جواهر الكلام - ج ١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ثم أراد ان يأتي الأخرى توضأ » وقول الرضا عليه‌السلام (١) في خبر الوشاء « كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا جامع وأراد ان يجامع مرة أخرى توضأ وإذا أراد أيضا توضأ » ‌و ( منها ) ـ كتابة القرآن لخبر علي بن جعفر (٢) سأل أخاه عليه‌السلام « أيحل ان يكتب القرآن في الألواح والصحف وهو على غير الوضوء؟ قال : لا ».

و ( منها ) ـ القدوم من سفر لقوله عليه‌السلام (٣) : « من قدم من سفره فدخل على أهله وهو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه ».

و ( منها ) ـ للزوجين ليلة الزفاف لقول أبي جعفر عليه‌السلام (٤) في خبر أبي بصير « إذا دخلت عليك ان شاء الله فمرهم قبل ان تصل إليك ان تكون متوضئة ثم لا تصل إليها حتى تتوضأ قبل ».

و ( منها ) ـ جلوس القاضي في مجلس القضاء كما عن النزهة ولم نقف له على دليل بالخصوص كما اعترف به كاشف اللثام والحدائق لكنه ذكره بعض الفقهاء ويحتمل ان يلحق به كل مجلس انعقد لطاعة الله كمجلس الدرس والوعظ وغيرهما لكن قد عرفت ان الملحق به غير ثابت.

و ( منها ) ـ إدخال الميت القبر لقول الصادق عليه‌السلام (٥) في خبر عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم « توضأ إذا أدخلت الميت القبر » ‌وقيل ( ومنها ) تكفينه إذا أراد من يغسله ان يكفنه ويأتي ان شاء الله الاستدلال عليه وقيل ( ومنها ) قبل غسل الجنابة‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوضوء حديث ٢ وفي الوسائل إذا جامع وأراد ان يعاود توضأ وضوء الصلاة وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء حديث ٤.

(٣) المروي في المستمسك عن المقنع في الوضوءات المستحبة.

(٤) المروي في الوسائل في الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث ١.

(٥) المروي في الوسائل في الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الدفن حديث ١.

٢١

عند الشيخ في كتابي الأخبار لأن أبا بكر الحضرمي (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « كيف يصنع إذا أجنب؟ فقال : اغسل كفك وفرجك وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل » ‌واحتمل كاشف اللثام تنزيله على إرادة السائل كيف يصنع إذا أجنب وأراد النوم فقال له افعل ذلك ( ومنها ) وضوء الميت مضافا الى غسله ويأتي دليله ان شاء الله تعالى. هذا كله فيما يستحب الوضوء له ، بقي الكلام.

( فيما يستحب الوضوء منه )

وهو أمور : ( الأول ) الضحك في الصلاة ، لخبر زرعة (٢) عن سماعة سأله « عما ينقض الوضوء؟ فقال : الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في الأثناء تصبر عليها والضحك في الصلاة والقي » ‌وفي المدارك : « القهقهة في الصلاة عمدا ». ولم أقف له على نص في ذلك ، وعن ابن الجنيد : « ان من قهقه في صلاته متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه » : كالمنقول عن أبي حنيفة من ان القهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود توجب الوضوء ، إلا انه لم يقيد كما قيد. وعلى كل حال فالإجماع منعقد على خلاف ابن الجنيد ، وستسمع ان شاء الله فيما يأتي الأخبار الحاصرة للاحداث التي توجب الوضوء ، وهذا ليس منها ، ولعل عبارته محمولة على الإعادة استحبابا.

( والثاني والثالث والرابع ) الكذب والظلم والإكثار من إنشاد الشعر الباطل ، لخبر زرعة (٣) عن سماعة « عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه‌

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الجنابة حديث ٦ بأدنى تغيير.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب نواقص الوضوء حديث ١ وفي الوسائل القرقرة في البطن إلا شيئا تصبر عليه.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٢.

٢٢

أو الكذب؟ فقال : نعم إلا ان يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر الأبيات الثلاثة أو الأربعة فاما ان يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء » ‌وقيد في المدارك إنشاد الشعر الباطل بما زاد على أربعة أبيات. ولعله لما سمعت من الخبر. وقد يراد به التمثيل ، والإنشاء أقوى من الإنشاد ، وتكرير البيت والبيتين لا يوصفهما بالكثرة. ولو انشد ثم حذف منه بحيث أفسد شعريته احتمل خروجه عن الحكم ، ولعل الاولى خلافه ، ولا دخل للاتصال والانفصال فلو قرأ في أوقات متعددة بحيث يكون مجموعها كثرة ترتب الحكم.

( الخامس ) خروج الودي بالمهملة بعد خروج البول والاستبراء منه ، لقول الصادق عليه‌السلام (١) في خبر ابن سنان : « والودي فمنه الوضوء لانه يخرج من دريرة البول » ‌وربما حملت على ما إذا لم يستبرئ من البول لأنه حينئذ لا ينفك من ممازجة اجزاء. منه والاولى خلافه لانه لا يعرف كونه وديا إلا بعد الاستبراء وإلا لكان من البلل المشتبه وهو محكوم عليه بالبولية ، وإلا لو فرض انه يعلم كون الخارج وديا لم يكن عليه وضوء وان لم يستبرئ ، فتأمل. ويمكن حمل الرواية على التقية ، لأنه مذهب الجمهور كما نقل في المعتبر.

