جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كالشيخ والمصنف والعلامة والشهيد وغيرهم ، ومناسبتها للتعظيم قد ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليها ، وكفى بذلك مستندا لمثلها ، مضافا الى ما رواه في كشف اللثام‌ مرسلا (١) عن الباقر عليه‌السلام « انا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضأن عند وقت كل صلاة ـ إلى قوله عليه‌السلام : ولا يقربن مسجدا » الى آخره. فما وقع من بعضهم من التردد فيها أو تعليلها بما يصلح لذلك في غير محله ، وأما حرمته فيهما فمع أني لم أجد فيها خلافا محققا ، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا به بدعوى الإجماع عليه يدل عليه‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد بن مسلم أو حسنه (٢) : « الجنب والحائض يدخلان المسجد مجتازين ، ولا يقعدان فيه ، ولا يقربان المسجدين الحرمين » وهو المناسب لزيادة شرفهما وتعظيمهما ، فإطلاق المصنف كما عن جماعة الكراهة من غير استثنائهما كإطلاق آخرين الجواز بدونه قد نزل على إرادة غيرهما ، وكان ذلك من المصنف للإحالة على ما ذكره في الجنب ، لظهور كونها أسوء حالا منه ، واشتراكهما في كثير من الأحكام ، كما انه لم يتعرض هنا لحرمة الوضع في المساجد كما نص عليه هنا غيره من الأصحاب ، بل هو أيضا في غير الكتاب ، للنهي عن ذلك في جملة من المعتبرة (٣) وقد تقدم الكلام فيه في باب الجنابة ، كما انه تقدم أيضا الكلام في جواز الدخول لأخذ شي‌ء من المسجد على ما هو المستفاد من بعض الأدلة (٤) فلاحظ وتأمل كي تعرف ذلك ، وتعرف أيضا إلحاق المشاهد المشرفة بالمساجد ، فيحرم غير الاجتياز ، أو غيره وغير الدخول لأخذ شي‌ء منها ، بل يمكن دعوى إلحاقها بالمسجدين المحرمين في الحرمة مطلقا حتى الاجتياز بعد فهم كون مدارها على الشرف والتعظيم ، وهي‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الجنابة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الجنابة.

٢٢١

أولى من غيرها في ذلك ، فلاحظ وتأمل ، ولاحظ أيضا ما مر لنا سابقا من إيجاب التيمم للجنب في أحد المسجدين للخروج ، فانا قد ذكرنا ذلك بالنسبة للحائض إذا حاضت فيه كما هو نص الرواية (١) المعمول عليها هناك ، كما انا ذكرنا هناك انه مجرد تعبد شرعي ، وإلا فالتيمم لا يفيدها شيئا ، ولذا لو اضطرت الى دخول غيرهما من المساجد لا نوجب عليها التيمم ، إذ هو لا يفيدها شيئا ، فيبقى الأصل لا معارض له ، والله أعلم ، وبالجملة فقد تقدم هناك ما يغني تأمله عن إطالة الكلام في المقام.

( ( الرابع ) لا يجوز لها ) حال الحيض قراءة شي‌ء من العزائم الأربع ، إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (٢) على حسب ما مر في الجنب ويجوز للأصل والعمومات والنصوص (٣) المعتبرة المستفيضة المعتضدة بنفي الخلاف ، بل بالإجماع المدعى صريحا وظاهرا ، لكن يكره لها ما عدا ذلك من القرآن على المشهور ، بل ظاهر المصنف دعوى الإجماع عليها من غير فرق بين السبع والسبعين وغيرهما ، لما‌ روي (٤) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن » ول‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر السكوني (٥) المروي عن الخصال : « سبعة لا يقرؤون القرآن ـ وعدّ منها ـ الجنب والنفساء والحائض » وفي كشف اللثام انه أرسل‌ عنه عليه‌السلام (٦) في بعض الكتب « لا تقرأ الحائض قرآنا » وعن أبي جعفر عليه‌السلام (٧) « انا نأمر نساءنا الحيض ان يتوضأن عند وقت كل صلاة ـ إلى قوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٤ و ٧ و ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الجنابة.

(٤) كنز العمال ـ ج ٥ ـ ص ٩٧ ـ الرقم ٢٠٩١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب قراءة القرآن من كتاب الصلاة.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٢٢

عليه‌السلام : ولا يقربن مسجدا ولا يقرأن قرآنا » وهي كما ترى قاصرة عن إفادة الحرمة سيما بعد معارضتها بما عرفت غير قاصرة عن إثبات الكراهة سيما بعد انجبارها بالشهرة ، بل بظاهر الإجماع من المصنف ، لكن مقتضاها عدم الفرق بين السبع والسبعين وغيرهما كما هو قضية إطلاق الأكثر ، فما عن سلار في الأبواب من القول بالحرمة كالمنقول عن ابن البراج من تقييدها بالزائد على السبع ضعيفان سيما الثاني ، كضعف القول بعدم الكراهة مطلقا ، أو بتقييدها بالسبع أو السبعين لما عرفت ، وكأن مستند الأخير ما ورد في الجنب (١) لكنه فيه ـ مع انه قياس لا نقول به ـ انها أسوء حالا منه ، لكن قد يقال : انه وجه الجمع بين ما تقدم وبين ما‌ ورد (٢) في بعض الأخبار الآتية في ذكر الحائض من الأمر لها « ان تتوضأ وقت كل صلاة ـ الى ان قال ـ : وتلت القرآن وذكرت الله عز وجل » فليتأمل.

