جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين » والأقوى في النظر الثاني سيما في الجامع لأوصافها كما هو المستفاد من استقراء أخبار الباب على كثرتها ، للحكم فيها بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيضية ، منها أخبار الاستظهار (١) ومنها أخبار المستمر دمها (٢) الى غير ذلك (٣) مضافا الى أصالة عدم وجوب سبب غيرها ، وأغلبيته في النساء بعد الحيض ، بل لعله كالطبيعي لهن ، وبذلك ينقطع الأصل والقاعدة ، ويسقط المرسل ، مع انه غير جامع لشرائط الحجية ، ويشتمل على ما لا نقول به كما تقدم بيانه ، ومحتمل لإرادة نفي الحيضية خاصة ، فاحتمال التفصيل ـ بين أقسام المستحاضة ففي الناقص عن الثلاثة يشترط العلم بكونه لا من قرح ولا جرح ، دون غيره من المتجاوز للعشرة ونحوه ، جمعا بين المرسل وغيره كما عساه يحتمل من الإرشاد ، وكذا التحرير ـ ضعيف جدا ، كضعف ما في المدارك من عدم الحكم باستحاضة غير المتصف بصفاتها ولو علم انتفاء الدماء الأربعة إلا فيما دل الدليل ، وقضيته وجود دم غير الخمسة يمنع من الحكم بها ، وهو كما ترى ، بل يظهر من الأستاد الأعظم في شرح المفاتيح وغيره الإجماع على خلافه ، ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب ، للحكم بها عند انتفاء الأربعة من غير إشكال ولا خلاف يعرف ، كما انه المستفاد من الأخبار أيضا.

( وكذا ) الكلام فيما تراه م ( ما يزيد عن ) أيام ( العادة و ) لكن بشرط ان يتجاوز عن العشرة من غير فرق بين أيام الاستظهار وغيرها على ما تقدم تحقيقه سابقا أو ما يزيد عن أيام النفاس لما ستعرفه ان شاء الله تعالى.

( أو يكون ) الدم مع الحمل مطلقا على الأظهر من عدم اجتماع الحيض معه كما عن الإسكافي والتلخيص ، وفي النافع انه أشهر الروايات ، ونقله في المنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض.

٢٦١

عن المفيد وابن إدريس للأصل وقاعدة اليقين ، وخبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما كان الله تعالى ليجعل حيضا مع حبل ، يعني انه إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا ان ترى الدم على رأس الولد ، وضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة » وقول أبي الحسن الأول عليه‌السلام في صحيح حميد بن المثنى (٢) « عن الحبلى ترى الدفعة والدفعتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين ، فقال : تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة » وللأخبار الكثيرة (٣) بل قيل انها متواترة الواردة في الاستبراء بالحيض والعدة به ، ولما عساه يشعر به ما دل (٤) على ان الحيض غذاء الولد في الرحم ، ولتعارف عدم حصوله في هذا الحال فيحصل الظن بعدمه ، ولعل مراد المصنف بالحمل استبانته كما لعله المتبادر من نحو العبارة ، ويشعر به نسبته له في النافع إلى أشهر الروايات ، بل كاد يكون صريحه في المعتبر ، فيوافق ما في الخلاف والسرائر وعن الإصباح ، ويستدل حينئذ بالإجماع المحكي في الأول على عدم الحيضية مع الاستبانة ، وبما في الثاني بعد نسبته إلى الأكثرين المحصلين من الإجماع على بطلان طلاق الحائض ، وصحة طلاق الحامل ولو في حال الدم.

وفي الكل نظر فالأقوى مجامعة الحمل للحيض من غير فرق بين الاستبانة وعدمها ، كما هو خيرة الناصريات والفقيه والمنتهى والمختلف والقواعد والدروس والتنقيح وجامع المقاصد وغيرها ، وهو المشهور نقلا في الأخير وغيره وتحصيلا ، بل في الأول الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا الى أصالة بقاء قابليتها لذلك والى أخبار الصفات (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العدد ـ من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض.

٢٦٢

والى أخبار العادة (١) وقاعدة الإمكان في وجه ، كأخبار التحيض (٢) بالرؤية في آخر والى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة ، ( منها ) صحيح عبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام انه سئل « عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ فقال : نعم ، ان الحبلى ربما قذفت بالدم » و ( منها ) صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٤) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك ، هل تترك الصلاة؟ قال : تترك الصلاة إذا دام » و ( منها ) حسن سليمان بن خالد (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت : جعلت فداك الحبلى ربما طمثت قال : نعم ، وذلك ان الولد في بطن أمه غذاؤه الدم ، فربما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفعته ، فإذا دفعته حرمت عليها الصلاة » و ( منها ) خبر محمد بن مسلم (٦) في خصوص المستبين حملها قال : « سألته عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة من الدم ، ان كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي وان كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء » وصحيح أبي المعزى (٧) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبلى قد استبان منها ترى كما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة ان كان دما كثيرا فلا تصلين ، وان كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين » الى غير ذلك (٨) من الأخبار.

وهي ـ مع اعتبارها واعتضادها بما سمعت ومخالفتها للمشهور بين العامة من عدم الحيضية المنقول عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وجابر بن يزيد وعكرمة ومحمد بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض.

