جواهر الكلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الضعيف ، هذا. وفي المرفوعة السابقة التعبير بمساقط الثمار ، وهو يفسر التحت الواقع في النص والفتوى لكن يحتمل الرجوع فيه إلى العرف.

ومواطن النزال أي المواضع المعدة لنزول القوافل والمترددين ، وعبر جماعة من الأصحاب بفي‌ء النزال ، وفسر بموضع الظل المعد لنزول القوافل والمترددين ، كموضع ظل جبل أو شجرة ونحوهما ، ويوافق الأول‌ قول الكاظم عليه‌السلام لما سأله أبو حنيفة أين يضع الغريب ببلدكم ، فقال : « اجتنب أفنية المساجد ، إلى أن قال : ومنازل النزال » كما أنه يوافق الثاني‌ خبر إبراهيم بن أبي زياد الكرخي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاث من فعلهن ملعون المتغوط في ظل النزال ، والمانع الماء المنتاب ، وساد الطريق المسلوك » لكنك خبير أنه لا تعارض بينهما ، فلعل تعبير المصنف أولى ، لكونه أعم ، بل يمكن أن يرجع إليه الثاني على أن يراد بالفي‌ء الرجوع من فاء إذا رجع ، نظرا إلى أنهم يرجعون في النزول إليه ، لكنه بعيد ، أو يقال : انه عبر به لأن الغالب فيها أن تكون ذوات أظلال ، والغالب نزولهم بها بعد العصر ، نعم يحتمل قويا شدة الكراهة في الفي‌ء ، بل ظاهر الخبرين التحريم في غيره ، كما عن ظاهر الهداية والمقنعة وعن النهاية والفقيه ، لكن لما كانا قاصرين عن إفادته سندا ودلالة مع تصريح المشهور بالكراهة مضافا إلى الأصل كان تنزيلهما عليها هو المتجه ، بل تحمل إرادتها لأولئك أيضا وإن قالوا لا يجوز ، لكن التعبير به عنها معروف في عبارات مثلهم.

ومواضع اللعن كما هو المشهور ، بل لعله لا خلاف فيه مما عدا الكتب المتقدمة ، بل قد عرفت إمكان إرادة الكراهة منها أيضا ، فمن هنا اتجه حمل‌ قول علي بن الحسين عليه‌السلام في صحيح عاصم بن حميد (٢) عن الصادق عليه‌السلام عليها ، بعد أن قال له رجل : أين يتوضأ الغرباء « تتقي شطوط الأنهار ، إلى أن قال : ومواضع اللعن ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

٦١

فقيل له : وأين مواضع اللعن ، فقال : أبواب الدور » على انه محتمل لأن لا يكون أمرا ، بل هو إخبار عن فعل الغرباء ، فلا يكون فيه دلالة على الحرمة ، فإن قلت : ان الأصحاب حكموا فيما نحن فيه وفيما تقدم بالكراهة مع أن الوارد فيها الأمر ، وحمله على الكراهة إما ممتنع ولو مجازا ، أو أنه لا يقدم على الندب ، لكونه مجازا شائعا ، قلت : الظاهر أن الأمر الموجود فيهما معناه نهي. لقوله في الأول اجتنب ، وفي الثاني تتقي ، والمراد بمواضع اللعن أبواب الدور كما سمعته ، لكن في جامع المقاصد وعن الذكرى قيل انه مجتمع النادي لتعرضه للعنهم ، قلت : ويمكن جعل ذلك في الخبر من باب المثال ، والمراد كل موضع يلعن فيه المحدث ، ولعله يشعر به جمع المواضع ، فيستدل به حينئذ على غير المقام ، والظاهر إرادة اللعن من المترددين لا من الله والملائكة وإلا لاقتضى ذلك التحريم مع احتماله ، ولا يلزم التحريم ، للحمل على ضرب من المجاز كما ورد اللعن في كثير من المكروهات.

واستقبال قرص الشمس وقرص القمر بفرجه لا جهتهما كما في القبلة ، لأنه مجاز لا يرتكب بدون قرينة ، والحكم بالكراهة هو المشهور بين الأصحاب بل لا أعلم فيه خلافا بين المتأخرين ، ويدل عليه‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (ع) قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » وخبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به » وعن الصدوق (٣) في الفقيه أنه قال : وفي خبر آخر « لا تستقبل الهلال ولا تستدبره يعني في التخلي » وعن الكافي قال : وروي (٤) أيضا « لا تستقبل الشمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٥.