ثم ان الظاهر من ملاحظة كلام الأصحاب عدم الفرق فيما سمعت من الحرمة في قراءة العزائم ودخول المساجد بين حال الدم وبين انقطاعه قبل الغسل ، استصحابا للمنع ، ولأنها أحكام لحدث الحيض المتحقق في الفرض ، لكن في المدارك عن بعض المتأخرين الفرق بينهما ، فجوز لها الأمرين بعد الانقطاع قبل الغسل معللا ذلك بتعليق الحكم فيهما على الحائض ، وهو غير صادق في هذا الحال ، لانتفاء التسمية عرفا وان قلنا بعدم اشتراط صدق المشتق ببقاء مبدئه كالمؤمن والكافر والحلو والحامض ، وهو ضعيف.

ولا يحرم عليها ان تسجد لو تلت السجدة وان حرم ذلك وكذا لو استمعت على الأظهر الأشهر ، بل يجب عليها كما هو صريح بعضهم وظاهر آخرين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٢٢٣

لإطلاق الأمر بالسجود والاستصحاب ، وصحيح أبي عبيدة الحذاء (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : ان كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » وقول الصادق عليه‌السلام في موثق أبي بصير (٢) أيضا في حديث : « والحائض تسجد إذا سمعت السجدة » ومضمره الآخر (٣) على ما في الكافي والتهذيب مسندا الى الصادق عليه‌السلام على ما في كتب جملة من الأصحاب « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار ، ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد » خلافا للمفيد والشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية والوسيلة وعن المهذب ، بل في الثاني كما عن بعض نسخ المقنعة لا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف ، ويؤيده‌ صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : تقرأ ولا تسجد » وخبر غياث (٥) المنقول عن مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « لا تقضي الحائض الصلاة ، ولا تسجد إذا سمعت السجدة » وهما ـ مع موافقتهما للتقية وقصور سند الثانية ، واحتمال الأولى الإنكار ، أو النهي عن سبب السجود أي قراءة العزائم كاحتمالها التخصيص بغير العزائم ، أو بالسماع دون الاستماع ان قلنا به على ان يراد بالنهي رفع الوجوب ـ قاصران عن مقاومة ما ذكرنا سيما بعد الاعتضاد بالشهرة المحكية في المقام ، وبها يوهن ما سمعته من نفي الخلاف ، مع انه نقل عنه في المبسوط موافقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٢٢٤

المشهور ، بل قال في التهذيب والاستبصار بعد ان ذكر الرواية الدالة على الوجوب : انها محمولة على الاستحباب ، وهو مناف لما حكاه من نفي الخلاف عن عدم الجواز ، اللهم إلا أن يريد بالاستحباب استحباب سجود آخر غير سجود التلاوة ، وهو كما ترى ، نعم يحتمل قويا سيما في الاستبصار إرادته من عدم الجواز نفي الوجوب جمعا بين الخبرين ، وربما يوهمه ظاهر جملة من كلمات الأصحاب ، لتعبيرهم عن ذلك بالجواز ، وان كان الظاهر أن المراد به الوجوب كما تقضي به أدلتهم ، وهل السماع كالاستماع؟ وجهان بل قولان ، ينشئان من إطلاق بعض الأخبار المتقدمة ومن الأصل ، وما رواه‌ عبد الله ابن سنان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع السجدة ، قال : لا يجب إلا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا أو يصلي بصلاته ، فأما أن يكون في ناحية وأنت في أخرى فلا تسجد إذا سمعت » ولعل الثاني أقوى ، وبه يجمع بين الأخبار المتقدمة ، ويأتي تمام الكلام فيه في باب الصلاة إن شاء الله ، إذ الظاهر عدم اختصاص المقام بذلك.

( ( الخامس ) يحرم على زوجها ) ونحوه مع علمه بالحيض وحكمه وتعمده وطؤها في القبل ، كما انها يحرم عليها تمكينه من ذلك أيضا حتى تطهر إجماعا بل ضرورة من الدين ، فيحكم بكفر مستحله منهما على حسب غيره من الضروريات ، كما انه لا إشكال بدونه في الفسق والعصيان ، وقد صرح جماعة ثبوت التعزير بنظر الحاكم معللا له بعضهم بأنه لا تقدير له في الأدلة ، فيناط بنظره كما في كل ما كان كذلك ، وحكي عن أبي علي ولد الشيخ تقديره باثني عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني ، واعترف في المدارك وغيرها تبعا لجامع المقاصد بعدم الوقوف له على مأخذ ، ولعل الأولى للحاكم اختيار التعزير بربع حد الزاني سيما إذا كان في أول الحيض ، لما في‌ خبر الفضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ حديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٢٥

