جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والسرائر وكافي أبي الصلاح وإشارة السبق والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير والإرشاد والمختلف والموجز الحاوي والذكرى والدروس والبيان والتنقيح وجامع المقاصد وكشف اللثام ومنظومة الطباطبائي وشرح الآغا للمفاتيح والرياض وكشف الغطاء وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما ينقل عن أبي علي وعلم الهدى مع اختلاف في النقل عن الثاني ، فبين ناقل الاجتزاء عن الوضوء بكل غسل واجب أو مندوب كما في المعتبر وغيره ، وفي المختلف عنه وعن أبي علي ذلك ، ونقل عنه في كشف اللثام انه خص في الجمل الاجزاء بالواجب ، قلت : مع انه نقل هو عنه أيضا في الاستحاضة انه أوجب في الجمل الوضوء مع الغسل لكل صلاتين.

وكيف كان فلم أعثر لهما على موافق سوى جماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي وتلميذه صاحب المدارك ، وتبعهما في الذخيرة والمفاتيح والحدائق ، والأقوى الأول ، ويدل عليه ـ مضافا الى ما سمعته من الأمالي المؤيد بتلك الشهرة العظيمة ، وفيها من لا يعمل إلا بالقطعيات ، وما هو كمتون الأخبار كالنهاية والفقيه والهداية ، وهو المنقول عن والد الصدوق أيضا ، مع انه علله في الفقيه والهداية مما ينبئ عن ذلك ، حيث قال في الأول : « يجزئ غسل الجنابة عن الوضوء ، لأنهما فرضان اجتمعا ، فأكبرهما يجزئ عن أصغرهما ، ومن اغتسل لغير جنابة فليبدأ بالوضوء ثم يغتسل ، ولا يجزؤه الغسل عن الوضوء ، لأن الغسل سنة والوضوء فرض ، ولا تجزئ سنة عن فرض » ونحوه في الهداية ، كالمنقول عن فقه مولانا الرضا عليه‌السلام (١) مع زيادة تأكيد لعدم الاجزاء ـ الاستصحاب في بعض الأحوال ، وعموم وإطلاق ما دل (٢) على إيجاب البول ونحوه من أسباب الوضوء مع التيمم بعدم القول بالفصل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

٢٤١

حيث لا يحصل إلا الأكبر مثلا ، وقوله تعالى (١) ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الى آخره مع التتميم المذكور أيضا ، فلا ينافيه حينئذ ما يقال : ان المراد به إذا قمتم من النوم كما فسرت به محكيا عن بعضهم عليه الإجماع ، كالقول بأن ( إذا ) من أدوات الإهمال فلا عموم فيها ، فإنه مع شهادة العرف على عدمه فيه إخراج لكلام الحكيم عن الفائدة التامة ، ويدل عليه أيضا‌ الصحيح الى ابن أبي عمير عن رجل (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة » وهو ـ مع قبول مراسيله عند الأصحاب وانه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وانه لا يروي إلا عن ثقة كما عن العدة ـ منجبر بما عرفت ، فلا يلتفت للمناقشة في سنده وكذا في متنه من عدم الصراحة في الوجوب ، هذا. مع انه قد‌ روى الشيخ بطريق صحيح إليه أيضا عن حماد بن عثمان أو غيره (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في كل غسل وضوء إلا الجنابة » ولعلهما بذلك يكونان روايتين كما هو الظاهر من المختلف ، ويؤيده اختلاف متنيهما ، وما عساه يظهر من التهذيب من جعلهما كذلك أيضا ، بل في المختلف والذكرى حذف لفظ ( أو غيره ) ، ووصفه بالحسن ، ولعلهما وقفا على ما لم نقف عليه ، وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في حجية مثل هذه الرواية سيما مع الانجبار المتقدم ، والتأييد بالمروي عن‌ غوالي اللئالي (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا الجنابة » وب‌ خبر علي بن يقطين (٥) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل » مع تتميمه بعدم القول بالفصل بناء على المشهور من النقل عن المرتضى وأبي علي من الاجتزاء بكل غسل‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

٢٤٢

عن الوضوء ، وربما يؤيد المختار مضافا الى ذلك ببعض ما سيأتي في باب الاستحاضة مما دل (١) على وجوب الوضوء مع الأغسال الثلاثة ، بل في الروض هناك ان فيه أخبارا صحيحة.

وبذلك كله يظهر لك ما في مستند الثاني من أصالة البراءة عن الوضوء سيما مع عدم وجود سبب غير الأكبر ، وهو مقطوع بما تقدم ، ومن‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام « الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأي وضوء أطهر من الغسل » ومرسل حماد بن عثمان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزؤه من الوضوء؟ فقال عليه‌السلام : وأي وضوء أطهر من الغسل » وصحيح حكم بن حكيم (٤) عن الصادق عليه‌السلام بعد أن سأله عن كيفية غسل الجنابة قال : « قلت : ان الناس يقولون : يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك ، وقال : أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ » على إرادة الماهية في لفظ الغسل دون العهدية ، ومكاتبة عبد الرحمن الهمداني (٥) الى أبي الحسن الثالث (ع) سأله « عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة وغيره » وموثق الساباطي (٦) عن‌

__________________

(١) وهو قوله تعالى في سورة المائدة ـ الآية ٨ ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) الى آخره وقوله عليه‌السلام المروي في الوسائل في الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٢ : « في كل غسل وضوء » وأولوية الكثيرة من القليلة والمتوسطة في إيجاب الوضوء ، وأصالة عدم إغناء هذه الأغسال عن الوضوء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٢ لكن رواه عن محمد ابن عبد الرحمن الهمداني.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

٢٤٣

الصادق عليه‌السلام « في الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال : ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأ عنه الغسل والمرأة مثل ذلك ، إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزأها الغسل » وبما‌ ورد (١) مستفيضا ان « الوضوء بعد الغسل بدعة » وبما تشعر به أخبار الباب (٢) والاستحاضة (٣) والنفاس (٤) لاشتمالها على الغسل خاصة من غير تعرض للوضوء معه ، مع انها في مقام البيان والحاجة ، وبما يشعر به أيضا أخبار التداخل (٥) وما دل (٦) على مماثلة غسل الحيض لغسل الجنابة ووحدته معه.

