الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٢

بل إن بعض النصوص التاريخية تفيد أن المهدي أيضا كان لا يريد أن يجيز بيعة علي عليه‌السلام (١).

الامام علي في ميزان الاعتبار :

وإذا ما عرفنا أن اظهار المأمون حبه لعلي بن أبي طالب ، وولده ، ليس إلا لظروف سياسية معينة كما سيأتي توضيحه .. فاننا سوف نرى أنفسنا مقتنعين بأن تأرجح الامام علي عليه‌السلام في ميزان الاعتبار في تلك الفترة والتي بعدها عند العباسيين ، لم يكن إلا أمرا ظاهريا أملته الظروف السياسية ، والاجتهادات المختلفة في أساليب مواجهة العلويين .. ولهذا نرى ارتباكهم في ذلك ظاهرا للعيان من وقت لآخر ، ومن فترة لأخرى .. وهكذا .. نجد أن الإمام عليا لم يكن معتبرا عند المأمون ،

__________________

(١) فقد ذكر ابن الأثير في الكامل ج ٥ ص ٧٢ ، والطبري في تاريخه حوادث سنة ١٦٩ ه‍. : أن المهدي عند ما رأى في وصية القاسم بن مجاشع التميمي المروزي عبارة : « .. ويشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله ، ووارث الامامة من بعده .. الخ » .. رماها من يده ، ولم ينظر في باقيها ..

كما أنه عند ما ذهب لعيادة أبي عون ، الذي كان من كبار رجال الدعوة ، والذي أرسله أبو مسلم في ثلاثين ألفا في طلب مروان بن محمد ، وكان هو الذي أنهى أمره في مصر على ما في الامامة والسياسة ج ٢ ص ١١٦ ، ١١٩ ، ١٢٠. ـ عند ما ذهب المهدي لعيادته ـ ، وطلب منه أبو عون أن يرضى عن ولده ، الذي كان يرى رأي الشيعة في الخلافة ، أجاب : أنه على غير الطريق ، وعلى خلاف رأينا. فقال له أبو عون : هو والله يا أمير المؤمنين ، على الأمر الذي خرجنا عليه ، ودعونا إليه ؛ فان كان قد بدا لكم ، فمرونا ، حتى نطيعكم .. راجع الامام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الأول ، جزء ٢ ص ٥٦٩ ، وقاموس الرجال ج ٥ ص ٣٧٣ ، والطبري ، وغير ذلك ..

٨١

غير معتبر عند المنصور والرشيد ، بل هو غير معتبر عندهم جميعا. ولسنا هنا في صدد تحقيق هذا الأمر ، ولكن قد تكفي الاشارة في كثير من الأحيان.

استغلال لقب المهدي :

هذا .. ونلاحظ : أن المنصور أيضا قد حاول أن يقارع العلويين بالحجة ، ولكن بنحو آخر ، وأسلوب آخر ..

فانه عند ما رأى أن الناس قد قبلوا على نطاق واسع ( ما عدا الإمام الصادق عليه‌السلام ) بأن محمد بن عبد الله العلوي هو المهدي .. حاول أن يموه هو بدوره على النّاس ، فلقب ولده ، والخليفة بعده بـ « المهدي » ، من أجل أن يصرف الناس عن محمد بن عبد الله هذا ..

فقد أرسل مولى له إلى مجلس محمد بن عبد الله ، وقال له : « اجلس عند المنبر ، فاسمع ما يقول محمد » ، قال : فسمعته يقول : « إنكم لا تشكون أني أنا المهدي ، وأنا هو » فأخبرت بذلك أبا جعفر ، فقال : « كذب عدو الله ، بل هو ابني (١) » ..

ثم .. ومن أجل اقناع الناس بهذا الأمر ، وجد المنصور من يضع له الاحاديث ، ويكذب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطبق واضعوها « مهدي الامة » على ولده الخليفة « المهدي » (٢). ويقول القاضي النعمان الاسماعيلي في أرجوزته :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٢٤٠ ، والمهدية في الاسلام ص ١١٧.

(٢) تجد بعض هذه الأحاديث في : الصواعق المحرقة ٩٨ ، ٩٩ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٧٢ ، والبداية والنهاية ج ٦ ص ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، وغير ذلك.

٨٢

من انتظاره وقد تسمى

بهذه الاسماء ناس لما

تغلبوا ليجعلوها حجة

فعدلوا عن واضح المحجة

إذ مثلوا الجوهر بالاشباه

منهم محمد بن عبد الله

ابن علي من بني العباس

ذوي التعدي الزمرة الارجاس

إذ وافق الاسم تسمّى مهدي

وهذه من الدواهي عندي (١)

وقد أقر أحمد أمين المصري بكذب هذه الاحاديث ، ووضعها (٢) ، كما أقر غيره بذلك ..

بل إن المنصور نفسه ـ الذي كان قد اعترف بمهدوية محمد بن عبد الله العلوي ، وتبجح ، وافتخر بها (٣) ـ قد كذب نفسه في ذلك ، وكذبها في مهدوية ولده أيضا ..

