جواهر الكلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أنه لا كلام عند الأصحاب في عدم الرجوع الى التيمم عند إفراط الحر ، بل يجب عليه الوضوء وإن حصل الجفاف ، ولعله للاستصحاب في بعض الأحوال ولعدم شمول أدلة التيمم لنحو المقام.

ثم انه قد عرفت أن الظاهر من عبارات الأصحاب كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه فيها وفيما اشتملت عليه من لفظ المقدار ونحوه أن الموالاة بمعنى مراعاة الجفاف انما هو تقدير زماني لجواز التفريق ، بمعنى أنه للمكلف التأخير هذا المقدار ، فلا مدخلية لبقاء البلل وذهابه ، ولذا كان لا يجب عليه تطلب المكان أو إكثار الماء لأجل حفظ البلل حيث يكون الحر مفرطا ، لمكان كون المدار على الزمان لا على بقاء البلل ، إلا أن هذا التقدير لما كان يختلف بالنسبة إلى إفراط الحر والبرد أرادوا بيان ذلك ، فقدروا بالزمان المعتدل ، فافراط الحر يقدر فيه الاعتدال كإفراط البرد ، والمراد بالاعتدال على حسب ما ذكرنا ، وإلا لو أريد بالموالاة بمعنى مراعاة الجفاف بقاء البلل حسا من غير مدخلية للزمان فهو مع منافاته لاستصحاب الصحة لا دليل عليه ، كما أنه لا دليل على التقدير عند إفراط الحر ، بل ينبغي القول بالرجوع الى التيمم أو بسقوط هذا الشرط في مثل هذا الحال ، فلا يقدح التأخير حينئذ يوما أو أياما ، إذ لا دليل على التقدير بعد فهمهم من الأدلة وجود البلل حسا ، بل لا معنى له ، إذ كما يزول بنفسه يزول بتجفيف مجفف ونحو ذلك ، فتأمل جيدا.

ثم انه بعد البناء على هذا الزمان لا نشترط في إفراط الحر مثلا التتابع الحقيقي ، بل له التأخير زمانا بحيث لو كان الزمان على الغالب لم يجف فيه الوضوء ، فما عساه يظهر من صاحب المدارك وبعض من تأخر عنه اشتراط ذلك لا يخلو من نظر ، قال فيها : « لو والى فاتفق الجفاف أو التجفيف لم يقدح ذلك في صحة الوضوء ، لأن مورد الأخبار المتضمنة للبطلان مع الجفاف باعتبار التفريق ، كما يدل عليه‌ قوله عليه‌السلام في صحيحة‌

٢٦١

معاوية بن عمار (١) « ربما توضأت ونفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي » وكلام الأصحاب لا ينافي ذلك ، فما ذكره الشهيد في الذكرى من أن الأخبار الكثيرة بخلافه غير واضح » انتهى. وفيه إشعار بما ذكرنا من التقدير الزماني ، لكن ما يظهر من قوله : ( لو والى ) من اشتراط ذلك بها قد عرفت أن الأقوى سقوطه بناء على مراعاة التقدير الزماني ، لا يقال : إنه ينافي إرادة التقدير الزماني الأمر بالإعادة عند حصول الجفاف الشامل لصورة التجفيف ، لصدق الجفاف عليه حينئذ ، لأنا نقول : ان الظاهر من قوله ( جف وضوئي ) و ( يبس وضوؤك ) حصول ذلك بنفسه ، لا بتجفيف مجفف ، وكذا لا يقال إنه ينافيه ما وقع من الخلاف في أن المعتبر في الجفاف هل هو جميع ما تقدم من الأعضاء كما هو ظاهر كثير من عبارات القدماء وصريح جماعة من المتأخرين كالمصنف والعلامة وغيرهما ، بل قيل عامتهم ، أو أي عضو منه كما عن ابن الجنيد ، أو قبل كل عضو متلوة كما هو خيرة السرائر وإشارة السبق وعن الناصريات والمهذب البارع؟ وإن كان الأقوى الأول ، للأصل أي استصحاب الصحة ، وإطلاق الكتاب والسنة ، وظهور ما دل على البطلان بجفاف الجميع ، كقوله ( جف وضوئي ) وقوله (ع) : ( حتى يبس وضوؤك ) وللاتفاق ظاهرا على جواز الأخذ من اللحية والحواجب وأشفار العينين عند نسيان مسح الرأس والرجلين ، كما دلت عليه الروايات المتقدمة سابقا ، واحتمال اختصاص ذلك لصورة النسيان يدفعه عدم القول بالفصل إن لم يفهم العموم في جوابها ، بل لم نعثر للقولين الأخيرين على حجة يعتمد عليها. لأنا نقول : انه لا مانع من تطبيق هذا الخلاف أيضا على إرادة التقدير الزماني ، فيكون المراد حينئذ مضي زمان تجف فيه جميع الأعضاء المتقدمة أو بعضها أو السابق أو يكون هذا النزاع مخصوصا في صورة وجود الماء على الأعضاء ، وليعلم أنه بناء على ما هو الأقوى من أن المدار على جفاف الجميع كما سمعت فالمراد أنه يشترط في الصحة عند الشروع في غسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٢٦٢

العضو اللاحق وجود بلل على شي‌ء مما تقدم ، ولا يشترط بقاؤه إلى تمام الغسل ، بل الظاهر أنه يكتفى بالبلل المستحب ، فلو كان على مسترسل اللحية شي‌ء من البلل اكتفي به لما سمعت من أدلة نسيان مسح الرأس.

