جواهر الكلام - ج ١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فصح إطلاق لفظ الطهارة عليه ولفظ الحل الذي ليس معه الكراهة.

وأما الرواية الثالثة فأولا ان الأمر بالتيمم لا دلالة فيه على التنجيس بالاغتسال فإنه لا ينحصر وجهه في ذلك إذ قد يكون البئر كانت مملوكة أو كان في الاغتسال فيها عسر وحرج ومشقة ، وربما يؤيد ذلك ما في رواية الحسين بن أبي العلاء (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يمر بالركية وليس معه إناء ، قال : ليس عليه أن ينزل الركية إن رب الماء هو رب الصعيد فليتيمم » ‌مع إنه لا تعرض فيه للنجاسة ، وقوله ( لا تفسد على القوم ماءهم )

لا دلالة فيه على ذلك فقد يكون المراد من جهة خوف الهلاك فيها أو أنه يهيج ما كان كامنا فيها من الأوساخ ، بل غير بعيد انها على فرض كونها مباحة وكانت مستقى للناس وكان بالاغتسال فيها يهيج بعض ما كان كامنا فيها أن لا يسوغ له الاغتسال فيها ، لكون ذلك حقا مشتركا فيجوز له استعماله ما لم يدخل في ذلك فيه ضرر على غيره ، لا سيما إذا كان المقصود منها الاستقاء ، على انه قد يكون المراد من جهة وجوب النزح لا من جهة النجاسة ، على أنه لم يعلم أنه كانت على بدنه نجاسة. ( فإن قلت ) ان الإفساد كما ورد في هذه الرواية وجد في روايات التنجيس فأي معنى لحمله هناك له على النجاسة بخلافه هنا ( قلت ) هو مع أنه في نفسه هناك ظاهر في ذلك قد يشعر به الاستثناء ووقوع شي‌ء في سياق النفي بخلافه هنا ، على أنه كيف يسوغ لفقيه الاجتراء على طرح تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة المخالفة للعامة الموافقة للأصول المرجحة بما سمعته من المرجحات بمثل هذه الاشعارات التي لا يجترئ منها على أن يقطع بها أضعف الأصول.

وأما الرواية الرابعة فلا دلالة فيها وسيأتي التعرض لها ان شاء الله عند التباعد بين البئر والبالوعة.

نعم أقوى شي‌ء لهم الإجماعات المنقولة ، وهي ـ مع كون المخالف موجودا ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التيمم ـ حديث ٤ مع اختلاف يسير.

٢٠١

القدماء أيضا ، وإطباق متأخري المتأخرين على ذلك ، مع مخالفتها لما سمعت من الأخبار ـ يضعف الظن بها لقوة الأخبار عليها من وجوه ، على أن العلامة في المنتهى يظهر منه المناقشة في نسبته إلى الأكثر فضلا عن الإجماع فتأمل. ولا استبعاد في خفاء هذا الحكم على المتقدمين وظهوره لغيرهم ، لان مثله غير عزيز فكم من حكم خفي عليهم وظهر لغيرهم في الأصول والفروع ، وربما سمعت أن المرتضى وغيره قد ادعى الإجماع على عدم جواز العمل بأخبار الآحاد الذي لا ينبغي الشك في بطلانه.

وأما أخبار النزح فلا دلالة في شي‌ء منها على النجاسة بل هي أن حملت على ظاهرها من الوجوب اتجه مذهب العلامة وان حملناها على الاستحباب كما يدعيه المشهور فلا إشكال حينئذ وستسمع تحقيق الحال فيها ان شاء الله ، ولا حاجة الى بيان فساد باقي المؤيدات التي ذكرناها للقول بالنجاسة هذا.

ونقل عن البصروي التفصيل في حكم البئر بين أن يكون كرا أولا ، وقال بعضهم انه لازم للعلامة لاشتراطه الكرية في الجاري وليست البئر أولى منه. وفيه انه قد يكون للبئر حكم بالخصوص فان لها أحكاما كثيرة قد اختصت بها سواء كان ماؤها قليلا أو كثيرا لمكان الأخبار ولذا حكم المشهور بعدم نجاسة الكر مع قولهم أن البئر إذا بلغت مائة كر تنجس بالملاقاة. وكيف كان فمستنده بعد عموم ما دل (١) على اشتراط الكر في الماء رواية الحسن بن صالح الثوري (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي‌ء » ‌وما عن الفقه الرضوي (٣) حيث قال عليه‌السلام : « كل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل الجاري إلا أن يتغير لونها وطعمها ورائحتها » ‌وفي رواية أبي بصير (٤) « عن البئر يقع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٨.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١٥. وهي رواية عمار.

٢٠٢

فيه زبيل عذرة يابسة أو رطبة فقال لا بأس به إذا كان فيها ماء كثير ». وفيه ـ بعد إمكان دعوى الإجماع المركب وتواتر الأخبار على خلافه فإن أخبار الطرفين حجة عليه ـ ان بين ما دل على اشتراط الكرية في الماء وبين أدلة المقام عموما من وجه والترجيح لهذه من وجوه كثيرة. ورواية الحسن بن صالح الثوري ـ مع انها ضعيفة السند به إذ قال الشيخ أنه زيدي بترى متروك الحديث فيما يختص به ، وموافقة للعامة ، ودلالتها بالمفهوم ـ محتملة لأن يراد بالركي المصانع التي ليست آبارا ، وهو وإن كان بعيدا إلا أنه لا مانع منه بعد مخالفته لما سمعته ، أو أن المراد به انه وان انقطع نبعها كما يتفق في بعض الأحيان. ومثله جار في عبارة الفقه الرضوي ، على أن دلالته أضعف من رواية الحسن وأما رواية أبي بصير فلعل المراد باشتراط الكثير من جهة خوف حصول التغير وهو قريب جدا. وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم الركون لهذا المذهب لو صحت روايته وتعددت بعد إعراض الأصحاب فكيف وهي بهذه المكانة من الضعف في السند والقصور في الدلالة.

