جواهر الكلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء » بل الظاهر أن الشرط فيها خارج مخرج الغالب من القيام بعد الوضوء والاشتغال بأمور أخر ، ونحوه يجري في سائر عبارات الأصحاب المتقدمة ، على أنه قد لا يتمكن المكلف من القيام ، بل ربما كان حال قعوده يشتغل بالصلاة وغيرها من الأمور ، مع أنه ربما يكون الوضوء في غير حال القعود ، والى غير ذلك من الوجوه التي منها تضعف بها.

وأما ما في موثقة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام (١) « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشي‌ء ، إنما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » بناء على رجوع الضمير فيه إلى الوضوء ، فإنه قد يراد بالغير ما يشمل حال المكلف بعد الفراغ ، كما يشعر به قوله عليه‌السلام : ( انما الشك في شي‌ء لم تجزه ) إذ لا ريب في صدق الجواز مع الفراغ منه وإن لم يقم عن محل الوضوء ، فظهر لك بذلك ان ما اختاره بعض المتأخرين من اعتبار القيام عن محل الوضوء في عدم الالتفات إلى الشك في غيره لا يخلو من نظر بل منع ، وكذا ما اختاره بعضهم من اعتبار الانتقال عن المحل ولو تقديرا كطول الجلوس ونحوه.

نعم يبقى الإشكال في أن المدار في تحقق الفراغ حصول اليقين بالفراغ آنا ما أو عدم رؤية المكلف نفسه غير متشاغل به مع سبق الشروع فيه أو يفرق بين الجزء الأخير وغيره فيعتبر الانتقال عن المحل أو ما في حكمه كطول الجلوس في الأول دون الثاني وجوه بل أقوال ، والتحقيق أنه لا ريب في تحقق الفراغ بمشغولية المكلف بفعل آخر وانتقاله الى حالة أخرى ولو بطول الجلوس ونحوه وإن لم يسبق له يقين بالفراغ ، وكذا مع عدم انتقاله إلى حال آخر وقد سبق له اليقين بحصول الفراغ ، وأما إذا لم ينتقل ولم يحصل له اليقين فالظاهر عدم تحقق الفراغ فيجب عليه إعادة المشكوك من غير فرق في المقامين بين الجزء الأخير وغيره ، فما وقع في كشف اللثام من الفرق بينهما باعتبار الانتقال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٣٦١

وحكمه كطول القعود بالنسبة إلى الجزء الأخير دون غيره ليس في محله ، بل الظاهر أنه خرق للإجماع المركب ، وكذا ما وقع لغيره من اعتبار حصول اليقين بالفراغ مطلقا ، ولآخر فجعل المدار على عدم رؤية المكلف نفسه مشغولا بأفعال الطهارة ، بل الوجه ما سمعت من اعتبار أحد الأمرين وهو إما الانتقال عن المحل أو ما في حكمه أو حصول اليقين بالفراغ ، نعم قد يحصل إشكال بالنسبة للأول في ما لو شك في فعل شي‌ء من أفعال الوضوء وكان قد انتقل منه إلى حال آخر إلا أنه لا يحصل بسببه الفساد على تقدير عدم فعله في الزمن السابق لبقاء الموالاة بمعنى مراعاة الجفاف ، كما لو وقع له شك في مسح رأسه وقد انتقل عن محل الوضوء واشتغل بفعل آخر والحال بقاء إمكان الموالاة كأن تكون الرطوبة باقية ، ولعل الأقوى فيه عدم الالتفات أيضا أخذا بإطلاق الأدلة ، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه من غير فرق بين الدخول بالمشروط بالطهارة وغيره ، وهل يدخل في الشك بعد الفراغ ما لو وقع للمكلف الشك في أنه عدل عن فعل الوضوء فترك غسل باقي الأجزاء مثلا أو أنه أتمه مع عدم حصول اليقين له بالفراغ آنا ما؟ وجهان ، ينشئان من إطلاق النص والفتوى عدم الالتفات مع الانتقال ، ومن الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن. والمعلوم منه ما لو كان الشك من جهة احتمال السهو والنسيان ونحوهما مع بناء المكلف على الفعل الصحيح ، لا أقل من الشك في الشمول ، وإن كان الوجه الثاني لا يخلو من ضعف بناء على حرمة قطع الوضوء.

ثم لا ريب في جريان ما ذكرنا من عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ في كل فعل مركب كان توالي فعل الأجزاء شرطا في صحته كالصلاة ونحوها ، لأصالة صحة فعل المسلم ، وأصالة عدم السهو والنسيان في أفعاله في عبادات ومعاملات من غير فرق في ذلك بين استلزام المعصية على تقدير عدم الفعل وعدمه ، ومنه يظهر أن من شك في شي‌ء بعد الفراغ من الغسل الارتماسي وحصول اليقين له بذلك آنا لا يلتفت ، لأصالة صحة فعل المسلم ، فما في القواعد للعلامة من الاشكال فيه كأنه في غير محله ، وأما ما لم‌

٣٦٢

يكن كذلك كما في الغسل الترتيبي ونحوه فالظاهر عدم الالتفات فيما لو وقع له هذا الشك بعد الدخول بالمشروط بالطهارة ، لما‌ في الصحيح (١) « عن رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال عليه‌السلام : إذا شك وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه ، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة ، فإن دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ، ولا شي‌ء عليه » وكذا لا يلتفت بعد حصول اليقين له آنا ما بالإكمال والفراغ ، أما إذا لم يحصلا معا فلا يخلو إما أن يكون معتاد الموالاة في غسله أولا ، فإن كان الأول احتمل عدم الالتفات ، ترجيحا للظاهر على الأصل ، ويحتمل العدم للعكس ، بل لعله الأقوى ، إذ لا دليل على تقديم الظاهر على الأصل هنا ، اللهم إلا أن يعلم حاله في أول الغسل أنه كان عازما على فعله تماما لمكان السيرة على عدم الالتفات حينئذ ، مع أنه مشكل أيضا ، لعدم تحققها في نحوه بل هي متحققة في من اغتسل وتيقن الفراغ ثم شك بعد ذلك.