ثم على قول المرتضى وابن إدريس فهل يجري بالنسبة للأجزاء الممسوحة فيشترط في مسح الرجل اليمنى مثلا بقاء بلل على الرأس أولا؟ وجهان ، وعن السرائر النص على ذلك ، وظاهر غيره العدم ، ولعله الأقوى ، هذا وينبغي أن يعلم انا وان لم نقل بعدم وجوب الموالاة بمعنى المتابعة إلا أنه لا ينبغي الإشكال في استحبابها ، لرجحان المسارعة ، والاستباق إلى الخير ، وللخروج عن شبهة الخلاف ، فحينئذ لا إشكال في صحة نذرها والعهد واليمين ونحو ذلك ، وكذا لو قلنا بوجوبها ، لما ستعرفه في النذر إن شاء الله من صحة انعقاده على الواجب ، انما الإشكال فيما لو خالف ذلك ، فهل يبطل الوضوء أولا؟ وكلام الأصحاب لا يخلو من إجمال واضطراب.

وكشف الحال أن نقول : إن النذر ان تعلق بالموالاة في وضوء من الوضوءات من غير تشخيص له بزمان مخصوص مثلا فلا كلام في صيرورته بذلك من الواجبات الموسعة ، كسائر ما تعلق به النذر لا يتضيق إلا بظن الفوات أو الحصول إلى حد التهاون عرفا على اختلاف الوجهين ، كما أنه لا ينبغي الإشكال في صحة ما يقع منه من الوضوءات في هذه المدة إذا لم يقصد بها وفاء عن ذلك الواجب ، وكذلك لو تضيق وقصد المكلف العصيان بوفاء النذر وجاء بوضوء لا متابعة فيه ، واحتمال أنه بالتضيق صار مخاطبا من الشارع أن يتابع في هذا الوضوء الخاص فلما لم يفعل لم يقع ذلك صحيحا يدفعه أولا أن التضيق لا يصير الخطاب الشرعي بهذا الخاص بخصوصه ، بل أقصى ذلك أنه يوجب على المكلف أن يوجد الكلي الذي في ذمته في هذا الفرد ، فحيث عصى في ذلك بقي الواجب في ذمته ، وكان هذا الوضوء صحيحا لرجحانية في نفسه لأحد أسبابه ، وثانيا أن التضيق لا يزيد على نذرها في وضوء معين ، وستعرف إن شاء الله أنه لا يبطل‌

٢٦٣

الوضوء بذلك ، أما لو جاء بوضوء قاصدا فيه النذر ومع ذلك لم يتابع فيه قبل التضيق أو حينه فقد يظهر من بعضهم بطلان الوضوء بذلك ، وبقاء النذر في ذمته ، أما الثاني فواضح ، وأما الأول فلعدم النية ، لأن ما نواه لم يقع ، وما وقع لم ينو ، فيكون فاسدا ، وقد يفرق بين نذر الموالاة في الوضوء وبين نذر الوضوء الموالي فيه ، فيصح في الأول ويفسد في الثاني ، وكان وجهه اختصاص جريان ما سمعته من التعليل فيه دون الأول ، والأقوى الصحة فيهما معا ، أما في نحو المقام وهو ما إذا نذرت الموالاة فلعدم مدخلية قصده وفاء نذر خارجي في الصحة والبطلان ، وعدم توقف نية الوضوء ، أقصاه أنه كان قاصدا لأن يجمع تكليفين ، فعدل عن ذلك القصد ، فلا حرمة حيث يكون الأمر موسعا ، ولا بطلان فيه ولا في المضيق ، وأما إذا كان المنذور الوضوء المتابع فيه فلوجود المقتضي وارتفاع المانع ، وما يقال : إنه لا تطابق بين النية والفعل فيه أن هذا الاختلاف لا يقدح في أصل نية القربة بالوضوء ، إذ الفرض كونه راجحا في نفسه لغاية من غاياته حتى يكون متعلقا للنذر ، وتشخيص كلي الوضوء بهذا الفرد لا يمنع العدول منه إلى فرد آخر ، انما الممنوع العدول من صنف إلى صنف آخر مختلفين بالأمر وإلا لزم أن يفسد من نوى الصلاة بالفرد الجامع للمستحبات ، أو شخصها بمستحبات خاصة ثم أنه تركها ، بل ينبغي القول بالفساد لو تركها سهوا أو نسيانا أو غير ذلك ، لمكان الاختلاف المذكور ، وهو ظاهر الفساد.

لا يقال : بالفرق بينهما بأن ناوي الفرد الجامع للمستحبات يكفي في صحة فعله لو جاء بالفاقد لمكان نيته صفة الاستحباب القاضية بالاختيار إلى المكلف. لأنا نقول : إنه مع عدم صلاحيته للفرق عند التأمل جار فيما نحن فيه أيضا ، لأن المكلف قصد إتيان وضوء مستحب فيه التتابع يقع وفاء عن نذر الوضوء الكلي الذي في الذمة ، والحاصل قصد الوفاء به عن النذر انما هو بعد قصد القربة بالوضوء المتابع فيه ، فعدم حصول الأول‌

٢٦٤

لا يقضي بعدم وقوع الثاني كما هو واضح ، واحتمال القول أنه بالنذر يحصل الاختلاف الذي يمنع العدول في غاية الضعف ، إذ بعد فرض أن المنذور عليه ليس سببا للاختلاف في نفسه فالنذر لا يصيره كذلك ، واستوضح في ذلك في الواجب بالإجارة بالنسبة إلى بعض مستحبات الصلاة ، فإن التارك لها عمدا مع نية الأولى بأنه وفاء الإجارة لا يفسد العمل ، نعم لا يقع مجزئا عن المستأجر عليه ، فتأمل.