٦٢

ولا القمر » وخبر المناهي (١) المروي عن الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وفيه « نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر » والأخبار وإن كان ظاهرها التحريم للنهي مادة وصيغة ، لكن قصور أسانيد كثير منها ـ بل ليس فيها إلا حسنة الكاهلي وإعراض المشهور عنها شهرة كادت تكون إجماعا ، وكونه كعام البلوى مع خلو الأخبار الأخر سيما المسؤول فيها عن حد الغائط فأجاب لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولم يذكر الشمس والقمر ، بل اشتمل خبر الكاظم منها على قوله وارفع ثوبك وضع حيث شئت ، بل ظاهر إجماع الغنية على أنه يستحب ان لا يستقبل الشمس والقمر ـ يمنع من الحكم بالحرمة ، فما يظهر من المفيد والصدوق في الهداية من التحريم ضعيف ، مع أن عبارتهما غير صريحة بذلك ، إذ لعله مرادهما بعدم الجواز الكراهة ، بل عبارة الهداية لم يتعرض فيها للشمس ، على انهما عبرا بعدم الجواز فيما يبعد قولهما فيه بالتحريم مثل الريح ونحوها ، بل لعل عبارة الهداية على نسق الروايات ، وأما ما يظهر من سلار ـ من النهي من استقبال الشمس والقمر بفرجه في حال البول وانه قال عند ذكر الغائط : وقد قيل انه لا يستدبر الشمس ولا القمر ولا يستقبلهما فالظاهر عدم إرادته الحرمة ، لتصريحه في أول العبارة بإرادة الندب.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في الكراهة ، نعم ظاهر عبارة المصنف الاقتصار على الاستقبال ، كما هو ظاهر بدو الفرج والاستقبال به في الأخبار ، بل عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع على عدم كراهة الاستدبار ، لكن قد سمعت أن المرسل تضمن النهي عن الاستدبار بالنسبة للهلال ، بل عن الهداية انه قال : « لا يجوز الاستدبار بالنسبة للهلال » وعن الذكرى احتمال الكراهة للمساواة في الاحترام ، لكن لا يبعد عدم الكراهة ، للأصل وما سمعته من الإجماع ، بل قد يقال : انه مقتضى مفهوم الأخبار المتقدمة ، بل قد يرشد إلى ارتفاعها أيضا ارتفاعها لو ستر الفرج بثوب أو كف أو نحو ذلك من الحجب السماوي وغيره كالسحاب ونحوه ، كما صرح به بعضهم ، للخروج به عن البدو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٤.

٦٣

والاستقبال لهما ، فكيف لو استدبرهما ، مع ما فيه من العسر في بعض الأوقات ، لمكان حرمة استقبال القبلة واستدبارها وكراهة استقبال الشمس واستدبارها ، بل بعضهم أوجب التشريق والتغريب للأمر بهما وإن حمله آخرون على الاستحباب فتأمل جيدا.

ثم أن ظاهر الأخبار المذكورة عدا المرسلين المتقدمين اختصاص الحكم بالبول ، كظاهر المنقول عن الأكثر ، ولعله لقولهم وفرجه باد للشمس والقمر ، لكن عن الشهيد في الذكرى أنه قال : والغائط محمول عليه ، وربما روي بفرجه وهو يشملهما ، قلت : الظاهر ان الفرج هنا بمعنى القبل ، لأنه هو الذي يستقبل به الشمس والقمر ويتحقق به البدو لا الدبر ، فلو استدل بالمرسلين المتقدمين لكان أحسن ، لاطلاقهما ، لكن في كشف اللثام انهما منزلان على المقيد ، وفيه أنه لا تعارض بينهما يوجب ذلك ، نعم قد يقال : ان الكليني والفقيه أرسلا نقلا بالمعنى ، ومقصودهما في تلك الأخبار الناهية عن البول والفرج باد للشمس والقمر ، فلعل القول بعدم الكراهة للأصل لا يخلو من قوة وإن كان الحكم بها أقوى ، للتسامح فيها ، فتأمل. بل يمكن إلحاق الغائط بالبول استقبالا واستدبارا به لذلك أيضا ، على أن يكون معنى الاستقبال به استدبار الشخص والاستدبار بالعكس وإن كان لا يخلو من تأمل أو منع.

ثم الظاهر من الحالية في الأخبار أخذ القيدين معا ، وهما البول من الفرج مع بدوه ، فمن بال من غير فرجه ولو معتادا ، أو بدئ فرجه من غير بول فلا كراهة فيهما. ومن هنا يقوى عدم جريان الحكم على مثل الممسوح والمجبوب ونحوهما لعدم الفرج ، نعم الظاهر اشتراك الحكم المذكور بين الرجال والنساء ، كما هو مقتضى القاعدة وإن كان ظاهر الأخبار الأول ، وأما الخنثى المشكل فالأصل عدم تحقق الكراهة بالنسبة إلى كل من فرجيه ، لعدم العلم بكونه فرجا ، كما أن مقتضى التقييد المذكور أيضا تخصيص الكراهة في حال البول لا في حال الجلوس أو الدخول ، فما ينقل عن ظاهر الهداية من‌

٦٤

كراهة الجلوس للبول الى آخره لعل مراده ما ذكرنا لمكان الغالب وإلا فهو ضعيف ، والظاهر شمول الحكم للكسوف والخسوف وعدمهما ، بل يحتمل شمول الحكم للقمر في النهار للصدق ، كما أن الظاهر شموله للهلال ، لما سمعته من المرسل ، وهل الحكم دائر على الاستقبال بالفرج في حال البول أو على البدن وللشمس والقمر في حاله وإن لم يكن معه استقبال؟ لا يبعد الأول ، لظاهر قوله يستقبل به ، ويحمل عليه غيره ، فتأمل.

واستقبال الريح بالبول للخبر المروي (١) عن‌ الخصال عن علي عليه‌السلام « ولا يستقبل ببوله الريح » وبالنهي عن استقبال الريح بالبول عبر المبسوط كما عن المقنعة والنهاية والمهذب والوسيلة والمراسم والكافي والسرائر ، والظاهر أن مرادهم بذلك الكراهة ، كما صرح بها في النافع والمنتهى والتذكرة والتحرير والإرشاد والقواعد ، بل عن الغنية يستحب أن يتقى بالبول الأرض الصلبة وجحرة الحيوان واستقبال الريح ، وذكر غير ذلك ، إلى أن قال : كل ذلك بدليل الإجماع ، وهو وإن ذكر لفظ الاستحباب والأصحاب ذكروا الكراهة إلا أنه مشترك معهم في عدم الحرمة ، بل لعله لا منافاة بينه وبينهم ، بناء على أن ترك المكروه مستحب.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم الحرمة ، للأصل ، مع قصور الروايات عن إفادتها من وجوه ، مع ما سمعت من دعوى الإجماع ، بل لعله كذلك ، فما ينقل عن ظاهر الصدوق في الفقيه والمقنع من الوجوب ضعيف مع احتمال إرادته الكراهة أيضا ، فتأمل.