الهاشمي (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أتى أهله وهي حائض ، قال : يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فعليه أدب ، قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني وهو صاغر ، لأنه أتى سفاحا » وفي‌ خبر محمد بن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن الرجل أتى المرأة وهي حائض ، قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي وسطه نصف دينار. قلت : جعلت فداك يجب عليه شي‌ء؟ قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني ، لأنه أتى سفاحا » وفي‌ المرسل (٣) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن تفسير علي بن إبراهيم « من أتى امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار ، وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة ، وان أتاها في آخر أيام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ، ويضرب اثنى عشر جلدة ونصفا » وبه يقيد إطلاق الخبر الأول ، وفي الأخير شهادة على بعض ما نقل عن أبي علي ، ويأتي ان شاء الله تمام الكلام فيه في باب الحدود.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم الإثم عليه مع جهل الحيض أو نسيانه ، وأما مع جهل الحكم فقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه كذلك أيضا ، ولعله لا يخلو من تأمل مع تنبهه وتقصيره في السؤال ان جاز خفاء مثل هذا الحكم عليه مع كونه من الضروريات ، ولعل مرادهم نفي حرمة الوطء في الحيض عنه لا حرمة التقصير في السؤال ، إلا انه مبني على عدم العقاب للجاهل المتنبه على خصوص ما يقع فيه من المحرمات ، لعدم تحقق العصيان فيه وان استحق العقاب على تركه الحث في السؤال.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ـ حديث ٢ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ـ حديث ١ من كتاب الحدود ، لكن في الوسائل ( وفي استدباره ) بدل ( وفي وسطه ).

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

٢٢٦

ثم انه لا ينبغي الإشكال أيضا في إلحاق المحكوم بحيضيته شرعا بمعلومها كالمبتدأة ونحوها ان قلنا بتحيضها بمجرد الرؤية ، وكذا أيام الاستظهار بناء على المختار من الوجوب إلى العشرة ، وكذا بناء على القول بالوجوب التخييري بين اليوم واليومين مثلا ، لكن يتبع اختيارها في الزائد على اليوم ، فان اختارت الجلوس وجب عليه الاجتناب وإلا فلا ، لكن هل له الوطء قبل العلم باختيارها أو مع خروجها عن قابلية بجنون ونحوه؟ إشكال ، أقواه الجواز ، وأما بناء على استحباب الاستظهار فربما ظهر من بعض استحباب الاجتناب له أيضا ، وفيه تأمل سيما ان قلنا ان المراد بالاستحباب بالنسبة إلى اختيارها أي يستحب لها اختيار الحيض ، ثم يلحقها أحكامه حينئذ ان اختارت كما هو أحد الاحتمالين في التخلص من شبهة استحباب ترك العبادات الواجبة ، وحينئذ يشكل إطلاق الاستحباب زيادة على إشكال أصل ثبوته أيضا وان لم نقل بذلك ، لعدم التلازم بين حكمها وحكمه ، اللهم إلا ان يدعى استفادته من أدلة الاستظهار ، أو يستند الى بعض الأخبار (١) المعلقة نفي البأس بالنسبة للوطء على الاستظهار ونحو ذلك ، ومن جميع ما تقدم يظهر لك ما في إطلاق جملة من المتأخرين جواز الوطء فيها من دون تفصيل بما ذكرنا ، ولعله للبناء منهم على عدم لحوقها بأيام الحيض إما مطلقا أو في خصوص الوطء ونحوه ، فيتجه لهم حينئذ ذلك ، وأما احتمال القول بحرمة الوطء حتى بعد البناء المتقدم تمسكا بباب المقدمة لامتثال التكليف باجتناب الحائض من جهة احتمال انقطاعه على العشرة أو ما دون فضعيف ، لعدم الإشكال في جريان أصل البراءة في نحو ذلك من سائر ما اشتبه فيه الموضوع ما لم يكن شبهة محصورة ، نعم لا بأس برجحان الاجتناب لذلك.

ثم انه لا إشكال عندهم بل لا خلاف في قبول قول المرأة في الحيض ان لم تكن متهمة ، بل أطلق بعضهم وجوب القبول من غير تقييد ، كما انه صرح آخر بذلك حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٨ و ١٢ و ١٤.

٢٢٧

مع ظن الزوج الكذب ، ولعله لقوله تعالى (١) ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) إذ لولا وجوب القبول لما حرم الكتمان ، لكن لا يخلو الاستدلال بها على المطلوب من نظر وتأمل ، فالأولى الاستدلال بقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) أو حسنه : « العدة والحيض إلى النساء ، إذا ادعت صدقت » ولأنه شي‌ء يعسر إقامة البنية عليه ، إذ مشاهدة الدم أعم من كونه حيضا ، ولعل وجه التقييد بالتهمة بعد الأصل وعدم تبادر المتهمة مما ذكرنا ما يشعر به‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) « في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض ، فقال : كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضى على ما ادعت ، فان شهدت صدقت ، وإلا فهي كاذبة » ومن هنا كان التقييد لا يخلو من وجه ، لكن ينبغي قصره على نحو مضمون الخبر ، كالاستناد الى ما هو محل الريبة ونحوه ، لا الاكتفاء بمجرد ظن الزوج الكذب وان لم تستند إلى شي‌ء من ذلك.

( ويجوز للزوج ) والسيد ( الاستمتاع بما عدا القبل ) مما فوق السرة وتحت الركبة إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا غاية الاستفاضة كالسنة (٤) فما في‌ خبر عبد الرحمن « سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل ما يحل له من الطامث؟ قال : لا شي‌ء له حتى تطهر » محمول على إرادة لا شي‌ء له من الوطء في الفرج أو غير ذلك ، وكذا فيما بينهما حتى الوطء في الدبر على المشهور في الجملة شهرة كادت تكون إجماعا ، بل عن ظاهر التبيان ومجمع البيان الإجماع على الدبر ، كما في صريح الخلاف الإجماع أيضا على جواز الاستمتاع بما بينهما في غير الفرج ، ولعله يريد به القبل كالمنقول عن الاقتصاد‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٢.