يقول مسلم بن قتيبة : « أرسل إلى أبو جعفر ، فدخلت عليه ، فقال : قد خرج محمد بن عبد الله ، وتسمى بالمهدي ، وو الله ، ما هو به ، وأخرى أقولها لك ، لم أقلها لأحد قبلك ، ولا أقولها لأحد بعدك .. وابني والله ، ما هو بالمهدي ، الذي جاءت به الرواية. ولكني تيمنت به ، وتفاءلت به (٤) .. ». والخليفة المهدي نفسه يقر بأن أباه فقط يروي أنه المهدي الذي بعده في الناس (٥).

وأما اتخاذهم الزندقة ذريعة للقضاء على خصومهم ، سواء من العلويين ، أو من غيرهم .. فسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى ..

__________________

(١) الارجوزة المختارة ص ٣١.

(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٤٠.

(٣) مقاتل الطالبيين ص ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، والمهدية في الاسلام ص ١١٦ ، وجعفر بن محمد لعبد العزيز سيد الأهل ص ١١٦.

(٤) مقاتل الطالبيين ص ٢٤٧ ، والمهدية في الاسلام ص ١١٧.

(٥) الوزراء والكتاب ص ١٢٧.

٨٣

وكل ذلك لم يكفهم :

ولكن العباسيين قد وجدوا أن ذلك كله لم يكن ينطلي على أحد. وأن الامور ـ مع ذلك ـ تسير في غير صالحهم ؛ ولهذا فان من الافضل والأجدى لهم أن لا يفسحوا المجال للعلويين للمنطق والحجاج ؛ فان ذلك من شأنه أن يظهر كل ما كان يتمتع به العلويون من خصائص ومميزات عليهم. هذا إن لم ينته الأمر بفضيحة ساحقة للعباسيين ، وكشف حقيقتهم وواقعهم أمام الملأ ، الأمر الذي كان يزعجهم ، ويقض مضاجعهم إلى حد كبير ..

وإذن .. فإن من الحكمة أن يتبعوا أساليب أخرى من أجل القضاء على العلويين ..

ولم تكفهم مراقبتهم لهم ، حتى لم يكونوا يغفلون عنهم طرفة عين أبدا ، من أجل التعرف على أحوالهم ، وإحصاء كل حركاتهم ، ابتداء من السفاح ، ثم اتبعه الخلفاء على ذلك من بعده ..

كما لم يكفهم .. التهديد والوعيد الذي كانوا يواجهونهم به ؛ بهدف إضعاف شخصياتهم ، وتحطيم معنوياتهم ..

كما لم يكفهم مصادرة أموالهم ، وهدم بيوتهم ، ومنعهم من السعي من أجل الحصول على لقمة العيش ، حتى لقد بلغ البؤس بهم أن : العلويات كن يتداولن الثوب الواحد من أجل الصلاة (١).

وكذلك لم يكفهم .. عزلهم عن الناس ، ومنع كل أحد من الوصول إليهم ، تمهيدا لتشويه سمعتهم بما أمكنهم من أساليب الكذب والافتراء ،

__________________

(١) كان ذلك في زمن المتوكل ، راجع : بند تاريخ ج ١ ص ٧٢ ، ومقاتل الطالبيين ص ٥٩٩.

٨٤

وإن كانت سيرتهم الحميدة ، وخصوصا أهل البيت منهم ، كانت تدفع كل شائعة ، وسلوكهم المثالي يدحض كل افتراء ..

وأما الاضطهاد والتشريد ، وزج العشرات والمئات منهم في السجون الرهيبة ، التي كان من يدخل إليها لا يأمل بالخروج منها ؛ حيث إن دخول السجن إنما كان يعني في الحقيقة دخول القبر .. وأما دسهم السم لكل شخصية لا يستطيعون الاعتداء عليها جهارا ـ أما ذلك ـ فلم يكن ليكفيهم أيضا ، ولا ليقنعهم قطعا .. حيث انهم إنما كانوا متعطشين إلى الولوغ في دمائهم ، ومشتاقين إلى التفنن في تعذيبهم ، واختراع أساليب جديدة في ذلك ؛ فسمروا بالحيطان من سمروا ، وأماتوا جوعا من أماتوا ، ووضعوا في الاسطوانات منهم من وضعوا .. إلى غير ذلك مما يظهر لكل من له أدنى اطلاع على تاريخهم ، وتاريخ سلوكهم مع أبناء عمهم العلويين ..

وأما قتلهم لهم جماعات ، فأشهر من أن يحتاج إلى بيان .. وقضية المنصور مع بني حسن لا يكاد يخلو منها كتاب تاريخي .. وكذلك قضية الستين علويا ، الذين قتلوا بأمر من الخليفة « المنصور » باستثناء غلام منهم ، لا نبات بعارضيه (١).

