جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ما كان قبل الحيض بقليل ، لا أقل من أن يكون من المطلق والمقيد ، بل احتمل في جامع المقاصد حمل هذا المطلق على إرادة ما إذا رأت قبل وقتها وعلمته حيضا أو مضى ثلاثة أيام ، وحمل المقيد على الإخبار عن الغالب ، أي ان كان قبل الحيض بيومين ففي الغالب هو من الحيض ، فلا دلالة حينئذ فيهما على ترك العبادة ، على انه يحتمل في كثير منها إرادة قبل انقضاء الحيض ، نعم يتم ذلك كله ان قلنا في المبتدأة بالتحيض عند رؤية الدم ، إما لقاعدة الإمكان أو لإطلاق بعض الأخبار أو غير ذلك ، والكلام هنا الآن في الحكم بالتحيض وان لم نقل بالتحيض هناك كما هو المفروض في كلمات بعض الأصحاب ، فما وقع من بعضهم من الاستدلال عليه بأدلة المبتدأة ليس في محله.

وكيف كان فلم نجد دليلا تختص به المعتادة العددية فقط أو الوقتية إذا تقدم رؤية الدم بما لا يدخل تحت مضمون الأخبار المتقدمة مما يتسامح فيه ذوات العادة كاليوم واليومين ونحوهما ، أو تأخر كذلك عن المبتدأة بحيث يثبت الحكم فيها وان لم نقل بالثانية ، نعم هما يشتركان فيما ستسمعه من الأدلة ، فلا يتجه حينئذ الحكم بالتحيض في الأولى والتردد في الثانية ، بل المتجه إحالتها عليها كما صرح به بعضهم لكن كان عليه استثناء اليوم واليومين ونحوهما في التقدم والتأخر مما يتعارف في ذوات العادات ، بل لعل مثله يدخل فيما دل على العادة إذ المراد بأيام حيضها وبوقته أوانه وحينه.

( وفي ) تحيض ( المبتدأة ) بمجرد رؤية الدم مطلقا أو حتى يمضي ثلاثة أيام كذلك أو يفصل بين الجامع وغيره أو بين الأفعال والتروك أقوال ، منها ومن أدلتها يكون الفقيه في تردد كما في النافع ، ويظهر الأول من الهداية والمبسوط والجامع وعن الإصباح كما هو صريح غيرها ، بل نسبه في الرياض إلى الشهرة تبعا للمولى الأعظم شارح المفاتيح ، كما ان الثاني صريح الكافي والسرائر والمعتبر والتذكرة وجامع المقاصد ، وهو المنقول عن ابن الجنيد وعلم الهدى وسلار ، وقد يظهر الثالث من بعض عبارات‌

١٨١

المقنعة ومن المختلف والمنتهى وصريح المدارك والكفاية وعن الذخيرة والمفاتيح ، بل في المدارك ان محل النزاع في الجامع دون غيره ، وقد يظهر من المختلف ذلك ، فإنه بعد ان ذكر محل النزاع فيما تراه المبتدأة ولم يقيده واختار التحيض استدل عليه بأخبار الصفات لكن يحتمل ذلك منه انما هو لإرادة إثبات بعض المطلوب ، وتتميمه بعدم القول بالفصل. وكان الرابع يظهر من الشهيد في البيان والدروس وغيره ، ولعل الأقوى في النظر التحيض بالرؤية في الجامع للصفات أخذا بأخبارها ، فإنها كالصريحة في ذلك ، وما يقال : انها ظاهرة في مستمرة الدم يدفعه ان ذلك انما وقع في أسؤلة بعضها ، فلا يصلح لأن يحكم على ما في الجواب عنه فضلا عن غيره ، ولذا استدل بها العلامة وغيره ، وكذا ما يقال : انها محمولة على ذات العادة أو مستمرة الثلاثة ، فإن ملاحظتها ينفي ذلك وأما الفاقد فالظاهر فيه وجوب الانتظار إلى ثلاثة ، للأصول والقواعد القاضية بنفي الحيضية ، ومفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح حفص (١) : « ان دم الحيض حار عبيط أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » ونحوه غيره ، ومفهوم‌ قوله عليه‌السلام في مرسل يونس في وجه : « فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض » الى آخره. ولظهور كثير من الروايات في عدم جريان أحكام الحيض على ما تراه المرأة من الصفرة كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٢) : « ان رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلّت » وخبر إسحاق بن عمار (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

١٨٢

كان الدم عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين ، وان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » الى غير ذلك من الأخبار (١) بل يظهر من بعضها (٢) عدم دخول الصفرة تحت إطلاقات الدم ، لمقابلته بها في بعضها.

ومنه تعرف ما في استدلال كثير منهم للقول الأول بما دل على الإفطار ونحوه برؤية الدم ، كقول الباقر عليه‌السلام (٣) في الموثق وقد سئل عن المرأة التي ترى الدم في النهار في شهر رمضان غدوة أو ارتفاع النهار أو الزوال قال : ( تفطر ) ونحوه ما‌ في آخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا وفيه « انما فطرها من الدم » الى غير ذلك من الأخبار كقوله عليه‌السلام (٥) « أي ساعة ترى المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت » وربما استدل أيضا بموثقة سماعة (٦) قال : « سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة ، يختلط عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء ، قال : فلها ان تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة ، فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها » وموثقة ابن بكير (٧) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا رأت المرأة الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام » إلى آخرها. وموثقته الأخرى (٨) قال : « في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم ، فتكون مستحاضة ، إنها تنتظر بالصلاة ، فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة » إلى آخرها وبقاعدة الإمكان ، وبأخبار التمييز (٩) مع التتميم بعدم القول بالفصل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض.

