جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من الحيض ولو بالقرائن المفيدة لذلك عند جهل مبدأ ولادتها لا يكون حيضا إجماعا محصلا ومنقولا وتيأس المرأة أمة كانت أو حرة ببلوغ ستين سنة من مبدأ ولادتها كما عن العلامة في بعض كتبه ، استصحابا لبقاء قابليتها فيما دونها ، ولقاعدة الإمكان ، ولأخبار الصفات ، ول‌ خبر عبد الرحمن بن الحجاج (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت : التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قال : إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » ومرسل الكافي (٢) انه « روي ستون سنة » وقيل ببلوغ خمسين مطلقا أيضا ، كما هو خيرة السرائر وطلاق الكتاب والمدارك وعن الجمل والنهاية وابن البراج ، وربما مال إليه في النافع والمنتهى ، للأصل بل للأصول والعمومات التي تقدمت الإشارة إليها في مسألة التوالي ، وقول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (٣) : « حد التي يئست من المحيض خمسون سنة » ونحوه صحيحه الآخر على كلام في سهل (٤) ومرسل أحمد بن محمد بن أبي نصر (٥) المروي في الكافي والتهذيب بطريق فيه سهل أيضا ، لكن رواه المحقق في المعتبر من كتاب أحمد.

( وقيل ) كما في الفقيه والمبسوط والمعتبر والوسيلة والجامع والتذكرة والقواعد والإرشاد والذكرى والبيان والدروس وغيرها ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا في غير القرشية أي المنتسبة الى النضر بن كنانة بالأبوين أو بالأب وحده لا الأم وحدها وان احتمل بل مال اليه بعضهم ، لكون المعتبر في الحيض تقارب الأمزجة ، ومن ثم اعتبر العمات والخالات وبناتهن فيما يأتي ، لكن الأوجه خلافه لعدم الدليل ، نعم لا فرق في ذلك بحسب الظاهر بين النسب الشرعي وغيره ولا بين ما يثبت به الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

١٦١

من الإقرار والشياع والقرعة وغيرها على إشكال في البعض ، كما انه لا فرق في القرشية بين الهاشمية وغيرها وان كان لا يعرف في هذا الزمان سوى الأول ، بل خصوص من انتسب الى أبي طالب والعباس ، نعم لا يبعد إلحاق الحكم على القبيلة المعروفة الآن بقريش. وألحق في الوسيلة وما بعدها بل نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب تارة والى الشهرة أخرى النبطية بل ستسمع ما في المقنعة من نسبتها إلى الرواية ، والمراد منها المنتسبة الى النبط ، وهم كما عن مروج الذهب ولد نبطة بن ماس بن آدم ابن سام بن نوح ، وقيل هم قوم كانوا ينزلون سواد العراق كما عن العين والمحيط والديوان والمغرب والتهذيب للأزهري ، وفي الصحاح والقاموس وعن النهاية قوم ينزلون البطائح بين العراقين ، وفي جامع المقاصد ان الذي كثر في كلام أهل اللغة أنهم جيل كانوا ينزلون البطائح بين الكوفة والبصرة ، وفي كشف اللثام قال السبعاني : انهم قوم من العجم ، وقيل من كان أحد أبويه عربيا والآخر عجميا ، وقيل عرب استعجموا أو عجم استعربوا ، وعن ابن عباس نحن معاشر قريش حي من النبط ، وقال الشعبي في رجل قال لآخر : يا نبطي : لا حد عليه ، كلنا نبط ، وعن المصباح المنير انه : « قيل انهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم ، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، وذلك لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه لكثرة فلاحتهم » انتهى. وفي الصحاح في كلام أيوب بن القرية أهل عمان عرب استنبطوا ، وأهل البحرين نبط استعربوا ، ولعل الأقوى في النظر الثاني ، وقد يشعر به بعض الأخبار المنقولة في المصباح المنير ، وكيف كان فقد صرح بعض الأصحاب انهم لا يعرفون في هذا الزمان ، وفيه تأمل بناء على ما ذكرنا ، ثم المدار على تحقق النسبة وان لم يكونوا في ذلك المكان مع احتمال الاقتصار عليه ، بل كون السكنى فيه هي المدار حتى ان الخارج عنه الذي قد أعرض وسكن بنية التوطن غيره لا يجري عليه الحكم ، والداخل فيه بنية التوطن يجري عليه ذلك ببلوغ خمسين سنة.

١٦٢

وأما فيهما فبلوغ ستين ، ولعله الأقوى للجمع بين ما سمعته من الأخبار بشهادة‌ مرسل ابن أبي عمير (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا بلغت المرأة خمسين لم تر حمرة إلا ان تكون امرأة من قريش » وهو يجري عندهم مجرى الصحيح سيما في المقام ، لانجباره بما سمعت من الشهرة المحصلة والمنقولة ، بل عن التبيان والمجمع نسبته في القريشية إلى الأصحاب مؤذنين بدعوى الإجماع عليه كما سمعته من جامع المقاصد في النبطية ، ومع ذلك كله فهو قضية ما فهمه البعض من قاعدة الإمكان. لا يقال : لا صراحة في المرسل بالستين كما لا صراحة فيه بالحيضية ، على انه خاص بالقريشية ، لأنا نقول : أما الأول فيدفعه عدم القائل بغيرها ، مع انه قال‌ في المقنعة (٢) « وقد روي ان القرشية والنبطية من النساء تريان الدم الى الستين ». وبذلك مع انجباره بما تقدم يندفع ذلك كالثالث أيضا مع التأيد بقاعدة الإمكان ، وبما دل على التحيض للمرأة بمجرد رؤية الدم ونحوه ، وان كان الاحتياط فيها لا ينبغي ان يترك بحال ، وأما الثاني فلا ريب في ظهور الرواية بذلك ، وهو كاف في المطلوب ، وعساك بالتأمل فيما ذكرنا تستغني عن التعرض لإبطال القولين المتقدمين سيما الأول منهما ، فإنه في غاية الضعف لضعف دليله مع قلة القائل به ، وكذا احتمال الجمع بين النصوص بالتفصيل بين العدة والعبادة ، فالستون للأولى مطلقا ، والخمسون للثانية كذلك ، إذ هو كما ترى لا يرجع الى حاصل ، والله العالم.