لكن الذي يظهر من الأصحاب قصر الحكم على الاستقبال بالبول دون الغائط ودون الاستدبار ، والموجود في الأخبار ، خلاف ذلك ( منها ) ما رواه (٢) المشايخ الثلاثة كما قيل عن محمد بن يحيى بإسناده رفعه قال : « سئل أبو الحسن عليه‌السلام ما حد الغائط؟ قال : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها » ( ومنها ) مرفوعة (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٦.

٦٥

عبد الحميد بن أبي العلاء قال : « سئل الحسن بن علي عليهما‌السلام ما حد الغائط؟ قال : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها » وهما كما ترى قد تضمنا حكم الاستدبار مع حكم الغائط ، والقول بأنهما لم يدلا على حكم الاستدبار بالنسبة للبول يدفعه ظهور أن المراد بحد الغائط التخلي ، كالقول انما كره الاستقبال بالغائط من جهة ان الغالب حصول البول حال الغائط ، فتحقق الكراهة بالنسبة للبول : وإلا لو فرضنا غائطا لا بول معه فلا كراهة ، كما يؤيده تحقق سبب الكراهة في استقبال الريح بالبول دون الغائط ، وهو خوف الرد ونجاسة الثوب والبدن ، إذ هو اجتهاد بحت في مقابلة النص ، مع عدم إشارة إلى هذا التعليل في الأخبار ، نعم نقل عن‌ علل محمد بن علي بن إبراهيم ابن هاشم (١) « ولا يستقبل الريح لعلتين ، أحدهما ان الريح ترد البول فيصيب الثوب ولم يعلم ذلك ، إلى ان قال : والعلة الثانية ان مع الريح ملكا ، فلا يستقبل بالعورة » انتهى. وهو مع ذكره للعلة الثانية مراده بالتعليل الحكمة ، فقد يكون حينئذ يكره التغوط مطلقا ، لأن الغالب ان يكون معه بول ، فيرد على الثوب ونحوه ، فلا ريب ان الأقوى كراهة استقبال الريح مطلقا ، ولذا لم يقيده به في اللمعة ، بل قال : واستقبال الريح ، بل الأولى كراهة الاستدبار أيضا فيهما كما صرح به في الروضة ، بل ربما كان ظاهر غيرها أيضا عملا بما سمعته من الأخبار السالمة عن المعارض ، وما ذكرناه من رواية الخصال لا تقتضي التقييد ، ولو لم يكن الحكم مكروها لكان متابعة الأصحاب لازمة ، لأن الظاهر منهم الاعراض عن ظاهر الخبرين المتقدمين ، مع أنه لا يخلو كلامهم من وجه أيضا ، فتأمل.

والبول دون غيره في الأرض الصلبة وما في معناها مما ينافي الأمر بالتوقي من البول الموجود في عدة من الأخبار ، خصوصا ما عن‌ الصادق‌

__________________

(١) البحار ـ المجلد ـ ١٨ ـ باب آداب الخلاء ص ٤٦ من طبعة الكمباني.

٦٦

عليه‌السلام (١) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فقه الرجل ان يرتاد موضعا لبوله » بل‌ عنه (ع) أيضا (٢) قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد الناس توقيا عن البول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير ، كراهية ان ينضح عليه البول » وعنه عليه‌السلام أيضا (٣) انه قال لزرارة : « لا تستحقرن بالبول ولا تتهاونن به » إلى غير ذلك ، بل ربما يشعر به بعض ما تقدم في الريح ، نعم يظهر من بعضهم عدم جعله من المكروهات ، بل جعل ارتياد موضع للبول من المستحبات ، والأولى الجمع بينهما ، للتسامح بكل منهما.

وفي ثقوب الحيوان بلا خلاف أجده فيه إلا ما ينقل عن ظاهر الهداية ، لقوله لا يجوز مع احتماله ما عرفته غير مرة ، لما‌ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « أنه نهى ان يبال في الحجر » المؤيد بما رواه‌ الجمهور عن عبد الله بن سرجين (٥) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى ان يبال في الجحر » وقد وقع في كلام بعض أصحابنا التعليل بخوف الأذية من الحيوان ، كما اتفق لسعد بن عبادة بال في جحر بالشام فاستلقى ميتا ، فسمعت الجن تنوح عليه بالمدينة ، وتقول :

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده

وكأنهم تبعوا بذلك ما وجدوه في كتب بعض العامة ، وإلا فهذه الحكاية من المشهور عند علماء الشيعة كذبها ، بل عن ابن أبي الحديد التصريح بأنها موضوعة ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ـ ١ ـ ولكن رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٤) ما وجدناه في كتب الأخبار.

(٥) سنن البيهقي ـ ج ١ ص ٩٩.

