جواهر الكلام - ج ٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المفصل بين الساق والقدم ، وهو الذي ذكره جماعة من أهل اللغة كصاحب القاموس ، حيث قال : الكعب كل مفصل العظام ، وهو المفهوم من كلام ابن الجنيد ، وتنطبق عليه رواية الأخوين بحسب الظاهر. ( الثالث ) أحد النابتين عن يمين الساق وشماله الذي يقال لهما المنجمين ، وهذا الذي تسميه العامة كعبا ، وأصحابنا مطبقون على خلافه.

( الرابع ) عظم مائل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم ، وله زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبة الساق ، وزائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العقب ، وهو نأت في وسط ظهر القدم أعني الوسط العرضي ، ولكن نتوه غير ظاهر بحس البصر ، وقد يعبر عنه بالمفصل لمجاورته له ، أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل ، وهو الذي في أرجل الغنم والبقر ، وبحث عنه علماء التشريح ، وبه قال الأصمعي ومحمد بن الحسن الشيباني كما نقله عنهما العامة في كتبهم ، وهو الكعب على التحقيق الذي أراده العلامة رحمه‌الله ، وعبارة ابن الجنيد والسيد المرتضى والشيخ وأبي الصلاح وابن أبي عقيل وابن إدريس والمحقق لا تأبى الانطباق عليه ، والعلامة لا ينكر أن الكعب نأت في وسط القدم ، كيف وقد فسره بذلك في المنتهى والتذكرة وغيرهما ، ولكنه يقول هو ليس العظم الواقع أمام الساق بين المفصل والمشط ، بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم. نعم عبارة المفيد صريحة في إرادة المعنى الأول ، فذكرها في المختلف في سلخ تلك العبارة ليس على ما ينبغي ، ولعله رحمه‌الله حمل المشط في كلامه على نفس القدم ، وجعل قوله أمام الساقين بالنظر إلى امتداد الغاية ، لكنه محمل بعيد. وكيف كان فالكعب عند علمائنا ما ذكرناه ، ويراد بالنتو في كلامهم انما هو النتو الذي لا يدرك بالحسن ، وبقولهم في وسط القدم انما هو الوسط العرضي ، والعامة يعرف ذلك من أصحابنا فضلا عن الخاصة ، فإن كتبهم مشحونة بنقله ، وهو الذي شنعوا به علينا ، قال فخر الرازي في تفسيره الكبير : « قالت الإمامية : وكل من ذهب إلى وجوب المسح أن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر موضوع تحت عظم الساق حيث يكون‌

٢٢١

مفصل الساق والقدم ، وهو قول محمد بن الحسن الشيباني ، وكان الأصمعي اختار هذا القول » وقال النيشابوري في تفسيره : إن الإمامية وكل من قال بالمسح ذهبوا إلى أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم ، والمفصل يسمى كعبا ، ومنه كعوب الرمح لمفاصله ، ثم نقل في الأربعين جملة من كلمات أهل التشريح مما يدل على ذلك ، ونقل جملة من كلام أهل اللغة في تسمية المفصل كعبا ، قال في الصحاح : « كعوب الرمح النواشر في أطراف الأنابيب » ، وقال في المغرب : « الكعب العقدة بين الأنبوبتين في القصب » وقال أبو عبيدة : « هو الذي في أصل القدم ينتهي اليه الساق بمنزلة كعاب القنا » ونقل فخر الرازي في تفسيره أن المفصل يسمى كعبا ، وقال في القاموس : « الكعب كل مفصل للعظام ، والعظم الناشز فوق القدم » فظهر من ذلك أن ما اعترض به على العلامة من أنه لم يقل به أحد من الخاصة ولا من العامة ولا من أهل اللغة كلام خال عن الاستقامة ، إلى أن قال : ثم اني والله لشديد التعجب من أولئك الأعلام كيف زلت أقدام أقلامهم في هذا المقام حتى زعموا أن ما قاله العلامة مما لم يقل به أحد من الخاص والعام انتهى ملخصا.

قلت والانصاف يقضي بأن التعجب منه أشد والقسم على ذلك آكد ، فان فيه ( أولا ) أن كلام العلامة بمعزل عما ذكر ، وكيف وقد عرفت أنه رحمه‌الله صرح تصريحا غير قابل للتأويل بكونه عبارة عن المفصل ، وقد سلم هذا المأول أنه من جملة معاني الكعب وذكر جملة من أهل اللغة وغيرهم ممن نص عليه ، وجعله ذلك من التجوز لعلاقة القرب أو الحال أو المحل في غاية البعد ، إذ لا إشارة منه في جميع كتبه إلى شي‌ء من ذلك ، وكيف يحتمل أن العلامة يريده ويتكل على التعبير عنه بمثل ذلك اللفظ الموهم لخلاف المراد مع أنه ليس في كتب أهل اللغة إشارة اليه ، بل هو شي‌ء ذكره أهل التشريح ، كلا ان ذلك لا يقبله من له أدنى مسكة. و ( ثانيا ) دعوى تنزيل كلمات الأصحاب عليه التي قد عرفت اشتمالها على الأوصاف التي كادت تكون صريحة في عدمه من النتو ، وكونه في‌

٢٢٢

وسط القدم ، وقبة القدم ، ومعقد الشراك ، وظهر القدم ، وحمله النتو على إرادة النتو الغير المحسوس بالبصر والوسط على الوسط العرضي كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه ، فإن النتو الذي نقله عن أهل التشريح من كون هذا العظم المستدير له زائدتان من أعلاه ، كل واحد منهما في قصبة من قصبتي الساق مما لا يعرفه إلا من نقله عنهم ، فكيف يجوز التعريف به لعامة الخلق سيما مع إيهامه خلاف المراد ، وما ذاك إلا إغراء بالجهل ، وإيقاع في الوهم ، وكذلك الوسط ، فان المتبادر منه الوسط الطولي والعرضي ، على أن لفظ الظهر الموجود في بعض العبارات محكيا عليه الإجماع لم أدر على ماذا ينزله ، وكذلك معقد الشراك ، ثم انه بناء على ذلك لا ثمرة للخلاف بيننا وبين العامة من قديم الدهر ، فإن إيصال المسح إلى المكان الذي ذكره ان لم يكن ذلك المكان فهو قريب منه جدا ، وأيضا قد سمعت جملة من الأخبار المتقدمة التي تتبرء من هذا ، سيما أخبار القطع من الكعب ، كما انك قد عرفت اعترافه بأن عبارة المقنعة لا تقبل هذا التأويل ، مع أن الشيخ قد ادعى الإجماع في التهذيب عليها ، بل قد عرفت أن المقداد في التنقيح نسب القول بأنه قبتا القدم إلى أصحابنا.

