جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالنسبة إلى ظهور الحال لا بالنسبة للوجوب ، مع انه وارد بالنسبة للاستحباب ، إذ لا يرتفع الإشكال بالنسبة للصلاة وعدمها بدعواه ، نعم انما يرتفع بدعوى التخيير المذكورة ، وهي مشتركة بينهما ، وكذلك تأييده باختلاف الأخبار ، وهو غير صالح لذلك ، سيما بعد ما عرفت انه المنقول عن ظاهر الأكثر ، وباشتمال بعض أخبار الاستظهار على لفظ الاحتياط الظاهر فيه ، لمنع ظهوره في ذلك بعد ان كان واقعا بصيغة الأمر التي هي مقتضى الوجوب ، وأما ما يقال : من ان القول بالاستحباب هو مقتضى الجمع بين أخبار الاستظهار (١) والأخبار (٢) الآمرة بالرجوع لأيام العادة الدالة على حيضية ما فيها واستحاضة الزائد عليها ، ففيه مع انها موافقة للعامة عدا ما حكاه في المنتهى ان ظاهر جملة منها (٣) بل كاد يكون صريحها إرادة المستمرة الدم التي تجاوز دمها العشرة كما اعترف بها المولى الأعظم في حاشية المدارك وشرح المفاتيح ، وتسمى بالدمية والمستحاضة ، بل لعل الناظر في الأخبار يقطع بأن المراد بالمستحاضة إذا أطلقت الدمية ، نعم قد يأبى تنزيل بعض هذه الأخبار على ذلك بالنسبة للدور الأول ، لكن لا تأباه بالنسبة للدور الثاني ، فحينئذ لا تعارض في شي‌ء من الروايات ، على انه قد يقال : انها مخصصة بغير أيام الاستظهار قطعا ، لكونه لازما للقائلين بالوجوب والاستحباب.

ومن العجيب ما في الرياض من ان الأقوى الاستحباب لا لما ذكر ( بل ) (٤) لتصادم الأخبار من الطرفين مع عدم المرجح في البين ، بل للأصل السليم عن المعارض حينئذ ، وفيه مع ما عرفت من ان الأصل والقاعدة والاستصحاب وغيرها تقتضي الاستظهار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٤) كذا في نسخة الأصل والصحيح زيادة لفظ ( بل ) لأنه مخل بالمعنى مع انه ليس موجود في الرياض.

٢٠١

فظهر لك من ذلك كله قوة القول بالوجوب ، وضعف القول بالندب كالإباحة أيضا ، فإنها ـ مع قلة القائل بها وعدم وجود ما يدل عليها سوى ما عرفته من توهم الحظر ، وانه لا وجه لاستحباب العبادة وللوجوب بعد المعارضة بما تقدم من الأخبار ، وفي الأول مع إمكان المنع ، وقيام مثله بالنسبة للأخبار المعارضة ـ ان مقتضاه كون العبادة مباحة ، فيقع فيما فر منه من القول بالاستحباب ، اللهم إلا ان يدعى مرجوحية الاستظهار ، فيراد حينئذ بالأمر بالاستظهار المرجوحية أي الكراهة ، وهو كما ترى ، وقد عرفت ان الثاني لا نقول به ، كما انه لا تعارض بين الأخبار ، هذا. وربما تسمع ما يؤيد المختار أيضا فيما يأتي.

وكيف كان ( فان استمر ) الدم ( الى العاشر وانقطع ) ظهر بذلك ان كله كان حيضا ( وقضت ما فعلته من صوم ) بعد اليوم أو اليومين للاستظهار ان لم يكونا تمام العشرة ، لتبين فساده بلا خلاف أجده عندهم في ذلك ، وبه صرح المصنف والعلامة والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم ، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه كما عن صريح آخر ، ويدل عليه مضافا الى ذلك قاعدة الإمكان ، وما دل عليها مما تقدم من الإجماع والموثق والحسن « إذا رأت المرأة قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى » (١) والمرسل السابق ، واستصحاب أحكام الحائض الى غير ذلك مما مرت إليه الإشارة عن قريب ، ومع ذلك كله فقد توقف فيه في المدارك ، وتبعه بعض من تأخر عنه كصاحب المفاتيح والحدائق قائلا انه لا دليل عليه ، بل ظاهر أخبار الاستظهار الحكم باستحاضة ما بعدها حتى لو انقطع على العشرة ، واعترف به في الرياض ، بل ادعى وضوحها في ذلك ، لكن قال : ان قوة احتمال ورودها مورد الغالب يوجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١ والباب ـ ١١ ـ حديث ٣ والباب ـ ١٢ ـ حديث ١.

٢٠٢

ظهورها في انتهاء أيام الاستظهار إلى العشرة وانقطاعها عليها ، وعلى هذا يحمل لفظ ( أو ) على التنويع وبيان ما هو الغالب من الأفراد كما فعله في المنتهى ، لا التخيير كما هو المشهور ، فلا تشمل حينئذ المقام ، ولا يخفى عليك ان هذا المقام مما يؤيد ما اخترناه سابقا ، فإنه لا إشكال بناء على ان نهاية أيام الاستظهار العشرة ، إذ يتجه حينئذ الحكم فيها بان ما بعدها استحاضة ، فيخرج حينئذ هذا الظهور الذي في أخبار الاستظهار كما اعترفا به وهو كذلك أيضا شاهدا على ما ادعيناه ، وان المراد بأو التنويع لا التخيير كما تقدم الكلام فيه مفصلا ، بل هو من أقوى الشواهد عليه. فان اتفاق هذه الأخبار على الأمر بالاستظهار مع عدم التعرض في شي‌ء منها لذكر الانقطاع على العشرة وانها يجب عليها إعادة ما فعلته بعده كالصريح في كون المراد بأيام الاستظهار إلى العشرة ، فتأمل جيدا.