٢٦٣

المنكدر والشعبي ومكحول وحماد والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وابن المنذر وأبي عبيد وأبي ثور والشافعي في القديم ـ لا يصلح معارضتها بما تقدم من الأصل المنقطع ، وخبر السكوني الذي لا جابر له ، مع ما فيه من أمارات الموافقة لأولئك ، والصحيح الآخر المعارض بما عرفت مع ظهوره في عدم حصول أقل الحيض ، وأخبار الاستبراء والعدة المتعارضة في نفسها ، لاشتمال بعضها على الاستبراء بثلاثة قروء القاضية بجواز اجتماع الواحدة والثنتين معه المحتملة لأولوية الاستدلال بها على المختار ، مع الذب عن المشتمل منها على الواحدة المنافي لذلك باحتمال اعتبار الشارع المظنة في المقام الحاصلة بها من غلبة عدم الاجتماع ، والاشعار من كونه غذاء للولد الغير الصالح لمعارضة شي‌ء مما ذكرنا ، سيما بعد قوله عليه‌السلام في بعضها : انه ربما يزيد على الولد فتقذفه ، والظن الناشئ من الغلبة المعارض بمثله في الجامع للأوصاف ونحوه ، مع عدم الدليل على اعتباره ، والإجماع الذي لم نتحققه بل المتحقق خلافه ، كالنسبة في السرائر إلى الأكثرين المحصلين ، وكالإجماع الثاني الممنوع في المقام ، بل المسلم منه ممنوعية الطلاق في الحائل دون الحامل ، فكان الأقوى حينئذ ما تقدم.

نعم قد يخص المختار بما إذا رأته في العادة أو مع التقدم قليلا لا ما إذا تأخر عنها عشرين يوما مثلا ، لصحيح الحسين بن نعيم الصحاف (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال : فقال : إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فلتتوضأ وتحتشي وتصلي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٦٤

فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها » وربما يشهد له بعض الإشارات في الأخبار المتقدمة ، كقوله (١) : ( كما كانت ترى ) ونحوه ، وعن النهاية الفتوى بمضمونه ، وربما مال اليه المصنف في المعتبر ، وفي المدارك انه لا يخلو من قوة ، وفي الجامع « أنه رأته الحامل في أيام عادتها واستمر ثلاثة أيام كان حيضا » انتهى. وفي الاستبصار عند الجمع بين الأخبار « انما يكون الحيض ما لم يستبن الحمل ، فإذا استبان فقد ارتفع الحيض ، ولأجل هذا اعتبرنا انه متى تأخر عن عادتها بعشرين يوما فليس ذلك دم حيض » ثم استدل بالصحيح ، وهو كما ترى مخالف لظاهر الخبر ، لكن اختصاص تلك الأدلة الكثيرة بمجرد هذا الصحيح المعرض عنه بين أكثر الأصحاب الذي بينه وبين ما دل على اعتبار الصفات في المقام وغيره تعارض العموم من وجه لا يخلو من تأمل ونظر ، سيما بالنسبة لغير ذات العادة أيضا ، فتأمل ، مع ما فيه من إجمال لفظ قبل العادة الممكن التحقق بعد مضي المقدار المذكور الذي نفي فيه الحيضة ، فيحصل حينئذ مقتضاها ومقتضى عدمها.

نعم قد يجمع بين الأخبار بحمل ما دل على التحيض على الرؤيا في العادة ، أو فيما تقدمها بقليل مثلا ، وعلى الجامع للصفات ، وحمل ما دل على العدم على خلافهما ، كالمتأخر عن العادة كثيرا أو الفاقد لها ، وله شواهد فيما تقدم من الأخبار كقوله عليه‌السلام : ( إن كان دما أحمر كثيرا ) وك‌ قوله : ( كما كانت ترى ) ونحو ذلك ، اللهم إلا ان يرد بأنه إحداث قول جديد ، لكنه ممنوع ، بل لا دلالة في كلام الأصحاب ، فإنهم وان أطلق أكثرهم من غير تقييد بذلك إلا ان الظاهر إرادتهم إثبات إمكان أصل الاجتماع في مقابلة من نفاه ، وربما يؤيده بالنسبة إلى اعتبار الصفات ما عن‌ الفقه الرضوي (٢) « والحامل إذا رأت الدم كما كانت تراه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

٢٦٥

تركت الصلاة أيام الدم ، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة » وربما يؤيده أيضا ما تقدم سابقا في قاعدة الإمكان ، مع انه قد يقال هنا لا ظن من جهتها في الفاقد في خصوص الحامل ، إذ هو نادر في نادر ، بل ربما يظهر في الفقيه ان المدار على الصفات من غير نظر الى العادة وغيرها ، قال فيه : « والحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة ، فإن الحبلى ربما قذفت الدم ، وذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر فان كان قليلا أصفر فلتصل ، فليس عليها إلا الوضوء » انتهى ، فتأمل جيدا.

أو ما تراه المرأة مع اليأس كما في القواعد والإرشاد والنافع والتحرير وجامع المقاصد وكشف اللثام والرياض أو قبل البلوغ كما في الخمسة الأخيرة ، إلا اني لم أعثر على ما يدل على استحاضتهما بالخصوص في النصوص ، بل قد يظهر من الإرشاد وكذا القواعد نفيه في الثانية ، للاقتصار على الأول ، كما انه قد يتوهم أيضا مما قيل من إطلاق الأصحاب تقسيم المستحاضة إلى المبتدأة والمعتادة والمضطربة ، بل قد يتوهم نفيهما معا من إطلاق الأخبار والأصحاب تحيضها بأيامها أو بالتميز أو نحوهما ، لكن قد يرشد اليه فيهما ما عرفته من الأصل على إشكال في جريانه في الصغيرة ، للشك في أصل قابليتها للاستحاضة ، وانحصار الدماء عند الأصحاب في الخمسة ، والتوهم السابق من الإطلاق يرفعه ما عن نهاية الأحكام « الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمي الحيض والنفاس خارج من الفرج مما ليس بعذرة ولا قرح سواء اتصل بالحيض كالمجاوز لأكثر الحيض ، أو لم يكن كالذي تراه المرأة قبل التسع ، فإنه وان لم نوجب الأحكام عليها في الحال لكن فيما بعد يجب الغسل أو الوضوء ، ونوجب الأحكام على الغير ، فيجب النزح وغسل الثوب من قليله ، وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده ، وبهذا المعنى تنقسم المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة ، وأيضا الى المميزة وغيرها ، ويسمى ما عدا ذلك دم فساد ، ولكن الأحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف » انتهى.

