الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٢

ألم يقتل الدعي عبيد الله بن زياد ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب بالكوفة؟!

ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين (١)؟! ..

وبرواية ابن أبي الحديد ، أنه قال لهن : « .. إذن ، لا نستبقي منكم أحدا ؛ لأنكم قد قتلتم ابراهيم الإمام ، وزيد بن علي ، ويحيى بن زيد ، ومسلم بن عقيل.

وقتلتم خير أهل الأرض حسينا ، وإخوته ، وبنيه ، وأهل بيته ، وسقتم نساءه سبايا ـ كما يساق ذراري الروم ـ على الأقتاب إلى الشام .. » (٢).

ولا بأس بمراجعة ما قاله داود بن علي عند ما قتل ثمانين أمويا مرة واحدة (٣).

وكذلك فانهم ما لقبوا أبا سلمة الخلال ، أول وزير في الدولة العباسية بـ « وزير آل محمد » ، وأبا مسلم الخراساني بـ « أمين ، أو أمير آل محمد (٤) » .. إلا من أجل الحفاظ على ربط الدعوة بأهل البيت عليهم‌السلام ، ولتبقى ـ من ثم ـ محتفظة بقوتها ، وحيويتها ..

وأخيرا .. فلم يكن اتخاذهم السواد شعارا إلا تعبيرا عن الحزن والاسى

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٣٢ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٤٧ ، ولا بأس بمراجعة خطبة السفاح في مروج الذهب أيضا ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٢٩.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٩٢.

(٤) الفخري في الآداب السلطانية ص ١٥٥ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٧١ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٥٤ ، والطبري ج ١٠ ص ٦٠ ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الأول ، جزء ١ ص ١٥٢ ، وغيرهم. فانه مما نص عليه أكثر المؤرخين ..

٦١

لما نال أهل البيت في عهد بني أمية (١) ..

وهكذا .. يتضح ، بما لا مجال معه للشك : أنهم كانوا يستغلون سمعة العلويين ، ودماءهم الزكية في محاولاتهم للوصول إلى الحكم ، وتثبيت أقدامهم فيه ..

بل إن من الملاحظ أن كثيرا من الثورات التي قامت بعد ثورة بني العباس ، كانت تحاول ذلك ـ بطريقة أو بأخرى ـ أي أنها كانت تظهر للناس ارتباطها بأهل البيت عليهم‌السلام ، وأنها تحظى بتأييدهم ، وموافقتهم ، وكثير منها كان يرفع شعار : « الرضا من آل محمد ».

نهاية المطاف ..

وبعد كل ما تقدم .. يتضح لنا بجلاء ، الاسلوب الذي انتهجه

__________________

(١) هذا يصح بالنسبة للملابس السوداء .. وأما كون الرايات سوداء ؛ فيحتمل أن يكون لأجل ذلك ، حسبما صرح به ابن خلدون ص ٢٥٩ ، ويحتمل أن يكون لما ورد من أن راية علي عليه‌السلام يوم صفين كانت سوداء ، على ما نص عليه فان فلوتن في هامش : ص ١٢٦ من كتابه السيادة العربية. أو لأن رايات النبي (ص) في حروبه مع الكفار كانت سوداء ؛ يقول الكميت مشيرا إلى ذلك :

وإلا فارفعوا الرايات سودا

على أهل الضلالة والتعدي

وفي صبح الأعشى ج ٣ ص ٣٧٠ ، نقلا عن القاضي الماوردي في كتابه : « الحاوي الكبير » : أن السبب في اختيارهم السواد هو أن النبي (ص) قد عقد في يوم حنين ويوم الفتح لعمه العباس راية سوداء .. وفي صبح الأعشى أيضا ج ٣ ص ٣٧١ نقل عن أبي هلال العسكري في كتابه « الأوائل » أن سبب ذلك هو قتل مروان لإبراهيم الامام ، حيث لبس شيعته السواد حدادا عليه ؛ فلزمهم ذلك ، وصار شعارا لهم .. ونرجح أن حادثة قتل يحيى بن زيد ، ولبس الخراسانيين السواد عليه سبعة أيام ، هي التي شجعت العباسيين على اتخاذ السواد شعارا لهم ؛ إظهارا للحزن والأسى لما نال أهل البيت في الدولة الاموية. ويذهب إلى هذا الرأي السيد عباس المكي في نزهة الجليس ج ١ ص ٣١٦. بل صرح البلاذري في أنساب الأشراف ج ٣ ص ٢٦٤ بما يدل على ذلك فراجع.

٦٢

العباسيون ، والخطة التي اتبعوها ، من أجل كسب ثقة الناس بهم ، وتأييدهم لهم ، وصرف أنظار الحكام عنهم ..