٦٧

القائل ليس من الجن ، والثابت (١) في طرق الشيعة « ان سعدا لما أبى عن البيعة خرج من المدينة إلى الشام ، وكان سعد سيد الخزرج ممن يخاف منه ، فاحتال فلان على قتله ، فأرسل إلى فلان فرموه بسهم غيلة وخفية ، ووضعوا هذه الحكاية حتى يطل دمه ولا ينفتق أمر آخر » نعم قد يستأنس بهذه الحكاية لكون البول في ثقوب الحيوان كان معروفا في ذلك الزمان انه مظنة للأذية ، ولذا احتالوا به.

وفي الماء جاريا وراكدا كما صرح به كثير من الأصحاب ، ويدل عليه جملة من الأخبار ، ( منها ) ما دل (٢) على النهي عن البول في الماء غير مقيد له بأحدهما ( ومنها ) ما دل (٣) على النهي عنه في الماء النقيع والماء الراكد وهي كثيرة ، ( ومنها ) ما دل (٤) على النهي عن البول في الماء الجاري ، ولكن في جملة من الأخبار نفي البأس عنه في الجاري ، كخبر الفضيل (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الراكد » وخبر عيينة بن مصعب (٦) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يبول في الماء الجاري؟ قال : لا بأس به إذا كان الماء جاريا » وخبر سماعة (٧) قال : سألته « عن الماء الجاري يبال فيه؟ قال : لا بأس به » وخبر ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام (٨) قال : « لا بأس بالبول في الماء الجاري » وما يقال أنه لا تنافي بين هذه ، لأن الجواز لا ينافي الكراهة فيه أن المنافاة ظاهرة في صحيح الفضيل المتقدم ، نعم هو محتمل بالنسبة إلى غيره ،

__________________

(١) البحار ـ المجلد ـ ٨ ـ باب غصب الخلافة ص ٣٧ و ٧٠ من طبعة الكمباني.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣ و ٥ و ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٢ ـ ولكن رواه في الوسائل عن عنبسة عن الصادق عليه‌السلام.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٣.

٦٨

وربما حمل نفي البأس فيها على خفة الكراهة دون الراكد ، وكأن منشأه أنه مجرد جمع بين الأخبار ، وان الكراهة مما يتسامح فيها ، وإلا فلا شاهد على ذلك ، ولا ينتقل اليه من اللفظ ، وربما احتمل حمل نفي البأس فيها على عدم حصول النجاسة أو الاستقذار وهو كسابقه ، على أن خبر الفضيل ظاهر في خلاف ذلك ، بل الذي يؤدي به هذا المعنى عدم البأس عن الماء لا عن البول في الماء ، فلذا نقل عن بعض القدماء انه قال : لا بأس به في الجاري ، وعن الهداية والمقنعة أنه لا يجوز في الراكد ، ولعل مرادهما شدة الكراهة ، لقصور الأخبار عن إفادة التحريم ، مع اشتمال الصحيح على لفظ الكراهة ، وإشعار التعليل (١) الوارد في جملة منها بان للماء أهلا به ، فان فعل فأصابه شي‌ء فلا يلومن إلا نفسه ، وان منه (٢) يكون ذهاب العقل ، وعن الفقيه أنه قال : وروي (٣) « أنه يورث النسيان » وعن شرح الإرشاد « أنه يورث الحصر » وكالتعليل الأول ورد (٤) في النهي عن البول في الجاري أيضا ، فيمكن أن يقال ان المنفي عنه البأس من الجاري السائل ، والمنهي عنه الجاري الراكد أي ماله مادة وإن كان بعيدا جدا ، وعن النهاية إنه بالليل أشد لما قيل من ان الماء بالليل للجن ، فلا يبال فيه ولا يغتسل ، حذرا من إصابة آفة ، انتهى ، وقد عرفت أن الاخبار دلت على ان له أهلا مطلقا ، وكذا مخافة إصابة الآفة ، وأنت خبير أن ظواهر الأخبار اختصاص الحكم بالبول ، ومن هنا اقتصر عليه المصنف كالعلامة ، وعن الأكثر إلحاق الغائط ، ولعله للتعليل ، قيل ولأنه أولى ، وفي جامع المقاصد أنه لا يبعد أن يقال : ان الماء المعد في بيوت الخلاء لأخذ النجاسات واكتنافها كما يوجد في الشامات وما جرى مجراها من البلاد الكثيرة المياه لا يكره قضاء الحاجة فيه ، وفيه أن ذلك لا يصلح لأن يكون مقيدا لتلك الأدلة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٥.

٦٩

ما لم يدخل تحت الضرورة المستثناة في بعض الأخبار الناهية (١) عن البول في الماء الجاري والأكل والشرب حال التخلي كما في المهذب والمنتهى وعن المصباح ومختصره ونهاية الأحكام ، أو مطلقا كما هو ظاهر غيرها ، ولعله أولى ، للتسامح فيها ، ولتضمنه مهارة النفس ، وفحوى خبر اللقمة المنقول (٢) عن الباقر والحسين عليهما‌السلام.

والسواك كما في الوسيلة والنافع واللمعة والذكرى ، ولعل مرادهم حال التخلي كما هو ظاهر المبسوط والمهذب والمراسم والمعتبر والمنتهى والقواعد والروضة ، للمرسل في الفقيه (٣) عن الكاظم عليه‌السلام « السواك على الخلاء يورث البخر » وربما احتمل إرادة بيت الخلاء ، قيل لما رواه الشيخ (٤) بدل ( على ) ( في ) والمراد بالسواك الاستياك ، وفي المقنعة لا يجوز ، وهو ضعيف إلا ان يريد الكراهة.