ومما سمعته يظهر لك الحكم فيما لو لم يكن معتاد الالتفات فإنه يجب عليه الالتفات حينئذ بلا إشكال ، ودعوى التمسك بنحو‌ قوله عليه‌السلام : « إذا شككت في شي‌ء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » ضعيف ، إذ من المعلوم إرادة الغير المرتب على وقوع الفعل الأول لا مطلق الغير ، وإلا لزم أن لا يعتبر الشك يوما ، كما أنه من التأمل فيما قدمناه يظهر لك حكم الشك بعد الفراغ بالنسبة إلى سائر الأفعال من غسل النجاسات وغيرها ، بل يظهر لك أيضا أن الشك في الشرائط كالشك في الأجزاء في عدم الالتفات ، لا صالة الصحة واستصحابها ، واشتراك العلة ، ولزوم العسر والحرج ، وان الشك في الشرط شك في المشروط ، وأولويته من الجزء ، وعموم النصوص وإطلاقها ، خصوصا ما ورد منها في خصوص الوضوء ، وضبط الأصحاب المبطل بغير ذلك ، بل ظاهر تعليلهم الحكم في الجزء بالعسر والحرج العموم ، بل عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٢.

٣٦٣

العلامة التصريح في غير واحد من كتبه بعدم الالتفات إلى الشك في الطهارة بعد الفراغ في الطواف ، معللا له بأن الشك في الشرط شك في المشروط ، بل قد عرفت التصريح أيضا بعدم الالتفات إلى الشك في النية ، وهي شرط على أحد القولين أو الوجهين ، بل حكي عن المبسوط والنهاية والوسيلة في خصوص المقام ما يحتمل أو يظهر منه ما قلناه أيضا ، فما عن كشف اللثام في مسألة الشك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف من التصريح بتخصيص الحكم بالأجزاء بل قيل إنه يلوح من الذكرى أيضا وإن ألحق النية بها ضعيف جدا.

ومن ترك غسل أي تطهير الظاهر من خروج الغائط المسمى النجو أو البول وصلى أعاد الصلاة عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا كما في المبسوط والمعتبر والنافع والمنتهى والمختلف والقواعد والدروس وغيرها لكن مع ترك ذكر الجهل فيها ، ولعل المراد به في عبارة المتن الجهل بالحكم الشرعي ، لاستبعاد غيره ، فيكون تركهم له اتكالا على ما هو المعروف من عدم معذورية الجاهل ، أو يراد به عبارة عن بقاء شي‌ء منها بعد غسله لها ، فإن الأقوى حينئذ إعادة الصلاة ، وليس هذا كجاهل أصل وجود النجاسة ، وأما احتمال إرادة الجهل بها على حسب غيرها من النجاسات بفرض الخروج نائما ونحوه ويكون الحكم بالإعادة في المقام لخصوص أدلة تخرجه عن حكم الجاهل فبعيد جدا ، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي ذلك.

وكيف كان فقد نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا وفي المختلف إلى المشهور مع التصريح فيه بالإعادة في الوقت والخارج ، وفي المدارك أن المسألة جزئية من جزئيات من صلى مع النجاسة ، وسيجي‌ء تفصيل الحكم فيها ، قلت : قد يفرق بينهما لمكان ما تسمعه من الأدلة الخاصة فيها ، بل يرشد إليه ما قيل إنه لم ينقل الخلاف هنا في وجوب الإعادة وقتا وخارجا إلا عن ظاهر ابن الجنيد ، حيث خصص الوجوب بالوقت ، وعن الصدوق حيث نفي الإعادة في الوقت ، وأما هناك فأكثر المتقدمين على الإعادة مطلقا ،

٣٦٤

وعن الشيخ في بعض أقواله العدم مطلقا ، وفي الاستبصار وتبعه عليه جل المتأخرين الإعادة في الوقت دون خارجه.

وعلى كل حال فالذي يدل على المشهور مضافا إلى ما دل على حكم النجاسة في الصلاة خصوص‌ صحيح ابن أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت له : أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال : اغسل ذكرك ، وأعد صلاتك ، ولا تعد وضوءك » ومرسل ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام (٢) أيضا « في الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضأ ويصلي قال : يغسل ذكره ، ويعيد الصلاة ، ولا يعيد الوضوء » وصحيح زرارة (٣) قال : « توضأت يوما ولم أغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : اغسل ذكرك ، وأعد صلاتك » وهي وإن لم ينص فيها على النسيان لكنه مقتضى ترك الاستفصال فيها ، بل قد يقال إنه الأظهر ، لمكان استبعاد وقوع ذلك من مثل زرارة مع العمد ، وهي كما ترى مطلقة بالنسبة للإعادة في الوقت وخارجه ، بل قد يقال : إن الأمر بالإعادة فيها ظاهر في الشرطية التي يستفاد منها انعدام المشروط بانعدامها ، فيجب الإعادة والقضاء حينئذ ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فل‌ قوله عليه‌السلام (٤) : ( من فاتته ) لشمولها للفائت الشرعي.

فما عن ابن الجنيد من التفصيل بذلك بالنسبة إلى نسيان البول ضعيف ، لا أعرف له مستندا سوى الجمع بين ما سمعت من المعتبرة وبين‌ خبر عمرو بن أبي نصر (٥) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني صليت فذكرت اني لم أغسل ذكري بعد ما صليت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٣ عن عمرو بن أبي نصر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٧.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ حديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٦.