وأما إذا كان المنذور الموالاة في وضوء خاص فهو وإن كان يعلم حكمه مما ذكرنا عند التأمل لكن لا بأس بذكره على التفصيل ، فنقول : أما ما كان مقيدا بشهر أو بيوم ونحو ذلك فهو كالسابق ، وأما إذا كان مشخصا بمشخصات لا يتعدد معها كهذا الوضوء ونحوه فالظاهر أيضا صحة الوضوء من غير فرق بين نيته الوفاء عن النذر وعدمها ، لوجود المقتضي من جامعية الشرائط وفاقدية الموانع ، وما يقال : انه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيه أنه إن أريد بذلك الوجه المستفاد من النذر فهو مسلم ، لكن أقصاه عدم الاجتزاء عن النذر ، ولا تلازم ، وإن أريد غير ذلك فهو ممنوع ، لا يقال : إن الموالاة بالنذر تكون من قبيل شرط الوضوء فيبطل بفواتها ، لأنا نقول : ان النذر أقصى ما يفيد أحكاما شرعية من الوجوب ونحوه لا أحكاما وضعية ، فلا يصير غير الشرط شرطا ولا العكس ، كما هو واضح ، وكونه مقتضيا للوجوب لا يلزم أزيد من تحقق الإثم بالفوات ، مع أن صيغة النذر لا دلالة فيها على الشرطية ، وأما إذا كان المنذور وضوءا متابعا فيه فهو كالسابق في أن الأقوى الصحة في جميع الصور وإن وجبت الكفارة في بعضها ، وهي فيما لم يبق محل للوفاء بالنذر ، كما أنه في الصور السابقة كذلك ، فتأمل. لكن أطلق العلامة في القواعد فقال : « وناذر الوضوء مواليا لو أخل بها فالأقرب الصحة والكفارة » والأظهر أن مراده من نذر جميع وضوءاته مواليا ، أو يراد به حيث يتعين المنذور عليه ، لكن وجوب الكفارة بالنسبة إلى الصورة الأولى موقوف على الصحة ،

٢٦٥

إذ مع احتمال البطلان لا تجب الكفارة ، لعدم مجيئه بوضوء صحيح لا موالاة فيه ، اللهم إلا أن يفهم من النذر دخول الوضوء الذي يكون فساده من جهة مخالفة النذر فيجب عليه الكفارة حينئذ ، وللمحقق الثاني وصاحب المدارك كلام لا يخلو من نظر يعرف مما قدمنا ، أعرضنا عنه خوف الإطالة ، فلاحظ وتأمل.

وليعلم أنه لا فرق في جميع ما ذكرنا بين القول باستحباب الموالاة والقول بوجوبها التعبدي من غير بطلان ، بل هو أولى على الثاني ، لعدم زيادة الواجب بالنذر على ذلك الوجوب ، فقول العلامة : الأقرب الصحة مع قوله : بالوجوب التعبدي سابقا من غير تردد لا يخلو من تأمل ، واحتمال أن صيغة النذر تقضي بالشرطية واضح الفساد ، وكذلك لو قلنا بالوجوب الشرطي مع الوجوب التعبدي لا يفسد الوضوء بغير ما كان يفسد به سابقا قبل النذر من تركها مع الاختيار ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة وهي أن الفرض في الغسلات أي غسلة الوجه واليمنى واليسرى مرة واحدة قولا واحدا عندنا ، بل نسبه في المنتهى إلى علماء الأمصار إلا ما نقل عن الأوزاعي وسعيد بن مسيب من التثليث ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك والى إطلاق الأمر بالغسل في الكتاب والسنة المتحقق بالمرة الواحدة وإلى الوضوءات البيانية أصالة وحكاية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وأمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) ـ ما كاد يقرب من التواتر المعنوي في أخبارنا من كون الواجب من الغسل مرة واحدة ، وقد تسمع بعضها فيما يأتي والأقوى أن الغسلة الثانية سنة كما هو خيرة المقنعة والانتصار والتهذيب والاستبصار والخلاف والجمل والعقود والإشارة والمراسم والسرائر والمعتبر والنافع والمنتهى والمختلف والقواعد والإرشاد والتحرير والذكرى واللمعة وغيرها من كتب المتأخرين ، بل وعن كتب المتقدمين من المبسوط والغنية والوسيلة والمهذب وغيرها ، بل في الانتصار والسرائر وعن الغنية دعوى الإجماع عليه ، وفي الاستبصار لا خلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٧.

٢٦٦

بين المسلمين أن الواحدة هي الفريضة ، وما زاد عليه سنة ، ونسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يؤجر عليه » ونحوه صحيح معاوية بن وهب (٢) وصحيح صفوان (٣) ومرسل أبي جعفر الأحول عن الصادق عليه‌السلام (٤) أيضا قال : « فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس اثنتين اثنتين » ومرسل عمرو بن أبي المقدام عن الصادق عليه‌السلام (٥) أنه قال : « اني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنتين اثنتين » وخبر الفضل بن شاذان (٦) عن الرضا عليه‌السلام أنه قال في كتاب إلى المأمون : « ان الوضوء مرة فريضة ، واثنتان إسباغ » ومفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام (٧) في خبر عبد الله بن بكير : « من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزؤه لم يؤجر على اثنتين ».

و‌خبر داود الرقي (٨) على ما نقل عن الكشي في كتاب الرجال قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له جعلت فداك كم عدة الطهارة؟ فقال : أما ما أوجبه الله فواحدة ، وأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة لضعف الناس ، ومن توضأ ثلاثا فلا صلاة له ، أنا معه في ذا حتى جاء داود بن زربي ، فسأله عن عدة الطهارة فقال له ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له ، قال فارتعدت فرائصي وكاد أن يدخلني الشيطان ، فأبصر أبو عبد الله عليه‌السلام إلى وقد تغير لوني ، فقال اسكن يا داود ، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق ، قال : فخرجنا من عنده ، وكان ابن زربي إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٢٦٧

جوار بستان أبي جعفر المنصور ، وكان قد ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي ، وانه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقال أبو جعفر المنصور : اني مطلع إلى طهارته ، فان هو توضأ وضوء جعفر بن محمد (ع) فإني لأعرف طهارته حققت عليه القول وقتلته ، فاطلع وداود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا كما أمره أبو عبد الله عليه‌السلام فما أتم وضوءه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور ، فدعاه ، قال : فقال داود : فلما أن دخلت رحب بي ، وقال : يا داود قيل فيك شي‌ء باطل ، وما أنت كذلك ، قد اطلعت على طهارتك وليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل ، وأمر له بمائة ألف درهم ، قال : فقال داود الرقي : التقيت أنا وداود ابن زربي عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : فقال داود بن زربي : جعلت فداك حقنت دماءنا ونرجو أن ندخل بيمنك وبركتك الجنة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لداود بن زربي : حدث داود الرقي بما مر عليكم حتى تسكن روعته ، قال فحدثته بالأمر كله ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لهذا أفتيته ، لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو ، ثم قال : يا داود بن زربي توضأ مثنى مثنى ، ولا تزدن عليه ، فان زدت فلا صلاة لك ».