وأيضا الطريقة التي اتبعوها في ابعاد العلويين عن مجال السياسة ، وأن بيعتهم لهم ما كانت إلا خداعا وتمويها ، من أجل تنفيذ خطتهم ، وانجاح دعوتهم ..

كما وظهر أن كون الدعوة ـ في بادئ الأمر ـ باسم العلويين ، لم يكن أمرا عفويا ، وتلقائيا .. وانما كان ضمن خطة دقيقة ، ومدروسة ، وضعت بعناية فائقة ، كما توضحه لنا النصوص المتقدمة ..

وظهر أيضا : كيف أن العباسيين قد حرصوا كل الحرص على ربط الثورة بأهل البيت عليهم‌السلام ، وكانوا يعتمدون على هذا الربط كل الاعتماد ، ويصرون ، ويؤكدون عليه ، كلما سنحت لهم الفرصة ، وواتاهم الظرف ، حتى عند ما وصلوا إلى الحكم ، وفازوا بالسلطان ..

وقد انقاد الناس لهم في البداية ، واستقامت لهم الأمور ، ظنا منهم بحسن نيتهم ، وسلامة طويتهم ..

ولكن .. ما ذا كانت النتيجة بعد ذلك ، بالنسبة للناس عامة ، وبشكل خاص بالنسبة للعلويين ، الذين قامت الثورة باسمهم ونجحت بفضلهم؟!

وما ذا كان نصيبهم ، ومصيرهم ، من هذه الثورة ومعها؟!

هذا .. ما سوف نحاول الاجابة عليه فيما يأتي من الفصول.

٦٣

مصدر الخطر على العباسيين

العلويون هم مصدر الخطر :

قد تقدم معنا : أن الدولة العباسية إنما قامت ـ في بداية أمرها ـ على الدعوة لخصوص العلويين ، ثم لأهل البيت ، ثم إلى الرضا من آل محمد .. وأن سرّ نجاحها ليس إلا ربطها بأهل البيت عليهم‌السلام .. وإن كانت قد انحرفت فيما بعد ، حيث تحكم العباسيون وتسلطوا على الأمة بدعوى القربى النسبية من الرسول الاكرم (ص).

ومن هنا .. فان من الطبيعي ، أن يكون الخطر الحقيقي الذي يتهدد العباسيين ، وخلافتهم ، هو من جهة ابناء عمهم العلويين ، الذين كانوا أقوى منهم حجة ، وأقرب إلى النبي (ص) منهم ، باعتراف العباسيين أنفسهم (١) ..

__________________

(١) سيأتي اعتراف عيسى بن موسى بذلك ، واعتراف الرشيد للكاظم عليه‌السلام والمأمون للرضا عليه‌السلام في الكتاب الذي سنورده في أواخر هذا الكتاب ، وأيضا قوله للرضا عليه‌السلام : أنتم والله أمس برسول الله رحما ، وبيعة السفاح والمنصور وغيرهم لمحمد بن عبد الله العلوي وكلام المنصور في مجلس البيعة يدل على ذلك أيضا ، إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لتتبعه واستقصائه ..

٦٤

فادعاؤهم الخلافة إذن ، له مبرراته الكاملة ، ولا سيما وأن من بينهم من له الجدارة والأهلية ، ويتمتع بأفضل الصفات والمؤهلات لهذا المنصب من العلم ، والعقل ، والحكمة ، وبعد النظر في الدين والسياسة .. هذا بالاضافة إلى ما كان يكنه الناس لهم ، من مختلف الفئات والطبقات ، من الاحترام والتقدير ، الذي نالوه بفضل تلك المميزات والصفات ، وبفضل سلوكهم المثالي ، وترفعهم عن كل المشينات ، والموبقات ..

أضف إلى ذلك كله .. أن رجالات الاسلام ، وأبطاله ، كانوا هم آل أبي طالب « رضي الله تعالى عنه » ؛ فأبو طالب مربي النبي (ص) وكفيله ، وعلي عليه‌السلام وصيه وظهيره ، وكذلك الحسن ، والحسين ، وعلي زين العابدين ، وباقي الأئمة. ومنهم زيد بن علي الخارج على بني أمية ، وغيرهم ، ممن يطول المقام بذكرهم ، رضوان الله عليهم أجمعين.

ولقد كانت بطولات العلويين ، ومواقفهم على كل شفة ولسان ، وفي كل قلب وفؤاد ، حتى لقد ألفت الكتب الكثيرة في وصف تلك البطولات ، وبيان هاتيك المواقف ..