١٨٣

وفي الكل نظر ، أما الأولى فمع الإشكال في دخول الصفرة تحت إطلاق الدم ان المساق منها إرادة الحيض كما يقضي به تعريف الدم ، بل لعله المنساق والمتبادر كما يشهد له ملاحظة العرف في هذا الزمان ، كقولهم جاء المرأة الدم وانقطع الدم عنها ونحو ذلك ، ويشعر به أيضا انها مساقة لبيان ان الحيض يفطر الصائمة في سائر أوقات النهار ، على ان الاستدلال في جملة منها انما هو بترك الاستفصال عن كون الدم جامعا أو لا ، وكونها ذات عادة أو لا ، ولا يخفى على من لاحظ السؤال ظهور كون المراد ان الحيض يفطر الصائمة في أي وقت رأته من النهار ، بل كاد يكون ذلك مقطوعا به ، فمن العجيب ما وقع لبعضهم من الاستدلال بها سيما بالرواية الأخيرة مع قوله عليه‌السلام فيها : ( إذا طمثت ) الى آخره. وأما موثقة سماعة فهي مع جريان ما قدمنا فيها ظاهرة في ان الجارية عارفة بكونه طمثا ، لكنها لما لم ينضبط عدد أيامها لم تعرف مقدار ما تقعد وتترك الصلاة ، فأجاب عليه‌السلام ( أنها تجلس ) الى آخره ، على انها محتملة لأن تكون ذات عادة وقتية وان لم تضبط عددها ، كما لعله يشير إليه السؤال. وأما موثقة ابن بكير فهي بالدلالة على خلاف المطلوب أولى ، لما فيها من اشتراط الترك بالاستمرار ، وقوله (ع) : ( أول حيضها ) وكذلك الموثقة الأخرى ، على انه ليس فيها بيان ابتداء ترك الصلاة ، والحاصل انه لا ينبغي الإشكال في عدم دلالة شي‌ء من هذه الروايات على ما نحن فيه سيما الروايات الأخيرة كما لا يخفى على من لاحظ ذيولها ، فانا لم ننقله خوف الإطالة. مضافا الى معارضتها بما سمعت من الأخبار وغيرها ، لا أقل من ان يكون لفظ ( الدم ) و ( الحيض ) فيها منصرفا الى الغالب ، وهو الجامع دون غيره ، وأما التمسك بقاعدة الإمكان فقد عرفت سابقا ان أقصى ما يمكن تسليمها انما هو بعد استقرار الإمكان ومعرفة كونه متصفا به لا مع احتمال كونه مستحيلا.

لا يقال : ان قضية ذلك عدم الحكم بالحيضية حتى لو تمت الثلاثة ، لاحتمال تجاوزه‌

١٨٤

عن العشرة ، ورؤيتها للجامع للصفات بعد ذلك فتحيض به ، بل مقتضاه أيضا عدم الحكم حتى في المنقطع قبل العشرة ، لاحتمال رؤيتها أيضا قبل ذلك ما تتحيض به. لأنا نقول : أما أولا فبإمكان التزام ذلك لو لم يكن الإجماع على خلافه. وأما ثانيا فبما أجاب به المصنف في المعتبر ، وحاصله ان المقتضي لصلاحية كونه حيضا من توالي الثلاثة قد تحقق ، واحتمال وجود ما ينافيه من التجاوز منفي بأصالة عدمه سيما بعد حصول الانقطاع. وما يقال : انه حسن لكنه لا يفيد اليقين بالحيضية الذي هو مدار استدلاله على عدم التحيض باستصحاب شغلها بالعبادة ، ولا يسقط إلا بيقين المسقط ضعيف ، للاكتفاء باليقين الشرعي ، والحاصل ان التوالي شرط فلا يحكم بالحيضية بدونه ، والتجاوز مانع يمكن نفيه بالأصل. وأما ثالثا فبالفرق ، وذلك لأن النقصان عن الثلاثة كاشف عن استحالة كونه حيضا ، بخلاف التجاوز وان حكم شرعا بكون الزائد على العادة مثلا ليس بحيض من جهته ، لكن ذلك لا ينافي إمكانه ، إذ هو حكم شرعي ظاهري ، وإلا ففي الواقع ممكن ان يكون حيضا إلى العشرة ثم امتزج به دم الاستحاضة بخلاف النقصان ، فتأمل. وأما الاستدلال بأخبار الصفات مع التتميم المذكور فقد عرفت انه لا يرد على المختار ، للالتزام بالقول بمضمونها ، وما يقال : من عدم القول بالفصل ممنوع ، وكيف يدعى مثل ذلك في مثل هذه المسألة وهي مما يقطع بعدم حصول رأي المعصوم (ع) فيها بشي‌ء ، مع انه يمكن حمل كلام العلامة في المختلف والمنتهى عليه ، لاستدلاله على المطلوب بأخبار الصفات ، واحتمال إرادته إثبات بعض المطلوب معارض باحتمال عدمه ، مع انك قد عرفت ان صاحب المدارك صرح ان محل النزاع بينهم انما هو في الجامع ناسبا له الى صريح المختلف وغيره ، وانا وان لم نقف على ذلك لكن كاد يكون صريحه في آخر كلامه ، وكذلك العلامة في المنتهى ، بل يمكن حمل عبارات الأصحاب عليه ، لانصراف لفظ الدم اليه ، وبعد ذلك كيف يمكن دعوى القطع بشي‌ء من ذلك ،