٣٦٥

أفأعيد؟ قال : لا » وخبر هشام بن سالم (١) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « في الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة » بحمل الأولى على الإعادة في الوقت ، والثانية على خارجه ، وهو ـ مع كونه فرع التكافؤ الذي هو مفقود هنا من وجوه عديدة ، لتأيد الأولى بفتوى المشهور ، واعتبار أسانيدها دون الخبرين سيما الثاني ـ لا شاهد عليه ، وليس بأولى من حملها على تخصيص ذلك بمن لم يجد الماء ونحوه وإن بعد ، كضعف ما عن الصدوق رحمه‌الله في الفقيه من عدم إيجابه الإعادة في الوقت مع نسيان الاستنجاء عن الغائط ، للموثق (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة » وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام (٣) قال : « سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء قال : ينصرف ، ويستنجي من الخلاء ، ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك ، ولا إعادة عليه » وهما ـ مع إعراض المشهور عنهما بل كاد أن ينعقد الإجماع على خلافهما إذ لم نعثر على موافق للصدوق في ذلك إلا ما ينقل عن بعض متأخري المتأخرين كالخوانساري ومعارضتهما بخبر سماعة (٤) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت ونسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة ، وإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك ، لأن البول مثل البزاق » والسند منجبر بعمل المشهور ، مع أنه نقل عن الصدوق في العلل روايته بسند معتبر ـ لا يصلحان مقيدين لما دل على الإعادة (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٥ وفي الوسائل والكافي والاستبصار ( البراز ) بدل ( البزاق ).

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات.

٣٦٦

لناسي النجاسة الشامل لما نحن فيه مع عدم صراحة الصحيح منهما بنسيان الاستنجاء من الغائط فقط ، بل الغالب خروج البول مع الغائط ، فلا يكون معمولا به عند أحد ، واحتمال الأول نسيان الاستنجاء بالماء مع التمسح بالأحجار وغير ذلك ، وأضعف منه ما ينقل عنه رحمه‌الله في المقنع من العمل بما في‌ موثقة عمار الساباطي (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار ، قال : إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعيد الوضوء ، وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته ، وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة » إذ هو مع معارضته بما تقدم مشتمل على ما لا يقول به الأصحاب من عدم الاجتزاء بالتمسح بثلاثة أحجار على ما ستعرف فساده من إعادة الوضوء ، وعلى التفصيل بين الوقت وخارجه ، فلا بد من طرحه أو حمله على ما لا يخالف المذهب ، فتأمل جيدا ، هذا.

وفي الرياض بعد أن نقل المذهب المشهور ومذهب ابن الجنيد ومختار الصدوق في الفقيه والمقنع نقل عن العماني القول بأولوية الإعادة مطلقا ، ثم ذكر له دليلي ابن الجنيد وأبطلهما ، والظاهر أنه اشتباه ، لأن المنقول عن العماني أولوية الإعادة في الوضوء ، موافقا لما تسمعه من المشهور بين الأصحاب لا الصلاة ، فلاحظ وتأمل.

ثم ان ظاهر عبارة المصنف هنا كصريحه في غير هذا الكتاب وصريح المشهور نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك عند التأمل عدم وجوب إعادة الوضوء عند ترك الاستنجاء من غير فرق بين العمد والنسيان للأصل ، والروايات المستفيضة حد الاستفاضة ، منها ما تقدم في أول المسألة ونحوها غيرها في نفي إعادة الوضوء كصحيح ابن يقطين (٢) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام وعمرو بن أبي نصر (٣) عن الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٣.

٣٦٧

عليه‌السلام وصحيح ابن أذينة (١) قال : « ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم ابن عيينة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه » خلافا للمنقول عن الصدوق ، فأوجب إعادة الوضوء ، والمعروف في النقل عنه في خصوص نسيان غسل مخرج البول ، لكن قد يظهر من المنقول من عبارة المقنع شموله للمخرجين ، وعلى كل حال فالخلاف منحصر فيه ، إذ لم أجد له موافقا من المتقدمين والمتأخرين ، فلعل خلافه غير قادح في الإجماع ، كعدم صلاحية معارضة دليله لما سمعت من الأدلة ، بل‌ في الصحيح (٢) عن الباقر عليه‌السلام : « في الرجل يتوضأ وينسى غسل ذكره ، قال : يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء » وموثق أبي بصير (٣) « إذا أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة » مع موثقة سماعة المتقدمة سابقا من وجوه عديدة ، فيجب طرحها أو حملها على الاستحباب ، كما عن جماعة من الأصحاب ، أو القدر المشترك بينه وبين الوجوب كما في الموثقة الأخيرة ، أو يحمل الوضوء فيها على الاستنجاء بالماء كما وقع إطلاقه عليه في بعض الأخبار ، أو على التقية كما احتمله في الحدائق ، أو غير ذلك ، هذا ، مع أن العلامة في المنتهى طعن في جميع أسانيد أخباره ، ولتحقيق ذلك محل آخر ، على أن مستنده على الظاهر ما تقدم من الموثقة السابقة في اختياره في المسألة المتقدمة ، وقد عرفت أنها غير صالحة لذلك من وجوه غير خفية ، مع احتمالها ككلامه لحمل الوضوء فيها على الاستنجاء بالماء وإن بعد ، بل ربما ظهر من بعضهم دعوى الإجماع على عدم إعادة الوضوء في نسيان الاستنجاء من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٨ وفي الوسائل ( إعادة الوضوء وغسل ذكرك ).

