت موضوع الشك بعد الفراغ ، ولعله لذا لم يقع فيه خلاف بين الأصحاب عدا الشيخ في المبسوط ، فقال : ينبغي ان نقول : يجب ان يقضي كل صلاة صلاها من آخر غسل اغتسل من جنابة ، أو من غسل يرفع حدث الغسل ، ولا أرى له وجها سوى الاحتياط ، وفيه انه لا يقضي بالوجوب أولا ولا بإعادة جميع ما ذكر ثانيا ، للعلم بعدم الجنابة في الصلاة المتخللة بين آخر الأغسال وأول نومة ، مع ان مقتضاه وجوب إعادة ما صلاة قبل الاغتسال ، لاحتمال سبق الجنابة عليه ، فيقع ما صلاة حينئذ في الجنابة ، اللهم إلا ان يدفع هذا وسابقه بأنه مراده وجوب قضاء كل ما احتمل تقدم الجنابة عليه ، ويكون ذكره لآخر الأغسال من باب المثال.

وربما استدل له بما في موثقة سماعة من الأمر بإعادة صلاته ، وهو كما ترى كالقول بوجوب الاحتياط في المقام للشغل اليقيني ، وفيه انه لا يتأتى بالنسبة للقضاء‌

٢٤

أولا ، مع ان الفراغ اليقيني بأصالة الصحة ونحوها ، حاصل ثانيا ، ولذا حمل بعضهم كلام الشيخ على إرادة اتصال النوم بآخر الأغسال ، وهو بعيد كما لا يخفى على من لاحظ كلامه ، وأبعد منه حمله على إرادة أنه لبس ثوبا ونام فيه ثم نزعه وصلى في غيره أياما ثم وجد المني فيه على وجه لا يحكم بكونه من غيره ، مع ان الأخير لا يوجب إعادة ما صلاة من آخر الأغسال ، بل يوجب إعادة ما صلاة بعد النومة في الثوب المنزوع ، ولعل كلامه يحتمل وجوها غير ذلك لا فائدة في ذكرها ، هذا. وعن التلخيص انه يعيد ما صلاة من آخر غسل ونوم ، فيحتمل ان يكون مراده موافقة الشيخ ، أو يريد المتأخر منهما إذا جوز حدوث الجنابة بعد الغسل الأخير من غير شعور بها ، أو يريد انه من آخر نومة ان لم ينزع الثوب ، وآخر غسل ان نزعه ، هذا كله فيما يتعلق بالحدث ، وأما الخبث فسيأتي ان شاء الله انه لا يجب على الجاهل إعادة الصلاة لا في الوقت ولا في خارجه ، وبناء على عدم المعذورية في الوقت يجب عليه ان يعيد ما صلاة في الوقت ، وانفكاك حكم الخبث عن الحدث هنا يتصور بحصول الغسل مثلا مع الصلاة في الثوب.

والأمر الثاني من الأمرين المسببين للجنابة الجماع فان جامع امرأة في قبلها والتقى الختانان وجب الغسل بوجوب غايته من صلاة أو صوم أو نحو ذلك بلا إشكال ، ولا خلاف فيه في الواطئ والموطوء مع اجتماع شرائط التكليف ، بل عليه الإجماع محصلا ومنقولا نقلا مستفيضا كاد يكون متواترا ، بل هو كذلك كالسنة ، ( منها ) ما رواه‌ الشيخ في صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام قال : « جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل ، فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون إذا التقى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٥.

٢٥

الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعلي عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال علي عليه‌السلام : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء ، إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ، ودعوا ما قالت الأنصار » ونحوه غيره ، وعليه يحمل ما في بعضها (١) من إيجاب الغسل بايلاجه ، وكذا ما في آخر (٢) بإدخاله ، كما انه يجب ان يقيد بها مفهوم ما دل على حصر موجب الغسل في الإنزال ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : ( انما الماء من الماء ) ونحوه ، وليس في الروايات على كثرتها ما ينافي ما تقدم سوى‌ خبر محمد بن عذافر عن محمد بن عمر بن يزيد المروي في مستطرفات السرائر من نوادر محمد بن علي بن محبوب (٤) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « متى يجب على الرجل والمرأة الغسل ، فقال : يجب عليهما الغسل حين يدخله ، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجيهما » وهو ـ مع الغض عما في السند وعدم صلاحيته لمعارضة غيره ـ محتمل لأن يراد من قوله عليه‌السلام : ( وإذا ) تفسيرا لما قبله ، أو يراد بالأول إدخاله تماما ، والثاني إلى التقاء الختانين ، كل ذلك مع حمل قوله عليه‌السلام : ( فيغسلان فرجيهما ) على إرادة فيغسلان فرجيهما ويغتسلان ، ويحتمل ان يراد بالتقاء الختانين انما هو وضع الختان على الختان من غير إدخال ، الى غير ذلك.