٢٦٦

وإذا تجاوز الدم أكثر الحيض الذي هو عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد امتزج حيضها ظاهرا وواقعا بطهره كذلك ، وحينئذ فهي إما مبتدأة بالكسر أي ابتدأت بالدم ، أو بالفتح أي ابتدأها الدم ، وهي من لم تسبق بحيض كما في المعتبر ويعطيه ظاهر اللفظ ، وذيل مرسل يونس الطويل (١) فتكون المضطربة حينئذ أعم من الناسية أو من لم تستقر لها عادة ، لكن الذي يظهر من المصنف هنا حيث خص المضطربة في القسم الأول ان المراد بالمبتدأة من لم تستقر لها عادة سواء كان ذلك لابتداء الدم أو لعدم انضباط العادة كما نص عليه بعضهم ، بل في الروضة انه أشهر ، وفي المسالك انه المشهور ، ولعل الاختلاف في ذلك لفظي ، لعدم تعليق حكم في الأخبار على لفظ المبتدأة ، وما في الروضة والرياض ان فائدته رجوع القسم الثاني من المبتدأة إلى أهلها وعدمه ضعيف ، لتبعية الحكم للدليل لا لمجرد الاصطلاح ، نعم ستسمع فيما يأتي ان الظاهر من كثير من الأصحاب إرادة الثاني من المبتدأة. أو ذات عادة مستقرة وقتا وعددا أو أحدهما أو مضطربة القلب لنسيانها العادة وقتا أو عددا أو معا ، وتسمى حينئذ المتحيرة ، وربما تطلق المضطربة على ما يشملها ومختلفة الدم ، فلم تستقر لها عادة كما عرفت ذلك مما تقدم في المبتدأة.

وكيف كان فالمبتدأة بالمعنى الأعم ترجع أولا إلى اعتبار الدم ، فما شابه دم الحيض في صفاته الثابتة له فهو حيض ، وما شابه دم الاستحاضة في صفاتها كذلك فهو استحاضة كما في المبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والمعتبر والنافع والقواعد والمنتهى والتحرير والدروس والبيان وجامع المقاصد وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين ، بل في المعتبر نسبته الى فقهاء أهل البيت (ع) والمنتهى والتذكرة إلى علمائنا مع زيادة ( أجمع ) في الأخير ، لكن معقده فيها المبتدأة ، والمتيقن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٦٧

منها المعنى الأخص كالمتيقن من إجماع الفرقة المحكي في الخلاف أيضا ، ويدل عليهما مضافا الى ذلك المعتبرة المستفيضة الدالة على اعتبار الصفات ، ( منها ) الحسن كالصحيح عن حفص بن البختري (١) قال : « دخلت على الصادق عليه‌السلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم ، فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ قال : فقال : ان دم الحيض حار عبيط أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان الدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة ، فخرجت وهي تقول : والله ان لو كان امرأة ما زاد على هذا » و ( منها ) خبر معاوية بن عمار (٢) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ، ان دم الاستحاضة بارد ، وان دم الحيض حار » و ( منها ) خبر إسحاق بن جرير (٣) قال : « سألتني امرأة منا ان أدخلها على أبي عبد الله عليه‌السلام ـ الى ان قال ـ : قالت : ان أيام حيضها تختلف عليها ، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك ، فما علمها به ، قال : دم الحيض ليس به خفاء ، هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد ، قال : فالتفت الى مولاتها ، فقالت : أتراه كان امرأة مرة » الى غير ذلك.

وخصوص سؤال الأخير لا يصلح للحكم على جوابه فضلا عن غيره ، فهذه الأخبار ـ مع اعتبارها في نفسها واشتمالها على ما هو كالمعجز ، واعتضادها بما سمعت من الإجماعات التي يشهد لها التتبع لكثير من كلمات الأصحاب ـ تحسم مادة التوقف في هذا الحكم بالنسبة إليهما معا ، سيما مع عدم معارض لها سوى ما عساه يظهر من ذيل مرسل يونس الطويل (٤) من اختصاص الرجوع للتمييز بالمضطربة التي كانت لها أيام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) الفروع ( باب جامع في الحائض والمستحاضة ) ـ حديث ١ من كتاب الحيض.