وهنا ( فائدة نافعة ) في المقام وغيره ، وهي قد ذكر بعض مشايخنا : أن الخبر إذا علم خروجه مخرج التقية في وجوب أو تحريم يحكم من جهته بالاستحباب أو الكراهة. وربما يكون الذي دعاه الى ذلك حكم الأصحاب بالاستحباب في كثير من هذه المقامات مع كون اخبارها موافقة للعامة. وقد يناقش فيه بان حمل الأمر على التقية يقتضي البقاء على الحقيقة واستعماله في الندب يقتضي المجاز ، واحتمال ان يقال إنا نستفيد منه حكم الندب من دون استعمال اللفظ فيه كما ترى ، كالقول بان الأمر‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ١٤.

٢٣

الخارج أفاد شيئين الأول الوجوب والثاني الرجحان وكون الأول للتقية لا يصير الثاني كذلك ، نعم لو لم يعلم خروجه مخرج التقية لكنه قابل للحمل عليها وعلى الاستحباب بعد ان علم عدم ارادة ظاهره احتمل ترجيح التقية ، لأنها أقرب الاحتمالات بالنسبة إلى أخبارهم عليهم‌السلام ، مع كونه فيه إبقاء للأمر على حقيقته ، واحتمل ترجيح الندب لانه المجاز الشائع حتى قيل انه مساو للحقيقة. مضافا الى أصالة عدم وجود سبب التقية ، وللفهم العرفي بعد تأليف الخبرين مثلا والقطع ببقاء الأول على حقيقته ، فإنه إذا قال لا ينقض الوضوء إلا هذه الأشياء المخصوصة ، وليس الودي منها ، ثم قال توضأ من الودي ، وكنا قاطعين ببقاء الأول على حقيقته وعدم العلم بوجود سبب التقية ، ينصرف الذهن إلى إرادة حمل الأمر على الندب ، ولعله لذا حكم بعض الأصحاب بالندب ، وان وافق الخبر العامة ، لأنه لا يعلم بذلك انه خرج لها ، فحمله على الندب حينئذ أولى فتأمل جيدا.

( السادس ) المذي ، وقيل بناقضيته ، والصحيح العدم وتحمل الأخبار المعارضة على الندب أو التقية كما سيأتي ان شاء الله.

( السابع والثامن والتاسع ) الرعاف والقي والتخليل يسيل الدم ، وفي المدارك تقييدهما بما إذا كرههما الطبع ، قال الصادق عليه‌السلام (١) في خبر أبي عبيدة : « الرعاف والقي والتخليل يسيل الدم ، إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء » ‌ولعله لذلك قيده في المدارك بما سمعت. وتحتمل الرواية ان تكون ردا على القائلين بالنقض فيكون المعنى انه لا ينقض الوضوء إلا إذا استكرهت ، كناية عن الأحداث.

( العاشر والحادي عشر ) مس باطن الدبر أو باطن الإحليل لخبر عمار (٢) : « من‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ١٢.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ١٠.

٢٤

مس باطن دبره أو باطن إحليله أعاد الوضوء ».

( الثاني عشر ) نسيان الاستنجاء قبل الوضوء لقول أبي جعفر عليه‌السلام (١) في خبر سليمان بن خالد : فيمن توضأ ونسي غسل ذكره « ثم يعيد الوضوء ».

( والثالث عشر والرابع عشر ) التقبيل بشهوة أو مس الفرج كما في المدارك وعن النفلية والتهذيب والاستبصار في وجه ، لقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « إذا قبل الرجل المرأة بشهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء » ‌ولعل الاستحباب في هذه الأمور وما شابهها إنما هو تأكد استحباب التجديد.

( الخامس عشر ) قبل الأغسال المسنونة كما عن الكافي والبيان والنفلية لقول الصادق عليه‌السلام (٣) : « كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة » ‌وفيه المناقشة السابقة.

( السادس عشر ) قبل الأكل وبعده كما عن النزهة ، قيل للأخبار ، وألفاظ الشارع تحمل على الحقائق الشرعية فلا معنى لحمل الوضوء فيها على غسل اليد.

( السابع عشر ) بعد الاستنجاء بالماء للمتوضئ قبله وان كان قد استجمر كما في المدارك وعن النفلية والبيان ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٤) « في الرجل ينسي غسل دبره بالماء حتى صلى إلا انه قد تمسح بثلاثة أحجار ، ان كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء وان كان قد خرجت تلك الصلاة التي‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٩ راجع الوسائل.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٩.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الجنابة حديث ١.

(٤) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الخلوة حديث ١ بأدنى تغيير.

٢٥

صلى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة ».

( الثامن عشر ) الغضب ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إذا غضب أحدكم فليتوضأ ».

والظاهر عدم استحباب الوضوء بأكل ما مسته النار ، أو لمس النساء ، أو أكل لحم الجزور ، أو قص الشارب ، أو تقليم الأظفار ، أو نتف الإبط ، أو الاحتجام ، أو مس كلب ، أو مصافحة مجوسي ، والأمر بالوضوء في الأخيرين (٢) محمول على التنظيف ـ ولا من الردة ، ولا من الدم السائل من أحد السبيلين إذا لم يستصحب حدثا ، ولا من المضاجعة ، لأن كثيرا من هذه الأشياء ذهب اليه بعض العامة. وربما نقل عن بعض الأصحاب كابن الجنيد والصدوق ، ولكن بعض منها فاقد للدليل ، والبعض الآخر متروك العمل به ولو على جهة الاستحباب بين الأصحاب ، وإنا وان تسامحنا في أدلة السنن لكن لا الى هذا المقدار.