وفيه مع الطعن في سند بعضها ولا جابر ان الاخبار كل ما كثرت وصحت وصرحت وكانت من الأصحاب بمرأى ومسمع ومع ذلك فقد أعرض عنها الأصحاب وأفتوا بخلافها قوي الظن بعدم الاعتماد عليها والركون إليها ، وكيف مع نسبة الصدوق دين الإمامية إلى خلافها ، فالمتجه حينئذ طرح ما لا يقبل التأويل منها ان كان ، وتأويل القابل لذلك إما بحمل الغسل على غسل الجنابة ، كما عساه يشير اليه بعض أخبار المتقدمة كبعض آخر يفيد انه هو المبحوث عنه بيننا وبين العامة ، وانه الذي نسب العامة الى علي عليه‌السلام فيه الوضوء ، وقال الامام عليه‌السلام (٧) : « انهم كذبوا على علي عليه‌السلام ما وجدوا ذلك في كتابه ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٦ و ٩ و ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب النفاس.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١ و ٣ و ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٥.

٢٤٤

فَاطَّهَّرُوا ) (١) » أو بأن يراد نفي مدخلية الوضوء في رافعية الغسل للأكبر وان الإتيان به على هذا الوجه بدعة ، كما ستعرف انه بناء على المختار لا مدخلية للوضوء في رافعية الغسل للأكبر ، ومما يؤيده ان الخصم على ما نقل عنه في الرياض إنما ينفي الوجوب ، وإلا فالرجحان والمشروعية مجمع عليها في الجملة ، فوجب حينئذ حمل البدعية على ما ذكرنا ، وأما ما ذكر أخيرا من عدم التعرض للوضوء في أخبار الباب والاستحاضة ونحوها ففيه ـ مع ممنوعيته كما ستعرف ـ انه لعله في بيان الرافع لخصوص هذه الأحداث دون باقي الشرائط ، وبذلك أيضا تتم المماثلة لغسل الجنابة ويحصل التداخل ، فيسقط ما ذكر أخيرا ، فتأمل.

نعم تتخير في وضع الوضوء قبله أي الغسل أو بعده كما في المبسوط والنهاية والوسيلة والسرائر والمعتبر والقواعد وغيرها ، كما أنه هو قضية إطلاق آخرين وهو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في السرائر نفى عنه الخلاف بعد ان حكى القول باحتياج غير غسل الجنابة إلى الوضوء إما قبله أو بعده عن المحققين المحصلين الأكثرين من أصحابنا ، قال : « وقد يوجد في كتب أصحابنا في كيفية غسل الحيض مثل كيفية غسل الجنابة ، ويزيد بوجوب تقديم الوضوء على الغسل ، وهذا غير واضح من قائله ، بل الزيادة على غسل الجنابة أن لا تستبيح الحائض إذا طهرت بغسل حيضها وبمجرده الصلاة كما يستبيح الجنب ، سواء قدمت الوضوء أو أخرت ، فإن أراد يجب تقديم الوضوء على الغسل فغير صحيح بغير خلاف » انتهى. وكأنه أشار بذلك الى ما في الفقيه والغنية والكافي وموضع من المبسوط لظهورها في إيجاب التقديم ، بل في الذكرى أنه الأشهر ولم نتحققه ، وقال في الأخير : « يلزمها تقديم الوضوء ليسوغ لها استباحة الصلاة على الأظهر من الروايات ، فان لم تتوضأ قبله فلا بد منه بعده » انتهى ، وهو‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩.

٢٤٥

يفيد انه ليس التقديم شرطا في الصحة وان قلنا بوجوبه ، بل في الرياض عن بعض المشايخ نفي الخلاف في ذلك ، قلت : ولعله يظهر أيضا من التأمل في عبارة السرائر ، ويؤيده إطلاق كثير من الأخبار (١) الآمرة بالغسل من غير تعرض فيها لتقديم الوضوء مع انها في مقام البيان ، لكن قد يلتزمه القائلون بوجوب التقديم ، لإشعار مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة به ، ومثله خبر حماد بن عثمان ، بل هو أصرح منه كالنبوي المتقدم أيضا عن غوالي اللئالي ، فإنهما وان كانا مطلقين بالنسبة للقبلية لكنهما مشعرين بالشرطية ، مع وجوب حملها بالنسبة للأول على المقيد ، بل عن الأمالي نسبة كل غسل فيه وضوء في أوله إلا غسل الجنابة إلى دين الإمامية ، إلا ان المشهور بين الأصحاب بل قد عرفت نفي الخلاف عنه في السرائر عدم الوجوب فضلا عن الشرطية ، وسمعت ما عن بعض المشايخ المنقول عنهم في الرياض من نفي الخلاف في الثاني.

