جواهر الكلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أجمع » انتهى. وفي‌ خبر عبد الأعلى مولى آل سام (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه‌السلام : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى (٢) ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » ما يدل على ذلك أيضا ، بل يستفاد منه عدم الفرق في المشدود بين كونه من الخرق أو غيره ، ومثل الجبائر والعصائب ما يطلى به الأعضاء للدواء ، كما صرح به جماعة من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا ، لحسنة الوشاء (٣) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزؤه أن يمسح على طلاء الدواء؟ فقال : نعم يجزؤه أن يمسح عليه » وقد عرفت سابقا أنهم حملوا ما دل على المسح على الحناء في‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثم يتوضأ للصلاة فقال عليه‌السلام : لا بأس بأن يمسح رأسه والحناء عليه » وخبر عمر بن يزيد (٥) قال عليه‌السلام : يمسح فوق الحناء » على الضرورة ، بل هو مشعر بكون ذلك من المسلمات عندهم ، وقد يستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها كفحوى أخبار الجبائر خصوصا قوله عليه‌السلام : ( إن كان يؤذيه الماء ) ونحوه جواز المسح على كل حائل من شداد وغيره وضع على العضو لدفع ضرورة أو زيادته ونحو ذلك من غير تفصيل بين كون ذلك المرض كسرا أو جرحا أو قرحا أو صليلا وغيرها ، كما يقضي به ترك الاستفصال في الدواء المطلي عن ذلك الداء ، وما سمعته من خبر المرارة ونحوهما.

والظاهر أنه للمكلف أن يجعل ذلك الحائل وإن لم ينحصر الدواء فيه من غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٢) سورة الحج ـ الآية ٧٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٣٠١

فرق بين حصول الخطاب بالوضوء وعدمه ، وما في‌ موثقة عمار (١) سأل أبو عبد الله عليه‌السلام : « عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكا؟ قال : لا ، ولا يجعل عليه إلا ما يقدر على أخذه عنه عند الوضوء ، ولا يجعل عليه ما لا يصل إليه الماء » محمول على عدم حصول نفع به ، على أن في سنده عمارا وقد طعن فيه بأنه متفرد برواية الغرائب ، وإلا فاحتمال حملها على عدم الانحصار في التداوي بذلك بعيد ، لأن الظاهر جوازه وإن لم ينحصر به ، كما يقضي به ترك الاستفصال فيما سمعت وغيره ، مع ما في ذلك من الحرج ، نعم يحتمل حمله على الكراهة مع عدم الانحصار.

ولو وضع الحاجب مع عدم الضرورة أو اتفق فلم يستطع إزالته ففي إجرائه مجرى الجبائر في المسح عليه وعدمه وجهان ، رجح بعضهم الأول ، والمهم تحرير الأصل في مثل ذلك وغيره مما لم يظهر من الأدلة بيان حكمه ، فقد يقال : إن الأصل يقضي في الوضوء وما جرى مجراه أنه متى تعذر غسل بعض الأعضاء الواجبة فيه لحاجب بسقوط الوضوء والرجوع إلى التيمم ، لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه ، وما يقال : إن الأصل يقضي بالرجوع إلى البدل ، وذلك لاستصحاب خطاب الوضوء ، فبعد فرض الخطاب به والحال هذه ينتقل منه إلى البدل ، لعدم التكليف بما لا يطاق ، ولأن المنصرف من الخطاب لمثل هذا المكلف ذلك. يدفعه أن الاستصحاب لا يصلح لا ثبات حكم شرعي ، مع معارضته بظاهر أدلة الوضوء ، كالقول إنه يستفاد من خبر المرارة أن الأصل في مثل ذلك الرجوع إلى مسح البدل مطلقا ، لأنه ـ مع الغض عما في سنده إذ لم أقف على توثيق لعبد الأعلى ـ لا صراحة فيه بذلك ، إذ قد يكون المراد منه الاستدلال على سقوط غسل المتعذر غسله ، وهو لا كلام فيه ، انما الكلام في الحكم بعد ذلك هل هو سقوط الوضوء أو غيره؟ نعم قد يقضي التأمل فيه وفي جميع أخبار الباب وخبر الخف وغيره بانتقال حكم المحجوب إلى الحاجب في سائر أنواع المرض التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٦.

٣٠٢

هي سبب في الحجب به ، دون ما لا يكون كذلك من الحواجب.

وكذا ما يقال : إن الأصل يقضي بالسقوط فيما تعذر غسله للأصل ، واشتراط وجوبه بالقدرة مع وجوب غسل الباقي لقوله عليه‌السلام (١) : ( لا يسقط الميسور بالمعسور ) ولاستصحاب الوجوب فيه ، إذ يدفعه أن ما ادعاه من المشروطية بالقدرة لو سلم فأقصى ما يسلم بالنسبة إلى الشرائط الخارجة التي لا مدخلية لها في صدق اسم المسمى إذا استفيدت من صيغة أمر ونحوها ، أما مثل الأجزاء التي يستفاد من نحو‌ قوله : ( الوضوء غسلتان ) ونحو ذلك فممنوع إذ لا مدخلية للقدرة في الأحكام الوضعية ، وأما‌ قوله عليه‌السلام : ( لا يسقط الميسور ) ونحوه فهو وإن سلم الاستدلال به في نحو الأجزاء لكنه موقوف على الانجبار بفهم الأصحاب ، وإلا لو أخذ بظاهره في سائر التكاليف لأثبت فقها جديدا لا يقول به أحد من أصحابنا ، وأما الاستصحاب ففيه ـ مع ما سمعته من عدم صلوحه لإثبات الأحكام الشرعية ـ أنه معارض بقاعدة انتفاء الكل بانتفاء جزئه ، فلا يستصحب حكم الجزئية ، وبذلك يفرق بين الأجزاء والجزئيات ، وكذا ما يقال : إن الأصل يقضي بالجمع بين التيمم والوضوء بمسح البدل ، لأن الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني يدفعه أنه لا معنى له بعد الاستظهار من الأدلة أنه ينتقي بانتفاء جزئه ، إذ هي تفيد حينئذ أنه لا وضوء واقعا ، فينتقل حينئذ إلى التيمم ، لا يقال : إنه ليس في أدلة التيمم عموم يفيد ذلك ، لأنا نقول : إن الإجماع على أنه متى تعذرت المائية عقلا أو شرعا انتقل إلى التيمم كاف في إثباته ، فيثبت حينئذ أن الأصل في كل ما لم يعلم حكمه من نحو ما سمعت الانتقال فيه الى التيمم ، وبه يظهر الحكم المتقدم إن لم يفهم من الأدلة خلافه ، لكن ومع ذلك كله فلا يخلو الحكم بهذا الأصل من نظر وتأمل ، سيما مع ملاحظة كلامهم في باب التيمم من عدم سقوطه بالحائل في مواضع المسح أو محل الضرب ، بل لعل الأقوى في النظر قيام مطلق الحاجب مقام محجوبة مع تعذر الإزالة ، لخبر‌