٢٦٨

متقدمة ، ثم اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، وان المبتدأة التي لم تسبق بدم تكلف أبدا بالتحيض في علم الله بستة أو سبعة ، وهو ـ مع إعراض الأصحاب عنه في خصوص ذلك فلا جابر له بالنسبة اليه ، والتشوش في متنه الذي يظن معه ان فيه تصرفا من الراوي كما لا يخفى على من لاحظ ذيله بتمامه ومعارضته بغيره ـ لا يقاوم ما تقدم ، ومن هنا كان المتجه تنزيلها على ما إذا كان الدم بلون واحد كما عساه يشعر به التشبيه في ذيله بقصة حميئة بنت جحش ، بل قد يفهم من‌ قوله عليه‌السلام في آخره : ( وان اختلط ) الى آخره الدلالة على المطلوب ، كقوله عليه‌السلام : ( وان لم يكن الأمر كذلك ) في أحد الاحتمالات ، وان كان الأظهر فيه إرادة بيان المضطربة (١).

__________________

(١) قال فيه : « وهذه السنن الثلاثة لا تكاد ابدا تخلو من واحدة منهن إن كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها وخلقها الذي جرت عليه ليس فيه عدد معلوم موقت غير أيامها ، وإن كان اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألوانا فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته ، وان لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون ، وإن استمر بها الدم أشهرا فعلت في كل شهر كما قال (ص) لها ، فان انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي ، فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه ـ الى أن قال ـ : وإن اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف على حد ولا من الدم على لون عملت بإقبال الدم وإدباره ، وليس لها سنة غير هذا ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي » ‌ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن دم الحيض أسود يعرف » ‌كقول أبي عليه‌السلام : « إذا رأيت الدم البحراني » ‌فان لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون ، لأن قصتها كقصة حميئة حين قالت : إني أثجه ثجا » فتأمل جيدا. « منه رحمه‌الله ».

٢٦٩

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في الحكم لذلك بعد ما عرفت ، فما وقع لصاحب الحدائق ـ من الاشكال فيه بالنسبة إلى المبتدأة لهذا المرسل وللأخبار (١) الواردة فيها إذا استمر بها الدم الآمرة لها بالرجوع للعشرة في الدور الأول ، والثلاثة في الدور الثاني ، ويقرب منها غيرها مع عدم ذكر الرجوع للصفات في شي‌ء ، وتخصيصها بأخبارها ليس بأولى من العكس ـ لا ينبغي ان يلتفت إليه ، إذ لا أقل من ان يكون كلام الأصحاب وإجماعاتهم سببا للأولوية ، مضافا الى قوة أخبار الصفات من جهات ، وكذا ما يظهر من ابن زهرة في غنيته من عدم ذكر التمييز للمبتدأة ، بل جعل مدارها على أكثر الحيض وأقل الطهر ، وما يظهر من أبي الصلاح في الكافي من جعل مدار المبتدأة على عادة نسائها ، وكذا المضطربة التي لا تعرف زمان حيضها من طهرها ، لكن ذكر في الثانية انها ان لم يكن لها نساء تعرف عادتهن اعتبرت صفة الدم ، كل ذلك لما عرفت.

نعم ( بشرط ) في رجوعها الى التمييز ( ان يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ) كما في المبسوط والمعتبر والمنتهى والقواعد والتحرير والدروس والبيان والتذكرة وجامع المقاصد وغيرها ، بل في أول الأخيرين الإجماع ، كما عساه يظهر من المعتبر ، وفي الآخر نفي الخلاف فيه ، وقضية ذلك انها لا تتحيض بالناقص ولو بإكماله ، ولا بالزائد ولو بتنقيصه ، وهو مما ينبغي القطع به مع عدم الإكمال أو التنقيص ، لما دل على ان أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة من النصوص (٢) والإجماعات ، وبها مضافا الى ما سمعت هنا بل في كشف اللثام الاتفاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض.

٢٧٠

عليه أيضا يقيد إطلاق أخبار الصفات ، فما في الحدائق ـ من الإشكال في ذلك لإطلاق أخبار الصفات سيما مرسل يونس الطويل للتصريح فيه بالرجوع إليها قلت أو كثرت ـ لا ينبغي ان يصغى اليه ، لورود أكثرها في بيان الوصف لا بيان المقدار ، وعدم الصراحة في المرسل ، لاحتمال إرادة أقل الحيض وأكثره ، ومع التسليم يجب طرحه في مقابلة ما ذكرنا ، والأمر واضح.

نعم قد يقال : ان مقتضى الجمع بين ما دل على التميز وبين ما دل على أقلية الحيض وأكثريته هو تكميل الناقص بما يبلغ الأقل ، وتنقيص الزائد بما يمكن حيضيته ، وفيه انه ليس بأولى من الجمع بين ما دل على الأقلية وما دل على أن الفاقد استحاضة باستكشاف عدم حيضية الناقص ، ولا بأولى من ان يقال في صورة الزيادة : انه قد امتزج الحيض بالطهر فلم يعلم ، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، لكن قال في كشف اللثام : « انه هل يفيد أي الناقص والزائد التحيض ببعض الثاني ، وبالأول مع إكماله بما في الأخبار (١) أو بعادة النساء؟ قطع الشيخ في المبسوط بالأول ، فقال : إذا رأت أولا دم الاستحاضة خمسة أيام ثم رأت ما هو بصفة الحيض باقي الشهر تحكم في أول يوم ترى ما هو بصفة الحيض الى تمام العشرة بأنه حيض ، وما بعد ذلك استحاضة ، وان استمر على هيئته جعلت بين الحيضة والحيضة الثانية عشرة أيام طهرا ، وما بعد ذلك من الحيضة الثانية ، ثم على هذا التقدير ـ الى ان قال ـ : ولا يبعد عندي ما ذكره الشيخ ، ولا التحيض بالناقص مع إكماله ، لعموم أدلة التميز ، وتبعه في الرياض معللا لهما بذلك » وفيه ـ مع منافاته للأصل وللشرطية التي قد عرفت دعوى الإجماع عليها المعتضد بنفي الخلاف ، إذ قضيتها انها تكون حينئذ بمنزلة الفاقدة للتمييز ـ انه مناف في الصورة الأولى لما دل على عادة النساء ، إذ قد تكون أقل من عشرة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض.