وكأن الذي أوقعهم في الاشكال ما اختاروه في أيام الاستظهار ، ولذا صدر من صاحب الرياض ما سمعت مما يوافق المختار ، وكيف كان فلا ينبغي التوقف في الحكم المذكور بعد ما عرفت مع عدم ما يصلح للمعارضة سوى ما يظهر من الأخبار الآمرة بالرجوع للعادة ، وان الزائد عليها استحاضة ، وقد عرفت فيما مضى ظهورها في المستحاضة الدمية التي قد استمر دمها وتجاوز العشرة ، وبعد التسليم فهي محمولة على ما عدا أيام الاستظهار ، لما عرفت من الإجماع وغيره على ثبوته ، على انه لا تقاوم ما ذكرناه من الأدلة ، سيما بعد ظهور الإجماع المعتضد بصريح المحكي منه في المقام ، ويشهد له ما تقدم عند قول المصنف : ( لو رأت ثلاثة ثم انقطع ) الى آخره.

هذا كله فيما إذا انقطع الدم على العشرة فما دون وأما إن تجاوز ولو قليلا كان ما أتت به بعد الاستظهار ان قلنا بانتهائه قبل العشرة من الصوم والصلاة مجزئا لتبين كونها طاهرة ، وعلى المختار لا تأتي بشي‌ء حتى يكون مجزئا ، وعلى كل‌

٢٠٣

حال فالظاهر انه يجب عليها قضاء ما تركته في أيام الاستظهار من الصلاة كما في المنتهى والذكرى والدروس والبيان وجامع المقاصد والروض وغيرهم ، وهو المشهور نقلا وتحصيلا بل لعله لا خلاف فيه سوى ما عساه يظهر من المنقول عن العلامة في النهاية ، حيث استشكل في وجوب القضاء لمكان عدم وجوب الأداء ، بل حرمته بناء على وجوب الاستظهار ، ومن صاحب المدارك حيث توقف بل استظهر عدمه ، وتبعه بعض من تأخر عنه ، لظهور أدلة الاستظهار في عدم وجوب قضاء ما فاتها فيه وانها كالحيض ، وإليه مال الفاضل في الرياض ، لكن قد يستدل للمشهور بلفظ الاستظهار الوارد في الأخبار فإن المراد منه طلب ظهور الحال وانكشافه في كون هذا الدم الزائد حيضا أو استحاضة ، فيلحقه حكم كل منهما ، ولا مظهر ولا كاشف سوى ما ذكره الأصحاب ، على ان الأخبار كادت تكون صريحة في كون الكشف بأيام الاستظهار انما هو بحالتي القطع والاستمرار مع الحكم بكونها مستحاضة في الحالة الثانية.

والحاصل بناء على ما ذكروه من إلحاق أيام الاستظهار بالحيض لم يكن له معنى محصلا سيما على المختار من الوجوب إلى العشرة أو الجواز ، على انه قد اعترف في الرياض بكون أخباره محمولة على ذلك لمكان الغلبة ، فكيف يتجه له معنى الاستظهار ، وأيضا قد يدعى ان لفظ الاستظهار من موضوعات الأحكام الشرعية التي يرجع في مثلها الى الفقهاء كالاقعاء ونحوه ، هذا ، مع إمكان أن يستدل عليه أيضا بما دل على الرجوع الى العادة عند التجاوز والتحيض بالاقراء وجعل ما عداه استحاضة ، كمرسلة يونس (١) الطويلة وغيرها (٢) كما انه يمكن الاستدلال عليه أيضا بما دل (٣) على ان ما بعد أيام العادة ليست بحيض ، أقصى ما خرج منها ما قام الإجماع على خلافه ، وهو الزائد إذا انقطع على العشرة ، ويبقى غيره ، وبما دل (٤) على ان المستحاضة تجلس أيام حيضها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٢٠٤

فحسب بضميمة ما دل (١) على ان المستظهرة ولما ينقطع الدم مستحاضة ، وبذلك كله يظهر لك ما في المستند السابق لهم ، إذ عدم وجوب الأداء أو حرمته لا يقتضي سقوط القضاء لكونه بفرض جديد ، وكذا ما في دعوى ظهور أدلة الاستظهار في ذلك ، فإن أقصاها عدم التعرض ، ولا دلالة فيه ، كما انه لم يتعرض فيها لقضاء ما فات من الصوم فيها ، مع انه من المقطوع بوجوب قضائه ، وكأن ترك ذلك اعتمادا على الأدلة الخارجية. فبان لك حينئذ صحة ما عليه الأصحاب من التفصيل ، ويؤيده الاعتبار ، فإنه بانقطاعه على العشرة يظن كونه حيضا لكونها أكثره ، بخلاف ما إذا تجاوز ، فإنه يقطع بعدم الحيضية في الزائد ، ومنه ينقدح الظن بعدم حيضية ما قبله ، لمكان اتصاله وكونه دما واحدا ، فإنه يستبعد انه عند تمام العشرة حدث سبب الاستحاضة.