__________________

(١) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٣٠٣

المرارة وفحوى حكم الجبائر بعد إلغاء خصوصية المرض ، وللقطع بفساد القول بوجوب التيمم بدل الغسل والوضوء لمن كان في بدنه قطعة قير مثلا مدى عمره ، وغير ذلك مما يظهر بالتأمل ، والاحتياط لا ينبغي أن يترك ، بل لعله كاللازم في أمثال المقام ، تحصيلا للبراءة اليقينية.

ولنعد إلى ما كنا فيه ، فنقول : إن جميع ما ذكرنا مما تقدم انما هو في حكم الجبيرة وما يجري مجراها من شداد القرح والجرح واللطوخ ونحوها ، دون المكشوف منها ، أي الذي ليس عليه جبيرة ونحوها من الجرح ونحوه ، قال الخوانساري في شرح الدروس : « ان الأصحاب ألحقوا الكسر المجرد عن الجبيرة أيضا بالجرح في الحكم ، وكذا كل داء في العضو لا يمكن بسببه إيصال الماء اليه ، وظاهره الإجماع على ذلك ، وتفصيل الحال ان الجرح إن كان مكشوفا وأمكن غسله بحيث لا ضرر بتسخين ماء ونحوه فلا إشكال في وجوبه ، وإلا فإن تمكن من المسح عليه مباشرة فعن المصنف في المعتبر والعلامة في التذكرة والنهاية والشهيد في الدروس وغيرهم من علمائنا المعاصرين إيجابه ، لكونه أقرب إلى المأمور به ، وأولى من مسح الجبيرة ، واستشكله جماعة من متأخري المتأخرين ، بل في المدارك انه ينبغي القطع بالاكتفاء بغسل ما حوله ، بل في جامع المقاصد في باب التيمم نسبة ذلك فيه وفي الكسر الذي لا جبيرة عليه إلى نصهم وورود الأخبار مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولعله لخبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال عليه‌السلام يغسل ما حوله » كذيل‌ الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٢) أيضا بعد ان سئل « عن الرجل تكون القرحة في ذراعه وفي نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ ، فقال عليه‌السلام : إن كان يؤذيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٣٠٤

الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها ، قال : وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال عليه‌السلام : اغسل ما حوله » وما يقال : من شمولهما للمكشوف وغير المكشوف وهو مخالف لما عند الأصحاب يدفعه انهما ظاهران فيه بقرينة‌ قوله : ( اغسل ما حوله ) إذ هو مستور معها ، مع ان خبر الحلبي كاد يكون صريحا فيه ، سلمنا لكنهما حينئذ من باب المطلق الذي قيد ، فلا تخرج بذلك عن الحجية ، نعم قد يدعى ظهورهما في عدم وجوب غسل الجرح خاصة لا مسحه ، بل يحتمل إرادة ترك ما كان منه من الباطن دون الظاهر المعبر عنه بما حوله وغير ذلك ، فلعل الأقوى الأول حينئذ ، وأما احتمال وجوب وضع خرقة مثلا عليه في مثل الحال لظهور الأدلة في بدلية المسح عليها عن الغسل دون المسح على البشرة فينبغي القطع بعدمه ، لوضوح الأولوية وغيره ، كالقطع بفساد الانتقال إلى التيمم معه ، لظهور اتفاق الأصحاب هنا على عدمه.

نعم إذا تعذر المسح على البشرة فهل يجب وضع لصوق أو شد خرقة ونحو ذلك مما يدخل به تحت ذي الجبيرة وما يحكمه ويمسح عليه أو لا؟ قولان ينشئان من الأصل ، وظاهر ما سمعته من الروايات ، واستلزام ستر شي‌ء من الصحيح والمعلوم من العفو فيها انما هو في السابقة دون اللاحقة ولأن المتيقن من أدلة الجبائر الموضوعة لا للوضوء ، ومن قوله (ع) في خبر الحلبي : ( فيعصبها ) لظهوره في التعصيب للوضوء ، سيما مع ترك الاستفصال ، ولأن ما دل على حكم الجبائر شامل للجبيرة السابقة والموضوعة للوضوء ، لصدق اسم الجبيرة ، ومما يؤكده ما قيل من اتفاق الفتاوى على أنه لو كان ظاهر الجبيرة نجسا وضع عليها خرقة طاهرة ومسح ، بل قد سمعت نفي الخلاف فيه في المدارك ، وهو من قبيل ما نحن فيه ، إذ دخول هذه الخرقة الجديدة تحت اسم الجبيرة يقضي به هنا ، بل قد يقال : إن المراد بالمسح على الجبائر انما هو المسح على خرقة الجبيرة وإن لم تكن جبيرة بالفعل ،