١٨٥

فظهر لك حينئذ من جميع ما ذكرناه انه لا وجه لإطلاق الثاني ، أي الحكم بعدم التحيض حتى في الجامع ، لما عرفت من ظهور الروايات فيه ، بل كادت تكون صريحة بحيث لا تقبل التأويل بإرادة تركها الصلاة ونحوها بعد الثلاثة أيام ، وان احتمله فيها بعض متأخري المتأخرين ، لكنه بعيد جدا ، وكذلك تعرف ما في القول الرابع من الفرق بين الأفعال والتروك ، ومرجعه الى الاحتياط ، ولا يخفى عليك ما فيه ان أريد به الوجوب في كل منهما ، لعدم الدليل عليه في غير ما ذكرناه من المختار.

وإذ قد عرفت ذلك كله كان الأظهر انها يجب عليها ان تحتاط للعبادة في غير الجامع حتى تمضي لها ثلاثة أيام بخلاف الجامع وإن أمكن القول بأولوية الاحتياط فيه خروجا من شبهة الخلاف على إشكال ينشأ من كون الترك عزيمة على الحائض ، ومن انه لم يعلم كونها حائضا قبل حصول التوالي أيضا وان ألزمناها بأحكام الحائض عند الرؤية ، ومن ظهور ان النزاع هنا في الوجوب وعدمه ، والأقوى في النظر انه لا يتجه لها الاحتياط بعد حصول الظن للفقيه بكونها حائضا برؤية الجامع ، وسيما بعد اشتمال أخبار الصفات على الأمر بالترك عند وجودها الذي هو حقيقة في الوجوب ، فما يظهر من الفاضل المعاصر في الرياض من مشروعية ذلك لها على هذا التقدير لا يخلو من نظر ، ثم ان الظاهر إلحاق المضطربة بالمبتدأة فيما ذكرناه من المختار ، لتناول ما عرفته من الأدلة في كل من قسمي المختار ، ويأتي التنبيه عليه من المصنف ، وربما فرق في البيان والدروس بينها وبين المبتدأة ، فجعل تحيضها بما ظنته انه حيض وان قلنا بالتربص للمبتدأة ، وهو ضعيف.

وعرفت من ذلك كله حكم من لم يعرف لها عادة في الوقت ، بل قد تدخل هذه في اسم المضطربة في بعض التفاسير أو عرفت ولم تره فيها بل كان متقدما عليها بما لم يتسامح فيه أو متأخرا عنه كذلك ، لما ظهر لك انه لا دليل على شي‌ء منها يختص به‌

١٨٦

عنها ، بل قد يظهر من بعض الأخبار خلافه ، ( منها ) ما تقدم ، و ( منها ) مفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الحسن بن نعيم الصحاف (١) : « إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة » فكان المتجه فيها ما تقدم من المختار ، ولا ينافي ذلك ما ذكره الأصحاب فيما يأتي ، بل ادعى بعضهم عليه الإجماع من انها لو رأت ذات العادة المستقرة وقتا وعددا ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت تحيضت بالعدد وألغت الوقت ، لأن العادة قد تتقدم وتتأخر ، إذ لسنا نخالف في ذلك ، انما الكلام في تحيضها بمجرد الرؤية أو الانتظار إلى الثلاثة حيث تراه متقدما أو متأخرا بما لا تسامح في مثله ، وفرق واضح بين المسألتين فتأمل جيدا ، فان كلام الأصحاب في المقام لا يخلو من تشويش واضطراب.

المسألة الثانية لو رأت المرأة معادة كانت أو غيرها ثلاثة ثم انقطع فلا إشكال في كونه حيضا ، وقد قطع به في التذكرة ، ويدل عليه‌ صحيح يونس بن يعقوب (٢) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تدع الصلاة » الحديث. ولا فرق بين كونه جامعا أو لا بناء على الكلية السابقة. وكذا لو رأت بعد ذلك قبل العاشر أو العاشر نفسه من أول يوم ما رأت الدم ثم انقطع كان الكل من الدمين والنقاء حيضا بلا خلاف أجده بين الأصحاب ، بل يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه ، كما هو صريح آخر من غير فرق بين الجامع وغيره ، ولا بين ذات العادة وغيرها ، ففي التذكرة « إذا رأت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣ لكن رواه عن الحسين ابن نعيم الصحاف وما ذكر ( الحسن بن نعيم ) في الرجال والصحيح هو ( الحسين ) كما انه « قدس‌سره » نقل رواية عن ( الحسين ) فيما يأتي قريبا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