__________________

(١) هذا ما نقله في شرح شافية أبي فراس ص ١٧٤ عن الدر النظيم ، عن أحمد بن حنبل ، الذي رأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة ، يضرع إلى الله بالمغفرة ، وأقر له بأنه بنى على هؤلاء ما عدا الغلام المذكور بأمر من المنصور .. وفي عيون أخبار الرضا ج ١ ص ١٠٨ ، فما بعدها ، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٧٦ ، ١٧٧ ، والبحار ج ٤٨ ص ١٧٦ فما بعدها .. قصة شبيهة بهذه ينقلها عن حميد بن قحطبة الذي كان يفطر في شهر رمضان ، ليأسه من مغفرة الله ، لأنه قتل ستين علويا في ليلة واحدة بأمر من الرشيد .. ولكن الظاهر أن ذكر الرشيد اشتباه من الراوي ، ولعله عمدي ؛ لأن حميدا قد مات سنة ١٥٨ ، على ما صرح به في البحار ج ٤٨ ص ٣٢٢ ، وخلافة هارون الرشيد إنما بدأت سنة ١٧٠ ، ولعل القصة الحقيقية هي ما عن أحمد بن حنبل ، وانما حرفها المحرفون لحاجة في نفس يعقوب ، لا تخفى على المتتبع الخبير ، والناقد البصير.

٨٥

موقف كل خليفة منهم على حدة :

وإننا من أجل أن نلم بموقف كل خليفة منهم على حدة من أبناء عمهم العلويين ، نقول :

أما السفاح :

فقد قال عنه أحمد أمين : « .. وكانت حياته حياة سفك للدماء ، وقضاء على المعارضين (١) .. ».

وقال عنه الجنرال جلوب : « .. وكان السفاح والمنصور قد نشئا نشأة المتآمرين ، ولذا وطدا ملكهما ـ بعد نجاح الثورة ـ بكثير من سفك الدماء ، ولا سيما من دماء أولاد أعمامهم ، من بني أمية ، وبني علي بن أبي طالب (٢) .. ».

ويقول الخوارزمي عن السفاح : « .. وسلط عليهم ( يعني على العلويين ) أبا مجرم ، لا أبا مسلم ، يقتلهم تحت كل حجر ومدر ، ويطلبهم في كل سهل ، وجبل (٣) .. ».

ومن ذلك يعلم أن اظهاره اللين تجاههم أمام الناس ما كان إلا من أجل تثبيت دعائم حكمه ، وتحكيم قواعد سلطانه ، لكنه لم يغفل لحظة واحدة عن مراقبتهم ، والتجسس على أحوالهم ، بل وقتلهم ، إذا ما سنحت الفرصة له لذلك ، كما قدمنا ..

__________________

(١) ضحى الاسلام ج ١ ص ١٠٥.

(٢) امبراطورية العرب ص ٤٩٩.

(٣) رسائل الخوارزمي ص ١٣٠ ، وضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، وسيأتي شطر من هذه الرسالة .. راجع ما علقناه على هذه الفقرة في فصل : قيام الدولة العباسية.

٨٦

وأما المنصور :

الذي لم يتورع عن قتل ابن أخيه السفاح (١) ، وعمه عبد الله بن علي .. وأبي مسلم ، مؤسس دولته .. والذي سافر سنة ١٤٨ ه‍. إلى الحج ، وعزم على القبض على الامام الصادق (ع) ، وإن كان لم يتم له ذلك (٢) .. والذي سمى نفسه المنصور بعد انتصاره على العلويين (٣).

أما المنصور هذا .. فهو أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين (٤).

وقد اعترف عند ما عزم على قتل الإمام الصادق عليه‌السلام ، بعدد ضخم من ضحاياه من العلويين ، حيث قال :

« .. قتلت من ذرية فاطمة ألفا ، أو يزيدون ، وتركت سيدهم ، ومولاهم ، وإمامهم ، جعفر بن محمد .. » (٥).

ولقد كان هذا القول منه في حياة الإمام الصادق عليه‌السلام ، أي في صدر خلافة المنصور .. فكيف بمن قتلهم بعد ذلك!!

وقد ترك خزانة رءوس ميراثا لولده المهدي ، كلها من العلويين ، وقد علق بكل رأس ورقة كتب فيها ما يستدل به على صاحبه ، ومن بينها رءوس شيوخ ، وشبان ، وأطفال (٦).

__________________

(١) تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني جزء ٤ ص ٤٩٤ ، نقلا عن : نفح الطيب ج ٢ ص ٧١٥.

(٢) النجوم الزاهرة ج ٢ ص ٦

(٣) التنبيه والاشراف ص ٢٩٥ ، وطبيعة الدعوة العباسية ص ١١٩.

(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٦١ ، ومروج الذهب ج ٤ ص ٢٢٢. وشرح ميمية أبي فراس ص ١١٧ ، ومشاكلة الناس لزمانهم لليعقوبي ص ٢٢ ، ٢٣.

(٥) شرح ميمية أبي فراس ص ١٥٩ ، والأدب في ظل التشيع ص ٦٨.

(٦) تاريخ الطبري ج ١٠ ص ٤٤٦ ، والنزاع والتخاصم للمقريزي ص ٥٢ ، وغير ذلك.

٨٧

وهو الذي يقول لعمه عبد الصمد بن علي ، عند ما لامه على أنه يعاجل بالعقوبة ، حتى كأنه لم يسمع بالعفو ـ يقول له ـ : « إن بني مروان لم تبل رممهم ، وآل أبي طالب لم تغمد سيوفهم ـ ونحن بين قوم رأونا بالأمس سوقة ، واليوم خلفاء ، فليس تتمهد هيبتنا الا بنسيان العفو ، واستعمال العقوبة (١) .. ».