ويؤيده أيضا ما عن‌ الفقه الرضوي (٢) فإنه وان اشتمل أوله على الأمر بالبدأة بالوضوء قبل الغسل لكن قال عليه‌السلام في آخره : « فان اغتسلت ونسيت الوضوء توضأت فيما بعد عند الصلاة » وهو كالصريح في إرادة وجوب الوضوء انما هو لتحقق غاياته ، ولا تعلق له بالغسل ، ودعوى اختصاصه بصورة النسيان مقطوع بعدمها ، فلا إشكال في ضعف احتمال شرطية التقديم ، كالقول بوجوبه مع عدم الشرطية ، وان اختاره شيخنا الآغا في شرح المفاتيح ، لكونه قضية الجمع بين الإطلاق والتقييد بين الأخبار المتقدمة ، مع ما سمعته من الأمالي ، مضافا الى ما ورد (٣) من كونه بعد الغسل بدعة ، لكن قطع الأصل وتقييد المطلق منها بذلك مع إعراض المشهور بل نفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤ و ٧ و ١٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٩.

٢٤٦

الخلاف المتقدم في السرائر مشكل ، بل الأقوى عدمه ، فلا يبعد ان يكون المراد بتلك الأخبار عدم إغناء غير الجنابة عن الوضوء ، بل لا بد منه إما قبله أو بعده أو انها تحمل على الاستحباب كما صرح به جمع من الأصحاب على إرادة أفضل فردي الواجب المخير ، فلا ينافي حينئذ الاستدلال بها فيما تقدم على وجوب أصل الوضوء في الغسل ، مع ان دليل الوجوب غير محصور بذلك ، بل يكفي فيه ما دل على تسبب البول ونحوه كما تقدمت الإشارة إليه سابقا. لا يقال : انه لا يعم جميع أفراد النزاع كما لو فرض عدم وقوع غير الأكبر ، لأنا نقول : أما أولا فيتم بعدم القول بالفصل ، وأما ثانيا فبالاكتفاء بقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) في أحد الوجهين ، وبإطلاق‌ قوله عليه‌السلام في الخبر الأخير : ( في كل غسل وضوء ) المؤيد بالنبوي المتقدم ونحوه ، فظهر لك حينئذ من جميع ذلك ان المتجه عدم وجوب التقديم ، وانه لا مدخلية له في صحة الغسل.

يبقى الكلام في شي‌ء لا ارتباط له فيما تقدم ، وهو ان الغسل والوضوء تقدم أو تأخر مشتركان في رفع الحدثين أو انهما على التوزيع ، فالغسل للأكبر والوضوء للأصغر ، وتظهر الثمرة في ترتب أحكام كل منهما بمجرد فعله قبل فعل الآخر لم أجد نصا في كلام أحد من الأصحاب على شي‌ء من ذلك سوى ما في المدارك ، قال : « حدث الحيض وغيره من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل عند القائلين به هل هو حدث واحد أكبر لا يرتفع إلا بالوضوء والغسل أو حدثان أصغر وأكبر؟ ثم ان قلنا بالتعدد فهل الوضوء ينصرف إلى الأصغر والغسل إلى الأكبر أم هما معا يرفعان الحدثين على سبيل الاشتراك؟ احتمالات ثلاثة ، وليس في النصوص دلالة على شي‌ء من ذلك » انتهى. وسوى ما في الذكرى من احتمال مدخلية الوضوء في تحقق غايات الأغسال ، بل ظاهره احتمال ذلك حتى في الأغسال المندوبة فضلا عن غيرها ، واحتمل أيضا العدم‌

٢٤٧

وانه شرط بالنسبة إلى غاياته كالصلاة والطواف دونها ، ونقل عنها في جامع المقاصد استبعاد القول بالتوزيع أي توزيع الغسل للأكبر والوضوء للأصغر ، وقال بعد نقل ذلك : « انه لا ريب في ضعف القول بالتشريك ـ كما أنه نقل عن ابن إدريس أيضا ـ انه لا يجوز نية الرفع في الوضوء إذا تقدم ، نظرا الى ان الرفع انما يتحقق برفع الحدث الأكبر ، فإن تقدم الوضوء فهو باق ، وان تأخر فقد زال ـ ثم قال ـ : وظهور ضعفه يغني عن رده » انتهى. وفي البيان بعد ما نقل عن ابن إدريس ذلك أيضا قال : « وهو يعطي توزيع الوضوء والغسل على الأصغر والأكبر ، وليس كذلك » انتهى. قلت : والموجود في السرائر في باب الحيض ان الحائض تنوي بالغسل الرفع تقدم أو تأخر ، وبالوضوء الاستباحة تقدم أو تأخر ، وعلله بالنسبة إلى الوضوء انه قبل الغسل لا رفع لمكان بقاء الحدث الأكبر ، وبعده بأن الحدث ارتفع ، وهو الذي نقله عنه في التحرير ، قال فيه بعد ان حكم بلزوم الوضوء في غسل الحيض قبله أو بعده : « وتنوي بالمتقدم استباحة الصلاة ، وهل تنوي رفع الحدث أو بالتأخر لا غير؟ فيه نظر ، وابن إدريس قال : ينوي بالغسل رفع الحدث تقدم أو تأخر ، وبالوضوء الاستباحة تقدم أو تأخر » انتهى. وفي المنتهى بعد ان ذكر النظر المتقدم علله بأن « الحدث لا يرتفع إلا بهما ، فكان الأول غير رافع ، فلا ينوي به الرفع أو انه مع التأخر كالجزء فجازت نية رفع الحدث ، وكان أبي يذهب إلى الأول ، وعندي فيه توقف » انتهى. هذا ما وقفت عليه من كلماتهم في هذا المقام ، ولهم كلام آخر في باب الاستحاضة يأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في محله.