٢٢٨

والنهاية والمبسوط أيضا ، بل كادت تكون عبارة الخلاف كالصريحة فيما ذكرنا على ما يشعر به استدلاله ، خلافا للمنقول عن المرتضى في شرح الرسالة من تحريم الوطء في الدبر ، بل مطلق الاستمتاع بما بين السرة والركبة ، ولم أعثر على موافق له في ذلك سوى ما عساه يظهر من الأردبيلي من الميل اليه ، ولا ريب ان الأقوى الأول ، ويدل عليه ـ مضافا الى ما تقدم والى الأصل بل الأصول وعموم أو إطلاق ما دل على جواز الاستمتاع بالمرأة وعلى جواز الوطء في الدبر الشامل للمقام من الكتاب والسنة ـ خصوص المعتبرة المستفيضة غاية الاستفاضة ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) بعد أن سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ : ( ما دون الفرج ) ونحوه غيره (٢) والظاهر ان المراد به القبل كما يكشف عنه قوله عليه‌السلام أيضا في‌ مرسل ابن بكير (٣) : « إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضوع الدم » وفي‌ خبر عبد الملك بن عمرو (٤) بعد أن سأله أيضا « ما لصاحب المرأة الحائض منها فقال عليه‌السلام : كل شي‌ء عدا القبل منها بعينه ».

وبذلك كله يظهر لك ضعف ما يستدل به للمرتضى من النهي عن القرب في الكتاب العزيز (٥) كالأمر بالاعتزال في المحيض على انه يراد به وقت الحيض ، وقول الصادق عليه‌السلام في موثق أبي بصير (٦) بعد ان سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ : « تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار » ونحوه‌ صحيحة الحلبي (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٥) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

٢٢٩

ما فوق الإزار ، قال : وذكر عن أبيه عليه‌السلام ان ميمونة كانت تقول : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمرني إذا كنت حائضا أن أتزر بثوب ثم أضطجع معه في الفراش » وهي مع قصورها عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه محتملة للحمل على التقية ، لأنه كما قيل مذهب كثير من العامة أو الاستحباب أو نحو ذلك ، ولا دلالة في الآيتين بل هما في خلاف المطلوب أظهر ، كخبر عمر بن حنظلة (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « ما للرجل من الحائض؟ قال : ما بين إليتيها ، ولا يوقب » إذ هو بعد ضميمة ما ادعي هنا من الإجماع المركب على عدم الفصل بين الدبر وغيره متعين في إرادة النهي عن الإيقاب في القبل سيما بعد كونه الغالب المعهود ، فتأمل.

وكيف كان فإن وطأ الزوج زوجته في محل الحيض عامدا عالما على ما هو الظاهر المتيقن من النص والفتوى مع التصريح به من بعضهم ، بل في الخلاف انه لا شي‌ء على الجاهل بالحيض أو بتحريم ذلك ، ثم ذكر ان العالم يأثم ويستحق العقاب ويجب عليه التوبة ، وقال : بلا خلاف في جميع ذلك وجبت عليه خاصة دونها وان كانت مطاوعة الكفارة كما هو خيرة كبراء الأصحاب من الصدوقين والشيخين وعلم الهدى وبني حمزة وزهرة وإدريس وسعيد وغيرهم ، ونسبه الشهيدان إلى الشهرة ، وغيرهما إلى الأكثر ، بل عليه الإجماع في الانتصار والخلاف والغنية ، بل أرسله في الرياض عن الحلي أيضا وان لم أجده ، ويدل عليه مضافا الى ذلك‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) « سألته عمن أتى امرأته وهي طامث ، قال : يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالى » ونحوه المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨ لكن رواه عن عمر بن يزيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

٢٣٠

و‌موثق أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « من أتى حائضا فعليه نصف دينار » وخبر محمد بن مسلم (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل أتى المرأة وهي حائض ، قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي وسطه نصف دينار » وبه مع الإجماعات السابقة يقيد إطلاق الدينار ونصفه فيما تقدم ، مضافا الى‌ رواية داود ابن فرقد (٣) عن الصادق عليه‌السلام أيضا في كفارة الطمث انه « يتصدق إذا كان في أوله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار » ونحوها المنقول عن الفقه الرضوي (٤).

( وقيل لا تجب ) كما هو خيرة المعتبر والمختلف والمنتهى والروض وجامع المقاصد والمدارك والمحكي عن نهاية الشيخ ، للأصل ، وصحيح العيص بن القاسم (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : لا يلتمس فعل ذلك قد نهى الله ان يقربها ، قلت : فان فعل أعليه كفارة؟ قال : لا أعلم فيه شيئا ، يستغفر الله ولا يعود » وموثق زرارة (٦) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الحائض يأتيها زوجها ، قال : ليس عليه شي‌ء يستغفر الله ولا يعود » وخبر ليث المرادي (٧) عن الصادق عليه‌السلام في وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأ قال : ( ليس عليه شي‌ء وقد عصى ربه ) ولاختلاف أخبار الوجوب اختلافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ـ حديث ١ من كتاب الحدود لكن في الوسائل ( وفي استدباره ) بدل ( وفي وسطه ).