٣٠٥

وأيضا ان‌ قوله عليه‌السلام في خبر كليب الأسدي (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال عليه‌السلام : إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل » دال على ما نحن فيه ، لأن الأصل في الواجب أن يكون مطلقا ، فيجب تحصيلها إن لم تكن موجودة ، على أنه ليس في السؤال ذكر للجبيرة ، وأيضا قد يستفاد من مجموع الأدلة سيما خبر المرارة ونحوه أن الحائل بدل عند تعذر غسل البشرة ، فيجب تحصيله ، وخبر الجرح (٢) لا منافاة فيهما لوجوب المسح على الجبيرة بعد دلالة الدليل عليه ، سيما بعد ورود مثل ذلك في الجبائر مع أن الحكم مسلم فيها ، كل ذلك مع استبعاد الفرق جدا بين ما تكون الجبيرة موضوعة مع عدم التأذي بحلها وبين ما لم تكن كذلك ، على أن شد الجروح والقروح لا ضابطة له معلومة مختلف بالنسبة للأشخاص والأوقات وغيرها ، على أنه في وقت الخطاب بالوضوء تارة يتفق أن الجرح مشدود ، وأخرى ليس مشدودا ، فهل المدار على أول الوقت أو حين الفعل ، كل ذلك مع أن الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، وهو منحصر فيما نقوله لأن احتمال التيمم في المقام في غاية الضعف ، ومما ذكرنا تعرف وجوب وضع الجبيرة وإن لم نقل بوجوب مسح الجرح مع إمكانه ، كما احتمله في الذكرى أيضا ، وكيف كان فالقول بالوجوب لا يخلو من قوة وإن كان للنظر في كل واحد مما سمعت من الأدلة مجال ، لكن مجموعها يفيد الفقيه قوة ظن بذلك.

ثم انه إذا تعذر وضع الجبيرة بعد البناء على الوجوب فهل ينتقل إلى التيمم أو يكتفى بغسل ما حول الجرح؟ الظاهر الثاني ، عملا بما سمعت من الأخبار ، بل قد يدعى مثل ذلك في الجبائر المشدودة سابقا ، وبه يجمع بين ما دل على المسح على الجبيرة وما دل على غسل ما حولها فيها كما سمعته سابقا ، لكن نقل عن الذخيرة أنه نسب القول بالتيمم في المسح على الجبائر إلى الأصحاب ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢ و ٣.

٣٠٦

الذكرى بعد أن ذكر احتمال وجوب الوضع واعترف أن الرواية مسلطة على فهم عدم الوجوب قال : « وأما الجواز فان لم يستلزم ستر شي‌ء من الصحيح فلا إشكال فيه ، وإن استلزم أمكن المنع لأنه ترك للغسل الواجب ، والجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح » انتهى. وظاهره بل صريحه أنه لا إشكال في الجواز والمسح عليه مع عدم الستر لا الوجوب.

لكن قال في الرياض : « إنه إن تعذر مسح الجرح والقرح والكسر المجرد فالأحوط بل اللازم وضع جبيرة أو لصوق تحصيلا للأقرب للحقيقة ، بل قيل لا خلاف فيه ما لم يستر شيئا من الصحيح كما عن الذكرى » انتهى. وفيه أن الموجود في الذكرى ما سمعته من الجواز لا الوجوب والاحتياط في المقام الجمع بين ما تقدم والتيمم ، فإنه وإن لم أعثر على من أفتى به في خصوص المقام ، لكن نقل عن العلامة في النهاية أنه احتمل سقوط الوضوء ، والظاهر أنه يريد إيجاب التيمم مع ما تسمع من الكلام ، وهو أن الأصحاب في خصوص المقام قد عرفت أن الجروح والقروح ملحقة عندهم بالكسر ، فالمشدود من الجميع يمسح عليه ، والمكشوف منها فيه ما سمعت من المسح على نفس البشرة ، فإن تعذر فالوضع أو الاكتفاء بغسل ما حولها ، ولم نعثر في المقام على مفت بالخصوص في التيمم ، لكن جماعة جعلوا في باب التيمم من جملة أسبابه خوف استعمال الماء لمكان جرح أو قرح ، ولم يفرقوا بين المشدود منها وغير المشدود ، على أن الاشكال في كل منهما ، لما عرفت أنهم هنا لم يوجبوا التيمم أيضا.

بل قد صدر ذلك من المصنف الواحد كالشيخ في المبسوط على ما نقل لنا من عبارته في المقامين ، فإنه قال في المقام : « إن كان على أعضاء الطهارة جبائر أو جرح وما أشبههما وكانت عليه خرقة مشدودة فإن أمكنه نزعها نزعها ، وإن لم يمكنه مسح على الجبائر ـ إلى أن قال ـ : ومتى أمكنه غسل بعض الأعضاء وتعذر في الباقي غسل ما يمكنه غسله ، ومسح على حائل مما لا يمكنه غسله » الى آخره وقال في باب التيمم : « ومن كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه والباقي عليه جراح أو عليه ضرر‌

٣٠٧

في إيصال الماء جاز له التيمم ، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة ، وإن غسلها وتيمم كان أحوط ، سواء كان الأكثر صحيحا أو عليلا » وقال في النهاية في المقام : « ما حاصله إن كان على أعضاء الطهارة جبائر أو جرح وشبهه وكان عليه خرقة مشدودة نزع إن أمكن وإلا مسح ، وإن كان جراحا غسل ما حولها » وقال في بحث التيمم : « المجروح وصاحب القروح والمكسور والمجدور إذا خافوا على نفوسهم استعمال الماء وجب عليهم التيمم » وربما جمع بينهما بالفرق بين المكشوف والمشدود ، أو بالحمل على التخيير بين التيمم والمسح على الجبيرة أو الشداد ، كما يشعر به قوله جاز له التيمم ، وفي خصوص عبارة النهاية بوجه ثالث باختصاص التيمم بما لا يتمكن من استعمال الماء أصلا.

