جواهر الكلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يقطر منه البول ولا يقدر على حبسه ، فقال عليه‌السلام : إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر ، يجعل خريطة » وقد يشعر به ترك الأمر بالتجديد في‌ خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : « سئل عن تقطير البول ، قال عليه‌السلام : يجعل خريطة إذا صلى » وخبر عبد الرحمن (٢) قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في خصي يبول ، فيلقى من ذلك شدة ، ويرى البلل بعد البلل ، قال عليه‌السلام : يتوضأ ثم ينتضح ثوبه في النهار مرة » كل ذلك مع استصحاب حكم الوضوء الأول ، والشك في شمول ما دل على ناقضيته لمثل ما نحن فيه ولو سلم فهي من قبيل المطلق والمقيد أو العام والخاص ، فيحمل عليه وإن كان الخاص ذا أفراد ، فلا وجه لحمله على بعض الأحوال دون بعض والحمل على المستحاضة قياس لا نقول به.

ومستند ( الثالث ) صحيح حريز بن عبد الله (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح » إذ لو لم يكن ذلك للاكتفاء بالوضوء الواحد لم يكن للجمع فائدة ، ومنه يعلم عدم الجواز في الزيادة أيضا ، قلت : قد يقال : انه مع الشهرة التي كادت تبلغ الإجماع بل قد عرفت إشعار عبارة الشيخ في الخلاف بالإجماع على التجديد لكل صلاة يضعف تحكيم ما سمعت من الاخبار المذكورة للمبسوط على العمومات ، على أنها غير صريحة في المقام ، لاحتمال الأول منها غير البول ، والمراد رفع الحكم عن مانعية النجاسة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٨ عن عبد الرحيم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ١.

٣٢١

للصلاة ، مع أنه لا تعرض فيه لعدم إيجاب الوضوء كالثاني ، وكون الله أولى بالعذر لا دلالة فيه على ما نحن فيه ، لكونه متمكنا منه بالنسبة إلى كل صلاة ، وجعل الخريطة في الثالث لا ينافي ذلك ، واحتمال خبر الخصي البلل المشتبه ، وكذلك خبر العلامة ، فإنه يحتمل أن يكون الفائدة في الجمع للنجاسة واستمرار الحدث لا بالنسبة إلى عدم تجديد الوضوء ، وبهذا يظهر قوة كلام المشهور.

لكن يبقى الإشكال في تقرير القاعدة بالنسبة إلى جميع أفراده فنقول : إن المسلوس الذي حدثه مستمر بحيث لا تسلم له طهارة يفعل معها بعض الصلاة بل كان متواليا فالأصل الأول يقتضي سقوط الصلاة بتعذر شرطها كفاقد الطهور إلا أن الإجماع بحسب الظاهر على عدم سقوطها كالإجماع على وجوب هذه الصورة من الوضوء للصلاة الاولى ، وأما بالنسبة إلى غيرها من الصلاة فلا إجماع ، لما عرفته من مخالفة الشيخ ، اللهم إلا أن يقال : إن الشغل اليقيني موجب للبراءة اليقينية وهي منحصرة في ذلك ، أو يقال : إن الأدلة قاضية بوجوب الوضوء لكل صلاة وإن لم يكن طهارة أي رافعا ، أو يقال : إن البول مثلا موجب للوضوء سقط محل الاضطرار فيبقى الباقي ، لكنه في الأخيرين محل منع ، والأول مبني على شرطية ما شك فيه.

وأما المسلوس الذي له فترات يتمكن فيها من فعل الطهارة وبعض الصلاة فهل الأصل بعد الإجماع على عدم سقوط الصلاة يقتضي سقوط حكم الحدث الواقع في الأثناء أو يقتضي فعل الطهارة في أثناء الصلاة ثم البناء على ما مضى في صلاته؟ واحتمال القول أن الإجماع منعقد على عدم الحاجة في نحوه إلى الطهارة في الأثناء فيه أن أقصى ما هناك أن الإجماع منعقد على الصحة وعدم البطلان بوقوع الحدث في الأثناء لا عدم الحاجة إلى التجديد ، وإلا فقد عرفت من ابن إدريس وجوب الطهارة في الأثناء في نحو ذلك ، بل ربما ظهر من جماعة أن له حكم المبطون حينئذ ، وستعرف أن ذلك حكمه لمكان الاخبار ، وما في المعتبر في المقام من الاتفاق على العفو عن الحدث بالنسبة إلى الصلاة‌

٣٢٢

الواحدة لعله في غير المقام ، فتأمل.

والحاصل لا أعرف أصلا يرجع إليه في ذلك ، إذ كما أن القول بعدم الالتفات إلى هذا الحدث وفعل الصلاة من غير تجديد مخالف للضوابط كذلك فعل الطهارة في أثناء الصلاة ، اللهم إلا أن يقال : إنه لما قام الإجماع على الصحة مع تخلل الحدث فحكمها مستصحب ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب في الأثناء ، على أنه مخالف لما دل من مانعية الفعل الكثير ، بل قد يكون ماحيا ، ولكن يمكن ترجيح الأول بموافقة أخبار المبطون (١) وبكونه أقرب إلى‌ قوله عليه‌السلام (٢) ( لا صلاة إلا بطهور ) وسقوط الاستمرار بعد تسليم الدليل شموله لمثل المقام لا يمنع من ذلك ، فلعل ذا هو الأقوى ما لم يكن في التكرير عسر وحرج ، والقول بوجوب فعل صلاتين بالكيفيتين تحصيلا للبراءة اليقينية لا يخلو من وجه ، كما أنه يحتمل أن يقال : المراد بالمسلوس في كلام الأصحاب ما لا يشمل نحو هذه الصورة ، وإلا فهو في هذه مساو للمبطون كما يظهر من الشهيد في الدروس وغيره ، لكن فيه أنه لم يستثن في كلامهم سوى من كانت له فترة تسع الطهارة والصلاة ، والغرض من هذا الكلام أنه بعد إعراض المشهور عن ما سمعت من الاخبار رجعوا إلى ما تقتضيه القواعد ، إلا أنه في انطباق جميع ما ذكروه على مقتضاه بالنسبة إلى سائر الافراد لا يخلو من تأمل كما عرفت وعليك بإمعان النظر فيما ذكرنا من تنقيح الأصل في المقام ، لينفعك في غير محل النص ، كمسلوس الريح إن لم نقل بدخوله تحت المبطون ومسلوس النوم وغيرهما ، ولعل كلام الشيخ في المبسوط هنا لا يخلو من قوة ، لأن جميع ما سمعته من المناقشات ليست سالمة من مثلها.