وهو الذي يقول للامام الصادق عليه‌السلام : « لأقتلنك ، ولا قتلن أهلك ، حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط (٢) .. ».

وعند ما قال المنصور للمسيب بن زهرة : إنه رأى أن الحجاج أنصح لبني مروان .. أجابه المسيب : « يا أمير المؤمنين ، ما سبقنا الحجاج إلى أمر ، فتخلفنا عنه ، والله ، ما خلق الله على جديد الأرض خلقا أعز علينا من نبينا (ص) ، وقد أمرتنا بقتل أولاده ، فأطعناك ، وفعلنا ، فهل نصحناك؟! » (٣).

وهو أول من سن هدم قبر الحسين عليه‌السلام في كربلاء (٤) ..

وهو الذي كان يضع العلويين في الاسطوانات ، ويسمرهم في الحيطان ـ كما نص عليه اليعقوبي ، وغيره ـ ويتركهم يموتون في المطبق جوعا ، وتقتلهم الروائح الكريهة ، حيث لم يكن لهم مكان يخرجون إليه لازالة الضرورة. وكان يموت أحدهم ، فيترك معهم ، حتى يبلى من غير دفن ، ثم يهدم المطبق على من تبقى منهم حيا ، وهم في أغلالهم ـ كما فعل ببني حسن ، كما هو معروف ومشهور.

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٦٧ ، وامبراطورية العرب ص ٤٩١ ، والامام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الأول جزء ٢ ص ٥٣٤.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ج ٣ ص ٣٥٧ ، والبحار ج ٤٧ ص ١٧٨.

(٣) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٢٤.

(٤) تاريخ كربلاء ، لعبد الجواد الكليدار آل طعمه ص ١٩٣.

٨٨

ولقد قال أحد العلويين ، وهو أبو القاسم الرسي بن ابراهيم بن طباطبا ، اسماعيل الديباج ، عند ما هرب من المنصور إلى السند :

لم يروه ما أراق البغي من دمنا

في كل أرض فلم يقصر من الطلب

وليس يشفي غليلا في حشاه سوى

أن لا يرى فوقها ابن لبنت نبي (١)

وعلى كل : فإن معاملة المنصور لأولاد علي ، تعتبر من أسوأ صفحات التاريخ العباسي (٢) ..

وستأتي عبارة الخضري عنه عن قريب ..

وأما المهدي :

الذي حبس وزيره يعقوب بن داود ، وبنى على المطبق الذي هو فيه قبة ، وبقي فيه حتى عمي ، وطال شعر بدنه ، حتى صار كالأنعام ـ حبسه ـ لاتهامه إياه بأنه يمالىء الطالبيين ، كما قدمنا ..

المهدي الذي عرفنا فيما تقدم موقفه من أبي عون ، وولده ، الذي كان يذهب مذهب الشيعة في الخلافة .. وكذلك موقفه من وصية القاسم ابن مجاشع ..

أما المهدي هذا فقد اتخذ الزندقة ذريعة للقضاء على كل مناوئيه ، وخصوصا العلويين ، والمتشيعين لهم :

قال الدكتور أحمد شلبي : « إن الرمي بالزندقة اتخذ وسيلة للإيقاع بالأبرياء في كثير من الأحايين .. » (٣).

__________________

(١) النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٥١.

(٢) مختصر تاريخ العرب ، للسيد أمير علي ص ١٨٤.

(٣) التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ج ٣ ص ٢٠٠.

٨٩

وقال الدكتور أحمد أمين المصري : « الحق أن بعض الناس اتخذوا الزندقة ذريعة للانتقام من خصومهم. سواء في ذلك : الشعراء ، والعلماء ، والأمراء ، والخلفاء » (١).

وقد ألف له ـ أي للمهدي ـ ابن المفضل كتابا في الفرق ، اخترع فيه فرقا من عند نفسه ، ونسبها لأولئك الذين يريد المهدي أن يتتبعهم ، ويقضي عليهم. مع أنهم لم يكونوا أصحاب فرق أصلا .. كزرارة ، وعمار الساباطي ، وابن أبي يعفور ، وأمثالهم ؛ فاخترع فرقة سماها « الزرارية » ، نسبة لزرارة. وفرقة سماها « العمارية » نسبة لعمار ، وفرقة سماها « اليعفورية » ، وأخرى سماها « الجواليقية » ، وأصحاب سليمان الأقطع .. وهكذا .. إلا أنه لم يذكر « الهشامية » نسبة لهشام بن الحكم (٢) ..

__________________

(١) ضحى الاسلام ج ١ ص ١٥٧ .. هذا ..

وقد اتهم شريك بن عبد الله القاضي بالزندقة ، لأنه لم يكن يرى الصلاة خلف الخليفة المهدي ؛ فراجع : البداية والنهاية ج ١٠ ص ١٥٣ ، وحياة الامام موسى بن جعفر ج ٢ ص ١٣٧ ، والامام الصادق والمذاهب الأربعة المجلد الثاني جزء ٣ ص ٢٣٢.