وكل دم تراه المرأة جامعا للصفات أو لا وكان دون ثلاثة أيام فليس بحيض إجماعا ان لم يحصل به ما يتمها في ضمن العشرة ، وعلى الأقوى فيه أيضا كما عرفت مبتدأة كانت أو ذات عادة أو غيرهما ، ومما تقدم تعرف التفصيل. وأما ما تراه المرأة من الدم من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن ان يكون حيضا فهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٩.

١٦٣

حيض تجانس أو اختلف إجماعا كما في المعتبر والمنتهى مع التعليل فيهما بعد الإجماع بأنه زمان يمكن ان يكون حيضا فيكون حيضا ، ويستفاد منه قاعدة ، وهي ان كل دم تراه المرأة وكان يمكن ان يكون حيضا فهو حيض كما صرح بها في القواعد والبيان وغيرهما ، وكادت تكون صريح المبسوط والسرائر وغيرهما ، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليها ، كما انها عند المعاصرين ومن قاربهم من القطعيات التي لا تقبل الشك والتشكيك ، حتى انهم أجروها في كثير من المقامات التي يشك في شمولها لها ككون حد اليأس مثلا ستين سنة ، وعدم اشتراط التوالي في الثلاثة ونحو ذلك من المقامات التي وقع النزاع في إمكان كونه حيضا عند الشارع وعدمه ، وهو لا يخلو من تأمل ، إذ الظاهر على ما هو المستفاد من بعضهم كالشهيد في الروضة وغيره انه بعد تسليمها تختص بما علم إمكان حيضيته عند الشارع ، كأن تكون المرأة مثلا بالغة غير آيسة ورأت الدم ثلاثة أيام متواليات ، ولم يكن مسبوقا بما يمنع من الحكم بحيضيته ، ولم تكن حبلى عند من اختار ان الحبلى لا تحيض ، فإنها تحكم حينئذ بالحيضية ، لأنه زمان يعلم صلاحيته للحيض شرعا ، أما ما وقع الشك في أصل صلاحيته كاشتراط التوالي وحد اليأس والحبلى ونحو ذلك فليس للمثبت التمسك بها في مقابلة النافي ، كما انه يشكل التمسك بها أيضا في حال عدم إحراز ما علم شرطيته في الحيض واقعا ، ومانعيته منه كذلك ، كبلوغ التسع مثلا ، وعدم بلوغ ما ثبت من حد اليأس كالخمسين والستين ، وان كان الثاني لا يخلو من وجه ، ونحوه التمسك بها قبل استقرار الإمكان ، كما إذا رأت المبتدأة دما ولم تعلم انه يستمر إلى ثلاثة فيكون ممكن الحيضية ، أو ينقطع فلا يمكن ، ومن هنا قام النزاع بينهم في تحيض المبتدأة برؤية الدم حتى ان من نقل الإجماع على تلك القاعدة كالمصنف في المعتبر اختار عدم التحيض ، ونحوه ابن إدريس ، ولعله لذلك قيد بعض متأخري المتأخرين الإمكان بكونه إمكانا مستقرا غير معارض بإمكان حيض آخر.

١٦٤

وكيف كان فأقصى ما يمكن من الاستدلال عليها ـ بعد أصالة الحيض في دم النساء بمعنى الغالب إذ هو الدم الطبيعي المخلوق فيهن التغذية الولد وتربيته ، بخلاف الاستحاضة وغيرها فإنه لآفة ، وإجماعي المعتبر والمنتهى المتقدمين مع اعتضادهما بالشهرة المدعاة في المقام ، والأخبار (١) المستفيضة الدالة على جعل الدم المتقدم على العادة حيضا معللة ذلك بأنه ربما تعجل بها الوقت ، مع التصريح في بعضها بكونه بصفة الاستحاضة ، والأخبار (٢) الدالة على ترتب أحكام الحائض بمجرد رؤية الدم منها ـ ما‌ في الخبر (٣) « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر » وفي آخر (٤) « وانما فطرها من الدم » وإطلاق أخبار الاستظهار لذات العادة (٥) إذا رأت ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى ، والأخبار (٦) الدالة على إلحاق ما تراه قبل العشرة بالحيضة الأولى ، منها‌ الموثق « إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى » ومثله الحسن ، والأخبار (٧) المتقدمة سابقا في الاشتباه بالعذرة والقرحة من الحكم بالحيضية مع الاستنقاع وخروجه من الأيمن أو الأيسر على الخلاف ، إذ لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بكونه حيضا ، لعدم اليقين ، والأخبار (٨) الدالة على حيضية ما تراه الحبلى معللة ذلك بان الحبلى ربما قذفت الدم ، والأخبار (٩) الدالة على ان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض سيما على ما فسره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض والباب ١٣ ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١ والباب ـ ١١ ـ حديث ٣ والباب ـ ١٣ ـ حديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ١٦ ـ من أبواب الحيض.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١ و ١٠ و ١٧.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

١٦٥

في المبسوط من ان المراد بأيام الحيض الأيام التي يمكن فيها ذلك ، من غير فرق بين أيام العادة وغيرها ، مع نقله الإجماع على ذلك في الخلاف ، ومنه يظهر ان التمييز بالصفات مبني على هذه القاعدة أيضا ، لما عرفت من جواز انتفائها ، ولأنه لو لم يعتبر الإمكان لما حكم بحيض لعدم اليقين ، والصفات انما تعتبر عند الحاجة لا مطلقا ، للنص والإجماع على جواز انتفائها.