٣٦٨

الغائط ، ونحو الوضوء في عدم اشتراط صحته بغسل المخرجين التيمم ، كما صرح به جماعة من غير فرق بين اعتبار التضيق فيه وعدمه ، وربما ظهر من العلامة في القواعد عدم صحته قبل الغسل على الأول ، لاستلزام وقوعه قبله سعة وقت زائد على الصلاة والتيمم ، وهو ـ مع كونه ليس خلافا في المسألة عند التحقيق لمساواته مع غيره من النجاسات حينئذ ـ فيه أولا ان الظاهر إرادة الضيق عرفا ، فلا ينافيه نحو زمان الغسل ، وثانيا فلأنه من مقدمات الصلاة كالتستر ونحوه ، فلا يقدح سعة الزمان بالنسبة إليه ، فتأمل جيدا.

ومن جدد أي فعل وضوئه الواجب أو المندوب مرة أو مرات بنية الندب لمكان مشروعية التجديد إجماعا وسنة كادت تكون متواترة ثم صلى بعده وذكر أنه أخل بعضو مثلا من إحدى الطهارتين أو الطهارات فان اقتصرنا في الواجب بالنسبة إلى نية الوضوء على نية القربة ولم نوجب غيرها من الوجه والرفع أو الاستباحة فالطهارة والصلاة صحيحتان من غير إشكال يعرف عندهم فيه ، بل في كلام بعضهم القطع به وإن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما كما في المنتهى والتذكرة بل عن سائر كتبه ، واختاره المحقق الثاني وغيره من متأخري المتأخرين ، وكان وجهه بالنسبة للطهارة عدم اليقين بحصولها ، فيكون من قبيل من تيقن الحدث وشك في الطهارة ، لاحتمال وقوع الخلل في الأولى ، والثانية لا تجدي ، لعدم اشتمالها على نية الاستباحة مع القول باشتراطها ، وللصلاة عدم اليقين بالبراءة لما عرفت ، خلافا للشيخ في المبسوط وابن سعيد في الجامع كما عن القاضي وابن حمزة ، فلم يوجبوا الإعادة مع قولهم بوجوب نية الرفع والاستباحة على ما قيل ، واستجوده المصنف في المعتبر إن نوى بالثانية الصلاة أي الإتيان بها على الوجه الأكمل ، بل ربما ظهر من الشهيد في الدروس اختياره من غير تقييد ، لكن تعجب العلامة من ذلك ، ويمكن رفع العجب بالتزام الشرطية المذكورة فيما لم يجزم المكلف بحصولها ، وإلا فلا معنى للتكليف بها أو لخصوصية في التجديد لكون‌

٣٦٩

المفهوم من الأدلة أن مشروعيته لتدارك الفائت كما ادعاه في الذكرى ناسبا له إلى الأصحاب والاخبار ، أو لأن ذلك في الحقيقة شك بعد الفراغ ، فلا يلتفت إليه وإن كان يأبى الأخير عبارة المبسوط ، أو لأن قصد التجديدية يقوم مقام قصد الاستباحة ، فتأمل.

وتفصيل الحال أن الوضوء المكرر إما أن يكون احتياطيا أو تجديديا ، فان كان الأول فلا إشكال في عدم الإعادة ، نعم قد يقع الإشكال في ثبوته ، مع أن الحق ثبوته ، لعموم ما دل على رجحان الاحتياط ، واحتمال إدخاله في التجديدي ، بأن يقال يجوز تكرير الوضوء لتدارك ما يحتمل فواته في الأول ، فإن صادف وقع في محله وإلا كان تجديديا لا يقدح فيما ذكرنا من الحكم ، لكونه دائرا مدار مشروعية نحو هذا الوضوء تجديديا كان أو غيره ، كما أنه لا فرق في ذلك بين اشتراط نية الوجه أو الاستباحة أو الرفع أو عدم الاشتراط ، وأما إذا كان تجديديا أي لم يقصد فيه القصد المذكور بل قصد النور على النور فقد عرفت أنه لا إشكال عندهم في عدم الإعادة ، حتى لو تبين الخلل في الأولى بناء على الاجتزاء بنية القربة ، إذ هو يقضي بالاكتفاء به ، لكن قد يقال : انا وإن قلنا بعدم اشتراط نية ما عداها ، لكن نية الخلاف مانعة ، سواء في ذلك خلاف الوجه أو الرفع مثلا ، فلا يجتزى بالوضوء مع زعم الجنابة وتبين الخلاف ، وإن قلنا بالاجتزاء بنية القربة.

نعم يتم ذلك بناء على ما اخترناه سابقا من القول بالاجتزاء بنية القربة مع القول بأن ظاهر الأدلة أن أفعال الوضوء من قبيل الأسباب الشرعية التي لا يقدح في تأثيرها عدم النية أو نية العدم ، أو على أن نية التجديدية مع القصد المذكور ليس من قبيل نية الخلاف ، لكنه بعيد.

وأما إذا لم نجتز بنية القربة بل قلنا بلزوم ضم غيرها معها فلا يخلو فاما أن نقول بوجوب كون المضموم رفعا أو استباحة أو الوجه من الوجوب والندب فقط فان كان الأول فالظاهر وجوب الإعادة كما ذكره المصنف وجماعة خلافا لمن عرفت ، لظهور‌

٣٧٠

ما استدلوا به هناك على وجوبهما في العموم ، والقول أن مشروعية التجديد للتدارك كما في الذكرى وغيرها بل قد عرفت نسبته فيها إلى الأصحاب والاخبار فيه انا لم نتحقق ذلك من كل منهما ، أما الأصحاب فمقتضى فتوى كثير منهم هنا بوجوب الإعادة ردا على الشيخ ومن تبعه خلافه ، وأما الاخبار فلم نعثر في شي‌ء منها على ما يدل عليه ، بل ظاهرها أن محل استحبابه حال عدم ذلك ، واحتمال استفادته من نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « الطهر على الطهر عشر حسنات » ونحوه ، بتقريب أن إطلاق لفظ الطهر عليه مجاز لمناسبة أنه ينفق فيه ذلك كما ترى ، بل شك في شك ، فلا يلتفت إليه ، كما أنه لا يلتفت إلى ما تقدم من احتمال كون وجهه أنه من الشك بعد الفراغ ، لأنه مع أن ظاهر القائلين خلافه ممنوع ، لظهور أدلته فيما إذا كان طرفا الشك وجودا وعدما بحتا لا عدما خاصا ، لا أقل من الشك في ذلك ، فيبقى القاعدة لا معارض لها.