١٨٧

ثلاثة أيام متواليات فهو حيض قطعا ، فإذا انقطع وعاد قبل العاشر وانقطع فالدمان وما بينهما حيض » وفي الخلاف « الإجماع على حيضية الجميع من الدم والنقاء فيما لو رأت دما ثلاثة أيام ، وبعد ذلك يوما وليلة نقاءا ، ويوما دما الى تمام العشرة » وربما استدل عليه مضافا الى ذلك بالكلية المدعاة سابقا القاضية بكون الدمين حيضا ، فيتعين حينئذ حمل ما بينهما من النقاء عليه ، لما دل (١) على ان الطهر لا يكون أقل من عشرة ، وهو لا يخلو من تأمل ، والأولى الاستدلال عليه بما في‌ الصحيح أو الحسن (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ، وان كان بعد العشرة فهو من الحيضية المستقبلة » ونحوه غيره (٣) في إفادة ذلك ، وقد عرفت سابقا ضعف ما في الحدائق مما ينافي بعض ما نحن فيه ، كدعوى كون مثل هذا النقاء طهرا ، وكذا ما عساه يقال أيضا من الاشكال فيما إذا كان الدم الثاني أصفر وكان بعد أيام العادة ، لما دل (٤) على ان الصفرة بعد أيام الحيض ليست بحيض ، بل وفيما تراه من الدم وان لم يكن صفرة بعد الاستظهار لذات العادة بيوم أو يومين أو قبله ، كل ذلك لما عرفت من انه لا مجال للشك عند الأصحاب في جريان الكلية المذكورة في مثل المقام ، وقد سمعت دعوى الإجماع عليها من جماعة ، مضافا الى ما سمعته من الصحيح المتقدم ، ونحوه غيره مما يدل على بعض ذلك ، لكن ذلك كله إذا لم يستمر الدم مجاوزا للعشرة ، أما لو تجاوز العشرة رجعت الى التفصيل الذي نذكره إن شاء الله.

ولو انقطع للعشرة أو ما دونها ولما يفصل أقل الطهر ثم رأت بعد انقضاء العشرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

١٨٨

دما فالظاهر من إطلاق الأصحاب هنا بل إجماعهم المدعى انه يحكم باستحاضته ، ولا ينتقض ما حكمنا بحيضيته من الدم الأول وان كانت الامرأة مبتدأة أو مضطربة والدم الأول غير جامع والثاني جامعا ، ويدل عليه مضافا الى ذلك‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر صفوان بن يحيى (١) قال : « قلت : إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة؟ قال : لا ، هذه مستحاضة » الى آخره. ولولاه لأمكن التأمل في مثل المبتدأة مع فرض كون الثاني جامعا والأول غير جامع ، إذ قاعدة الإمكان معارضة بمثلها ، فلا ترجيح للأول على الثاني.

(و) أما ( لو تأخر بمقدار عشرة أيام ) التي هي أقل الطهر ثم رأت كان الأول حيضا منفردا والثاني يمكن ان يكون حيضا مستأنفا إذا توالى ثلاثة أيام على المختار من محل القاعدة المتقدمة ، وفي تحيضها حينئذ بمجرد رؤياه وعدمه التفصيل الذي قد تقدم ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الثالثة ) إذا انقطع ظهور دم الحيض في المعتادة وغيرها لدون عشرة لا بعد تمامها ، فإنه لا تجب عليها الاستبراء لكونها أكثر الحيض ، وكانت مع ذلك تحتمل بقاءه في داخل الرحم ف الواجب عليها حينئذ بلا خلاف أجده سوى ما عساه يظهر من المنقول عن الاقتصاد للتعبير بلفظ ( ينبغي ) المشعر بالاستحباب الاستبراء أي طلب براءة الرحم ( بـ ) إدخال القطنة ونحوها كما في الفقيه والهداية والمقنعة والمبسوط والوسيلة والجامع والمعتبر والقواعد والمنتهى وجامع المقاصد وغيرها ، بل نسبه في الذخيرة إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وفي الحدائق الظاهر انه لا خلاف فيه ، لصحيح ابن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا أرادت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٨٩

الحائض ان تغتسل فلتستدخل قطنة ، فان خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وان لم تر شيئا فلتغتسل ، وان رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل » ونحوه غيره (١) في الأمر لها بذلك ، ومنه مع اعتضاده بفتوى الأصحاب يعرف ضعف ما سمعته عن الاقتصاد ، إلا ان الظاهر قصره كغيره على احتمال وجود الدم ، إذ احتمال التعبد المحض بعيد جدا ، بل المستفاد منها خلافه ، نعم قد يشكل الاعتماد على عادتها من الانقطاع ان لم يفدها ذلك قطعا.

ثم ان الظاهر من الصحيح المتقدم كالعبارة وغيرها من عبارات الأصحاب بل صرح به جماعة عدم إيجاب كيفية خاصة لوضع القطنة ، ويؤيده مع ذلك الأصل مع اختلاف ما في ذلك من الأخبار وقصور بعضها عن الحجية ، ف‌ في مرسل يونس (٢) عن الصادق عليه‌السلام « انها تقوم قائما ، وتلزق بطنها بحائط ، وتستدخل قطنة بيضاء ، وترفع رجلها اليمنى ، فان خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر ، وان لم يخرج فقد طهرت تغتسل وتصلي » وفي‌ خبر شرجيل الكندي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « انها تعمد برجلها اليسرى على الحائط ، وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى » ونحوه في رفع اليسرى ما عن الفقه الرضوي (٤) وفي‌ خبر سماعة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ان « المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال : فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى الحائط ، وترفع رجلها كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد ان يبول ، ثم تستدخل الكرسف » فكان الأخذ بإطلاق الصحيح المتقدم هو المتجه ، وما عساه يظهر من المنقول عن المقنع من الفتوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