والذي يختلج في النظر القاصر هنا هو ان المستفاد من ملاحظة النصوص والفتاوى ان الحدث الأكبر حالة تحصل للمكلف يمتنع بها عن فعل سائر ما ثبت توقفه على فعل الطهارة الصغرى وزيادة كاللبث في المساجد للجنب والحائض وقراءة العزائم ونحوهما ،

٢٤٨

وهو معنى استلزام الأكبر للأصغر ، نعم قد يشكل استفادة هذا التعميم بالنسبة إلى مس الأموات خاصة ، وقد ذكرناه في أول الكتاب ، ولا إشكال بحسب الظاهر في استباحة ذلك الزائد بمجرد الغسل من غير حاجة الى الوضوء ، فلا يتوقف جواز اللبث في المساجد مثلا للحائض لو اغتسلت على الوضوء ، وكذا الوطء ان قلنا بتوقفه على الغسل ، وقراءة العزائم ونحوهما لظهور الأدلة في استباحة ذلك كله بمجرد الغسل ، فهي به حينئذ تكون كغير الحائض الغير المتوضأة ، وأما ما اشتركا فيه كالصلاة والطواف ونحوهما فلا إشكال في توقف استباحته على الوضوء والغسل ، فلا الوضوء وحده رافع له بتمامه ولا الغسل ، بل هما مسببان لسبب واحد ، فلا معنى لنية الرفع في كل منهما ان أريد بها التمام ، كما انه لا مانع منه ان أريد بها ملاحظة الجهة الخاصة ، واحتمال القول ان الحدث سبب للغسل خاصة ـ وأما الوضوء فيوجبه قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) ونحوه ، ولا مدخلية للحدث فيه كما تشعر به عبارة ابن إدريس السابقة ، ولذا جوز نية الرفع في الغسل تقدم أو تأخر دون الوضوء تقدم أو تأخر أيضا ـ ضعيف بل باطل ، سيما مع الانضمام إلى الأكبر بعض الأحداث الصغر.

نعم يحتمل الفرق بين الوضوء والغسل بنحو آخر ، وهو ان يقال : ان إيجاب هذا السبب لهذين المسببين ينحل إلى أصغر وأكبر ، لكن لما لم يتصور رفع الأصغر مع بقاء الحدث الأكبر إذ ليس لنا موضوع في الخارج متطهر من الأصغر غير متطهر من الأكبر بخلاف العكس كان المتجه حينئذ في غير الواجدة إلا لماء الوضوء مثلا التيمم وسقوط حكم الماء ، لما عرفت من عدم إمكان الأصغر مع بقاء الأكبر ، بخلاف ما لو وجدت ماء الغسل ، فإنه يجب عليها الاغتسال والتيمم بدل الوضوء ، هذا. مع انه للتأمل والنظر فيه مجال ، بل المتجه بناء على ما ذكرنا فعل ما تمكنت منه وقيام التراب مقام المتعذر ، لإطلاق‌ ما دل (١) على وجوب الوضوء ، ولأنه « لا يسقط الميسور‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٨.

٢٤٩

بالمعسور » (١) و‌ « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٢) و‌ « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » (٣) ونحوها (٤) إذ لا ارتباط لأحدهما بالآخر ، ولعدم تناول أدلة التيمم لمثله ، وما ذكر من تضمن الأكبر للأصغر وانه ( ليس ) الى آخره لا حقيقة له عند التأمل إلا إرادة إيجاب السبب لهما معا. وغيره لا يصلح لأن يكون مدركا لحكم شرعي ، على انه لو روعي ما ذكر لكان اللازم حينئذ تأخير الوضوء عن الغسل حال وجدان الماء لها ، لعدم تصور تأثيره مع بقاء الأكبر ، وهو مخالف للإجماع بحسب الظاهر ، ودعوى انه لا يؤثر أثرا حال التقديم إلا بعد إيقاع الغسل فيكون حينئذ من قبيل وجود المقتضي مع حصول المانع منه ممنوعة ، لمخالفتها لظاهر الأدلة الدالة على سببية الوضوء المقتضية لمقارنة حصول مسببه بحصوله ، وعلى تقدير التسليم فلم لا يقوم حينئذ التيمم مقام الغسل في ذلك ، ومن هنا نص جماعة من الأصحاب في نحو الفرض السابق في باب التيمم على وجوب الوضوء ثم التيمم بدل الغسل ، منهم الشهيد في الذكرى ، وأبو العباس في الموجز ، والعلامة الطباطبائي في المنظومة ، بل هو قضية المحكي من عبارة نهاية الأحكام أيضا ، بل لا أجد فيه خلافا ولا ترددا مما عدا الأستاد في كشف الغطاء فلم يجوز الوضوء ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه بملاحظة كلامهم في باب التيمم.

( تنبيه ) قال في الذكرى وجامع المقاصد : « ان الأقرب كون ماء الغسل على الزوج ، لأنه من جملة النفقة فيجب نقله إليها ، وبذل العوض لو احتاج كما في الحمام ونحوه مع تعذر الغير دفعا للضرر » وفي المنتهى ان الأقوى التفصيل بين غنائها وفقرها فلا يجب في الأول ، ويجب النقل أو التخلية بينها وبينه في الثاني ، قلت : وظاهر‌

__________________

(١) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٢) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٣) تفسير الصافي ـ سورة المائدة ـ الآية ١٠١.