وقال المحقق الثاني في شرح القواعد في شرح قوله : « ويتمم من لا يتمكن من غسل بعض أعضائه ولا مسحه بجرح أو نحوه » الى آخره : « واعلم أن هذا الحكم لا يتمشى على ظاهره ، لأن الجرح الذي لا لصوق عليه والكسر الذي لم يوضع عليه جبيرة إذا تضرر بالماء يكفي غسل ما حوله كما نصوا عليه ووردت به الأخبار ، فكيف يجوز العدول إلى التيمم ، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الذي يسقط غسله ولا ينتقل بسببه إلى التيمم ما إذا كان الجرح ونحوه في بعض العضو ، ولو استوعب عضوا كاملا وجب الانتقال إلى التيمم ، ويمكن الجمع بأن ما ورد النص بغسل ما حوله مع تعذر غسله وهو الجرح والقرح والكسر لانتقل عنه إلى التيمم بمجرد تعذر غسله وإن كثر ، بخلاف غيره كما لو كان تعذر الغسل لمرض آخر ، فإنه ينتقل إلى التيمم ، ثم استقرب الوجه الأول مدعيا أن الثاني تأباه عبارات الأصحاب » انتهى. ولقد أطنب بعض متأخري المتأخرين في نقل جملة من عبارات العلامة في المنتهى والنهاية والتذكرة في المقام والتيمم ، والذي يظهر بعد ملاحظة كلماتهم أن مرادهم بالانتقال إلى التيمم في الجرح ونحوه انما هو مع تعذر ما ذكروه في الجبيرة إما بعدم التمكن من المسح على الجبيرة ، أو بعدم التمكن‌

٣٠٨

من وضعها بناء على وجوبه مع عدم التمكن من غسل ما حوله ، ونحو ذلك ، ويرشد اليه ما ذكره العلامة في المنتهى في باب التيمم بعد أن ذكره للجرح ، قال : « ولو كان الجرح مما يتمكن من شده وغسل باقي العضو ومسح الخرقة التي عليه بالماء وجب ولا يتيمم ، وإن لم يتمكن من ذلك يتيمم ، ونحوه كلامه في النهاية ، ويقرب منهما ما في التذكرة ، نعم يظهر منه في الأولين أنه ان تعذر وضع الجبيرة عليه أو تعذر مسحها لا يكتفى بغسل ما حوله ، بل لا بد من الانتقال إلى التيمم ، بخلافه في التذكرة ، فإنه يفهم منه أنه يكتفى حينئذ بغسل ما حوله ، وهي مسألة أخرى ، بل قد عرفت أنه يظهر من جماعة أنه يكتفى بغسل ما حوله وإن تمكن من وضع الجبيرة.

وأما ما يقال : من الفرق بين المستوعب وغيره في الجبائر ، ولذا نص بعضهم على عدم الفرق فالظاهر فساده ، لإطلاق الأدلة ، نعم قد يتجه في نحو الجرح المكشوف الذي لا يتمكن من وضع جبيرة عليه ، أو لا يتمكن من مسح الجبائر في المشدود أنه ينتقل إلى التيمم إذا كان مستوعبا ، لأن الوضوء لا يتبعض ، ولظهور قوله عليه‌السلام : ( اغسل ما حوله ) في أجزاء العضو لا الأعضاء ، وكيف مع أن الغالب في جبيرة الكسر أن تكون مستوعبة ولا تبعيض فيها لمكان المسح على البدل ، وكان مراد الأصحاب في تعرضهم للتيمم في الجرح ونحوه الرد على العامة حيث أوجبوا الوضوء وإن تضرر ، فمقصودهم الإيجاب الجزئي ، وهو أنه يجوز التيمم للجرح في الجملة في مقابلة السلب الكلي كما ينبئ عن ذلك ملاحظة كلام الشيخ في الخلاف ونحوه ، وبنحو ما سمعت من الجمع في كلمات الأصحاب يجمع بين ما سمعت من أخبار الجبائر (١) والجروح والقروح ونحوها والأخبار (٢) المتكثرة جدا الواردة في غسل الجنابة المشتملة على الأمر بالتيمم للمجروح والمقروح والمكسور والمجدور.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم.

٣٠٩

وما قيل من الجمع بينهما بالفرق فيها بين الوضوء والغسل فيجري حكم الجبيرة في الأول دون الثاني واضح الفساد ، أما أولا فلاشتمال بعض أخبار الجبائر على الوضوء وغسل الجنابة والجمعة فضلا عما فيها من الإطلاق ، وأما ثانيا فللإجماع المنقول في المنتهى وغيره على عدم الفرق في ذلك بين الطهارتين ، ونحوه في الفساد احتمال الجمع بينهما كما في تيمم كشف اللثام بالتخيير بينه وبين التيمم ، وذلك لأنه ـ مع عدم الشاهد عليه ـ من المعلوم الذي لا خفاء فيه على من له أدنى ملاحظة لأخبار التيمم أن التيمم من الطهارات الاضطرارية لا يشرع إلا عند تعذر المائية ، وكيف وهو بدل عنها كما هو واضح ، ونحوهما الفرق بين المستوعب وغيره كما قد عرفت ، نعم قد يتجه في الاستيعاب لجميع الأعضاء ولجميع البدن ، لحصول الشك في مثل هذا الوضوء والغسل ، سيما الثاني مع القول بوجوب وضع شي‌ء على المكشوف ، فإنه في كل آن يتمكن من وضع لحاف ونحوه ثم المسح عليه ، مع إطلاق الأخبار بالرجوع إلى التيمم ، فتأمل جيدا. على أن الذي يظهر من ملاحظة تلك الأخبار أن الأمر فيها بالتيمم لمكان التضرر بالغسل بالبرد ونحوه ، والله أعلم.

وإذا زال العذر الذي كان سببا في سواغ المسح على الجبيرة فلا يعيد الصلاة إجماعا كما في المنتهى وغيره ، واستأنف الطهارة للمتجدد من الصلاة كما عن المبسوط ومال إليه في المعتبر ، وتبعه بعض متأخري المتأخرين ، على تردد كما هو ظاهر المنتهى والتذكرة ينشأ من أنها طهارة اضطرارية ، والضرورة تقدر بقدرها ، كانتقاض التيمم برؤية الماء ونحوه ، ولأنه يجب عليه الصلاة بطهارة يجب فيه الغسل وقد تمكن منه ، ومن أنه مأمور والأمر يقتضي الاجزاء ، ولا طلاق ما دل على الاجتزاء بالمسح عليها ، ولارتفاع حدثه فلا يعود وللاستصحاب ، والحمل على التيمم قياس لا نقول به ، والمراد بتقدر الضرورة قدرها عدم فعل الوضوء كذلك مع عدمها ، لا بقاء أثره ، والأخير مصادرة ، ولذا كان الأقوى عدم الإعادة كما تقدم البحث فيه مفصلا سابقا في المسح للتقية والضرورة ، بل الظاهر أنه لا يعيد وإن ارتفعت في أثناء الوضوء بعد المسح عليها‌

٣١٠

أو على بعضها على تأمل سيما في الأخير ، نعم يتجه الإعادة فيما لو ظهر سبق البرء وكان لا يعلم به ، وطريق الاحتياط غير خفي.