ثم انه لا فرق بعد التأمل في كثير من الروايات الدالة على حصول الجنابة بالالتقاء المذكور بين كون الواطئ مكلفا أو غير مكلف ، كما انه بالنسبة للموطوءة كذلك ، فيجب الغسل حينئذ وان كانت الموطوءة مجنونة أو صبية أو ميتة مع اجتماع شرائط الوجوب ، نعم هو لا يوجب الغسل شرعا فعلا على غير المكلف ، بل معناه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

(٣) كنز العمال ـ ج ٥ ـ ص ٩٠ ـ الرقم ١٩١٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٦.

٢٦

انه مقتض للوجوب ما لم يفقد شرط أو يمنع مانع ، ولذا صرح بوجوب الغسل بوطء الميتة في المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع والمعتبر والمنتهى والمختلف والذكرى والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها ، بل هو قضية إطلاق الأصحاب وكذا إجماعاتهم ، ومن هنا ادعى عليه الإجماع في الرياض كما عساه يظهر من غيره حيث لم ينقل الخلاف فيه إلا من أبي حنيفة.

ويدل عليه ـ مضافا الى إطلاق النص والفتوى والإجماع المنقول ـ الاستصحاب وغيره من فحوى قوله عليه‌السلام : ( أتوجبون عليه الحد ولا توجبون عليه صاعا من ماء ) فلا معنى للمناقشة في الحكم كما وقع من بعض متأخري المتأخرين كشارح الدروس وتبعه صاحب الحدائق ، مع ان في بعض الأخبار إشعارا به ، كالخبر‌ المروي عن عبد الرحمن بن التميم الدوسي (١) في تفسير قوله تعالى (٢) ( وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ) الى آخره والحديث طويل ، ملخصه « ان نباشا كان ينبش القبور ويسرق الأكفان ثم تاب وقبلت توبته ، ومن جملة ما فعل انه نبش قبرا من قبور بنات الأنصار ، وسلبها أكفانها ، قال : ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا بصوت من ورائي يقول : يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة الى حسابي ، فويل لشبابك من النار » الحديث. فان مقتضى صيرورتها جنبة بذلك انه هو أيضا كذلك ، فيجب عليه الغسل حينئذ ، نعم الظاهر كما صرح به غير واحد انه لا يجب الغسل للميت لا على الولي ولا على سائر المكلفين ، لأصالة البراءة وغيرها ، لكن لا يبعد جريان أحكام الجنب الراجعة لغيرها عليها كالمجنونة والطفلة ، فلا يجوز وضعها‌

__________________

(١) البحار ـ المجلد ـ ٣ ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب العدل والمعاد ـ حديث ٢٦ عن عبد الرحمن بن غنم الدوسي.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ١٢٩.

٢٧

في المساجد مثلا ، ولا مس الكتاب ببعض أجزاء بدنها ونحو ذلك على إشكال ينشأ مما سمعته من الرواية وظهور الأدلة في تسبيب ذلك وصف الجنابة ، وليس من شرائطه التكليف ، ولذا جرى في الطفل والمجنون وغيرهما ، ومن أنا وان قلنا ان وصف الجنابة من باب الأسباب إلا ان المنساق من الأدلة كونه على الأحياء دون الأموات ، والمراد بالتقاء الختانين الموجود في النص والفتوى تحاذي محل القطع من الرجل والامرأة ، كما صرح به في المبسوط والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وشرح الدروس والذخيرة وغيرها ، لتعذر إرادة الالتقاء بمعنى مماسة أحدهما للآخر ، لأن مدخل الذكر أسفل فرج المرأة ، وهو موضع خروج دم الحيض والمني ، وأعلى منه على ما قيل ثقبة مثل الإحليل للذكر ، وفوق ذلك لحم نابت كعرف الديك ، وهو محل الختان في الامرأة ، فإذا أدخل الذكر في الفرج لم يمكن ان يلاصق ختانه ختانها لما بينهما من الفاصل ، وما في‌ صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا مس الختان الختان » كصحيح علي بن يقطين (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « إذا وقع الختان على الختان » يراد به حينئذ ما ذكرنا من انه يدخل الذكر الى حد يكون محل الختان منها مقابلا لمحل الختان منه بحيث لولا المانع لتماسا ولوقع أحدهما على الآخر ، أو لمكان شدة تقاربهما أطلق عليه اسم المماسة ونحوها ، بل قد يتفق حصولها في بعض النساء التي لم يختتن.

وعلى ذلك كله ينبه ما في‌ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (٣) عن الرضا عليه‌السلام بعد قوله : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : نعم » فيكون المدار حينئذ على غيبوبة الحشفة ، وبه صرح في المبسوط والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى والإرشاد والذكرى واللمعة وغيرها من كتب المتقدمين والمتأخرين بلا خلاف فيه بين الأصحاب على الظاهر ، ولعله لإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة حديث ٢.