والحاصل كان إطالة الكلام في رد هذا المحقق وبيان منافاة كلام الأصحاب له من تضييع الوقت بما لا يفيد ، ومن العجيب تعويله في ذلك على نقل فخر الرازي ونحوه ، وهو لا يعلم مذهب أصحابه فضلا عن مذاهب الخاصة ، بل لا يبعد أن يكون تعمد الافتراء به عليهم قصدا للتشنيع ، وكيف يعارض ذلك ما سمعت من غيره من الشيعة خلافه ممن هو أعرف منه بمذاهب الشيعة ، وبعيد عن تعمد الافتراء إلى غير ذلك ، نعم يحتمل كلام العلامة احتمالا غير بعيد بقرينة نقله الإجماع وذكره أوصاف الأصحاب في بعض كتبه أن الكعب يبتدئ من مبدء العظم الناتي على ظهر القدم ، وينتهي إلى المفصل ، والإشارة إلى المفصل في رواية الأخوين باعتبار انه ينتهي إلى الكعب وإطلاق الكعب على الناتي في ظهر القدم في غيرها من الروايات باعتبار كونه مبدأ الكعب ، وكان جميع‌

٢٢٣

ما تقدم من العبارات والروايات لا تأبى التنزيل على ذلك كما أشار إليه الشهيد في الذكرى ، قال : « نعم لو قيل بوجوب إدخال الكعبين في المسح إما لجعل ( إلى ) بمعنى ( مع ) وإما لإدخال الغاية في المغيا قرب مما قاله وإن لم يكن إياه ، إلا أن ظاهر الأصحاب والأخبار بخلافه ، ويؤيده المسح على النعلين من غير استبطان الشراكين » انتهى. ولعله يظهر منه أنه لا يصل المفصل ، لكن الظاهر وصولة ، وكيف كان فلا إشكال في الاجتزاء بالمسح من رؤوس الأصابع إلى الكعب.

والأقوى أنه يجوز منكوسا بأن يمسح من الكعب إلى رؤوس الأصابع كما هو خيرة التهذيب والاستبصار والإشارة والمراسم والمعتبر والنافع والقواعد والتحرير والإرشاد والمختلف والمنتهى والتنقيح وجامع المقاصد والروضة وغيرها من كتب المتأخرين وعن المبسوط والنهاية والمهذب والجامع والإصباح ، وحكي عن الحسن بل في الذكرى وعن غيرها أنه المشهور ، لإطلاق الأمر بالمسح ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حماد (١) « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » وفي‌ خبر آخر له (٢) أيضا أنه « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » ومرسل يونس (٣) قال : « أخبرني من رأى أبا الحسن عليه‌السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : الأمر موسع ، من شاء مسح مقبلا ، ومن شاء مسح مدبرا ، فإنه من الأمر الموسع إن شاء الله » وما في سند الثانية من الإرسال منجبر بما سمعت من الشهرة ، كما أنه ينجبر به دلالتهما لو سلم عدم وضوحها في المطلوب ، لعدم ظهورها في جواز المسح مدبرا مستقلا ، بل أقصى ما تدل على جوازه مجموعا مع الاستقبال ، مع ما فيه من أنه لا مجال له في ذيل رواية يونس ، وخلاف الظاهر في رواية حماد ، لظهور الواو في تقدير العامل لمغطوفها ، فيكون المراد لا بأس بمسح الوضوء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٢٢٤

مقبلا ، ولا بأس بذلك مدبرا ، واحتمال المعية فيها المحتاج إلى القرينة هنا مناف للنهي عن تكرار المسح ، نعم قد يناقش في صدر رواية يونس بعدم وضوح المراد منها ، إذ الأعلى نفس الكعب كما عرفت من المشهور ، مع ظهورها حينئذ في عدم إيجاب الاستيعاب الطولي ، إلا أن ذلك لا يقدح في الاستدلال بذيلها ، بل ولا بصدرها ، لظهوره على كل حال في جواز النكس ، فتأمل.

وقيل لا يجوز النكس كما هو ظاهر الفقيه والمقنعة والانتصار وصريح السرائر وعن ظاهر أبي الصلاح وابني حمزة وزهرة ، وفي الذكرى والدروس أنه أولى ، لظهور ( إلى ) بانتهاء المسح في قوله تعالى ( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) وكونه المتبادر من الوضوءات البيانية ، مع ما في بعضها (١) من المسح الى الكعبين ، مع أن الوضوء البياني الواقع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان الابتداء فيه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين لم يجز العكس وكذا العكس ، لكن الثاني باطل بالإجماع ، فتعين الأول ، ولصحيح أحمد بن محمد (٢) سألت أبا الحسن عليه‌السلام « عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها الى الكعبين » ولأن الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية وهي في المسح مقبلا وفي الأول ـ مضافا الى احتمال كون ( إلى ) بمعنى ( مع ) ، أو غاية للممسوح ، وعدم دلالته على وجوب البدأة بالأصابع ، إذ لا تلازم بين الانتهاء الى الكعبين والابتداء بالأصابع ـ أنه يخرج عن الظهور بما ذكرنا من الأدلة ، ولا ينافيه ما تقدم لنا من الاستدلال بالآية على إيجاب الاستيعاب الطولي ، إذ الخروج عن بعض المدلول لدليل خاص لا ينافي الاستدلال بالباقي ، لأن المفهوم من ( إلى ) أمران ، كيفية المسح ، وكمية الممسوح ، فيكون كالعام المخصوص كما تقدم سابقا. وفي الثاني ـ مضافا إلى المناقشة في دلالة الوضوء البياني على الوجوب ـ أن ظاهر الفعل لا يعارض صريح القول. وفي الثالث ـ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