( السادسة ) لا يجوز أن يتولى وضوءه أي الغسل كلا أو بعضا غيره بحيث يسند الفعل إلى ذلك الغير مع الاختيار إجماعا كما في الانتصار والمنتهى ، ومذهب الأصحاب كما في المعتبر ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى ظاهر الوضوءات البيانية واستصحاب حكم الحدث ـ أن ظاهر الأوامر بالغسل والمسح تقتضي المباشرة ، وإرادة كون الفعل مستندا اليه ، وما يقال : إن ظاهرها لا يقتضي سوى كونه مأمورا بذلك ، وأما الشرطية فلا دلالة فيها عليه ، فحينئذ يبقى عمومات الوكالة والنيابة محكمة يصح إثبات المشروعية بها ، ولا تعارض بينها ، فيكون الأصل جواز الوكالة والنيابة في سائر العبادات إلا ما خرج بالدليل ضعيف جدا في مثل ما نحن فيه من الأوامر التي هي عبادة ، لظهورها في إرادة التعبد الظاهر في المباشرة ، نعم قد يسلم ذلك في الأوامر التي علم أنها ليست عبادات ، ولا يشترط فيها نية القربة ، وأما ما علم فيها ذلك ولو بالأصل المقرر في الأوامر فغير متجه كما هو واضح ، ومن هنا ظهر لك وجه تطلب الأصحاب الدليل الخاص في كل مقام من مقامات العبادات على جواز النيابة فيها فتأمل.

خلافا لظاهر المنقول عن ابن الجنيد من أنه يستحب للإنسان أن لا يشرك في وضوئه غيره بأن يوضأه أو يعينه عليه ، وضعفه واضح ، على أنه غير صريح المخالفة ، ولا فرق في الغير الموجود في عبارة المصنف وغيرها بين أن يكون إنسانا مكلفا أو غيره ، بل إنسانا وغيره ، إذ المدار على تحقق النسبة وإسناد الفعل على وجه الحقيقة عرفا ، فمتى حصل ذلك من المكلف صح وضوؤه ، ولذا كان لا يقدح في صحة الوضوء صب الماء في الكف ونحوه ، إذ لا مدخلية له في نسبة الفعل إلى المكلف ، فمتى حصل ذلك الإسناد إلى الغير بطل الوضوء قطعا كما عرفت ، وكذا لو أسند إليهما مع الجزئية لكل منهما بحيث لا يسند الفعل إلى واحد مستقلا ، لعدم حصول النسبة العرفية للمكلف ،

٣١١

نعم لو حصل الإسناد إلى كل منهما مستقلا بالنسبة للغسل الواحد اتجهت الصحة ، لما عرفت أنه يكفي فيها تحقق النسبة ، ولا يقدح فيها تحققها للغير مع تسليم صحة الفرض ، وبعد أن عرفت ذلك المدار فلا حاجة للإطالة والإكثار في الأمثلة في المقام من صب الإنسان والحيوان المعلم وغير المعلم ومن إراقة الإنسان الماء من ميزاب أو نحوه إلى غير ذلك ، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر من عبارة المصنف وغيرها في بادئ الرأي حرمة تولي الغير الوضوء إلا أن التأمل فيها يقضي بأن مرادهم من ذلك الفساد وعدم الجواز لو اكتفي بالصلاة فيه أو قصد التشريع أو نحو ذلك ، وأما الحرمة الذاتية فلا أعرف دليلا عليها ، وظاهر هذه العبارات لا وثوق به في نحو هذه المقامات ، ويمكن الاستدلال عليه مع أصل المسألة من عدم جواز التولية بخبر الحسن بن علي الوشاء (١) قال : « دخلت على الرضا عليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ للصلاة ، فدنوت منه لأصب عليه ، فأبى ذلك ، فقال : مه يا حسن ، فقلت : لم تنهاني أن أصب على يديك ، تكره أن أوجر ، قال عليه‌السلام : تؤجر أنت وأوزر أنا ، فقلت : وكيف ذلك؟ فقال عليه‌السلام : أما سمعت الله عز وجل يقول (٢) ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) وها أنا إذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد » لقوله فيها : ( وأوزر أنا ) بحمل الصب فيها على الصب على أعضاء الوضوء ، ويحتمل قويا أن يراد بالصب الصب في الكف ، لكونه المتبادر المتعارف في مثل ذلك سيما بالنسبة للوجه ، ويحمل قوله : ( أوزر ) على شدة الكراهة بقرينة قوله في آخرها : ( فأكره ) مع أن المكروه بالنسبة إليه كالوزر ، ويؤيده ـ مع فهم الأصحاب منها ذلك كما قيل ـ المرسل (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) سورة الكهف ـ الآية ١١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٣١٢

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « أنه كان لا يدعهم يصبون الماء عليه ، ويقول : لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا » لظهور قوله : ( لا أحب ) في الكراهة ، على أنه لو سلم فيحتمل أن يكون قوله : ( أوزر أنا ) يعني إن صليت بهذا الوضوء واكتفيت به ، فلا يدل على الحرمة حينئذ في ذاته ، فتأمل.