إذا عرفت ذلك فنقول انه على تقدير الطهارة فهل النزح واجب تعبدي أو مستحب؟ المشهور الثاني ، واليه ذهب العلامة في جملة من كتبه ، ويظهر منه في المنتهى الأول ، وربما نقل عن الشيخ في كتابيه أيضا لكن كلامه في الاستبصار غير صريح في ذلك ، بل ولا ظاهر ، وفي كشف اللثام أن كلامه في التهذيب صريح في النجاسة. وعلى كل حال فهو يحتمل وجوها ( أحدها ) أن يراد بالوجوب التعبدي أنه واجب في ذمته وليس شرطا في الاستعمال عبادة كان أو غيره ، والظاهر أنه على هذا الوجه يكون الاستعمال موجبا له في الذمة وإلا فلا معنى للقول بالوجوب في نفسه. كما أن الظاهر كونه من الكفائي يراد منه نفس الوجود في الخارج ولو حصل من غير مكلف. وهذا الوجه وإن احتمله بعض محققي المتأخرين لكنه في غاية الضعف ، على أنه قال في المنتهى لم نسوغ الاستعمال قبله ( الثاني ) أن الاستعمال سواء كان عبادة أو غيره مشروط بالنزح شرعا ، وهو لا ينافي القول بالطهارة. وتظهر الثمرة مثلا فيما لو أصاب ثيابه منه شي‌ء‌

٢٠٣

فالظاهر صحة الصلاة به نعم لا يصح الوضوء به ولا يجوز شربه ولا تحصل الطهارة من الخبث به فيكون كماء الاستنجاء حينئذ ( الثالث ) أن يفرق بين الاستعمالات فما كان منها عبادة لم يصح لحصول النهي المقتضي للفساد دون ما لم يكن كذلك كغسل النجاسة فترتفع به وان فعل حراما باستعماله كما لو شربه ، لكن ليس حرمة شرب ماء النجس بل هي حرمة أخرى.

إلا ان الذي يظهر من العلامة رحمه‌الله انما هو الثاني لقوله في الجواب عن مكاتبة ابن بزيع التي هي دليل القائلين بالنجاسة : « وتقريره عليه‌السلام لقول السائل : ( حتى يحل الوضوء منها ) بعد تسليمه ليس فيه دلالة على التنجيس فانا نقول بموجبه حيث أو جبنا النزح ولم نسوغ الاستعمال قبله » وقوله أيضا في هذه الرواية : « وخامسها بحمل المطهر هنا على ما أذن في استعماله ، وذلك انما يكون بعد النزح لمشاركته للنجس جمعا بين الأدلة » انتهى لإطلاق عدم تسويغ الاستعمال قبل النزح سواء كان عبادة أو غيرها. مع احتمال أن يقال إنه أراد بالاستعمال الذي تضمنته الرواية وهو العبادي لا مطلقا وقد يقال إن الذي يناسب الجمع به بين الروايات ( الثالث ) لتضمن كثير منها عدم إعادة غسل الثياب والوضوء والصلاة مع حصول النجاسة قبل العلم ، وهو انما يتم به لعدم النهي دون الثاني ، مع احتمال تنزيل هذه الروايات على حصول العلم بوجود النجاسة بعد الاستعمال من دون علم بسبقها فعدم إعادة الغسل والوضوء لذلك لا لما تقدم ، فيتجه حينئذ حمله على الثاني. وهذا الوجه الأخير هو الظاهر من الشيخ في الاستبصار لذكره الخبر الشاهد على الجميع ، وهو مشتمل على التصريح بهذا المعنى فلتلحظ عبارته.

وكيف كان فمستنده في الطهارة هو ما عرفت من أدلتها وفي الوجوب أوامر النزح وهو حقيقة في الوجوب ، والمراد به الشرطي للقطع بعدم الوجوب الأصلي ، وكأن الذي دعاه الى ذلك هو مراعاة العمل بجميع الأخبار لعدم المنافاة بينها إذ ما دل على الطهارة لا يقتضي نفي النزح وما دل على النزح لا يقتضي نفي الطهارة ، فيعمل حينئذ‌

٢٠٤

بالأخبار جميعا فيقال إنه طاهر ومع ذلك يجب نزحه. نعم يظهر من الأخبار توقف الاستعمال على النزح وهو لا ينافي الطهارة. وفيه ـ مع إمكان ادعاء الإجماع المركب على خلافه وظهور بعض أخبار الطهارة في نفيه وكونه نوعا من الإفساد المنفي بقوله : ( لا يفسده شي‌ء ) وظهور قوله ( لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن ) في العلم والعمد القاضي بفساد كلامه على بعض الوجوه ، وكون الأصل في كل طاهر أن يرفع الحدث والخبث وعدم استثناء مثل ماء البئر في كلام الأصحاب في المقامات الأخر مع كثرة تعرضهم لذلك في المقامات المختلفة ـ ان أخبار النزح مختلفة اختلافا لا يصلح لان يكون معه سندا لهذا الحكم المخالف للأصل ، بل للأصول والعمومات كما اعترف به رحمه‌الله في رد القائلين بالنجاسة ، قال : « وأما ثالثا فلأن الأخبار اضطربت في تقدير النزح فتارة دلت على التضيق في التقديرات المختلفة وتارة دلت على الإطلاق وذلك مما لا يمكن أن يجعله الشارع طريقا الى التطهير » قلت : هو بعينه وارد عليه لأنه لا فرق بين المنع من استعماله من جهة النجاسة أو من جهة أخرى. وكيف يكون مثل هذا الاختلاف مانعا من الحمل على الأول مع إمكان ادعاء ظهورها فيه لتضمنها غالبا السؤال عن النجاسات ومقارنة الجواب عن ذلك بالنزح الظاهر في كون ذلك تطهيرا كما هو الشأن في جميع الأوامر التي استفادوا منها نجاسة النجاسات عند الأمر بغسل الثوب مثلا إذا مسته ونحو ذلك ، ولا يكون مانعا من الحمل على ما يقول ، على إنها قد تضمنت النزح للطاهر وغيره ويلزمه أن يقول بوجوبه له بخلاف القائلين بالنجاسة ، وكيف يمكن دعوى حملها على الوجوب مع ورودها في مثل الفأرة (١) ففي بعضها « خمس دلاء » وفي آخر « دلاء » وفي آخر « ثلاث دلاء » وفي آخر « كلها » ، وفي الكلب (٢) « خمس دلاء » وفي آخر « سبع دلاء » وفي آخر « نزح الجميع » وفي آخر « نزح دلاء » وفي آخر « عشرون أو ثلاثون أو أربعون » ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق.