٢٨

الصحيح المتقدم المؤيد بفتوى من سمعت يحكم بحصول الجنابة بغيبوبة الحشفة في الفرج وان لم يكن في مدخله المعتاد ، بل قد يدعى أولويته ، لاتفاق حصول المماسة فيه حقيقة ، كما إذا أدخلت المرأة الكبيرة حشفة الطفل الصغير فيما يقابل محل الختان منها ، فان الظاهر تحقق الغيبوبة بذلك ، إلا ان يدعى انصرافه الى المتعارف ، سيما بعد أن سمعت التصريح بان المراد بالالتقاء المعنى المجازي ، فارادة المعنى الحقيقي حينئذ مع ذلك مستلزم لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وحمله على عموم المجاز مجاز مرجوح بالنسبة إلى المجاز الأول.

ثم الظاهر ـ كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بدعوى الإجماع ، بل في شرح الدروس الظاهر الاتفاق عليه كما قد يظهر من آخر نفي الخلاف فيه ـ ان من لا ختان له كمقطوع الحشفة يتحقق جنابته بدخول ذلك المقدار ، لكون المنساق من الأدلة المشتملة على التقاء الختانين إرادة التقدير بذلك لا الاشتراط ، سيما بعد خروجها مخرج الغالب ، وأما احتمال تحقق جنابة نحو ذلك بمطلق الإدخال لما سمعت من الأدلة المحققة للجنابة به مع الاقتصار على المقيد فيمن يكون له ختان فهو ـ مع منافاته لما تقدم من الانسياق المذكور المؤيد بفهم الأصحاب واستصحاب الطهارة ـ ضعيف جدا ، مع عدم صراحة تلك الأدلة بذلك ، لاحتمال إرادة إدخال تمام الذكر ، لقوله عليه‌السلام فيها : « إذا أدخله » وفي آخر ( إذا أولجه ) المتوقف صدقه على إيلاجه جميعه ، ولعد الجزم بإرادة ذلك منهما ، لمكان احتمال إرادة الأول يظهر ضعف احتمال القول بتوقف جنابة المقطوع على إدخال تمام الباقي كاحتمال القول بعدم تحقق الجنابة فيه أصلا ، أخذا بمفهوم قوله عليه‌السلام ( إذا التقى الختانان ) الصادق بسلب الموضوع ، وبما سمعت من احتمال ان يراد بأخبار الإدخال والإيلاج اشتراط إدخال التمام المتعذر في المقام ، وخروج ذي الختان لا يقضي بخروج غيره ، وفي الكل من الضعف‌

٢٩

ما لا يخفى ، مع إمكان الاستدلال بأخبار الإدخال والإيلاج على المطلوب بتقرير عدم إرادة التمام قطعا كما في جامع المقاصد ، لمكان تحقق الجنابة بغيبوبة الحشفة ، فتعين إرادة البعض ، والمتيقن منه إرادة الحشفة أو مقدارها لفهم الأصحاب.

ومما تقدم يعلم تحقق الجنابة بإدخال الذكر في المرأة التي ليس لها محل ختان ، لما عرفت من عدم اشتراط ذلك ، بل قد يظهر من المرتضى دعوى الإجماع عليه على ما نقل عنه ، ويؤيده ما تسمعه ان شاء الله تعالى من تحقق الجنابة بالوطء في الدبر. وأما مقطوع البعض فيزيد على الاحتمالات المتقدمة احتمال تحقق الجنابة بغيبوبة الباقي منها مطلقا كما عن التذكرة والموجز الحاوي وجامع المقاصد ، والموجود في الأخير اشتراط ما يبقى معه مسمى الإدخال ، واختاره في كشف اللثام ، ولعله لمكان ما سمعت من التقييد يرجع الى القول الثاني من اشتراط عدم ذهاب المعظم كما في الذكرى والروض ، والأقوى خلاف الجميع ، بل لا بد من إدخال ما يتم به مقدار الحشفة ، إلا ان يكون الذاهب شيئا لا يعتد به ، كما هو قضية إطلاق الأصحاب من اشتراط غيبوبة الحشفة أو مقدارها ، وما يقال : من صدق التقاء الختانين فيه انك قد عرفت كون المنساق منها إرادة التقدير كما يشعر به موافقتهم على ذلك حيث يكون الذاهب تمام الحشفة ، وبه يعرف ضعف التمسك بإطلاق قوله عليه‌السلام : ( إذا أدخله ) مع ما عرفت سابقا كضعف التمسك بصدق غيبوبة الحشفة ، إذ هو ممنوع إلا مجازا ، فالأصل والاستصحاب وما عرفت من انسياق إرادة التقدير وغيرها يدل على ما اخترناه ، والظاهر ترتب الحكم على إيلاج الملفوف كما صرح به في المنتهى والتذكرة والإيضاح والذكرى والدروس وجامع المقاصد والذخيرة وشرح المفاتيح ، بل في الأخير نسبته الى الفقهاء مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وبه مع ظهور تناول الأدلة له من الالتقاء لكون المرأة منها المحاذاة كما عرفت وصدق اسم الغيبوبة والدخول والوطء والجماع ينقطع الأصل ، فلا يلتفت لما في القواعد‌