ثم اعلم أن مقتضى ما تقدم من الاخبار وجوب الاستظهار على المسلوس بمنع تعدي النجاسة بأن يضع خريطة أو كيسا كما صرح به جماعة من الأصحاب ، بل في جامع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

٣٢٣

المقاصد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ويؤيده مع ذلك الاحتياط في العبادة ، نعم الظاهر المنع بالممكن بوضع القطن ، فلا يتعين نحو الكيس وإن أمكن القول بوجوبه مع إمكانه ، لاحتمال أنه أقرب إلى صيرورته من قبيل الاجزاء الباطنة ، إلا اني لم أقف على كلام لهم في وجوب خصوص ذلك ، بل أوجبوا الاستظهار الشامل له ولغيره ، وهل يجب تغييرها عند كل صلاة أو التطهير اقتصارا على المتيقن؟ ليس في الاخبار إشعار بذلك ، بل الظاهر منها العدم ، وليعلم أيضا انه بناء على المشهور من نقض الحدث المتكرر للطهارة وانه مبيح للصلاة ينبغي أن يقتصر في إباحته على محل اليقين ، فليس له أن يمس الكتاب مثلا ولو حال الصلاة ، لكن يمكن إلحاق الواجب المشروط بالطهارة بها على إشكال ، إذ لم يعلم وجوبها في حال تعذر الشرط ، ولا إجماع والتنقيح لا منقح له ، ومنه يظهر الإشكال في المستحبات المشروطة بها ، لكن قد يقال به بالنسبة للنوافل خاصة ، لإطلاق قوله : ( يصلي ) ونحوه ، فتأمل. فإن المسألة من المشكلات ، ولم أعثر على من حررها ، ولعل ذلك كله يرجح قول الشيخ من عدم الالتفات إلى حكم هذا الحدث.

ثم ان الحكم في المسلوس ما سمعت ما لم يكن له فترة تسع الطهارة والصلاة ، وإلا وجب الانتظار كما صرح به جمع من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا هنا سوى ما ينقل عن الأردبيلي من احتمال عدم الوجوب ، لا طلاق الأدلة ، وحصول الخطاب بالصلاة ، فيقع الفعل بحسب الإمكان في ذلك الوقت ، لأنه من قبيل انقلاب التكليف ، والمسألة سيالة في جميع ذوي الأعذار ، لكن يمكن منع شمول الإطلاق لنحو المقام ، كمنع الخطاب بالصلاة على هذا الحال مع العلم بالتمكن من الشرط في ثاني الأوقات ، ولعل التفصيل في الاعذار بين ما يستظهر منها أنها من قبيل انقلاب التكليف وصيرورتها تكليفا ثانيا وبين ما يستظهر منها انها اضطرارية محضة كصلاة المكتوف ونحوه لا يخلو من قوة ، فيجوز في الأول دون الثاني ، والمشكوك فيه من قبيل الثاني ما لم يظهر خلافه ، بل لعله‌

٣٢٤

لا يجوز في الثاني مع احتمال زوال العذر حتى يضيق الوقت ، ليتحقق مناط الجواز ، وهو الضرورة ، إذ بدونه لا يحصل العلم بالاضطرار ، نعم قد يقال : إن له التمسك باستصحاب عدم التمكن فيبادر ، إلا أنه متى ارتفع العذر وجب عليه الإعادة ، إذ اقتضاء الأمر الاجزاء في نحو ذلك ممنوع كما قد عرفته غير مرة ، وكان ما نحن فيه من قبيل الثاني ، فلذا صرح الأصحاب بوجوب الانتظار عليه ، لكن هل يجب عليه انتظار زمن الخفة؟ إشكال ، ولو أمكن التحفظ عن الحدث بالصلاة جالسا أو مؤميا أو نحوهما قيل يجب ، وفيه أنه مخالف لا طلاق الأدلة ، على انه تخلص عن الضرورة بالأضر منها في بعض الأحوال ، فتأمل جيدا.

وقيل من به البطن بالتحريك أي من به إسهال أو انتفاخ في بطن أو من يشتكي بطنه كما عن مجمع البحرين ، وفي المعتبر وعن التذكرة ان المبطون هو الذي به البطن وهو الذرب ، إذا تجدد حدثه في الصلاة يتطهر ويبني كما في الوسيلة ومحتمل النهاية والمعتبر والنافع والمنتهى والذكرى والدروس واللمعة والروضة وغيرها من كتب متأخري المتأخرين وعن الجامع والإصباح ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، وظاهر المصنف وجماعة كصريح غيره أن المراد به من كانت له فترات يتمكن معها من فعل بعض الصلاة بطهارة لا من كان حدثه متواليا واليا متواترا ، فان الظاهر فيه انه يتوضأ مرة واحدة لكل صلاة كالمسلوس الذي هو كذلك كما صرح به بعضهم ، ولظهور ما تسمعه من أدلة المبطون في خلافه.