٢٠٥

وفي بول الصبي (١) ففي بعضها « دلو واحد » وفي آخر س « بع دلاء » وفي آخر « كله » ، مع ان غاية ما ينزح لبول الرجل أربعون دلوا ، وفي السنور (٢) فمنها « دلاء » وفي آخر « عشرون أو ثلاثون أو أربعون » وفي آخر « ثلاثين أو أربعين » وفي آخر « خمس دلاء » وفي آخر « سبع دلاء » ، وفي الخنزير (٣) فمنها « دلاء » وفي آخر « البئر كلها » ، مع أنه لا يكاد يسلم خبر عن تضمنه لما لا يقولون به. والحاصل الناظر بعين الانصاف لا يكاد يخفى عليه ذلك فتأمل والله أعلم بحقيقة الحال.

( وطريق تطهيره )

أي لا طريق غيره كما عن المعتبر لاستصحاب النجاسة والمعلوم من الأدلة النزح ، ولما يظهر من بعض الأخبار من الحصر كقوله (٤) : ( ما الذي يطهرها حتى يحل ) الى آخره لأنه في قوة قوله الذي يطهرها نزح دلاء ، ولأنه لا عموم في المطهرات الأخر بحيث يشمل المقام ، ولظواهر الأوامر بالنزح ، وحملها على التخيير مجاز. وقيل بطهارتها بغيره من المطهرات من إلقاء الكر واتصاله أو امتزاجه بالكثير أو الجاري ، نعم هو يختص عن غيره بالنزح ونسب إلى الأكثر ، وفي الذكرى وعن الدروس طهارتها بالامتزاج بالجاري والكثير وقال : « أما لو ورد عليها من فوق فالأقوى أنه لا يكفي لعدم الاتحاد في المسمى » وعن البيان انها تطهر بمطهر غيره وبالنزح ، وعن نهاية الأحكام التوقف في الطهارة بإلقاء الكر ، وفي المنتهى لو سبق إليها نهر من الماء الجاري وصارت متصلة به فالأولى على التنجيس الحكم بالطهارة لأن المتصل بالجاري كأحد أجزائه فيخرج عنه حكم البئر انتهى. والتحقيق انه ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٢١.

٢٠٦

سلمت المقدمة السابقة وهي انه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر وبعضه نجس قوي القول بالطهارة مطلقا ، ويكون التنبيه على النزح لكونه الفرد الأخف الأخفى التي تختص به ، ومسألة السافل والعالي تتأتى هنا ولا تتأتى هنا مسألة الإتمام كرا ، وما يظهر من الشهيد رحمه‌الله من عدم الطهارة بالوارد من فوق لعله بناء منه على عدم الاتحاد بذلك كما يقضي به تعليله ، ولا ينافيه ما تقدم سابقا من تقوم السافل بالعالي إذا كان كثيرا إذ لعله يفرق بين الدفع والرفع أو يدعي الخصوصية في البئر وإن كان ضعيفا جدا. على انه يشكل بأنه لا معنى لإنكار الاتحاد مع الواقع من الجاري في البئر والتزام تنجيسه وإلا لحكم بنجاسة الجاري إذا وقع من فوق على أرض نجسة أو ماء نجس فتأمل ، وان لم تسلم تلك المقدمة أمكن القول بالطهارة في خصوص ما إذا خرجت عن اسم البئر ودخلت في اسم الجاري الذي يطهر بعضه بعضا ، بل يمكن القول بالطهارة مطلقا حتى بإلقاء الكر لعموم مطهرية الماء ولو لقوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١) المراد منه كما عرفت الطاهر في نفسه المطهر لغيره وغير ذلك. ويكفي في كيفية المطهرية معلومية عدم اعتبار الزيادة على الامتزاج هذا وعن المعالم الاستدلال على الطهارة بشي‌ء آخر قال : « أما على ما اخترناه من اشتراط الامتزاج بالمعنى الذي حققناه فواضح فان ماء البئر والحال هذه يصير مستهلكا مع المطهر فلو كان عين النجاسة لم يكن له حكم فكيف وهو متنجس ولا ريب أنه أخف. وأما على الاكتفاء بمجرد الاتصال فلان دليلهم على تقدير عاميته لا يختص بشي‌ء دون شي‌ء إذ مرجعه الى عموم مطهرية الماء فيدخل ماء البئر تحت ذلك العموم ، والأمر بالنزح لا ينافيه لكونه مبنيا على الغالب من عدم التمكن من التطهير بغيره ، ولو أمكن في بعض الموارد فلا ريب ان النزح أسهل منه في الأغلب أيضا » انتهى. وفيه انه لم يتضح لنا مراده بالاستهلاك ، وكيف وقد تكون البئر أكرارا والملقى كر واحد ، والقياس على عين النجاسة قياس باطل لظهور ان عين النجاسة مدار التنجيس‌

__________________

(١) سورة الفرقان ـ آية ٥٠.

٢٠٧

فيها بقاء اسمها وهو قد يزول ويستهلك بخلافه هنا. فان قلت : مدار النجاسة هنا أيضا على كونه ماء بئر فمتى زال عنه هذا الوصف بممازجته للمطهر الغير القابل للنجاسة زال عنه النجاسة. قلت : هذا حق ، وقد أشرنا إليه سابقا ، لكن الكلام في خروجها عن ذلك دائما بمجرده ، فان قلت : لا يكاد يخفى انه مع إلقاء الكر وممازجته لا يصدق عليه انه ماء بئر فقط ، والمعلوم من التنجيس انما هو إذا كان مجردا عن غيره. قلت : بناء على ذلك لو ألقي كر في البئر قبل التنجيس لم تقبل النجاسة حينئذ وتسقط جميع أحكامها من النزح وغيره وهو بعيد ، نعم هو متجه فيما إذا وصلت بجار فان الظاهر سقوط أحكام البئر ، ومثله فيما لو وصلت براكد كثير لم يغلب عليه اسمها وكون مائه مائها لأن الأصل عدم أحكام البئر ، والمعلوم من الأدلة غير هذا الفرد فتأمل ، والظاهر انه بحكم الجاري الغيث ان قلنا بالمقدمة السابقة وهي ليس لنا ماء واحد ، بل وإن لم نقل لقوله (١) عليه‌السلام « كل شي‌ء يراه ماء المطهر فقد طهر » ‌وما في رواية كردويه (٢) من النزح لماء الغيث لا ينافيه لظهوره في استصحاب عين النجاسة. وهل يطهر جميع مائها بإجرائها لدخولها تحت اسم الجاري ، أو الباقي عند المنبع بعد انفصال ما كان يجب نزحه لكون هذا الاجراء بمنزلة النزح ، أو انه لا يطهر شي‌ء منها إلا بالنزح للشك في دخوله تحت اسم الجاري وكون هذا الجريان بمنزلة النزح واستصحاب النجاسة محكم أوجه ، أقواها الأخير ، وبعده في القوة الأول.