و‌خبر محمد بن الفضل (١) على ما في إرشاد المفيد « إن علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا ، وتخلل شعر لحيتك ، وتغسل يديك الى المرفقين ثلاثا ، وتمسح رأسك كله ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ، ولا تخالف ذلك الى غيره ، فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٢٦٨

أبو الحسن عليه‌السلام فيه مما جميع العصابة على خلافة ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال ، وأنا أمتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه‌السلام ، وسعي بعلي بن يقطين الى الرشيد وقيل إنه رافضي ، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر ، فلما نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه‌السلام ابتدأ من الآن يا علي بن يقطين ، وتوضأ كما أمرك الله تعالى ، اغسل وجهك مرة فريضة ، وأخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك ».

وهما صريحان في المطلوب ، ونقلناهما بطولهما لما فيهما من الاعجاز ونحوه ، إلى غير ذلك من الأخبار ، كالمنقول من‌ كتابة القائم ( عجل الله فرجه ) إلى العريضي من أولاد الصادق عليه‌السلام « الوضوء كما أمر به غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحد ، واثنان إسباغ الوضوء ، وإن زاد على الاثنين أثم » وغيره ، وما في بعضها من الضعف في السند غير قادح ، لأنها ـ مع كثرتها وتعاضدها وموافقتها للصحاح وكون الحكم استحبابيا يتسامح فيه ـ منجبرة بما سمعت من الإجماعات المنقولة والشهرة التي كادت تكون إجماعا ، إذ لم ينقل الخلاف في ذلك إلا من الصدوق والكليني والبزنطي رحمهم‌الله فإنهم قالوا : بعدم الأجر ، واختاره بعض المتأخرين كالفاضل الهندي وغيره ، واضطرب الأمر على متأخري المتأخرين حتى لا يدري أحدهم كيف يصنع ، فأكثروا من الكلام بما هو بعيد من الصواب في المقام ، وربما فهم بعضهم من المشايخ الثلاثة القول بالحرمة ، وهو بعيد كما ستعرف ، نعم يظهر من الخلاف والسرائر وجود قائل من أصحابنا بكون الثانية بدعة ، إلا انا لم نعثر عليه ، واحتمال إرادة الصدوق‌

٢٦٩

بذلك لكونه المعروف في الخلاف يبعده ما ستسمعه من عبارته وما نقل عنه في الأمالي من أنه صرح بجواز المرتين بل نسبه إلى عقائد الإمامية.

وقال في الفقيه بعد أن ذكر بعضا من الوضوءات البيانية الدال على الغسل مرة : وقال الصادق عليه‌السلام (١) : « والله ما كان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا مرة مرة ، وتوضأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة مرة ، وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » وأما الأخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين فأحدها بإسناد منقطع برواية أبي جعفر الأحول (٢) وذكر الخبر المتقدم ، وحمله على الإِنكار على معنى أنه حد الله حدا فتجاوزه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعداه ، وقد قال الله عز وجل (٣) : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) وقد‌ روي (٤) أن « الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وان المؤمن لا ينجسه شي‌ء وانما يكفيه مثل الدهن » وقال الصادق عليه‌السلام (٥) : « من تعدى في وضوئه كان كناقضه » ثم قال : وفي ذلك حديث آخر بإسناد منقطع رواه عمرو بن أبي المقدام ، ثم ذكر الخبر المتقدم وحمله على إرادة تجديد الوضوء ، قال : فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجدد الوضوء لكل فريضة ، قال : والخبر الذي‌ روي (٦) أن « من زاد على مرتين لم يؤجر » يؤكد ما ذكرته ، ومعناه أن التجديد بعد التجديد لا أجر له وكذلك ما‌ روي (٧) أن « مرتين أفضل » معناه التجديد وكذلك‌ ما روي (٨) في مرتين أنه ( إسباغ ) إلى أن قال : وقد فوض الله عز وجل أمر دينه إلى نبيه (ص) ولم يفوض اليه تعدي حدوده ، وقول الصادق عليه‌السلام (٩) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء حديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء حديث ١٥.

(٣) سورة الطلاق ـ الآية ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٠.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٤.

٢٧٠

« من توضأ مرتين لم يؤجر » يعني أنه أتى بغير الذي أمر به ووعد الأجر عليه فلا يستحق به أجرا ، وكذلك كل أجير إذا فعل غير ما استؤجر عليه لم يكن له أجرة » انتهى. وعنه في موضع آخر الوضوء مرة مرة ، ومن توضأ مرتين لم يؤجر ، كما قال في الهداية : « ومن توضأ مرتين لم يؤجر ، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع » ولا صراحة في هذه العبارات بالحرمة ، ولذا نقل عنه بعض المتأخرين أنه قال : لا أجر عليها واختاره ، لكن قد يقال إنه يفهم من حمله رواية عمرو بن أبي المقدام على ما تقدم الحرمة ، بل وقوله لا أجر عليها ، لعدم تصور الإباحة في جزء العبادة ، كتفسيره‌ قول الصادق عليه‌السلام « من توضأ مرتين لم يؤجر » بما سمعته من إرادة التبرع لعدم الاذن ، وإن كان لا يخلو من بحث ، إلا أن تحقيق حاله ليس بمهم.