وكيف كان فالذي يقوى في نظري بعد كمال التأمل في كلمات الأصحاب أن محل النزاع في المقام ما سمعته من الصورة ، لا ما إذا كان متواليا واليا ولا ما إذا كانت له فترة تسع الطهارة والصلاة وإن احتمل بعضهم كون النزاع فيه ، لكن ينافيه التأمل في مطاوي كلماتهم بل تصريح بعضهم ، فنقول حينئذ ان المشهور فيه ما تقدم ، وقال العلامة في المختلف والقواعد والإرشاد وعن التذكرة ونهاية الاحكام انه إن كان يتمكن من حفظ نفسه بمقدار الصلاة تطهر واستأنف الصلاة من رأس ، وإن لم يكن متمكنا من ذلك بأن‌

٣٢٥

كان دائما لا ينقطع بنى على صلاته من غير تجديد في الأثناء كصاحب السلس ، إذ لا فائدة في التجديد ، لأن هذا المتكرر إن نقض الطهارة نقض الصلاة ، لما دل على اشتراط الصلاة باستمرارها ، وفيه ـ بعد تسليم شمول دليل الشرطية لنحو المقام على وجه يرتفع به الاستدلال عن المصادرة في المقام ـ انه اجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى المشهور ، بل لم يعرف فيه مخالف قبله ، ففي‌ موثق ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (١) قال : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي » وفي‌ صحيحه عنه عليه‌السلام أيضا (٢) قال : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته » وعليهما يحمل‌ صحيحه الآخر (٣) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المبطون ، فقال : يبني على صلاته » بل قد يشعر به أيضا‌ صحيح الفضيل بن يسار (٤) قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : اني أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا ، فقال : انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا ، وإن تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك ، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا ، قلت : وإن قلب وجهه عن القبلة قال : نعم وإن قلب وجهه عن القبلة » وخبر أبي سعيد القماط (٥) أنه « سمع رجلا يسأل الصادق عليه‌السلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة فقال عليه‌السلام : إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام » وهما وإن كانا لا صراحة فيهما فيما نحن فيه إلا ان تنزيلهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٤.

(٢) الفقيه ـ ج ١ ـ ص ٢٣٧ ـ من طبعة النجف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ حديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ حديث ١١.

٣٢٦

على ما ذكرنا من الاخبار أولى من غيره إن لم نقل ان التمسك بإطلاقهما ، وما وقع من كاشف اللثام تبعا للعلامة في التذكرة من الطعن في دلالة جميع ما سمعت من الاخبار لمكان الاحتمالات البعيدة مما لا يصغى إليه ، لما فيه من انسداد باب العمل بظواهر الكتاب والسنة بمجرد الاحتمال ، على أن ارتكاب التأويل فيها مما لا باعث عليه سوى ما سمعته من التلازم بين نقض الطهارة ونقض الصلاة ، وفيه مع إمكان منع شموله للمقام أن تجديد الطهارة في الأثناء أقرب للضوابط من الاستمرار على الحدث ، واحتمال عدم نقض الطهارة بمثل هذا الحدث كما هو مذهب الشيخ في المبسوط فيه ما عرفته سابقا من المخالفة للمشهور ، بل هذا القائل لم يوافقه عليه هناك ، والمنافاة للأدلة الكثيرة الظاهرة كمال الظهور في ناقضية طبيعة البول ، ودعوى أن الاستمرار على الحدث أولى من فعل الطهارة في الأثناء ثم الإتمام فيه ما عرفته سابقا في المسلوس.

ومن هنا اتجه إلحاق المسلوس الذي يكون حاله كحال المبطون في الفترات بالمبطون كما صرح به جماعة ، ولا ينافيه كلام آخرين ، نعم قد يظهر من بعضهم اختصاص هذا الحكم بالمبطون دون المسلوس ، والأقوى خلافه ، وإن كان فعل الصلاتين على الحالين أوفق بالاحتياط ، كما أن الظاهر أن المبطون الذي يكون حاله كحال المسلوس الذي لا فترة له بحيث لا يسعه الطهارة والصلاة ولو بالتكرير يستمر ولا يحتاج إلى تجديد في الأثناء ، لظهور النصوص والفتاوى في من تمكن من فعل الصلاة بطهارة ولو مع التكرير ، كما لا يخفى على المتأمل ، والظاهر أنه لا يقتصر على التكرير مرة واحدة وإن تجدد الحدث بعدها ، بل يفعل أيضا وهكذا ما لم يكن مستمرا للحدث بحيث يتعذر التكرير أو يتعسر لعدم سعة زمن الفترة.

ثم انه إذا كان الثاني فهل يترك التكرير من أول الأمر أو إلى أن يصل إلى حد الحرج؟ وجهان ، منشأهما تقدير الضرورة بقدرها واحتمال وجوب تقليل الحدث مهما أمكن ، ومن أن التكليف الحرجي لا يلحظ فيه نحو ذلك كما في كثير من أفراده ، وبما‌

٣٢٧

ذكرنا يتضح لك الحكم في مستمر الحدث غير السلس والبطن كالنوم مثلا ، وحاصل الكلام في الجميع أنه إن كان له زمان يسع الطهارة والصلاة وجب الانتظار على المشهور ، وإن لم يكن كذلك فاما أن يكون مستمرا متواليا واليا ليست له فترات أو لا ، فان كان الأول توضأ لكل صلاة على ما عرفت ، لكن يجب ان يكون عندها لا مقدما عليها ، وإن كان الثاني فان لم يكن في التكرير عسر وحرج وجب ، وإلا سقط رأسا أو إلى أن يصل الى ذلك على الوجهين.