بقي شي‌ء وهو ان الظاهر من النص والفتوى اختصاص الاستظهار المتقدم بالدور الأول دون الدور الثاني ، كما إذا فرض استمرار الدم فيها اليه ، ولعله كذلك لما دل (٢) على التحيض للمستحاضة بأقرائها وبأيام حيضها ، لكن لا يبعد استحباب ذلك لها باليوم واليومين ، لما عساه يظهر من بعض الأخبار (٣) كما انه يمكن دعوى استحباب الاستظهار بيوم للمبتدأة عند الرجوع الى عادة نسائها مع القول بعدم انتظارها العشرة في الدور الثاني ، لقوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم وزرارة (٤) : « يجب للمستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر بيوم » وظاهر الشهيد في الذكرى العمل به ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة ( ( الرابعة ) إذا طهرت ) المرأة أو الأمة من حيضها طهرا كاملا جاز لزوجها وسيدها ( وطؤها قبل الغسل ) بلا خلاف متحقق أجده ، بل عليه الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٢٠٥

في الخلاف والانتصار والغنية وظاهر السرائر وعن التبيان ومجمع البيان وأحكام الراوندي ، ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب عدا ما عساه يظهر من الصدوق في أول كلامه ، ولذا نسب اليه ذلك ، لكنه قال بعده : « ان كان الزوج شبقا وأراد وطؤها قبل الغسل أمرها ان تغسل فرجها ثم يجامعها » قيل وهو يعطي إرادة شدة الكراهة ، كما انه يحتمل قصره الجواز على ذلك ، وكيف كان فيدل عليه ـ مضافا الى ما تقدم والى الأصل وعموم أو إطلاق ما دل على إباحة الوطء من الكتاب (١) والسنة (٢) وما يشعر به ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٣) ـ قول الصادق عليه‌السلام في موثق ابن بكير (٤) : « إذ انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء » ونحوه رواه علي بن يقطين (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ، كما انه‌ روى عن الكاظم عليه‌السلام أيضا في الموثق (٦) « سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال : لا بأس ، وبعد الغسل أحب إلى » ومرسل عبد الله بن المغيرة (٧) عن العبد الصالح عليه‌السلام « في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل ، وان فعل فلا بأس به ، وقال : تمس الماء أحب إلى » وقد يدل عليه في الجملة‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد بن مسلم (٨) : « إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل ان تغتسل » ولعله مستند الصدوق فيما تقدم من التقييد إلا انه لا يخفى عليك قصوره عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه متعددة سيما بعد كون الغالب عدم الشبق ، فيبعد حمل تلك المطلقات على تقييد هذا الخبر ، فاتجه حمل مفهومه على‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه من كتاب النكاح.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

٢٠٦

الكراهة أو شدتها بدون ذلك ، كالنهي في موثق أبي بصير (١) وسعيد بن يسار (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، مع احتمالهما النفي للإباحة بالمعنى الأخص ، والتقية ، واستفادة الكراهة من غيرهما ، مع ظهور الاتفاق عليها كما في كشف اللثام ، ولذا قيد المصنف الجواز بقوله على كراهية.

وبذلك كله يظهر لك دلالة قوله تعالى (٣) ( حَتّى يَطْهُرْنَ ) في قراءة التخفيف على الجواز أيضا المؤيدة بما يشعر به لفظ ( الْمَحِيضِ ) في السابق ، وعدم ثبوت الحقيقة في لفظ الطهر بالنسبة للكتاب ، وبما ورد ان غسل الحيض سنة في مقابلة الواجب من الكتاب ، وهي وان كانت معارضة بقراءة التشديد المؤيدة بقوله تعالى (٤) ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) وبإمكان إرجاع قراءة التخفيف إليها بإرادة الطهارة الشرعية سيما على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، لكن ارتكاب التأويل في الثانية أرجح لما عرفت ، فتحمل عليه ، لمجي‌ء ( تفعل ) بمعنى ( فعل ) ، نحو تطعمت بمعنى طعمت ، قيل ومنه المتكبر في أسماء الله بمعنى الكبير ، وربما أولت بحمل النهي فيها على الكراهة على ان يراد النهي عن المباشرة بعد انقطاع الدم لسبق العلم بتحريمها حالة الحيض من صدر الآية ، أو يراد مطلق المرجوحية التي هي أعم منها ومن الحرمة على عموم المجاز ، بل لعله أولى لما فيه من المحافظة على توافق القراءتين ، ويراد بالمعلق في قوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) الإباحة بالمعنى الأخص ، وان أبيت عن ذلك كان المتجه التخيير ، لكونها بمنزلة الخبرين وهو موافق للمطلوب ، وربما حملت قراءة التشديد على إرادة غسل الفرج ، وهو مبني على اشتراط حلية الوطء بذلك ، كما هو صريح الغنية وظاهر الخلاف والمبسوط وغيرهما ، بل نقل في كشف اللثام عن ظاهر الأكثر ، وربما استظهر من الأول الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٢.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٢.