٢٧١

وقد تكون في أول الشهر مثلا ، بل ولما دل على التحيض بالروايات ، لما ستسمع ان مقتضى الجمع بينها الثلاثة في شهر وعشرة في آخر ، أو سبعة في كل شهر ، لا الإلزام بالعشر بعد مضي أقل الطهر دائما ، على انك قد عرفت ان أدلة التمييز لا بد من تقييدها بما ذكرنا ، فلا تصلح مدركا لذلك ، وكيف وقد تقدم ان دلالة الواجد على التحيض ليس بأولى من دلالة الفاقد على عدمه ، وأيضا فقضية كلام الشيخ إلزامها بالعشر فيما إذا لم تر إلا الجامع وقد استمر ، مع انه مورد الرجوع الى عادة النساء والتحيض بالروايات ، كما ان قضية كلام كاشف اللثام إلزامها بوضع عادة النساء أو الروايات بمجرد رؤياها الساعة والساعتين من السابع مثلا. وكل ذلك مخالف لما تقتضيه الأدلة ، ودعوى انه قضية الجمع بين ما دل على التمييز وبين ما دل على عادة النساء أو الروايات ممنوعة ، لعدم الشاهد عليه ، بل تعليق الرجوع الى عادة النساء مثلا في كلام الأصحاب على فقد التمييز يقتضي عدمه ، ومجرد الاعتبار لا يصلح لذلك في الجمع بين الأخبار كالاحتياط مع انه غير تام في جميع الصور ، فالأقوى حينئذ انها فاقدة التمييز كما في المعتبر والمنتهى والتحرير وعن التذكرة ، ويعطيه كلام غيرهم ، فتأمل.

ثم ان قضية اقتصار المصنف كبعض الأصحاب على الشرطين عدم اشتراط غيرهما لكن صرح بعضهم مضافا الى ذلك باشتراط عدم قصور الضعيف عن أقل الطهر ، وفي كشف اللثام الشرط الرابع عدم قصور الضعيف المحكوم بكونه طهرا عن أقله ، وهو العشرة ، وهو مما لا خلاف فيه ، وفي الرياض انه حكي عليه الإجماع ، قلت : ينبغي القطع ان أريد بذلك عدم الحكم بحيضية الأسودين مثلا المتخلل بينهما أصفر ناقص عن أقل الطهر مع الحكم بكونه طهرا ، لما فيه من منافاة ما تقدم من الأدلة السابقة على ان أقله عشرة ، واحتمال استثناء خصوص المقام من ذلك لأدلة التمييز ضعيف ، وان كان‌

٢٧٢

ربما يظهر من بعض قدماء الأصحاب كالشيخ وغيره ، للفتوى بمضمون‌ خبر يونس ابن يعقوب (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تدع الصلاة ، قلت : فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تصلي ، قلت : فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تدع الصلاة ، قلت : فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر ، فان انقطع الدم عنها ، وإلا فهي مستحاضة » وخبر أبي بصير (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيام ، والطهر خمسة أيام ، وترى الدم أربعة أيام ، وترى الطهر ستة ، فقال : ان رأت الدم لم تصل ، وان رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما ، فإذا تمت لها ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت » الخبر.

لكن قد عرفت سابقا انه وان نزلهما الشيخ على امرأة اختلطت عادتها في الحيض وتغيرت عن أوقاتها ولم يتميز لها دم الحيض من غيره ، أو ترى ما يشبه دم الحيض أربعة أيام وترى ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك ، فان فرضها ترك الصلاة كل ما رأت ما يشبه دم الحيض ، وتصلي كل ما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلى شهر إلا ان مراده كما يظهر من المصنف في المعتبر انه ليس طهرا يقينا ولا حيضا يقينا ، بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط ، فلا منافاة فيه حينئذ لما دل على أقلية الطهر ، فظهر لك حينئذ انه لا وجه للإنكار على الأصحاب بالنسبة الى هذا الشرط ان أريد به ما ذكرنا ، وكيف مع ان ما دل على أقل الطهر وأكثر الحيض أقوى بمراتب.

نعم ربما يناقش فيه ان أريد باشتراطه إخراج نحو ذات الضعيف المتخلل بين أسودين يمكن حيضية كل منهما عن التميز كما لو رأت ثلاثة أسود ، وثلاثة أصفر ، وثلاثة أسود ، ثم انقلب أصفر واستمر ، فان الحكم يكون مثلها فاقدة التمييز لا يخلو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٧٣