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٣١

لا يلائمه ، منه ما تقدم ، ومنه‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الحلبي (١) : « يتصدق على مسكين بقدر شبعه » ومنه‌ خبر عبد الملك بن عمرو (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أتى جاريته وهي طامث ، قال : يستغفر الله ربه ، قال عبد الملك : فان الناس يقولون : عليه نصف دينار أو دينار ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فليتصدق على عشرة مساكين » ومنه يستفاد حمل تلك الأخبار على التقية كما ارتكبه بعضهم ، كل ذا مع قصورها في السند سيما الرواية التي اشتملت على تمام التفصيل ، مع ان آخرها معارض‌ بالمرسل (٣) أيضا عن الصادق عليه‌السلام المروي عن تفسير علي ابن إبراهيم « ان في الوطء آخر الحيض نصف دينار ».

( والأول أحوط ) بل أظهر ، لقوة ما سمعته من أدلة الوجوب ، وقصور غيرها عن مقاومتها لانقطاع الأصل ، وخروج الخبر الثالث مع الطعن في سنده وعدم الجابر له عن محل النزاع ، لتقييده المواقعة بالخطاء ، والكلام في العالم العامد ، واحتمال إرادة ذلك منه لنسبة العصيان إليه فيه بعيد ، إذ لعله لمكان جهله بالحكم وتقصيره في السؤال أو نحو ذلك ، والقول بكون الكفارة دائرة مدار الحرمة مطلقا كالقول بها بمطلق الوطء في الحيض وان لم يقع على وجه محرم ضعيف ، بل لعل الإجماع على بطلان الثاني كما أرسله بعضهم على بطلان الأول ، وقد سمعت نفي الخلاف المتقدم ، وأما الخبران الآخران فهما وان اعتبر سندهما لكنهما لا يقاومان ما تقدم من الإجماعات التي هي بمنزلة الأخبار الصحيحة والروايات المتقدمة المعتبرة في نفسها أو بالانجبار بها ، سيما مع موافقتهما لفتوى الشافعي في الجديد ومالك وأبي حنيفة وأصحابه وربيعة والليث ابن سعد على ما نقله عنهم في الانتصار ، مع اشتهار فتوى أبي حنيفة في زمن الصادق (ع)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

٢٣٢

ومنه تعرف فساد نسبة أخبار الوجوب للتقية ، كل ذا مع إعراض من سمعت من الأصحاب عنهما ، وفيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات ، مضافا الى أنهم البصيرون الناقدون للروايات ، لكونها خرجت من أيديهم ، وهم أعرف بها من غيرهم.

وأما ما ذكر أخيرا ففيه ان الاختلاف في الدينار ونصفه بالإطلاق والتقييد ، ومثله لا يكون قرينة على الاستحباب ، وأما غيره كالتصدق على العشرة وعلى مسكين ونحوهما فهو مع كونه في بعض الأخبار الغير المعتمدة قد حصل الاعراض عنه من الأصحاب القائلين بالوجوب أو الاستحباب ، عدا ما عساه يظهر من المنقول عن الصدوق في المقنع كما ستسمع ، ومعه لا يصلح لأن يكون قرينة على ذلك ، إذ لو كان هو منشأ الاستحباب لكان الحكم باستحباب الجميع متجها ، وأيضا فأقصى ما يفيده مثل هذا الاختلاف إشعار لا يقاوم ما سمعت من الإجماعات وغيرها ، مع ان رواية العشرة إنما اشتملت على حكم من وطأ جاريته ، ولم يقل أحد بمضمونها فيها ، بل المعروف بين الأصحاب التصدق بثلاثة أمداد سواء كان في أوله أو وسطه أو آخره ، اللهم إلا ان تنزل على ذلك ، وهو كما ترى ، والمشهور هنا أيضا القول بالوجوب ، بل في الانتصار الإجماع عليه ، وفي السرائر نفي الخلاف فيه ، وهما مع التأييد بالمنقول عن الفقه الرضوي (١) الحجة على ذلك ، ولعله مما يؤيد القول بالوجوب في المسألة السابقة لعدم الفصل بينهما ولذا بنى الوجوب والاستحباب هنا في جامع المقاصد على تلك وان كان لا يخلو من تأمل ، لأن المنقول عن النهاية في المقام الوجوب ، لكن لعل عبارته غير صريحة ، أو أنه لا يخل بالإجماع المركب ، فيتجه حينئذ تأييد تلك بأدلة هذه وبالعكس ، فتأمل ، إلا ان الظاهر قصر الثلاثة أمداد على ما إذا كانت الموطوءة أمته ، لاختصاصها بما سمعت من الدليل ، دون ما إذا كانت أمة غيره خلافا لما يظهر من الأستاد في كشف الغطاء ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

٢٣٣

نعم لا فرق في أمته بين ان تكون قنة أو مدبرة أو أم ولد ، بل ومكاتبة مشروطة أو مطلقة ما لم يتحرر منها شي‌ء ، فتدخل حينئذ في الأولى أيضا كما في كل مبعضة لعدم صدق الإضافة ، وبه يعرف حكم المشتركة أيضا وان كان الحكم فيهما معا لا يخلو من إشكال.