وكيف كان فتطهر بنزح جميعه من غير مسامحة ، ولعل بعض الأشياء اليسيرة جدا لا تقدح لعدم انفكاكها عرفا ، ولو ذهب جميع الماء لا بالنزح فالأقوى حصول الطهارة ، واحتمال التعبد في خصوص النزح في غاية الضعف وان كان هو الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٣.

٢٠٨

من بعض مطاوي كلماتهم ، وبه صرح في المنتهى فيما لو نزف المقدر بدلو واحد واسع ، وكأن إشكالهم في مسألة الغور أي لو غار ماؤها ثم نبع الماء ليس من جهة الغور الذي هو غير نزح بل من جهة احتمال كون هذا الماء هو ذلك الماء. وفيه انه على تقدير تسليم بقاء نجاسته لو كان هو أنه يحتمل أن يكون هو وغيره والأصل الطهارة ، وفي كاشف اللثام « أنه لا ينجس بأرض البئر فإنها تطهر بالغور كما تطهر بالنزح كلا أو بعضا فإنه كالنزف ، واحتمل بعضهم قصر طهارة الأرض على النزح فينجس بها المتجدد » انتهى. وقد عرفت أن الأقوى الأول.

( إن وقع ) أي صار فيها مسكر ويظهر من بعضهم أنه المائع بالأصالة وآخر بدونها ، وعلى الأمرين يخرج الجامد بالأصل وإن كان مسكرا ، وبالعارض على الثاني لا الأول ، والحكم في الطاهر منها ظاهر إذ كونه كاغتسال الجنب بعيد ، وكيف كان فلم نعثر على رواية تضمنت نزح الجميع للمسكر ، نعم هي في الخمرة كثيرة ( منها ) قوله عليه‌السلام (١) في خبر عبد الله بن سنان : « فان مات فيها قرد أو صب فيها خمر نزح الماء كله ». ( ومنها ) قوله عليه‌السلام (٢) في صحيح معاوية بن عمار : « في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر فقال : ينزح الماء كله ». ( ومنها ) قوله عليه‌السلام (٣) أيضا فيما رواه الحلبي : « وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلتنزح » وفي الوسائل أنه رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب وزاد فيه فلينزح الماء كله ، فإلحاق مطلق المسكر به إما لشمول لفظ الخمر له لكونه لما يخمر العقل ، وفيه ما لا يخفى ، أو لما عن الكاظم عليه‌السلام (٤) « ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر »

‌__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١ ـ وفي الوسائل ( ثور ) بدل ( قرد ).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ حديث ١ من كتاب الأشربة.

٢٠٩

وأبى جعفر عليه‌السلام (١) « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل مسكر خمر » ‌أو غير ذلك ، لكن في كاشف اللثام ان شيئا من ذلك لا يفيد دخولها في إطلاق الخمر قلت : يمكن أن يقال إنها وإن لم تفد ذلك لكنها تفيد المشاركة في الحكم سيما بعد الانجبار بالإجماع المنقول في السرائر وعن الغنية ، قال في الأول فالمتفق عليه الخمر قليله وكثيره وكل مسكر فيندفع حينئذ احتمال اختصاصها بالحرمة لأنها المتبادرة ، نعم قد يقال ان ما ذكرته من الأخبار لا تشمل القليل منه لتضمنها لفظ الصب وهو لا يصدق على القطرة ، ولعله من هنا نقل عن الصدوق أنه قال في القطرة من الخمر عشرون دلوا ول قول الصادق عليه‌السلام (٢) في خبر زرارة : « بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال : الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحه حتى تطيب » ‌وقواه في الذخيرة ، لكن هي مع قصور سندها ولا جابر واشتمالهما على غير المفتي به ومعارضتها بما رواه الشيخ (٣) عن الحسين بن سعيد عن محمد بن زياد عن كردويه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام « عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر قال : ينزح منها ثلاثون دلوا » ‌قاصرة عن معارضة صريح الإجماع المتقدم في السرائر المعتضد بظاهره عن الغنية ، بل قد يظهر من الشيخ في التهذيب انها معارضة بالروايات المتقدمة أيضا لأنه قال : بعد ذكر هذين الروايتين هما خبر واحد فلا يمكن لأجله دفع هذه الأخبار كلها ، ولعله فهم من لفظ الصب مطلق الوقوع فاللازم حينئذ طرحها كالخبر الثاني إذ لم يعمل به أحد فيما أعلم ، إلا ما نقله في كاشف اللثام أنه احتمل في المعتبر العمل به وبخبر العشرين بالحمل على التفاضل انتهى. وهو مع انى لم أجده فيه احتمال في غير محله لخروج الخبر عن الحجية عندنا بإعراض الأصحاب ، بل المتجه بعد التسليم حينئذ إدخاله فيما لا نص فيه. أو فقاع كما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ حديث ٥ من كتاب الأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٢.