٣٠

من التنظر بذلك لما تقدم ، ولاحتمال بقاء الالتقاء على حقيقته مع تسمية مدخل الذكر بالختان ، مضافا الى كون المنساق من الأدلة خلافه ، ونحوه ما في نهاية الأحكام من احتمال عدم حصول الجنابة ، لأن استكمال اللذة يحصل برفع الحجاب ، وفيها احتمال التفصيل بين كون الخرقة لينة لا تمنع وصول بلل الفرج الى الذكر وحصول الحرارة من أحدهما إلى الآخر وما ليست كذلك ، فتحصل الجنابة بالأولى دون الثانية ، وهما كما ترى.

وان جامع بأن أدخل من ذكره ما تحقق به الجنابة في الدبر أي دبر المرأة ولم ينزل وجب الغسل على الأصح لوجوه ، ( منها ) صدق اسم الفرج عليه كما في المصباح المنير ومجمع البحرين وكذا القاموس ، وقد نسبه الى اللغة غير واحد من الأصحاب ، بل عن المرتضى كما في السرائر انه لا خلاف فيه بين أهل اللغة ، فيدخل حينئذ تحت ما دل على ان الإدخال والإيلاج والغيبوبة في الفرج موجب للغسل ، واحتمال انه وان كان كذلك عند أهل اللغة لكن العرف على اختصاصه بقبل المرأة ، وهو مقدم عليها يدفعه بعد تسليم كون العرف الآن كذلك انه معلوم الحدوث أو مظنونه فلا يكون حجة ، ويشعر به معلومية إطلاقه في الكتاب والسنة على ذكر الرجل ، كقوله تعالى (١) ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) وغيرها من الأخبار مع عدم إطلاقه الآن عليه ، ومما يشعر به أيضا ما عن المرتضى رحمه‌الله من انه لا خلاف في شمول اسم الفرج له عند أهل الشرع ، وكذا ما نقله غيره من ان الفرج لما يشمل الدبر لغة وعرفا كالعلامة رحمه‌الله ، وبه يظهر حدوث هذا العرف ، و ( منها ) إطلاق قولهم إذا أدخله وأولجه أو غيب الحشفة فقد وجب الغسل الشامل للدبر ، وما يقال : ان المطلق ينصرف الى المتعارف يدفعه ـ بعد تسليم كون ذلك من المتعارف الذي يكون سببا لحمل اللفظ عليه ـ انه كذلك ما لم يعارضه فهم الأصحاب ، لانقلاب الظن حينئذ‌

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ الآية ـ ٥.

٣١

بخلافه. و ( منها ) قوله تعالى (١) ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) لصدق اسم الملامسة على الجماع في الدبر قطعا ، فيحتاج الإخراج إلى دليل ، ولا ينافيه ما‌ ورد (٢) في تفسيره عن الباقر عليه‌السلام انه « ما يريد بذلك إلا المواقعة في الفرج » بل يؤيده ، لما عرفت من صدق اسم الفرج عليها. و ( منها ) قوله عليه‌السلام : « أتوجبون عليه الحد ولا توجبون عليه صاعا من ماء » ونحوه غيره مما دل على التلازم بينهما ، لا يقال : ان من المعلوم بديهة ترتب الحد على ما لا يوجب الغسل ، لأنا نقول ان المراد ما أوجبه مما يدخل تحت مسمى الوطء والجماع ونحو ذلك ، لا ما أوجبه من القذف ونحوه كما هو واضح. و ( منها ) مرسل حفص بن سوقة (٣) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل » وهو منجبر بما تسمع ، فلا يقدح الإرسال.

و ( منها ) الإجماع المنقول على لسان ابن إدريس والمرتضى ، قال الأول : انه إجماع بين المسلمين ، وقال الثاني على ما نقل عنه : « لا أعلم خلافا بين المسلمين في ان الوطء في الموضع المكروه من ذكر وأنثى يجري مجرى الوطء في القبل مع الإيقاب وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به وان لم يكن إنزال ، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإمامية إلا ذلك ، ولا سمعت ممن عاصرني منهم من الشيوخ نحوا من ستين سنة يفتي إلا بذلك ، فهذه مسألة إجماع من الكل ، ولو شئت ان أقول معلوم ضرورة من دين الرسول (ص) انه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم فان داود وان خالف في ان الإيلاج في القبل إذا لم يكن معه إنزال لا يوجب الغسل ، فإنه لا يفرق بين الفرجين كما لا يفرق باقي الأمة بينهما في وجوب الغسل بالإيلاج‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ٤٦.

