جواهر الكلام - ج ٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان ففرض المسألة ان الاشتباه في خصوص دم العذرة ، وهو مما لا ينبغي الإشكال فيه ، لصحيح خلف بن حماد (١) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام فإنه بعد ان سأله عن ذلك وذكر له اختلاف القوابل فيه قال : « فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه أحد ، ثم نهد إلى ، فقال : يا خلف سر الله فلا تذيعوه ، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله ، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال ، قال : ثم عقد بيده اليسرى تسعين ، ثم قال : تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا ، فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة ، وان كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض » الحديث. ومثله في ذلك صحيح زياد بن سوقة (٢) وما نقل عن الفقه الرضوي (٣) وقضية الحكم بكونه دم العذرة مع التطويق وان كان بصفات الحيض كالعكس مع الانغماس وان لم يكن بالصفات بعد فرض انحصار الاشتباه ، فما عساه يظهر من الأردبيلي من الخلاف في ذلك وان العمدة الصفات لا ينبغي ان يصغى اليه.

هذا كله فيما افتضت البكارة ثم بقي الدم سائلا فلم يعلم على حسب ما ذكرنا ، أما لو كانت حائضا سابقا ثم افتضت البكارة وبقي الدم سائلا ثم شك فقد يظهر من بعض مشايخنا الحكم بأصالة الحيض واستصحابه ولا يرجع للاختبار المذكور ، وفيه منع ظاهر ، لظهور الأدلة في اعتبار هذا الوصف في نفسه بامتياز الحيض عن العذرة ، ومنه يظهر قوة اعتباره أيضا حتى فيما لو شكت في أصل افتضاض البكارة ، وان كان الأقوى عدم الوجوب لكون المعلوم من النص والفتوى وجوب ذلك في صورة العلم بالافتضاض.

ثم اعلم انه قد ذكر الشهيد الثاني في كيفية إدخال القطنة انها تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثم تستدخل القطنة وتصبر هنيئة ، وليس فيما عثرنا عليه من الروايات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحيض.

١٤١

التعرض لغير الاستدخال والصبر كما اعترف بذلك جماعة أيضا ، ولعله رحمه‌الله لم يرد بذلك على سبيل الوجوب ، أو ان منشأه ما تسمعه من الأخبار في المسألة الثانية فتأمل جيدا ، وليعلم ان ظاهر الأصحاب والأخبار وجوب الاختبار المذكور ، فلو فعلت بدونه لم يكن عملها صحيحا إلا ان يقع على وجه معذورة فيه ، أما إذا لم تتمكن من الاختبار المذكور لكثرة الدم أو غيره فيحتمل البناء على الحيضية لأصالتها عندهم وعدمها ، والأقوى الفرق بين الصور بسبق الحيض أو العذرة ، وحيث لا سبق فالظاهر وجوب العمل عليها ثم الاختبار بعد ذلك ، فتأمل جيدا.

( وكل ما تراه الصبية ) من الدم وان كان في صفات الحيض قبل بلوغها تسعا من حين الولادة فليس بحيض للأصل والإجماع بقسميه والأخبار ، منها‌ موثقة عبد الرحمن بن الحجاج (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « ثلاث يتزوجن على كل حال ـ الى ان قال ـ : والتي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : ومتى يكون كذلك؟ قال : ما لم تبلغ تسع سنين ، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض » ونحوها صحيحة عبد الرحمن (٢) وغيرها (٣) وفي بعضها (٤) « إذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها » والظاهر ان المراد بما قبل التسع تحقيقا لا تقريبا كما صرح به بعضهم لأصالة الحقيقة ، كما ان الظاهر ان المراد بالسنة حصول الدور الى ذلك الوقت من اليوم التي ولدت فيه من الشهر المعين ، كأن ولدت مثلا عند الظهر من اليوم الخامس من رجب ، فإذا دار الدور الى خصوص ذلك الوقت من ذلك اليوم فتلك سنة ، وهكذا ، ولا يقدح في ذلك التلفيق كما لا يقدح نقيصة الأشهر وزيادتها ، والمحكم في ذلك العرف ، فتكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب العدد ـ حديث ٥ من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد ـ حديث ٤ من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من كتاب الوصايا ـ حديث ١٣ مع الاختلاف ، ولم نعثر على هذا النص بعد التتبع في كتب الأخبار.

١٤٢

حينئذ كلها هلالية ، لأن ذلك هو الأصل في الشهر والسنة ، لقوله تعالى (١) ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ) وغيره ، وأما احتمال جعل هذا المنكسر شهرا عدديا دون باقي الأشهر كاحتمال جعل السنة كلها عددية بسبب ذلك فضعيفان ، ومثله في ذلك احتمال عدم جريان التلفيق في اليوم ، فلا يحتسب أو يحتسب أو يفرق بين القليل والكثير في الاحتساب أو التلفيق ، والتحقيق ما ذكرناه ، نعم قد يقال في المقام ونحوه ان المراد الحكم بعدم بلوغها حتى تتحقق صدق تسع سنين حقيقة ، وحينئذ يكون المنكسر كله خارجا عن التسع ، فلا يحكم بالبلوغ إلا بالتسع بعد المنكسر ، نحو ما يقال في ثلاثة الخيار وعشرة الإقامة بل وثلاثة الحيض وعشرته وعشرة الطهر وأجل المتوفى عنها زوجها ، بل يكون ذلك ضابطا في نحو ذلك في الخطابات الشرعية ، إلا اني لم أجده لأحد من الأصحاب ، فتأمل. هذا كله في مظبوطة تاريخ الولادة ، أما مجهولة ذلك فلعل الظاهر كما عن جماعة من الأصحاب الحكم بحيضتها مع خروج الدم في الصفات ، أو مطلقا بناء على قاعدة الإمكان ، وبه يظهر ثمرة جعلهم الحيض من علامات البلوغ ، وينقطع أصالة عدم البلوغ تسعا ، فلا منافاة حينئذ ولا دور ، وبشهادة أغلب النساء ، فإنه يعرفنه كما يعرفن البول والغائط وان لم يعرفن مبدأ الولادة ، وإلا لو اشترط في الحكم بالحيضية العلم بإكمال التسع لم يكن لذلك وجه وثمرة للاكتفاء بالتسع حينئذ ، وما يقال : انه يحكم بالحيضية بالخروج بعد التسع وان قلنا ان البلوغ العددي عشر سنين فيه انه لا يلتئم على ما هو المعروف من انه بلوغ تسع ، مع ما فيه من الاشكال من الحكم بالحيضية قبل البلوغ مع التصريح من بعضهم انه شرط في الحيض ، هذا. وربما ظهر من بعضهم ان حاصل البحث ان الأدلة دلت على ان الخارج قبل التسع ليس بحيض ، فيكفي في إثبات ذلك قاعدة الإمكان أو جامعية صفات الحيض ، وفيه‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٥.