٢١٠

كتب الشيخ ومن بعده على ما في كاشف اللثام كالمدارك ذكره الشيخ ومن تأخر عنه ، بل عن الغنية الإجماع عليه وهو الحجة مع ما في الروايات من أنه « خمرة مجهولة » (١) وانه « خمرة استصغرها الناس » (٢) مما يظهر من الدخول في الخمر ولو في الحكم فما وقع في المدارك من المناقشة فيه من أن الإطلاق أعم من الحقيقة ليس في محله ، نعم قد يتوجه عليه ما ذكرنا ان ثبت التبادر في وجه الاستعارة ، وفي المدارك « ولا يلحق به العصير العنبي بعد اشتداده وقبل ذهاب ثلثيه قطعا تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض ». قلت : لكنه يدخل في غير المنصوص حينئذ ، والفقاع كرمان هذا الذي يشرب ، سمى بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد كما عن القاموس ، وعن المرتضى في الانتصار انه الشراب المتخذ من الشعير. أو مني قليلا كان أو كثيرا من انسان أو غير انسان مما له نفس سائلة ، وقيل : باختصاصه بالإنسان لكونه المتبادر منه ، واعترف جماعة بعدم العثور على نص فيه. قلت : لكن قد يحتج عليه بالإجماع المنقول في السرائر وعن الغنية ، بل في الأول دعواه على المني من سائر الحيوان مأكول اللحم وغير مأكول اللحم فتخصيصه بالإنسان حينئذ ضعيف ، إلا أنه لعل المراد بما لا نص فيه في كلامهم عدم ورود خبر فيه بالخصوص أو بالعموم فلا يكفي الإجماع المنقول في إخراجه عنه حينئذ ، وإلا لاكتفي بالاستصحاب ونحوه والأمر سهل إذ لا مشاحة في الاصطلاح.

( أو أحد الدماء الثلاثة ) الحيض والنفاس والاستحاضة على قول مشهور بل قد سمعت نقل الإجماع عليه في المني ، ومثله في السرائر وعن الغنية هنا ، وربما أدخله بعضهم بما لا نص فيه فأوجب نزح الجميع للقاعدة ، ويمكن تأييده بغلظ النجاسة فيه ولذلك لا يعفى عن قليله في الصلاة ، وربما ظهر من بعضهم التوقف فيه للأخبار (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب النجاسات ـ حديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ حديث ١ من كتاب الأشربة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الماء المطلق.

٢١١

الدالة على حكم مطلق الدم الشامل لما نحن فيه. وفيه انه يجب الخروج عنه بالإجماعين المنقولين سيما مع اعتضادهما بالقاعدة وغلظ النجاسة ، على أنه لا إطلاق ظاهر الشمول لها إذ الموجود في صحيح علي بن جعفر عليه‌السلام (١) السؤال « عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال : تنزح منها ما بين الثلاثين والأربعين دلوا ثم يتوضأ منها » ‌وهي كما ترى لا إطلاق فيها كصحيحه الآخر (٢) قال : سألته « عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها؟ قال : ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها » ‌نعم قد يستدل بترك الاستفصال في مكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع (٣) المتقدمة « عن البئر يكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم » ‌الى آخره. لكنه مع اقتصاره على القطرات غير ظاهر في شموله لأحد الدماء الثلاثة لعدم تبادرها وبعد تحقق فرض وقوع شي‌ء منها حتى يسأل عنه ، وفي خبر زرارة سألته « عن بئر قطر فيها قطرة من دم أو خمر فقال عليه‌السلام : الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا » ‌وهو ـ مع الغض عن سنده واشتماله على ما أعرض عنه أكثر الأصحاب وعدم تبادر الثلاثة منه ـ مقيد بما سمعت من الإجماع وغيره ، وقد يلحق على إشكال بالدماء الثلاثة دم نجس العين للقاعدة المتقدمة مع عدم ظهور المخرج عنها.

( أو مات فيها بعير ) إجماعا كما في السرائر وعن الغنية وفي المدارك انه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا وهو الحجة ، مضافا الى صحيح الحلبي (٤) قال : « وان مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح » ‌وفي خبر عبد الله بن سنان (٥) « فان مات فيها ثور أو نحوه نزح الماء كله » ‌لكن الظاهر من العبارة والرواية تخصيص هذا الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٢١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ١.

٢١٢

بما إذا مات فيها فلا تشمل ما لو كان ميتا خارجا عنها ثم وقع فيها ، والقول بالشمول لا يخلو من قوة ، وبما سمعت من الأدلة يخص عموم أو إطلاق ما في بعض الروايات (١) من الحكم على الدابة مما ينافي ما ذكرنا وما في خبر عمرو بن سعيد بن هلال (٢) قال : « حتى إذا بلغت الحمار والجمل فقال : كر من ماء » ‌فهو ـ مع الضعف في سنده وعدم بيان كون الجمل مات فيها ـ محتمل لان يراد بالتقدير للحمار لا لهما لمعلومية حكم البعير ، ولا يصلح لمعارضة ما سمعت من الإجماع ، بل قد يدعى تحصيله على خلافه ، وفي كاشف اللثام « ان البعير كالإنسان يشمل الذكر والأنثى باتفاق أئمة اللغة » انتهى ، لكن عن الأزهري ان هذا كلام العرب ولا يعرفه إلا خواص أهل العلم باللغة انتهى ، وقيل : انه من كلام أئمة اللسان أن البعير في الإبل كالإنسان والناقة كالمرأة. قلت : ولعل العرف المقدم على اللغة عند التعارض يقضي باختصاصه بالذكر سيما على ما سمعته من الأزهري ، لكن في السرائر بعد نقل الاتفاق على البعير قال سواء كان ذكرا أو أنثى ، إلا أنه قد يظهر من الاستدلال على ذلك بكونه اسم جنس كالإنسان والجمل كالرجل والناقة كالمرأة انه اجتهاد منه ليس أخذا بالإجماع وهل يشمل الكبير والصغير؟ صرح في المنتهى والذكرى وعن المعتبر ووصايا التذكرة والقواعد بالشمول ، وفي كاشف اللثام أنه قد يظهر من فقه اللغة للثعالبي وعن العين أنه الباذل ، وعن الصحاح وتهذيب اللغة والمحيط انما يقال : لما أجذع ، ولا يبعد القول بعدم شموله في العرف للصغير ، والظاهر قصر الحكم على الأهلي دون الوحشي مع احتماله فتأمل. وأما الثور فالصحيح انه ينزح له الجميع وفاقا لبعضهم ، بل في الذخيرة قيل انه مذهب أكثر الأصحاب ، وهو المنقول عن الصدوق أيضا للاستصحاب وصحيح ابن سنان المتقدم « فان مات فيها ثور أو نحوه نزح الماء كله » ‌وبه يقيد إطلاق الدابة في بعض الأخبار مما ينافي ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٥.