٢٠٧

عليه ، لكن الذي صرح به في المعتبر والمنتهى والتحرير والذكرى والبيان والروض الندب ، بل في الأخير انه مذهب أكثر المجوزين ، ولعله الأقوى ، للأصل وخلو أكثر الأخبار عنه ، مع إشعار مرسل ابن المغيرة وموثق إسحاق المتقدمين بعدم الوجوب ، فيحمل الصحيح المتقدم الذي هو مستند الأول على الاستحباب ، وظاهر السرائر حمله على رفع الكراهية ، وهو غير بعيد ، وطريق الاحتياط غير خفي ، وعن ظاهر مجمع البيان والتبيان وأحكام الراوندي توقف حلية الوطء على غسل الفرج أو الوضوء ، بل في الأول انه مذهبنا ، ولم نعثر له على دليل.

ثم ان المتجه بناء على وجوب الاغتسال للوطء إيجاب التيمم عند فقد الماء لعموم البدلية ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي عبيدة (١) في فاقدة الماء : « إذا غسلت فرجها وتيممت فلا بأس » كقوله عليه‌السلام أيضا في خبر عمار الساباطي (٢) « عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها؟ قال : نعم » وفيهما شهادة سيما الأول على وجوب الاغتسال للوطء ، كما انه في الأول شهادة على غسل الفرج ، بل قد يشهد أيضا على ما نقلناه عن مجمع البيان ، إلا انهما لا ينبغي الالتفات إليهما في شي‌ء من ذلك بعد ما سمعت ، سيما بعد الطعن في السند والدلالة والموافقة للمنقول عن أبي حنيفة في الجملة ، نعم يمكن تنزيلهما على رفع الكراهة بذلك ، حيث يقع لغير الوطء مع احتماله فيه ان قلنا بتوقف رفعها على الاغتسال ، وعن العلامة أنه استقرب عدم وجوب التيمم للوطء عند فقد الماء وان قلنا بوجوب الاغتسال له ، وهو بعيد ، نعم يمكن القول بجواز الوطء على كل حال مع فقد الطهورين على إشكال أيضا ، بل الأقوى عدمه ، والله أعلم.

المسألة ( ( الخامسة ) إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى ) من الوقت ( مقدار ) أداء ما يجب عليها فيه من ( الصلاة ) بحسب حالها من القصر والإتمام والسرعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٢٠٨

في الأفعال والبطء والصحة والمرض ونحو ذلك ( و ) مقدار فعل ما يجب عليها من فعل الطهارة كذلك من الوضوء والغسل أو التيمم بحسب ما هي مكلفة به في ذلك الوقت ولم تفعل ( وجب عليها القضاء ) بعد ذلك إذا طهرت بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل في كشف اللثام انه إجماع على الظاهر ، وفي المدارك انه مذهب الأصحاب ، لصدق اسم الفوات ، وقول الصادق عليه‌السلام في موثق يونس بن يعقوب (١) « في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخرت الصلاة حتى حاضت قال : تقضي إذا طهرت » وخبر عبد الرحمن بن الحجاج (٢) « سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : نعم » ويستفاد من سؤال الأول كما يشعر به الثاني اعتبار إحراز سائر ما يتوقف عليه فعل الصلاة من الطهارة وغيرها كإزالة النجاسة وتحصيل الساتر ونحو ذلك ، كما نص عليه في جامع المقاصد والروضة وبعض من تأخر عنها ، وهو ظاهر المبسوط والمعتبر والنافع والمنتهى والذكرى والبيان وغيرها ، لاعتبارهم التمكن كما عن ظاهر الأكثر ، خلافا لكشف اللثام في باب الصلاة ، فاعتبر الطهارة خاصة وفاقا لظاهر ما في المتن والقواعد والدروس من الاقتصار على ذكر الطهارة ، لكن لعله منزل على الغالب من فعلية إحرازها لغير الطهارة دونها ، وإلا فلا فرق بحسب الظاهر بين الجميع في توقف صدق اسم الفوات ، ولا أمر غيره وغير ما سمعته من الخبرين ونحوهما مما ظاهره التضييع والتفريط ، وهو غير صادق كالأول إلا بعد مضي زمان يمكن وقوع الفعل المكلف به فلم تفعل ، واحتمال الفرق بين الطهارة وغيرها بأنه لا يصح الفعل بدونها بخلاف غيرها غير مجد مع توقف التكليف هنا على الجميع ، لمعلومية امتناع قصور الوقت عن ما كلف به فيه.

وما يقال : من منع توقفه عليه في الواقع هنا أيضا فإنه لو علمت انها تحيض بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٢٠٩

مضي الزوال بمقدار لا يسعها إزالة النجاسة مثلا وفعل الصلاة لا تجب عليها الإزالة ، وصح الفعل منها معها كتضيق الوقت ضعيف بل ممنوع ، للفرق الظاهر بين تضييق الوقت وغيره ، فلا يقاس عليه بعد دلالة الدليل على الأول دون الثاني ، وكيف مع انه لو كان كذلك لوجب تحقق القضاء عليها إذا مضى مقدار الصلاة وفعل الطهارة الترابية فحسب ، وهو مخالف للإجماع بحسب الظاهر ولظاهر بعض الأخبار اللهم إلا ان يدعى الفرق ، وهو ممنوع أيضا ، نعم لا إشكال في عدم اعتبار اتساع الوقت لو كانت محرزة كالطهارة أيضا كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، خلافا لما يوهمه المحكي في كشف اللثام عن نهاية الأحكام من احتمال العدم ، ولا ريب في ضعفه ، وما أبعد ما بينه وبين ما عنه في موضع آخر أيضا من الإشكال في اعتبار مضي زمن الطهارة في وجوب القضاء عليه لإمكان تقدمها على الوقت إلا المستحاضة والمتيمم ، وفيه ان الطهارة لكل صلاة موقتة بوقتها ، ولا يعارضه إمكان كونه قد تطهر لغيرها ، نعم في كشف اللثام انه ان أوجبنا التيمم لضيق الوقت أمكن اعتبار مقدار التيمم والصلاة ، وفيه ما عرفت من انه مخالف للإجماع بحسب الظاهر.