١٤٣

ما لا يخفى ، بل التحقيق انه لا يحكم بالحيضية مع الجهل لقاعدة الإمكان ونحوها ، لعدم ظهور ما تسمعه من أدلتها في نحو ذلك ، وكيف لا مع جعل بعض الأصحاب البلوغ أحد شرائط التمسك بها مضافا الى ما سمعته من الخبر في اشتراط الإمكان بالإكمال ، فالأولى حينئذ ان يقال : ان جعلهم الحيض من علامات البلوغ لا ينافي ما ذكروه هنا من عدمه فيما تراه الصبية ، إذ هو مبني على العلم بالحيضية ، ودعوى توقفه على العلم بإحراز التسع ممنوعة وان كانت هي لازمة لتحققه لا العلم به ، فيتوقف على العلم بحصولها كما هو واضح.

( و ) كذا أي وكالدم الخارج قبل التسع في عدم الحيضية قيل وهو المشهور نقلا وتحصيلا فيما يخرج من الجانب الأيمن عند اشتباهه بدم القرحة بعد العلم بأصل وجودها والجهل بمكانها ، كما هو الظاهر لما تسمعه من الخبر فإنه يختبر بأن تستلقي على قفاها ، ثم تستدخل إصبعها فإن كان من الأيمن فهو ليس بحيض ، وان كان من الأيسر فهو حيض ، كما هو خيرة الفقيه والمقنع والمبسوط والنهاية والمهذب والسرائر والوسيلة والجامع والقواعد والإرشاد وجامع المقاصد وغيرها ، عملا بما رواه‌ الشيخ في التهذيب عن محمد بن يحيى رفعه عن أبان (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أم من دم القرحة ، فقال : مرها تستلق على ظهرها وتستدخل إصبعها الوسطى ، فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو ليس من الحيض ، وان خرج من الأيسر فهو من الحيض » ويؤيده بعد انجبار سنده وغيرها بالشهرة المحصلة والمنقولة ، بل نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب ، وبفتوى مثل الصدوق ناقلا له عن رسالة والده اليه ، وفتوى الشيخ في النهاية التي قيل انها متون أخبار كرسالة علي بن بابويه ، فإنه على ما قيل انهم كانوا إذا أعوزتهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

١٤٤

النصوص رجعوا إليها وأمثالها ، والمنقول عن الفقه الرضوي (١) فإنه كالخبر المتقدم في ذلك ، قيل وبما‌ روي (٢) « ان الحائض إذا أرادت أن تستبرئ ألصقت بطنها الى جدار ورفعت رجلها اليسرى » فإنه يشعر بان الحيض في الأيسر ، وفيه ان الموجود في مرسلة يونس (٣) في كيفيته انها ترفع رجلها اليمنى ، ومن هنا كان المتجه تخيرها في ذلك كما يأتي في محله ، وبما ينقل من شهادة النسوة بذلك ، وبذلك كله يظهر ان الرواية المتقدمة أضبط مما‌ في الكافي (٤) « ان كان من الأيمن فهو من الحيض ، وان كان من الأيسر فليس بحيض » كما عن ابن الجنيد الفتوى به.

وربما توقف بذلك جماعة كظاهر المصنف ، بل قد يظهر من بعضهم الميل اليه مرجحا له بقدم الكليني وحسن ضبطه على ما يشاهد من كتابه الذي لم يوجد مثله ، عكس الشيخ فإنه قد عثر له على كثير من الخلل ، كل ذا مع نقل الشهيد في الذكرى ان كثيرا من نسخ التهذيب موافقة لرواية الكليني ، بل فيها ان ابن طاوس نسب كون الحيض من الأيسر الى بعض نسخ التهذيب الجديدة ، وقطع بأنه تدليس ، ومن هنا قال المصنف في المعتبر : ان الرواية مقطوعة مضطربة لا أعمل بها ، ويؤيده الاعتبار فإن القرحة تكون في كل من الجانبين ، ويدفع ذلك كله انه لو سلم أضبطية الكليني إلا ان الظاهر ان الشيخ في خصوص المقام أضبط لما عرفت ، وبه يندفع الاضطراب ، إذ لا وجه له مع وجود المرجح بل المرجحات ، وما نقله الشهيد عن كثير من نسخ التهذيب كالظاهر من ابن طاوس من نسبته إلى القديمة لم نتحققه ، وينافيه فتوى الشيخ في المبسوط والنهاية بما سمعت ، وعدم ذكر أحد من المحشين على التهذيب لها على ما نقل ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٤٥

مع ان ديدنهم التعرض لمثل ذلك وان كانت نادرة ، ومن هنا نقل عن بعض المحققين انه قال : اتفقت نسخ التهذيب على المشهور ، ولعل خلقة النساء إذا استلقين على القفا يميل الرحم على وجه لا يخرج دم القرحة إلا من الأيمن ، كما لا يخرج الحيض إلا من الأيسر ، والله هو العالم بذلك ، بل المحكي عن كثير من النساء العارفات ان الحيض مخرجه من ذلك ، وبذلك كله يندفع ما سمعت من الاعتبار ، وما عساه يحتمل من الرجوع الى الصفات أو قاعدة الإمكان ضرورة كون الخارج من الأيمن حينئذ كالدم قبل التسع لا يمكن ان يكون حيضا وان جمع الصفات ، ولكن مع ذلك طريق الاحتياط غير خفي.