(٤) سنن البيهقي ـ ج ١ ـ ص ٢١٥.

٢٥٠

الأولين عدم الفرق بين الحيض وغيره ، وللنظر في أصل الوجوب سيما في غير الجنابة مجال ، للأصل مع الشك في دخولها تحت النفقات ، وتوجه الخطاب إليها بالغسل ، وعلى تقديره فلا نعرف وجها لما ذكره في المنتهى من التفصيل ، لكونه إما من النفقات أو لا ، والأول لا يتفاوت فيه الغنى والفقر ، والثاني لا دليل على وجوبه بالتفصيل المذكور ، وأما الأمة فقد قيل إنها كالزوجة بل أولى ، لأنه مؤنة محضة ، مع استبعاد انتقالها الى التيمم والماء موجود ، ولأنه كما تجب فطرتها يجب ماء طهارتها ، ويحتمل العدم أيضا. وتنتقل الى التيمم حينئذ كالانتقال الى الصوم في دم المتعة ، وليست الطهارة كالفطرة لاختلاف الأمر فيهما ، فتأمل جيدا.

ويجب على الحائض إذا طهرت قضاء الصوم دون الصلاة إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا من الفرقة المحقة ، بل في السرائر والمعتبر والمنتهى من المسلمين إلا الخوارج في الأخير ، بل كاد يكون ضروريا ، والنصوص به (١) كادت تكون متواترة ، وقد اشتملت على إلزام أبي حنيفة بإبطال القياس ، لكن المتبادر من النص والفتوى كون المراد بالصوم انما هو شهر رمضان ، وبالصلاة اليومية ، فيشكل حينئذ دخول غيره في ذلك من الصوم الواجب الموقت غيره الذي صادف وجوبه وقت الحيض ، كالمنذور مثلا ان قلنا باختصاص دليل القضاء في ذلك ، كما انه يشكل دخول الواجب من الصلاة الموقتة غير اليومية كالكسوف والخسوف ، وكذا الواجبة المنذورة في وقت خاص في ذلك ان قلنا بشمول دليل القضاء له لولاه ، نعم لا إشكال في غير الموقت ، بل هو ليس من القضاء في شي‌ء لأن وقته العمر ، لكن قد يقال : انا وان قلنا ان القضاء يحتاج إلى أمر جديد لكن لا نخصه بقوله عليه‌السلام (٢) : ( الحائض تقضي الصوم ) ونحوه مما يدعى تبادرها فيما ذكر ، بل الدليل عليه هو ما دل على قضاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

٢٥١

مثل ذلك ، كعموم (١) ( من فاتته ) ونحوه ، فاتجه حينئذ القول بصحة قضاء الصوم المتقدم وان لم يشمله الدليل الذي هنا ، كما انه اتجه الحكم بصحة قضاء الصلاة المذكورة بعد فرض تبادر اليومية خاصة من‌ قوله عليه‌السلام (٢) ( لا تقضي الصلاة ) وفيه إمكان منع شمول ذلك الدليل ما نحن فيه ، لظهور اسم الفوات ونحوه فيمن فاته مع بقاء قابلية المكلف على صفة التكليف ، وان سلم الشمول فلا يشمل المكلف بالعدم كالحائض ، فإنها بعد ان حرم الصوم والصلاة عليها لم يفتها شي‌ء ، ولعله لذا صرح في البيان وجامع المقاصد والروض والمدارك بأنه لا فرق في الصلاة الموقتة بين اليومية وغيرها في عدم وجوب القضاء ، بل قد تشعر عبارة جامع المقاصد بالإجماع عليه ، إلا انه استقرب في المنذورة في وقت معين وقد صادفها الحيض فيه وجوب القضاء ، ولعله يفرق بين الموقت بالأصل أو بالعارض ، وهو كما ترى ، إذ الظاهر حينئذ انكشاف فساد النذر ، ومنه تعرف ان المتجه عدم القضاء في الصوم الموقت بالنذر وشبهه ، لكن صرح الشهيد في البيان بوجوب القضاء فيه ، ولعله لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام : ( تقضي الصوم ) وقد عرفت ما فيه ، كالاستناد الى غيره من عمومات القضاء (٣) ، اللهم إلا ان يكون فيها ما يشمله ، ولم يسعني الآن ملاحظتها ، فتأمل جيدا. وبذلك كله يظهر لك الحال في المستحب المشروع قضاؤه من الصوم والصلاة ، فتأمل.

( ( الثامن ) يستحب ) الوضوء للحائض وقت كل صلاة على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل في الخلاف الإجماع كما عساه يظهر من غيره ، للأصل مع عموم البلوى به ، منضما الى‌ خبر زيد الشحام (٤) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ينبغي للحائض ان‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلاة ـ حديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلاة من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٥٢

تتوضأ عند وقت كل صلاة ، ثم لتستقبل القبلة وتذكر الله تعالى » وعليه يحمل ما يظهر منه الوجوب بقرينة ما تقدم ، كقول الباقر عليه‌السلام في الحسن كالصحيح (١) : « وعليها ان تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر ، فتذكر الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها ، ثم تفرغ لحاجتها » وقول الصادق عليه‌السلام (٢) في خبر عمار : « تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كانت وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القرآن وذكرت الله عز وجل » وكذا غيرهما (٣) فما نقله الصدوق عن والده من وجوب ذلك لظاهر ما تقدم ضعيف ، بل لعل مراده من لفظ الوجوب تأكد الاستحباب أو الثبوت ، كالمرسل (٤) في الهداية عن الصادق عليه‌السلام ، والمنقول عن الفقه الرضوي (٥) وكذا ما عساه يظهر من عنوان الكليني ذلك بقوله : « باب ما يجب على الحائض » الى آخره. ومن العجيب ميل بعض متأخري المتأخرين كصاحب الحدائق اليه مع ما عرفت.