وأيضا .. فقد أراد هارون أن يقتل عمه ، الذي قال : كيف لقي آدم موسى؟ عند ما ذكرت رواية مفادها ذلك .. وذلك بتهمة الزندقة. راجع : تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٧ ، ٨ والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢١٥ ، وحياة الامام موسى بن جعفر ج ٢ ص ١٣٨ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٨٥ ، والبصائر والذخائر ص ٨١ .. وهذا يعني أن لفظ الزنديق قد اطلق على كل من يناقش في أحاديث الصحابة ، وعلى كل من يعارض نظام الحكم ، والحكام وأهواءهم ، واطلق أيضا على كل ماجن خليع كما يبدو لمن راجع رواية شريك القاضي في مظانها وغيرها ..

ولا بأس بمراجعة عبارة هامة لأحمد أمين تتعلق بهذا الموضوع في كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الثاني جزء ٣ ص ٢٣٢.

(٢) رجال المامقاني ج ٣ ص ٢٩٦ ، وقاموس الرجال ج ٩ ص ٣٢٤ ، والبحار ج ٤٨ ص ١٩٥ ، ١٩٦ ، ورجال الكشي ص ٢٧ طبع كربلاء .. وأشار إلى ذلك المسعودي أيضا ؛ فراجع : ضحى الإسلام ج ١ ص ١٤١. واليعقوبي في كتابه مشاكلة الناس لزمانهم ص ٢٤.

٩٠

وقال عبد الرحمن بدوي : « إن الاتهام بالزندقة في ذلك العصر ، كان يسير جنبا إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة ، كما لاحظ ذلك الاستاذ ( فيدا ) .. » (١).

يقول أبو حنيفة أو الطغرائي في جملة أبيات له :

ومتى تولى آل أحمد مسلم

قتلوه أو وصموه بالإلحاد (٢)

إلى غير ذلك مما لا يمكننا تتبعه واستقصاؤه في مثل هذه العجالة ..

وأما الهادي :

« فقد أخاف الطالبيين خوفا شديدا ، وألح في طلبهم ، وقطع أرزاقهم واعطياتهم. وكتب إلى الآفاق بطلبهم (٣) .. ».

ولم تكن واقعة فخ المشهورة إلا بسبب الاضطهاد الذي لحق العلويين ، والمعاملة القاسية لهم ، حسبما نص عليه المؤرخون .. والتي بلغ عدد الرءوس فيها مائة ونيفا ، وسبيت فيها النساء والأطفال ، وقتل السبي حتى الاطفال منهم على ما قيل ..

وأما الرشيد :

« الذي حصد شجرة النبوة ، واقتلع غرس الامامة » ، على حد تعبير الخوارزمي ..

__________________

(١) من تاريخ الإلحاد في الاسلام ص ٣٧.

(٢) نسبه إلى الأول في ملحقات احقاق الحق ج ٩ ص ٦٨٨ نقلا عن مفتاح النجا في مناقب آل العبا للعلامة البدخشي ص ١٢ مخطوط وعن قلندر الهندي الحنفي في روض الأزهر ص ٣٥٩ طبع حيدرآباد وهو منسوب للطغرائي أيضا وهو مثبت في احدى قصائده في ديوانه فلعله أخذه على سبيل الاستشهاد على عادة الشعراء في ذلك ..

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١٣٦ ، ١٣٧.

٩١

والذي « لم يكن يخاف الله ، وأفعاله بأعيان آل علي (ع) ، وهم أولاد بنت نبيه ، لغير جرم ، تدل على عدم خوفه من الله تعالى (١) .. ».

والذي كان على حد تعبير أحمد شلي : « يكره الشيعة ويقتلهم (٢) .. »

والذي بلغ من كرهه لهم : أن الشعراء كانوا يتقربون إليه بهجاء آل علي عليه‌السلام ، كما يظهر بأدنى مراجعة للتاريخ ..

أما الرشيد هذا ..

فقد أقسم على استئصالهم ، وكل من يتشيع لهم ، فقال : « .. حتام أصبر على آل بني أبي طالب ، والله لأقتلنهم ، ولأقتلن شيعتهم ، ولأفعلن وأفعلن (٣) .. ».

وعند ما تولى الخلافة أمر بإخراج الطالبيين جميعا من بغداد ، إلى المدينة (٤) ، كرها لهم ومقتا ..

« وكان شديد الوطأة على العلويين يتتبع خطواتهم ، ويقتلهم (٥) .. ».

« .. وأمر عامله على المدينة بأن يضمن العلويون بعضهم بعضا (٦) ».

وكان : « يقتل أولاد فاطمة وشيعتهم (٧) » ..

__________________

(١) الفخري في الآداب السلطانية ص ٢٠.

(٢) التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية ج ٣. ص ٣٥٢.

(٣) الأغاني ، طبع دار الكتب بالقاهرة ج ٥ ص ٢٢٥.

(٤) الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٨٥ ، والطبري ج ١٠ ص ٦٠٦ ، وغير ذلك.

(٥) العقد الفريد ج ١ ص ١٤٢.

(٦) الولاة والقضاة للكندي ص ١٩٨ ، وليراجع : تاريخ كربلاء ، لعبد الجواد الكليدار ص ١٩٦.

(٧) العقد الفريد ، طبع دار الكتاب العربي ج ٢ ص ١٨٠.

٩٢

وكان « مغرى بالمسألة عن آل أبي طالب ، وعمن له ذكر ونباهة منهم (١) ».