ثم انه بناء على اعتبار الجانب فهل يعتبر ذلك في الحيض مطلقا أو في خصوص الاشتباه بالقرحة؟ وتظهر الثمرة على المختار في الخارج من الأيمن حال عدم وجودها ، فإنه لا يحكم بالحيضية على الأول بخلاف الثاني ، ولعل الأولى كما هو الظاهر من المصنف وصريح غيره الأول أخذا بظاهر الرواية المتقدمة ، واحتمال اختصاصها بذات القرحة بعيد ، وكون السؤال فيها عن ذلك لا يقضي بالاختصاص ، لمكان ظهورها في كون ذلك من لوازم الحيض في نفسه ، وبما سمعت ينقطع الرجوع الى الصفات أو قاعدة الإمكان كما عرفت ، وما يقال : ـ لعل هذه الصفة كغيرها من الصفات منشأها الغلبة بل هي أولى منها ، لوضوح ما تقدم سابقا من أدلتها دونها ، ومع ذلك لا يقدح تخلفها في الحكم بالحيضية لقاعدة الإمكان ـ يدفعه ـ بعد تسليم تحكيم قاعدة الإمكان في مسلوب الصفات في غير ما دل الدليل عليه ـ انه ثبت تخلفها لما ورد من الحكم بكون الصفرة والكدرة حيضا في أيام الحيض ، بخلاف ما نحن فيه ، نعم الظاهر انه لا يجعل ذلك مميزا لغير دم القرحة ، فإنه ليس في الأدلة ما يدل على عدم خروج غير الحيض من الجانب الأيسر ، فيكون الحاصل انه لا يقطع على الخارج من الأيسر من حيث كونه‌

١٤٦

كذلك بحيضيته ، نعم لو كان الاشتباه منحصرا في القرحة خاصة كان التمييز بذلك متجها ، وبالتأمل فيما ذكرناه في المسألة المتقدمة يظهر لك جريان جملة مما ذكرناه هناك في المقام ، منها إمكان جريان اعتبار هذا التمييز مع الشك في أصل وجود القرحة كما ذكرناه في العذرة ، خلافا لما يظهر من بعض مشايخنا فتأمل ، والظاهر ان المدار في مخرج الحيض هو ما تقدم في مخرج سائر الأحداث ، ويجري فيه الكلام من التفصيل بالاعتياد وعدمه ، ويشهد له في الجملة أخبار السلفعية (١) وهي التي تحيض من دبرها.

وأقل الحيض ثلاثة أيام فلا يحكم بحيضية الناقص عنها وأكثره عشرة فلا عبرة بالزائد إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كاد يكون متواترا كالسنة (٢) وما في بعض الأخبار (٣) ان أكثر ما يكون الحيض ثمان لا يلتفت اليه ، سيما مع نقل الشيخ في التهذيب والاستبصار إجماع الطائفة على خلافه معتضدا بنقل غيره أيضا ذلك ممن تقدمه وتأخر عنه ، وبالأخبار الكثيرة المعتبرة التي فيها الصحيح وغيره ، ( منها ) صحيح يعقوب بن يقطين (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « أدنى الحيض ثلاثة ، وأقصاه عشرة » ونحوه غيره ، فوجب حمل الأكثرية فيه حينئذ على العادة والغالب لا في الشرع ، أو على من استمر بها الدم وكانت عادتها الثمان ، أو يطرح. وكذا أقل الطهر إجماعا كما في الانتصار والخلاف والمنتهى والتذكرة والذكرى والروض وغيرها ، ويدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار المعتبرة ، ( منها ) صحيح محمد بن مسلم (٥) عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا يكون القرء في أقل من العشر فما زاد ، وأقل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٠ و ١١ و ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٤٧

ما يكون عشرة من حين تطهر » ونحوه غيره في إفادة ذلك.

فما في‌ صحيح يونس بن يعقوب (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام ، قال : تدع الصلاة ، قلت : فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة أيام ، قال : تصلي ، قلت : فإنها ترى الدم ثلاثة أو أربعة ، قال : تدع الصلاة ، قلت : فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تصلي ، قلت : فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تدع الصلاة ، تصنع ما بينها وبين شهر ، فان انقطع عنها ، وإلا فهي بمنزلة المستحاضة » وخبر أبي بصير (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيام ، والطهر خمسة أيام ، وترى الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام ، فقال : ان رأت الدم لم تصل ، وان رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما ، وإذا تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة ، فإذا رأت صفرة توضأت » فهما ـ مع قصورهما عن مقاومة ما ذكرنا لوجوه غير خفية ـ قد حملها الشيخ في الاستبصار على امرأة اختلطت عادتها في الحيض ، وتغيرت عن أوقاتها ، وكذلك أيام أقرائها ، واشتبهت عليها صفة الدم ولا يتميز لها دم الحيض عن غيره ، فإنه إذا كان كذلك ففرضها ان تترك الصلاة عند رؤية الدم ، وتصلي عند النقاء الى ان تعرف عادتها ، وكأن مراده ان مثل هذه المرأة المتحيرة التي لا طريق لها إلى معرفة دم الحيض من غيره ، فتحتمل في كل دم تراه ان يكون حيضا فرضها ذلك ، فليس ذا طهر يقينا ، ولذا استجوده المصنف في المعتبر ، وعليه يحمل ما في الفقيه والمبسوط وعن المقنع والنهاية من الفتوى بذلك ، ولعله لم يفهم العلامة من الاستبصار ما ذكرنا ، بل تخيل انه استثناء من الحكم بأن أقل الطهر عشرة ، ولذا توقف فيه في المنتهى ، أو لأن القاعدة تقتضي في مثل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

١٤٨

ذلك التحيض بالدم الأول وكل ما أمكن من غيره إلى العشرة ، وما عداه استحاضة.