والاستنجاء باليمين بلا خلاف أجده فيه سوى ما في المقنعة والمهذب وعن النهاية من أنه لا يجوز ، وهو ضعيف ، لعدم ما يصلح لها من‌ المرسل عن الصادق عليه‌السلام (٥) « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يستنجي الرجل بيمينه » وخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام (٦) « الاستنجاء باليمين من الجفاء » ونحوه غيره ، وهما لا يصلحان لغير الكراهة سيما مع فتوى الأصحاب ، لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكن في اليسار علة ، للمروي (٧) مرسلا في الفقيه والكافي من التقييد بذلك ، وفي الفقيه قال أبو جعفر عليه‌السلام (٨) : « إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه » ومنه يستفاد كراهة الاستبراء بها ، وظاهر النص والفتوى دخول الاستجمار.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣ و ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٦.

٧٠

وكذا يكره الاستنجاء ولو استجمارا باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله كما في المبسوط والمهذب والوسيلة والمراسم والنافع والتذكرة والقواعد والتحرير والذكرى والدروس والبيان وغيرها ، للتعظيم ، وقول الصادق عليه‌السلام (١) في خبر الساباطي : « لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله » الحديث. المتمم بعدم القائل بالفصل بين الجنب وغيره ، وخبر أبي أيوب (٢) قلت لأبي عبد الله (ع) : « أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله ، قال : لا ، ولا تجامع فيه » وخبر أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (٣) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من نقش على خاتمه اسم الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضإ » وخبر الحسين بن خالد (٤) قال : قلت لأبي الحسن الثاني عليه‌السلام : « انا روينا في الحديث ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستنجي وخاتمه في إصبعه وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان نقش خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمد رسول الله ، قال : صدقوا قلت : فينبغي لنا أن نفعل ، فقال : ان أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى ، وانكم تتختمون في اليسرى » ونحوه غيره ، وخبر معاوية بن عمار (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : « الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، فقال : ما أحب ذلك ، قال : فيكون اسم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا بأس » وأما ما في‌ خبر وهب بن وهب (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان نقش خاتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العزة لله جميعا وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه‌السلام الملك لله وكان في يده اليسرى يستنجي بها » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٨ وفيه « أبى » بدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

٧١

فالأولى حمله على التقية ، مع أن رواية معروف بالكذب على آل الرسول ، وقد يستفاد من بعض ما تقدم من الأخبار كراهية إدخاله بيت الخلاء كما هو مقتضى بعض عبارات الأصحاب ، لكنه معارض بما يظهر من البعض الآخر (١) الدال على فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام ولعل الظاهر من خبر أبي أيوب إلحاق باقي أسماء الله مختصها ومشتركها بعد القصد ، وهو الظاهر من المقنعة والمبسوط والمهذب والمراسم والقواعد والتحرير والتذكرة ، ولا بأس به لمناسبة التعظيم ، وفيها أيضا مع غيرها من الذكرى والدروس والبيان وروض الجنان إلحاق أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وفي جامع المقاصد زيادة اسم فاطمة عليها‌السلام وهو الظاهر من الوسيلة ، ولعل ما في خبر معاوية المتقدم من نفي البأس يراد به إدخاله الخلاء دون الاستنجاء كما قاله الشيخ ، أو يحمل على إرادة عدم قصد اسم النبي وإن وافقه في اللفظ ، فان الظاهر عدم الكراهة فيه على إشكال ، وقد يحمل عليه أيضا ما عن المقنع من نفي البأس كالخبر ، ولضعف ما تقدم من الروايات مع إعراض الأصحاب عنها عن ثبوت الحرمة كان القول بها وإن ظهر من بعض المتقدمين ذلك مع احتماله إرادة الكراهة ضعيفا.

ثم انه صرح بعض الأصحاب بتقييد الكراهة بما إذا لم يستلزم تلويثا في النجاسة ، وإلا فيحرم ، بل قد يصل إلى حد الكفر مع قصد الإهانة والاستحقار وإن تأمل في الحرمة بعض المتأخرين ، لكنه في غير محله بالنسبة إلى لفظ الجلالة ، وألحق في المبسوط والمهذب والتحرير والقواعد والذكرى وغيرها بالمكروه السابق كراهة الاستنجاء باليسار وفيها خاتم فضة من حجر زمزم ، ولعله‌ للمضمر (٢) قلت له : « ما تقول : في الفص تتخذ من أحجار زمزم ، قال : لا بأس به ، لكن إذا أراد الاستنجاء نزعه » قيل وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

٧٢

بعض النسخ ( الزمرد ) بدل ( زمزم ) بل عن الكاشاني نسبته إلى كثير من النسخ ويؤيده عدم تعارف الاتخاذ من ذلك ، بل أورد عليه ان إخراج الحصى من المسجد غير جائز ، لكن فتوى الجماعة تؤيد الأولى ، ويجاب عن الثاني بخروجه بالنص ، أو بان هذا الحكم مبني علي الوقوع دون الجواز ، أو بان المراد ما يؤخذ من البئر بقصد الإصلاح ، وهو مما يجوز إخراجه كالقمامة ، أو بان زمزم ليست بداخلة في المسجد ، أو بغير ذلك.