وكيف كان فقد ظهر لك ان الأقوى الوجوب فيهما ، كما انه ظهر لك أيضا كون الكفارة بالنسبة للأولى في أوله دينار ، وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار للمرسلة المنجبرة بإجماعي المرتضى وابن زهرة المؤيدين بالتتبع لكلمات الأصحاب ، فلم نعثر على مخالف في هذا التقدير سوى ما عساه يظهر من المنقول عن المقنع من جعل الكفارة ما يشبع مسكينا ، ونسبة الأول للرواية عكس ما في الفقيه ، وهو غير قادح ، ثم ان المتبادر من ذلك في النص والفتوى تقسيم أيام الحيض مع لياليه أثلاثا متساوية ولو مع الكسور ، فالثلث الأول من الأربعة مثلا أول يوم مع الثلث الأول من اليوم الثاني ، والثلث الثاني هو بقية اليوم الثاني مع الثلثين الأولين من الذي بعده ، والباقي هو الثالث الثالث ، وهكذا ، فما عن سلار من تحديد الوسط بما بين الخمسة إلى السبعة فقد يخلو حينئذ بعض الحيض عن الوسط ، والأخير ضعيف لا دليل عليه ، كالمنقول عن الراوندي ان اعتبار ذلك بالنسبة الى أكثر الحيض خاصة ، فقد يخلو عنهما أيضا كالأول ، ثم المدار على ما تحقق في الخارج انه حيض زاد على العادة أو نقص ، كما انه يتبع اختيارها بالنسبة إلى التحيض في الروايات ان اختارت قبل الوطء ، وإلا فيشكل وجوب الكفارة لو اختارت بعده ، لعدم صدق الوطء في الحيض عالما عامدا ، بل قد يشكل هذا الصدق في سابقه فضلا عنه ، لعدم ثبوت كونه حيضا ، كما يشعر به‌ قول الصادق عليه‌السلام في تفسير قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تحيضي في علم الله بستة أو سبعة » في مرسل يونس الطويل (١) فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٣٤

وكيف كان فالمدار بالنسبة الى ذلك على الواقع بعد الاستقرار ، فلا مدخلية لظن أو لقطع انه الثلث الأول مثلا بعد انكشاف خطائه ، وهل يلحق بالزوج وطء الأجنبي؟ وجهان بل قولان ، أقواهما في النظر العدم ، وكونه أشد حرمة لا يقضي بالكفارة ، إذ لعله بشدته لا كفارة له أو له كفارة غير تلك. نعم قد يستند إلى إطلاق بعض الروايات كقوله عليه‌السلام (١) : ( من أتى حائضا ) لكن يشك في شمولها لنحو المقام ، كالشك أيضا في شمولها لمن حصل لها حيض في غير الفرج ، كأن يكون لها مخرج معتاد غيره ثم وطأها في الفرج ، ومثله الشك في شمول الأدلة للخنثى المشكل ، وكذلك للوطء في حال الحياة والموت ، بل المتجه في جميع ذلك التمسك بأصالة البراءة السالمة عن المعارض ، خلافا لما يظهر من الأستاد في كشف الغطاء ، نعم يمكن تعميم الحكم للوطء مع الانزال وعدمه ، وإدخال تمام الذكر وعدمه بعد إدخال الحشفة ، بل قد يظهر من الأستاد المتقدم تعميمه حتى لإدخال بعض الحشفة ، وفيه إشكال ، ولا فرق بحسب الظاهر بين كون الزوجة دائمة أو منقطعة ، والمراد بالدينار على ما صرح به بعض الأصحاب هو المثقال من الذهب الخالص المضروب ، كما انه صرح بعضهم ان قيمته عشرة دراهم جياد ، بل في جامع المقاصد انه المعروف بين الأصحاب هنا وفي باب الدية ، وظاهر هؤلاء كصريح بعض الاجتزاء بالقيمة ، وأولى منها الاجتزاء بالمثقال من الذهب وان لم يكن مضروبا ، وربما يؤيده ذكر النصف والربع لظهور كونهما ليسا بمضروبين ، كما أنه يؤيد العدم ما قيل ان قيمة الدينار لا تدخل تحت اسم الدينار ، مضافا الى ان حال الكفارات الاقتصار على مورد النص ، ولعل الأقوى في النظر الأول خلافا لجماعة من الأصحاب ، لكن هل يعتبر القيمة في ذلك الوقت فلا عبرة بالزيادة والنقصان في غيره؟ لا يبعد في النظر ذلك ، نعم يجتزى بالدينار نفسه زادت قيمته أو نقصت ، فتأمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

٢٣٥

جيدا. ثم ان مصرف هذه الكفارة مصرف غيرها من الكفارات ، ولا يشترط التعدد بلا خلاف أجده فيها ، نعم يمكن اشتراط المساكين الثلاثة في كفارة وطء الأمة ، لما عرفت أن العمدة إجماع الانتصار المعتضد بنفي الخلاف ، ومعقدهما ما ذكرنا.