٢٢٥

مع احتمال السؤال عن أفضل أفراد المسح كما لعله يشعر به المسح بالكف لعدم وجوبه قطعا كما عرفت ـ أنه يخرج عنه بصريح ما سمعته من الأدلة. وفي الرابع ان البراءة اليقينية يكفي فيها المطلقات فضلا عن النص ، فالأقوى حينئذ ما عليه المشهور ، وليعلم أنه بناء على المختار لا فرق بين جواز النكس في جميع العضو أو في بعضه ، نعم قد يتجه احتمال الفرق على المذهب الثاني ، فيمكن القول بالصحة مثلا لو ابتدأ بالأصابع وجعل الغاية الكعبين ولكنه لم يمسح ما بينهما مرتبا ، إلا أن الظاهر من قولهم من الأصابع إلى الكعبين إيجاب كون المسح مرتبا حتى ينتهي إلى الكعبين ، وقد يفهم من هذه العبارة ونحوها إيجاب كون المسح لا تقطيع فيه ، فلو مسح شيئا مثلا ثم قطعه ثم مسح من موضع القطع لا يجتزى به ، لكن الظاهر عدم وجوب مثل ذلك كما نص عليه في التنقيح ، وقد يظهر من عبارة المصنف ونحوها أنه لا كراهة في المسح منكوسا ، وهو كذلك ، إذ ليس في الأدلة ما يقتضيه ، بل قوله لا بأس به يشعر بخلافه ، ومجرد الخروج عن شبهة الخلاف لا يصلح لذلك ، لكنه صرح بها في جامع المقاصد ، وهو أدرى بمأخذها ، نعم لا يبعد استحباب المسح مقبلا كما صرح به في المراسم ، وعن المهذب وفي المختلف أنه الأولى ، لظهوره من الوضوءات البيانية ، ولبعض الأوامر بالمسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، وللخبر المتقدم في كيفية المسح عليهما ، وللاحتياط ، وغيره مع التسامح فيه.

وليس بين الرجلين ترتيب فيجوز مسح اليسرى قبل اليمنى ، ومسحهما معا ، كما هو خيرة المعتبر والمنتهى والتحرير والمختلف والإرشاد والقواعد والتنقيح وظاهر المبسوط والغنية والمهذب والوسيلة والكافي والسرائر والتذكرة ، بل في المختلف والذكرى وكشف اللثام وغيرها أنه المشهور ، بل عن ابن إدريس في بعض الفتاوى لا أظن مخالفا منافيه ، بل قد تشعر عبارة الغنية بالإجماع ، لقوله فيها : « الفرض التاسع الترتيب ، وهو أن يبدأ بغسل وجهه ، ثم يبدأ باليمنى ، ثم اليسرى ، ثم يمسح رأسه ، ثم يمسح رجليه ،

٢٢٦

بدليل الإجماع المذكور » فان ذكره للترتيب في غيرهما وتركه فيهما كالصريح في عدم وجوبه ، وظهور دعواه الإجماع على الجميع ، وكذلك يظهر من كل من تعرض للترتيب في غيرهما وتركه فيهما ، كالشيخ في الجمل والعقود وغيره من القدماء.

ويدل عليه مضافا إلى ذلك إطلاق الكتاب والسنة وما يظهر من الوضوءات البيانية ، فإنها على كثرتها وتعرضها للترتيب في غيرهما كادت تكون صريحة في عدم وجوبه ، ولأنه لو وجب لكان ذلك شائعا ، لعموم البلوى به وتكرره في كل يوم كالترتيب في غيرهما ، بل قد يظهر أيضا من‌ خبر عبد الرحمن بن كثير الهاشمي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « بينما أمير المؤمنين عليه‌السلام جالس مع محمد بن الحنفية ـ والحديث طويل قد اشتمل على الدعاء عند غسل كل عضو عضو إلى أن قال ـ : ثم مسح رجليه ، فقال : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام » الى آخره. بل هو كالصريح في أنه مسحهما معا ، بل قد يشعر بعدم الاستحباب ، كما لعله يشعر به خبر التوقيع على ما تسمع وصريح المراسم ، بل يقرب منها عبارة الفقيه ، كصريح جامع المقاصد واللمعة والمدارك.

وظاهر الروضة الوجوب ، وهو المحكي عن ابني الجنيد وأبي عقيل وعلي بن بابويه ، وفي كشف اللثام أنه يقتضيه إطلاق ابن سعيد وجوب تقديم اليمين على اليسار ، قلت : ونحوه الشيخ في الخلاف ، قال : « الترتيب واجب في الوضوء في الأعضاء كلها ، ويجب تقديم اليمنى على اليسار ـ الى أن قال ـ : دليلنا الإجماع من الفرقة » وفي الذكرى أن العمل بالترتيب أحوط ، وفي الدروس ولا يجزي تقديم اليسرى على اليمنى ولا مسحهما معا احتياطا ، وقد ترجع إليه أيضا عبارة المقنعة ، قال : ثم يضع يديه جميعا على ظاهر قدميه فيمسحهما جميعا معا ، إذ لا قائل بظاهرها وهو وجوب المعية ، نعم نقل في الذكرى قولا لم نعرف قائله ، وهو وجوب تقديم اليمنى أو مسحهما معا ، ولا يجوز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

٢٢٧

تقديم اليسرى ، ولعله لرواية التوقيع التي ستسمعها ، وقد تنزل على ذلك عبارة المقنعة ، فتأمل.