وعند ما أرسل الجلودي لحرب محمد بن جعفر بن محمد ، أمره أن يغير على دور آل أبي طالب في المدينة ، ويسلب ما على نسائهم من ثياب ، وحلي ، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا (٢) ..

وعند ما حضرته الوفاة كان يقول : « .. وا سوأتاه من رسول الله (٣) ».

وهدم قبر الحسين ، وحرث أرض كربلاء ، وقطع السدرة التي كان يستظل بها الزائرون لتلك البقعة المباركة ، وذلك على يد عامله على الكوفة ، موسى بن عيسى بن موسى العباسي (٤).

ثم توج موبقاته كلها ، وفظائعه تلك ، بقتل سيد العلويين ، وقائدهم ، الامام موسى بن جعفر ، صلوات الله وسلامه عليه ..

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٤٩٣ ، وبعد ذلك قال : « فسأل يوما الفضل بن يحيى ـ بعد أن عاد من خراسان ـ : هل سمعت ذكرا لأحد منهم؟ قال : لا والله ، ولقد جهدت فما ذكر لي أحد منهم ، إلا أني سمعت رجلا إلخ » ..

(٢) أعيان الشيعة ، طبعة ثالثة ، ج ٤ قسم ٢ ص ١٠٨ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦١ ، والبحار ج ٤٩ ص ١٦٦.

(٣) الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٣٠ ، ويلاحظ هنا : أن الانسان غالبا ما ينكشف على حقيقته حين موته. وقول الرشيد هذا يكشف لنا الرشيد على حقيقته ، ويبين لنا مدى ما فعله الرشيد مع ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

(٤) تاريخ الشيعة ص ٨٩ ، وأمالي الشيخ ، طبع النجف ص ٣٣٠ ، والكنى والالقاب ج ١ ص ٢٧ وشرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٩ ، والمناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ١٩ ، وتاريخ كربلاء ، لعبد الجواد الكليدار ص ١٩٧ ، ١٩٨ ، نقلا عن : نزهة أهل الحرمين ص ١٦ ، والبحار ج ١٠ ص ٢٩٧ ، وتظلم الزهراء ص ٢١٨ ، ومجالي اللطف ص ٣٩ ، وأعيان الشيعة ج ٤ ص ٣٠٤ ، وتسلية المجالس ، لمحمد بن أبي طالب ، وغير ذلك ..

٩٣

ولقد خاطبه العقاد مشيرا إلى نبشه لقبر الحسين عليه‌السلام ، فقال :

« .. وكأنهم خافوا على قبرك أن ينبشه أشياع علي ، رضي‌الله‌عنه ، فدفنوك في قبر الامام العلوي ، لتأمن فيه النبش والمهانة بعد الممات ..

فمن عجب أن يلوذ أبناء علي بملكك الطويل العريض ، فيضيق بهم ، وأن يبحث أتباعك عن ملاذ يحتمي به جثمان صاحب الملك الطويل العريض بعد مماته ، فيجدوه في قبر واحد من أولئك الحائرين اللائذين بأكناف البلدان ، من غير قرار ، ولا اطمينان (١) .. ».

يشير بذلك إلى قبر علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ؛ حيث إن الرشيد مدفون إلى جانبه كأنه يريد أن يقول : إن دفن المأمون للرضا عليه‌السلام إلى جانب أبيه الرشيد كان لأجل الحفاظ على قبر أبيه من النبش.

ولكن من المعلوم : ان العلويين وشيعتهم ما كانوا ليقدموا على امر كهذا ، مهما بلغ بهم الحقد والغضب بسبب اضطهاد الحكام لهم .. ؛ يقول محمد بن حبيب الضبي ، رحمه‌الله مشيرا إلى ذلك :

قبران في طوس الهدى في واحد

والغي في لحد ثراه ضرام

قرب الغوي من الزكي مضاعف

لعذابه ، ولأنفه الارغام

ويقول دعبل رحمه‌الله :

قبران في طوس خير الناس كلهم

وقبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب الرجس من ضرر

ولقد بلغ من ظلم الرشيد للعلويين أن جعل الناس يعتقدون فيه بغض علي عليه‌السلام ، حتى اضطر إلى أن يقف موقف الدفاع عن نفسه ،

__________________

(١) راجع : تاريخ كربلاء ، لعبد الجواد الكليدار ص ١٩٩ ، نقلا عن : مجلة « الهلال » ، عدد اكتوبر سنة ١٩٤٧ م. ص ٢٥ ، من مقال بعنوان : « حديث مع هارون الرشيد » للاستاذ العقاد

٩٤

ويقسم على أنه يحبه ، قال اسحاق الهاشمي : « كنا عند الرشيد ، فقال : بلغني أن العامة يظنون فيّ بغض علي بن أبي طالب. وو الله ، ما أحب أحدا حبي له ، ولكن هؤلاء ( يعني العلويين ) أشد الناس إلخ .. » (١). ثم يلقي التبعة في ذلك عليهم ، ويقول : إنهم إلى بني أمية أميل منهم إلى بني العباس الخ كلامه ..

بل لقد رأيناه يعلن أمام أعاظم العلماء عن توبته مما كان منه من أمر الطالبيين ونسلهم (٢) ..