(٢) تفسير الصافي ـ سورة النساء الآية ٤٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

٣٢

في كل واحد منهما ، واتصل لي في هذه الأزمان عن بعض الشيعة الإمامية ان الوطء في الدبر لا يوجب الغسل تعويلا على ان الأصل عدم الوجوب ، أو على خبر يذكر انه في منتخبات سعد أو غيرها. فهذا مما لا يلتفت اليه ، أما الأول فباطل لأن الإجماع والقرآن وهو قوله ( تعالى ) ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) يزيل حكمه ، وأما الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة الإجماع والقرآن ، مع انه لم يفت به ففيه ، ولا اعتمده عالم ، مع ان الأخبار تدل على ما أردناه ، لأن كل خبر تضمن تعليق الغسل بالجماع والإيلاج في الفرج فإنه يدل على ما ادعيناه ، لأن الفرج يتناول القبل والدبر ، إذ لا خلاف بين أهل اللغة وأهل الشرع بذلك » انتهى.

قلت : ويمكن للفقيه تحصيل الإجماع أيضا في هذا الوقت لندرة المخالف ، إذ هو فتوى المبسوط في كتاب النكاح ، كظاهر صومه وصوم التهذيب وطهارة الوسيلة وإشارة السبق والسرائر والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير والمختلف والإرشاد والقواعد والشهيد في الذكرى والدروس كما عن سائر كتبه ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد بل عن سائر تعليقاته ، والشهيد الثاني في الروض والروضة ، كما عن المسالك وكشف اللثام وغيرها ، وهو المنقول عن ابن الجنيد ، وهو ظاهر الإيضاح والتنقيح وكشف الرموز ، ويقرب منهما في الظهور اللمعة ، بل عساه الظاهر من المقنعة والجمل والعقود والغنية والمراسم والمهذب لقوله فيها : الجماع في الفرج بناء على شموله للقبل والدبر ، وزاد في المراسم الفرج إذا غيب الحشفة والتقى الختانان ، ولعله لذلك نسب بعضهم اليه الخلاف ، وفيه انه إلى العدم أقرب ، إذ قد يكون قصد بالأول التقدير للدبر ، وبالثاني لغيره ، وظاهر طهارة المبسوط والخلاف التردد كبعض متأخري المتأخرين ، ولم أعرف فيه مخالفا على البت ، نعم نسبه بعضهم الى ظاهر الفقيه ، ولعله لأنه لم يذكر سوى رواية الحلبي الآتية ، مع انه لا ظهور فيها أيضا كما ستعرف ، ونسبه آخر الى الشيخ في النهاية ،

٣٣

والموجود فيها لا غسل في الجماع في غير الفرج مع عدم الانزال ، فيحتمل ان يريد بالفرج ما يشملهما ، وربما قيل انه ظاهر الكليني ، لاقتصاره على مرفوعة البرقي الآتية الصريحة في عدم الغسل ، نعم قد يكون هو ظاهر الشيخ في الاستبصار والتهذيب لطعنه في مرسلة حفص السابقة وحملها على التقية ، وعمله على ما ينافيها من الروايات ، لكن قد عرفت ان غرضه في الاستبصار مجرد الجمع.

وكيف كان فأقصى ما يقال في الاستدلال عليه بعد الأصل‌ صحيحة الحلبي (١) قال : سئل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إذا أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال : ليس عليها غسل ، وان لم ينزل هو فليس عليه غسل » ومرفوعة البرقي (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم تنزل فلا غسل عليها ، وان أنزل فعليه الغسل ، ولا غسل عليها » ومرفوعة بعض الكوفيين (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها ، ولا غسل عليها » ونحوه مرسل علي بن الحكم (٤) ومفهوم‌ قوله عليه‌السلام (٥) : « إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما الماء من الماء » خرج ما خرج ، وبقي الباقي.

وفي الجميع ما لا يخفى ، إذ الأصل لا يعارض ما سبق ، وصحيح الحلبي مبني على اختصاص الفرج في قبل المرأة ، وقد عرفت ما فيه ، على انها تكون حينئذ عامة وما ذكرنا من قبيل الخاص ، ولعل حملها على التفخيذ هو المتجه ، ومرفوعة البرقي لا جابر لها ، مع احتمالها لعدم إدخال مقدار الحشفة ، وكذلك المرسلتان الآخرتان ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٢ مع الاختلاف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٥.