وقال الكليني بعد ذكره‌ خبر عبد الكريم سألت أبا عبد الله عليه‌السلام (١) « عن الوضوء ، فقال : ما كان وضوء علي عليه‌السلام إلا مرة مرة » : « هذا دليل على أن الوضوء مرة ، لأنه كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه ، وان الذي جاء عنهم (ع) أنه قال : الوضوء مرتان لمن لم يقنعه مرة واستزاده فقال : مرتان ، ثم قال : ومن زاد على مرتين لم يؤجر ، وهذا غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء ، وكان كمن صلى الظهر خمس ركعات ، ولو لم يطلق عليه‌السلام في المرتين لكان سبيلها سبيل الثلاث » انتهى. وعبارته كالصريحة في كون الثانية مباحة ، فمن العجيب ما فهم منه صاحب الحدائق من الحرمة ، وقال البزنطي في نوادره على ما قيل : « واعلم أن الفضل في واحدة ، ومن زاد على اثنتين لم يؤجر » وهو كذلك كالصريح في الإباحة ، بل قد يدعى أنه يفهم منه الاستحباب ، إلا أن الأفضل الاقتصار على الواحدة.

وكيف كان فحاصل ما يمكن أن يعارض به ما تقدم من الأخبار الدالة على الاستحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٧.

٢٧١

هو الوضوءات البيانية ، مع ما في بعضها‌ أنه (ع) قال بعد الفراغ (١) : « هذا وضوء من لم يحدث حدثا » يعني به التعدي في الوضوء وما‌ ورد أن ( الوضوء واحدة واحدة (٢) وانه‌ ( ما توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا مرة مرة ) (٣) وما كان وضوء علي عليه‌السلام إلا مرة واحدة (٤) وخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام أيضا (٥) أن « من تعدى في الوضوء كان كناقضه » ومرسل ابن أبي عمير عنه عليه‌السلام (٦) أيضا قال : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة » ومرسل الفقيه المتقدم أنه « من توضأ مرتين لم يؤجر » ومرسله الآخر أنه « توضأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة مرة فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » وخبر ابن أبي يعفور المنقول عن نوادر البزنطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧) في الوضوء قال : « اعلم أن الفضل في واحدة ، ومن زاد على اثنتين لم يؤجر » لكن هذه الأخبار ـ مع عدم ما في بعضها من المنافاة كالوضوءات البيانية لظهور ان المراد منها حكاية الواجب كما يقضي به ترك كثير من المستحبات فيها كما أن المراد بقوله (ع) بعد أحدها ( هذا وضوء من لم يحدث حدثا ) التعريض على العامة الذين أدخلوا في الوضوء أشياء لم يأمر بها الله ، وإلا فليس المراد عدم جواز التعدي عن هذه الكيفية بفعل بعض المستحبات كالمضمضة والاستنشاق والتسمية ونحو ذلك قطعا ، بل وكذا ما دل على أن الوضوء واحدة واحدة وان التعدي في الوضوء كالنقصان ، لعدم ثبوت كون ذلك من التعدي واشتراك الآخر بالضعف والإرسال ومخالفة المشهور بين الأصحاب بل المجمع عليه كما سمعته ـ لا تعارض تلك الأخبار الصحيحة الصريحة في الجملة ، ومع ذا فلا صراحة فيه ، أما ما دل على أنه ما كان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٧.

٢٧٢

مرة مرة فلعل المراد بها الغرفة ، أو ان استحباب الغسل بالنسبة إلى غيرهم كما يشعر بذلك‌ الخبر « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع الثانية لضعف الناس » وكان وجهه ما نقل عن ابن أبي عقيل أن الاثنتين سنة لئلا يكون قد قصر المتوضي في المرة ، فتأتي الثانية على تقصيره ، وهم منزهون عن احتمال ذلك ، فيكون الاستحباب بالنسبة إلى غيرهم ، على أنه معارض بما سمعت في‌ خبر عمرو بن أبي المقدام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ اثنتين اثنتين » وحمله على إرادة التجديد كما سمعته من الفقيه في غاية البعد ، لتكرر لفظ اثنتين مرتين ، مع أن كون التجديد ليس منحصرا في واحدة ، بل متى قام احتمال الحدث مثلا أو طال زمان استحب التجديد ، مع أن الراغب عن التجديد غير مأنوس حتى تكون الرواية تعريضا به ، ومن هنا تعرف ما في حمل الأخبار الأخر الدالة على أن الوضوء مثنى مثنى على التجديد أيضا ، خصوصا مع اشتمال بعضها على قوله عليه‌السلام : ( ومن زاد فلا أجر له ).

فالأوجه الجمع بين هذه الرواية ورواية المرة بأن عادته عليه‌السلام كانت المرة ، لكون الثانية مستحبة بالنسبة إلى غيره ، إلا أنه اتفق له فعلها يوما من الأيام لغرض من الأغراض الصحيحة ، كعدم تنفر الناس عنها بتركها ونحوها ، فتكون مستحبة بالنسبة إليه بالعارض ، وأما ما دل على عدم الأجر بالثنتين كما في مرسل ابن أبي عمير وغيره فقد يكون المراد منه أن من لم يستيقن أن الواحدة تجزؤه لا أجر له على الثانية ، بمعنى. يحبط الله أجره عليها كما يومي إليه خبر عبد الله بن بكير المتقدم ، بل لعله مقتضى الجمع بين المطلق والمقيد.