ويكره الكلام في حال التخلي غائطا أو بولا‌ للمرسل (١) « ان من تكلم على الخلاء لم تقض حاجته » وقول الصادق عليه‌السلام (٢) في خبر أبي بصير : « لا تتكلم على الخلاء ، فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة » وقوله (ع) أيضا في خبر عمر بن يزيد (٣) بعد أن سأله عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن : « لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي ويحمد الله وآية » ورواه في الفقيه بزيادة ( أو آية ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ) وقول‌ أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٤) في خبر صفوان : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط ، أو يكلمه حتى يفرغ » ولا منافاة بينه وبين ما تقدم ، إذ لا تخصيص فيه ، ولعله لا خلاف في الحكم بين الأصحاب ، لتصريح كثير من القدماء والمتأخرين به سوى ما يظهر من الفقيه ، حيث قال : لا يجوز ، لتصريح كثير من القدماء والمتأخرين به سوى ما يظهر من الفقيه ، حيث قال : لا يجوز ، ولعل مراده الكراهة ، نعم يستثنى منه عندهم بعد فرض شمول أدلة الكراهة له الكلام بذكر الله.

ولذا قال المصنف كغيره إلا بذكر الله لما في الأخبار الكثيرة من التعليل بحسن الذكر على كل حال ، لكن قيده بعضهم فيما بينه وبين نفسه ، ولعله‌ للمرسل (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة حديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

٧٣

« كان الصادق عليه‌السلام إذا دخل الخلاء يقنع رأسه ، ويقول في نفسه بسم الله وبالله » إلى آخره.

أو آية الكرسي كما صرح به كثير من المتأخرين ، لما سمعته من خبر عمر بن يزيد ، بل في خبر الحلبي (١) ما يدل على قراءة ما شاء من القرآن ، لكن لم أعثر على مفت به ، بل صرح بعضهم بكراهة ما عداها ، فقد يحمل الخبر على إرادة الجواز ، وفي الوسيلة تقييد قراءة آية الكرسي فيما بينه وبين نفسه ، قال : لأنه يفوت شرف فضلها ، ولم نقف على شاهد له.

أو حاجة يضر فوتها لانتفاء الحرج ، ومنه يعرف حسن التقييد بما إذا لم يمكن الإشارة والتصفيق ، وينبغي للمصنف استثناء الحمد بعد العطس ، لما في‌ خبر مسعدة ابن صدقة (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « كان أبي يقول إذا عطس أحدكم وهو على خلاء فليحمد الله في نفسه » ولعله لدخوله تحت الذكر ، ومنه يعرف انسحاب استحباب التسميت كما صرح به بعضهم ، بل ينبغي استثناء حكاية الأذان أيضا كما هو المشهور ، للأمر به في عدة من الروايات (٣) مضافا إلى العمومات الدالة على استحبابه (٤) مع عدم تبادره من الكلام المنهي عنه ، ولعل المصنف تركه اعتمادا على كونه ذكرا كما يظهر من تعليل بعضهم ، إلا أنه لا يخلو من تأمل بالنسبة للحيعلات ، اللهم إلا أن تبدل بالحولقة كما تعرف إن شاء الله تعالى في استحباب حكايته ، ويكره زيادة على ما ذكره المصنف تطميح الرجل ببوله من سطح أو مكان مرتفع لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ حديث ١ و ٣ و ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

٧٤

عن ذلك ، والبول قائما والتخلي على القبر أو بين القبور ، لما رواه‌ محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : « من تخلى على قبر أو بال قائما الى أن قال : فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله ، وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات » وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٢) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « ثلاثة يتخوف منها الجنون ـ وعد منها ـ التغوط بين القبور » وطول الجلوس على الخلاء لأنه كما روي (٣) يورث الناسور أو الباسور بالباء الموحدة ، واستصحاب الدرهم الأبيض غير مصرور لما رواه‌ غياث (٤) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « أنه كره ان يدخل الخلاء ومعه درهم أبيض إلا ان يكون مصرورا » وعن بعضهم تقييده بما إذا كان عليه اسم الله ، ولعله لمعروفية نقش ذلك في الزمان السابق. وإلا فالرواية مطلقة.

الفصل الثالث في كيفية الوضوء‌ وفروضه خمسة وفي النافع سبعة بإضافة الموالاة والترتيب ، ولعل غرض المصنف هنا بالفرض ما يستفاد من نص الكتاب ، فلذا جعلها خمسة ، بخلافه في النافع لكن قال الشهيد في الذكرى : انه يستفاد من نص الكتاب ثمانية ، السبعة المذكورة مع المباشرة بنفسه ، وفيه ما لا يخفى ، بل لا يخفى ما في الأول أيضا بالنسبة إلى الخمسة ، والأمر سهل.

الأول النية ، وهي لغة وعرفا إرادة تؤثر في وقوع الفعل ، وبها يكون الفعل فعل مختار ، وهو المراد ممن فسرها بالقصد على ما يظهر من ملاحظة كثير من كلمات الأصحاب وبعض كلمات أهل اللغة نعم ربما فسرت بالعزم في بعض عبارات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٧.

٧٥

الأصحاب والصحاح ، بل يستفاد من إطلاق كثير من الأخبار (١) كما لا يخفى على من لاحظ باب استحباب نية الخير والعزم عليه ، وباب كراهية نية الشر من كتاب وسائل الشيعة ، والمراد بالعزم الإرادة المتقدمة على الفعل سواء حصل قبلها تردد أولا ، فما ينقل عن المتكلمين من الفرق بينه وبين النية بذلك غير واضح الوجه ، كالفرق بين النية ومطلق الإرادة بالمقارنة وعدمها ، وحاصل ما نقل عنهم ان الإرادة إما أن تكون مسبوقة بتردد أولا ، فالأولى العزم ، والثانية إما ان تكون مقارنة أو لا ، فالأولى النية ، والثانية إرادة بقول مطلق ، وهو كما ترى. نعم لا يبعد دعوى اشتراك لفظ النية بين الإرادة المتقدمة التي تسمى بالعزم ، كما هو ظاهر ما عن الجوهري ، ويؤيده ملاحظة كثير من الاستعمالات ، وبين الإرادة المقارنة المؤثرة في وقوع الفعل ، مع احتمال دعوى الحقيقة في الثانية خاصة.