١٩٠

بمضمون خبر سماعة مع زيادة تقييد الرجل باليسرى ضعيف ، وكذا ما يظهر من الفقيه من الجمع بين الأخبار بحمل الصحيح الأول على ما إذا لم تر صفرة ، وما في خبر سماعة من الكيفية المخصوصة على ما إذا رأت الصفرة ، والأولى حمل هذه الأخبار على الاستحباب وزيادة الاستظهار مع تأكده إذا رأت الصفرة ونحوها مما تحصل به الريبة.

وكيف كان فهل هذا الاستبراء شرط في صحة الغسل فلا يقع بدونه حتى لو استبرأت بعد ذلك ورأت النقاء ما لم تعلم تقدمه بل ولو علمت ، لاحتمال كونه شرطا تعبديا أو لا؟ لم أعثر على كلام صريح للأصحاب في ذلك ، إلا انه قد يظهر الأول من ملاحظة عباراتهم ، ويؤيده استصحاب أحكام الحائض ، وما يظهر من النص والفتوى ، ولعله الأقوى ، كما أنه يؤيد الثاني إطلاق ما ورد في كيفية الغسل ، لكن ينبغي القطع بصحة الغسل مع فرض وقوعه على وجه تعذر فيه ، كنسيان الاستبراء ونحوه ثم استبرأت بعد ذلك فوجدت النقاء وعلمت مع ذلك تقدمه ، إذ احتمال الشرطية التعبدية حتى بالنسبة الى ذلك بعيدة جدا ، ثم انه على تقدير توقف صحة الغسل عليه فهل يسقط مع التعذر كعمى مع فقد المرشد ونحوه؟ وجهان أيضا ، ويحتمل إيجاب الغسل عليها ثم العبادة احتياطا حتى تقطع بحصول النقاء فتعيد الغسل ، فتأمل جيدا.

( فان خرجت ) القطنة ( نقية ) من الدم والصفرة ( اغتسلت ) وجوبا لما يجب فيه ذلك إجماعا في صريح المدارك وظاهر غيره ، وهو الحجة ، مضافا الى ما تقدم من الصحيح وغيره ، والى ما دل على وجوب المشروط به ، فلا استظهار هنا قطعا ، وما يظهر من السرائر من وجود القائل بذلك بل عن الشهيدين توهمه من عبارة المختلف لا يلتفت اليه ، نعم يمكن القول به مع ظن العود كما في الدروس ، مع ان الأقوى خلافه ، إلا ان يكون لها اعتياد في هذا النقاء المتخلل بحيث تطمئن نفسها بعود الحيض فان تكليفها بالغسل حينئذ مع ذلك لا يخلو من تأمل بل منع ، للشك في شمول الأدلة لمثلها.

١٩١

( وإن كانت ) القطنة ( متلطخة ) ولو بمثل رأس الذباب بالدم أو الصفرة قطعا في الأول وعلى الأظهر في الثانية كما صرح به في الروض وغيره ، وهو المنقول عن صريح سلار ، وقد يكون مراد من عبر بالدم أيضا ، لاستصحاب أحكام الحائض وغيره ، واحتمال اقتصار الاستظهار الآتي على خروج الصفرة والكدرة مثلا ظاهرا فلا يدخل فيه نحو ما يخرج على رأس القطنة ، للشك في شمول أدلته له ، كاحتمال اقتصاره على الدم العبيط ، فلا يلتفت للصفرة مثلا مطلقا حتى لو خرجت بنفسها ظاهرا سيما إذا كان بعد انقضاء أيام العادة ضعيفان ، لما عرفته من الاستصحاب ، وإطلاق الأدلة مع الحكم بحيضية ما تراه من الصفرة في هذا الحال لقاعدة الإمكان ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح سعيد بن يسار (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشي‌ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها ، فقال : تستظهر بعد أيامها بيوم أو يومين ، أو ثلاثة ، ثم تصلي » ولتعليق الاغتسال في‌ صحيح ابن مسلم (٢) المتقدم على عدم رؤية شي‌ء ، ولا ينافيه قوله عليه‌السلام فيه بعده « وان رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل » لإمكان تنزيله على معلومية عدم الحيض وغير ذلك ، كما انه لا ينافيه أيضا ما في مرسل يونس (٣) المتقدم سابقا من تعليق وجوب الغسل على ( خروج شي‌ء ) (٤) من الدم العبيط على القطنة ، إذ قد تدخل الصفرة فيه ولو مجازا ، أو ينزل على الغالب ، أو غير ذلك ، مع كونه غير جامع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨ ـ ولا يخفى ان لفظة ( بيوم ) ليس في الوسائل ولكنه موجود في الاستبصار في باب الاستظهار للمستحاضة حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٤) كذا في نسخة الأصل والصحيح ( عدم خروج شي‌ء ) لأن وجوب الغسل في المرسل معلق على عدم الخروج.