وكيف كان فيدل على الثاني ـ مضافا الى ظاهر إجماع الخلاف المتقدم والاحتياط ـ ما رواه‌ الكليني في الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وذكر المسح فقال : « امسح على مقدم رأسك ، وامسح على القدمين ، وابتدئ بالشق الأيمن » وما رواه‌ النجاشي بإسناده عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع (٢) وكان كاتب أمير المؤمنين عليه‌السلام انه كان يقول : « إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده » وما‌ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « أنه كان إذا توضأ بدأ بميامنه » وبأن الوضوء البياني ان وقع فيه الترتيب فوجوبه ظاهر ، وإلا لزم وجوب مقابله ، والثاني باطل اتفاقا ، فيجب الأول ، لأن بيان الواجب واجب ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به » وما يقال : انه يجوز ان يكون الواقع منه خلاف الترتيب وعدم وجوبه للإجماع مدفوع بان في ذلك تخصيصا‌ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هذا وضوء لا يقبل الله ) الى آخره وهو خلاف الأصل ، وما لزم منه خلاف الأصل خلاف الأصل ، وبهذا الأخير اعتمد في جامع المقاصد على القول بالوجوب ، وربما تبعه عليه بعض من تأخر عنه ، وهو عجيب ، وضعفه واضح ، ويظهر منه وعن غيره ممن تقدمه كالمحقق والعلامة والشهيد عدم عثورهم على الحسنة المتقدمة ، كما اعترف به في المنتهى ، ولا على رواية النجاشي ، لعدم ذكرهما في أدلة القول بوجوبه ، بل ذكروا له أدلة ضعيفة ، بل ولا ذكروها في أدلة الاستحباب ، وهو أعجب ، مع وجود تلك الحسنة في الكافي في باب الوضوء ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١١.

٢٢٨

ومن هنا كان القول بالوجوب لا يخلو من قوة ، وأنه لا معنى لتوهين الحسنة باعراض المشهور بعد ظهور عدم العثور ، وإن كان الأول أقوى ، لأن الظاهر أن إجماع الخلاف ليس على ما نحن فيه كما لا يخفى على من لاحظه ، بل لعل مراده باليمنى اليد اليمنى ، والاحتياط يخرج عن وجوبه بالمطلقات المتقدمة ، والحسنة مع عدم صراحتها بإيجاب مسح تمام الشق الأيمن قبل مسح الشق الأيسر معارضة برواية التوقيع المشتملة على جواز المعية ، مع أنها أعلى منها سندا ، ومعتضدة بفتوى من عرفت ، وإطلاق الكتاب والسنة وظهور الوضوءات البيانية وغيرها على كثرتها كما تقدم في عدمه ، بل الأخبار المشتملة على ذكر الترتيب لم يتعرض في شي‌ء من الجميع للترتيب فيهما ، مع شدة الحاجة اليه وعموم البلوى به ، واستبعاد خفائه لتكرر وقوعه ، ونحو ذلك من المؤيدات الكثيرة ، فلا يبعد حمل الأمر على الاستحباب ، كما صرح به في المعتبر والمنتهى والنفلية وغيرها ، بل نسبه في التنقيح إلى نص الأصحاب ، وكذا الخبر الثاني مع احتمال لفظ اليمنى فيه لليد اليمنى بقرينة ذكر الشمال ، وكذا الثالث على ضعفه ، بل فيه تأييد للحكم بالمستحب ، لمكان دلالته على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبدأ بالميامن في وضوئه ، ومع هذا لم يحكه الباقر عليه‌السلام في حكاية وضوئه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ذاك إلا أنه كان يريد حكاية الواجب.

وأما‌ رواية التوقيع (١) التي ذكرت مستندا للثالث فقد رواها في الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج من التوقيع الخارج من الناحية المقدسة في جملة أجوبة مسائل الحميري ، حيث سأل « عن المسح على الرجلين يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع يمسح عليهما جميعا ، فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمنى » فهي ـ مع عدم شهرتها بين الطائفة رواية وفتوى ، بل قد يدعى الإجماع المركب على خلافها ، ومعارضتها بما سمعت من أدلة القول الثاني ـ لا تصلح لأن تكون حاكمة على إطلاق الكتاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

٢٢٩

والسنة ، بل قد عرفت أن أخبار الوضوءات البيانية وغيرها كادت تكون صريحة في عدم وجوب الترتيب ، نعم من المحتمل قويا الجمع بين هذه الرواية وما تقدم من الأخبار بالحكم باستحباب الجمع بينهما أو الابتداء باليمين ، لكن لم أعثر على مصرح به ، كما أنه يستفاد كراهة مسح اليسرى ولم يصرح بها أيضا.

ثم انه هل يجب المسح باليدين أو تكفي يد واحدة؟ وعلى الأول فهل تجب اليمنى لليمنى واليسرى لليسرى أو يجزي الاختلاف؟ قد يظهر من جملة من الوضوء البياني المسح بهما معا ، بل في‌ حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (١) « وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى » إلا اني لم أعثر على من نص على الوجوب ، نعم قد يظهر من بعض عبارات القدماء ذلك ، كالحلبي في إشارة السبق ، وقد عرفت حمل هذا الأمر بالنسبة إلى الناصية على الاستحباب ، ولعله يكون قرينة على ذلك فيما نحن فيه ، إذ تقييد النصوص والفتاوى بما يظهر من الوضوءات البيانية لا يخلو من إشكال ، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بمسح يد واحدة لهما ، وبمسح اليمنى باليسرى وبالعكس ، نعم قد يقال باستحباب ذلك ، كما نص عليه الشهيد في النقلية ، وفي التنقيح « يجب أن يكون المسح باليد في الموضعين أعني الرأس والرجلين ولو يبد واحدة » وهو مما يؤيد ما ذكرنا.