وكيف كان لا نعرف لها معنى جيدا شرعيا ، نعم ربما وقع في لسان بعض المتشرعة إطلاقها على الإرادة مع القربة ، بل هو مدار قولهم النية شرط في العبادات دون المعاملات ، ومنه اشتبه بعض متأخري المتأخرين ، فادعى أن لها معنى جديدا ، وهو واضح الفساد كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في معناها وإطلاقها واستعمالاتهم وغير ذلك ، فلا حاجة للإطالة ، نعم لما لم يكتفوا بمطلق القصد في صحة العبادة بل كان المعتبر قصدا خاصا على ما ستعرف جعلوا ذلك كله من متعلقات النية ، ولذا تراهم بعد ذكرها يذكرون كيفيتها ، فيشتبه على غير المتأمل أنه معناها عندهم ، وظهر لك مما تقدم من معنى النية انها من الأفعال القلبية التي ليس للنطق فيها مدخلية كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب ، منهم الشيخ في الخلاف والمصنف والعلامة والشهيدان وغيرهم ، ومن هنا اعترض على المصنف باستدراك قوله تفعل بالقلب بعد ذكره أنها إرادة ، وربما أجيب عنه أنه جي‌ء به لا خراج إرادة الله عن مسمى النية ، لمكان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ و ٧ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٧٦

كونها لا تفعل بالقلب ، فيقال : أراد الله ولا يقال : نوى الله ، بل في التنقيح لا يصدق على إرادة الله تعالى انها نية بالإجماع ، قلت : ولعله لخصوص لفظ النية دون نحو نوى ، وإلا فقد قال العلامة في المنتهى : انه يقال : نواك الله بخير أي قصدك ، وفي الصحاح نواك الله أي صحبك في سفرك وحفظك ، قال الشاعر :

يا عمر وأحسن نواك الله بالرشد

واقرأ سلاما على الذلفاء بالثمد

وفي القاموس نوى الله فلانا حفظه ، والأولى في الجواب ان يقال : انه ذكره المصنف للرد على بعض الشافعية حيث أوجبوا اللفظ ، وهو مع انه مجمع على بطلانه عندنا كما في كشف اللثام لا دليل عليه ، بل لا دليل على الاستحباب أيضا وإن ظهر من بعض الأصحاب.

وما يقال من التعليل : بان اللفظ أعون له على خلوص القصد ، أو انه زيادة مشقة فيستتبع الثواب فيه مالا يخفى ، بل أقصى ما يفيده الأول الاستحباب العارضي لا الذاتي ، ونحن نقول به بحسب اختلاف الناوين ، بل قد يصل إلى حد الوجوب كما إذا توقف الإخلاص عليه ، وقد يحرم إذا كان بالعكس ، إلا أن الأحوط الترك مع الاختيار فرارا من التشريع ، وحيث كان المراد بالنية ما عرفت كان الدليل على وجوبها ـ بعد توقف صدق الامتثال والإطاعة والتعبد وما دل من الكتاب والسنة على الإخلاص في العبادة المتوقف عليها ، إذ المراد به إتيان الفعل بقصد كونه امتثالا لأمر الله خاصة ـ الإجماع المنقول على لسان جماعة كالشيخ وابن زهرة والعلامة ، بل هو محصل ، وما عساه يظهر من المنقول عن ابن الجنيد من الاستحباب فهو ـ مع عدم صراحة عبارته ومعارضته بنقل المصنف عنه في المعتبر خلافه ـ ضعيف جدا ، فلا يقدح ، وقول علي بن الحسين عليهما‌السلام (١) في حسنة أبي حمزة : « لا عمل إلا بنية » ونحوه‌ روي (٢) عن النبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ٢.

٧٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عز وجل ، ومن غزا يريد به عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى » وقوله أيضا (٢) في خبر أبي عثمان العبدي عن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا قول إلا بعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة » وفي الوسائل أنه رواه الشيخ مرسلا عن الرضا ، وغير ذلك.

وما وقع من بعض متأخري المتأخرين ـ من المناقشة في الاستدلال بهذه الأخبار لاحتمال توجه الحصر فيها إلى الكمال دون الصحة ، وترجيح الثانية على الأولى لكونه أقرب المجازات إلى الحقيقة معارض بأنه فيه تخصيصا للأعمال بالعبادات خاصة ـ ضعيف جدا ، لما فيه من المخالفة لفهم العلماء الماهرين ، ولغلبة استعمال مثل هذا التركيب في نفي الصحة كما هو واضح ، وخروج غير العبادات منه غير قادح ، بل هو أولى من غيره لشيوع التخصيص ، لا يقال : ان بعض هذه الأخبار لا تنطبق على ما ذكرت من معنى النية ، مثل‌ « إنما الأعمال بالنيات » ونحوه ، لأنا نقول : مع انا نجوز إطلاقها على غير ما تقدم مجازا انه قد يشتبه المراد من متعلق النية أما بإضمار أو نحوه ، وفي إطلاق نفس النية ، كما في قوله : « إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى » الى آخره. بل التأمل الصادق في مثل قوله ( إنما الأعمال ) ونحوه يقضي بأنه أدل على المطلوب منه على غيره لما فيه من إطلاق النية على غير ما نحن فيه ، فتأمل جيدا.