وفي الكل نظر ، أما الأول فبعد تسليمه وتسليم اعتباره شرعا مداره حصول الظن بذلك للغلبة ، وتحققه في جميع صور هذه القاعدة ممنوع ، كما في المبتدأة مثلا إذا رأت الدم بصفات الاستحاضة وكذلك المعتادة إذا رأته متقدما على عادتها بكثير ، كيف وقد عرفت ما دل (١) على الصفات من الأخبار المعتبرة المشتملة على الاعجاز ، لا أقل من ان يكون منشأها الغلبة التي تعارض تلك وترجح عليها ، وأما الإجماعان فأقصى مفادهما حيضية ما تراه من الثلاثة إلى العشرة ، ولعلنا نسلمه بعد معرفة كون الثلاثة الأول حيضا ، لدلالة بعض الروايات (٢) عليه كما ستسمع ، فيكون ذلك حينئذ مورد الإجماعين كما يشعر به استدلاله في المعتبر والمنتهى على هذا الحكم بعد دعوى الإجماع بما دل على إلحاق ما تراه قبل العشرة بالحيضة الأولى ، ويشعر به أيضا ما في الذكرى فإنه قال : « وما بين الأقل والأكثر حيض مع إمكانه لاستصحابه ، ول‌ خبر سماعة (٣) عن الصادق عليه‌السلام « تستدخل الكرسف ، فان خرج الدم لم تطهر » وكذا لو لم تر هذه العاشر أو رأته متفرقا بعد الثلاثة ، لخبر محمد بن مسلم (٤) عن الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١.

١٦٦

عليه‌السلام ( إذا رأته قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ) » انتهى. فإنه كالصريح في ان محل هذه القاعدة بعد إحراز الحيضية في الثلاثة ونحوها ، وأين هذا من التعميم المدعى سابقا ، وأما أخبار تقدم الدم العادة ـ فمع عدم اشتمال الكثير منها على التعليل المتقدم ، بل لم أعثر عليه إلا في خبر سماعة (١) ولا صراحة فيه بكون الدم في غير صفات الحيض ، بل ظاهر لفظ الدم فيه يقتضي خلافه لتعارف إطلاقه في الروايات في مقابلة الصفرة والكدرة ، مع اشتماله أيضا على ما عساه ينافي هذه القاعدة ، للحكم فيه « إذا رأته أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها ثم هي مستحاضة » إذ قد يفرض ذلك في غير المتجاوز للعشرة كاشتمال غيره (٢) من هذه الأخبار من اشتراط الحيضية بتقدمه على العادة بقليل أو في العادة ، والحكم‌ في بعضها (٣) بأن « ما تراه من الصفرة والكدرة بعد أيام حيضها ليس من الحيض » على ما استفاضت به الأخبار ، بل كادت تكون متواترة ، وفي بعضها (٤) انها « لا غسل عليها من صفرة تراها إلا في أيام طمثها ، فإن رأت صفرة في أيام طمثها تركت الصلاة كتركها للدم » الخبر. ان أقصى ما يستفاد منها حيضية الدم أو الصفرة مع تقدمه على العادة بقليل كاليوم واليومين أو فيها ، وهو لا يصلح مستندا لتلك القاعدة العظمى ، كالأخبار الدالة على التحيض بمجرد رؤية الدم ، نحو ما‌ في الخبر المتقدم « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر » فإنها ـ مع عدم صراحتها في شمول الفاقد بل يظهر منها خلافه لما عرفت ـ ظاهرة في إرادة الحيض من لفظ الدم ، كما عساه يشعر به تعريفه باللام مع كونه مساقا لبيان ناقضية الحيض في كل وقت لا لبيان ان كل دم تراه فهو حيض ، كما هو ظاهر لكل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٨.

١٦٧

من أعطى النظر حقه ، ومن هنا رد في المعتبر من استدل بها على تحيض المبتدأة بمجرد رؤية الدم قائلا ان الظاهر منها إرادة الدم المعهود.

وأما أخبار الاستظهار لذات العادة فهي بالدلالة على خلاف المطلوب أولى ، لما في بعضها (١) من الرجوع الى التحيض بأيام العادة عند التجاوز ، مع ان قضية القاعدة العشرة حينئذ ، وفي بعضها (٢) الحكم بأنها تعمل عمل المستحاضة بمجرد التجاوز ، وفي آخر (٣) الأمر بانتظار يوم ، الى غير ذلك مما يقضي بخلافها ، بل في‌ مرسل يونس (٤) « ان كل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض » وأما ما دل (٥) على إلحاق ما تراه قبل مضي العشرة بالحيضة الأولى كما في الموثق والحسن ـ فمع احتماله أو ظهوره في الجامع للصفات التي علمت انه حيض ، إلا انه لا يحكم بكونه حيضا مستقلا لعدم مضي أقل الطهر ، ولذا حكمت به كذلك بعد مضيه ، ويشعر به كونه مساقا لبيانه ـ انه يمكن ان يسلم مقتضاها كما هو قضية إجماعي المعتبر والمنتهى ، ولا يستفاد منه تلك القاعدة ، ومن العجيب الاستدلال عليها بأخبار العذرة والقرحة ، مع ما فيه أولا من فرض انحصار الاشتباه فيهما ، فعند نفي العذرة مثلا يتعين الثاني من غير نظر الى القاعدة ، وثانيا انه لو كان البناء على قاعدة الإمكان المقررة عندهم لكان المتجه الرجوع إليها من غير اختبار بالتطوق ونحوه ، وأيضا فقد عرفت ان المحقق رحمه‌الله ناقل الإجماع على هذه القاعدة قد توقف في الحكم بالحيضية مع الاستنقاع ، وهو ينافي ذلك ويقضي ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١ والباب ١١ حديث ٣ والباب ١٢ حديث ١.