من إشكال كالحكم بكون حيضها الأسود الثاني فقط ، إذ يمكن القول بل لعله الأقرب بحيضية الأسودين مع المتخلل بينهما ، قضاء لأدلة التمييز المستلزمة لحيضية المتخلل ، لعدم قصور أقل الطهر عن عشر ، واحتمال القول انه ليس بأولى من الحكم بطهارة المتخلل قضاء لأدلته المستلزم للحكم بكون أحد الأسودين طهرا ، ومن تعارضهما يتجه حينئذ كون مثلها فاقدة التمييز مدفوع بأن احتمال الحيضية مقدم على غيره ، كما يوضحه ما تقدم سابقا من الحكم بحيضية النقاء الذي هو أولى من الصفرة في الطهر المتخلل بين الدمين الممكني الحيضية في العشرة إذا انقطع ، ولعله لأن الحيض يثبت بمجرد إمكانه دون الطهر ، اللهم إلا ان يفرق بالإجماع ونحوه ، كظهور النص بل صريحه بكون الجامع دم حيض ، والفاقد دم استحاضة ، وغير ذلك ، وحينئذ يتجه كون مثلها فاقدة التمييز وأولى منها في فقده ما لو رأت ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة ، ثم رأت الأسود واستمر إلى الستة عشر ، فإنه لا يمكن الحكم بحيضيتهما معا ، لتجاوز أكثر الحيض ، ولا بالأول فحسب ، للزوم الترجيح بلا مرجح كالثاني فقط أيضا ، ولم يثبت الترجيح بالأسبقية كما لم يثبت بالأكثرية ، فما في المبسوط من أن حيضها في المفروض العشرة وان الستة السابقة استحاضة ضعيف ، وان وجهه المصنف بأنه لما حكم بأن الثلاثة استحاضة خرج ما قبله ، فإنه لا ترجيح لإخراج السابق على إخراج اللاحق ، فتأمل. ولذا كان الأقرب في مثل ذلك كما في كشف اللثام وعن التذكرة واستحسنه المصنف أنها فاقدة التمييز ، فترجع إلى عادة النساء أو الروايات.

نعم يشكل مثل ذلك فيما ذكرناه أولا ، وأشد منه إشكالا ما لو كان الأسود مستمرا تمام العشرة مثلا إلا ساعة أو ساعتين تخللتا في الرابع أو الخامس أو نحوهما ، وكذا فيما لو رأت ثلاثة أسود مثلا ، ثم أصفر الى التاسع ، فرأته أسود يوما أو يومين ثم عاد إلى الأصفر ، فإن الحكم بجميع ذلك أنها فاقدة التمييز لقصور الضعيف عن أقل‌

٢٧٤

الطهر لا يخلو من إشكال ونظر كما عرفت ، ولعل مراد من اشترط ذلك انه لا يحكم بحيضية الأسودين وان ما بينهما طهر إلا ان يكون الضعيف أقل الطهر ، فتأمل جيدا ، فإني لم أعثر على تنقيح لذلك في كلامهم ، والله أعلم ، ولعله لذلك ترك اشتراطه بعضهم كالمصنف وغيره لبداهة بعض ما يخرج به واستغنائه باشتراط عدم تجاوز أكثر الحيض عن بعض آخر ، وإمكان منع غيرهما ، فتأمل ، وربما اشترط بعضهم زيادة على ما تقدم عدم المعارضة بالعادة ، وكأن المصنف استغنى عنه لفرضه المسألة في المبتدأة ، كما انه استغنى بفرضه الاشتباه بالاستحاضة عن اشتراط عدم الخروج من الأيسر ، بناء على عدم خروج الحيض منه ، وكاستغنائه أيضا بفرضه المسألة في المتجاوز عن العشرة عن اشتراطه التجاوز في الرجوع للتمييز ، وكذا ما اشترط بعدم المعارضة بصفة أقوى ، فإنه ليس في الحقيقة شرطا للتميز أو الرجوع اليه ، لتحققهما مع المعارضة المذكورة ، لكنها ترجع إلى الأقوى على القول به كما ستسمع.

فنقول ان بعضهم اشترط في التمييز اختلاف الدم ، وكأنه مستغنى عنه ، لعدم تحقق التمييز بدونه ، ولا إشكال في التمييز بالنسبة إلى الصفات المستفادة من الأدلة المتقدمة سابقا في الحيض والاستحاضة ، لكن اعتبر بعضهم هنا التمييز مضافا الى ذلك بالرائحة ، فذو الكريهة حيض ، وفاقدها استحاضة ، ولم أعثر على ما يدل على ذلك ، نعم قيل انه تشهد به التجربة وبعض الأخبار العامية (١) وفي الاعتماد عليهما نظر ، اللهم إلا ان يفهم من الأدلة ان المدار على ظن الحيض ، ولعله لذلك اعتبر بعضهم القوة والضعف بالنسبة إلى الصفات المنصوصة ، فجعل الأسود قويا بالنسبة للأحمر ، والأحمر قويا بالنسبة للأشقر ، والأشقر قويا بالنسبة إلى الأصفر والأكدر ، والأصفر قويا بالنسبة للأكدر أيضا ، بل ربما اعتبر القوي بالنسبة الى غير اللون من‌

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ٥ ـ ص ٩٧ ـ الرقم ٢٠٩٨.