وإذ قد ظهر لك المراد من النية علمت أن الأمر فيها في غاية السهولة ، إذ لا ينفك فعل العاقل المختار حال عدم السهو والنسيان عن قصد للفعل وإرادة له ، ومن هنا قال بعضهم : انه لو كلفنا الله الفعل بغير نية لكان تكليفا بالمحال ، وهو حسن بناء على ما ذكرنا من معنى النية ، بل لعله لذا أغفل المتقدمون ذكرها وبيان شرطيتها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ حديث ٢.

٧٨

لكن لما كان لا يكفي في صحة العبادة وجود النية بالمعنى المتقدم ، بل لا بد من ملاحظة القربة منها وحصول الإخلاص ، وهو في غاية الصعوبة ، بل هو الجهاد الأكبر للنفس الأمارة بالسوء ، كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار (١) الواردة في الرياء والحذر عنه ، وانه أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة ، وكانت القربة في حال الإخلاص من متعلقات النية ، إذ يجب عليه قصد الفعل امتثالا لله خاصة صعب أمر النية من هذه الجهة ، وصح اشتراطها في العبادات دون المعاملات ، وبحث عنها المتأخرون ، بل لعل المتقدمين بذكرهم في أوائل كتبهم اشتراط الإخلاص في العبادة والتحذير من الرياء ونحوه اكتفوا عن ذكر النية بمعنى القصد ، لعدم إمكان حصول الإخلاص بدونه ، وبما ذكرنا ظهر لك مراد من جعل أمر النية في غاية السهولة ، وكذا من جعلها في غاية الصعوبة ، لاختلاف الحيثيتين ، إلا أنه ربما ظهر من بعض عبارات بعض الأصحاب صعوبة أخرى للنية من غير تلك الحيثية ، وذلك لأنه جعلها عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصور الفكري ، فلا يكتفى بدون الاخطار بالبال للقصد مع ما يعتبر معه من القربة والوجه وغيرهما مقارنا لأول العمل ، فبسببه يحصل بعض أحوال لهم تشبه أحوال المجانين ، وليت شعري أليست النية في الوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات كغيرها من سائر أفعال المكلفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم ، فان كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذا الأفعال إلا مع قصد ونية سابقه عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة على ذلك الفعل ، بل هو أمر طبيعي وخلق جبلي ، ومع هذا لا ترى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يعتريه شي‌ء من تلك الوسوسة وذلك الاشكال ، بل هو بالنسبة إلى العبادات الأخر من الزيارات والصدقات وعيادة المرضى وقضاء الحوائج والأدعية والأذكار وقراءة القرآن ونحو ذلك لا يعتريه شي‌ء من تلك الأحوال ، بل هو فيها على حسب سائر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٧٩

أفعال العقلاء ، فما أعرف ما ذا يعتريه في مثل الوضوء.

ومن هنا كان التحقيق ان النية عبارة عن الداعي الذي يحصل للنفس بسببه انبعاث وميل إلى الفعل ، فان المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك الفرض سابقا وعالم بكيفيته وكميته وكان الغرض الحامل على الإتيان به انما هو الامتثال لأمر الله ثم قام من مكانه وسارع ثم توجه إلى المسجد ووقف في مصلاه مستقبل القبلة فأذن وأقام ثم كبر واستمر في صلاته فان صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية والقربة ، فظهر بذلك أنه لا تنحصر النية في الصورة المخطرة بالبال. لا يقال : ان الاخطار أشد في حصول الإخلاص ، لأنا نقول : انه ينبغي القطع في عدم مدخلية ذلك فيه ، ألا ترى انه إذا غلب على قلب المدرس أو المصلي حب الشهرة والسمعة وميل القلوب اليه لكونه صاحب فضيلة أو ملازم عبادة وكان ذلك هو الحامل له على تدريسه وعبادته فإنه لا يتمكن من نية القربة والإخلاص فيها وان قال بلسانه وتصور بجنانه أصلي أو أدرس قربة إلى الله كما هو واضح ، وحاصل الفرق بين القول بالإخطار والداعي إما بان يقال : ان الأول يؤول إلى إيجاب العلم بالحضور وقت الفعل بخلاف الثاني ، فإنه يكتفى بالحضور من دون علم والتفات الذهن ، وما عساه يظهر من بعضهم ـ من أنه بناء على الداعي يكتفي بوجوده وإن غاب عن الذهن حال الفعل ، ولذا لم يفرقوا بين الابتداء والاستدامة ـ مما لا ينبغي الالتفات اليه ويقطع بفساده ، وكيف يعد مثل هذا الفعل في العرف بمجرد هذا العزم السابق منويا ومقصودا أو يقال في الفرق بينهما : ان المراد بالداعي انما هو العلة الغائية للفعل الباعثة للمكلف على إيجاده في الخارج ، وهو ليس من النية في شي‌ء ، بناء على ما ذكرنا انها مجرد القصد والإرادة ، وإطلاق لفظ النية عليه في لسان بعضهم انما هو بحسب الاصطلاح المتأخر ، فنقول حينئذ يكتفى بقيام الداعي في المكلف لكن لا بد من حصول الإرادة للفعل حين التعقل وإن غفل عن الداعي له في ذلك الوقت لكن‌

٨٠