إذا عرفت ذلك كله علمت أن المتجه ما عليه الأصحاب من حمل الغسلة الأولى على الوجوب ، وحمل الثانية على الاستحباب ، وما عن بعض المتأخرين من حمل روايات مثنى مثنى على التقية مدعيا أن العامة تنكر الوحدة ، وتروي في أخبارهم التثنية ضعيف ، وهو ـ مع عدم إمكان جريانه في جميع ما سمعت من الأخبار بل قد يظهر من رواية داود‌

٢٧٣

ابن زربي ومكاتبة علي بن يقطين أن المعروف عندهم التثليث لا التثنية ، وأن في بعضها ( من زاد فلا أجر له ) مما لا يقولون به ـ ليس بأولى مما ذكره الأصحاب ، وكذا ما نقل عن بعضهم من أن المراد بقوله عليه‌السلام : مثنى مثنى أي غسلتان ومسحتان ، وكأن الذي دعاه إلى ذلك ما في بعضها أن‌ الصادق عليه‌السلام قال : « الوضوء مثنى من زاد لم يؤجر عليه وحكى لنا وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغسل وجهه مرة واحدة وذراعيه مرة واحدة » إلى آخره. لظهور المنافاة بين حكايته وقوله ، فلا بد من حمل التثنية على ذلك حتى يحصل الاتفاق ، لما فيه ـ مع عدم إمكان جريانه في كثير مما تقدم من الأدلة ـ أنه محتاج إلى التجوز بجعل اليدين عضوا واحدا ، وكذا الرجلين حتى تحصل الاثنينية ، وكذا ما يظهر من صاحب المدارك من حمله رواية الاثنين على نهاية الجواز ، إذ هو ـ مع عدم جريانه في كثير مما سمعت أيضا ـ مناف لاعتبار الرجحان في جزء العبادة ، اللهم إلا أن يدعي أنه رخصة من الشارع ، وليس جزء عبادة ، وهو في غاية البعد ، لاستلزامه تخصيص ما دل على المسح بماء الوضوء وغيره بذلك ، وكذا ما ذكره بعضهم من حمل أخبار التثنية على الغرفتين ، وأخبار المرة على الغسلة ، فيكون المستحب الغسلة الواحدة بغرفتين ، وادعى أنه بذلك تتجه الأخبار ، واستدل عليه بحديث زرارة وبكير (١) قلنا : « أصلحك الله تعالى فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع ، فقال عليه‌السلام : نعم ، واثنتان تأتيان على ذلك كله » ‌وفيه ـ مع مخالفته أيضا لكثير من الوضوءات البيانية ، وعدم إمكان جريانه في نحو رواية داود ابن زربي ومكاتبة علي بن يقطين وغيرهما ـ أنه تحكم في الأخبار ، وحمل لها على ما تشتهي النفس من غير مرشد ، وما ذكره من الخبر لا إشعار فيه بذلك فضلا عن الظهور ، فتأمل.

وليقض العجب مما في الحدائق من اختياره حرمة الثانية وانها تشريع ، وجمعه بين الروايات بأن مدارها جميعا على استحباب الإسباغ ، أي الإتيان بالغسل الواجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٢٧٤

بماء كثير ، فيكون المجزي منه ما كان مثل الدهن ، والمستحب ما اشتمل على الإسباغ وهو يحصل إما بغرفة واحدة ملأ الكف مع البلاغة فيها ، أو يحصل بغرفتين بدون المبالغة ، وجمع بذلك بين جميع الروايات حتى الوضوءات البيانية. إذ هو ـ مع أنه مناف للإجماع من جواز الثانية وانها ليست بمحرمة ، وما ادعاه من حمل كلام الصدوق عليه والكليني قد عرفت أنه لا صراحة فيهما بذلك سيما الثاني ، بل والأول أيضا ، لما عنه في الأمالي أنه نسب الجواز الى اعتقاد الإمامية ـ لا يتجه بالنسبة إلى رواية داود ابن زربي ولا رواية علي بن يقطين ، لكونهما كالصريحتين في إرادة الغسل ، بل وكذا غيرهما كخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام المتقدم سابقا ، ونحوه ما صدر من بعض متأخري المتأخرين مما ينافي بظاهره الجمع ، ومنشأه سوء الطريقة والاعراض عن كلمات أصحابنا الماهرين الذين هم أعلم بمضامين أخبار الأئمة المعصومين عليهم‌السلام وإلا فلولاه لأمكن الجمع بين الروايات بأمور أخر ، منها أن يقال : إن المستحب الغسلة الواحدة ، فمن غسل مرتين كان ناقص الأجر ، على معنى أن للمستحب فردين ، أشقهما أقلهما ثوابا كما يشعر به خبر البزنطي المتقدم سابقا ، وغير ذلك من الوجوه ، والله أعلم.

ثم اعلم أن ظاهر الأصحاب استحباب الغسلة الثانية ، فلا يجوز حينئذ جعل الأولى مستحبة ، والثانية واجبة ، ولعله كذلك ، لكونه المتبادر من النصوص ، كما أن الظاهر المتبادر استحباب الثانية بعد تمام الغسلة الأولى ، وإلا فمتى كان العضو ناقصا لم يحصل الاستحباب ، بل الظاهر عدم الاكتفاء بالتبعيض على معنى غسل بعض العضو ثم يغسله ذلك مرة أخرى ثم يتم الأول ثم الثاني ، نعم الظاهر جواز التبعيض بالنسبة إلى الأعضاء على معنى غسل الوجه مرتين دون اليدين مثلا ، والمرجع في تحقق الغسلة الثانية العرف ، فلا يصدق على آنات المكث بالنسبة للوضوء بالارتماس أنه غسل ثان أو ثالث ، وكذا ما يحصل للإنسان من إمرار اليد على العضو مرات زائدة على مقدار الواجب ، لكن لعل‌

٢٧٥

عدم الحكم بالنسبة للأخير لكونه غير مقصود به غسلا ثانيا أو ثالثا ، وإلا لو قصد حصل بخلاف آنات المكث ، فإنه وإن قصد لم يحصل ، لعدم الصدق عرفا ، فتأمل جيدا.

والغسلة الثالثة بنية أنها من الوضوء بدعة كما في الخلاف والسرائر والمعتبر والنافع والمنتهى والمختلف والتحرير وظاهر الهداية ، بل عن صريح المبسوط وظاهر المقنع أنها عندنا بدعة ، ونسبه في المختلف إلى أكثر علمائنا ، والظاهر أن المراد بالبدعة في كلامهم الحرمة التشريعية ، فيكون مضافا إلى ما سمعت خيرة الكافي والقواعد والذكرى والدروس والتنقيح وجامع المقاصد وغيرهم ، كما هو ظاهر الانتصار والمراسم وغيرها مع اعتقاد المشروعية كصريح الوسيلة على ما نقل عنها ، وفي المدارك لا ريب في تحريم الثالثة.