٣٤

وأما المفهوم فبعد تسليم حجيته في المقام لمكان خروجه مخرج الغالب وظهوره في إرادة مقدار ما يوجب الغسل في القبل فهو من قبيل العام ، وكذا المفهوم الثاني ، والحاصل لا ينبغي لمن له أدنى ممارسة في الفقه التشكيك في المقام بعد ما تقدم ، فلا حاجة للإطناب ، فتأمل جيدا.

وكذا الكلام في دبر الغلام ، فإنه لم يعرف فيه خلاف بين القائلين بوجوبه في دبر المرأة سوى ما يظهر من المصنف هنا حيث قال ولو وطأ غلاما فأوقبه ولم ينزل قال المرتضى رحمه‌الله : يجب الغسل معولا على الإجماع المركب ولم يثبت من القول بالعدم ، كصريح المعتبر ، وتردد في النافع ، والحق خلافه وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل قد عرفت انه لم يعرف القائل بالفصل بين المسألتين ، ولذا قال في المختلف : ان كل من أوجبه في دبر المرأة أوجبه في دبر الغلام ، ونحوه ما نقله المصنف عن المرتضى رحمه‌الله وقوله : ( لم يثبت ) كقوله في المعتبر : ( لم أتحققه ) لا يصلح لأن يكون ردا بعد فرض حجية مثل ذلك ، مع كون الناقل مثل المرتضى ، على ان ما نقله عن المرتضى رحمه‌الله من التعويل على الإجماع المركب غير ثابت ، بل المنقول عن المرتضى كما سمعت من عبارته الإجماع المحصل بالنسبة إليهما ، بل لو سلم انه قال : كما نقله عنه فهو إجماع بسيط أيضا ، لما عرفت انه في المرأة ادعى ذلك قطعا ، فبعد فرض ان كل من قال به بالنسبة إليها قال به هنا فهو إجماع بسيط أيضا ، نعم يتحقق الإجماع المركب لو كان هناك مخالف في المرأة.

وكيف كان فيدل عليه ـ بعد الإجماع المنقول بسيطا كما في السرائر وعن المرتضى ، ومركبا كما في المختلف الذي يشهد لهما التتبع لكلمات الأصحاب ـ فحوى إنكار علي عليه‌السلام (١) وإطلاق‌ قوله « إذا أدخله وأولجه وغيب الحشفة ، » مع انجبارها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٥.

٣٥

بما سمعت ، وإطلاق‌ حسنة الحضرمي (١) المروية في الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا » مع عدم صلاحية مستند الخصم للمعارضة ، إذ هو الأصل ، وبعض المفاهيم التي قد عرفت ما فيها ، وليعلم انه بناء على المختار من تحقق الجنابة في الدبرين فهو على حسب تحققه بالنسبة الى قبل المرأة ، فيجزي غيبوبة الحشفة كما هو نص إجماع المرتضى وابن إدريس ، ويجري الكلام في مقطوعها مثلا على حسبه هناك.

ثم انه لا إشكال في تحقق الجنابة بإيلاج الواضح في دبر الخنثى المشكل بالنسبة للواطي والموطوء ، أما لو أولجت الخنثى في دبر الخنثى فلا تتحقق الجنابة ، لأصالة براءة الذمة لاحتمال الزيادة ، وكذلك لو أولجت في قبلها ، نعم لو تحقق إنزال مع القول بعدم اشتراط خصوصية المجرى حصلت الجنابة حينئذ ، وكذلك لا تتحقق الجنابة لو أولج الواضح في قبل الخنثى ، لاحتمال كونه ثقبا كما صرح به جماعة من الأصحاب ، واحتمله العلامة في التذكرة ، أخذا بظاهر قوله عليه‌السلام : ( إذا التقى الختانان ) وهو جار في سابقه أيضا ، لكنه ضعيف ، لظهور العهدية فيهما ، وإلا لزم القول به مع تحقق الرجولية ، نعم تتحقق الجنابة لو أولجت في امرأة مع إيلاج الرجل فيها لأنها ان كانت امرأة فقد أولج فيها ، وان كانت رجلا فقد أولجت ، والرجل والامرأة كواجدي المني في الثوب المشترك ، هذا ان قلنا انه ليس هناك قسم ثالث ، وإلا فيحتمل عدم تحقق الجنابة بذلك أيضا ، لكنه لا يخلو من تأمل ، ولو توالج الخنثيان فلا جنابة على أحدهما ، لمكان الاحتمال كما هو واضح.

ولا يجب الغسل ولا الوضوء بوطء البهيمة في القبل أو الدبر إذا لم ينزل وان أدخل تمام ذكره على المشهور ، كما هو خيرة طهارة المبسوط والمعتبر والمنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب نكاح المحرم ـ حديث ١ من كتاب النكاح.