ويأتي ان شاء الله تعالى تحقيق مسألة التسامح في أدلة السنن ، وكثير من الأحكام المتقدمة مبنية عليها ، والعمدة فيها نصوص (٣) « من بلغه ثواب على عمل أوتيه وان لم يكن كما بلغه » ‌وفيها الصحيح وغيره وهي متقاربة المضمون ، لا ما ذكره بعضهم من الاحتياط والرجحان العقلي ونحوهما مما لا يصلح مدركا لذلك ، بل النصوص المزبورة لولا الانجبار بالشهرة لا تدل على ذلك بحيث تكون مخصصة لما دل على اعتبار العدالة في حجية خبر الواحد ، على ان التعارض من وجه ، بل لا تخلو نفس الدلالة على ذلك من اشكال من وجوه ، فتأمل جيدا.

( فائدتان )

( الأولى ) انه لا بأس بجمع غايات متعددة في وضوء ، وليس ذلك من التداخل‌

__________________

(١) المروية في المستدرك في الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الوضوء حديث ١.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٤ و ٥.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٢٦

في شي‌ء لعدم تعدد المأمور به ، إذ رفع الحدث غير قابل للتعدد في زمان واحد. ولا يشترط في هذا الجمع ان يلاحظ علية كل غاية ، بل يكفي ولو كان المجموع علة ، بل لو ضم وكان المقصود غيره اكتفي به بمعنى حصول الثواب له بمجرد ذلك ، وان لم يوقع فعل الغاية بعده ، على اشكال في الأخير ، نعم لا إشكال في حصول ثواب فعل الغاية لو فعلت معه ، بل وان لم تكن ملاحظة ، فضلا عن ان تكون كذلك ، تبعا لكون المدار فيه على إيقاع الفعل حال الطهارة.

( الثانية ) ان الوضوء المستحب الذي لم يجامع الحدث الأكبر وكان المقصود به ما لا يشترط فيه الطهارة كدخول المساجد وقراءة القرآن أو الكون على الطهارة قد ذكر في الذخيرة أن فيه أقوالا ستة : ( الأول ) صحة الوضوء مطلقا ورفع الحدث ويجوز الدخول به في الفريضة ، ونسب الى المحقق في المعتبر الميل اليه ، بل عن بعض المتأخرين انه الظاهر من مذهب الأصحاب كما عن آخر دعوى الإجماع عليه ( الثاني ) عدم ارتفاع الحدث به مطلقا كما عن الشيخ في جواب المسائل الحلبيات ( الثالث ) صحة الوضوء مطلقا ويجوز الدخول به في الفريضة إلا إذا نوى وضوء مطلقا كما عن المنتهى.

( الرابع ) صحته بالمعنى المذكور ان نوى ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن وعدمها ان نوى ما يستحب لا للحدث كتجديد الوضوء كما عن التذكرة ( الخامس ) عدم الصحة ان كان الاستحباب لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء وكذا ان كان باعتباره لكن لم يقصد الكمال وصحته ان قصد كما عن العلامة في النهاية ( السادس ) الصحة ان قصد إيقاع ما الطهارة مكملة له ، وكذا ان قصد الكون على الطهارة وعدم الصحة في غير الصورتين كما عن الشهيد في الذكرى ، وعنه انه قال : « وفي نية الوضوء للنوم نظر لانه نوى وضوء الحدث ».

( قلت ) : هذا الكلام كغيره من كلام بعض الأصحاب لا يخلو من إجمال ، وتحرير البحث ان يقال ان في المقام مسألتين ( الأولى ) اشتراط صحة الوضوء بنية رفع الحدث خاصة‌

٢٧

أو به أو بينة ما هو شرط في صحته ، كالصلاة ، أو بهما ، أو بما هو شرط في كماله كقراءة القرآن ودخول المساجد ونحو ذلك ، وعدم اشتراط ذلك كما هو الأقوى على ما سيأتي ان شاء الله في النية ( الثانية ) ان الوضوء المندوب بعد انعقاده صحيحا باستجماعه للشرائط هل يرفع الحدث ويدخل به في الفريضة أولا؟ فنقول لا اشكال بل لا خلاف في صحة الدخول في الفريضة بما كان من الوضوء المندوب لصلاة نافلة ونحوها مما يشترط في صحته رفع الحدث وان لم تكن الغاية واجبة ، وأما ما لم يكن كذلك كدخول المساجد وقراءة القرآن مما لا يشترط في صحته الوضوء فالظاهر انه كذلك أيضا ، إذ عدم جواز الدخول به في الفريضة اما لكون مثل هذه الوضوءات كالأغسال المندوبة لا ترفع حدثا والفرض ان رفعه شرط في صحتها ، واما لان الصلاة مشروطة بالوضوء وان كان الشخص مرفوع الحدث ، لقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (١) واما لان الوضوء فيها إنما يرفع حكم الحدث بالنسبة لتلك الغاية دون غيرها كالصلاة ونحوها. والكل كما ترى ، أما الأول فهو مع منافاته لإطلاق لفظ الطهارة على كثير منها التي قد عرفت انها حقيقة في الرافع للحدث ، وللمقطوع به على الظاهر من ملاحظة الأدلة ـ يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، كالثاني لتخصيص الآية بالمحدثين منقولا عليه الإجماع من المفسرين ( عليه ) بل في المعتبرة (٢) أن المراد « إذا قمتم من النوم ». ونحوهما الثالث لاتحاد حكم الحدث بالنسبة الى جميع آثاره ، إذ لم نعهد شخصا متطهرا من الحدث للمسجد غير متطهر بالنسبة إلى غيره. وذلك كله واضح ، وفي السرائر دعوى الإجماع على جواز الدخول في الفريضة ، قال فيها : « ويجوز ان يؤدي بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة بدليل الإجماع من أصحابنا ». وفي التذكرة : « يجوز ان يصلي بوضوء واحد جميع الصلوات فرائضها وسننها ما لم يحدث سواء كان الوضوء فرضا أو نفلا سواء توضأ‌

__________________

(١) سورة المائدة آية ٨.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٧.