٢١٣

ويمكن إلحاق البقرة به لقوله فيه أو نحوه ، واحتمال إرادة غيرها وإلا لقال البقر يدفعه ـ مع عدم اعتبار مثل ذلك في الأخبار لعدم انحصار التعبير واحتمال النقل بالمعنى ـ انه قد يكون أراد الأعم من البقر وان لم يظهر لدينا ، نعم الظاهر قصر الحكم على الكبير لعدم تناول الصحيح له ، كما ان الظاهر قصر الحكم على الأهلي دون الوحشي مع احتماله لا سيما بعد قوله أو نحوه ، وقال في السرائر ينزح للبقر وحشية أو أهلية مقدار كر ، وعن الشيخين وأتباعهما انه لم يذكروه لكنهم أوجبوا نزح كر للبقرة ، وعن صاحب الصحاح إطلاق البقرة على الثور ، وهو مخالف لما عليه العرف الآن ، وفي الذخيرة ان الشيخين وان لم يذكرا حكم الثور بالخصوص لكنه داخل في عموم كلامهما حيث ذكرا نزح كر للحمار والبقرة وأشباههما ، والأقوى ما ذكرنا لعدم دليل معتبر على ما قالوه لا أقل يكون مما لا نص فيه ، لكن ستسمع فيما يأتي ان المشهور خلافه عند البحث عن الدابة ، وعن القاضي أنه مما ينزح له الجميع أيضا عرق الإبل الجلالة وعرق الجنب من الحرام ، وعن الحلبي أنه ينزح لروث ما لا يؤكل لحمه وبوله عدا بول الرجل والصبي ، وعن البصروي لخروج الكلب والخنزير حيين ، وعن بعضهم الفيل ، ولم نقف في جميع ذلك على دليل بالخصوص ، نعم يمكن إدخال الخنزير في نحوه والفيل في وجه ، نعم في رواية أبي بصير (١) الأمر به لسقوط الكلب ، وكذا في موثقة عمار (٢) ، وهي معارضة بأخبار أخر ستسمعها ان شاء الله.

فان تعذر أو تعسر استيعاب مائها لغلبته وكثرته في نفسه ولو لاتصال ماء آخر به أو لتجدد النبع كما هو ظاهر النص والفتوى على تأمل في البعض تراوح عليها من التفاعل لان كل اثنين يريحان صاحبيهما أربعة فصاعدا لا أقل رجال لا نساء ولا صبيان ولا خناثى ، كل اثنين دفعة لا واحد واحد ولا ثلاثة دفعة يوما اي يوم صيام فيجب أن يكون قبل الفجر بقليل للمقدمة إلى جزء بعد دخول الليل لها للإجماع المنقول عن الغنية مؤيدا بما في المنتهى من أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٨.

٢١٤

لا يعرف فيه مخالفا بين القائلين بالتنجيس ، وفي حاشية المدارك بل والقائلون بالطهارة حاكمون به وخبر عمار (١) وفيه انه سئل الصادق عليه‌السلام « عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال عليه‌السلام : ينزف كلها فان غلب عليه الماء فلينزف يوما الى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين فينزفون يوما الى الليل وقد طهرت » ‌وقوله عليه‌السلام ( ثم ) إما ان تقرأ بفتح الثاء أو يقدر قال بعدها ، بل عن بعض النسخ وجودها بعدها ، أو هي للترتيب الذكري ، أو ان المعنى كما في كشف اللثام فان غلب الماء حتى يعسر نزح الكل فلينزف الى الليل حتى ينزف ثم ان غلب حتى لا ينزف وان نزح الى الليل أقيم عليها قوم يتراوحون ، وهو كما ترى ، وقد يقوى في الظن انها من زيادات عمار كما يشهد له تتبع رواياته وما قيل في حقه ، وما يشاهد من أحوال بعض الناس من اعتياد الإتيان ببعض الألفاظ في غير محلها لعدم القدرة على إبراز الكلام متصلا ، وعلى كل حال فلا ينبغي التوقف فيها من هذه الجهة كما أنه لا وجه له فيها من عدم القائل بوجوب نزح الجميع لما في الرواية ، على انه خاص لا ينبغي التعدي عنه الى غير المذكور إذ ذلك غير مخرج لها عن الحجية ، وخصوص المورد لا يخصص الوارد ، وحملها الشيخ على إرادة التغيير بالمذكورات ، ويتعدى حينئذ منه الى غيره بطريق أولى أو لعدم القول بالفصل ، وكذا لا معنى للمناقشة فيها من جهة السند إذ ذلك بعد تسليمه غير قادح هنا بعد الانجبار بما عرفت من محكي الإجماع الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب في المقام ، مضافا الى ما عن الشيخ من دعوى الإجماع على العمل في روايات عمار ، وبعد تأييده أيضا بما رواه في كاشف اللثام (٢) مرسلا عن الرضا عليه‌السلام « فان تغير الماء وجب أن ينزح الماء فان كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري أربعة رجال يستقون منها على الترواح من الغدوة إلى الليل » ‌بل قال فيه ان الخبرين وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٤.