لكن لا يخفى عليك انه لا وجه للاعتماد عليها بعد معارضتها لما سمعته من صريح الصحيح المعمول به عندهم ، فتأمل جيدا. وبذلك كله يظهر لك ما في الحدائق من اختيار جواز أقل الطهر أقل من عشرة في مثل مفروض سؤال الخبرين ونحوه ، نعم هو لا يجوز أن يكون أقل في نحو الحيضتين المستقلتين إلا بعد إكمال العدد ، وكأن الذي دعاه الى ذلك ما تسمعه ان شاء الله في المسألة الآتية من اشتراط التوالي في الأيام التي هي أقل الحيض ، فإنه اختار عدم الاشتراط واكتفى بكونها في جملة العشرة ، وفاقا للشيخ في النهاية ، وظن ان القائل بذلك يلتزم بكون أيام النقاء المتخللة فيما بينها أيام الدم طهر ، وهو أقل من عشرة ، وهو اشتباه في اشتباه تبع به غيره كما ستعرفه ان شاء الله ، على انه لا يخفى عليك ما في قوله : انه يشترط ذلك في الحيضيتين المستقلتين دون الواحدة ، وعليه نزل الروايات ، لأن صحيح يونس مما لا يمكن فيه جعل سائر الدم حيضة واحدة ، لزيادته على أكثر الحيض ، وكذلك قضية الجواب في خبر أبي بصير ، فتأمل. وكيف كان فلا ينبغي الالتفات اليه بعد ما سمعت من الإجماعات وغيرها. ثم انه مما تقدم في صحيح ابن مسلم المتقدم من قوله عليه‌السلام : ( فما زاد ) يظهر لك انه لا حد لأكثر الطهر كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل حكم العلامة عليه الإجماع ، كما نفى عنه الخلاف ابن زهرة ، ولعل الأمر فيه كما ذكر ، وما ينقل عن أبي الصلاح من تحديده بثلاثة أشهر فلعل ذلك بناء منه على غالب العادة كما استظهره منه في المختلف وجزم به في التذكرة ، والأمر سهل وان كان فيه ما فيه.

( و ) حيث عرفت ان أقل الحيض ثلاثة فلا يحكم بحيضية الناقص عنها ، لكن هل يشترط التوالي لرؤية الدم في الثلاثة فلا يحكم بحيضية ما تراه من اليوم الأول ثم الرابع والسابع مثلا ، فضلا عن قدر الثلاثة في الساعات مثلا كما هو المشهور‌

١٤٩

نقلا وتحصيلا ، بل قد يظهر من إطلاق الجامع نفي الخلاف عنه ، قال فيه : « ولو رأت يومين ونصفا وانقطع لم يكن حيضا بلا خلاف بين أصحابنا ، وخيرة الهداية والفقيه ناقلا له عن رسالة والده ، والمبسوط والجمل والعقود وإشارة السبق والسرائر والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والقواعد والمختلف والتحرير والإرشاد والذكرى والدروس واللمعة والبيان وجامع المقاصد ، بل عن سائر تعليقاته ، والروضة والمدارك والذخيرة وشرح المفاتيح والرياض وغيرها ، بل عساه يظهر من الوسيلة كالغنية وكافي أبي الصلاح ، وهو المنقول عن علم الهدى وابن الجنيد ، لأصالة عدم الحدث ، وقاعدة اليقين ، وعموم ما دل على التكليف بالصلاة والصوم ونحوهما من الكتاب والسنة ، واستصحاب أحكام الطاهرة من المكث في المساجد وجواز المس وقراءة العزائم ونحوها ، واستصحاب بقاء قابليتها للتكليف بالصلاة مثلا ، وربما استدل أيضا بما في‌ الفقه الرضوي (١) « فإن رأت الدم يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر الدم ثلاثة أيام متواليات » الى آخره بعد انجباره بالشهرة العظيمة ، بل في الرياض انه لا دليل سواه ، قال : وما زعم ـ من ثبوت الصلاة في الذمة بيقين فلا يسقط التكليف إلا مع تيقن السبب ، ولا يقين مع عدم التوالي ، وأصالة عدم تعلق أحكام الحائض ـ ضعيفان ، أما الأول فبمنع ثبوتها في الذمة في المقام ، كيف لا وهو أول الكلام ، مع ان مقتضى الأصل عدمه ، والتمسك بدليل الاستصحاب ـ في صورة رؤيتها الدم المزبور بعد دخول الوقت ومضي مقدار الطهارة والصلاة وإلحاق ما قبله به لعدم القائل بالفرق ـ معارض بالتمسك به في صورة رؤيتها إياه قبل الدخول ، ويلحق به ما بعده بالإجماع المزبور ، هذا. مع ضعف هذا الأصل من وجوه أخر لا تخفى على من تدبر. وأما الثاني فبمعارضته بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة » انتهى.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٥٠