وإذا قطع بعض موضع المسح من القدم مسح وجوبا على ما بقي منه ومن الكعب ، ولا ينتقل بذلك إلى التيمم ، كما مر في أقطع اليد ، والدليل الدليل.

ولو قطع من الكعب مع دخول ما بعد في القطع سقط المسح على القدم وكذا لو قطع من فوقه ولا يسقط بذلك الوضوء كما تقدم في اليد بلا خلاف أجده في شي‌ء من الحكمين ، بل قد يظهر ممن تعرض لهذا الحكم كالمصنف والعلامة والشهيد والمحقق الثاني والفاضل الهندي وغيرهم كونه من المسلمات ، ولعله كذلك ، أما لو بقي الكعب فعلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٢٣٠

القول بوجوب مسحه تماما أو بعضه أصالة وجب المسح ، وعلى المقدمي لا يجب كما تقدم في المرفق ، وفي‌ خبر رفاعة عن الصادق عليه‌السلام (١) سألته « عن الأقطع فقال : يغسل ما قطع منه » ولعل المراد بالأقطع في السؤال أقطع اليد والرجل ، وجواب الامام (ع) بالغسل للتغليب كما ينبئ عنه‌ خبر الآخر عنه عليه‌السلام (٢) أيضا قال : « سألته عن الأقطع اليد والرجل قال : يغسلهما » وترك الاستفصال عن بقاء شي‌ء من محل الفرض وعدمه وإن قضى بخلاف ما يظهر من الأصحاب إلا أنه لما لم يظهر مخالف في الحكم في المقام بل كأنه متفق عليه بينهم وجب تنزيلها على بقاء شي‌ء من محل الفرض ، وقد تقدم في أقطع اليد ما له نفع تام في المقام ، فلاحظ وتدبر.

وهل يستحب مسح موضع القطع مع عدم بقاء شي‌ء من محل الفرض كما تقدم مثله في اليد أولا؟ قد اعترف الشهيد في الذكرى بعدم عثور على نص يقتضيه كما في اليد ، قال : إلا أن الصدوق رحمه‌الله لما روى عن الكاظم عليه‌السلام (٣) غسل الأقطع عضده ، قال : وكذلك روي في أقطع الرجلين ، لكنه في الدروس أفتى باستحبابه ، ولعله لذلك أو لغيره ، والأمر فيه سهل.

ولو قطع الماسح الاختياري والاضطراري فهل يسقط المسح أو ينتقل إلى مسح غيره ببلة وضوئه؟ وجهان ، أقواهما السقوط ، لعدم الدليل على الانتقال ، وربما تسمع له تتمة إن شاء الله في وجوب المباشرة ، فتأمل. وما تقدم من البحث في المسح بالبلة جاء في المقام ، فلا يحتاج إلى الإعادة ، ولعلهم اكتفوا بذكر البحث في اليد الزائدة عن القدم الزائدة ، فإن الظاهر كون الحكم فيهما واحدا ، فلا يجب مسحها حيث تعلم زيادتها وكانت في غير محل الفرض ، وكذا لو كانت فيه ولم يكن المسح على ما يقابلها ، لعدم إيجاب استيعاب العرض في المسح ، وبه يفترق عن الغسل ، ومثلها كل لحم زائد في محل الفرض من الثالول وغيره ، أما لو كانت أصلية أو مشتبهة بها فالظاهر وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٢.

٢٣١

مسحهما معا ، بناء على وجوب ذلك في نحو اليدين ، وفي الذكرى « أن القول في مسح الرجل الزائدة كما قلناه في اليد بحسب الأصالة والزيادة ، ولو كانت تحت الكعب فالأقرب المسح عليها للعموم ، ويمكن الاجتزاء بالتامة منهما ، فان استويا تخير ، لأن المسح لا يجب فيه الاستيعاب طولا وعرضا » انتهى. وفيه مالا يخفى ، لما تقدم من وجوب الاستيعاب الطولي ، وانه لا ينبغي الإشكال فيه ، اللهم إلا أن يريد انهما لا يجبان معا ، فتأمل جيدا.

ويجب المسح على بشرة القدمين كما في القواعد والإرشاد والتحرير والدروس والروضة ، وعندنا على ما في كشف اللثام ، وأجمع علماؤنا على وجوب المسح على بشرة القدمين كما في المدارك ، ولا يجوز على حائل يستر موضع الفرض من ظهر القدم من خف أو غيره مع الاختيار ، وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام كما في المعتبر ، ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام كما في المنتهى ، وإجماعا منا كما في الذكرى ، ونحوهم غيرهم ، بل الإجماع عليه محصل ، ولا ينافيه اشتمال عبارة القدماء على لفظ الخف والجرموق والجورب والشمشك ، لظهور إرادتهم من ذلك التمثيل كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم فيه كالأخبار ، فإنها وإن كانت تقرب إلى التواتر في النهي عن المسح على الخف لكن الظاهر من فحاويها التعميم لكل حائل ، لوقوع الاستدلال فيها على ذلك بالآية الكتابية ، وانه سبق الكتاب المسح على الخفين ، ونحو ذلك ، وفي‌ خبر الكلبي النسابة (١) قلت له عليه‌السلام : « ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم ، ثم قال : إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شي‌ء إلى شيئه ورد الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟ » فلا ينبغي الإشكال في أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

٢٣٢

ملاحظة الأخبار في خصوص الخفين والوضوءات البيانية تشرف الفقيه إلى القطع بإرادة التعميم لكل حائل كما ادعاه من عرفت ، ومن العجب أن العامة العمياء يجتزون بالمسح على الخف ولا يجتزون به على الرجل ، بل يوجبون الغسل ، وأصل إضلالهم في ذلك عمر ، كما ينبئ عنه‌ خبر رقية بن مصقلة (١) قال : « دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فسألته عن أشياء ، فقال : إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق ، فقلت : نعم ، فقال لي : من أنت؟ فقلت ابن عم لصعصعة ، فقال : مرحبا بابن عم صعصعة ، فقلت : ما تقول في المسح على الخفين؟ فقال : كان عمر يراه ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه في سفر ولا في حضر ، فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب فقال : أقبل يا ابن عم صعصعة ، فأقبلت عليه ، فقال : إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطؤون ويصيبون ، وكان أبي لا يقول برأيه » قلت : ومن العجيب أن عمر قد نبهه أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم يتنبه ، فإنه‌ روى زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم علي عليه‌السلام وقال : ما تقولون في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح على الخفين ، فقال علي عليه‌السلام : قبل المائدة أو بعدها فقال : لا أدري ، فقال علي عليه‌السلام : سبق الكتاب المسح على الخفين ، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة » فإن تنبه ولما يرجع فهو أعجب ، فكيف وهو المرجع له في كل ملمة ، حتى قال : ( لو لا علي لهلك عمر ) (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٦.