٢٨

لنافلة أو فريضة قبل الوقت أو بعده مع ارتفاع الحدث بلا خلاف ، أما مع بقاء الحدث فقولان سيأتي تحقيقهما » انتهى قلت : نعم قد يقع الإشكال في مثل الوضوءات المندوبة التي لم تكن مشروعة لرفع الحدث كوضوء التجديد والمجامع للأكبر والذي هو لأحد الأسباب المتقدمة من القي والرعاف ونحو ذلك لو صادفت حدثا ، كما لو ظهر فساد الوضوء الأول أو عدم وجود حدث أكبر. ولعل الأقوى فيها جميعها ذلك أيضا على اشكال في الأخيرين سيما في أولهما ، وذلك لما ستعرف ان شاء الله تعالى من ان المستفاد من الأدلة كون الوضوء من باب الأسباب ، وان رفع الحدث انما هو من الآثار المترتبة عليه التي لا مدخلية لنية المكلف فيها ، مع ما يستفاد من ان مشروعية التجديد إنما هو لتلافي خلل الأول. وقد يستدل عليه مضافا الى ذلك بقوله عليه‌السلام (١) : « لا ينقض الوضوء إلا حدث » وقوله عليه‌السلام (٢) : « إذا استيقنت أنك توضأت فإياك أن تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن أنك أحدثت » ‌ونحوهما ، لظهورهما في كون الوضوء والحدث متعاقبين لا يمكن حصول أحدهما مع الآخر إلا بالدليل ولان حصر الناقض له في الحدث كالصريح بكونه رافعا لما يرد عليه منه. وقد يفرق بين التجديدي وغيره من المجامع للأكبر بكون مشروعية الأول لتلافي الطهارة الأولى دون الثاني والأقوى ما ذكرنا ، فتأمل.

( والواجب من الغسل )

من غير إشكال في الذي سببه جنابة ما كان لأحد الأمور الثلاثة المتقدمة على قياس الوضوء ، أو لدخول المساجد أو لقراءة شي‌ء من سور العزائم إن وجبا‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٤.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٧ مع التغيير في اللفظ.

٢٩

كما سيظهر لك في باب غسل الجنابة ، ومثله في ذلك بالنسبة إلى الخمسة أيضا غسل الحيض والنفاس ، بل هو إجماعي في الثلاثة الأول ، ولا اعرف فيه خلافا في الاثنين أيضا ، كما يشعر بنفيه عنه المحكي عن الروض والمسالك ، حيث جعل ما يحرم على الحائض أقسام ثلاثة منها ما غايته النقاء دون الغسل كالطلاق ، ومنه ما غايته الغسل دون النقاء ، وذكر الخمسة ، ومنه ما هو مختلف فيه كالصوم. قيل وكذا كلام العلامة في نهاية الاحكام يشعر بذلك أيضا. وعن الجامعية الإجماع على الوجوب للمساجد وقراءة العزائم ، لكن في المدارك عن بعض أنه قوى عدم وجوب الغسل لهما ، واكتفى في الجواز بانقطاع الدم لعدم التسمية بعده عرفا ولغة أيضا ، وان قلنا أن المشتق لا يشترط في صدقه بقاء أصله كما في مثل المؤمن والكافر والحلو والحامض كما قرر في محله ، قال : وما ذكره غير بعيد غير ان المشهور أقرب. قلت : ويدل على المختار مضافا الى ما سمعت والى استصحاب المنع الثابت قبل انقطاع الدم ان الظاهر كون المنشأ هو الحدث ، كما يشعر به الجمع بين الحائض والجنب في الحكم ، واطراد المنع في النقاء المتخلل ، وعدم قصور حدث الحيض عن الجنابة ان لم يكن أشد منه. وإطلاق اسم الحائض باعتبار الحدث كثير شائع ، ومنه قولهم : يجب على الحائض الغسل ويجوز وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل ونحو ذلك. والمراد بالحائض هنا هذا المعنى لا ذات الدم. والقول في النفساء كما في الحائض حرفا بحرف ، مع نقل الاتفاق على تساويهما في الاحكام. واما المستحاضة فلا نزاع في وجوب الغسل فيها للصلاة والطواف ، وكذا مس كتابة القرآن لحرمته في حال الحدث ، مع عدم الإشكال في كون دمها حدثا. وأما دخول المساجد وقراءة العزائم فالظاهر من المصنف رحمه‌الله وغيره ممن عبر كعبارته اشتراطهما أيضا بالغسل ، وهو الظاهر من كلمات الأصحاب فيما يأتي في الاستحاضة من تعليقهم صيرورتها بمنزلة الطاهر على فعل ما وجب عليها من الأغسال ، وفي جملة منها ما يظهر منها انها ان لم تفعل حرم عليها ما كان يحرم‌

٣٠

على الحائض. وعن حواشي التحرير : وأما حدث الاستحاضة الموجب للغسل فظاهر الأصحاب انه كالحيض. وعن شارح النجاة : الإجماع على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر مطلقا عدا المس وربما يشعر به أيضا المحكي من عبارة الغنية والمعتبر والتذكرة.

فظهر لك حينئذ انه لا ينبغي الإشكال في ذلك ، فما ينقل عن الروض من جواز دخولها المساجد مع أمن التلويث من دون توقف على غسل ضعيف ، كالمنقول عن المعالم من جواز قراءة العزائم خاصة من دون غسل ، وما عن ظاهر المجمع من جوازهما معا ، لما عرفت وتعرف ان شاء الله فيما يأتي.