وخلاصة الأمر : إنه لم يكن هناك مجال لانكار نفوذ العلويين الواسع في تلك الفترة ، أو تجاهله ؛ فان ذلك إما أن يكون عن قصر نظر ، وقلة معرفة ، أو مكابرة وعنادا ..

تخوف العباسيين من العلويين :

وقد كان الخلفاء من بني العباس يدركون جيدا مقدار هذا النفوذ ، للعلويين ، ويتخوفون منه ، منذ أيامهم الأولى في السلطة. ومما يدل على ذلك :

٦٥

أن السفاح ، من أول عهده كان قد وضع الجواسيس على بني الحسن ؛ حيث قال لبعض ثقاته ، وقد خرج وفد بني الحسن من عنده : « قم بانزالهم ولا تأل في الطافهم. وكلما خلوت معهم ؛ فأظهر الميل إليهم ، والتحامل علينا ، وعلى ناحيتنا ، وأنهم أحق بالأمر منا ، وأحص لي ما يقولون ، وما يكون منهم في مسيرهم ، ومقدمهم (١) .. ».

وقد تنوعت هذه المراقبة ، وتعددت أساليبها بعد عهد السفاح ، يظهر ذلك لكل من راجع كتب التاريخ (٢) ..

خوف المنصور من العلويين

ومما يدل على مدى تخوف العباسيين من العلويين وصية المنصور لولده المهدي ، التي يحثه فيها على القبض على عيسى بن زيد العلوي ، يقول المنصور :

« .. يا بني ، إني قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي ، وجمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي ، وبنيت لك مدينة لم يكن في الاسلام مثلها. ولست أخاف عليك إلا أحد رجلين : عيسى بن موسى ، وعيسى بن زيد. فأما عيسى بن موسى ، فقد أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلته ، وو الله ، لو لم يكن إلا أن يقول قولا لما خفته عليك ؛ فأخرجه من قلبك. وأما عيسى بن زيد ؛ فانفق هذه الأموال ، واقتل هؤلاء الموالي ، واهدم هذه المدينة ، حتى تظفر به ،

__________________

(١) الطبري ، طبع ليدن ج ١١ ص ٧٥٢ ، والعقد الفريد ، طبع دار الكتاب العربي ج ٥ ص ٧٤ ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، وغير ذلك ..

(٢) وقد اعترف المنصور نفسه بهذه المراقبة في بعض خطبه ؛ فراجع : الطبري ج ١٠ ص ٤٣٢ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٠١.

٦٦

ثم لا ألومك (١) .. ».

وليس تخوف المنصور إلى هذا الحد من عيسى بن زيد لعظمة خارقة في عيسى هذا ، وانما كل ما في الأمر أن المجتمع الاسلامي كان قد قبل ـ في تلك الفترة من الزمن ـ أن الخلافة الشرعية إنما هي في ولد علي عليه‌السلام .. وإذا ما قام عيسى بن زيد بثورة ، فانه سوف يلقى تأييدا واسعا ؛ فهو من جهة ابن زيد الشهيد ، الثائر على بني أمية .. ومن جهة أخرى. كان من المعاونين لمحمد بن عبد الله العلوي ـ قتيل المدينة ـ الذي كان السفاح والمنصور قد بايعاه ، حسبما تقدم ، والذي ادعي على نطاق واسع ـ باستثناء الامام الصادق عليه‌السلام ـ أنه مهدي هذه الأمة .. كما أنه ـ أي عيسى بن زيد ـ كان من المعاونين لإبراهيم أخي محمد بن عبد الله الآنف الذكر ، والذي خرج بالبصرة ، وقتل بباخمرى ..

ومما يدل على مدى خوف المنصور من العلويين أنه :

عند ما كان مشغولا بحرب محمد بن عبد الله ، وأخيه ابراهيم ، كان لا ينام الليل في تلك الايام. وأهديت له جاريتان ؛ فلم ينظر إليهما ؛ فكلم في ذلك ؛ فنهر المتكلمة ، وقال : « .. ليست هذه الايام من أيام النساء ، لا سبيل لي إليهما ، حتى أعلم : أرأس ابراهيم لي ، أم رأسي لإبراهيم؟ (٢) ».

__________________

(١) الطبري طبع ليدن ج ١٠ ص ٤٤٨.

وتحسن الاشارة هنا إلى أن الأموال التي خلفها المنصور للمهدي تبلغ ٦٠٠ مليون درهم ، و ١٤ مليون دينار .. راجع امراء الشعر العربي في العصر العباسي ص ٣٥.

(٢) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٩٥ ، والطبري ج ١٠ ص ٣٠٦ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١١٤ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣ ، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٨. وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١١٨ ، ولكنه يذكر أنهما امرأتان من قريش كانتا قد خطبتا للمنصور.