فظهر لك حينئذ انه ان كان الحيض بعد مضي وقت كانت تتمكن فيه من فعل الصلاة والطهارة وسائر ما تتوقف عليه بحسب حالها في ذلك الوقت من القصر والإتمام والجبيرة والتيمم وغيرها وجب عليها القضاء. وان كان قبل ذلك أي قبل مضي وقت يسع الطهارة والصلاة أو هي وسائر الشرائط لم يجب كما هو المشهور نقلا وتحصيلا للأصل مع عدم الدليل ، واستتباع القضاء عدم النهي الذاتي عن الأداء لتوقف اسم الفوات عليه من غير فرق بين سعة الوقت لأكثر الصلاة وعدمه ، فما ينقل عن المرتضى وأبي علي من الاجتزاء بما يسع أكثر الصلاة ضعيف ، كالذي سمعته عن العلامة في نهاية الأحكام من عدم اعتبار وقت يسع الطهارة ، بل لم أعثر لهما على مستند سوى‌ خبر‌

٢١٠

أبي الورد (١) للأول « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم ، قال : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، وان كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها » وهو ـ مع الطعن في سنده واختصاصه بالمغرب ومخالفة ظاهره لدعواهما ـ محتمل لإرادة المفرطة في المغرب مع إرادة قضاء المغرب بقضاء الركعة ، وسوى ما يقال للثاني : من صدق اسم الفوات لإمكان فعل الطهارة قبل الوقت ، وهو ممنوع لعدم الوجوب عليها قبله ، ومثلهما في الضعف ما عساه يظهر من المنقول عن النهاية من الاكتفاء بالقضاء بمجرد طمثها بعد الزوال ، ولعله لإطلاق خبر عبد الرحمن ابن الحجاج (٢) المتقدم وغيره (٣) وهو ـ مع شهادة خبر أبي الورد المتقدم على عدمه ، كموثق سماعة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة صلت الظهر ركعتين ثم انها طمثت وهي جالسة ، فقال : تقوم من مقامها ولا تقضي الركعتين » وغيرهما (٥) من الأخبار ـ ظاهر في إرادة المتمكنة ، وعكسه ما عساه يظهر من المنقول عن المقنع من عدم القضاء إذا طمثت بعد الزوال.

وكيف كان فقد استقر المذهب الآن على خلاف هذه الأقوال ، بل حكى الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة على ان من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدي الفرض لم يلزمه إعادته في الحائض والنفساء وغيرهما ، كما انه يظهر منه الإجماع على وجوب القضاء على من أدرك ذلك ، نعم نص بعضهم على كون المعتبر في المختار سعة مقدار الواجب من الصلاة والطهارة مخففا ، فلا عبرة بالمندوبات ، ولا بأس به لصدق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٢١١

اسم الفوات بذلك ، وهل يعتبر أقل الواجب المخير كما في التخيير بين القصر والإتمام والتسبيحة الواحدة مع الفاتحة؟ لا يبعد ذلك ، بل جزم به في الذكرى وكشف اللثام ، كما انه لا يبعد إيجاب القضاء بمضي ما تقدم وان كانت ممنوعة عن الأداء بحسب الظاهر كما لو كان فرضها التيمم مثلا لعدم الماء وقلنا بعدم الصحة إلا عند ضيق الوقت فأخرت بانتظار ذلك فصادفها الحيض ، لصدق اسم الفوات عليه بسبب التكليف في الواقع ، وعدم العلم انما يرفع الإثم ، واحتمال تعليق القضاء على التضييع والتفريط كما عساه يظهر من بعض الأخبار (١) ضعيف ، لعدم صلاحيتها لإثبات ذلك.

هذا كله بالنسبة إلى حكم حصول الحيض ( و ) أما حكم ارتفاعه فهو ان طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وسائر الشرائط المفقودة وأداء أقل الواجب من ركعة فضلا عن الأكثر وجب عليها الأداء بلا خلاف أجده فيه بالنسبة إلى العصر والعشاء والصبح ، بل في الخلاف والمدارك الإجماع عليه ، وفي المنتهى نفي الخلاف فيه بين أهل العلم ، بل لم يفرقا في الأخيرين فيما حكياه بين الثلاثة المتقدمة وغيرها من الظهر والمغرب ، فيجب حينئذ الظهران والعشاءان بإدراك الخمس ركعات من آخر الوقت كما هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف نفي الخلاف عنه ، لكنه نقل عن طهارة المبسوط الحكم بالاستحباب كما عن المهذب وعن الإصباح استحباب فعل الظهرين بإدراك خمس قبل الغروب ، والعشاءين بإدراك أربع قبل الفجر ، وعن الفقيه انه ان بقي من النهار مقدار ما يصلى ست ركعات بدأ بالظهر ، وكيف كان فالذي عثرنا عليه من الأخبار مما يدل على ما نحن فيه‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأصبغ بن نباتة (٢) : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ حديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢١٢