( وسنن الوضوء )

و‌هي وضع الإناء على اليمين كما في المقنعة والمبسوط والوسيلة والمراسم والمهذب والكافي والجامع والنافع والمعتبر والمنتهى والقواعد والتحرير والإرشاد والدروس والذكرى والنفلية وشرحها وجامع المقاصد وغيرها ، بل في المعتبر والذكرى وغيرهما نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، وكفى به دليلا لنحو المقام ، إذ هو من السنن التي يتسامح فيها ، للرجحان العقلي في فعل ما يحتمل استحبابه احتمالا معتبرا ، مضافا إلى ما‌ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « أنه كان يحب التيامن في طهوره وتنفله وفي شأنه كله » وإن كان الظاهر انها رواية عامية ، والمروي (٢) عند الخاصة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ان الله يحب التيامن في كل شي‌ء » لكن مقتضاه ثبوت الاستحباب في غير المقام ، مع انا لم نعثر على من نص عليه بالنسبة إلى غسل النجاسات ونحوها ، ولا ينافيه ما‌ في بعض أخبار الوضوءات البيانية انه عليه‌السلام (٣) « دعا بقعب فوضعه بين يديه » لصدقه على ما إذا كان عن يمينه ، وربما علله بعضهم بأنه أمكن في الاستعمال وأدخل في الموالاة ، وكأنه إشارة إلى ما‌ ورد في‌

__________________

(١) صحيح البخاري ـ باب التيمن في الوضوء والغسل ـ من كتاب الوضوء.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٣٢٨

الاخبار على ما قيل « ان الله يحب ما هو الأيسر والأسهل » وهو بوضعه على اليمين لما ستعرفه ان الوضوء بالاعتراف بها ، ولعله لذا جعله بعضهم أدبا إن قلنا بالفرق بينهما بأن يراد بالثاني ما يستفاد مطلوبيته ورجحانه من ممارسته مذاق الشرع وإن لم يرد به دليل بالخصوص ، فتأمل. ولعله لما سمعت من التعليل خص جملة من الأصحاب الاستحباب بما إذا كان الوضوء من إناء يغترف منه ، أما إذا كان ضيق الرأس فالمستحب وضعه على اليسار ، لأنه أمكن في الاستعمال ، قلت : ولعل إطلاق كثير منهم استحباب وضعه على اليمين مبني على استحباب كون إناء الوضوء مما يغترف منه ، لأنه المستفاد من الوضوءات البيانية ، والظاهر قصر الاستحباب على ما إذا كان الوضوء من إناء ونحوه لا ما كان من حوض أو نهر ونحوهما ، مع احتمال ذلك فيهما يوضعهما على جهة اليمين ، أو جعل الناحية التي يغترف منها عليه ، كما أن الظاهر قصره على نفس المباشر ، فلا يجري بالنسبة إلى النائب ونحوه ، ولا فرق في الاستحباب بين كون الرجل أيمنا أو أيسرا ، واحتمال جعل يسار الأيسر يمينا بالنسبة إليه ضعيف.

والاغتراف بها كما في كثير من الكتب المتقدمة ، بل في المعتبر والذكرى نسبته إلى الأصحاب ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك والى ما سمعته في سابقه ـ بعض الوضوءات البيانية ، وفي‌ صحيحة (١) أو حسنة ابن أذينة أنه « لما دنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين » إلى آخرها قلت : بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى غير غسلها ، وأما هو فالمستفاد من كثير من الوضوءات البيانية الاعتراف باليسرى لغسل اليمنى ، واحتمال الجمع بينهما بالحمل على التخيير فلا استحباب حينئذ بعيد ، كالحمل على استحباب الاعتراف بها لغير غسلها ، وإلا فالمستحب الأخذ باليسرى ، مع ما في الأخير من منافاة إطلاق كثير من الأصحاب كالمصنف وغيره ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

٣٢٩

بل صريح بعضهم وصريح بعض الوضوءات البيانية (١) أنه « أخذ كفا آخر بيمينه. فصبه على يساره ، ثم غسل به ذراعه الأيمن » نعم يحتمل في الجميع أنه لم يقصد منها بيان المستحب ، بل المراد بيان الواجب ، فلا يستدل بشي‌ء منها على المقام ، فيرجع إلى غيرها من الأدلة ، وهي تقضي بإطلاق الاستحباب حتى في غسلها ، كقوله عليه‌السلام : ( فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين ) وغيره ، ويكتفى حينئذ بالاستدلال بها على المطلوب.

والتسمية بلا خلاف أجده ، بل في الغنية والمعتبر والمنتهى والذكرى وغيرها الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة التي ستسمع بعضها ، فما في‌ مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام (٢) « ان رجلا توضأ وصلى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال له : هل سميت حيث توضأت؟ فقال : لا ، قال : سم على وضوئك ، فسمى وتوضأ فلم يأمره بالإعادة » مع موافقته للتقية محمول على تأكد الاستحباب كما حمله بعض الأصحاب ، إلا أنه يشكل العمل بمضمونه بالنسبة إلى مشروعية إعادة الوضوء والصلاة لترك هذا المستحب ، وربما ارتكبه بعضهم ، ولا يخلو من تأمل ، بل الاولى حمله على التقية ، أو يراد بترك التسمية النية كما حمله الشيخ عليه.