ولو تكرر منه الوطء بحيث يعد في العرف انه وطئان في وقت واحد كالثلث الأول ونحوه مما لا تختلف وفيه الكفارة لم تتكرر كما هو خيرة السرائر ، وقواه في المبسوط للأصل ، وتعليق الكفارة على مسمى الوطء مثلا الصادق في الواحد والمتعدد ، ولذا لم تتعدد الكفارة بتعدد الأكل مثلا في شهر رمضان ، وقيل بل تتكرر لأصالة عدم التداخل بعد الفهم العرفي من مثل هذه الخطابات تكرر المأمور به عند تكرر الشرط ، ولأن الوطء الثاني بعد تحققه إما أن يكون سببا أو لا ، والثاني باطل قطعا لشمول ما دل على السببية لمثله ، وإذا كان سببا فلا بد من ترتب المسبب عليه ، وإلا لم يكن سببا ، ولا معنى لأن يكون مسببه ذلك الذي تعلق بذمة المكلف أولا للزوم تحصيل الحاصل وتقدم المسبب على السبب ، مع ان ظاهر الأدلة هنا كقوله عليه‌السلام (١) : ( فعليه ) ونحوه مقارنته له لا حصوله قبله ، فلم يبق إلا المطلوب ، والأول أقوى ان لم يسبق التكفير ، كما ان الثاني أقوى مع السبق وفاقا للعلامة والشهيد والمقداد وغيرهم ، أما الأول فللشك في السببية حينئذ ، فلا يجري أصالة عدم التداخل مع منع الفهم العرفي من مثله التكرر ، بل الظاهر من هذه الخطابات حكم قضية مهملة ، وهي ان الوطء في الجملة في أول الحيض مثلا يوجب ذلك ، لا ان المراد كل وطء ، ولا مانع من التزام انه مع سبقه بالسبب الأول لا يؤثر أثرا كالحدث بعد الحدث والنجاسة بعد النجاسة ونحوهما ، فيراد بسببيته حينئذ انه قابل للتأثير لو استقل ، ومنه يظهر وجه الثاني ، وذلك لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، فيكون كالحدث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

٢٣٦

بعد ارتفاع الأول والنجاسة بعد ارتفاع السابقة.

هذا كله مع اتحاد الكفارة لاتحاد الوقت وأما ان اختلفت لاختلافه تكررت من غير فرق بين سبق التكفير وعدمه ، بل ظاهر العبارة انه لا خلاف فيه ولعله كذلك وان أطلق بعضهم عدم التكرير ، لكن لعله يريد مع عدم اختلاف الوقت ، وإلا فلا وجه للنزاع ، لتغير الموجب والموجب هنا ، فلا ينبغي الإشكال فيه كما هو واضح ، واعلم انه ألحق بعضهم النفساء بالحائض ، قيل وعليه يمكن اجتماع زمانين بل ثلاثة في وطء واحد ، نظرا إلى إمكان قلة زمان النفاس ، فيلتزم حينئذ بالكفارات الثلاثة ، وهو لا يخلو من إشكال ، لعدم صدق الأول والوسط والآخر ، ولا الوطء فيهما بمجرد الاستدامة الحاصلة ، فالمتجه حينئذ مراعاة أول آنات مسمى الوطء بإدخال الحشفة أو الأقل ان قلنا به ، ومنه يعرف الاشكال فيما عساه يقال من احتمال إيجاب الكفارتين معا بالنسبة للحائض إذا اتفق الوطء في آخر زمان الثلث الأول مثلا وفي أول زمان الثلث الثاني ، لما عرفت من عدم تعدد الوطء ، بل هو وطء واحد ، فينبغي مراعاة أول آنات تحقق مسماه ، نعم قد يشكل الحال مع فرض اشتراك زمان التحقق ، ولعل المتجه فيه إيجاب الكفارتين ، تحصيلا للبراءة اليقينية للقطع بشغل ذمته ، إذ احتمال سقوط الكفارة مقطوع بعدمه ، فتأمل جيدا. ثم ان الظاهر من ذيل مرسلة داود (١) سقوط الكفارة مع العجز ، والرجوع الى الاستغفار ، بل جعله السبيل الى كل كفارة عجز عنها ، وهو لا يخلو من قوة بناء على الاستحباب ، كما انه لا يخلو من إشكال بناء على الوجوب ، لعدم الجابر لها في خصوص ذلك ، بل ينبغي انتظار اليسار كما في غيره من الكفارات ، وبناء عليه ينبغي ملاحظة العجز عن التعلق دون المتجدد ، لمكان شغل الذمة به سابقا ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

٢٣٧

( السادس ) يحرم بل ( لا يصح طلاقها ) إجماعا من المسلمين في الأول كما حكاه في المعتبر والمنتهى وغيرهما ، ومن الفرقة المحقة في الثاني ( إذا كانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها ) أو في حكمه لا غائبا أو في حكمه ، وكانت حائلا لا حاملا إجماعا محصلا ومنقولا صريحا في الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام وغيرها ، وظاهرا في المنتهى والمعتبر والمدارك وغيرها ، خلافا للمنقول عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد من الصحة وان حرم ، نعم وقع خلاف بيننا في تحديد الغيبة بشهر أو ثلاثة أو العلم بانتقالها من طهر المواقعة إلى طهر آخر بحسب عادتها ، ولتحرير ذلك مقام آخر كتحرير توقف تحقق الغيبة على السفر الشرعي أو انها تحصل بدونه ، فتأمل.