فلا ريب ان الأقوى انه يستحب لها ان تتوضأ في وقت كل صلاة كما في الخبرين السابقين ، وقد يستفاد منهما عدم الاكتفاء بوضوء واحد للظهر والعصر ، وكذا المغرب والعشاء وان لم يقع منها ما ينقضه ، اللهم إلا أن يقال باندراج مثل ذلك تحتهما سيما مع إطلاق غيرهما الوضوء وقت الصلاة ، لكن ينبغي القطع بعدم الاكتفاء به مع اختلاف الوقت كالصبح والظهر مثلا ، وهل ينتقض مثل هذا الوضوء بالنواقض المعهودة غير الحيض الى الفراغ؟ وجهان ينشئان من إطلاق أو عموم ما دل على ناقضيتها ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥ عن معاوية بن عمار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٢٥٣

ظهورها في الوضوء الرافع دون غيره ، ولعل الأقوى الأول سيما ان قلنا ان فيه نوعا من الرفع ، إذ رفع كل وضوء بحسب حاله ، فهو رافع لحكم الحدث بالنسبة الى هذا الذكر ، بل حدث الحيض فضلا عن غيره ، ولا ينافيه دوامه كما في المسلوس ، فتأمل.

( وتجلس في مصلاها ) أو غيره كما في المعتبر والمنتهى وظاهر غيرهما ، وان قيد بالأول في المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع والنافع وغيرها ، ونحوه ما في السرائر ، وعن المراسم من الجلوس في محرابها ، وقيد بالثاني في المقنعة ، حيث قال : تجلس ناحية من مصلاها ، لإطلاق الأخبار (١) المتقدمة وغيرها ، بل لم نقف على ما يدل على الأول سوى دعوى التسامح في السنن ، وهو يقتضي الإطلاق ، اللهم إلا أن يحمل على الآكدية والأشدية ، لكنه لم يفهم من أحد الفتوى به ، وسوى ما في الخلاف حيث قال : « يستحب للحائض وضوء الصلاة عند كل صلاة ، وتقعد في مصلاها وتذكر الله تعالى بمقدار زمانها ، ولم يوافقنا على هذا أحد من الفقهاء ـ الى ان قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » ولعله يريد بالنسبة إلى أصل مشروعية الوضوء ، نعم قد يشعر بالثاني ما في‌ خبر الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقضين الصلاة إذا حضن ، ولكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة ويتوضأن ، ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن الله تعالى » وفيه انه لعله من جهة عدم جواز المكث في المساجد أو يراد بالمسجد فيها محل السجود ، فيكون القريب انما هو المصلى أي محل الجلوس للصلاة ، فتأمل. فالأقوى حينئذ الإطلاق ، ويؤيده غلبة عدم المكان المخصوص للصلاة بالنسبة إلى أغلب النساء.

( بمقدار زمان صلاتها ) بلا خلاف أجده فيه للخبرين السابقين ، لكن هل المعتبر زمان الصلاة السابقة على الحيض أو المقدرة حاله؟ وتظهر الثمرة في الاختلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

٢٥٤

بالقصر والإتمام ، ولعل الأقوى ملاحظة التمام على كل حال ، لانصراف الإطلاق بالنسبة إليه سيما بالنسبة للنساء ذاكرة لله تعالى بالتكبير والتهليل والتحميد ونحوها مما يسمى ذكرا كما هو قضية إطلاق جملة من العبارات ، كإطلاق خبري الحلبي (١) وزيد الشحام (٢) المتقدمين وكذا‌ الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله ، قال : أما الطهر فلا ولكن تتوضأ في وقت الصلاة ، ثم تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى » وعليه يحمل خبرا زرارة (٤) وعمار (٥) المتقدمان ، وان ذكر في الأول مع الذكر التسبيح والتهليل والتحميد ، وفي الثاني التهليل والتكبير وتلاوة القرآن ، فما عن المراسم من الاقتصار على التسبيح كما في المقنعة أنها تحمد الله وتكبره وتهلله وتسبحه ، وفي النفلية التسبيح بالأربع مستغفرة مصلية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يراد به التمثيل ، وان كان الأولى لها اختيار خصوص ما عرفت من الذكر الوارد في الأخبار ، ولذا قال في البيان : وليكن الذكر تسبيحا وتهليلا وتحميدا وشبهه ، إلا ان ما ذكره في النفلية من الصلاة على النبي (ص) والاستغفار لم نقف على ما يدل عليه بالخصوص ، ولعله فهم من الأخبار إرادة مطلق المشغولية بنحو ذلك من العبادة ، كما عساه يشعر به ملاحظتها في بعض الأخبار المتقدمة ، وهو غير بعيد ، كما انه لا يبعد إرادة التسبيح بالكيفية المخصوصة الواردة في جبر الصلاة (٦) المقصورة من الذكر لمكان قيام ذلك مقام البعض فيها فليقم مقام الكل ، ولعله وجه حسن فيما سمعت من الأخبار ، بل لعل في عبارة البيان المتقدمة إشارة الى ذلك ، والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥ عن معاوية بن عمار.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة المسافر من كتاب الصلاة.