١٦٨

ليس مقصوده منها ما عند المتأخرين من أصحابنا ، وأما أخبار الحامل (١) فملاحظة كثير منها يقضي بخلاف هذه القاعدة كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر ، فلا نطيل بذكرها مع ابتناء الاستدلال بها على مجامعة الحيض للحمل ، وأما ما دل (٢) على ان الصفرة في أيام الحيض حيض فلا تقضي بتلك إلا على تفسير الشيخ الذي تقدم سابقا ، ولعل ذلك منشأ اشتهار هذه القاعدة عند من تأخر عنه ، وهو ممنوع ، بل الظاهر منها إرادة أيام عادتها ، كما كاد يكون صريح ما في‌ مرسل يونس (٣) حيث قال عليه‌السلام في المضطربة : « انها لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ، لأن السنة في الحيض ان تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا » الى آخره. وكذلك غيره كما لا يخفى على من لاحظها.

ويشير إليه أيضا استدلالهم فيما يأتي على حيضية الصفرة المتقدمة على أيام الحيض بمثل هذه الروايات (٤) على ان‌ في بعضها « ان الصفرة قبل أيام الحيض وفي أيام الحيض حيض ، وبعد أيام الحيض ليست بحيض » وهي لا تنطبق على تفسيره ، ولذلك كله اعترف في الذكرى بظهور إرادة أيام العادة في‌ خبر محمد بن مسلم (٥) « عن المرأة ترى الصفرة في أيام حيضها » ومن هنا يضعف الظن بإجماعه الذي ادعاه في الخلاف ، لأن الظاهر انه حصله من الروايات بعد ان فهم منها ذلك ، وإلا فما وصل إلينا من كلام المتقدمين عليه من أهل الفتاوى خال عن ذلك ، ولا نقله أحد ممن يتعاطى نقله ، ولجميع ما ذكرنا توقف جماعة من متأخري المتأخرين كالمحقق الثاني وصاحب المدارك وغيرهما في هذه القاعدة ، واستوجه بعضهم الرجوع الى الصفات في غير ما دل الدليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٦٩

عليه كالصفرة والكدرة في أيام الحيض ، وهو لا يخلو من وجه ، لما عرفت من ظهورها واشتمالها على الاعجاز ، مع موافقتها للأصول القاضية بعدم الحيضية ، وكثرة الشواهد في الأخبار على ما ينافي عموم تلك القاعدة على الوجه الذي فهموه ، بل قد يقطع بعدمه.

لكن ينبغي استثناء ما تراه قبل ان يمضي أقل الطهر بعد الحيض مما أمكن ان يكون حيضا ، فإنه ملحق بالحيض الأول للموثق والحسن المتقدم (١) وإجماعي المعتبر والمنتهى ، وقد ينزل عليه إجماع الشيخ في الخلاف ، وان أمكنت المناقشة فيما تراه من الصفرة والكدرة بعد أيامها بل في سائر الدم الذي تراه بعد العادة وأيام الاستظهار ، للأخبار (٢) الدالة على نفي الحيض في ذلك ، لكن الأقوى ما ذكرنا واستثناء ما تراه قبل العادة بيوم أو يومين من الصفرة والكدرة للأخبار (٣) أيضا ، وأين هذا من تلك القاعدة المجملة أي إجمال ، لكن الجرأة على خلاف ما عليه الأصحاب سيما بعد نقلهم الإجماع نقلا مستفيضا معتضدا بتتبع كثير من كلمات الأصحاب لا يخلو من إشكال ، وخصوصا بعد ما سمعت من الإشارات المتقدمة في الروايات ، إلا انه ينبغي القطع بعدم إرادة العموم منها على الوجه الذي فهمه بعض متأخري المتأخرين حتى تمسك بها في نفي الشرائط حيث تدعى كالتوالي ونحوه وفيما يرى من الدم قبل إحراز ما علم شرطيته ونحو ذلك ، لعدم الدليل حتى الإجماع المدعى ، فالأولى حملها حينئذ على إرادة ما علم إمكانية حيضه ، كأن تراه البالغة غير الآئسة مثلا ثلاثة أيام ولم يكن معارضا بإمكان حيض آخر فإنه حيض ، وأما ما لم يعلم حاله انه ممكن أو مستحيل لعدم العلم بإحراز الشرط فلا يحكم بحيضيته ، وقد يدعى ان هذا هو معنى القاعدة ، إذ ليس المراد ان الإمكان مجرد الاحتمال الناشئ من جهل الشخص مثلا ، بل المراد انه بعد العلم باتصاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١١ والباب ـ ١١ ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض.

١٧٠

الدم بصفة الإمكان ، وفي مثل الفرض المذكور لم يكن كذلك ، فتأمل جيدا.