ومما يرشد إليه ذكرهم في باب الصلاة وجوب الإعادة على من اعتقد ترك سجدتين لا يعلم أنهما من ركعة أو ركعتين ، وكذا فيما إذا دار الأمر المقطوع بتركه بين الركن وغيره ، فتأمل. ومثلهما ما أشار إليه المصنف في المعتبر في تقييده السابق من أن نية التجديدية للصلاة تقوم مقام نية الاستباحة ، لاقتضائها حصول منع قبله ، وهو مفقود هنا ، وفرق واضح بين ما نحن فيه وبين ما تقدم سابقا من احتمال الاجتزاء بنية ما كانت الطهارة شرطا في كماله وإن لم تكن شرطا في صحته كما في قراءة القرآن ونحوها ، لأن رفع الحدث شرط في الكمال ، فنيته يمكن الاكتفاء بها ، لما فيه من التلازم ، وأما هنا فليس كذلك ، إذ لا مدخلية لرفع الحدث في هذا الكمال ، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى بناء على شرطية الاستباحة وجوب الإعادة ، نعم يتم فيما لو غفل عن الوضوء الأول ثم توضأ ثانيا بنية الاستباحة ثم ظهر له فساد إحدى الطهارتين ، لكنه خارج عما نحن فيه ، لأن الفرض نية التجديد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٣٧١

وإن كان الثاني أي لم نقل باشتراط الاستباحة لكن مع القول باشتراط نية الوجه من الوجوب والندب فالظاهر عدم وجوب الإعادة حيث يتفق الوضوءات في الوجه من غير إشكال يعرف فيه عندهم ، وكان وجهه أنه مع تبين فساد الاولى تقع الثانية صحيحة لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، ونية التجديدية غير منافية ، لكونها من الأوصاف الخارجية بمعنى أنه إن صادفت صحة الوضوء الأول كانت تجديدا ، وإلا فلا ، بل تقع ابتدائية ، وأما مع اختلافهما في الوجه فقد أطلق بعضهم عدم الاكتفاء ، والظاهر أنه قد يتفق حصوله في بعض الصور ، كما لو توضأ بنية الوجوب لمكان حصول غاية مشروطة بها ، كنذر المس حينئذ في وقت خاص ثم مضى وجوب ذلك فجدد ندبا ، فإنه حينئذ يكتفي به لو ظهر فساد الأول ، لأنه من قبيل المندوبين حينئذ ، وكذا لو توضأ ندبا قبل حصول المشروط بالطهارة ثم جدد وجوبا لمكان النذر ونحوه بعد حصول المشروط بالطهارة ، فإنه يكتفي به لو ظهر فساد الأولى ، لأنه من قبيل الواجبين حينئذ كما هو واضح ، فتأمل جيدا. وأما في غير هذه الصور الأربع فيجب إعادة الوضوء ، والحاصل أن المدار على اجتماع الشرائط من نية القربة والوجه فقط.

ولو صلى بكل واحدة من الطهارتين صلاة أو أزيد أعاد ما صلاة بالأولى فقط دون ما صلاة بالثانية بناء على الأول من الاجتزاء بالتجديدي لو ظهر فساد الأولى ، أو يجب أن يعيد ما صلاة بهما بناء على الثاني من عدم الاجتزاء ، لعدم حصول الفراغ اليقيني لاحتمال كون المتروك من الاولى ولا تكفي الثانية كما هو المفروض ، نعم لقائل أن يقول هنا وفيما تقدم ان المراد بإعادة الصلاة إنما هي في الوقت ، وأما خارج الوقت فيشكل وجوب القضاء ، لأن المختار أنه بفرض جديد ، ودعوى شموله للمقام ممنوع ، لكونه معلقا على الفوات الذي لم يعلم تحققه هنا ، لاحتمال كون المتروك في الطهارة الثانية ، فتقع الصلاة صحيحة ، ومنه ينقدح عدم وجوب القضاء أيضا على من تيقن الحدث وشك في الطهارة ثم غفل عن ذلك فصلى ولم يذكر حتى خرج الوقت ، لعدم‌

٣٧٢

العلم بالفوات أيضا ، نعم يتجه فيهما معا إيجاب إعادة الطهارة مطلقا ، وإعادة الصلاة في الوقت دون القضاء ، وكذلك في من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق وفرض غفلته عن ذلك فصلى من غير وضوء ولم يذكر حتى خرج الوقت ، فإنه لا يجب القضاء ، لعدم العلم بالفوات حينئذ ، لكن يمكن الفرق بين الصورة الأخيرة وبين ما تقدمها بالتزام تسليم ذلك فيها دونهما لمكان استصحاب الحدث في الأولين الذي بسببه يحصل الفوات فيشمله حينئذ عموم قوله (ع) : ( من فاتته ) إذ المراد به أعم من الشرعي والواقعي بخلافها ، إذ مع تعارض اليقينين لا استصحاب ، والوجوب في الوقت انما كان لتحصيل اليقين بالبراءة اليقينية الذي لا يصلح جريانه في خارج الوقت ، وقد يقال : إنه يمكن تنقيح الفوات باستصحاب عدم الإتيان بالمكلف به ، اللهم إلا أن يلتزم أن الاستصحاب وإن قلنا به لكنه لا يتحقق به اسم الفوات ، وهو جار في الصور الثلاثة ، فتأمل جيدا.