٢١٥

ضعفا سندا إلا انه لم يعرف من الأصحاب خلافا في العمل بهما ، وربما يستفاد من هذه الرواية أن المراد باليوم يوم الأجير لقوله عليه‌السلام يكتري ، والذي صرح به ابن إدريس انما هو يوم الصوم ، قال : « ولا ينافي ذلك ما في بعض كتب أصحابنا من الغدوة إلى العشية لأن أول الغدوة أول النهار بلا خلاف بين أهل اللغة العربية » وكأنه أراد ببعض أصحابنا الصدوق والسيد على ما نقل عنهم لقولهم من الغدوة إلى الليل أو الشيخ وابن حمزة على ما نقل عنهما لقولهما من الغدوة إلى العشية أو العشاء ، ولعله الظاهر لقوله فيما نقله إلى العشية ، وعن الإصباح انه من الغدوة إلى الرواح ، والمنقول عن اللغويين ان الغدوة ما بين صلاة الغدوة إلى طلوع الشمس ، ولعله ينافي ما ذكره وان تبعه عليه كثير من المتأخرين ، بل في المنتهى « ولو تعذر نزح الجميع تراوح أربعة رجال مثنى من طلوع الفجر الى الغروب ، ولم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس » انتهى ، لكن قد يريد نفي الخلاف عن أصل الحكم لانه بصدد بيانه ، وفي الذكرى ان الظاهر انهم أرادوا يوم الصوم فليكن من طلوع الفجر الى غروب الشمس لانه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل ، ولا يبعد اتباعهم في ذلك لاستصحاب النجاسة ، ولا جابر للرواية في المقام ، ويظهر من بعض المتأخرين أنه لا مناقشة في الآخر ، والظاهر كذلك ، وان وقع في بعض عبارات بعض من تقدم العشية والعشاء والرواح فلعل المراد بها ما في الروايات من التحديد بالليل ، ويؤيد ذلك نقل جماعة الإجماع على العمل بمضمون رواية عمار ، وقد قال فيها الى الليل ، والظاهر البناء فيه على التحقيق لا على المسامحة العرفية فيجب حينئذ إدخال الجزئين من الليل للمقدمة ، وتهيئة الآلات خارجة نعم قد يقال أنه لا يقدح مثل إرسال الدلو وانتظاره لأن يمتلئ بعد طلوع الفجر لانه يعد مثل ذلك اشتغالا في النزف فتأمل. وهل يكفي التقدير بالنسبة للزمان والعدد أو أحدهما أو لا يكتفى فيجب الاقتصار على اليوم دون الليل والملفق منهما‌

٢١٦

والأربعة فصاعدا دون ما عداهما وتراوح الاثنين فالاثنين دون الثلاثة فالثلاثة والواحد فالواحد وان يكونوا رجالا فلا يجزي الصبيان ولا النساء ولا الخناثى ، والتحقيق أخذ كل ما يحتمل فيه أن له دخلا في التطهير من زيادة القوة وعدم البطؤ ونحو ذلك دون الباقي للعلم أنه ليس المدار على التعبد المحض ، وبذلك ينقطع استصحاب النجاسة فحينئذ يكتفي بالنساء والصبيان إذا كانا مثل الرجال في المقدار والكيفية ، بل ويكتفى في الاثنين إذا قاما مقام الأربعة في المخرج والإخراج في جميع اليوم ، بل والواحد ، بل يكتفى بالدواب إذا كانت كذلك ، ويكتفى بالليل والملفق على تقدير الاجتزاء بمقدار اليوم من الليل ، فهل يؤخذ الأطول من الأيام أو الأقصر أو الوسط؟ وجوه ، ويحتمل قويا أخذ يوم الليل فتأمل. ولا يكتفى بما يخرجه الواحد أو الاثنان في نصف النهار مثلا مقدار ما يخرجه الأربعة في جميع النهار لسعة الدلو وزيادة القوة لاحتمال أن يكون في هذه الكيفية في التطهير مدخلية ، ويظهر من المنتهى الاجتزاء بالصبيان والنساء مع الاقتصار على مدلول الرواية لصدق القوم عليهم. وفيه نظر لان الظاهر ان القوم خاص بالذكور كما عن الصحاح أن القوم الرجال دون النساء ، وعن ابن الأثير أن القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال دون النساء ولذا قابلهن به يعني في قوله تعالى ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ ) (١) وعن صاحب الكشاف القوم الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء ، وفي قول زهير : « أقوم آل حصن أم نساء » وينبغي القطع بالاجتزاء بما فوق الأربعة إذا لم يحصل بطؤ بسبب ذلك مع احتماله وان حصل لمصداق القوم عليهم ، وما في الخبر المتقدم ( يكتري أربعة رجال ) بيان للأقل وليس المقصود منه الحصر ، وينبغي القطع بالاجتزاء إذا تراوحوا ثلاثة فثلاثة إذا لم يحصل بذلك خلل من جهة البطؤ ، والظاهر في كيفية التراوح أن الاثنين يتجاذبان الدلو ويرميانه الى أن يتعبا فيقوم الآخران‌

__________________

(١) سورة الحجرات ـ آية ١١.

٢١٧

كما صرح بذلك ابن إدريس في السرائر لكن عن الشهيد الثاني أن كيفيته أن يكون أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو والآخر فيها يمليه ، ولم نعثر له على مأخذ والأحوط اختيار ما ينزح به من الماء أكثر للاستصحاب ، ولو تراوح عليها ثمانية فصاعدا على أن يكون كل اثنين في جانب فهل يكتفى بنصف النهار لقيامهم مقام الأربعة جميع النهار؟ وجهان مبنيان على احتمال المدخلية في التطهير والاستصحاب لحكم النجاسة ، وان لم يمكن تراوح الاثنين عليها دفعة لضيق المسلك ونحو ذلك فهل يجتزى بالواحد فالواحد أو تكون غير قابلة للتطهير؟ والأقوى أنه إن كان الواحد فالواحد يقوم مقام الاثنين فالظاهر الطهارة وإلا فلا ، مع احتمال أخذ مقدار يوم أيضا من الليل وتطهر بذلك ، وهل يعتبر في التراوح أن يكون التوزيع على السهولة فلا يقدح التفاوت أو لا بد من كونه على السوية؟ لا يبعد الثاني لأنه الظاهر من اكتراء الأربعة ، بل ربما يدعى ظهوره من قوله عليه‌السلام يتراوحون ، ويحتمل الأول لكن بشرط أن لا يكون التفاوت مورثا لقلة النزح من جهة فتور أهل النوبة لزيادة زمانهم ، وهل يعتبر تكرار التراوح مكررا أو يكفي ولو بقسمة النهار نصفين؟ لعل الظاهر ان المدار على عدم حصول التعب المورث للتهاون في النزح ، وذكر بعضهم انه يستثنى لهم الصلاة جماعة وإلا كل مجتمعين ، وربما تأمل في الثاني لإمكان حصوله عند التراوح بخلاف الأول ، وللنظر فيهما مجال لان استحباب الجماعة لا يقضي بجوازه هنا بعد ظهور الدليل في استيعاب اليوم وإلا لجازت النوافل والأذكار ونحو ذلك من المستحبات التي قبل الصلاة وبعدها وفيها ، وإن كان المدار على أن ذلك غير قادح في اليوم عرفا ففيه أن ذلك من المسامحات العرفية ، واغتفاره في يوم الأجير لا يقضي باغتفاره هنا ، على أن ظاهرهم سابقا انه ليس كيوم الأجير ، ولذلك كان المبدأ من أول الفجر والمنتهى الليل فحينئذ يصلي كل منهم في نوبة راحته ، والظاهر انه يستثنى لهم قضاء حوائجهم من الغائط بحيث لا يزيد على مقدار الضرورة بشرط استقامة المزاج ، ولو حدث لهم تعطيل في الأثناء من انقطاع حبل أو شق دلو‌