( وتصير المرأة ذات عادة ) بتكرر الحيض منها على الوجه الذي تسمعه مرتين فصاعدا لا بالمرة الواحدة إجماعا محصلا ومنقولا كما عن أكثر العامة ، خلافا لبعضهم فاجتزى بها ، وربما نقل عن بعض أصحابنا أيضا ، وهو مع منافاته لمبدإ اشتقاق العادة باطل عندنا لما سمعت ، وللأخبار (١) المعتبرة ، كاشتراط الثلاثة ، فإنه لا يشترط باتفاقنا كما في الذكرى ، ومنه يظهر انه لا وجه لاحالة ذلك على العرف كما في غير عادة الحيض ، مضافا الى الروايات ، ( منها ) ما في‌ مرسل يونس (٢) عن الصادق عليه‌السلام حيث قال في المبتدأة : « فإن انقطع في أقل من سبع أو أكثر فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي ، فلا تزال كذلك حتى تنتظر ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه ـ الى ان قال ـ : وانما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتي تعرف أيامها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة ، فيقول لها : دعي الصلاة أيام قرئك ، ولكن سن لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعدا » الى آخره. ( ومنها ) موثق سماعة بن مهران (٣) « إذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها ».

فتحصل منهما مع الإجماع السابق ان المرأة تكون ذات عادة بالمرتين ، وذلك بان ترى الدم دفعة ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعدا ثم تراه ثانيا بمثل تلك العدة فإن كان ذلك مع اتحاد الوقت كأن يكون في أول الشهر مثلا كانت وقتية عددية ، وإلا كانت عددية فقط ، وقد تكون وقتية كذلك فيما إذا رأته مع اتحاد الوقت واختلاف العدد ، لكن لا تدخل هذه في عبارة المصنف إلا ان الأقوى ثبوتها وجريان حكم التحيض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحيض ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحيض ـ ١.

١٧١

بمجرد رؤية الدم فيه عليها ، نعم لا يجري عليها حكم الرجوع الى أيام العادة مع تجاوز الدم العشرة كما كان يجري ذلك في العددية ، نعم هما معا يجريان على الوقتية العددية ، ولذا كانت أنفع الأقسام الثلاثة.

وما عساه يظهر من بعضهم بل كاد يكون صريح السرائر من حصر العادة فيها ضعيف جدا ، لمنافاته إطلاق اسم العادة وأخبارها الواردة فيها وخصوص الخبرين المتقدمين وكلام الأصحاب ، كاحتمال قصر ذات العادة على العددية فقط من غير نظر الى الوقت ، وانه يدور عليه حكم التحيض بمجرد الرؤية ونحوه من أحكامها ، كما عساه يظهر من المصنف وغيره ، ويشهد له إطلاق الرواية السابقة ، وعدم انضباط وقت خاص للعادة ، إذ هي قد تتقدم وتتأخر ، وذلك لأنه يؤول إلى التزام أحد أمرين ، إما ثبوت عادة في الوقت من غير تكرير ، وهو كما ترى مخالف لصدق اسم العادة ، ولصريح كلام الأصحاب ، ولما عساه يظهر من الأخبار ، سيما مرسل يونس الطويل كما لا يخفى على من لاحظه بتمامه ، وإما عدم ثمرة لذلك بأن يقال إن أقصاها التحيض برؤية الدم في ذلك الوقت ، ونحن نقول به وان لم يتكرر الوقت ، كما إذا جاءها الدم في أول الشهر مثلا عددا معينا ، ثم في وسط الشهر الثاني كذلك ، فانا نحكم بتحيضها في الثالث بمجرد الرؤية وان كان في الآخر ، لصيرورة الشهر لها مثلا أو مضي أقل الطهر فصاعدا كالوقت ، ولأنها ليست من المبتدأة قطعا ولا من المضطربة.

وفيه انه مع التسليم لا تنحصر الفائدة في ذلك وان ذكرها بعضهم ثمرة هنا ، بل لها فوائد أخر لا تقوم عادة العدد مقامها ، ( منها ) انه لو تجاوز الدم في المرأة ورجعناها الى مقدار من العدد فإنه حيث لا تكون لها عادة في الوقت كانت مخيرة في وضعها أين ما شاءت من أيام الدم ، بخلاف ما إذا كانت لها عادة في الوقت ، فانا نوجب عليها مراعاة الوقت ، و ( منها ) تعارض العادة مع التمييز ، كما لو فرض كون الجامع‌

١٧٢

للصفات متقدما مثلا على معتادها من الوقت ، فإنه يجي‌ء الخلاف في تقديم التمييز عليها وعدمه ، الى غير ذلك ، فظهر أن الأقوى ثبوت الأقسام الثلاثة كما صرح به جماعة من المتأخرين ، ويظهر من مطاوي كلمات غيرهم كما انه يظهر ذلك من فحاوي كثير من أخبار الباب ، وان مدارها على التكرر مرتين ، ان وقتا فوقتا وان عددا فعددا ، مضافا الى صدق اسم العادة وأيام أقرائها ، ونحو ذلك من إطلاق الأدلة.