والدعاء بالمأثور عندها كما صرح به جملة من الأصحاب ، ففي المرسل (٣) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا توضأ قال : بسم الله وبالله وخير الأسماء لله وأكبر الأسماء لله ، وقاهر لمن في السماء ، وقاهر لمن في الأرض ، الحمد لله الذي جعل من الماء كل شي‌ء حي ، وأحيى قلبي بالإيمان ، اللهم تب علي وطهرني ، واقض لي بالحسنى ، وأرني كل الذي أحب ، وافتح لي بالخيرات من عندك يا سميع الدعاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٧.

٣٣٠

وفي المروي‌ عن الخصال عن علي عليه‌السلام (١) أيضا قال : « لا يتوضأ الرجل حتى يسمي ، يقول قبل أن يمس الماء : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين » وفي كثير من الاخبار (٢) ان « من ذكر اسم الله على وضوئه طهر جسده كله » وفي بعضها (٣) ( فكأنما اغتسل ) « ومن لم يذكر اسم الله على وضوئه طهر من جسده ما أصابه الماء » (٤) بل في جملة منها ما يستفاد منها مرجوحية تركها ، لاشتمالها على أن‌ « من لم يسم على وضوئه كان للشيطان فيه شرك » (٥) ولا طلاق الأمر بالتسمية في النص والفتوى يستفاد استحبابها وإن لم يأت بالدعاء ، إلا أن الأظهر الإتيان بلفظ بسم الله لكونه المتبادر من التسمية ، بل قد يدعى أنه المتبادر منها بسم الله الرحمن الرحيم لكن ينافيه ما سمعت من الاخبار الواقع فيها بيانها ، نعم احتمال القول باستحباب ذكر لفظ الجلالة عند الوضوء وإن لم يكن بلفظ التسمية لا يخلو من وجه ، لما سمعته‌ عن الصادق عليه‌السلام (٦) أنه قال : « من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل » لظهوره في إرادة الاسم من التسمية ، ويؤيده ما في‌ خبر معاوية بن عمار (٧) عن الصادق عليه‌السلام « فإذا توضأت فقل : أشهد أن لا إله إلا الله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، والحمد لله رب العالمين » فإنه لم يذكر فيه لفظ التسمية ، إلا أن ظاهر غيرهما من النص والفتوى استحباب لفظ التسمية ، والاولى الاقتصار عليه لكونه المتيقن ، فلا يكتفى بالمشكوك فيه مع وجوده ، بل قد يدعى أنه لا يصح إتيانه بعنوان التقرب لاحتمال الموافقة وإن جوزناه في الأمر الدائر بين الاستحباب والإباحة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٨ و ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

٣٣١

لأن مبنى الجواز فيه الاحتياط الذي رجحه العقل ، وهو مفقود مع وجود الفرد المتيقن لأن الاحتياط فيه.

ثم ان الذي يظهر من النصوص والفتاوى كون وقت التسمية عند الشروع في الوضوء ، نعم قد يدخل فيه بعض أجزاء الوضوء المستحبة ، لكن قال في الحدائق : « الظاهر امتداد وقتها من حين الوضع أو الصب للاستنجاء الى الشروع في غسل الوجه » وهو بعيد جدا ، وكأن منشأ وهمه استحباب التسمية عند الاستنجاء ، ثم الدعاء بقوله اللهم اجعلني من التوابين ، إلى آخره. مع استبعاد استحباب التسمية ، وفيه أنه لا مانع من الحكم باستحبابهما معا بعد ظهور الأدلة فيه ، وهل يستحب ذكرها في الأثناء لو تركها عمدا أو نسيانا كما صرح به جماعة ، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، لقوله عليه‌السلام : ( لا يترك الميسور ) ولكونه أقرب الى المشروع ، ولأنه كالأكل ، وفي الجميع نظر واضح ، أو لا يستحب لعدم الدليل؟ ولعله الأقوى ، لظهور التسمية على الوضوء في وقوعها في أوله ، ولما سمعته في مروي الخصال المتقدم ، ولما في الوضوء البياني‌ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ، ثم قال : بسم الله وسد له » فما في الذكرى من استحباب ذكرها في الأثناء ولو مع الترك العمدي لا يخلو من نظر ، نعم الظاهر من الأخير تأخر التسمية عن الوضع ، بخلاف‌ مروي الخصال المتقدم « لا يتوضأ الرجل حتى يسمي يقول قبل أن يمس الماء » إلى آخره لكن يحتمل جواز كل من الأمرين جمعا بينهما.

ومن سننه غسل اليدين من الزندين على الأظهر قبل إدخالهما الإناء الذي يغترف منه من حدث مسمى النوم أو البول مرة ، ومن الغائط مرتين كما في الخلاف والمبسوط والجمل والعقود والغنية والكافي والجامع والسرائر والمعتبر والمنتهى وغيرها من كتب المتأخرين ، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما تسمعه من الشهيد في لمعته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٣٣٢