ويجوز بل يجب ولو ببذل أجرة لا تضر بالحال مع الاضطرار بلا خلاف أجده ، بل عليه اتفاق الفقهاء كما في المعتبر ، والإجماع كما في المنتهى ، وقد يرشد اليه مضافا إلى ذلك‌ خبر عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) في حديث « انه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد ، قال عليه‌السلام : فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني ، فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا الماء علي فغسلوني » لعدم الفرق بين الوضوء والغسل ، ونحوها الأمر بالتولية في تيمم المجدور في المعتبرة كما سيأتي مع عدم الفرق وكون التراب كالماء ، وربما يرشد إليه أيضا ما ورد في كثير (٢) من الأخبار على أقوى الوجهين فيها أنه‌ ( كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ) و ( انه ليس عليه شي‌ء ) حتى أنه‌ ورد (٣) في بعضها أن ( هذه من الباب التي ينفتح منها ألف باب ) كل ذلك مع أنه يمكن أن يقال : إن الخطابات بالوضوء شاملة للمقام ، وما دل على الاشتراط انما هو مع المكنة ، لكونه بواسطة الأوامر المقيدة بالقدرة ، ولوضوح هذا الحكم وعدم الخلاف فيه من أحد وقع من بعض الأصحاب الاستدلال عليه بأمور نظر بها بعض المتأخرين ، منها ما وقع للمصنف في المعتبر من التعليل بأنه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن ، مع انه يمكن أن يريد ما سمعته ، ومنها ما وقع لغيره من أنه عند تعذر الحقيقة يصار إلى المجاز مع انه قد يريد أن خطابات الوضوء لشمولها لنحو المقام لا بد من حملها على المجاز ، والأمر سهل ، واعلم أنه لا فرق حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ حديث ٨.

٣١٣

في المتولي بين أن يكون مكلفا أو غيره ، لكون المندوب فيه انما هو من مقدمات الوضوء وإلا فالوضوء وضوء المضطر ، والعبادة عبادته ، والنية نيته ، وهو المتقرب إلى الله بهذا الوضوء السائغ في حقه ، فما في المدارك من أن النية تتعلق بالمباشر ، لأنه الفاعل للوضوء حقيقة فيه ما لا يخفى.

( السابعة ) لا يجوز للمحدث أي غير المتطهر شرعا مس كتابة القرآن كما في الخلاف والتهذيب وظاهر الفقيه وعن الكافي وأحكام الراوندي وابن سعيد ، واختاره في النافع والمنتهى والمختلف والقواعد والإرشاد والذكرى والدروس والتنقيح وجامع المقاصد وغيرها من كتب متأخري المتأخرين ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، كما عن ظاهر التبيان ومجمع البيان ، خلافا للشيخ في المبسوط على ما نقل عنه ، وعن ابني إدريس والبراج من الحكم بالكراهة ، بل هو قضية المنقول عن ابن الجنيد ، ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين ، استضعافا لما تسمعه من أدلة التحريم ، والأقوى الأول لقوله تعالى (١) ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وهي وإن كانت ليست صريحة في المطلوب لاحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب ويكون المراد بالمطهرين الملائكة لكنها ظاهرة فيه ، لظهور رجوع الضمير إلى القرآن ، لكونه المحدث عنه فيها ، ولأن ما قبله وما بعده صفة للقرآن ، ولما عن التبيان ومجمع البيان أن الضمير راجع للقرآن عندنا ، بل في الأخير عن الباقر عليه‌السلام (٢) على ما حكاه عنه في كشف اللثام أن المعنى المحدثون المطهرون من الأحداث والجنابات ، وأنه لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف ، ولأن في إرجاع الضمير إلى الكتاب تقييدا للمكنون ، والأصل عدمه ، على أنه قد يقال : إن الإمساس حقيقة في الإمساس البدني ، هذا مع ما يظهر من بعض الأخبار أن الضمير‌

__________________

(١) سورة الواقعة ـ الآية ٧٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

٣١٤

فيها راجع إليه ، كخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام (١) قال : « المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ، ولا تمس خطه ، ولا تعلقه ، ان الله تعالى يقول ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » واشتمال الروايات على ما لا يقول أحد به من حرمة التعليق ونحوه لا يقدح في المطلوب ، مع أنه ربما نقل عن السيد العمل بمضمونها ، وإلا فإن اقتضى ذلك الكراهة فليقتض اشتمالها على حكم المعلوم حرمته بالحرمة ، ولعل التعليل بالآية انما هو للمس خاصة ، فتأمل وبها يظهر رجوع الضمير إلى القرآن وان الطهارة بالمعنى المصطلح ، كما سمعته في الرواية السابقة ، على أنه بعد إرجاع الضمير إلى القرآن لا مجال لحمل النفي فيها على غير النهي ، وحينئذ لا يتجه أن يراد بالطهارة غير المعنى المصطلح لعدم القول بحرمته من أحد ، هذا. مع انه قد يدعى ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الطهارة بهذا المعنى ، واستعمالها في المعنى اللغوي كما في‌ قوله ( المؤمن طاهر ) و ( أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) (٢) و ( أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ) (٣) أي لا يحضن ، ونحو ذلك لا ينافي ما ذكرنا.

ومما يدل على المطلوب ـ مضافا الى ما سمعته من الآية والرواية والإجماع ـ مرسل حريز عن الصادق عليه‌السلام (٤) انه قال لولده إسماعيل : « يا بني اقرأ المصحف ، فقال : اني لست على وضوء ، فقال عليه‌السلام : لا تمس الكتابة ومس الورق واقرأه » و‌خبر أبي بصير (٥) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء ، قال عليه‌السلام : لا بأس ولا يمس الكتاب » ولا يقدح ما في السند من الضعف لو سلم لانجباره بالشهرة والإجماع المنقول ، بل قد يدعى الإجماع المحصل ، لحمل لفظ الكراهة في كلام الشيخ وابن الجنيد على إرادة الحرمة ، على أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٢) سورة الأعراف الآية ـ ٨٠.

(٣) سورة البقرة الآية ـ ٢٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

٣١٥

رواية أبي بصير إما أن تكون صحيحة أو موثقة على الكلام في الحسين بن المختار ، وخبر حريز وإن كان مرسلا إلا أنه في السند حماد ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، فلا يقدح ضعف من بعده على أحد الوجهين في تفسيرها ، وبذلك كله مع المناسبة لتعظيم الكتاب ينقطع الأصل المتمسك به لنفي الحرمة ، مع حمل ما سمعت من الأدلة على الكراهة لمكان ضعفها ، ولم أعثر على دليل لهم سوى ذلك ، وفيه من الضعف ما لا يخفى.