٢١٨

بحيث يحتاج إلى الإصلاح فإن كان زمانا يسيرا يقطع بعدم التعطيل فيه من جهة التطهير لم يقدح وإلا قدح ، ولا يثمر أخذ شي‌ء من الليل عوضه لفوات الموالاة المحتمل دخولها في التطهير ، ولو تغير حال البئر في أثناء التراوح بعدم الغلبة للماء احتمل الاكتفاء بإتمام التراوح وأن لم يحصل به الاستيعاب ، وإيجاب نزح الجميع لاستصحاب النجاسة ، ولعله الأقوى ، ولو انعكس الأمر في أثناء التراوح لنزح الجميع اكتفي بإتمامه يوما إن كان جامعا للشرائط لعدم مدخلية النية في ذلك ، فاحتمال تجديد غيره حينئذ بعيد فتأمل ، وكلام الأصحاب في المقام في غاية الاضطراب ، والفروع في المقام لا تتناهى ، وكان ذلك كله قرينة الاستحباب فلنقتصر على هذا المقدار.

ونزح كر كل على مذهبه فيه ان مات فيها دابة أو حمار أو بقرة كما في القواعد واللمعة وعن مصباح السيد والنهاية ، وزيادة ما أشبهها عن الوسيلة والإصباح ، وعن المهذب للخيل والبغال والحمير وما أشبهها في الجسم ، وعن الكافي ونحوه وعن الجامع للخيل والبغال والحمير والبقر ، وعن الغنية للخيل وشبهها ، وحكى الإجماع عليه ، ولعل المراد بما أشبهها الوحشي والبقرة والبغال والحمير ، وفي السرائر الخيل والبغال والحمير أهلية كانت أو غير أهلية والبقرة وحشية كانت أو غير وحشية أو ما ماثلها في مقدار الجسم ، وعن النافع الحمار والبغل والفرس ، ونسبة البقرة إلى الثلاثة ، وعن الصدوق الاقتصار على الحمار ، وفي الذكرى الحمار والبغل والفرس والبقرة وشبهها ، والأقوى الاقتصار على الخيل والبغال والحمير ، ولا يبعد حمل الدابة في عبارة المصنف ونحوه على الخيل للقطع بعدم إرادة كل ما يدب على الأرض لكونه معنى مهجورا ، على ان عطفه الحمار والبقرة عليه ينافيه ، ولا ذات القوائم الأربع ولا المركوب ، فيتعين حملها على الخيل للإجماع المتقدم عن الغنية وقول الباقر عليه‌السلام (١) في خبر عمرو بن سعيد بن هلال حين بلغ في السؤال إلى الحمار والجمل : « فقال : كر من ماء » ‌وعن المعتبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٥.

٢١٩

وموضع من التهذيب زيادة البغل ، وهو الحجة فيه لعدم التنافي بينهما ، وفي المنتهى أن أصحابنا عملوا فيها بالحمار ، ولذلك قال في الذكرى : الثالث كر للحمار والبغل في الأظهر عن الباقر عليه‌السلام وليس في بعض الروايات البغل ، وعدم عمل الأصحاب بما تضمنته بالنسبة للجمل لا يخرجها عن الحجية كما توهمه في المدارك ، وقصور السند منجبر بالشهرة ، وفي الذكرى جعل المستند في الفرس والبقرة الشهرة ، وهو مبني على أصل لا نقول به ، ولذا حكي عن المعتبر إدخال الفرس والبقر فيما لا نص فيه ، ولا ينافيه كما في كاشف اللثام صحيح الفضلاء (١) عن الصادقين عليهما‌السلام « في البئر تقع فيها الدابة والفارة والكلب والطير فيموت قال : يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضأ » ‌ونحوه خبر البقباق (٢) عن الصادق عليه‌السلام لإجمال الدلاء ، فلا يتيقن الطهارة إلا بنزح الكل ، ولا قرينة في الاقتران بما اقترن بها على شي‌ء ، ولا جهة لأن يقال الأصل عدم الزيادة على أقل ما يدخل في الدلاء ، وهو عشرة أو أحد عشر أو ثلاثة ، فإن الأصل بقاء النجاسة إلا على القول بالتعبد انتهى. وفيه انهما ظاهران في المنافاة له لإطلاق لفظ الدلاء فيهما الصادق في الأقل بناء على عدم الفرق بين جمع القلة والكثرة وهو الأصح ، وإلا كان التقدير بمضمونه ، فدعوى الاجمال لا معنى لها ، كما أنه لا معنى للتمسك بالأصل بعد مجي‌ء الإطلاق ، فإن قلت : نحن نقطع بعدم إرادة الإطلاق من حيث هو للإجماع على عدم الاكتفاء به لشي‌ء مما سئل عنه ، بل المراد به مقدار مخصوص ، لكن لما كان المقدار المخصوص مختلفا بالنسبة للمسوؤل عنه جاء بالقدر الجامع بين الجميع وهو نزح دلاء ، وترك البيان إما لانه بينه ولم ينقل إلينا أو انه كانوا عالمين به أو لم يكن وقت حاجة أو نحو ذلك. قلت : الكلام في دلالة الرواية في حد ذاتها من غير نظر الى كلام الأصحاب ، ولا ريب في دلالتها ، وأيضا هي وان كانت مجملة بالنسبة إلى المقدار لكنها تفيد انها لا ينزح لما سئل عنه الجميع وإلا لم يقل دلاء.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الماء المطلق ـ حديث ـ ٦.

٢٢٠