قلت : تفصيل الحال أن يقال إما أنها ليست مستحبة فالإجماع محصل عليه فضلا عن المنقول ، وإما كونها محرمة فهو المشهور نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي إجماع في الحقيقة ، لعدم قدح خلاف المفيد فيه ، كالمنقول عن ابن الجنيد ، قال في المقنعة : « وتثليثه تكلف ، ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا » وابن الجنيد : « الثالثة زيادة غير محتاج إليها » مع عدم صراحة الثاني بعدم الحرمة ، كالمنقول عن ابن أبي عقيل أنه ان تعدى المرتين لا يؤجر عليه ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ما دل على حرمة إدخال ما ليس من الدين في الدين ـ خصوص‌ مرسلة ابن أبي عمير (١) عن الصادق عليه‌السلام : « والثالثة بدعة » منضما إلى‌ قوله عليه‌السلام في خبر عبد الرحيم القصير (٢) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار » ومع الباقر عليه‌السلام في خبر الفضل بن شاذان (٣) مرفوعا نحو ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٢) أصول الكافي ـ كتاب فضل العلم ـ باب البدع والرأي ـ حديث ١٢.

(٣) أصول الكافي ـ كتاب فضل العلم ـ باب البدع والرأي ـ حديث ٨.

٢٧٦

مؤيدا بما‌ روي (١) « أن الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه » ولا ريب أن من زاد في الوضوء فقد تعدى ، كما يقضي به بعض الأخبار ، لقوله عليه‌السلام (٢) فيها بعد أن فرغ من الوضوء : « هذا وضوء من لم يحدث حدثا » وقال الصادق عليه‌السلام (٣) في خبر السكوني : « أن من تعدى في الوضوء كان كناقضه » بل قد يستدل عليه بقول الصادق عليه‌السلام (٤) لداود بن زربي : « توضأ مثنى مثنى ، ولا تزدن عليه ، فان زدت عليه فلا صلاة لك » ‌وبقوله عليه‌السلام في صدر هذا الخبر : إن « من توضأ ثلاثا فلا صلاة له » وإن كان قد يناقش في الأخير بأنه لا يدل إلا على البطلان ، وهو أعم من الحرمة ، بل يمكن المناقشة في النهي المتقدم عن الزيادة بأن النواهي والأوامر في بيان الواجب والمستحب لا تفيد إلا الإيجاب الشرطي وإن كانت حقيقة في الوجوب بالمعنى المصطلح ، كما يشهد بذلك كثرة وورودها في المعاملة ونحوها.

وربما استدل أيضا على الحرمة بأن فيها تفويتا للموالاة ، وقد عرفت وجوبها ، وفيه أنه على تقدير التسليم لا يفيد حرمة الفعل ، بل يقضي بحرمة الترك ، والأمر بالشي‌ء ليس نهيا عن ضده ، على أنه ليس مناف للمتابعة العرفية ، وأيضا قد عرفت عدم وجوبها بمعنى المتابعة ، وذلك لا يتم إلا عليها ، ودعوى أنه يتم أيضا على القول بمراعاة الجفاف ، لأن الغسل الثالث مذهب ومزيل لماء الوضوء الأول مدفوعة بما سمعت من أن المراد بمراعاة الجفاف تقدير زماني ، وأيضا فالحكم معلق على الجفاف ، وهو غير صادق في المقام ، على أن رطوبة الوضوء باقية وإن امتزج معها غيرها ، وكيف كان ففي الأدلة المذكورة كفاية ، ولم نعثر على ما يدل على قول المخالف سوى الأصل ، وقوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٢٧٧

عليه‌السلام في رواية زرارة (١) : « الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يؤجر عليه » والأصل مقطوع بما سمعت ، والخبر أعم من الإباحة ، بل قد يدعى أن ذلك كناية عن الحرمة ، لعدم تصور الإباحة في جزء العبادة.

وأما المناقشة فيما ذكرناه من الأدلة بأن اللازم منه تحريم اعتقاد ندبيتها لا فعلها بدون ذلك الاعتقاد ، بل ومع الاعتقاد أيضا ، والكلام في حرمة الفعل لا الاعتقاد ، بل قد يناقش في حرمة ذلك الاعتقاد ، لأنه قد يكون ناشئا من اجتهاد أو تقليد ، فلا إثم حينئذ وإن كان خطاء ، ودعوى أن ذلك من الضروريات ممنوعة ، وإلا لقضي بكفر المعتقد ولا قائل به ، بل قد يمنع تصور الاعتقاد مع العلم بعدم المشروعية. ففيها أن المراد بحرمة غسل الثالثة إذا جي‌ء بها على جهة المشروعية ، كما هو الظاهر من الأدلة لأن مساقها الرد على العامة المبدعين استحبابها ، فالإتيان بها حينئذ لا على هذا الوجه بل كان لغرض من الأغراض كالتبريد ونحوه أو عبثا خارج عن محل الفرض ، ولا حرمة فيه من جهة التثليث ، نعم قد تحصل الحرمة حينئذ من أمور أخر كاستلزامها فوات الموالاة بمعنى المتابعة إن قلنا بوجوبها ، أو بطلان الوضوء لمكان المسح بالماء الجديد إن قلنا بحرمة قطع العمل ، وأما دعوى عدم حرمتها حتى لو جي‌ء بها على جهة المشروعية زعما منه أن المحرم الاعتقاد دون الفعل فهو مما لا ينبغي أن يلتفت إليه ، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، كما أن الظاهر أن التشريع ليس مخصوصا بالجاهل الذي يتصور منه الاعتقاد ، بل يجري فيه وفي العالم ، لأن المحرم هذه الصورة والنية الجعلية ، سيما في الرئيس ذي الأتباع كأبي حنيفة ومالك ، ومن العجيب قوله آخرا : إنه قد يناقش في حرمة ذلك الاعتقاد الى آخره ، إذ الكلام في التشريع المحرم ، وهو عبارة عن إدخال ما ليس من الدين في الدين ، إما من العالم بعدم مشروعيته ، أو من الجاهل الغير المعذور ، ويكفي في الحرمة تلك الصورة ، كل ذلك مع ما عرفت من ظواهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

٢٧٨

الأدلة من كون الثالثة بدعة ونحوه القاضية بحرمة الفعل كما هو واضح.