١٩٢

لشرائط الحجية ، نعم قد ينافيه ما في جملة من الأخبار (١) التي مر بعضها ان الصفرة التي بعد الحيض ليست بحيض ، لكن يحتمل تنزيلها على إرادة مضي أيام الحيض مع أيام الاستظهار ، ولذا قال في الرياض : انها مخالفة للإجماع بسيطا أو مركبا ، ولأخبار الاستظهار ، فكان المتجه حينئذ حملها على ما ذكرنا.

وكيف كان فإنه متى خرجت القطنة متلطخة صبرت المبتدأة عن الاغتسال وفعل العبادة حتى تنقى أو تمضي عشرة أيام كما في القواعد والتحرير والإرشاد والمدارك وكشف اللثام والرياض ، وهو الظاهر من السرائر والمعتبر وغيرهما ، بل في المدارك انه إجماع ، وفي الدروس انه ظاهر الأصحاب في الدور الأول ، ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك والى قاعدة الإمكان ان أجريناها في مثل هذا المقام لأصالة عدم التجاوز ، والى أخبار الصفات (٢) في الجامع مع عدم القول بالفصل هنا ـ خصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في موثق ابن بكير (٣) : « إذا رأت المرأة الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام » وفي‌ موثقة الآخر (٤) قال في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة : « إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة » وقد يلحق بالمبتدأة من لم يستقر لها عادة في العدد ، وربما فسرت بما يشملها ، وقد يشير الى الحكم فيها مضافا الى بعض ما تقدم‌ موثق سماعة (٥) قال : « سألته عليه‌السلام عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٩٣

ثلاثة يختلط عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء ، قال : فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة » الى آخره. ثم انه هل يختص الحكم المذكور بالمبتدأة مثلا بالدور الأول أو يشمله والدور الثاني ، فيجب عليها الصبر حتى تنقى أو تمضي عشرة؟ وجهان ، يؤيد الأول ما سمعته من الدروس ان ظاهر الأصحاب الدور الأول ، مضافا الى ما عساه يظهر من أخبار المستحاضة (١) أي المستمر بها الدم ، كما أنه يؤيد الثاني قاعدة الإمكان وغيرها.

( و ) أما ( ذات العادة ) عددا وقتية كانت أو لا فل تغتسل عند النقاء أو مضي العشرة ان كانت عادتها بلا خلاف أجده ، بل الظاهر انه إجماع ، وهو المستفاد من‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل عبد الله بن المغيرة (٢) : « إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر ، فإذا كانت أقل استظهرت » ونحوه غيره (٣) ومنه يستفاد كغيره من الأخبار بل كاد يكون متواترا مضافا الى الإجماع محصلا ومنقولا ثبوت الاستظهار لها بترك العبادة ، وتأخير الغسل ان كانت أيامها أقل من عشرة ، لكن هل تغتسل حينئذ بعد مضي يوم واحد ، لقول الصادق عليه‌السلام في موثق إسحاق بن جرير (٤) : « إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد » ونحوه مرسل داود (٥) مولى أبي المعزى ، أو بيومين كما رواه زرارة في الحسن كالصحيح (٦) مضمرا في الكافي ومسندا الى الباقر عليه‌السلام عن التهذيب ، أو بثلاثة كما عن الصدوق ، ورواه سماعة (٧) في الموثق مضمرا ، ومحمد بن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه‌السلام (٨) ، أو بعد مضي يوم أو يومين من عادتها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٠.

١٩٤

كما في النهاية والنافع والقواعد والتحرير والمختلف وظاهر الوسيلة وعن الصدوق والمفيد ، بل قيل انه المشهور لقول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « والمستحاضة تستظهر بيوم أو يومين » وفي‌ خبره الآخر (٢) قال : « سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال : تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح محمد بن مسلم (٣) المروي في المعتبر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها : ( فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ) وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر إسماعيل الجعفي (٤) : « المستحاضة تقعد أيام قرئها ، ثم تحتاط بيوم أو يومين » أو مع زيادة الثلاثة كما في السرائر وعن التذكرة وغيرها ، ورواه سعيد بن يسار في الصحيح (٥) عن الصادق عليه‌السلام وأحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح (٦) عن الرضا عليه‌السلام ، أو انها تنتظر العشرة كما هو ظاهر المقنعة وعن المرتضى وأبي علي وظاهر الجمل ، ورواه عبد الله ابن المغيرة (٧) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، ويونس بن يعقوب في الصحيح (٨) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال : تنتظر عدتها التي كانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة أيام » وكذا رواه يونس عنه عليه‌السلام أيضا في الصحيح (٩) في النفساء ، والمراد إلى عشرة كما فهمه الشيخ منها وجوه ، بل ما عدا الأول منها أقوال.

ولعل الأقوى في النظر في الجمع بين الأخبار المتقدمة بعد تحكيم بعضها على بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النفاس ـ حديث ٣.