ونفليته ، بل في الغنية وظاهر المعتبر وغيره الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ صحيحة الحلبي (١) قال : « سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول ، واثنتان من حدث الغائط ، وثلاثة من الجنابة » ونحوه في الدلالة على البول والغائط ، وأما النوم ففي‌ الصحيح أو الحسن عن حريز عن الباقر عليه‌السلام (٢) قال : « يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا » وفي الفقيه أنه‌ قال الصادق عليه‌السلام (٣) : « اغسل يدك من النوم مرة » وقد يستدل على حكم البول والنوم بإطلاق الأمر بالغسل في‌ خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (٤) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شي‌ء أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : لا حتى يغسلها ، قلت : فان استيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : لا ، لأنه لم يدر حيث باتت يده ، فليغسلها » وأطلق في اللمعة المرتين ، كما أطلق في النفلية المرة ، وهو مع عدم دليل غلية بالنسبة للنوم في الأول والغائط في الثاني ضعيف ، لمخالفته لما سمعت من الأدلة ، وما يقال من التمسك للأول بقول الباقر عليه‌السلام المتقدم : ( ومن الغائط والبول مرتين ) فهو مع عدم شموله لتمام الدعوى يجب تنزيله على التداخل ، كما نسب إلى الأصحاب جمعا بين الروايات مع أن الغالب خروج البول مع الغائط ، ومنه ينقدح صحة التداخل في المقام وإن لم نقل بموافقته للأصل ، فيكتفى بالمرة مع اتحاد موجب الأسباب ، ويدخل الأقل في ضمن الأكثر مع اختلافها من غير خلاف أجده فيه في المقام ، ولعله لما سمعت من الخبر مع عدم القول بالفصل وكون الحدث كالخبث ، بل قد يظهر مما سمعته من خبر النوم أن غسلها من جهة احتمال النجاسة ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٣٣٣

ولعل المراد باليد في النص والفتوى من الزند كما في التيمم والدية وغيرهما على ما صرح به في المنتهى والروضة وكشف اللثام وغيرها ، ونسبه في الحدائق إلى الأصحاب لكونه المتبادر سيما من نحو‌ قوله : ( قبل أن يدخلها في الإناء ) وربما علل ذلك بالاقتصار على المتيقن ، وفيه ما لا يخفى ، إذ الاحتياط في المستحب يقتضي خلافه ، سيما بعد اشتمال الرواية على غسلها للجنابة ثلاثا ، وهي فيها من المرفق كما سيأتي ، ولعل ما سمعت من الإجماعات المنقولة تكفي في الدلالة على استحباب ما ذكره الأصحاب من غسل اليدين ، وإلا فاستفادته من الروايات لا يخلو من تأمل ، وكيف مع اشتمال الصحيحة الأولى على اليمنى ، مع أنك قد سمعت سابقا أنها هي التي تدخل في الماء يغترف بها لجميع أعضاء الوضوء.

ثم ان ظاهر النص والفتوى قصر الحكم على ما إذا كان الوضوء بإدخال اليد ، أما إذا كان بطريق الصب ونحوه فلا ، واحتمال القول به فيه أيضا من جهة كونه من آداب الوضوء أو لأن مشروعيته من جهة احتمال نجاسته كما يشعر به‌ قوله عليه‌السلام : ( فإنه لا يدري بها حيث باتت ) ضعيف جدا ، لأن الثابت من أدبيته انما هو هذا المقدار ، وكون مشروعيته من جهة احتمال النجاسة على تقدير تسليمه لا يجدي ، لجواز كون هذا الاحتمال موجبا لاستحباب الغسل إذا كان الوضوء بطريق الإدخال ، وأيضا فالظاهر منها قصر الحكم على ما إذا كان الماء قليلا ، أما إذا كان كثيرا فلا يجري الحكم المذكور ، كما أن الظاهر أن الغسل المذكور تعبدي لا يدور مدار توهم النجاسة ، بل لو قطع بطهارة اليد استحب ذلك أيضا ، أخذا بإطلاق النص والفتوى ، وما يشعر به خبر النوم لا يصلح مخصصا ، على أن التعليل المذكور لا يمنع من وجود غيره ، نعم قد يقوى في النظر أن الغسل المذكور كغسل الخبث لا يحتاج إلى نية ، بل لو انغسلت يده مع عدم العلم بها اكتفى به ، مع احتمال توقف صحته على نية القربة ، ثم أن ما احتمله بعضهم أن ذلك ليس من آداب الوضوء بل هو من آداب الماء في غاية الضعف ، لمخالفته‌

٣٣٤

كلمات الأصحاب وبعض الأدلة المذكورة ، نعم يقتصر في الحكم المذكور على الأحداث المتقدمة ، فلا يجري الحكم في نحو الريح ، إذ هو قياس لا نقول به.

ومن سننه المضمضة والاستنشاق لا واجبان فيه كما عن إسحاق وأحمد ، للأصل والوضوءات البيانية ، وللإجماع المحصل والمنقول ، والسنة التي كادت تكون متواترة ، بل هي كذلك بالنسبة إليه ، نعم هما مسنونان بلا خلاف أجده فيه بين أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين عدا ما نقل عن ابن أبي عقيل من أنهما ليسا عند آل الرسول (ص) بفرض ولا سنة ، وهو ضعيف جدا ، للإجماع المحكي صريحا وظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب ، وللأخبار المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة ، منها ما رواه‌ ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١) : « المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كمضمرة سماعة (٢) « هما من السنة ، فان نسيتهما لم يكن عليك إعادة » وخبر أبي بصير (٣) « سأل الصادق عليه‌السلام عنهما فقال : هما من الوضوء ، فان نسيتهما فلا تعد » وخبر السكوني (٤) عن الباقر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق فإنه غفران لكم ومنفرة للشيطان » إلى غير ذلك من الاخبار التي يطول الكتاب بذكرها ، على أن المنقول عنه غير صريح المخالفة ، لاحتمال إرادته أنهما ليسا من السنة الحتمية في مقابل الفرض أي الواجب بغيرها ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام (٥) في خبر زرارة : « ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة ، وانما عليك أن تغسل ما ظهر » إذ المراد به ليس مما علم وجوبه بالسنة ، وهو معنى معروف التأدية بمثل هذا اللفظ تعريضا للرد على ما سمعته من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١١ لكن رواه عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٦.