ثم انه بعد البناء على الحرمة فهل يفسد الوضوء بفعلها أو لا؟ أقوال أربعة : ( الأول ) الفساد مطلقا كما هو ظاهر إشارة السبق وعن كافي أبي الصلاح ، ( الثاني ) الصحة مطلقا ، واستوجهه المصنف في المعتبر ، و ( الثالث ) الفساد إن مسح بمائها ، لكونه ماء جديدا و ( الرابع ) تخصيص البطلان بغسل اليسرى ثلاثا ، لكونه المستلزم المسح بماء جديد دون غيره ، وكان مستند ( الأول ) قوله (ع) في صدر خبر داود المتقدم : « ومن توضأ ثلاثا فلا صلاة له » وفي آخره‌ « توضأ مثنى مثنى ، ولا تزدن فان زدت فلا صلاة لك » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني « ان من تعدى في الوضوء كان كناقضه » مضافا إلى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير المشتمل على الثلاث « ان هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » وانه لم يأت بالمأمور على وجهه ، لكون المفروض أنه مأمور به مرة مرة واجبا ومثنى مثنى مستحبا ، والتثليث مناف للكيفيتين ، وقد تكون الاثنينية فقط لها مدخلية في الصحة ، سيما على القول بأن ألفاظ العبادات اسم للصحيح ، أو لم يعلم أنه له أو للأعم ، وشغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، مع استصحاب حكم الحدث السابق ، وينبغي القطع بصحة هذا القول فيما لو كان التشريع في أصل النية ، بأن يكون قد نوى التقرب بوضوء مشتمل على ثلاث غسلات ، لأنه نوى القربة بما ليس مقربا ، والمقرب الحقيقي لم ينوه ، بل الظاهر حصول البطلان في نحو الفرض وإن لم يفعل الفعل المشرع به ، أما لو لم يأخذه بالنية إما بأن يكون نوى القربة بالوضوء الحقيقي لكنه قصد التشريع في الأثناء ، أو أنه نوى القربة بالوضوء الواقعي وكان يزعم أن المشتمل على الثلاث من جملته فالظاهر عدم حصول البطلان ، لكونه نهيا عن شي‌ء خارج عن العبادة ، وبطلان الصلاة بنحو ذلك لدليل خاص من إجماع أو غيره أو لكون الظاهر من الأدلة أنها هيئة اجتماعية مترتبة تقدح فيها الزيادة والنقيصة ، بخلاف الوضوء كما يظهر من الإجماع على عدم البطلان فيما لو كرر المسح مشرعا أو خالف الترتيب ولما يحصل‌

٢٧٩

الجفاف ونحو ذلك ، واحتمال القول بالبطلان لا للتشريع بل للاستظهار مما سمعت من الأدلة السابقة وإن كان ممكنا إلا أن أقواها خبر داود ، وهو لا جابر له في خصوص ذلك ، بل مو هون بمصير المشهور إلى خلافه ، وكذا‌ قوله (ع) : ( من تعدى في الوضوء كان كناقضه ) بل لعلهما محمولان على إرادة الإدخال في أصل النية كما عرفت ، بل قد يظهر من بعضهم أن داود القائل بالبطلان انما هو إذا استلزم المسح بمائها فلا مخالف حينئذ.

ومما يرشد إلى عدم البطلان مضافا إلى ما سمعت‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) في خبر زرارة : « الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يؤجر عليه » فكان القول بالبطلان حينئذ انما يكون من شي‌ء خارجي غير زيادة الثالثة ، فنقول حينئذ لا نرى وجها للفساد بفعلها سوى ما يقال ان فيه تفويتا للموالاة وقد عرفت ما فيه. وسوى ما يقال إنه مستلزم للمسح بماء جديد ، وهو حق حيث يستلزم ، فلا فساد لو غسل الوجه حينئذ وحده ، أو مع اليمنى من دون غسل اليسرى ثلاثا ، لكن بشرط مباشرة غسلها باليمنى ، ليكون الباقي في اليمنى نداوة وضوء حينئذ ، أو قلنا بجواز مسح الرأس والرجلين باليد اليسرى ، فإنه لا يقدح حينئذ غسل اليمنى ثلاثا ، ولم يباشر بها غسل اليسرى ، لكون المسح خاصة باليسرى ، وبه يظهر أنه لو غسل اليسرى ثلاثا أيضا ولم يغسل اليمنى كذلك لم يبطل الوضوء إن جوزنا مسح الرأس والرجلين باليمنى خاصة ، وكذا لو غسلهما معا ثلاثا ولم يغسل الوجه كذلك وقلنا بجواز تجفيف الكف وأخذ ما على أعضاء الوضوء من ماء الوضوء اختيارا ، كما ظهر لك قوته سابقا ، فكان المدار حينئذ على وقوع المسح بمائها من غير إمكان التدارك لوجه من الوجوه ، وأما ما في المعتبر من أنه لا يبطل وإن مسح بمائها زعما منه أن اليد لا تنفك عن نداوة الوضوء فيجتزي بالمسح حينئذ ففيه ما عرفت سابقا من أن المتبادر أنه يجب المسح بها خالصة ، على أن المركب من الخارج والداخل خارج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

٢٨٠