ولا يخفى عليك انه لا يرد شي‌ء مما ذكره على ما ذكرناه من الأصول والقواعد والعمومات ، مضافا الى ما في منعه الأول ودعوى ان الأصل عدم الشغل ، ومعارضة ما ذكره من الاستصحاب أولا بالاستصحاب في صورة رؤيتها الدم قبل الوقت ، وثانيا بأصالة عدم التكليف بالعبادة المشروطة بالطهارة ، وذلك لأن المراد من ثبوتها في الذمة انما هو بالخطاب التعليقي المتحقق التكليف به قبل دخول الوقت ، إذ ليس قوله : ( صل ان دخل الوقت ) مجرد إخبار كما عساه يتخيل ، بل هو خطاب وتكليف بالفعل عند دخول الوقت ، ومن هنا يصدق على العبد الذي أمره سيده بفعل معلق انه مكلف ومخاطب ، ولذا يجب على المكلف في بعض الصور حفظ ما يتوقف عليه الفعل قبل دخول الوقت إذا علم عدم وجوده بعده ، على ان التمسك باستصحاب البراءة قبل دخول الوقت في نفي الشغل بعده لا يخلو من تأمل ونظر ، كيف لا مع انا نعلم ان براءتها قبل الوقت انما هو لعدم دخول الوقت الذي ينقطع بمجرد دخول الوقت ، نعم لو كان الشك في كون الآن الثاني من الوقت مشغلا لها بنفسه وكانت بريئة قبله أمكن جريان هذا الاستصحاب ، ومنه يعلم فساد ما ذكره أخيرا من التمسك بأصالة العدم ، على انه كيف يتصور جريانه مع استصحاب الطهارة ، فتأمل جيدا.

فان قلت : كيف لا يتجه الاستدلال بما ذكرت أولا مع دوران الأمر بين الحيض والاستحاضة ، إذ كما ان الأصل عدم الحيض فالأصل عدم الاستحاضة أيضا. قلت : أما أولا نمنع الحكم بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيض ، بل نقول : ان الأصل عدمهما كما يشعر به‌ مرسل يونس الآتي (١) حيث قال عليه‌السلام فيه : « انما كان من علة إما قرحة في جوفها وإما من الجوف » وأما ثانيا فبدعوى ان الاستحاضة من الأمور المرتبة على عدم الحيض ، فيكون حينئذ شرطها عدميا ، فلا مانع حينئذ من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

١٥١

التمسك بأصالة عدم الحيض مع الحكم بالاستحاضة ، ولعله الظاهر من تصفح كلماتهم وأخبار الباب للحكم بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيض ، ولم نعهد أحدا منهم عارض أصالة عدم الحيض بأصالة عدم الاستحاضة لا في المقام ولا في غيره ، ومن هنا تعرف ان الاستحاضة أصل بعد انتفاء الحيض حتى يعلم انه من قرحة أو نحوها ، وأما ثالثا فبعد التسليم فلا ينقطع جملة مما ذكرنا كاستصحاب بقاء قابليتها للتكليف والعمومات ونحوها ، إذ الاستحاضة لا ترفع ذلك بخلاف الحيض ، على انه يمكن التمسك بأصالة البراءة من الزائد عند اختبار الدم ورؤيته قليلا بحيث لو كان استحاضة لكان صغرى ، لكون الغسل تكليفا زائدا ، وأما رابعا فالمتعين عليها حينئذ الاحتياط بترك المكث في المساجد ونحو ذلك من أفعال الطاهرة ، بل الظاهر انه حينئذ يجب عليها الاغتسال والصلاة والصوم ثم الصوم بدله.

لا يقال : ان الاحتياط غير ممكن بالنسبة للصلاة والصوم لكون تركها عزيمة على الحائض ، لأنا نقول : أولا نمنع الحرمة الذاتية. وانما هي تشريعية ترتفع بالاحتياط ، وثانيا ان الظاهر من الأصحاب ترجيح الفعل هنا على الترك كما في نظائر المقام ، ولعله لأن مراعاة الوجوب في نحو الصلاة أهم من مراعاة الحرمة أو لغير ذلك ، ومع التنزل عن ذلك كله فالقاعدة تقتضي التخيير ، مع انه لا يلتزم أحد من الأصحاب بشي‌ء من ذلك لا القائلين بالتوالي ولا بعدمه ، وكيف كان فلا ريب في صحة ما ذكرنا من الأصول والقواعد ، نعم لا يتجه الاستدلال على ما نحن فيه بتبادر التوالي من‌ قوله عليه‌السلام (١) : ( أدنى الحيض ثلاثة أيام ) كما وقع من صاحب المدارك وغيره ، أما أولا فلمنع ذلك كما يوضحه تعلق النذر واليمين. وأما ثانيا فلأنه إنما يتجه ان لو قلنا بكون المتخلل من النقاء بناء على عدم اشتراط التوالي طهرا ، وهو غير معلوم بل المعلوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٠.

١٥٢

عدمه كما سيجي‌ء ، لما عرفت من الإجماعات على ان أقل الطهر عشر ، فتعين ان الجميع حيض ، فليس الاستدلال في محله ، إذ الكلام حينئذ يرجع الى اشتراط التوالي في الثلاثة الأول من أكثر الحيض مثلا أم لا ، وإلا فالأقل لا بد فيه منه إجماعا ، لا يقال : ان‌ قوله عليه‌السلام : ( أدنى الحيض ثلاثة أيام ) ظاهر في إرادة وجود الدم ، فلا عبرة بالمحكوم بكونه حيضا كالبياض المتخلل ، لأنا نقول : بعد التسليم انه مخصوص بالأقل ولا كلام لنا فيه ، إذ نحن نشترط في الأقل ذلك ، فتأمل. على ان قوله بعده : ( وأكثره عشرة ) يشعر بخلافه ، لعدم اشتراط توالي الدم فيها قطعا.