٣٣٥

بعض العامة ، كالأخبار المستفيضة جدا الدالة على أنهما ليسا من الوضوء بل هما من الجوف ، أي انهما ليسا من واجباته ، واحتمال الجمع بينها وبين غيرها من الروايات بالحكم باستحبابهما في ذاتهما لا للوضوء كما لعله يظهر من الهداية ضعيف جدا مناف لظاهر النص والفتوى بل الإجماعات المنقولة وغيرها ، نعم لا يبعد الحكم باستحبابهما في ذاتهما وللوضوء كما لا يخفى على من لاحظ روايات الباب ، مع عدم منافاته لكلمات الأصحاب.

ويرجع فيهما إلى العرف كما هو في غيرهما من الألفاظ ، لتقدمه على اللغة ، أو لعدم ظهور المخالفة بينهما ، بل ملاحظة المنقول عن أهل اللغة من معناهما يرشد إلى إحالتهما عليه ، نعم ينبغي الاقتصار في التعبد على غير الفرد المشكوك في كونه منهما ، بل لعل الظاهر أنه لا يجوز التقرب بمثله ، لمكان التشريع ، ولا احتياط مع وجود الفرد المعلوم براءة الذمة به ، ونحوه يجري في الواجبات أيضا ، والأقوى أنهما في العرف إدارة الماء في الفم واجتذابه بالأنف من غير اشتراط للمج في الأول والاستنشار في الثاني كما وقع من بعضهم ، كما أن الظاهر أنه لا يعتبر في الأول إدارة الماء في جميع الفم ، ولا في الثاني جذب الماء إلى الخياشيم لغير الصائم ، نعم قد يستفاد استحبابهما فيهما لأنها من المبالغة المأمور بها ، كما أنه قد يستفاد استحباب المج ونحوه ، لأنهما لازالة القذارات التي ينبغي إخراجها ، ولكونه المعروف في فعلهما ، ومما ينبغي القطع بعدم اعتباره اشتراط الإخراج بمعنى عدم الاكتفاء بالخروج لنفسه ، كما أنه ينبغي القطع بعدم اعتبار إدخال الماء للفم في المضمضة ، بل يكفي الدخول ، نعم يمكن اعتبار الجذب في الاستنشاق ، وإلا كان سعوطا لا استنشاقا ، وينبغي القطع أيضا بعدم اعتبار الثلاث في معناهما كما هو ظاهر ، بل ولا في استحبابهما كما عساه يظهر من بعضهم لأخذ ذلك في الكيفية ، وآخر حيث أخذه حالا ، قال في تعداد المستحبات : المضمضة والاستنشاق‌

٣٣٦

ثلاثا ثلاثا ، إلى أن قال : كل ذلك بالإجماع كما في الغنية ، بل في المبسوط التصريح بأنهما لا يكونان أقل من ثلاث.

والأقوى أنه مستحب في مستحب كما هو صريح اللمعة وغيرها كظاهر التذكرة وغيرها ، تمسكا بالمطلقات التي كادت تكون من المتواترة ، بل ظاهر الوضوء المحكي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) عدم التثليث ، وما في‌ خبر أبي إسحاق الهمداني (٢) المنقول عن أمالي ولد الشيخ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في عهده إلى محمد بن أبي بكر لما ولاه مصرا إلى أن قال : « وانظر إلى الوضوء ، فإنه من تمام الصلاة ، تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا » وما‌ عن الكاظم عليه‌السلام (٣) أنه كتب إلى علي ابن يقطين « تمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا » لا يصلح لتقييد تلك المطلقات تقييدا بحيث يكون الفاعل للواحد أو لاثنين شرعا آثما ، وكيف وفي أصل حمل المطلق على المقيد في المستحب ما هو غير خفي ، فضلا عن حمل هذا المطلق على نحو هذا المقيد ، بل قد يدعى أن نحو ذلك في الواجب لا يفيد اشتراط هيأه العدد ، بل هو من قبيل الأوامر المتعددة ، وما في بعض كلمات الأصحاب من ظهور التقييد بادئ بدء يجب تنزيله على ذلك كما هو واضح ، نعم قد ظهر لك من الروايتين المذكورتين استحباب التثليث كما أفتى به الأصحاب ، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من إنكار مستنده ليس في محله ، نعم ما ذكره بعضهم من كون الثلاث بثلاث أكف ومع إعواز الماء يكفي الكف الواحدة لم أقف له على مستند بالخصوص ، بل عن مصباح الشيخ ومختصره ونهايته والمقنعة والوسيلة والمهذب والإشارة الاقتصار على كف لكل منهما ، وعن ظاهر الاقتصاد والجامع الاكتفاء بكف لهما ، كما هو مقتضى الإطلاقات مع التأييد بالنهي عن السرف في ماء الوضوء ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٣٣٧

المبسوط لا فرق بين أن يكونا بغرفة واحدة أو بغرفتين ، وعن المصباح يتمضمض ثلاثا ، ويستنشق ثلاثا بغرفة أو بغرفتين ، لكن لا بأس بمتابعتهم على ذلك ، للتسامح في أدلة السنن.