وذلك أمر طبيعي بعد أن كان يتتبع خطواتهم ويقتلهم « وبعد أن كانت سجون العباسيين ، وخصوصا المنصور والرشيد ، قد امتلأت من العلويين ، وكل من يتشيع لهم » على حد تعبير أحمد أمين (٣) ..

وأخيرا .. فقد بلغ من ظلم الرشيد للعلويين أن توهم البعض أن المأمون إنما بايع للرضا بولاية العهد ؛ من أجل أن يمحو ما كان من أمر الرشيد في آل علي عليه‌السلام ، كما عن البيهقي ، عن الصولي (٤)

وأما المأمون :

فستأتي الاشارة إلى بعض ما فعله في آل علي في تضاعيف الفصول الآتية إن شاء الله تعالى ..

والشعراء أيضا قد قالوا الحقيقة :

وهكذا .. يتضح لنا كيف أن العباسيين قد انقلبوا ـ بدافع من

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٩٣.

(٢) شرح ميمية أبي فراس ص ١٢٧.

(٣) راجع : ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٩٦ ، ٢٩٧.

(٤) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٧ ، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٢ ، وغير ذلك ..

٩٥

خوفهم ـ على العلويين يوسعونهم قتلا ، وعسفا وتشريدا ، وأذاقوهم مختلف أنواع العذاب ، التي لم تكن لتخطر على قلب بشر ؛ بهدف استئصالهم من الوجود ، ومحو آثارهم ؛ ليصفو لهم الجو ، ولا يبقى من يستطيع أن ينازعهم سلطانهم ، الذي يجب أن يكون لهم وحدهم .. أو بالأحرى حتى لا يبقى من من شأنه ذلك .. حتى لقد نسي الناس فعال بني أمية معهم ، عند ما رأوا فعال بني العباس بهم .. وحتى لقد رأينا أحد شعراء ذلك الوقت يقول :

تالله ما فعلت أمية فيهم

معشار ما فعلت بنو العباس (١)

وقال آخر ـ وهو أبو عطاء ، أفلح بن يسار السندي ، المتوفى سنة ١٨٠ ه‍. وهو من مخضرمي الدولتين : الاموية والعباسية : قال في زمن السفاح.

يا ليت جور بني مروان دام لنا

وليت عدل بني العباس في النار (٢)

وقال منصور بن الزبرقان النمري ، المتوفى في خلافة الرشيد :

آل النبي ومن يحبهم

يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم

من أمة التوحيد في أزل (٣)

وقد أنشد الرشيد هذين البيتين بعد موت منصور هذا ، فقال الرشيد ، بعد أن أرسل إليه من يقتله ، فوجده قد مات : « لقد هممت أن انبش

__________________

(١) شرح ميمية أبي فراس ص ١١٩.

(٢) المحاسن والمساوي ص ٢٤٦ ، والشعر والشعراء ص ٤٨٤ ، ونظرية الإمامة ص ٣٨٢ ، والمهدية في الاسلام ص ٥٥ ، وطبيعة الدعوة العباسية ص ٢٧٢.

(٣) الأزل : الضيق والشدة.

٩٦

عظامه فأحرقها (١) » .. بل في رسالة الخوارزمي ، الآتي شطر منها : أن قبره قد نبش بالفعل.

ويقول ابو حنيفة أو الطغرائي على اختلاف النسبة في جملة أبيات له :

ومتى تولى آل أحمد مسلم

قتلوه أو وصموه بالإلحاد

ويقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، يذكر العلويين ، الذين قتلهم المنصور ، ويقال : إن القائل هو غالب الهمداني.

أصبح آل الرسول أحمد في النا

س كذي عرة به جرب

ويقول دعبل بن علي الخزاعي في رثاء الرضا ، وهو شعر معروف ، ومشهور ، وقد أنشده للمأمون نفسه :

وليس حي من الأحياء نعلمه

من ذي يمان ، ولا بكر ، ولا مضر

إلا وهم شركاء في دمائهم

كما تشارك أيسار على جزر

قتلا ، وأسرا ، وتحريقا ، ومنهبة

فعل الغزاة بأهل الروم والخزر

أرى أمية معذورين إن فعلوا

ولا أرى لبني العباس من عذر

أما أبو فراس الحمداني فيقول :

__________________

(١) زهر الآداب ج ٢ ص ٧٠٥ والشعر والشعراء ص ٥٤٧ ، والامام الصادق والمذاهب الاربعة ، المجلد الاول جزء ١ ص ٢٥٤ ، وطبقات الشعراء ص ٢٤٦ ، وفيه في ص ٢٤٤ : أن الرشيد بعد سماعه لمدائح النمري في اهل البيت ، أمر أبا عصمة الشيعي بأن يخرج من ساعته إلى الرقة ؛ ليسل لسان منصور من قفاه ، ويقطع يده ، ورجله ، ثم يضرب عنقه. ويحمل إليه رأسه ، بعد أن يصلب بدنه. فخرج أبو عصمة لذلك. فلما صار بباب الرقة استقبلته جنازة النمري ؛ فرجع إلى الرشيد فأعلمه ؛ فقال له الرشيد « ويلي عليك يا ابن الفاعلة ؛ فألا إذا صادفته ميتا فأحرقته بالنار »!!.