وأما غسل المس فلا ينبغي الإشكال في أصل وجوبه على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك ، لعدم قدح خلاف المرتضى رحمه‌الله في ذلك ، إما لمعلومية نسبه أو لغيره ، مع أنا لم نعرف له موافقا قديما وحديثا ، ولذا حكى الشيخ في جنائز الخلاف الإجماع ، فقال : « دليلنا إجماع الفرقة ومن شذ منهم لا يعتد بقوله ». قلت : ويدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار الكثيرة التي كادت تكون متواترة ، بل قيل انها كذلك المشتملة على أنواع الدلالة على المطلوب. ويأتي التعرض لذكرها في محله ان شاء الله ، لكن ليس فيها على كثرتها ما يدل على الوجوب الغيري وعلى شرطية الصلاة أو غيرها عدا الرضوي (١) « إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضأ ثم اغتسل كغسلك من الجنابة ، وان نسيت الغسل فذكرته بعد ما صليت فاغتسل وأعد صلاتك » ‌ومن هنا توقف في المدارك فقال : « لم أقف على ما يدل على ما يقتضي اشتراطه في شي‌ء من العبادات ولا مانع من ان يكون واجبا لنفسه ، كغسل الجمعة والإحرام عند من أوجبهما. نعم ان ثبت كون المس ناقضا للوضوء اتجه‌

__________________

(١) المروي في المستدرك في الباب ـ ٨ ـ من أبواب غسل المس حديث ١.

٣١

وجوبه للأمور الثلاثة ، إلا انه غير واضح » انتهى. وربما تبعه عليه بعض متأخري المتأخرين ، وقد يؤيد بما في صحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات ، قال : « يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه » ‌لإشعاره بإرادة الاغتسال بعد الصلاة ، إلا انه مع عدم صراحته بذلك قد يكون المراد منه الندب لعدم وجوب الغسل هنا لكون المس حال الحرارة ، كما يقضي به قرب موته منه. وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في ضعفه ، بل بحسب الظاهر كأنه خرق للإجماع المركب ، لاتفاق القائلين بوجوبه على حدثيته وناقضيته للطهارة كما حكاه عنهم في المصابيح ، ناقلا للتصريح به عن المقنعة والنهاية والاقتصاد والجمل والعقود والكافي والغنية والإشارة والوسيلة والسرائر والمنتهى والدروس والذكرى والبيان والروض وكفاية الطالبين وجامع المقاصد وفوائد الشرائع ومنهج السداد والرسالة الفخرية وغيرها من كتب المتقدمين والمتأخرين ، قال : « وهو أمر مقطوع به في كلامهم ولا خلاف فيه إلا ممن نفى وجوب غسل المس » قلت : ويؤيده السيرة المستقرة والعمل المستمر في الأعصار والأمصار على عدم فعل شي‌ء مما يشترط بالطهارة كالصلاة ونحوها قبل فعله ، وقد نقل عن جماعة التصريح بتوقف الغايات الثلاثة عليه وهي الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ، كما هو ظاهر المصنف وغيره ممن عبر كعبارته ، ولعله قضية كلام من صرح بحدثيته وناقضيته للطهارة ممن عرفت ، لمكان اشتراط هذه الغايات الثلاثة بارتفاع الحدث. وربما استدل عليه كما في المصابيح وغيرها بعموم قوله (ع) (٢) : « في كل غسل وضوء إلا الجنابة » ، مع اتفاق الأصحاب على ذلك إلا من شذ ، ولان المس ناقض ، وإلا لم يجب به الوضوء‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة حديث ١.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الجنابة حديث ٢.

٣٢

قطعا ، فإنه لا يجب إلا على المحدث اتفاقا كما قيل. لكن قد يناقش فيه بأن أقصى ذلك ناقضية الطهارة به ، وهي لا تستلزم وجوب الغسل للصلاة إذ قد يكتفى في رفع الحدثية بالوضوء حينئذ ، وان وجب الغسل تعبدا بناء على استقلاله في رافعية الأصغر وان كان منضما مع الأكبر ، اللهم إلا أن يقال إن المنساق منها انه حدث لا ترتفع حدثيته إلا بالوضوء والغسل. وربما استدل عليه أيضا بما (١) في روايتي الفضل بن شاذان ومحمد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام من تعليل الأمر بغسل المس بالطهارة لما أصابه من نضح الميت قال عليه‌السلام في الأولى : « إنما أمر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته » وكذا في الثانية مع زيادة « فلذلك يتطهر منه ويطهر » ‌وهو وان أمكن المناقشة فيه سيما في الأولى ، لكنه لا بأس به مؤيدا ، وإنما العمدة ما عرفت من ظهور اتفاق الأصحاب على ذلك مع التأييد بما في الفقه الرضوي (٢) وما عساه يشعر به ضمه في الأخبار مع ما يوجب الغسل من جهة الحدث ، بل لعله المنساق من الأمر بالاغتسال منه ، بعد ملاحظة ما كان من قبيله من هذه الأغسال. لكن جميع ذلك إنما يقضي بوجوب الغسل لهذه الغايات الثلاثة دون غيرها من اللبث في المساجد وقراءة العزائم ، وان كان ظاهر المصنف وغيره ممن أطلق وجوب الغسل للغايات الخمس ذلك ، بل عن بعضهم نسبته إلى الأشهر ، إلا انه لا دليل عليه ، فالأصل يقتضي عدمه والقياس لا نقول به وفاقا للمنقول عن الروض والموجز وغاية المرام ومعالم الدين وجامع المقاصد وحواشي التحرير والإرشاد والجعفرية والطالبية ومنهج السداد وشارح النجاة بل في السرائر دعوى الإجماع على جواز دخوله المسجد وجلوسه فيه. فظهر حينئذ ان الأقوى عدم وجوب غسل المس لغير ما تجب له الطهارة الصغرى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ حديث ١١ و ١٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل المس ـ حديث ١.