ثم اعلم أنه ربما ظهر من العلامة في المنتهى الفرق بين هذه المسألة وسابقتها ، فإنه بعد أن حكم في الأولى بوجوب إعادة الصلاة بناء على اشتراط الاستباحة وعدمه على تقدير العدم ، وحكم في الثانية وهي ما نحن فيه بوجوب إعادة ما صلاة بالطهارة الأولى فقط ، بناء على القول بالاكتفاء بنية القربة ، ووجوب إعادتهما معا بناء على اشتراط الاستباحة ، قال : « وعندي في هذا شك ، وهو أنه قد تيقن الطهارة وشك في بعض أعضائها بعد الانصراف ، لأن الشك إلحاق الترك بالمعين منهما ، وهو الشك في ترك أحد الأعضاء الواجبة ، فلا يلتفت ، وهو قوي » انتهى. قلت : وأنت خبير أن ما ذكره هنا جار في المسألة السابقة أيضا حرفا بحرف ، ومن هنا لم يفرق ابن طاوس في هذا التخريج بين الصورتين كما نقل عنه ، واستوجهه الشهيد في البيان ، قلت : هو لا يخلو من وجه وإن كان الاولى خلافه ، لما عرفته سابقا من ظهور أدلة الشك بعد الفراغ في غيره ، لا أقل من الشك في ذلك ، على أن الظاهر أن ذلك من قبيل الشبهة المحصورة ، فإن اليقين بالإجمال يرفع الاستصحاب في كل منهما ، إذ ترجيح‌

٣٧٣

أحدهما ترجيح بلا مرجح ، وإجراء الحكم فيهما معا مناف لمقتضى اليقين ، فوجب اجتنابهما معا ، فلا يحكم حينئذ بالصحة في كل منهما ، نعم لقائل أن يقول : إنه يشكل الحكم بوجوب إعادة الصلاة كما يظهر الاتفاق عليه هنا في الجملة ، وذلك لأنه إن لم يكن هذا أولى ممن تيقن الحدث وشك في الطهارة فلا أقل من المساواة له ، وقد تقدم لك سابقا عدم وجوب إعادة الصلاة عليه لو حدث له الشك بعد الفراغ من الصلاة ، بل قد عرفت أن فيه احتمال عدم وجوب إعادة الوضوء أيضا ، بل قد ظهر من بعضهم اختياره ، فيمكن حينئذ القول هنا بعدم وجوب إعادة الصلاة وإن قلنا بوجوب إعادة الطهارة ، ولعل اتفاقهم هنا على هذا الحكم بحسب الظاهر يشعر بعدم البناء على تلك القاعدة ، وهي عدم الالتفات إلى الشك في الشرائط بعد فعل مشروطها ، اللهم إلا أن يحمل كلامهم هنا على ما إذا علم تقدم سبب الشك على فعل المشروط بها وإن لم يحصل الشك سابقا فعلا ، لكنه بعد تسليم الحكم فيه لا يخلو حمل كلامهم عليه من بعد ، فتأمل.

ولو تيقن أنه أحدث عقيب طهارة منهما ولم يعلمها بعينها فلا يدري أنها طهارة الصلاة الأولى أو الثانية أعاد الصلاتين إن اختلفتا عددا في الوقت وفي خارج الوقت بلا خلاف أجده فيه ، بل هو مجمع عليه ، ويشير إليه الأمر (١) لناسي الفريضة الغير المعينة بقضاء ثلاث صبح ومغرب وأربع ، تحصيلا ليقين البراءة ، للقطع بفساد إحدى الصلاتين ، فيجب إعادتها وقضاؤها ، ولا يتم ذلك إلا بفعلهما معا فيجب ، واحتمال عدم الالتفات إلى كل منهما لأصالة الصحة فيه ، وكونه شكا بعد الفراغ مما لا ينبغي أن يصغى إليه بعد حصول القطع بفساد واحدة منهما ، أو شغل الذمة بها كاحتمال القول بالسقوط لعدم إمكان الجزم بالمكلف به الذي هو شرط في صحة العبادة ، فينعدم المشروط بانعدامه ، فإنه مع أنه مخالف للإجماع هنا يمكن تطرق المنع إلى شرطية ذلك على الإطلاق ، بل المعلوم منه مع إمكانه ، على أن أدلة الاحتياط تكفي في صحته ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

٣٧٤

وإلا لا نسد هذا الباب في كثير من محاله كما هو واضح ، كاحتمال القول بالتخيير بالنسبة إلى كل واحدة منهما ، إذ هو تقول على الشارع بما لا يرضى به.