الغداة تامة » وقوله عليه‌السلام (١) أيضا : « من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر » إلا اني لم أعثر على الأخير في طرقنا ، كالنبوي (٢) « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » بل في المنتهى نسبة الأخير إلى رواية الجمهور كما هو الظاهر منه أيضا في سابقه ، لكن الشيخ في الخلاف بعد ان ذكر روايتي أمير المؤمنين عليه‌السلام السابقتين مسندا لهما الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وكذلك روي عن أئمتنا عليهم‌السلام (٣) وفي كتاب الصلاة من المدارك بعد أن روى النبوي المتقدم والمرتضوي وغيرهما قال : وهذه الأخبار وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ، ولا معارض لها ، فتعين العمل بها ، وعلى كل حال فلا يبعد جواز العمل بهذه الأخبار بعد ذكر أصحابنا لها وانجبارها بما سمعت ، ومنها‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم (٤) : « إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر والعصر ، فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر أبي الصباح الكناني (٥) : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء ، وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر عبد الله بن سنان (٦) : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر ، وان تطهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء » وقول الباقر عليه‌السلام في خبر داود الدجاجي (٧) : « إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر ، وان طهرت من آخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ حديث ٥ ـ ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ حديث ٥ ـ ٤ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ حديث ١ و ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٠.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١.

٢١٣

الليل صلت المغرب والعشاء » الى غير ذلك من الأخبار.

وهي بإطلاقها حجة على ما سمعته من المبسوط والمهذب والإصباح والفقيه إن أراد الاشتراط بالست ، سيما بعد انجبارها بما سمعت من الإجماع ونفي الخلاف وغيرهما ، على ان في دعوى الاستحباب ما لا يخفى بعد فرض إمكان إدراكها الفرضين كما هو مسلم عند الخصم ، وبالإجماع من الجميع مع الأخبار يسقط ما عساه يقال : انه بناء على اختصاص آخر الوقت بمقدار أربع ركعات بالعصر والعشاء لا يصح وقوع بعض الفرض في غير وقته ، إذ هي أقوى مما دل (١) على الاختصاص بمراتب لو سلم شمول تلك لنحو المقام ، نعم الظاهر انه لا يجب العشاءان بمجرد إدراك أربع من آخر الوقت كما عن بعض العامة مخرجا له انه يبقى للعشاء ركعة يدرك بها تمام وقته ، لما دل على اختصاص العشاء بذلك مع عدم بقاء ركعة من وقت المغرب الذي يفيد في دخوله تحت العموم المتقدم فتأمل.

وإذ قد ظهر لك وجوب الأداء بما ذكرنا فلا إشكال حينئذ في انه يجب عليها حينئذ مع الإخلال القضاء لصدق اسم الفوات ، بل هو مجمع عليه نقلا وتحصيلا ، ويشير اليه‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبيد بن زرارة (٢) : « أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على ان تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت في وقتها ، وان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلي الصلاة التي دخل وقتها » ونحوه خبر أبي عبيدة (٣) عنه عليه‌السلام ، وفي‌ خبر محمد بن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال : تصلي العصر وحدها ، فإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ حديث ٧ و ١٨ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

٢١٤

ضيعت فعليها صلاتان » ويستفاد منها جميعا اشتراط سعة الوقت للطهارة المائية كما هو مجمع عليه هنا بحسب الظاهر حتى ان خلاف العلامة سابقا لا يتأتى هنا ، لعدم تمكنها منها هنا ، انما الكلام في اعتبار سعة الوقت لغيرها من الشرائط ، كما نص عليه في جامع المقاصد والروضة وعن الموجز الحاوي والروضة ، وهو ظاهر الدروس ، وعدمه كما عساه يظهر من المصنف هنا والنافع والعلامة في القواعد ، واختاره في الرياض مؤيدا له بأنه لا دليل على اعتبار سائر الشروط الملحقة به فيه ، مع اقتضاء عمومات الأوامر بالصلاة ، وإطلاقاتها العدم ، فلا يتوقف وجوب الصلاة حينئذ عليها ، وقد يؤيد الأول بأن الأصل في كل شرط انتفاء المشروط بانتفائه ، مع الشك في شمول ما دل على سقوطه عند الاضطرار لمثل المقام الذي هو ابتداء تكليف ، إذ هو متوقف على سعة الوقت للفعل مع شرائطه ، بل أقصاه في المكلف الذي ضاق عليه الوقت مثلا ، ومن هنا لا يجب القضاء ولا الأداء على مثل الحائض والصبي ونحوهما عند ارتفاع عذرهما قبل مضي الوقت بما يتمكنون فيه من الطهارة الترابية دون المائية.

وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب شي‌ء عليها لو أدركت أقل من ركعة بل عن الخلاف والمختلف نفي الخلاف فيه ، لمفهوم قوله عليه‌السلام : ( من أدرك ) وغيره مما تشعر به بعض الأخبار السالفة ، وبه يقيد ما عساه يظهر من غيرها مما تقدم أيضا من إيجاب الصلاة عليها بمجرد تمكنها من الطهارة والشروع فيها ، حتى ان المصنف في المعتبر قال بعد ذكر جملة منها : انه لو قيل بذلك لكان مطابقا لمدلولها ، إذ قد عرفت انه لو سلم ذلك لم يكن للركون اليه بعد استقرار كلمة الأصحاب وجه وجيه ، بل لا يخلو الحكم باستحباب القضاء لأجلها من إشكال وان نقل الفتوى به عن كتابي الحديث والتذكرة ونهاية الأحكام وغيرها ، لاستلزامه استعمال ما تضمنه من الأمر في الرجحان الشامل للوجوب والاستحباب بالنسبة للقضاء والأداء على عموم المجاز ، ومع إمكان‌

٢١٥

القطع بعدمه فيها موقوف على قرينة وليست ، نعم لا بأس به لفتوى من سمعت مع التسامح فيه ، فظهر لك ضعف القول بالوجوب ، كضعف المنقول عن النهاية من لزوم قضاء الصبح إذا طهرت قبل طلوع الشمس على كل حال ، وان كان ربما يشعر به‌ خبر عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته ، وان طلعت قبل ان يصلي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصل حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » لوجوب تنزيله على المفرط ونحوه ، والله أعلم.

وحيث فرغ من الكلام على الأول شرع في الثاني فقال وأما ما يتعلق به أي الحيض فثمانية أشياء : ( الأول ) يحرم عليها حال الحيض كل ما يشترط فيه الطهارة كالصلاة والطواف إجماعا محصلا ومنقولا ، بل كاد يكون من ضروريات الدين في الأول منهما من غير فرق بين التطوع والفريضة والتحمل والأصالة ، بل وكذا يحرم بعد الانقطاع قبل الطهارة المائية أو ما يقوم مقامها وان أمكن الفرق بين الحرمتين بالذاتية والتشريعية ، وما يقال : من عدم تصور الذاتية في الأولى أيضا لرجوعها الى التشريع مع النية ، ولا حرمة مع عدمها مدفوع بعد التسليم بأنه لا مانع من اجتماع الحرمتين مع النية أخذا بظاهر النهي وكلام الأصحاب في المقام ، بل صرح به بعضهم ، وعليه بني رد ما يذكر في بعض المقامات من الاحتياط لها بفعل العبادة بأنه معارض بمثله ، لكون الترك بالنسبة إليها عزيمة.

ومثلهما مس كتابة القرآن على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك كما حكاه جماعة ، لعدم قدح خلاف ابن الجنيد فيه ، أو إمكان إرادته بالكراهة الحرمة ، ويدل عليه مضافا الى ذلك ما تقدم في الوضوء والجنابة ، فلاحظ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ حديث ٣ من كتاب الصلاة.

٢١٦

كي تعرف ذلك مع جملة مما تقدم من الأبحاث هناك التي منها حرمة مس اسم الله بل أسمائه بل أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام بناء على اشتراط الحل بالطهارة لمناسبة التعظيم ، ولأن الحيض أعظم من حدث الجنابة كما صرح به خبر سعيد بن يسار (١) وظهور اتفاق الأصحاب على اشتراك الحائض مع الجنب في أحكامه ، بل عن الفقيه الإجماع على حرمة مس الحائض اسم الله وأسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام كما انه نقل التصريح بأصل الحكم عن المقنعة والنهاية والكافي والمهذب والوسيلة والغنية والإشارة والجامع والمنتهى ونهاية الأحكام والذكرى والبيان والدروس وجامع المقاصد والروض ومعالم الدين وشارع النجاة وعيون المسائل ، قلت : وربما يشعر به ما دل (٢) على نهي الحائض عن مس التعويذ بيدها ، لاشتمال التعويذ غالبا على غير القرآن من أسماء الله وأنبيائه والأئمة عليهم‌السلام فظهر لك بذلك ان ما ينقل عن سلار من ندبية ترك مس ما فيها اسم الله ضعيف جدا سيما بعد قوله بالحرمة في الجنب ، وأعجب منه انه قال على ما نقل عنه قبيل ذلك : وكان ما يجب تركه على الجنب يجب تركه على الحائض ، وتقدم في الجنابة ما له نفع تام في المقام ، فلاحظ كي يظهر لك ذلك.

وكذلك يظهر لك أيضا انها يكره لها حمل المصحف ولمس هامشه وما بين سطوره كما هو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا أيضا ، بل في المعتبر الإجماع على كراهية حمله بغلافه ، فما يظهر من المنقول عن علم الهدى من حرمة مس المصحف ولمس هامشه ضعيف كما مر بيانه في الجنابة مستوفى ، فلاحظ وتأمل.

ولو تطهرت الحائض عن الحدث الأصغر أو عن حدث الحيض حال الحيض ولو في الفترة المحكوم عليها به لم يرتفع حدثها إجماعا وقولا واحدا ، ولا ينافيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الحيض.