٣٣

وقد يجب الغسل إذا كان من جنابة إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه مضيقا أو موسعا بمقدار ما يغتسل الجنب لمكان توقف صحة الصوم عليه على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك على الظاهر كما حكى في الانتصار والخلاف والسرائر والوسيلة ، وعن الغنية وكشف الرموز وحواشي التحرير والروض والمقاصد العلية وكشف اللثام ، وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا ، وكنز العرفان إلى أصحابنا ، والمهذب البارع ان القول بخلاف ذلك منقرض ، وجامع المقاصد انه استقر عليه مذهب الأصحاب وعن المنتهى والمختلف والسرائر تكرار حكايته في مسألة وجوب الغسل لنفسه. ويدل عليه مضافا الى ذلك خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام فيمن أجنب في شهر رمضان ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال : « يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا » ‌وأخبار القضاء (٢) والقضاء مع الكفارة إذا نام فإنه إذا بطل مع النوم فبدونه اولى. فما ينقل عن ظاهر الصدوق من الخلاف في ذلك وربما مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين ضعيف جدا كأدلتهم من الأصل وظاهر الكتاب ، وخبر حماد بن عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل إلى أن طلع الفجر فقال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه » وخبر العيص (٤) سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك الصائم عنه ووقت الإمساك حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك الصائم عنه ووقت الإمساك حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك الصائم عنه ووقت الإمساك ـ حديث ٣ وفي الوسائل حماد بن عثمان. الأقشاب جمع قشب ككتف وهو من لا خير فيه من الرجال.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك الصائم عنه ووقت الإمساك ـ حديث ٤.

٣٤

فأخر الغسل حتى طلع الفجر قال : « يتم صومه ولا قضاء عليه » وقوله عليه‌السلام في خبر حبيب الخثعمي (١) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر » ‌الى غير ذلك ، إذ يجب الخروج عنها في مقابلة ما ذكرنا ، وحمل ما يقبل التأويل من الأخبار على إرادة التعجب والإنكار أو مقاربة الفجر أو الفجر الأول أو العذر أو التقية ، ولعلها أصوب كما يلوح من ملاحظتها ، وكيف لا مع اشتمالها على ما سمعت من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مناف لمنصب النبوة سيما بعد إشعارها بالمداومة منه على ذلك ، مع انه لا إشكال في كراهته واقتضاءه تأخير صلاة الصبح عن أول وقتها ، بل ترك صلاة الليل وهي واجبة عليه. فلا ينبغي الإشكال في هذا الحكم وعدم الالتفات الى الخلاف المذكور ، مع إمكان إرجاع عبارة الصدوق الى المختار فلاحظ وتأمل.

ثم أنه قد تشعر عبارة المصنف كغيره من بعض العبارات باختصاص هذا الحكم في غسل الجنابة دون غيره ، ويؤيده خلو عبارات القدماء كما قيل عن التعرض لاشتراط صحة الصوم بغسل الحيض والنفاس والمس. اللهم إلا ان يكون اكتفوا عن الأولين بذكرهم شرط صحة الصوم الخلو من الحيض ، وتردد في المعتبر في وجوب غسل الحيض للصوم. قلت : وهو مما ينبغي القطع به بالنسبة إلى غسل المس كما نص عليه بعضهم ونقل عن آخرين ، بل في المصابيح للعلامة الطباطبائي ان المستفاد من كلام الأصحاب هنا وفي كتاب الصوم القطع بعدم توقف الصوم عليه ، ولعل الأمر كما ذكر. ويؤيده مضافا الى ذلك والى الأصل مع عدم الدليل عليه اطباق المسلمين في سائر الأعصار والأمصار على تغسيل الأموات في شهر رمضان نهارا من غير نكير سيرة يحصل القطع بها برأي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك الصائم عنه ووقت الإمساك حديث ٥.

٣٥

المعصوم. فما ينقل عن والد الصدوق في الرسالة من إيجاب القضاء للصوم والصلاة لمن نسي الغسل ضعيف شاذ ، مع انه احتمل الناقل لذلك ان في عبارته وهما من النساخ ، ويؤيده عدم نقل غيره عنه ذلك ، مع أن عبارته فيها غالبا على وفق عبارة الفقه الرضوي وهي خالية عن ذلك. ومن العجيب ما ينقل عن الحديقة من نسبة اشتراط صحة الصوم به الى المشهور بعد ما عرفت ، ولعله أخذه من ذكر الأصحاب له في جملة ما يجب الغسل فيه لذلك وهو كما ترى. وأما بالنسبة للحيض فالمشهور بين المتأخرين انه كالجنابة في ذلك ، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه كآخر دعوى الإجماع ، ولعل المراد المتأخرين ، وإلا فلم ينقل عن أحد من القدماء سوى ابن أبي عقيل ، وفي المصابيح ان كتب المتقدمين كالنهاية والمقنعة والمبسوط والخلاف والجمل والانتصار والمراسم والكافي والمهذب والوسيلة والغنية والسرائر خالية عن اشتراط الصوم بغسل الحيض والنفاس ووجوبهما فيما يجب فيه. وقد ضبطوا في كتاب الصوم ما يوجب القضاء والكفارة أو القضاء وحده ولم يذكروا ذلك في شي‌ء من القسمين. قلت : وكيف كان فلا ريب أن الأقوى وجوبه لذلك ، ويدل عليه مضافا الى ما تقدم والى الأصل في وجه سيما ان جعل الكف عنه داخلا في ماهية الصوم ، والى غلبة مشاركة غسله لغسل الجنب في كثير من الأحكام. بل قد يدعى أولويته من الجنابة بالنسبة الى كل ما يشترط به لما دل ان حدث الحيض أعظم ، كما ذكره بعض الأصحاب ، ويشعر به (١) قوله عليه‌السلام : « قد جاء ما هو أعظم من ذلك » ‌موثق أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ان طهرت بليل من حيضها ثم توانت ان تغتسل في شهر رمضان حتى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم » ‌وهي وان كان لا تعرض فيها لغسل النفاس إلا ان الإجماع على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض حديث ٢ وفيه قد أتاها ما هو أعظم من ذلك.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يمسك الصائم عنه ووقت الإمساك ـ حديث ١.