( ( السابع ) إذا ) استبرأت نفسها فعلمت انها ( طهرت وجب عليها الغسل ) عند وجوب المشروط به إجماعا محصلا ومنقولا دون عدمه وان قلنا بوجوب غسل الجنابة لنفسه ، ولذا نفى عنه الخلاف هنا في جامع المقاصد ، وحكى في الروض عليه الإجماع ، لكن جعل في المنتهى للنظر فيه مجالا لإطلاق الأمر ، ونحوه القاضي بوجوبه لنفس ، وفي المدارك ان قوته ظاهرة ، وقد تشعر عبارة الذكرى في باب الجنابة بوجود المخالف كما انه يشعر بعضها أيضا بعدمه ، والأقوى خلافه في الجنابة فضلا عن المقام ، وكيف كان ف ( كيفيته مثل غسل الجنابة ) واجباته ومندوباته ، بلا خلاف أجده إلا فيما ستسمع ، بل في المدارك انه مذهب العلماء كافة ، وهو الحجة مع قول الصادق عليه‌السلام في الموثق (١) والمرسل (٢) عن الفقيه والمقنع والمجالس : « غسل الجنابة والحيض واحد » ونحوه غيره (٣) وخبر أبي بصير (٤) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سألته أعليها غسل مثل غسل الجنابة ، قال : نعم يعني الحائض » ونحوه غيره (٥) أيضا مضافا الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٢٣٨

ما دل (١) على التداخل سابقا ، وقضية ذلك كله التساوي في جميع الواجبات والمندوبات في الترتيب والارتماس وغيرهما ، وهو كذلك ، لكن قال في النهاية : « وتستعمل في غسل الحيض تسعة أرطال من ماء ، وان زاد على ذلك كان أفضل ، وفي الجنابة وإن استعمل أكثر من ذلك جاز » إلا انه يحتمل إرادته الأول من الثاني ، كما انه يحتمل تخصيصها بذلك الإسباغ لمكان شعرها وجلوسها في الحيض أياما ، وفي الرياض أو انه لاحظ‌ مكاتبة الصفار (٢) « كم حد الماء الذي يغسل به الميت كما رووا ان الجنب يغتسل بستة أرطال والحائض بتسعة » أو‌ الخبر (٣) « عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ قال : فرق » وهو كما قاله أبو عبيدة بلا اختلاف بين الناس ثلاثة أصوع ، وفيه ان الأول لا يوافق ما تقدم عن النهاية.

ثم انك قد عرفت ان قضية الأدلة السابقة جواز الارتماس أيضا كما صرح به بعضهم في المقام والجنابة ، وقد أوضحناه هناك بما لا مزيد عليه ، ولا ينافيه قول العلامة في المنتهى هنا : يجب فيه الترتيب ، وحكى عليه الإجماع ، لأنه قال بعد ذلك : « واعلم ان جميع الأحكام المذكورة في غسل الجنابة آتية هنا ليتحقق الوحدة إلا شيئا واحدا وهو الاكتفاء به عن الوضوء ، فان فيه اختلافا » قلت : وينبغي ان يستثنى مسألة تخلل الحدث الأصغر في أثنائه ، لأنه ينبغي القطع كما عن العلامة في التذكرة والنهاية بعدم قدحه في المقام بناء على عدم الاستغناء عن الوضوء مع عدم مدخليته في رفع الأكبر ، نعم قد يتجه البحث فيه بناء على أحدهما ، كما انه يمكن القول بالفساد هنا بناء على الأول أيضا ان قلنا به في غسل الجنابة مستندين إلى الرواية المرسلة المتقدمة هناك بضميمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب غسل الميت ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

٢٣٩

ما دل على اتحادهما مما سمعته الآن لا الى غيرها من التعليلات المتقدمة هناك ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، لكن أطلق في جامع المقاصد ان في تخلل الأصغر في أثنائه قولين مبنيين على الخلاف في غسل الجنابة ، ثم نقل فيه عن الذكرى تعليل عدم القادحية بأن الطهارتين في غسل الحيض أي الصغرى والكبرى يشتركان في رفع الحدثين ، وهو كما ترى مع ضعف الاشتراك في نفسه كما ستسمع ان شاء الله ان اقتضاء ذلك الفساد أقرب من اقتضائه الصحة ، اللهم إلا ان يريد بالاشتراك من جانب الصغرى بمعنى ان الوضوء له مدخلية في رفع الأكبر مع استقلاله في رفعه الأصغر ، فحينئذ يتجه له عدم قدح تخلله في أثناء الغسل بعد تعقيبه بالوضوء.

وكيف كان فلا إشكال في انفراد غسل الحيض عن غسل الجنابة بالنسبة للوضوء للإجماع محصلا ومنقولا مستفيضا غاية الاستفاضة كالنصوص (١) على إجزاء الثاني عنه ، بل الظاهر عدم استحبابه فيه وفاقا للمحكي عن المشهور ، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، وفي المنتهى عندنا ، وخلافا للشيخ في التهذيب لظاهر خبرين (٢) وحملهما على التقية أولى ، وأما الأول ففيه خلاف ، وقد اختار المصنف العدم ، ولذا قال لكن لا بد له من وضوء كغيره من الأغسال وفاقا للمحكي عن الأكثر على لسان جماعة ، بل في الذكرى انه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، كما عن الصدوق في الأمالي نسبته الإقرار في كل غسل وضوء الى دين الإمامية ، قلت : والأمر فيه كما ذكرا إذ هو خيرة الفقيه والهداية (٣) والمقنعة والتهذيب والمبسوط والنهاية والغنية والمراسم والوسيلة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الجنابة.

(٢) التهذيب ـ باب ( حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ) حديث ٨٤ و ٨٥.

(٣) ينبغي أن ألحظ الهداية لأن الظاهر عدم سلامة ما حضرني من نسختها من الغلط ( منه رحمه‌الله ).

٢٤٠