وكيف كان فهل يشترط في الحيض ذلك لما ذكرنا أم يكفي كونها في جملة العشرة كما في النهاية والاستبصار والمهذب وظاهر مجمع البرهان وصريح كشف اللثام والحدائق ناقلا له عن بعض علماء البحرين والحر في رسالته ، لأصالة عدم الاشتراط ، وإطلاق النصوص ، وأصل البراءة من العبادات ، وقاعدة الإمكان سيما مع جمعه الصفات ، والاحتياط ، وقول الصادق عليه‌السلام في مرسل يونس بن يعقوب (١) : « وإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإذا استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض ، وان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم له ثلاثة أيام فذلك الذي رأته مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وان مر بها من يوم رأت عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض ، انما كان من علة إما قرحة في جوفها وإما من الجوف فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها ، لأنها لم تكن حائضا ، فيجب ان تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين ، وان تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٢.

١٥٣

وهو أدنى الحيض ، ولم يجب عليها القضاء ، ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام ، وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة ، وان رأت الدم من أول ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ، ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة ، وقال : كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض » وإطلاق‌ الصحيح أو الحسن (١) عن الباقر عليه‌السلام « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ، وان كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » ونحوه غيره.

وفي الكل نظر ، لرجوع الأول الى الثاني ، والثاني قد عرفت ما فيه ان أريد بها نصوص الثلاثة ، وان أريد بها إطلاق أخبار الحيض والصفات فقد عرفت سابقا ان المراد بالحيض انما هو دم معروف لا كل دم سائل ، فمع الشك فيه فالأصل عدمه ، وأخبار الصفات ـ مع معارضتها بفاقدها وبناء الاحتجاج بها على الرجوع إليها مطلقا لا في خصوص الاستمرار ـ قد عرفت ان منشأ الاستناد إليها انما هو حصول الظن لمكان الغلبة ، وهو مفقود في المقام سيما بعد كون الشهرة العظيمة المنجبرة بما سمعت على ان التوالي من جملة الأوصاف اللازمة له التي لا تفارقه ، فكان الظن بالعكس ، وعرفت أيضا ما في التمسك بأصل البراءة وكذا قاعدة الإمكان ، مع ان الظاهر عدم جريانها في نحو المقام مما شك في أصل إمكان حيضيته ، لعدم الدليل عليها في نحو ذلك ، والاحتياط معارض بمثله ، وأما الخبر ـ فمع إرساله وجهالة حال بعض رجاله كما قيل وهو إسماعيل ابن مرار ، وعدم الجابر له ، ورجوع الشيخ عنه في غير النهاية ، وهو أبصر به من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

١٥٤

ابن البراج ، مع ان النهاية لم يعلم كونها كتاب فتوى ، واشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الحكم بحيضية العشرة لذات العادة إذا تجاوزها الدم ، وعدم سلامته من التناقض ، للتصريح فيه بأن الطهر لا يكون أقل من عشرة مع ظهور بعضه فيه ، الى غير ذلك ـ لا ينبغي ان يقطع به ما سمعت ، ويجترئ به على مخالفة هذه الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، مع اعتضادها بفتوى مثل الصدوقين وابن الجنيد وعلم الهدى على ما نقل عنهما ، وأما الصحيح المتقدم فلا دلالة فيه على شي‌ء من المدعى ، إذ كون اليوم أو اليومين حيضا حتى يلحق به ما تراه قبل مضي العشرة أول الكلام.

ولذلك كله قال المصنف الأظهر الأول وان كان الاحتياط لا ينبغي ان يترك بحال ، سيما مع ملاحظة قوة المرسلة من جهة كون المرسل يونس ، وهو على ما قيل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، ولعل إسماعيل بن مرار الذي رمي بالجهالة يقرب إلى الوثاقة ، لعدم استثناء القميين ممن يروي عن يونس غير محمد بن عيسى العبيدي على ما حكي ، لكن الأقوى الأول ، لما تقدم ، هذا كله ان لم نقل ان القائلين بعدم الاشتراط يجعلون النقاء المتخلل بين الأيام الثلاثة طهرا ، وإلا فإن كان كذلك كما زعمه في الروض وعن شرح الإرشاد للفخر والهادي وصرح به في الحدائق بعد ان اختار عدم الاشتراط فهو من الفساد حينئذ بمكانة ، لمخالفته مع ذلك ما دل على ان أقل الطهر عشرة من الإجماع والسنة حتى المرسل السابق ، وان أشعر صدره بخلافه مع عدم صراحته ، لاحتمال إرادة أدنى الدم لا مع المحكوم بحيضيته ، وغير ذلك ، وما في الحدائق ـ من الجمع بين صدره وذيله والأخبار الدالة على ان أقل الطهر عشرة بحمل الطهر فيها على ما كان بين حيضتين مستقلتين لا الحيضة الواحدة ، فإن النقاء فيها طهر ، مستشهدا لذلك بصحيح ابن مسلم (١) وغيره (٢) مما دل على إلحاق ما رأته قبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١.

١٥٥

العشرة بالحيضة الأولى ، وإن كان بعدها فهو من الحيضة الثانية ، إذ المراد بالعشرة انما هو من حين انقطاع الدم لا أول رؤيته ، وإلا لزم ان يراد بالعشرة الثانية كذلك ، لظهور اتحاد مبدئهما ، وهو فاسد كما هو واضح ، فتعين الأول ، وهو يقضي بكون النقاء المتخلل طهرا ، وإلا لزم ان يكون أكثر الحيض أزيد من عشرة ـ في غاية الضعف ، لما فيه من تقييد إطلاق الأخبار (١) الصحيحة التي كادت تكون كالنص المعتضدة بإطلاقات الإجماعات التي هي كذلك ، بل بصريح كلام الأصحاب فيما يأتي ان شاء الله تعالى ، لحكمهم فيمن رأت ثلاثة أيام دما فانقطع ثم رأت العاشر أو قبله يوما ونظائره بحيضية الجميع ، بل حكى الشيخ في الخلاف الإجماع فيما لو رأت دما ثلاثة أيام وبعد ذلك يوما وليلة نقاء ، ويوما دما الى تمام العشرة على حيضية الجميع النقاء والدم ، مع التصريح في المرسل بكون مبدأ العد من أول رؤية الدم في بعض الصور مع عدم الشاهد المعتبر له على هذا التصرف.