والأقوى إلحاق لفظ الجلالة به ، بل سائر أسمائه المختصة به ، لظهور النهي عن المس للقرآن في التعظيم ، بل كاد يكون صريح الآية ، ولا ريب أن لفظ الجلالة ونحوه أحق بالتعظيم من سائر ألفاظ القرآن كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان ، لأنه خير الأسماء ، ولذا اختص به ، وكذا الأسماء الحسنى ، ومن العجيب من بعض المتأخرين كالخوانساري أنكر ذلك ، متمسكا بالأصل ، وان أقصى ما يستفاد من الأدلة القرآن خاصة وما في‌ خبر أبي الربيع (١) « في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله تعالى واسم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عليه‌السلام : لا بأس ربما فعلت » فهو ـ مع الغض عما في السند ومعارضته بغيره ـ محمول على عدم كون المس للاسم ، وكونه عليه لا يلزم ذلك ، وهل يلحق بذلك أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام؟ وجهان.

ثم ان ظاهر ما سمعته من الأدلة اختصاص الحكم بالمكلفين ، كما في غيره من التكاليف ، فلا يحرم على الصبيان ونحوهم قطعا ، لكن هل يحرم على الولي أو غيره تمكينهم من ذلك ، ويجب عليه منعهم منه لو حصل ، أو لا؟ قولان ، فظاهر المعتبر والمنتهى والتحرير أنه يجب منع الصبي من المس ، واستقر به في الذكرى قبل الوضوء ، وجعله وجها بعد الطهارة ، لعدم ارتفاع حدثه ، ولعل مستندهم أن عدم المنع مناف للتعظيم ، كعدم المنع من إلقاء النجاسات ونحوها ، وان قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٤.

٣١٦

بعد تعذر الحقيقة تحمل على أقرب المجازات ، فيراد منها حينئذ أنه لا يقع المس من غير الطاهر ، فالكل مكلفون بذلك لأنفسهم وغيرهم ، إلا أن الأقوى العدم للأصل ، مع المنع من كونه منافيا للتعظيم عرفا ، سيما بعد فرض كون الماس كالبهيمة ، ولا شرعا لعدم ما يدل عليه ، على أنه لا دليل على وجوب أكمل التعظيم ، نعم تحرم الإهانة والاستحقار ، وهما غير متلازمين ، ودعوى أن مس الطفل المحدث ونحوه من المجنون وغيره منه ممنوع ، وظهور قوله ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) بعد صرفه عن ظاهره في إرادة التكليف للبالغ مثلا نفسه كما في غيره من التكاليف ، مع السيرة القاطعة في سائر الأعصار على خلافه ، بل الأمر بتعليم الأطفال قراءة القرآن مما يشعر بالجواز ، لكونه من ضرورياته عرفا ، سيما مع القول بأن طهارتهم تمرينية لا شرعية ، ومن هنا اختار بعض المتأخرين عدم الحرمة ، لكن في الحدائق أن القول بالحرمة لا يخلو من قوة ، نظرا إلى عموم الأدلة على التحريم ، وعدم توجه الخطاب فيها إلى الطفل لما ذكرنا لا ينافيه التوجه إلى وليه ، وفيه أن عدم المنافاة لا يقتضي بالتوجيه ، والكلام في الثاني ، واحتمال عموم الأدلة بهذا المعنى مما لا وجه له ، وإلا لجرى في غيره من التكاليف كالكذب والغيبة ونحوهما.

ثم المدار في المس على العرف كما في غيره من الألفاظ ، والظاهر تحققه بمباشرة بعض أجزاء البدن من يد أو غيرها مما حلته الحياة أولا ، نعم يمكن استثناء الشعر سيما إذا كان مسترسلا جدا ، كما أن الظاهر أنه لا فرق بين الظواهر من البدن والبواطن ، وكل ما شك في كونه فردا للمس لشك في المفهوم فالأقوى وجوب اجتنابه للمقدمة ، وأما المس بخارج البدن كالثياب ونحوها فلا حرمة فيه قطعا ، وإجماعا محصلا ومنقولا ، والمدار في الممسوس على ما يسمى قرآنا أي مقروا ، تحققت فيه الكتابة كما في أكثر الأفراد أولا ، كما إذا صنع بالمقراض أو بالنسج ونحو ذلك ، فان الظاهر عدم تسمية مثل ذلك كتابة ، ولا ينافيه وجود النهي عن الكتابة ، لعدم التعارض ، واحتمال‌

٣١٧

جعل النهي عن مس القرآن من المطلق الذي ينصرف إلى الشائع من الافراد ضعيف مناف للمستفاد من سياق الآية وغيرها من كون المنشأ في ذلك التعظيم ، وبذلك يظهر أنه لا فرق في المكتوب بين المستقيم والمقلوب والمنقوش وغيرها ، كما أن الظاهر أنه لا فرق في المجتمع منها والمفرق ، فيجري الحكم على الآيات المكتوبة في كتب الفقه والحديث وغيرها مما كان على سلاح أو إناء ونحوهما ، وما في بعض الاخبار (١) من المصحف لا دلالة فيه على اشتراط النهي عنه بذلك ، على أن المس فيه انما يقع على البعض ، وخبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (٢) كما نقله المحقق عن جامع البزنطي قال : « سألته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟ فقال عليه‌السلام : والله إني لأوتى بالدرهم ، فآخذه واني لجنب ، وما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا إلا أن عبد الله بن محمد كان يعتبهم عتبا شديدا ، يقول : جعلوا سورة من القرآن في الدرهم ، فيعطى الزانية وفي الخمر ، ويوضع على لحم الخنزير » لا دلالة فيه على جواز مس السورة إذا كانت مكتوبة على الدرهم ، إلا أن الشهيد في الذكرى رحمه‌الله رواها على وجه فيه دلالة ، ثم احتمل أن الوجه في ذلك سلب اسم المصحف أو الكتاب عنه أو لزوم الحرج بلزوم تجنب ذلك ، قلت : والاولى خلافه ، والظاهر أنه لا فرق بين مصطلحات الكتاب بعد صدق الاسم من الكوفية والعربية والفارسية وغيرها ، نعم لو حصل بإبداع خاص لم يعرف كونه من الكتابة فالظاهر عدم جريان الحكم ، كالذي يحصل من تفطير الأرض وسفيان الرياح ، فإنه تركيب للواهمة التي لا تقف تركيباتها على حد.