وهل يشترط تقديم المضمضة على الاستنشاق كما هو ظاهر الوضوء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) لقوله عليه‌السلام : ( ثم استنشق ) ويشعر به تقديم المضمضة عليه في سائر الأخبار (٢) المتعرضة وإن لم نقل بأن الواو للترتيب ، أو لا يشترط شي‌ء من ذلك ، فيجوز تقديم تمام الاستنشاق على تمام المضمضة ، والبعض على البعض ، أو أنه يجب البدأة بالمضمضة وإن حاز الاستنشاق بين المضمضات؟ ولعل الأقوى في النظر أنه مستحب في مستحب كما عن ظاهر الوسيلة والتحرير والتذكرة ونهاية الاحكام والذكرى والنفلية ، وربما ينزل عليه ما وقع في كلام بعض الأصحاب من عطف الاستنشاق بثم كما عن المقنعة والمصباح ومختصره والمهذب والبيان ، لعدم الدليل على اشتراط الاستحباب بتقديم المضمضة على الاستنشاق ، والمنقول من فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام أعم من ذلك ، مع أن المنقول عن الكافي الذي هو أضبط كتب الاخبار ذكر الخبر مقدما للاستنشاق على المضمضة ، نعم لمكان فتوى من عرفت بالاستحباب أمكن جعله حجة على ذلك ، إلا أنه قد يفهم من الخبرين المتقدمين التوالي في المضمضات ، وكذا الاستنشاق ، فلا يفصل بينهما بشي‌ء منهما ، فتأمل جيدا ، والاحتياط في إتيان الوظيفة لا ينبغي تركه ، والله أعلم.

ويستحب الدعاء بالمأثور عندهما بأن يقول عند المضمضة‌ ( اللهم لقني حجتك يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكرك ) على ما عن الفقيه والتهذيب ، وعن نسخة من الكافي ( اللهم أنطق لساني بذكرك ، واجعلني ممن ترضى عنه ) ويقول عند الاستنشاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الوضوء.

٣٣٨

( اللهم لا تحرم علي الجنة ، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ) كما عن التهذيب والفقيه ، وعن نسخة من الكافي تبديل الروح بالريحان مع تقديم الطيب عليه ، والكل حسن كما أنه يستحب الدعاء أيضا عند غسل الوجه بأن يقول : ( اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ) وعند غسل اليدين اليمنى‌ ( اللهم أعطني كتابي بيميني ، والخلد في الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا ) واليسرى ( لا تعطني كتابي بشمالي ، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطعات النيران ).

وعند مسح الرأس‌ اللهم غشني برحمتك وبركاتك ) وعند مسح الرجلين‌ ( اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ، واجعل سعيي فيما يرضيك عنى ) كما روى جميع ذلك عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما‌السلام (١) ويستحب أن يقول عند الفراغ : ( الحمد لله رب العالمين ) لخبر زرارة (٢) و‌عن الفقيه (٣) « زكاة الوضوء أن يقول المتوضي : ( اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة ) » وعن المجلسي في البحار‌ عن الفقه الرضوي (٤) « أيما مؤمن قرأ في وضوئه إنا أنزلناه في ليلة القدر خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » وروى أيضا‌ عن كتاب اختيار السيد ابن الباقي وكتاب بلد الأمين (٥) « ان من قرأ بعد إسباغ الوضوء إنا أنزلناه في ليلة القدر وقال : اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك لم يمر بذنب أذنبه إلا محقة » وروى فيه أيضا عن‌ كتاب جامع الاخبار (٦) قال : « قال الباقر عليه‌السلام : من قرأ على أثر وضوئه آية الكرسي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

(٣) البحار ـ المجلد ـ ١٨ ـ باب التسمية من أبواب الوضوء.

(٤) البحار ـ المجلد ـ ١٨ ـ باب التسمية من أبواب الوضوء.

(٥) البحار ـ المجلد ـ ١٨ ـ باب التسمية من أبواب الوضوء.

(٦) البحار ـ المجلد ـ ١٨ ـ باب التسمية من أبواب الوضوء.

٣٣٩

مرة أعطاه الله تعالى ثواب أربعين عاما ، ورفع له أربعين درجة ، وزوجه الله تعالى أربعين حوراء ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي عليه‌السلام إذا توضأت فقل بسم الله ، اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك فهذا زكاة الوضوء ».

ويستحب ان يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى وفي الثانية بباطنهما والمرأة بالعكس أي تبتدئ في الأولى بالباطن وفي الثانية بالظاهر كما في المبسوط والغنية والتذكرة والقواعد والإرشاد والتحرير والبيان واللمعة وظاهر الدروس وعن النهاية والإصباح والإشارة والكيدري بل في الغنية والتذكرة الإجماع عليه ، لكن في السرائر بدل الغسلتين الكفين ، ولعله يريد بهما ذلك ، والمنقول عن أكثر الأصحاب إطلاق استحباب بدأة الرجل بالظاهر والمرأة بالباطن ، والظاهر أنه كذلك ، وفي المنتهى بعد أن ذكر غير مفصل قال : وهو اتفاق علمائنا ، لكن يحتمل أنه يريد بالضمير أصل الاستحباب كما في المعتبر ، وكيف كان فقد اعترف متأخرو المتأخرين بعدم الوقوف على مستند للتفصيل المتقدم ، بل إطلاق‌ قول أبي الحسن الرضا (ع) في خبر محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) قاض بخلافه ، لأنه قال : « فرض الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع » اللهم إلا أن يستند فيه إلى الإجماعين المتقدمين ، ولا منافاة فيهما للخبر ، بل قد يحمل قوله عليه‌السلام : ( يبدأن ) على إرادة البدأة بالنسبة للغسلتين ، فيدل حينئذ على كون الثانية بعكسها وإلا لم تكن بدأة ، وأما الخنثى المشكل فقد ذكر بعض الأصحاب أن حكمها التخيير ، وكان مراده أنه لا حكم استحبابي بالنسبة إليها ، وهو كذلك ، نعم بناء على القول الثاني يحتمل تحصيلها الاستحباب بواسطة الغسلتين ، واحتمال استحباب الجمع بين العملين لتحصيل الاستحباب على الأول بعيد ، ثم ان الظاهر من الرواية المتقدمة كون المستحب البدأة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

٣٤٠