٢٧٥

الصفات كالحرارة ونحوها ، فجعل الأقوى حرارة مثلا مقدما على ضعيفها ، ومنه ينقدح اعتبار القوة أيضا في اللون الواحد كالأشد سوادا بالنسبة إلى الأسود ، كما انه صرح بأن ذا الثلاثة قوي بالنسبة لذي الاثنين ، وهو قوي بالنسبة لذي الواحدة ، وهو قوي بالنسبة للفاقد ، أما لو اتصف بعض بصفة وآخر بأخرى احتمل الترجيح بالتقدم وعدمه ، أو الترجيح بالنسبة إلى الصفتين إن أمكن ، كما انه ينبغي مراعاة الميزان أيضا عند تعارض القوة والأجمعية ، وفي اعتبار شي‌ء من ذلك مما لا يرجع الى النصوص نظر وتأمل ، ودعوى استفادة اعتبار مطلق الظن منها لاختلاف أخبار الصفات ، وما عساه يشعر به ذيل مرسل يونس الطويل وغيره ممنوعة ، مع المناقشة في حصولها في بعضها ، كدعوى ابتنائه على حجية كل ظن حصل للمجتهد ، إذ أقصى ما يسلم منه فيما كان منصب المجتهد كالأحكام الشرعية والوضعية التي هي كذلك ، لا الشي‌ء الذي هو وغيره فيه على حد سواء فتأمل جيدا. فكان الأصل حينئذ يقتضي عدم الالتزام بشي‌ء من ذلك مما كان مبناه المظنة المتقدمة ، بل لعل ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) : ( إذا رأيت الدم البحراني ) وقوله عليه‌السلام (٢) : ( إذا كان للدم سواد ودفع ) ونحوهما يقتضي خلافها ، لكن مهما أمكن الاحتياط كان أولى ، نعم قد يحصل اطمئنان في الحيضية من ملاحظة لوازمه العرفية في بعض الأوقات ، ولا بأس بالاعتماد عليه وان لم ينص عليها بالخصوص ، والله أعلم.

ثم انه بناء على ما تقدم إذا اختلف مراتب الدم فاجتمع الأقوى مع الأضعف منه بمرتبة مثلا أو بمراتب ثم الأضعف منهما ، كما لو رأت الأسود ثلاثة أيام ، والأحمر ثلاثة ، ثم الأصفر فاستمر ، فهل الحيض الأسود فقط ، أو هو مع الأحمر؟ وجهان ينشئان من الأصل وان الأحمر مع الأسود لو انفردا طهر فكذا إذا انضم مع الأصفر ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ـ ٢.

٢٧٦

ومن قوتهما بالنسبة إلى الأصفر وإمكان حيضيتهما وأصالة عدم الاستحاضة ، ولذلك اختلف كلام الأصحاب ، فاختار الأول في المعتبر والمنتهى وموضع من التذكرة ، والثاني في الرياض مرسلا له عن نهاية الأحكام وموضع آخر من التذكرة ، قلت : ولا يخلو من قوة في خصوص المثال ، لكون السواد والحمرة معا من صفات الحيض ، أما لو فرض المثال بتبديل الأحمر فيه بالأصفر ، والأصفر بالأكدر مستمرا فان الظاهر خلافه ، وان كان قضية كلامه التزامه ، لكونهما معا قويين بالنسبة إلى الأكدر بناء على ما تقدم من قوة الأصفر عليه ، لكنه كما ترى يكاد يكون مخالفا لصريح النص والفتوى ، كما ان إطلاق الأول لا يخلو من إشكال في بعض صوره فلاحظ وتأمل.

بقي شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو هل يشترط في الرجوع الى التمييز كون كله أو بعضه في ضمن العشرة ، أو يكفي ولو كان خارجها؟ كما لو رأت مثلا أحد عشر أصفر ، ثم ثلاثة أسود ، ثم انقلب أصفر ، فهل تتحيض بالثلاثة فحسب ، أو تكون فاقدة التمييز؟ لم أر تنقيحا لذلك في كلامهم ، إلا انه قد يظهر من تعليقهم الرجوع للتمييز أو عادة النساء أو الروايات بمجرد تجاوز العشرة الثاني ، وكذا مما يفهم من مطاوي كلماتهم في الاستظهار للمبتدأة وغيرها ان الزائد على العشرة استحاضة ، وانه من أيام الطهر التي يحكم بكون الدم فيها طهرا وان كان أسود ، بل لعله المنساق من نحو عبارة المصنف قد امتزج حيضها بطهرها ، وقال في الوسيلة في المقام : « إذا رأت المبتدأة ثلاثة أيام متواليات عرفت يقينا انه دم حيض ، فإذا استمر إلى تمام عشرة أيام وجب عليها أن تعمل عمل الحائض ، فإذا زاد على عشرة ثلاثة عرفت يقينا انه استحاضة ، فإذا لم ينقطع جوزت ان ذلك دم حيض ، لانقضاء أقل الطهر والحيض ، فيلزمها تعرف الحال بالتمييز ، فان لم يتميز فعادة نسائها » الى آخره. وتأمله مع التدبر يشعر ببعض ما ذكرنا ، كما انه ربما يشير الى ذلك ما في المبسوط قال : « إذا رأت‌

٢٧٧

المبتدأة ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشر يوما ثم رأت ما بصفة الحيض بعد ذلك واستمر كان ثلاثة أيام من أول الدم حيضا ، والعشرة طهرا ، وما رأته بعد ذلك من الحيضة الثانية » انتهى. وقال المصنف بعد ذكر ذلك عن المبسوط : « فيه إشكال لأنه لم يتحقق لها تمييز ، لكنه ان قصد انه لا تمييز لها وانه يقتصر على الثلاثة لأنه اليقين كان وجها » انتهى. ونحوه عن التذكرة ، وأصرح من هذه العبارات عبارة الشهيد في الدروس ، حيث قال في المقام : « أما المبتدأة فظاهر الأصحاب انها تمكث في الدور الأول إلى العشرة ، فإذا تجاوزت اعتبرت التمييز فيما مضى ، ثم ذكر شروطه ـ الى ان قال ـ : فان فقدته جعلت عادة نسائها ، فإن فقدت رجعت الى الروايات ، فإذا جاء الدور الثاني اعتبرت التمييز وعادة النساء والروايات في نفس العشرة » انتهى. فان قوله فيما مضى ونحوه كاد يكون كالصريح في اعتبار الأمور الثلاثة في نفس العشرة ، فتأمل. لكن قد يظهر من الذكرى وجامع المقاصد خلاف ذلك ، حيث قالا : انه قد تترك ذات التمييز العبادة عشرين يوما ، كما لو رأت عشرة أيام أحمر ، ثم انقلب أسود تمام العشرة الثانية ، إذ فرضها حينئذ الرجوع الى الأقوى ، بل في الأخير إمكان الزائد على ذلك أيضا فيما لو فرض مجي‌ء الأقوى من الثاني ، وربما يؤيده إطلاق ما دل على التمييز المتحقق في ضمن العشرة وغيرها ، والمسألة لا تخلو من إشكال ، نعم الظاهر من كلمات الأصحاب وغيرها الاكتفاء في تحقق التمييز بمضي أقل الطهر ، فلا يحتاج مضي شهر أو أكثر ، وعليه حينئذ يمكن ان تتحيض المرأة به في الشهر الواحد ثلاث مرات ، كما لو رأت أسود ثلاثة أيام ، ثم أصفر عشرة ، ثم أسود ثلاثة أيام ، ثم عشرة أصفر ، ثم جاءها الأسود إلا انه قد يشكل بما دل (١) على ان الحيض في الشهر مرة ، ويشعر به أيضا أخبار التحيض (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض.