(٣) الغدير للأمينى طبعة طهران المجلد ٦ الصحيفة ١١٠ عن النضرة ج ٢ ص ١٩٦ وذخائر العقبى ص ٨٠ ومطالب السؤل ص ١٣ ومناقب الخوارزمي ص ٤٧ وأربعين الرازي ص ٤٦٦.

٢٣٣

مع أنه قد اعترف ان كل الناس أفقه منه حتى المخدرات (١) وكيف كان فالمسألة مفروغ منها بين الشيعة.

نعم الإشكال في مقامين ( الأول ) أنه هل الشعر الخاص في ظهر القدم من الحائل فلا يجتزى بالمسح عليه أو لا؟ قلت : قد يظهر من المصنف وغيره ممن عبر بلفظ البشرة الأول ، بل كاد يكون صريح المصنف ومن حذا حذوه ، لقوله في الرأس : « ومسح مقدم الرأس أو شعره » فان تنصيصه هناك على ذلك قرينة على عدم دخول الشعر تحت اللفظ الأول ، بل هنا أولى ، وهو الذي يقتضيه عموم معقد الإجماع على عدم جوازه على كل حائل ، وقد سمعت معقد إجماع المدارك ، وقد نص عليه في كشف اللثام ، كما عن الشهيد الثاني وغيره من متأخري المتأخرين ، بل في الحدائق ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على أن من الحائل الذي لا يجزي المسح عليه اختيارا الشعر ، قلت : لكن الثاني لا يخلو من وجه ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( كل ما أحاط به الشعر ) مع صدق اسم مسح الرجل بمسحه مع كثرته وإحاطته ، وما يقال : ان نبات الشعر على موضع القدم من الأفراد النادرة فلا يشمله الإطلاق يدفعه كون الخبر من قبيل العموم اللغوي لا يتفاوت فيه النادر من غيره ، كما يشعر به إلحاقهم لحية الامرأة بلحية الرجل ، بل ربما وقع من بعضهم منع ندرته ، بل دعوى الغلبة ، فتأمل. ومن المحتمل قويا إيجاب مسح البشرة مع الشعر كما ينبئ عنه إيجاب بعضهم غسل ما كان منه على اليد مع اليد ، وكونها يجب فيها الاستيعاب بالغسل بخلاف القدم لا يصلح أن يكون فارقا بعد القول بوجوب الاستيعاب الطولي ، لأن المراد مسح ما كان منه على الخط الطولي ، وما ذكرنا هناك من التعليل جار هنا ، ولعله لا ينافي هذين الوجهين ما تقدم من لفظ البشرة ، ودعوى الإجماع على مطلق الحائل من الخف وغيره ، لاحتمال إرادة الأول بها ما يشمل الشعر ، وإرادة الثاني ما عداه ، لعدم ظهور دخوله في اسم الحائل حينئذ ، وينبئ عنه استدلالهم ،

__________________

(١) الغدير للأمينى طبعة الطهران المجلد ٦ الصحيفة ٩٨ عن أربعين الرازي ص ٤٦٧.

٢٣٤

فلاحظ وتأمل ، وكان أوسط الوجوه أقواها إن لم ينعقد إجماع على خلافه.

( الثاني ) يظهر من بعض الأصحاب أنه يستثنى من الحائل المسح على شراك النعل العربي ، وهو الذي يظهر من المنقول عن العلامة في التذكرة ، قال : « وهل ينسحب إلى ما يشبهه كالسير في الخشب؟ إشكال ، وكذا لو ربط رجليه بسير للحاجة ، وفى العبث إشكال » انتهى. وكذا المنقول عن المبسوط وابن حمزة ، لتصريحهم باختصاص الحكم بالنعل العربي دون غيره ، بل يحتمله عبارة التحرير لقوله : « يجوز المسح على النعل العربية وإن لم يدخل يده تحت الشراك » انتهى. بل نسبه في المنتهى إلى ظاهر قول الأصحاب ، وكأن وجهه ما في‌ خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) « ان عليا عليه‌السلام مسح على النعلين ولم يستبطن الشراكين » وما في‌ صحيحه الآخر مع أخيه بكير عن الباقر عليه‌السلام (٢) أيضا قال في المسح : « تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك » وما‌ في المرسل (٣) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ ثم مسح على نعليه ولم يدخل يده تحت الشراك ، فقال له المغيرة : أنسيت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : بل أنت نسيت ، هكذا أمرني ربي » لكن فيه ـ مع منافاته لعموم معقد الإجماع في كثير من العبارات وغيره من الأدلة الدالة على المسح على البشرة ـ أنه لا صراحة فيها بالدعوى ، إذ عدم الإدخال وعدم استبطان ما تحت الشراك قد يكون لحصول الغرض ، وكذا قوله المسح على النعلين ، فإنه ـ مع ظهور أن المراد منه عدم الاستبطان كما ينبئ اقترانه به ـ لا ينافي مسح محل الفرض مع المسح عليه ، ولذا قال ابن إدريس : « وأما النعال فما كان منها حائلا بين الماء والقدم لم يجز المسح عليه ، وما لم يمنع من ذلك جاز المسح عليه سواء كان منسوبا إلى العرب أو العجم » وهو صريح المنتهى وظاهر المعتبر ، لتعليله جواز المسح من غير استبطان بعدم المنع عن مسح محل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١٣.