وإن لم يختلفا عددا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته كما هو الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، خلافا للشيخ في المبسوط وابني إدريس وسعيد في السرائر والجامع وعن القاضي وأبي الصلاح وابن زهرة فالتعدد ، للمرسل (١) المنجبر بالشهرة بين الأصحاب عن الصادق عليه‌السلام قال : « من نسي من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا » وهو وإن كان واردا في النسيان لكن الظاهر أن العلة في الجميع واحدة ، بل قد يدعى دخول بعض أفراد المسألة فيه ، ولمكان إطلاق الرواية خير الأصحاب بين الجهر والإخفات حيث يكون الأمر دائرا بين الجهرية وغيرها ، هذا كله إن قلنا إن الأصل يقتضي وجوب التعدد ، وإلا فلو أنكرنا ذلك ـ لمكان أصالة البراءة السالمة عن المعارضة سوى ما يتمسك به الخصم من وجوب اليقين والجزم في الامتثال ، ولا يحصل إلا بفعل الجميع المناقش فيه بما قيل من أن ذلك مشترك الإلزام ، لأنه من أعاد الصلاتين يعلم قطعا بأن إحداهما ليست في ذمته ، للجزم بأن الفساد في إحدى الطهارتين ، وانما يقصد الوجوب على تقدير الفساد ، ولا أثر لجزمه ، والجواب عنهما واحد ، وهو أن الجزم انما يعتبر إذا كان ممكنا ، وللمكلف اليه طريق ، وهو منفي في المسألة ـ كنا في غنية عن الرواية ، لكن لقائل أن يقول : ان ذلك يؤثر في سقوط الجزم بما في الذمة لا بما يوقعه ، وفرق واضح بين المقامين ، لا يقال : انه لا دليل على مشروعية التقرب بهذا التعيين للواقع مع التردد بما في الذمة ، لأنا نقول يكفي في ذلك أدلة الاحتياط ، لكون مبناها الجزم بالواقع لاحتمال المصادفة لما في الذمة ، ومن هنا يظهر لك ان الأصل يقتضي إيجاب التعدد ، وعلى القول بالأول فهل الإطلاق رخصة أو عزيمة؟ وجهان ، أقواهما الأول ، إذ الاكتفاء بالأول يقضي بالثاني بطريق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ حديث ١.

٣٧٥

أولى ، فتأمل جيدا. ولا فرق فيما ذكرنا من الحكم بين المسافر والحاضر ، كما هو واضح.

ولو صلى الخمس فرائض بخمس طهارات مثلا ثم تيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات أعاد ثلاث فرائض ثلاثا واثنتين وأربع مرددة بين الظهر والعصر والعشاء إن كان حاضرا ، أو ثلاثا واثنتين مرددة بين الصبح والظهر والعصر والعشاء ان كان مسافرا لما تقدم ، وقيل كما عرفته من الشيخ ومن تابعه يعيد خمسا حاضرا كان أو مسافرا ، وقد ظهر لك وجهه ، والأول أشبه لما عرفت من الرواية المرسلة المنجبرة بعمل الأصحاب سندا أو تعديا عن مدلولها ، ولو كان الإخلال من طهارتين وجب إعادة أربع فرائض على المختار ثلاثا واثنتين وأربع مرتين ، فإن أراد المحافظة على الترتيب جعل المغرب بينهما ، والمسافر يجتزي بثنائيتين بينهما مغرب ، وعلى القول بالتعين يجب الإتيان برابعة ثالثة معينا في كل واحدة منها ، إلا أنه يجب عليه أيضا الإتيان برابعة العشاء بعد المغرب ان قلنا بوجوب مراعاة الترتيب مع الجهل به ، وإذ قد عرفت ان الأقوى كون الإطلاق رخصة لا عزيمة فيجوز حينئذ الإطلاق ، فيقتصر على أربعتين ، ويجوز التعيين ، فلا بد من ثلاث ، لكن هل له التعين في بعض والإطلاق في الباقي؟ قال العلامة في القواعد بعد ان ذكر ما ذكرنا من حكم الحاضر والمسافر : « والأقرب جواز إطلاق النية فيهما والتعين ، فيأتي بثالثة ، ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء ، فيطلق بين الباقيين مراعيا للترتيب ، وله الإطلاق الثنائي ، فيكتفي بالمرتين » انتهى. قيل وهي من مشكلات عبارة القواعد حتى نقل عن بعضهم تصنيف رسالة فيها ، ولعل المراد منها ما ذكرنا من جواز إطلاق النية في إحدى الرباعيتين والتعيين في أخرى ، لكن لا بد له ان يأتي حينئذ برباعية ثالثة ، لأنه مع تعيين إحدى الرباعيتين يبقى احتمال شغل ذمته بالرباعيتين الأخيرين غير ما عينها ، فلا بد أن يأتي بثالثة حينئذ ، فإن جعل المعينة الظهر أطلق في الباقيتين بين الباقيتين ،

٣٧٦

وهكذا مع مراعاة الترتيب ان قلنا بوجوبه ، لكن قد يقال : إنه متعبة من غير فائدة ، إذ مع الإتيان بالمطلقتين والثالثة المعينة لا فرق حينئذ بينه وبين التزام التعيين في الجمع ، لمكان الاكتفاء بهذا المقدار أيضا ، ثم انه إذا كان يأتي بالمطلقتين فهي قائمة مقام المعينة ، فما الفائدة في فعلها ، واحتمال تقليل أفراد المطلق شي‌ء خال عن الفائدة ، فتأمل جيدا.

تم الجزء الثاني من العبادات بعون الله الموفق

للسعادات ويتلوه الجزء الثالث في

الأغسال إن شاء الله الخالق

المتعال

الى هنا تم الجزء الثاني من كتاب جواهر

الكلام وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه

ومقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة

والمصححة بقلم المصنف قدس روحه

الشريف ويتلوه الجزء الثالث في

الأغسال إن شاء الله تعالى قريبا.