وما في مرسل أبي المعزى العجلي (٢) من ظهور ذلك لا يلتفت اليه ، لفقده شرائط الحجية ، ثم انه كيف ساغ له الاقدام على تخصيص هذه القاعدة ولم يسغ له الاقدام على نقض قاعدة أكثرية الحيض حتى جعل لزوم بطلانها شاهدا له على ما ادعاه ، مع ان منشأهما واحد ، فالأولى ارتكاب التصرف في هذه الأخبار إما باختلاف مبدأ العشرتين أو يكون المبدأ فيها أول الدم والحكم بحيضية ما أمكن منها لا الزائد على العشرة ، كما يظهر من المرسل أو نحو ذلك ، وقد تقدم لك جملة من الكلام سابقا في صحيح يونس المتقدم في مسألة أقل الطهر ، فظهر لك من ذلك كله ان الأقوى ما ذكرنا من اشتراط التوالي وان القول بالعدم ضعيف ، كالقول المحكي عن الراوندي بالتفصيل بين الحامل فالثاني ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١ و ( المعزى ) بالقصر وقيل بالمد.

١٥٦

وغيرها فالأول ، ولعله للجمع بين خبر يونس والأدلة بحمل المتقدم على الحامل ، لخبر إسحاق بن عمار (١) انه « سأل الصادق عليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : ان كان دما عبيطا فلا تصل ذينك اليومين ، وان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » وهو كما ترى.

ثم انه بناء على المختار فهل يراد بالتوالي استمرار الدم ولو في باطن الرحم بحيث كل ما وضعت الكرسف تلوث كما هو ظاهر الكافي والغنية والسرائر وصريح جامع المقاصد وعن المحرر لابن فهد ، وقواه في الرياض ، وقد يظهر من الجامع نفي الخلاف فيه ، قال : لو رأت يومين ونصفا وانقطع لم يكن حيضا لأنه لم يستمر بلا خلاف من أصحابنا ، كما يظهر من المبسوط والمنتهى انه لا إشكال فيه بناء على الاشتراط ، ولعل الأمر فيه كما ذكرا ، لظهور عباراتهم فيه ، كالنصوص الدالة على ان أقل الحيض ثلاثة أيام ، إذ هو المتبادر من ذكر الظرف مجردا عن حروف الجر ، أو يكفي وجوده في كل يوم آنا ما كما نسب الى ظاهر الأكثر ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين متمسكا بصدق رؤيته ثلاثة أيام لأنها ظرف له ، ولا يجب المطابقة بين الظرف والمظروف ، ولعله بهذا الاعتبار نسبه الى ظاهر الأكثر ، ويؤيده ما عن التذكرة والنهاية من ان لخروج الدم فترات معهودة لا تخل بالاستمرار ، مع نقل الإجماع في الأول عليه ، أو انه يشترط رؤيته في أول الأول وآخر الثالث وأي وقت من الثاني ، كما عن السيد حسن ابن السيد جعفر معاصر الشهيد الثاني ، وربما مال إليه البهائي في حبله؟ ولا ريب ان الأقوى الأول ، لكثير من الأصول والقواعد والعمومات المتقدمة سابقا ، مضافا الى ما سمعته هنا ، ومنه تعرف ما في نسبة الثاني إلى الأكثر والاستدلال عليه بظاهر النصوص ، ولذا قال في جامع المقاصد : « ان المتبادر إلى الأفهام من كون الدم ثلاثة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٦.

١٥٧

أيام حصوله فيها على الاتصال بحيث متى وضعت الكرسف تلوث به ، وقد يوجد في بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة ، وهو رجوع الى ما ليس له مرجع » انتهى. وهو جيد جدا ، ويؤيده ـ مضافا الى ما تقدم وإلى ما قد يدعى انه الغالب في النساء ـ انه لو اكتفي بذلك لم يصدق ان أقل الحيض ثلاثة بل يوم وساعتين مثلا ، ولعل هذا منشأ القول الثالث ، فإنه به تكون جميع الثلاثة حيضا وان لم يحصل الاستمرار ، لكنه في غاية الضعف ، بل قد يدعى الإجماع على خلافه ، ولا ينافي المختار ما سمعته عن التذكرة والنهاية من فترات الدم ، إذ لعل الظاهر بقرينة الإجماع عدم الخروج خارجا لا عدم بقاء شي‌ء حتى في باطن الرحم ، ويمكن دعوى اشتراط ما ذكرنا حتى على القول بعدم اشتراط التوالي ، إذ الاكتفاء بكونها في جملة العشرة لا ينافي ذلك ، كما ان ما فرعه في المبسوط وغيره ـ من جريان التلفيق عندهم فيما لو رأت ساعة طهرا وساعة دما وهكذا الى تمام العشرة ـ لا ينافيه أيضا ، بل يؤكده ، إذ حاصله تلفيق ثلاثة أيام كاملة من المجموع ، وان كان المتبادر من ثلاثة أيام في ضمن العشرة خلاف هذا التلفيق ، فكان الأقوى عدمه بناء عليه ، نعم لا يبعد جريان التلفيق الذي يعده أهل العرف كالحقيقي حتى على المختار ، كأن يكون قد جاءها الدم عند الظهر وانقطع في الثالث عنده ونحو ذلك ، ومنه تعرف انه لا وجه للتلفيق بالمخالف كتلفيق النهار بالليل لعدم مساعدة العرف له ، بل قد عرفت سابقا الاشكال فيما ذكرناه من التلفيق ، فلاحظ وتأمل.