٢٣٥

الفرض ، ونحوه يظهر من الشهيد في الذكرى ، ولعله على ذلك ينزل اختصاص حكم المسح على النعل بالعربية كما تقدم نقله عن المبسوط والوسيلة ، لعدم منعها عن مسح الفرض كما يرشد إليه كلام الشيخ في التهذيب ، قال بعد الرواية الأولى : « نعني إذا كانا عربيين ، فإنهما لا يمنعان وصول الماء إلى الرجل بقدر ما يجب عليه المسح » انتهى. نعم قد يقال بناء على وجوب المسح إلى المفصل : بالاجتزاء بالمسح على الشراك عما تستره ، لظاهر هذه الأخبار ، إلا أن الأولى إخراج هذه الروايات شاهدة على فساد هذه الدعوى لإطلاق الأصحاب عدم جواز المسح على حائل ، بل قد عرفت أن معقد إجماعاتهم كل حائل ، ولم يستثني أحد منهم صريحا ذلك ، بل ذكروه معللين له بما سمعت مع النص من بعضهم كما عرفت ، فلا ريب أن حملها على ما يوافق كلام الأصحاب أولى من غيره ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا يجوز المسح على كل حائل يستر محل الفرض أو شيئا منه إلا التقية فيجوز حينئذ على الخف ونحوه بلا خلاف أجده بين أصحابنا ، بل في صريح المختلف الإجماع عليه ، وكذا غيره نصا وظاهرا ، بل هو محصل عليه فضلا عن المنقول للأخبار التي (١) كادت أن تكون متواترة في الأمر بها ، وإنها دين آل بيت محمد ، عليهم‌السلام بل أصل التقية من ضروريات مذهب الشيعة ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى نفي الحرج في الدين ونحوه ـ خصوص‌ خبر أبي الورد ، (٢) قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن أبا ضبيان حدثني أنه رأى عليا عليه‌السلام أراق الماء ثم مسح على الخفين ، فقال : كذب أبو ضبيان ، أما بلغك قول علي عليه‌السلام فيكم : سبق الكتاب الخفين ، فقلت : هل فيهما رخصة؟ فقال : لا إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك » ولا ينافيه ما في‌ صحيح زرارة (٣) قال : « قلت له : هل في المسح على الخفين تقية؟ فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج » كغيره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٣.

٢٣٦

من الأخبار كما في‌ خبر أبي عمر الأعجمي (١) قال : « قال الصادق عليه‌السلام : يا أبا عمر ان تسعة أعشار الدين في التقية ، لا دين لمن لا تقية له ، والتقية في كل شي‌ء إلا في النبيذ والمسح على الخفين » وفي‌ خبر زرارة (٢) عن غير واحد قال : « قلت للباقر عليه‌السلام : في المسح على الخفين تقية ، قال : لا يتقى في ثلاث ، قلت : وما هن؟ قال : شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج » إما لما زاد في آخره‌ في الكافي ، قال زرارة : « ولم يقل الواجب عليكم ألا تتقوا فيهن أحدا » فإنه كالصريح في أن زرارة فهم عن مراد الامام عليه‌السلام أن ذلك حكم خاص به ، وهو أدرى بتكليفه ، وإما لأن المراد بنفي التقية فيه مع المشقة اليسيرة التي لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، كما تأوله الشيخ بذلك ، أو لأن المراد لا أتقي أحدا في الفتوى بها ، لأن ذلك معلوم من مذهبه ، فلا وجه للتقية فيها ، وإما لأن هذه الثلاثة لا يقع الإنكار فيها من العامة غالبا ، لأنهم لا ينكرون متعة الحج وحرمة المسكر ونزع الخف مع غسل الرجلين ، والغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما على ما نص عليه بعضهم ، أو لأن المراد أنه لا تقية حيث لا ضرر ، لأن مذهب علي عليه‌السلام فيه معروف عندهم ، أو لغير ذلك من الوجوه ، ولذا لم نعثر على عامل بهذه الرواية ، أو من استثنى ذلك من عمومات التقية ، نعم قد يظهر من الهداية والفقيه العمل بها ، لما فيهما أنه‌ روي عن العالم عليه‌السلام (٣) أنه قال : « ثلاثة لا أتقي » إلى آخره. مع أنه في الفقيه ذكر ذلك بعد أن حكم بجواز المسح على الخف للتقية ، فلعل المراد ذكر الرواية على أحد الوجوه لا العمل بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأمر والنهي ـ حديث ٣ ـ من كتاب الأمر بالمعروف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١ لكن فيه ( عن زرارة قال : قلت له : في مسح الخفين تقية ، فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا ) الى آخره.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ١.

٢٣٧

فظهر أنه لا ينبغي الإشكال في جوازه للتقية ، وان الرواية بعد ظهور انعقاد الإجماع من الأصحاب والعمومات وخصوص خبر أبي الورد وغير ذلك يجب تنزيلها على وجه من الوجوه.

وهل يشترط في التقية عدم المندوحة أو لا؟ وجهان بل قولان ، اختار أولهما في المدارك ، لانتفاء الضرر مع وجودها ، فيزول المقتضي ، والاقتصار على المتيقن ، فيبقى ما دل على التكليف الأول سالما ، ولا يخرج عن العهدة إلا به ، واختار ثانيهما المحقق الثاني ، وهو المنقول عن الشهيدين ، واختاره الطباطبائي في منظومته ، فقال :

وفي اشتراط عدم المندوحة

قول ولكن لا أرى تصحيحه

لإطلاق ما دل (١) على الأمر بها ، ولما يشعر به الأخبار الواردة في استحباب الجماعة (٢) مع المخالفين والحث العظيم عليها ، بل وغيرها أيضا ، ولعله هو الأقوى.