١٩٥

ثبوت الاستظهار إلى عشرة أيام لصلاحية كل من الأخبار المتقدمة لإثبات ما اشتملت عليه ، إذ هي بين موثق معتضد بغيره وصحيح كذلك ، وقد يؤيد باستصحاب أحكام الحائض ، وبقاعدة الإمكان التي قد عرفت نقل الإجماع عليها بما يشمل المقام ، وبما دل عليه‌ الموثق والحسن (١) من ان ( كل ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة ) وبأصالة الحيض في دم النساء ، وبإطلاق الاستظهار في جملة من الأخبار ، فإن المراد به بحسب الظاهر طلب ظهور الحال من الحيض وعدمه ، وذلك لا يحصل إلا بالانتظار إلى العشرة ، وربما في‌ مرسل يونس (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض ، فلتدع الصلاة » الى آخره. الى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة كأخبار الصفات (٣) مع التتميم بعدم القول بالفصل وغيرها ، وبذلك كله يظهر لك ما في الرياض من التنظر فيه بقصور سند أدلته وقلة عدده والعامل به ، مع احتمالها الورود مورد الغالب ، وهو كون العادة سبعة أو ثمانية ، فتتحد مع غيرها من الأخبار ، وذلك لما عرفت من عدم القصور في غير المرسل المتقدم ، وهو مع اعتضاده بغيره من الصحيحين السابقين غير قادح كدعوى قلة العدد ، وكيف والمتحد حجة فضلا عن المتعدد المعتضد بما سمعت ، وأما قلة العامل فقد عرفت انه ظاهر المفيد رحمه‌الله ، وقد يظهر من الصدوقين وغيرهما ، وهو المنقول عن المرتضى وأبي علي والشيخ ، وقد أجازه المصنف في المعتبر ، والشهيد في الدروس والذكرى والبيان وان احتاط بقول المشهور في الأول ، واشترط ظن الحيض في الأخيرين ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١ والباب ـ ١١ ـ حديث ٣ والباب ـ ١٢ ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض.

١٩٦

وقد يظهر أيضا من المحقق الثاني في جامع المقاصد ، والشهيد في الروض ، والمقدس الأردبيلي والفاضل المحدث البحراني في الحدائق وغيرهم ، وقواه في الذخيرة ، وأما احتمال ورودها مورد الغالب فهو معارض بمثله بالنسبة إلى تلك الأخبار ، وما عساه يقال : ـ انه يخلو ما عدا الغالب حينئذ عن النص بالاستظهار إلا ان إلحاقه بالإجماع المركب كاف في ثبوته فيه ، والإجماع لا يتم إلا في الناقض عن الثلاثة ، فتبقى هي كالزائد عليها إلى العشرة خالية عن الدليل ، فيرجع حينئذ إلى مقتضى الأصل ، وهو عدم مشروعية الاستظهار ، فتعين القول بالأول ـ ففيه ان المراد بالحمل على الغالب إبقاء ما دل على العشرة على إطلاقه ، وحمل أخبار الثلاثة مثلا على الغالب في أيام العادة فلا تنفي غير الغالب ، فتبقى حينئذ داخلة فيما دل على الأول ، على انه يكفي في ثبوت الاستظهار في غير الغالب الأخبار المطلقة الآمرة به ، وما عرفته سابقا من الاستصحاب والأصل وقاعدة الإمكان ونحو ذلك مما تقدم ، وبه يظهر لك ما في دعوى ان الأصل عدم مشروعية الاستظهار ، فتأمل جيدا ، فكان الأظهر حينئذ ثبوت الاستظهار للعشرة.

وكيف كان فهل الاستظهار على أي تقدير واجب كما صرح به في السرائر ، ونقل عن ظاهر الأكثر ، ويشهد له التتبع ، أو مندوب كما صرح به بعض المتأخرين ، بل نقله في المدارك عن عامتهم وان لم نتحققه ، أو انه مباح كما يظهر من المصنف في المعتبر ، واختاره في الذخيرة؟ ويشهد للأول ـ مضافا الى كثير مما تقدم سابقا والاحتياط في ترك العبادة لكونه عزيمة على الحائض ـ ظاهر الأمر به في المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة ، ولا يقدح فيه كونه في بعضها بالجملة الخبرية بعد ظهورها في ذلك ، كما يشهد للثاني انه قضية الجمع بين أخبار الاستظهار وبين ما دل على حيضية أيام العادة فقط كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ( تحيضي أيام أقرائك ) و‌قول الصادق (٢) عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث (٢) مع اختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ١.

١٩٧

« المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر ـ الى ان قال ـ : وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها » الى غير ذلك من المعتبرة المستفيضة (١) الدالة على تحيضها بها دون غيرها ، مضافا الى ما في أخبار الاستظهار من الترديد الذي ينافي الوجوب ، مع ان اختلافها ذلك الاختلاف الذي لا يرجى جمعه ، واشتمال بعضها على لفظ الاحتياط أقوى شاهد على إرادة الاستحباب ، لا أقل من تعارض الأخبار من الجانبين ، فتبقى أصالة البراءة سالمة عن المعارض في البين ، ويشهد للثالث أن أوامر الاستظهار وارادة في مقام توهم الحظر في ترك الصلاة مثلا التي هي عماد الدين ومن ضروريات شريعة سيد المرسلين (ص) ، فلا تفيد إلا الإباحة ، على انها معارضة بما سمعت من الأوامر بتحيضها أيام العادة ، فينتفي بذلك وبالأصل الوجوب كالاستحباب ، مع انه لا وجه له في ترك العبادة لكون الرجحان من مقوماتها.