عباس القوچاني

٣٧٧

فهرست الجزء الثانى

من كتاب جواهر الكلام

الصحيفة

العنوان

الصحيفة

العنوان

٢

وجوب ستر العورة وحرمة النظر إليها

١٣

وجوب الانحراف عن القبلة في موضع قد بني مواجها لها

٤

ما يستثنى من وجوب ستر العورة

١٣

الاستنجاء

٦

استحباب ستر البدن حال التخلي

١٤

وجوب غسل موضع البول بالماء وعدم كفاية غيره

٧

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي

١٦

وجوب مسح موضع البول بما يزيل العين عند العجز عن الماء

٨

عدم الاعتبار بما جعله الشارع قبلة في بعض الأوقات

١٧

بيان أقل ما يجزئ من الماء في إزالة البول عن المخرج

٨

عدم الفرق بين الصحاري والأبنية

١٩

وجوب التعدد لا زالة البول عن المخرج

١١

عدم حرمة استقبال القبلة للمستبرئ والمستنجي والمبطون والمسلوس

٢١

مقدار ما يعتبر من الماء في غسل بول الرضيع الغير المتغذي بالطعام

١٢

عدم حرمة استقبال القبلة لخروج أحد الاخلاط أو الحقنة مع خلوه عن الحدث

٢٢

هل يجري الحكم في كل ما كان مخرجا للبول أم لا؟

١٢

وجوب معرفة القبلة مقدمة لترك استقبالها حال التخلي

٢٢

وجوب غسل مخرج الغائط بالماء تخييرا حتى يزول العين والأثر

١٢

دوران الامر بين الاستقبال والاستدبار وبينهما وبين تكشف العورة

٢٤

بيان المراد من الأثر

١٢

عدم وجوب تجنيب الأطفال عن استقبال القبلة واستدبارها

٢٧

عدم وجوب إزالة الرائحة

٢٨

عدم كفاية غير الماء إذا تعدى

٣٧٨

الصحيفة

العنوان

الصحيفة

العنوان

الغائط عن المخرج

٤٨

عدم جواز الاستنجاء بالعظم والروث

٣١

بيان شرائط الاستنجاء بالأحجار

٥٠

عدم جواز الاستنجاء بالمطعوم

٣٣

التخيير بين الماء والأحجار إذا لم يتعدى الغائط عن المخرج

٥٣

عدم جواز الاستنجاء بما لا يقلع النجاسة

٣٣

الاستنجاء بالماء أفضل عند عدم التعدي

٥٥

استحباب تغطية الرأس حال التخلي

٣٤

الجمع بين الماء والأحجار أكمل

٥٦

استحباب التسمية حال التخلي

٣٥

عدم كفاية الأقل من ثلاثة أحجار

٥٧

استحباب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء

٣٩

بيان ما يستنجى به

٥٧

استحباب الاستبراء

٤١

وجوب إمرار كل حجر على موضع النجاسة

٥٨

استحباب الاستبراء للنساء وعدمه

٤٢

كفاية إزالة العين دون الأثر في مورد جواز الاستنجاء بالحجر

٥٩

استحباب الاستبراء للنساء وعدمه

٤٢

عدم إجزاء ثلاثة أحجار إذا لم يحصل بها النقاء

٥٩

استحباب تقديم اليمنى والدعاء عند الخروج

٤٢

وجوب إكمال ثلاثة أحجار ولو نقي بدونها

٥٩

كراهة التخلي في الشوارع والمشارع

٤٢

كفاية استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات وعدمها

٦٠

كراهة التخلي تحت الأشجار المثمرة

٤٥

بيان فروع المترتبة على الكفاية وعدمها

٦١

كراهة التخلي في مواطن النزال ومواضع اللعن

٤٦

جواز استعمال الحجر المستعمل وعدمه

٦٢

كراهة استقبال الشمس والقمر للمتخلي بفرجه

٤٨

عدم جواز الاستنجاء بالأعيان النجسة والمتنجسة

٦٥

كراهة استقبال الريح بالبول

٦٦

كراهة البول في الأرض الصلبة

٦٧

كراهة البول في ثقوب الحيوان

٣٧٩

الصحيفة

العنوان

الصحيفة

العنوان

٦٨

كراهة البول في الماء الجاري والراكد

٧٥

بيان المراد من النية المعتبرة في الوضوء

٧٠

كراهة الأكل والشرب والسواك حال التخلي

٧٧

عدم اعتبار اللفظ في النية

٧٠

كراهة الاستنجاء باليمين

٨٠

لزوم الاخطار في النية وعدمه

٧١

كراهة الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى

٨١

هل يعتبر قصد الوجوب أو الندب في النية أم لا؟

٧٢

حرمة الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله إذا كان موجبا للتلويث

٨٦

اعتبار القرية في النية

٧٣

كراهة الكلام حال التخلي إلا بذكر الله تعالى

٨٩

وجوب نية رفع الحدث والاستباحة وعدمه

٧٤

عدم كراهة قراءة آية الكرسي حال التخلي

٩٣

عدم اعتبار النية في تطهير الثياب وغير ذلك

٧٤

عدم كراهة الكلام لحاجة يضر فوتها

٩٥

كفاية الطهارة لو ضم إلى نية التقرب الضمائم المباحة وعدمها

٧٤

عدم كراهة الحمد بعد العطس

٩٦

لزوم الاخلاص وعدم الرياء في النية

٧٤

استحباب حكاية الأذان حال التخلي

١٠٠

حرمة العجب

٧٤

كراهة تطميح الرجل ببوله من سطح أو مكان مرتفع

١٠٢

عدم فساد النية مع ضم الضمائم الراجحة

٧٥

كراهة البول قائما والتخلي على القبر وبين القبور

١٠٣

وقت نية الوضوء

٧٥

كراهة طول الجلوس على الخلاء

١٠٥

تضيق وقت النية عند غسل الوجه

٧٥

كراهة استصحاب الدرهم الأبيض الغير المصرور

١٠٥

وجوب استدامة حكم النية إلى الفراغ

١١٠

كفاية وضوء واحد بنية التقرب عن أسباب متعددة

١١٤

تداخل الأغسال

١٣٧

تحديد الوجه

١٣٩

بيان معنى النزعتين والعذار والمارض

٣٨٠