٣٦

مشاركة النفاس للحيض كاف في ذلك ، بل ادعى بعضهم في خصوص المقام ان كل من قال بوجوب غسل الحيض للصوم قال به بالنسبة إلى غسل النفاس. نعم ظاهر الرواية مختص في شهر رمضان ، وربما يلحق به قضاؤه. ولذا اقتصر عليهما جماعة من المتأخرين كما نقل عنهم ذلك أيضا بالنسبة إلى غسل الجنابة ، لكنه لعله مخالف للمشهور ، بل الإجماع كما قيل ، إذ الأصحاب بين القول باشتراط مطلق الصوم واجبا كان أو مندوبا بارتفاع هذا الحدث كما لعله الظاهر من ملاحظة كلامهم في الصوم ، وبين القول باشتراطه في خصوص الصوم الواجب مطلقا مع قطع النظر عن غيره ، فخصوص الواجب حينئذ متيقن من غير تفصيل في أفراده. ويأتي تمام الكلام فيه في كتاب الصوم ان شاء الله تعالى

وكيف كان فظاهر المصنف رحمه‌الله والقواعد وعن التذكرة ونهاية الاحكام وجماعة من متأخري المتأخرين اختصاص وجوب الغسل للصوم في آخر الوقت ، وظاهرهم أنه متى قدم الغسل على ذلك نوى الندب ، وعلل بعدم تعقل وجوب الشرط قبل وجوب المشروط إلا أنه نزل ضيق الوقت بمنزلة دخوله ، ويقرب منه غيره. قلت : وحاصل الإشكال في المقام انه لا إشكال في وجوب الغسل للصوم مقدما عليه ، مع أنه لا وجه لوجوب مقدمة الواجب قبل وجوب ذي المقدمة ، وكيف مع استفادة وجوبها من وجوبه ، فمن هنا احتاجوا الى ما سمعت من التعليلات الضعيفة التي لا تدفع ضيما بالنسبة الى ذلك ، إذ ضيق الوقت لا يحقق وجوب الصوم قبل وقته وهو الذي يجدي في وجوبها. ودعوى استفادة ذلك من شرطية الصوم به وان لم يتحقق وجوب الصوم فعلا لا تقصر الوجوب عند الضيق ، بل مقتضاها الوجوب قبله أيضا. ولذلك ارتكب بعضهم كالعلامة القول بالوجوب النفسي في التفصي عن ذلك. وهو غير مجد أيضا إذ لا يليق به مع ذلك إنكار الوجوب الغيري المعلوم ثبوته ، ضرورة توقف صحة الصوم عليه ، وأقصى القول بالوجوب النفسي أنه إثبات له مع الوجوب الغيري ، والاشكال إنما جاء من جهته لكونه مستلزما أما إنكار مقدميته أو إنكار وجوب مقدمة الواجب‌

٣٧

وهما معا باطلان. ومن العجيب ان العلامة (ره) مع قوله بالوجوب النفسي ذكر كما ذكر المصنف رحمه‌الله من أنه إنما يجب عند ضيق الوقت. وقيل إنه حكي عنه الاعتذار عن ذلك بان المراد تضيق الوجوب بسببه وإنما الموجب له الجنابة. وفيه أنه مشعر بأن الغسل لا يجب إلا بوجوب واحد نفسي حاصل من حين وجود سببه لا يتضيق إلا بظن الموت أو بتضيق العبادة المشروطة به ، وهو وان كان مطابقا لظاهر المنقول عن القائل بالوجوب النفسي في جميع الطهارات من وجوبها بحصول أسبابها وجوبا موسعا لا يتضيق إلا بظن الوفاة أو تضيق العبادة المشروطة بها ، ولاستدلال القائلين بوجوب غسل الجنابة لنفسه بأنه لو كان واجبا لغيره لزم جواز الإصباح على الجنابة في شهر رمضان لعدم وجوب الواجب للغير إلا بعد دخول الوقت ، لكن ينبغي القطع بفساد ذلك كله لما عرفت من أنه لا إشكال ولا نزاع في الوجوب الغيري عند القائلين بالوجوب النفسي وأن الذي يتضيق بتضيق العبادة إنما هو الأول دون الثاني كالعكس في ظن الوفاة ، نعم قد يجتمعان ولا مانع من ذلك كما في غيرهما مما وجب لنفسه ولغيره. وكيف كان فقد ظهر لك ان القول بالوجوب النفسي لا يحسم مادة الاشكال ، ولذلك نقل عن البهائي أنه سلك مسلكا آخر في التخلص عن ذلك وهو صرف وجوب الغسل للصوم عن ظاهره وجعل الغاية توطين النفس على إدراك الفجر طاهرا. وفيه مع وضوح فساده في نفسه ان وجوب التوطين على إدراك الفجر طاهرا فرع وجوب الغسل قبل الوقت ، فان صح فلا حاجة الى غيره ، وإلا لم يجب التوطين. وأعجب من ذلك ما أجاب به ابن إدريس في السرائر بعد ان أورد الاعتراض على القول بالوجوب الغيري بما حاصله أن الجنب في ليالي شهر رمضان إن أوجبتم عليه الاغتسال قبل الفجر فقد رجعتم الى القول بالوجوب النفسي من حيث لا تشعرون لعدم وجوب الواجب للغير قبل الوقت ، وان قلتم لم يجب كما هو قضية قولكم بندبيته قبل الوقت خالفتم الإجماع إذ لا خلاف في اشتراط صحة الصوم بالطهارة من الجنابة قبل الفجر ، فيجب حينئذ لوجوب ما لا يتم‌