٢٧٨

بالروايات المتضمنة لأخذ مقدار مخصوص في كل شهر ، لكن قد يرجح عموم أدلة التمييز عليه بفهم الأصحاب.

وكيف كان فان فقدتاه بان كان الدم لونا واحدا ولم يحصل فيه شريطتا التمييز أو أحدهما رجعت المبتدأة إلى عادة نسائها كما في المبسوط والخلاف والجامع والسرائر والنافع والقواعد والدروس واللمعة والروضة والتنقيح وشرح المفاتيح وغيرها ، بل في الأخير الإجماع ، وفي سابقه نفي الخلاف فيه ، كما عساه تشعر به أيضا عبارة السرائر كاشعار نسبته إلى علمائنا في التذكرة ، ونسبة مضمرة سماعة الآتية إلى الأصحاب في المنتهى وغيره بالإجماع ، وفي المعتبر ان عليه اتفاق الأعيان من فضلائنا ، بل حكي عن الخلاف الإجماع عليه في موضعين ، وان كان الظاهر انه وهم ، نعم قد تحتمله عبارته ، فتدبر. ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك والى حصول الظن به من تقارب الأمزجة المحتمل اعتباره في خصوص المقام ـ مضمر سماعة (١) قال : « سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها ، فقال : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقله ثلاثة » وقول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة ومحمد بن مسلم (٢) : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر بيوم على ذلك » مؤيدا بقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « النفساء إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها ، واستظهرت بثلثي ذلك » والمناقشة في هذه الأخبار ـ بقصور السند ، والإضمار في الأول ، وشمول الأخيرين للمضطربة ولا قائل به ، كاكتفائهما ببعض النسوة بل كاد يكون صريح الثاني ـ لا يصغى إليها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٢٠.

٢٧٩

بعد الانجبار بما عرفت ، مع ان الأخيرين من قسم الموثق ، وهو حجة عندنا ، وعدم قدح الإضمار في نفسه كما تقدم غير مرة ، بل في الرياض « انه يمكن إرجاعهما الى ما عليه الأصحاب بدفع الأول بتقييده بالمبتدأة ، والثاني بانحصار النسوة بالبعض أو عدم التمكن من استعلام حال الباقيات للتشتت » انتهى.

قلت : وظاهره تخصيص هذا الحكم عند الأصحاب بالمبتدأة بالمعنى الأخص كما صرح به في أول كلامه ، وهو لا يخلو من نظر وتأمل ، إذ قد عرفت سابقا ان المبتدأة تطلق في عبارات الأصحاب في مقابلة المتحيرة ، فتشمل حينئذ من لم تستقر لها عادة ، بل قد عرفت انه نسبه الى المشهور في المسالك ، والى الأشهر في الروضة ، والى العلامة ومن تأخر عنه في الحدائق ، وانه الظاهر من المصنف بل من المبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والموجز الحاوي والقواعد والمنتهى والتذكرة وغيرها كما لا يخفى على من لاحظ عبارات هؤلاء ، مع ما فيها من الشواهد على ذلك من حصر أقسام المستحاضة بالمبتدأة وذات العادة ونحو ذلك ، بل كاد يكون كالصريح من بعضهم ، ولذا قال في جامع المقاصد : « ان ظاهر العبارة ان المبتدأة من لم يسبق لها عادة في الحيض ، لأنها مقابل المعتادة ، وان المضطربة من سبق لها عادة في الحيض ونسيتها ـ ثم ذكر تفسير المعتبر لها بأنها التي تبتدئ الدم ، وللمضطربة بالتي لم تستقر لها عادة ، قال ـ : وهذا التفسير صحيح إلا أن الأول تجري عليه أحكام الباب ، فان من لم تستقر لها عادة ترجع الى النساء مع فقد التمييز كالتي ابتدأت الدم ، والمضطربة لا ترجع الى النساء لسبق عادتها » انتهى. كل ذا مع شمول الموثقين المتقدمين له ، وعدم صلاحية المرسل المتقدم لتقييدهما به ، إذ لا منافاة بينهما ، بل لعل قول السائل فيه : ( فلا تعرف أقرائها ) يشعر بأن علة الرجوع الى عادة النساء ذلك لا كونها مبتدأة ، مع انه الموافق للاعتبار المتقدم أيضا.

٢٨٠