ولعل الأقوى في النظر الأول ، فيتحصل حينئذ من المختار هنا وفي المسألة السابقة وجوب الاستظهار للعشرة ، واختاره الفاضل الطباطبائي في منظومته ، كما هو قضية الاستصحاب وأصالة الحيض ، ولكثير مما تقدم من أدلة قاعدة الإمكان من الإجماعات وغيرها ولنفس القاعدة أيضا ، ولما في الموثق والحسن ومرسل يونس التي تقدمت الإشارة إليها ، وغيرها مما دل على حيضية ما قبل العشرة ، وللأمر بالاستظهار من غير تقييد ، إذ المراد به ظهور الحال ، وهو لا يكون إلا بالعشرة ، وما يقال : ان الاستظهار لا ينافي فعل العبادة مثلا في أيامه مدفوع بأنه غير خفي على من لاحظ أخبار الباب وكلام الأصحاب كون المراد بالاستظهار ترك العبادة لظهور الحال لا فعلها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

١٩٨

لا يقال : انه بناء على ذلك لم يظهر وجه لما وقع في بعض المعتبرة (١) من التفصيل بين من كانت عادتها عشرة وبين ما كانت أقل ، فخصت الاستظهار بالثانية دون الأولى. لأنا نقول : انه لا فرق في ذلك بناء على المختار ، بل الفرق ان الأولى لا استظهار لها باعتبار ان عادتها عشرة ، فلا يظهر باستمراره انها ليست بحائض ، بخلاف الثانية التي تستظهر بانقطاعه وباستمراره ، ومن هنا أمرها بالاستظهار ، وإلا فهي مشتركة معها في سائر أحكام الحائض ، ومما يؤيده أيضا غاية التأييد ما ستسمعه من ظهور أخبار الاستظهار (٢) بالحكم باستحاضة ما بعدها ، وهو لا يتجه إلا على ذلك على ما ستعرف ، بل يؤيده أيضا اختلاف الأخبار بالأمر باليوم في بعض (٣) وباليومين في آخر (٤) وبالثلاثة في ثالث (٥) وبالعشرة في رابع (٦) إذ المراد منها ـ بعد تأليفها وجعلها كالكلام الواحد فإنهم عليهم‌السلام بمنزلة ذلك وان تعددوا ـ استظهار حالها باليوم الواحد ، وإلا فباليومين ، وإلا فبالثلاثة ، وإلا فبالعشرة ، ثم هي مستحاضة ، وهو أولى من حملها على إرادة الواجب التخييري كما عساه يشهد له الترديد بين اليوم واليومين في بعض (٧) والثلاثة في آخر (٨) لما فيه من المجاز في الأمر فيها ، مع انه لا يتجه في‌ قول الصادق عليه‌السلام (٩) في صحيح الحسين بن نعيم الصحاف : « وان لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي » الى آخره. لظهور كون الترديد فيه على حسب الترديد في غيره ، وهو لا يقبل الحمل على التخيير ، بل لعله ظاهر فيما قلنا ، فكان الأولى حينئذ حمل الترديد في تلك الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢ و ٣ و ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٩.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ حديث ٧.

١٩٩

على إرادة ما ذكرنا ، ولعله الذي أراده العلامة في المنتهى ، قال بعد ان استوجه عدم إرادة التخيير : « بل المراد التفصيل اعتمادا على اجتهاد المرأة في قوة المزاج وضعفه الموجبين لزيادة الحيض وقلته ».

قلت : لم أعثر على أحد ممن قال بالوجوب صرح بدعوى الوجوب التخييري ، بل هو شي‌ء تخيله المتأخرون من الترديد في كلام القائلين بالوجوب كالأخبار ، ومن المحتمل بل لعله الظاهر إرادة المردد منهم ما ذكرناه في الأخبار ، على ان الحمل على الوجوب التخييري لا يصلح إلا على إرادة التخيير في الحيض والاستحاضة ، ويتبعهما حينئذ ما يترتب عليهما ، وإلا فلا معنى للتخيير بين الواجب وعدمه ، ولا يخفى ما فيه من البعد عن مدلول الأخبار ، بل يمكن دعوى القطع بعدمه ، لعدم الإشارة إليه في شي‌ء منها ، بل قد يظهر منها خلافه ، إذ قضيتها جواز الترك لها في اليوم واليومين مثلا ، وقضية هذا التخيير تحقق الوجوب عليها ، والإثم بمجرد اختيارها الطهارة ، كحرمة العبادة بمجرد اختيارها الحيض ، على انه لم يعلم حينئذ انها هل تجري عليها جميع أحكام الطاهرة من المواقعة والطلاق ودخول المساجد وقراءة العزائم ونحو ذلك بمجرد الاختيار المذكور ، أو انه في خصوص العبادة الى غير ذلك من الأحكام الكثيرة اللازمة لهذا الوجه مع عدم الإشارة في شي‌ء من الأدلة إليها ، على انه كيف يتجه الترديد على إرادة التخيير فيما يظهر به حالها الذي هو مفاد الأمر بالاستظهار مع كون المظهر هو تجاوز العشرة وعدمه عندهم كما يشير اليه تفصيلهم الآتي فيه.

ومن ذلك كله تعرف ما في حملها على الاستحباب التخييري ، لاشتراكه مع القول بالوجوب في جميع ما ذكرناه مما يرد عليه ، وعرفت ما في تأييده بما تقدم من اشتمال الأخبار على الترديد الذي لا يجامع الوجوب ، لما ظهر لك ان المراد به على المختار‌

٢٠٠