٢٥٥

ثم انه كان على المصنف ان يقيد الجلوس باستقبال القبلة كما قيده بعضهم ، لدلالة بعض الأخبار المتقدمة كما انه دل أيضا على استحباب التحشي لكن لعل حملهما على المستحب في المستحب لا الشرطية لا يخلو من قرب ، سيما بالنسبة للثاني والله أعلم.

ثم من المعلوم انه لا يقوم مقام هذا الوضوء الغسل وان قلنا باجزاء المندوب منه عن الوضوء ، لظهور ان مراد القائل به هنا الاجتزاء عن الرافع منه للحدث لا مثل هذا الوضوء ، إذ ليس هو كذلك ، ولذا لا يصح فيه نية رفع الحدث بل ولا استباحة الصلاة ، نعم ينوي فيه القربة المحضة كما صرح به في المنتهى وغيره لكن قال في كشف اللثام : « انه لا يرفع حدثا ولا يبيح ما شرطه الطهارة بالنسبة الى غير هذا الذكر ، وأما بالنسبة إليه فوجهان ، وان لم يشترط فيه ارتفاع الحدث لكن يجوز اشتراط فضله به ، ولا ينافي دوام حدث ارتفاع حكمه أو حكم غيره » انتهى. وهو كما ترى مخالف لظاهر‌ قوله عليه‌السلام : ( أما الطهر فلا ) ولما هو المصطلح في معنى رفع الحدث ، لكن الأمر سهل ، ولعل ذلك اختلاف لفظي ، فتأمل. وهل يقوم التيمم مقام هذا الوضوء عند فقد الماء مثلا؟ وجهان بل قيل قولان ، إلا انه لم نعثر على قائل بالأول هنا ، ونص في التحرير والمنتهى وجامع المقاصد والمدارك على الثاني ، لأن التيمم طهارة اضطرارية ، ولا اضطرار هنا ، نعم نقل عن نهاية الأحكام انه استشكل ، قلت : ولعله مما تقدم ومن عموم ما دل (١) على تنزيل التراب منزلة الماء ، وهو لا يخلو من قوة ، بل ظاهر جامع المقاصد أو صريحه اختياره في مبحث الغايات ، ومنه ينقدح جواز التيمم بدل الأغسال المندوبة ونحوها ، فتأمل جيدا.

( ويكره لها الخضاب ) وهو مذهب علمائنا أجمع كما في المعتبر والمنتهى ، جمعا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ٣.

٢٥٦

بين ما دل على الجواز من الأصل وخبر علي بن أبي حمزة (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام وأبي المعزى (٢) وسماعة (٣) عن العبد الصالح عليه‌السلام وبين ما دل على المنع من خبر عامر بن جذاعة (٤) وأبي جميلة (٥) عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام ونحوها غيرها (٦) مع التعليل في بعضها (٧) بالخوف عليها من الشيطان ، فما في الفقيه من التعبير عن ذلك بعدم الجواز ضعيف. ولعله يريد الكراهة أيضا كما عساه يشعر به عدم استثنائه في المعتبر والمنتهى ، وعلل المفيد الكراهة بمنع وصول الماء ، وأشكله في الذكرى باقتضائه المنع ، ولعله لا يريد المنع التام ، ثم انه قد يستظهر من إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين الخضاب بالحناء وغيرها ولا بين اليد والرجل وغيرهما ، لكن ينقل عن المراسم التخصيص بالحناء ، كما في المقنعة التخصيص في اليد والرجل لا بشعورهن ، قلت : وقد يؤيدهما أنه المتيقن المتبادر من النص والفتوى لكن التسامح فيها ينافيه ، فتأمل جيدا.

( الفصل الثالث في الاستحاضة )

وهي في الأصل استفعال من الحيض ، يقال : استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها ، فهي مستحاضة كما في الصحاح ، قيل وهو ظاهر في عدم وجود البناء للمعلوم منه ، والمستحاضة من يسيل دمها لا من المحيض بل من عرق العاذل كما في القاموس وهو أي الفصل يشتمل على بيان أقسامها وأحكامها ، أما الأول فدم الاستحاضة أو الاستحاضة نفسها لتعارف إطلاقها على نفس الدم مجازا أو حقيقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٥٧

اصطلاحية في الأغلب كما في النافع والتحرير والمنتهى والقواعد واللمعة والروضة والبيان والدروس وغيرها ، بل هو مراد من تركه ، لما ستعرف من انه قد تكون الاستحاضة بأوصاف الحيض كالعكس أصفر بارد رقيق يخرج بفتور على ما يستفاد من مجموع النصوص (١) والفتاوى في المقام وفي ذكر أوصاف الحيض لظهور المقابلة في إرادة التميز عنه ، وان اقتصر على الأولين في المصباح والذكرى وظاهر المعتبر وعن غيرها ، كخبر حفص (٢) عن الصادق عليه‌السلام « دم الاستحاضة أصفر بارد » وعلى الثاني فقط في‌ الصحيح أو الحسن (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « ان دم الاستحاضة بارد » وعليه مع زيادة الفساد في‌ خبر إسحاق بن جرير (٤) « دم الاستحاضة فاسد بارد » وعلى الأول والثالث في‌ صحيح ابن يقطين (٥) عن الكاظم عليه‌السلام في النفساء « فإذا رق وكان صفرة اغتسلت » وعلى الثلاثة الأول في الوسيلة والنافع والمنتهى وعن التبيان وروض الجنان والمراسم والغنية والمهذب والكافي والإصباح ، وعلى الأربعة في القواعد والتحرير والبيان واللمعة والروضة وغيرها ، وعلى الأولين مع الرابع في المبسوط وان عبر عنه فيه بأنه لا تحس المرأة بخروجه ، وعلى الثاني والرابع في الهداية والفقيه ناقلا له عن رسالة والده ، كما عن المقنع مع التعبير عن الرابع فيها بنحو ما في المبسوط أيضا ، وعلى الثاني والثالث مع زيادة الصفاء في المقنعة ، لكن ينافيه جعل الأكدر غالبا أيضا كالأصفر في الدروس وغيرها ، اللهم إلا ان يريد به الملازم للرقة غالبا.