٣٦

والإرشاد والقواعد وجامع المقاصد والمسالك والروض ، وكاد يكون صريح الوسيلة والجامع والسرائر ، لتقييدهم غيبوبة الحشفة في فرج آدمي ، وهو المنقول عن الخلاف قال : « ان الذي يقتضيه مذهبنا عدم الوجوب » انتهى. لكني لم أجده فيما حضرني من النسخة ، ولعله سقط منها ، بل الذي وجدته في باب الصوم منه ما يقضي بظاهره وجوب الغسل ، قال فيه : « إذا أولج في بهيمة ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص ، لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء ، لأنه لا خلاف فيه ، وأما الكفارة فلا تلزمه للأصل ، وكذا الحد ، بل يجب عليه التعزير » انتهى. فان مقتضى إيجابه القضاء تحقق الفساد في ذلك ، ومنه يظهر حينئذ وجوب الغسل ، ويشعر به استظهارهم من صوم المبسوط القول بوجوب الغسل ، لحكمه بالقضاء كما ستعرف.

وكيف كان فالحجة على عدم الوجوب أصالة البراءة السالمة عن المعارض ، واستصحاب يقين الطهارة ، وقضاء مفهوم‌ قوله عليه‌السلام (١) : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ) ومفهوم ما دل (٢) على قصر الغسل على الانزال من شرط وغيره ، كالحصر في‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( انما الماء من الماء ) ونحوه على الأصح من العموم في المفهوم ، وخروج البعض غير قادح في الحجة خلافا لظاهر الشيخ في صوم المبسوط لإبطاله الصوم بوطء البهيمة ، وصريح العلامة في المختلف والشهيد الثاني في الروضة ، والأستاذ المعظم الآغا في شرحه ، وشيخنا الفاضل في الرياض ، وقواه الشهيد في الذكرى ، وهو المنقول عن المرتضى رحمه‌الله بل يظهر منه دعوى الإجماع عليه وكونه من المسلمات ، قال على ما حكاه عنه في المختلف عند الكلام على وجوبه في دبر المرأة وادعائه الإجماع على ذلك : « وأما الأخبار المتضمنة لإيجابه عند‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ـ ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الجنابة.

٣٧

التقاء الختانين فليست مانعة من إيجابه في موضع آخر لا التقاء فيه لختانين ، على انهم يوجبون الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة ، وفي قبل المرأة وإن لم يكن هناك ختان ، فقد عملوا بخلاف ظاهر الخبر ، فإذا قالوا البهيمة وان لم يكن في فرجها ختان فذلك موضع الختان من غيرها فكذلك من ليس بمختون من الناس » انتهى. وهو ظاهر في دعوى الإجماع ، ويؤيده مضافا الى ذلك مفهوم الأولوية في‌ قوله عليه‌السلام : ( أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء ) بل في المرسل المروي في بعض كتب الأصحاب « ما أوجب الحد أوجب الغسل » وما يقال في المناقشة في الأول بأنه ظاهر في ان إيجاب الصاع من الماء أولى من إيجاب الحد مع الرجم لا الحد فقط ضعيف ، بل المتبادر خلافه ، وذكر الرجم لكونه كذلك في المقام ، وإلا فالرجم ليس في جميع أفراد الزنا ، فالمقصود منه بحسب الظاهر ان سبب الحد والغسل متحد ، إذ هو مسمى الوطء ، فيتحد في الدلالة مع المرسل ، وبه يظهر ضعف ما يقال في دلالة المرسل من ان كثيرا من أسباب الحد لا توجب غسلا ، على انه لو سلم ذلك فأقصاه يكون من باب العام المخصوص ، فلا يقدح في حجيته ، نعم قد يناقش في الدلالة لو قلنا ان الثابت على وطء البهيمة انما هو تعزير لا حد ، ويأتي التحقيق فيه ان شاء الله تعالى ، كما في الثاني بأنه لا جابر له في المقام ، وفيه ان ما عرفته من إجماع المرتضى كاف في الجبر ، وكان العمدة في إثبات المطلوب الإجماع ، لكنه في استفادته من عبارة المرتضى تأمل وتردد ، وإلا فبعد تسليم الدلالة في بعضها لا تصلح للمعارضة ، إذ هي ما بين أصل أو عموم مفهوم ، لكن الظاهر انه يقتصر في الحكم حينئذ على وطء البهيمة على معنى كون البهيمة موطوءة كما هو المتبادر من إضافة المصدر الواقع في الفتوى ، أما لو كانت فاعلة فلم أعرف أحدا من الأصحاب نص عليه عدا الشهيد الأول في الذكرى ، والثاني في الروضة ، فإنه يظهر منهما تساوي الحكم في المقامين ، ولعل التمسك بالأصل واستصحاب‌

٣٨

الطهارة وغيرها لا يخلو من قوة ، فتأمل جيدا.