٢١٧

ما دل (١) على جواز الوضوء لها أو التيمم (٢) إذا حاضت في أحد المسجدين مثلا لكونه ليس طهارة ، ويشير الى ذلك‌ خبر محمد بن مسلم (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى فقال : أما الطهر فلا ، ولكنها توضأ وقت الصلاة » الخبر. وكذا لو كان الحدث غير الحيض كالجنابة والمس على ما قد يظهر من المصنف وغيره من الأصحاب كالمبسوط والسرائر والجامع والمنتهى والقواعد والذكرى والمدارك وكشف اللثام والنافع والمعتبر وغيرها ظهورا كاد يكون كالصريح في أكثرها سيما في الأخير ، فإنه قال : ولا يرتفع لها حدث ، وعليه الإجماع ، ولأن الطهارة ضد الحيض ، لكن يجوز أن تتوضأ لذكر الله ، وأن تغتسل لا لرفع الحدث كغسل الإحرام والجمعة ، بل نص عليه في التحرير والمنتهى وغيرهما بالنسبة للجنابة ، بل يظهر من المدارك دخوله تحت دعوى الإجماع في المقام ، ويؤيده مضافا الى ظاهر الخبر المتقدم‌ صحيح الكاهلي (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل تغتسل أو لا تغتسل؟ قال : قد جاءها ما يفسد الصلاة ، فلا تغتسل » وموثق أبي بصير (٥) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سئل عن رجل أصاب من امرأة ثم حاضت قبل ان تغتسل ، قال : تجعله غسلا واحدا » وخبر سعيد بن يسار (٦) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « المرأة ترى الدم وهي جنب ، أتغتسل من الجنابة أو غسل الجنابة والحيض واحد؟ فقال : قد أتاها ما هو أعظم من ذلك ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

٢١٨

لكن لو لا ظهور اتفاق كلمة الأصحاب عليه لكان للنظر فيه مجال ، فلظهور هذه الأخبار في غسل الجنابة خاصة ، وأما ثانيا فلاحتمال كون النهي فيها لرفع الوجوب ، لكون المقام مقام توهمه كما يشعر بذلك التعليل المتقدم ، وأما‌ قوله عليه‌السلام : ( تجعله غسلا واحدا ) فلا بد من تأويله بإرادة الرخصة ونحوها ، لمنافاته ما دل (١) على كون التداخل رخصة لا عزيمة ، وأما ثالثا فلما رواه‌ سماعة بن مهران (٢) عن الصادق وأبي الحسن عليهما‌السلام قالا : « في الرجل يجامع امرأته فتحيض قبل ان تغتسل من الجنابة ، قال : غسل الجنابة عليها واجب » ولما رواه‌ عمار (٣) في الموثق عن الصادق عليه‌السلام أيضا انه سأل « عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل ان تغتسل ، قال : ان شاءت ان تغتسل فعلت ، وان لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة » ومن هنا نقل عن الشيخ في كتابي الأخبار جوازه بالنسبة للجنابة ، ويؤيده عموم أو إطلاق ما دل (٤) على الأمر بالغسل ، ولا ينافي ذلك ما اخترناه من كون الغسل واجبا لغيره ، إذ لا مانع من كونه مع ذلك مستحبا لنفسه ، اللهم إلا ان يمنع ذلك في حال الحيض ، نعم قد يشكل بالنسبة إلى غسل الجنابة خاصة بأنه متى صح أجزأ عن الوضوء ، وهو غير ممكن هنا ، لكن تقدم لك سابقا منع ذلك ، وان المختار عدم توقف صحة الغسل على ذلك كما بيناه فيما لو تخلل الأصغر في أثناء الغسل ، وتقدم هناك ما له نفع تام في المقام ، وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في صحة الأغسال المستحبة لها كما نص عليه في السرائر والمعتبر سواء كان استحبابها لنفسها أو لغيرها مع عدم سقوط الخطاب به حال الحيض.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الجنابة.

٢١٩

( ( الثاني ) لا يصح منها ) حال الحيض الصوم إجماعا محصلا ومنقولا وسنة من غير فرق بين الواجب منه والمندوب ، وأما بعد الانقطاع قبل الطهارة فهو المشهور لما رواه‌ أبو بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « ان طهرت بليل من حيضها ثم توانت ان تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم » خلافا للمنقول عن العلامة في النهاية ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين ، وتردد فيه المصنف في المعتبر ، ويأتي الكلام فيه في باب الصوم ان شاء الله تعالى.

( ( الثالث ) لا يجوز لها الجلوس في المسجد ) كما في القواعد ، والمراد اللبث كما في الإرشاد والمعتبر والمنتهى مع الإجماع عليه في الأخيرين ، وهو الحجة ، مضافا الى ما‌ في الصحيح (٢) « الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين » ويفهم منه حرمة مطلق الدخول عدا الاجتياز كما ذكرناه في الجنب ، فما في المدارك من جواز التردد في جوانب المسجد ضعيف ، لعدم دخوله تحت مسماه ، بل قد يدخل تحت مسمى اللبث والمكث الذي حكي الإجماع على حرمته ، كضعف ما ينقل عن سلار من ندبية اعتزالها المسجد ، مع عدم صراحته في الخلاف ، كما يرشد اليه نفي الخلاف عن الحرمة في التذكرة غير مستثنى لسلار كالاجماعين السابقين.

نعم يجوز ولكن يكره الجواز أي الاجتياز فيه عدا المسجدين فإنه محرم ، أما الجواز فللصحيح المتقدم ، ونحوه غيره (٣) بل عليه الإجماع في المعتبر والمنتهى ، وهو الحجة على ما ينقل عن الفقيه والمقنع والجمل والعقود والوسيلة من إطلاق حرمة الدخول ، مع إمكان تنزيله على غيره ، أو عليه مع التلويث للمسجد بالنجاسة ، وأما الكراهة فمع تصريح جماعة من الأصحاب ممن لا يتهم في الفتوى بها من غير دليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ١٧.

٢٢٠