ومنه ينقدح إمكان إثبات عادات أخر كتكرر آخر الحيض مثلا مرتين ، كأن ينقطع في السابع من الشهر ، ثم ينقطع في الشهر الثاني كذلك وان اختلف العدد ، إذ لا فرق بين انضباط أول الحيض وانضباط آخر الحيض ، وكذلك بالنسبة إلى وسط الحيض إلا أني لم أعثر على أحد من الأصحاب أثبت ذلك أو رتب حكما عليه مع تصور بعض الثمرات له ، فتأمل جيدا. نعم لا يثبت الوقتية عددية كانت أيضا أو لا إلا بحصول التكرر مرتين في الشهرين فصاعدا هلاليين ، إذ لا يمكن اتحاد الوقت في الشهر الواحد بخلاف العددية ، فإنها تثبت بالشهر الواحد ، كما لو رأت في أوله خمسة مثلا ثم مضى أقل الطهر ورأت خمسة وانقطع ، فإنها تثبت بذلك ، وما ذكر في الروايتين من الشهرين فخارج مخرج الغالب في النساء ، وكل ما كان كذلك من قيد أو صفة أو غيرهما لا عبرة بمفهومه ، ولذا يحكم بحصول العادة برؤية الدمين المتساويين فيما يزيد على شهرين ، فما ينقل عن بعضهم من اشتراط الشهرين الهلاليين فصاعدا في تحقق العادة لظاهر الخبرين المتقدمين ضعيف ، لصدق اسم العادة وتصريح كثير من الأصحاب به ، ومثله في ذلك ما عساه يظهر من آخر من الاجتزاء بالشهر الواحد في مطلق أقسام العادة ، لما عرفت من عدم إمكان تماثل زماني الدم إلا بالشهرين الهلاليين فصاعدا ، وما يقال : ان المراد بالشهر في النص والفتوى انما هو الشهر الحيضي أي ثلاثة عشر يوما لا الهلالي يدفعه انه ارتكاب للتجوز من غير قرينة ، بل مع ظهور خلافها ، لما عرفت‌

١٧٣

من ان الغالب في النساء انما هو في كل شهر حيضة كما هو المعروف ، وأشارت إليه بعض الأخبار (١) ويشهد له الحكم بتحيض المتحيرة في كل هلالي مرة ، وغير ذلك ، على انه ينبغي انحصار الوقتية مثلا في من رأت أول الشهر الحيضي مرتين ، أما لو رأت في أول هلالين أو غير ذلك فلا ، وهو كما ترى يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، واحتمال القول ان المراد بالشهر الأعم من الهلالي والحيضي يدفعه انه لو جاز مثل ذلك على عموم المجاز لكنه موقوف على القرينة ، وهي مفقودة.

ولعل الأقوى في النظر ارتفاع النزاع في المقامين على ان يكون مراد المانع من حصول العادة بالشهر الواحد انما هو الوقتية ، ومراد المثبت انما هو العددية كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في كلماتهم ، ومنه يظهر لك كثير خبط وخلط في كلام جملة من متأخري المتأخرين ، نعم قد يظهر من الشيخ في المبسوط ثبوت العادة الوقتية بتساوي الحيض والطهر مرتين من دون النظر إلى الهلالي ، فإنه قال : « إذا رأت المبتدأة دم الحيض خمسة أيام وعشرة أيام طهرا بعد ذلك ، ثم رأت خمسة أيام دم الحيض ، ثم رأت عشرة أيام طهرا ، ثم استحيضت فقد حصل لها عادة في الحيض والطهر ، تجعل أيام حيضها خمسة أيام وأيام طهرها عشرة أيام ، وكذلك إن رأت دم الحيض خمسة أيام وخمسة وخمسين يوما طهرا ، ثم رأت خمسة أيام حيضا وخمسة وخمسين يوما طهرا ، ثم استحيضت تجعل حيضها في كل شهرين خمسة أيام ، لأن ذلك صار عادتها » انتهى. وفيه مع إمكان تأويله ان المستفاد من الأدلة كالخبرين السابقين وغيرهما ان تكرر الحيض مرتين مثبت عادة فيه ، وأما ان ذلك يثبت عادة في الطهر أيضا لو فرض تساويهما كالحيض فممنوع لا دليل عليه ، وكيف مع أن أقصى عادة وقت الحيض انما هو إثبات حيضية ما فيها ، وانها مقدمة على غيرها عند التعارض ، وإلا فهي لا تنفي حيضية ما أمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الحيض.

١٧٤

من غيرها ، فحينئذ ترجع من استمر بها الدم فيما فرضه من المثال الثاني بعد أن تحكم بحيضية خمسة ومضي أقل الطهر الى ما يقتضيه الأدلة من الأوصاف أو غيرها ، فتأمل جيدا.

لكن الإنصاف انه مع تكرر ذلك أي الطهر المتساوي والحيض لها زمانا كثيرا. يحصل به الاعتياد العرفي لا أرى مانعا من الالتزام به ، إذ يصدق عليها حينئذ انها تعرف أيامها ووقتها وأقرائها ، بل قد تكون هذه أقوى من غيرها في معرفة ذلك ، كما إذا مضى عليها السنون المتعددة في هذا الحال ، وحينئذ يحمل ما في الروايات على إرادة الاعتياد الشرعي ، وهو التكرر مرتين ، وذلك مخصوص بالحيض ، وإلا فالاعتياد العرفي لا ينضبط ، فلا يكون حينئذ فيها دلالة على نفي ذلك ، فتأمل فإنه نافع جدا.

وكيف كان فهل يشترط في تحقق الوقتية تكرر الطهرين متساويين وقتا كما عساه يظهر من الشهيد في الذكرى ، ومقتضاه عدم ثبوتها إلا بالدور الثالث ، فان انتهى الطهر الثاني بانتهاء الطهر الأول ثبتت ، وإلا فلا؟ الأقوى عدمه ، لصدق معرفة الوقت وانضباطه بدونه ، وهو الظاهر من ملاحظة الأخبار (١) أيضا ، وقال في الذكرى بعد ان نقل عن العلامة ما اخترناه من عدم الاشتراط : « وتظهر فائدته لو تغاير الوقت في الثالث ، فان لم يعتبر استقرار الطهر جلست لرؤية الدم ، وان اعتبرناه فبعد الثلاثة أو حضور الوقت ، هذا إن تقدم ، ولو تأخر أمكن ذلك استظهارا ، ويمكن القطع بالحيض ، لأن تأخر وقته يزيده انبعاثا » انتهى. وتبعه في ذلك شيخنا في الرياض ، وفيه ان إثبات الوقتية بما ذكرناه لا يستلزم تحيضها برؤية الدم ولو في غير الوقت ، بل أقصاه ثبوت ذلك فيه ، وأما في غيره فهي كالمبتدأة أو المضطربة كما يقتضيه ظاهر بعض كلمات الأصحاب ، وصرح به في جامع المقاصد وغيره ، كما انه هو أي الشهيد لا يحيضها بالرؤية في غير الوقت في الدور الرابع مثلا وان تكرر الطهر متساويا وصارت به وقتية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ و ١٥ ـ من أبواب الحيض.