تفريع الغسل من الجنابة أو غيرها يجب على الكافر عند حصول سببه على نحو المسلم كسائر الفروع ، لعموم ما دل على التكليف بها ، ولا يمنع من ذلك عدم التمكن من الصحيح حال الكفر ، لأن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار ، على ان الأيمان من شرائط الوجود التي يجب على المكلف تحصيلها ، فلا مانع من التكليف حال عدمها مع التمكن منها ، وخلاف أبي حنيفة ضعيف كما بين في محله ، على ان ما نحن فيه من الأغسال من قبيل خطابات الوضع التي يجب مسببها حيث يصل الإنسان إلى قابلية التكليف ، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في وجوبه عليه بعد الإسلام ، وعدم صحة الصلاة بدونه ، وان سلمنا عدم وجوبه عليه حال الكفر ، فيكون من قبيل وطء الصبي والمجنون ونحوهما ، ولعله لما سمعته لم أجد خلافا فيما نحن فيه ، بل يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه ، بل الظاهر تحصيله على الوجوب حال الكفر فضلا عن حال الإسلام.

لكن لا يصح منه في حال كفره لعدم التمكن من نية القربة ، ونجاسة محل الغسل ، وللإجماع المنقول على شرطية الايمان في صحة العبادات ، ومن الأخير يعلم بطلان عبادة المخالف أيضا وان كانت موافقة لما عند الشيعة ، إذ الظاهر ان المراد بالايمان هو المعنى الأخص ، وهل يسقط عنه إعادته لو استبصر إذا لم يخل بشي‌ء منه على ما هو عليه من المذهب كغيره من العبادات عدا الزكاة؟ وجهان ، من عموم ما دل (١) على عدم وجوب إعادة شي‌ء من عباداته لو استبصر عدا الزكاة ، واحتمال كون الأيمان المتأخر شرطا ولو متأخرا ، فيكون حينئذ كاشفا عن صحة ما وقع ، سيما إذا كان ما جاء به على مقتضى مذهبه موافقا لما عند الشيعة ، ومن ان المخالف ليس بأولى من الكافر الأصلي في التحقيق حتى ورد في حقه ان الإسلام يجب ما قبله ، ومع ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٣٩

فإذا أسلم وجب عليه الغسل عندنا بلا خلاف أجده فيه ويصح منه لموافقته للشرائط جميعها ، إذ الظاهر ان المراد بكونه يجب ما قبله انما هو بالنسبة للخطابات التكليفية البحتة ، لا فيما كان الخطاب فيها وضعيا كما فيما نحن فيه ، فان كونه جنبا يحصل بأسبابه ، فيلحقه الوصف وان أسلم ، فكذا المخالف ، ولعل الأول أقوى.

ولو اغتسل ثم ارتد الكافر بعد إسلامه واغتساله ثم عاد لم يبطل غسله لعدم الدليل على كون الردة ناقضة للغسل كما هو واضح ، ولو حذف قوله : ( ثم عاد ) لكان أخصر وأوضح ، ولو كان الارتداد عن فطرة فإن قلنا بعدم قبول توبته مطلقا في الظاهر والباطن فلا إشكال في عدم صحة الغسل منه وان كان مكلفا به ، ولا قبح لأن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار ، مع احتمال ان يقال : انه لا تتوجه اليه الخطابات ، لكنه يعاقب عقاب التارك المختار ، وان قلنا بقبول توبته في الباطن دون الظاهر احتمل القول بصحة الغسل منه كسائر العبادات وان جرى عليه حكم الكفر بالنسبة إلى غيرها من الأحكام كالقتل وعدمه ، واحتمل القول بصحته بالنسبة اليه وان جرت عليه أحكام الجنب بالنسبة إلينا ، وكذلك طهارة بدنه ونجاسته ، فتأمل جيدا ، ويأتيك التحقيق ان شاء الله في محله.

وإذ قد تقدم منا الإشارة إلى كون غسل الجنابة من قبيل خطابات الوضع وجب التعرض لبعض الكلام في المسألة ، فنقول يظهر من جماعة من الأصحاب بل لا أجد فيه مخالفا على القطع كونه كذلك ، فيجب على الصبي الغسل بعد بلوغه لو أولج في صبية ، أو أولج فيه من صبي أو بالغ ، وتجري عليه أحكام الجنب الراجعة لغيره كمنعه من المساجد مثلا ، وقراءة العزائم ، ومس كتابة القرآن ان قلنا بوجوب مثل ذلك على الولي أو عليه وعلى غيره ، وكذا يجري عليه حكم كراهة سؤره مثلا ، ونحو ذلك من فوائد النذر واليمين ، وبه صرح في المعتبر والمنتهى والدروس والروض ، وتوقف فيه في التذكرة والتحرير والذكرى والذخيرة ، وكأن وجه الاشكال هو ان خطابات الجنابة‌

٤٠