وكيف كان فلا إشكال في غلبة هذه الأوصاف وان ظهر من المعتبر والذكرى التردد في الثالث ، لنسبته فيهما الى الشيخين ، لكن يدل عليه ـ مضافا الى ما تقدم والى‌

__________________

(١) الوسائل والمستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٦.

٢٥٨

ما عساه يشعر به‌ خبر سعيد بن يسار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت الشي‌ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها ، فقال : تستظهر بعد أيامها بيوم أو يومين أو ثلاثة ، ثم تصلي » ـ ما ذكر في وصف الحيض من العبيط في النص (٢) والفتوى ، فإنه وان فسر بالخالص الطري لكنه قد يشعر بالغلظ ، كما يومي اليه قول الكاظم عليه‌السلام في صحيح ابن يقطين المتقدم وما في المدارك من عدم الوقوف على مستند للرابع لكن قد عرفت انه مع التصريح به في كثير من عبارات الأصحاب مستفاد من اعتبار الدفع والخروج بقوة في الحيض في النص والفتوى ، وما يقال : انه لا دلالة فيه على ثبوت الضد في الاستحاضة مدفوع بظهوره فيه من ذكره للتمييز بينهما ، كما انه يستفاد حينئذ من ذكر السواد والبحراني ونحوهما في الحيض غلبة غيرهما في الاستحاضة ، لا خصوص الأصفر وان كان هو أغلب الغالب ، بل في جامع المقاصد « انه قد يكون دم الاستحاضة أبيض ، وهو لون يختص به » انتهى.

وانما قيد المصنف بالأغلب لأنه قد يتفق دم الاستحاضة بأوصاف الحيض كما أنه قد يتفق بمثل هذا الوصف حيضا إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض إجماعا محصلا ومنقولا ، ونصوصا (٣) في أيام العادة ، بل وفي غيرها مما حكم بكون ما فيها حيضا كالمتخلل بين العادة والعشرة مثلا مع الانقطاع ، لما عرفت من قاعدة الإمكان وغيرها ، بل في الخلاف الإجماع عليه كما تقدم ، ومن هنا احتمل إرادة المصنف بأيام الحيض ما يشملهما ولو تغليبا ، فما في المدارك من أولوية التفسير الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨ مع الاختلاف كما تقدم تفصيله في التعليقة « ١ » من الصحيفة ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

٢٥٩

لاعتبار الأوصاف في غير العادة ضعيف لا يصغى اليه على إطلاقه ، كالذي فيها من جعل هذه الأوصاف خاصة مركبة ، وقد مر نظيره في الحيض وهما بل السواد والحمرة أيضا في أيام الطهر طهر قطعا وإجماعا عن الناصريات والخلاف ، وما في إطلاق بعض الأخبار (١) مما ينافي الأول أو الثاني مطروح أو مؤل كما مر بيان ذلك كله مستقصى في المباحث المتقدمة ، وكأن المصنف كغيره من الأصحاب اقتصر على ذكر الصفرة والكدرة فقط تنبيها بها على أولوية غيرهما من الأوصاف في هذا الحكم ، وان كان الحكم بحيضية الجامع لجميع أوصاف المستحاضة في غير أيام العادة أو بعد معلوم الحيضية مع الانقطاع على العاشر أو قبله لا يخلو من إشكال ونظر كما تقدمت الإشارة إليه في قاعدة الإمكان ، نعم لا ينبغي الإشكال باستحاضة ما ثبت انه ليس بحيض وان كان جامعا لجميع صفات الحيض كما في كل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة ولم يأت ما يتمها في ضمن العشرة ، بل وفيه أيضا على الأقوى لاشتراط التوالي.

ولكن هل يشترط في الحكم باستحاضته العلم بأنه لم يكن دم قرح ولا جرح أو يكفي فيه بعد انتفاء الحيضية عدم العلم بكونه منهما ، فيكون الضابط ان كل دم ليس بحيض ولا نفاس فهو استحاضة حتى يعلم أنه من قرح أو جرح ، أو يفرق بين الواجد لوصف الاستحاضة فالثاني ، وعدمه فالأول ، أو بين العلم بوجود القرح والجرح وعدمه فعكس سابقه؟ وجوه ، يظهر من القواعد والبيان وجامع المقاصد وكشف اللثام وكذا التحرير والإرشاد والمتن الأول ، ويؤيده بعد الأصل وقاعدة اليقين ما في‌ مرسل يونس (٢) المتقدم في اشتراط التوالي في من رأت يوما أو يومين وانقطع ليس من الحيض « انما كان من علة إما قرحة في جوفها وإما من الجوف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٢٦٠