٣٨

الواجب إلا به. وأجاب عن ذلك بوجهين الأول ان الأمة بين قائلين : قائل بوجوب الغسل في جميع الشهور والأيام والأوقات وهذا المعترض منهم ، وقائل بوجوبه فيما عيناه وشرحناه يعني به الوجوب للغير بعد الوقت وليس هاهنا قائل بالندب في طول أوقات السنة إلا الموقت المتقدم وليالي شهر رمضان ، قال : فانسلخ من الإجماع بحمد الله تعالى وحسبه بهذا عارا وشنارا ، والثاني انا نسلم وجوب ما لا يتم الواجب إلا به لكن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل وذلك لتمامية الصوم بالاغتسال من دون نية الوجوب بل يكتفي بنية الندب قربة الى الله فيصح حينئذ صومه بلا خلاف. قلت : وهو كما ترى فيه نظر من وجوه بل لا يكاد يستقيم له محصل ، ولذا قال العلامة في المنتهى في الاعتراض عليه بعد ان نقل ذلك وغيره عنه : « ومن أعجب العجائب إيجاب الغسل عليه وان لا ينوي الوجوب بل الندب ، فللمغتسل أن يقول إن كان الغسل ندبا فلي ان لا أفعله فإن سوغ له الصوم من دون اغتسال فهو خلاف الإجماع ، والا لزمه القول بالوجوب أو القول بعدم وجوب ما لا يتم الواجب إلا به ، وإن كان واجبا فكيف انوي الندب في فعل واجب ، وعندك الفعل إنما يقع على حسب القصود والدواعي. فانظر الى هذا الرجل كيف يخبط في كلامه ولا يحترز عن التناقض فيه » انتهى.

قلت : ويمكن التخلص عن هذا الإشكال الذي ألجأ هؤلاء الأصحاب إلى مثل هذا الاضطراب بمنع اختصاص وجوب مقدمة الواجب بما بعد الوقت في مثل ما نحن فيه من الواجبات المنطبقة على تمام أوقاتها ونحوها من الواجبات المضيقة مما كانت المقدمات فيها تقدمها عليها لعدم سعة زمان فعلها إلا لها ، دون مقدماتها ، بشهادة جميع ما دل على وجوب مقدمة الواجب عليه من العقل والعرف وغيرها ، إذ لا ينبغي الشك في ان السيد إذا أمر عبده بالصعود على السطح عند الزوال من غير تأخير عنه كان مخاطبا بوضع السلم وغيره مما يتوقف عليه ذلك قبل الزوال ، وإلا عد عاصيا مفوتا للواجب عن وقته ، ومثله قطع المسافة للحج ونحو ذلك. وقولهم لا معنى لوجوب الشرط قبل‌

٣٩

وجوب المشروط يدفعه بعد الإجماع على وجوب ما لا يتم الواجب إلا به من غير فرق بين سعة وقت الواجب له ولمقدماته أو لا ، أنهم ان أرادوا قبل الوجوب الأدائي فهو ممنوع إذ لا شاهد له من عقل ولا نقل بل هما شاهد ان على خلافه ، وان أرادوا قبل الوجوب التعليقي فهو مسلم لكن المفروض في المقام وجوده ، ضرورة تقدم الأمر على المأمور به ، وهو كاف في إثبات الوجوب للمقدمات سيما ما اعتبر تقدمها عليه في صحة الفعل.

لا يقال : ان قضية ذلك إيجاب مقدمات الواجب المشروط قبل حصول شرط الوجوب ضرورة كون ما نحن فيه من الواجب الموقت واجبا مشروطا بالنسبة للوقت فلو وجبت مقدماته قبل الوقت لوجب حينئذ فعل سائر مقدمات الواجبات المشروطة من الحج وغيره قبل تحقق شرط الوجوب وهو واضح الفساد. لأنا نقول أما أولا فقد يفرق بين ما علق عليه الوجوب من المقطوع بحصول شرط الواجب فيه وعدمه فنلتزم بإيجاب مقدمات كل واجب مشروط يقطع فيه بحصول شرط الوجوب دون غيره ، وثانيا بإمكان الفرق أيضا بين ما علق فيه نفس الوجوب كالاستطاعة بالنسبة للحج وبين ما كان التعليق فيه لأداء المكلف به مثل ما نحن فيه ، وثالثا وهو الأوجه بالفرق بين المشروط بالوقت وغيره باعتبار الاكتفاء بظن السلامة في الأول دون الثاني ، وبالفهم العرفي وغيرهما ، فتأمل جيدا فان التحقيق عدم الفرق بين الوقت وغيره مما يكون الوجوب مشروطا ، نعم الظاهر عدم اعتبار الوقت في الموقت في وجوبه وإنما هو في صحته ، إلا ان يدل دليل على ذلك ، فالإيجاب فيه حينئذ مطلق قبل الوقت لا مشروط فيكفي حينئذ في وجوب مقدمته سيما إذا كان سبقها عليه معتبرا في صحته ، ضرورة كونها حينئذ مقدمة واجب مطلق ، وان كانت الصحة معلقة على الوقت. فان ذلك لا يقتضي كون الوجوب فيه مشروطا. وحينئذ يتجه الجواب الثاني لا الثالث ، وبه يفرق بين المعلق‌

٤٠