١٧٥

نعم تظهر الثمرة بين القولين بالنسبة للتحيض في الرؤية بما إذا رأت بعد الدور الثالث الذي فرض فيه الاختلاف دما في وقت الحيضتين الأولتين ، فانا نحيضها بمجرد الرؤية وان لم يستقر الطهر بخلافه هو ، وهناك ثمرات أخر لا تخفى على المتأمل ، هذا.

مع احتمال ان يكون مراد الشهيد باشتراط تساوي الطهرين وقتا انما هو بالنسبة للتحيض بمجرد الرؤية في الدور الثالث ، فإنه بدون ذلك كما لو انتهى الطهر الثاني قبل انتهاء الأول بأن رأت الحيض قبل وقته مثلا لا يحكم بالتحيض ، بل يجب عليها الصبر إلى ثلاثة إن أوجبناه في المبتدأة ، فحينئذ يرتفع الخلاف ، بل لعله الظاهر من كلامه كما لا يخفى على من تأمل عبارة الذكرى حق التأمل ، فإنها في المقام في غاية الإشكال تركنا التعرض لها خوف الإطالة ، وكأن الذي حداه على ذلك مع انه لا محصل له هو ما ظنه من العلامة من انه لا يشترط في الوقتية تساوي الطهرين وقتا بحيث يحيضها بمجرد رؤية الدم الثالث وان لم يكن في الوقت ، وهو وان كان اشتباها في كلام العلامة لكنه يرتفع به خلافه حينئذ ، وليتأمل جيدا فان كلامهم في المقام لا يخلو من اضطراب ، والتحقيق ما ذكرنا.

ثم ان الظاهر من الخبرين (١) المتقدمين سيما مرسل يونس انه يشترط في العادة وقتية كانت أو عددية توالي الحيضتين المتحدتين بحيث لا يفصل بينهما حيضة تنافي ذلك ، وبه صرح غير واحد من الأصحاب ، فحينئذ لا يتم ما ذكره في المنتهى وغيره من ثبوت العادة بتكرر المختلف ، كأن ترى الدم مثلا في شهر ثلاثة وفي آخر خمسة وفي الثالث سبعة ، ثم ترى ثلاثة أشهر على هذا الترتيب ، لعدم تحقق التوالي في حيضتين منها ، وتحققه بالنسبة للمجموع غير مجد ، نعم لو تكرر ذلك منها مرارا متعددة بحيث يثبت بها الاعتياد العرفي أمكن ان يدعى ذلك كما ذكرناه سابقا في كلام الشيخ المتقدم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحيض.

١٧٦

إذ يصدق عليها انها تعرف وقتها وأيام أقرائها ، ويحمل حينئذ ما في الروايات على إرادة ضبط الاعتياد شرعا ، وإلا فالعرفي موكول الى العرف ، ولا يكون المقصود منها نفي هذا الضبط العرفي ، فتأمله جيدا فإنه نافع جدا في مثل هذه المقامات.

( و ) هل يثبت أقل العدد المتكرر كما في كل ما كان من هذا القبيل من تكرر العدد المختلف كأن رأت مثلا خمسة أيام ثم رأت سبعة؟ وجهان ، أقواهما العدم ، لعدم صدق الاستواء والانقطاع لوقته الموجود في الروايتين المتقدمتين المؤيد بما يظهر من غيرهما من الروايات ، خلافا لما عساه يظهر من بعضهم من الاكتفاء بذلك ، للتكرر وعموم خبر الأقراء (١) وهما كما ترى ، وكذلك لا يثمر في أقوى الوجهين تكرر بعض الوقت في ثبوت الوقتية إذا لم يحصل الاتحاد في الأول ، بأن يكون رأت مثلا في أول شهر ستة ثم رأته في آخر سابقا على أوله بثلاثة ، فإنه لا يجدي في صيرورة الثلاثة التي اتفقن فيهما عادة في أول الشهر ، نعم لا عبرة في ثبوت كل من أقسام العادة باختلاف لون الدم بعد فرض انقطاعه عن العشرة والحكم بحيضيته ، كما لا عبرة بالكسور زيادة ونقيصة في وجه ، بل ولا بالنقاء المتخلل بعد الحكم بحيضيته وان كان الأقوى عدم احتسابه في أيام العادة ، لظهور نصوص العادة في الدم الحيضي لا في التحيض الشرعي.