وأما المشترك منه فالظاهر أن المدار فيه على قصد الكاتب ، ومع عدم العلم به فالأصل عدمه ، وهل يجري نحو ذلك منه في الكلمات والحروف وأبعاضها؟ إشكال ، سيما في الأخيرين ، وسيما مع العدول عنه وجعله جزء كلمة أخرى أو كلام آخر ، والظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الجنابة ـ حديث ٣ مع تقطيع في الوسائل.

٣١٨

قصر الحرمة على الحروف والكلمات من القرآن ، وكذا المد والتشديد ، وأما الحركات الاعرابية والبنائية ونحوهما فقد صرح بعضهم بخروجها ، لصدق اسم الكتاب والقرآن بدونها ، ويحتمل قويا الإلحاق ، لكونها بعد وجودها صارت أجزاء أو كالأجزاء ، وكونها رسوما لا تدل على حرف لا ينافي ذلك ، فإن الألف التي تكتب بعد واو الجماعة لا دلالة فيه على حرف مع انها من الكتابة قطعا ، فتأمل. نعم لا يجري الحكم فيما يكتب في القرائين من الاجزاء والأحزاب والأعشار ونحوها ، لكونها ليست من القرآن قطعا وكذا أسماء السور ما لم تكن من القرآن ، ولا فرق فيه بين منسوخ الحكم وعدمه إذا لم تنسخ التلاوة ، وأما منسوخها فقد صرح بعضهم بعدم جريان الحكم فيه من غير فرق بين المنسوخة قبل آية التحريم وبعدها ، ولقد أطال الأستاذ في كشف الغطاء في كثرة التفريع في المقام ، من أراده فليراجعه ، وكيف كان فقد بان لك أنه لا إشكال في انه يجوز له ان يمس ما عدا الكتابة للأصل وغيره.

( الثامنة ) من به السلس أي الداء الذي لا يتمسك بسببه بوله كما عن مجمع البحرين وصرح به غير واحد من الأصحاب ، قيل يتوضأ لكل صلاة عندها ، فلا يجمع بين صلاتين فما زاد بوضوء ، كما هو خيرة الخلاف والمعتبر والإرشاد والقواعد والتحرير والدروس والذكرى والتنقيح وجامع المقاصد وغيرها ، واستحسنه المصنف في النافع وهو الظاهر من المختلف أيضا ، وفي السرائر أن سلس البول على ضربين ، الأول ان يتراخى فيه زمان الحدث فليتوضأ للصلاة ، فإذا بدره الحدث وهو فيها خرج وتوضأ وبنى ، الثاني أن يخرج على التوالي من غير تراخ بين الأحوال فليجدد الوضوء لكل صلاة ، ولعل مختاره أيضا ما ذكرنا ، وكيف كان فهذا القول هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل قد يظهر من الخلاف دعوى الإجماع عليه. وقيل يصلى بوضوء واحد صلوات إلى ان يحدث حدث آخر كما عن المبسوط ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين وهو وإن كان كلامه محتملا لرفع ناقضية البول أصلا في خصوص المقام إلا أن الأظهر كون مراده رفع ناقضية ما يخرج منه بلا قصد واختيار ، وأما ما خرج منه بالقصد‌

٣١٩

على حسب سائر الناس فهو ناقض ، أو يريد رفع حكم هذه القطرات ما دام الداء ، وتظهر الثمرة فيما لو ارتفع الداء بعد فعل الوضوء ، فتأمل. وقيل يصلي الظهر والعصر بوضوء ، والمغرب والعشاء بوضوء ، والصبح بوضوء ، كما هو خيرة العلامة في المنتهى ، وربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين أيضا.

حجة ( الأول ) عموم ما دل على ناقضية البول ، والضرورة تتقدر بقدرها ، فيقتصر على الصلاة الواحدة ، وما دل على الأمر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ، خرج ما خرج وبقي الباقي ، ولأنه إن اقتضى تكرير الحدث إيجاب الطهارة فهو المطلوب ، وإلا فلا يقتضي في المستحاضة لكونه تكريرا ، واللازم باطل فالملزوم مثله.

وحجة ( الثاني ) ما رواه‌ الشيخ في التهذيب في الموثق (١) قال : « سألته عن رجل أخذه تقطير في فرجه إما دم أو غيره ، قال : فليضع خريطة وليتوضأ وليصل ، فإنما ذلك بلاء ابتلي به ، فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه » فان الظاهر ان المراد بالحدث الذي يتوضأ منه ما كان خارجا على حسب المعتاد ، فلا يعتد بالتقطير الذي اعتراه من المرض ونحوه لا نجاسة ولا حدثا ، ولعل التعليل فيها إشارة إلى ما ورد من الاخبار الكثيرة أنه‌ ( كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ) وفي بعضها انه‌ ( ليس على صاحبه شي‌ء ) وقد ورد في حقها ( انها ) من الباب التي ينفتح منها ألف باب ، ومما سمعت تصح دلالتها على كون المراد منها ان كل ما غلب الله من الشرط أو المانع أو الجزء أو الكل فالله أولى بالعذر فيه ، بمعنى يسقط حكم المغلوب عليه ، ويبقى الباقي ، فيكون المعنى أن الله غلب عليه بهذا الإخراج من البول مثلا ، فيسقط حكمه من الناقضية لهذا الوضوء ونحوه ، فتأمل. وبما رواه في‌ الكافي في الحسن عن منصور بن حازم (٢) قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ حديث ٢.

٣٢٠