٩٧

ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت

تلك الجرائر إلا دون نيلكم (١)

ويقول علي بن العباس ، الشاعر المعروف بابن الرومي ، مولى المعتصم من قصيدة له :

بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم

لبلواكم عما قليل مفرج

أكلّ أوان للنبي محمد

قتيل زكي بالدماء مضرج

إلى أن قال مخاطبا لنبي العباس :

أفي الحق أن يمسوا خماصا وأنتم

يكاد أخوكم بطنة يتبعج

وتمشون مختالين في حجراتكم

ثقال الخطى اكفالكم تترجرج

وليدهم بادي الطوى ووليدكم

من الريف ريان العظام خدلج

ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم

كلابكم فيها بهيم وديزج

والقصيدة طويلة جدا ، من أرادها فليراجعها ..

نصوص اخرى :

يقول فان فلوتن : « .. ولا غرو ، فإن العلويين لم يلقوا من الاضطهاد مثل ما لقوا في عهد الأولين من خلفاء بني العباس .. » (٢).

ويقول الخضري : « .. فكان نصيب آل علي في خلافة بني هاشم ، أشد وأقسى مما لاقوه في عهد خصومهم من بني أمية ، فقتلوا ، وشردوا كل مشرد ، وخصوصا في زمن المنصور ، والرشيد ، والمتوكل من بني العباس. وكان اتهام شخص في هذه الدولة بالميل إلى واحد من

__________________

(١) سوف نورد قصيدة أبي فراس ، وهي المعروفة بـ « الشافية » وكذلك شطرا من قصيدة دعبل ، في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ص ١٣٣.

٩٨

بني علي كافيا لاتلاف نفسه ، ومصادرة ماله. وقد حصل فعلا لبعض الوزراء ، وغيرهم الخ .. » (١).

ولما دخل ابراهيم بن هرمة ، المعاصر للمنصور المدينة ، أتاه رجل من العلويين ؛ فسلم عليه ؛ فقال له إبراهيم : « تنح عني ، لا تشط بدمي .. » (٢).

بل يظهر من قضية أخرى لابن هرمة أن العباسيين كانوا يعاقبون حتى على حب أهل البيت عليهم‌السلام في زمن الامويين ؛ فإنه ـ أعني ابن هرمة ـ عند ما سئل في عهد المنصور عن قوله في عهد الامويين :

ومهما ألام على حبهم

فإني أحب بني فاطمة

أجاب : « من عض ببظر أمه ».

فقال له ابنه : ألست قائلها؟!! قال : بلى ..

قال : فلم تشتم نفسك؟! قال : « أليس يعض الرجل ببظر أمه خير له من أن يأخذه ابن قحطبة؟ .. » (٣).

بل إن الجلودي الذي أمره الرشيد بالاغارة على دور آل أبي طالب ـ كما قدمنا ـ قد قال للمأمون ، عند ما جعل ولاية العهد للرضا :

__________________

(١) محاضرات تاريخ الامم الاسلامية ج ١ ص ١٦١.

(٢) تاريخ بغداد ج ٦ ص ١٢٩ ، وحياة الامام موسى بن جعفر ج ٢ ص ١٨٤.

(٣) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٢٠ ، ٢١ ، والأغاني ج ٤ ص ١١٠ ، وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٢٦٩ ، نقلا عن تنبيه البكري. وملحقات احقاق الحق ج ٩ ص ٦٩٠ نقلا عن الحضرمي في رشفة الصادي ص ٥٦ طبع القاهرة.

٩٩

« اعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم ، وخصكم به ، وتجعله في أيدي أعدائكم ، ومن كان آباؤك يقتلونهم ، ويشردونهم في البلاد .. » (١).

وأمر الرشيد عامله على المدينة : بأن يضمن العلويون بعضهم بعضا .. » (٢)

وكانوا يعرضون على السلطات ؛ فمن غاب منهم عوقب!!.

والمأمون أيضا يعترف :

وجاء في كتاب المأمون ، الذي أرسله إلى العباسيين ، بعد ما ذكر حسن سياسة الإمام علي عليه‌السلام مع ولد العباس ما يلي :

« .. حتى قضى الله بالأمر إلينا ؛ فأخفناهم ، وضيقنا عليهم ، وقتلناهم أكثر من قتل بني أميه إياهم. ويحكم ، إن بني أمية قتلوا من سل سيفا ، وانا معشر بني العباس قتلناهم جملا .. فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ، ولتسألن نفوس القيت في دجلة والفرات ، ونفوس دفنت ببغداد ، والكوفة أحياء الخ .. ». وسنورد الرواية ، ونذكر مصادرها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله ..

جانب من رسالة الخوارزمي لأهل نيشابور :

وحسب القارىء أن يرجع إلى مقاتل الطالبيين لابي الفرج الأصفهاني ،

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٩ ص ١٦٦ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٧.

(٢) لقد كان ذلك قبل الرشيد أيضا فراجع تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢١٥ ، فانه قال : « .. وما زال آل أبي طالب يكفل بعضهم بعضا ، ويعرضون ؛ فغاب إلخ » .. ثم يسوق واقعة فخ المشهورة ، وبعض أسبابها .. ولا بأس بمراجعة الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ٧٥ وغيره ..

١٠٠