ثم هل تثبت العادة في مستمرة الدم التي يدور تحيضها على الأوصاف برؤيتها للجامع مثلا في أول الشهرين عدة أيام سواء؟ وجهان ، يظهر من بعضهم الأول ، فيكون المدار حينئذ على تكرر ما تثبت حيضيته من المستمر باعتبار الأوصاف ، إما لجامعيته مع سلب غيره أو لأكثريته أو لاشتماله على الأشد أو نحو ذلك ، بل يكفي وجوده في أول هذا الشهر أسود وفي الآخر أحمر أو أشقر أو نحو ذلك مع فرض عدم معارضته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

١٧٧

بغيره ، وفيه من الاشكال ما لا يخفى ، لعدم تناول الخبرين السابقين له ، مع ظهور غيرهما في عدمه ، كالأخبار (١) الآمرة بالرجوع إلى الأوصاف ، إذ هي متناولة بإطلاقها ما لو تكرر الجامع مثلا مرتين ثم اختلف محله أو عدده في الدور الثالث ، فإنه يجب اتباع الأوصاف أين ما كانت تكررت أولا ، ومنه تعرف ضعف التفصيل بين الجامع وغيره ، فتثبت العادة بالأول دون غيره ، لمكان حصول الظن بالحيضية من جهته بخلاف غيره ، وفيه ـ مع منع انحصار الظن به فقط لحصوله في الأشد والأكثر أيضا وان كان في الأول أقوى ـ انا نمنع ابتناء أمر العادة على الظنون بالموضوع ، بل انما هي حكم تعبدي يدور مدار الدليل ، وهو في المقام مفقود ، بل الظاهر انه على عدمه موجود ، لكن نقل عن العلامة في المنتهى نفي الخلاف عن ثبوت العادة بالتمييز ، فان تم إجماعا وإلا فللنظر فيه مجال ، مع انه لو ثبت العادة بمثل ذلك لوجب ثبوتها أيضا بالرجوع إلى عادة نسائها مرتين ، بحيث لو حصل لها التمييز بعد ذلك لا تلتفت إليه ، وفيه ما لا يخفى. اللهم إلا ان يقال : ان ذلك من التحيض الشرعي لا الحيض الحقيقي وأخبار العادة في الثاني لا الأول ، وهو شامل بإطلاقه ولو بضميمة نفي الخلاف المزبور الحيض الحاصل بالتمييز ، والله العالم.

مسائل خمس : ( الأولى ) ذات العادة وقتا وعددا تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في وقت العادة إجماعا كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها ، ول‌ صحيح ابن مسلم (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها فقال : لا تصلي حتى تنقضي أيامها » ومرسل يونس (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض » ونحوهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

١٧٨

غيرهما ، حتى انه قال‌ في جامع المقاصد : « قد تواترت الأخبار (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام بوجوب الجلوس برؤية الدم أيام الأقراء » قلت : ويؤيده أن المعتاد كالمتيقن ، ومنه يظهر ان مثلها في هذا الحكم معتادة الوقت دون العدد كما صرح به بعضهم. ويستفاد من إطلاق بعض الأخبار (٢) بل قد يدعى دخولها في معقد إجماع المنتهى وغيره ، حيث قال : وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في وقت عادتها ، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم ، على انه من المعلوم انه لا مدخلية لانضباط العدد في تحيض المتقدمة ، بل ليس إلا انضباط الوقت كما هو واضح.

نعم يقع الإشكال في معتادة العدد ، فان ظاهر المصنف دخولها في هذا الحكم ، بل قد عرفت ان عبارته الأولى سابقا كالصريحة في كون مدار العادة على انضباط العدد ، مع ان المتجه فيها كما هو ظاهر بعض وصريح آخر ان تكون كالمبتدأة والمضطربة ، بل هي قسم من الثانية بالنسبة للوقت على بعض التفاسير لها ، كما انها بالنسبة للأولى كذلك أيضا ، اللهم إلا ان يستأنس له بعد الإجماع المدعى في العبارة ، وصدق اسم ذات العادة عليها بما دل على التحيض بمجرد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت ذلك قبل وقتها ، كخبر علي بن أبي حمزة (٣) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة ، فقال : ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه » ومضمرة معاوية بن حكيم (٤) قال : « قال : الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيام الحيض ليس من الحيض ، وهي في أيام الحيض حيض » وموثقة أبي بصير (٥) عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة ترى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

١٧٩

الصفرة فقال : ان كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وان كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض » وخبر سماعة (١) قال : « سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، قال : فلتدع الصلاة ، فإنه ربما تعجل بها الوقت » بتقريب ان يقال : انه لو كان مدار التحيض بالرؤية على الوقت لما حكم في هذه بذلك وان لم تره فيه.

ثم انه يستفاد منها أيضا التحيض لذات العادة الوقتية بمجرد الرؤية وان تقدم على العادة ، قيل ومثله لو تأخر ، بل هو أولى لأن تأخره يزيده انبعاثا ، فيكون الحاصل حينئذ تحيض ذات العادة العددية بمجرد الرؤية ، وكذا الوقتية عددية كانت أو لا لو رأته متقدما على وقتها أو متأخرا من غير فرق بين جامعية الدم للصفات وعدمها ، وسواء قلنا بتحيض المبتدأة والمضطربة بمجرد الرؤية أو لم نقل ، وهو لا يخلو من نظر بالنسبة للقسم الأول ان لم يثبت إجماع كالثالث أيضا. وما يقال : ان تأخره يزيده انبعاثا فيه انه لا يصلح لأن يكون مدركا لحكم شرعي مناف للأصول والقواعد القاضية بعدم الحيضية سيما بعد ما ورد ان الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض ليست بحيض ، كقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « ان رأت المرأة صفرة في غير أيامها توضأت وصلّت » ونحوه غيره في إفادة ذلك ، ويشهد له مفهوم‌ مرسل يونس (٣) « إذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض » ومنه يظهر ان الاشكال في إطلاق القسم الثاني فيما لم يكن مشمولا للأدلة السابقة من المتقدم على العادة بكثير ، فإنه وان كان بعضها مطلقا لكن منها ما يشك في شموله للصفرة كالخبر الأخير ، ومنها ما ليس كذلك كبعض أخبار الصفرة (٤) إلا ان الظاهر منه بقرينة غيره إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٥.

١٨٠