ثم الظاهر انه لا عبرة بالليلة الأولى والثالثة في صدق الثلاثة ، كما في سائر مقامات التحديد بنحو ذلك في أكثر الحيض وأقل الطهر والاعتكاف والإقامة ونحوها ، واختاره جماعة من متأخري المتأخرين ، ولعل ما في المنتهى والتذكرة من ان الأقل ثلاثة أيام بلياليها ، بل في الثاني انه لا خلاف فيه بين فقهاء أهل البيت (ع) ليس خلافا فيما‌

١٥٨

نحن فيه وان حكاه بعضهم عنهما هنا ، وإلا للزم ان يكون أقل الحيض أربعة أيام وثلاثة ليالي لو فرض رؤيتها الدم صبح يوم الخميس ، لعدم صدق الأيام بلياليها بدون ذلك ، لأن المفروض كون ليلة الخميس بياضا ، أو يجعل يوم الخميس ليلته ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ليلته ليلة السبت ، ويوم السبت ليلته ليلة الأحد ، وهما معا كما ترى ، بل مراده ان الأقل ثلاثة أيام مبدؤها صبح يوم الخميس مثلا ، ولياليها ليس إلا الليلتين المتوسطتين في مقابلة ما نقله من خلاف العامة العمياء ، كأحد قولي الشافعي ان أقله يوم وليلة ، وعلى ذلك يحمل نفي الخلاف في كلامه ، وكذا يحمل ما في جامع المقاصد والروض من ان الليالي معتبرة في الأيام إما لكونها داخلة في مسمى اليوم ، أو للتغليب على إرادة المتوسطتين كالمنقول عن ابن الجنيد ، ولا يلزم من ذلك نفي حقيقة اليوم الذي هو لغة وعرفا من الصبح الى الغروب ، ويشهد له قوله تعالى (١) ( سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ ) فلو سلم إرادة ما شمل الليل منه في المتوسطات في الإقامة والاعتكاف وأقل الحيض والطهر وغير ذلك للقرينة ونحوها لا يقتضي تغير حقيقته في غيرها ، ضرورة معلومية عدم اطراد المجاز ، كما هو واضح. فيرتفع الخلاف من البين ، ومن ملاحظة ما ذكرنا سيما نفي الخلاف الذي في التذكرة مع العرف يظهر انه لا ينبغي التوقف في دخول الليلتين المتوسطتين كما في نظائره ، فما عساه يظهر من بعض مشايخنا من التوقف في ذلك في غير محله ، وكأنه لصدق حقيقة اللفظ إلا انه كما ترى.

ثم الذي يظهر من تتبع كلمات الأصحاب وفحاويهم وان لم ينصوا عليه بالخصوص مع جملة من الأصول السابقة ان المراد بالثلاثة المتوالية في كلامهم انما هي أول الحيض ، فلا يكفي وجودها في ضمن العشرة في تحيض ما تقدمها من الدم وان قل ، كأن يكون رأت ساعة دما من اليوم الأول ثم رأت السابع والثامن والتاسع فيحكم بحيضية الجميع‌

__________________

(١) سورة الحاقة ـ الآية ٧.

١٥٩

لذلك ، كلا وان تخيله بعض المحصلين من المعاصرين ، وأعجب منه التمسك له بقاعدة الإمكان ، وهي ان سلمت لا تجري في غير معلوم الإمكانية سيما بعد ملاحظة كلام الأصحاب ، بل كاد يكون كالصريح من بعضهم ، فإنه لا إشكال عندهم بناء على اشتراط التوالي في انه متى انقطع الدم لأقل من ثلاثة قطعت انه ليس بحيض كما نص عليه في المبسوط وغيره ، ولعله نشأ الاشتباه مما في كشف اللثام من الإجماع على ان أقل الحيض ثلاثة أيام متواليات ، ومن المعلوم ان ذلك منه مبني على حيضية الأيام المتخللة عند القائلين بعدم اعتبار التوالي ، ضرورة كون الفرض عندهم من أكثر الحيض لا من أقله الذي هو بمعنى ان الامرأة لم تر غيره أصلا ، فإنه لا بد ان يكون ثلاثة قطعا ، ضرورة عدم حيضية الأقل منه ، ومن ذلك تعرف ما في استدلال سيد المدارك على اعتبار التوالي بدعوى التبادر من‌ قوله عليه‌السلام (١) : ( أدنى الحيض ثلاثة ) ضرورة عدم الخلاف في اعتباره في الأقل بالمعنى المزبور ، بل هو عندهم من المستحيل لا انه من المتبادر ، نعم بناء على ان الأيام المتخللة بين الثلاثة في ضمن العشرة طهر عند القائلين بعدم اعتبار التوالي كما سمعت ترجيحه من بعضهم ، بل لعله ظاهر المرسل الذي هو مستندهم يتجه الاستدلال بتبادر التوالي من الإطلاقات في غيره ، فيقع التعارض بينه حينئذ وبينها ، على انه مناف لقاعدة أقل الطهر عشرة المصرح بها في المرسل ، بل وللإجماع على حيضية النقاء المتخلل بين الثلاثة وما بقي من العشرة لو انقطع عليها ، اللهم إلا ان يلتزموا اختصاص أقلية الطهر بين الحيضتين لا الحيضة الواحدة التي هي مجموع الثلاثة ، واختصاص حيضية النقاء المتخلل بين الثلاثة وما بقي من العشرة لا الثلاثة نفسها ، إلا ان الجميع كما ترى مناف لظاهر الأدلة فتأمل.

( وما تراه المرأة ) من الدم بأي لون كان ( بعد يأسها ) وانقطاع رجائها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ١٠.

١٦٠