وربما نقل عن بعض التفصيل بين ما إذا كان المأمور به للتقية بالخصوص ، فيصح ولو مع المندوحة ، وبين ما كان بطريق العموم فيشترط عدم المندوحة ، ولا أرى له وجها صحيحا ، نعم يحتمل التفصيل بين ما نحن فيه من المسح على الخف والأمرين الأخيرين وبين غيرها ، فلا يجوز الثلاثة مع المندوحة ويجوز غيرها ولو معها ، بل لعله على هذا تنزل ما سمعت من رواية زرارة وغيرها ، بل قد يشعر به خبر أبي الورد المتقدم ، كما قد يرشد إليه نص جماعة أنه متى أمكن تأدية التقية بالغسل كان الغسل أولى كما في الذكرى وعن التذكرة ، وتعين الغسل كما عن الروض ، ووجب الغسل كما عن البيان ، وفي المدارك قطع الأصحاب بجواز المسح على الحائل للتقية إذا لم تتأد بالغسل ، وفي الحدائق صرح جملة من الأصحاب بتعين الغسل وأنه لا يجزي غيره ، بل عن صاحب الذخيرة نسبه وجوب الغسل للأصحاب ، ولعله لكونه أقرب إلى المأمور به ، لما فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.

٢٣٨

من الإلصاق ، وكون الرجل من أعضاء الوضوء بخلاف الخف ، وهو كما ترى يراد به التأييد لا الاستدلال ، وإلا كان للنظر فيه مجال ، إذ وجوب الإلصاق ونحوه إنما كان مقدمة للمسح الواجب التي تسقط بسقوطه ، ولأن تقييد النص والفتوى بل معقد ما سمعت من الإجماعات على جواز المسح على الخف للتقية بأمثال هذه التعليلات لا يخلو من إشكال ما لم يثبت إجماع ، والظاهر عدم ثبوته ، لكون المتعرض للمسألة بعض المتأخرين ، على أنه قد عرفت أن العلامة وغيره ذكروا أنه أولى ، وهو ليس صريحا بالوجوب ، بل ظاهره العدم كما فهمه منه بعض المتأخرين ، نعم نقل عن الأستاذ في شرحه على المفاتيح أنه نسب تقديم الغسل على المسح إلى الفهم من الأخبار ، لكن لم أعثر على ما يفهم منه ذلك ، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا ، فالأولى بناء المسألة على أن مباشرة اليد لبشرة الرجل بالنداوة واجبة بالأصالة أو للمقدمة ، فإن كان الأول اتجه الوجوب ، وإلا فلا ، ولعله عند الشك يبنى على الوجوب الأصلي ، فتأمل جيدا.

ثم الظاهر أنه حيث يجوز المسح للتقية يجب أن يراعى في المسح على الخف ما كان يراعى في المسح على البشرة من المسح على الظاهر دون الباطن وبالنداوة ، والاستيعاب الطولي ، فيقام الخف مقام بشرة الرجل ، وقد يشعر ببعض ما ذكرنا ما في المنتهى « انه لو مسح أسفل الخف دون أعلاه لم يجز عندنا في ضرورة الجواز ، وهذا مذهب عامة أهل العلم إلا ما نقل عن بعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك » انتهى. وإذ قد عرفت أن الشارع في مقام التقية أقام المسح على الخف مثلا مقام المسح على البشرة ظهر أنه لو خالف مقتضى التقية فجاء بالتكليف الأصلي لم يكن مجزيا ، لكونه ليس مأمورا به في ذلك الحال ، بل منهيا عنه ، فكيف يقع به امتثال ، وما يقال : ان النهي لوصف خارج فلا يقدح بالصحة فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من ظهور أدلة التقية في كون تكليفه حالها ذلك ، ولذا صرح بالبطلان في مقام يجب الغسل للتقية فخالف ومسح جماعة من الأصحاب ، وهما من واد واحد ، ومن المعلوم أنه لا فرق فيما ذكرنا من الأحكام بين‌

٢٣٩

الخف وغيره مما يدخل المسح عليه تحت عنوان التقية.

والظاهر أنه لا يجب تخفيف ما على القدم لو كان متعددا ، وكونه أقرب إلى المأمور به لا يصلح لا يجابه ، نعم قد يقال : ان المتيقن من البدلية المستفادة من الأدلة في غير المتعدد ، إلا أن الأخذ بالإطلاق أو العموم لا يخلو من قوة ، هذا. وفي التقية مباحث جليلة ليس المقام مقام ذكرها.

وإذ عرفت أنه يجوز المسح على الخف للتقية فكذلك يجوز لغيرها مما أشار إليه المصنف بقوله أو الضرورة كما في المعتبر والمنتهى والمختلف والتحرير والإرشاد والقواعد والذكرى والدروس وغيرها ، وهو الظاهر من عبارة الفقيه وصريح الناصريات ، بل قد يظهر من الأخير دعوى الإجماع عليه ، كما هو صريح المختلف ، وفي الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، بل قد يظهر من عبارة التذكرة الإجماع عليه أيضا ، قال : « لا يجوز المسح على الخفين ولا على ساتر إلا لضرورة أو التقية ، ذهب إليه علماؤنا » ومثلها عبارة الذكرى ، بل هو الذي يظهر من كلام بعضهم في وضوء الجبائر كما ستسمع إن شاء الله ، ويدل عليه مضافا إلى ما سمعت عموم ما دل (١) على نفي الحرج في الدين ، وهو وإن كان أعم من إيجاب المسح على الخف ومن سقوطه ومن التيمم ، إلا أنه قد يظهر وجه دلالتها من‌ خبر عبد الأعلى مولى آل سام (٢) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه‌السلام : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ، قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه » وفحوى أخبار الجبائر (٣) وخصوص خبر أبي الورد المتقدم ، وما في السند من يتأمل فيه سوى أبي الورد ، مع‌

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء.

٢٤٠