٦٧

وهيئت له آنئذ عجة من مخ وسكر ، فاستطابها ، فقال : « أراد ابراهيم أن يحرمني هذا وأمثاله (١) ».

وأرسل إلى كل باب من أبواب عاصمته ـ وهي الكوفة آنئذ ـ إبلا ودوابا ، حتى إذا أتى إبراهيم وجيشه من ناحية ، هرب هو إلى الري من الناحية الأخرى (٢) ..

وفي حربه ـ أي المنصور ـ مع محمد بن عبد الله اتسخت ثيابه جدا ، حيث لم ينزعها عن بدنه أكثر من خمسين يوما (٣) ..

وكان لا يستطيع أن يتابع كلامه من كثرة همه (٤) ..

وأخيرا .. فكم من مرة رأيناه يجلب الامام الصادق عليه‌السلام ، ويتهدده ويتوعده ، ويتهمه بأنه يدبر للخروج عليه وعلى سلطانه.

فكل ذلك يدل دلالة واضحة على مدى رعب المنصور ، وخوفه من العلويين ، وما ذلك إلا لإدراكه مدى ما يتمتعون به من التأييد ، في مختلف الطبقات ، وعند جميع الفئات ..

__________________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٨ وهذا يعبر بوضوح عن نوعية تفكير خليفة المسلمين ونوعية طموحاته ..

(٢) الطبري ج ١٠ ص ٣١٧ ، طبع ليدن ، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١١٣ ، ومرآة الجنان ج ١ ص ٢٩٩ ، وشرح ميمية أبي فراس ص ١١٦ ، وفرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص ٢١٠ ، نقلا عن تجارب الامم لابن مسكويه ج ٤ ..

(٣) الطبري ج ١٠ ص ٣٠٦ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٩٥ ، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٨ ، والمحاسن والمساوي ص ٣٧٣ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٣ ص ١١٨.

(٤) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣. وقال اليافعي في مرآة الجنان ج ١ ص ٢٩٨ ، ٢٩٩ : « .. ولم يأو إلى فراش خمسين ليلة ، وكان كل يوم يأتيه فتق من ناحية .. هذا ، ومائة ألف سيف كامنة له بالكوفة ؛ قالوا : ولو لا السعادة لسل عرشه بدون ذلك » ..

٦٨

حتى إنه عند ما سئل عن المبايعين لمحمد بن عبد الله أجاب : « .. ولد علي ، وولد جعفر ، وعقيل ، وولد عمر بن الخطاب ، وولد الزبير بن العوام ، وسائر قريش ، وأولاد الانصار (١) ».

وسيمر معنا أن المنصور ادعى أن ولده هو المهدي ، عند ما رأى أن الناس ـ ما عدا الامام الصادق عليه‌السلام ـ قد قبلوا بمهدوية محمد بن عبد الله العلوي .. وسيمر معنا أيضا طرف من معاملته للعلويين فيما يأتي إن شاء الله تعالى ..

خوف المهدي من العلويين :

وأما خوف المهدي من العلويين ، فذلك لعله من أوضح الواضحات ، فمثلا نرى أنه : عند ما أخرج الامام الكاظم عليه‌السلام من السجن ، يطلب منه أن لا يخرج عليه ، ولا على أحد من ولده (٢).

كما أنه قد مكث مدة يطلب عيسى بن زيد ، والحسن بن ابراهيم ، بعد هربه من السجن .. فقال المهدي يوما لجلسائه : « لو وجدت رجلا من الزيدية ، له معرفة بآل حسن ، وبعيسى بن زيد ، وله فقه ؛ فاجتلبه عن طريق الفقه ؛ فيدخل بيني وبين آل حسن ، وعيسى بن زيد » ؛ فدله الربيع على يعقوب بن داود ؛ فلم يزل أمره يرتفع عند الخليفة المهدي ، حتى استوزره ، وفوضه جميع أمور الخلافة ، وخرج كتابه على الدواوين

__________________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٤ ، ٢٩٥.

(٢) راجع : مروج الذهب ، وابن خلكان ، ترجمة الامام الكاظم ، وفصل الخطاب ، وينابيع المودة ، وكشف الغمة ، ومرآة الجنان ، وصفة الصفوة.

وصرح في ينابيع المودة ص ٣٨٢ ، ٣٨٣ باتفاق المؤرخين على ذلك.

٦٩

بأنه : قد آخاه (١) .. كل ذلك من أجل أن يدله على الحسن بن ابراهيم ، وعيسى بن زيد ، مع أن يعقوب هذا كان قد سجنه المنصور ، لخروجه عليه مع ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ، والمهدي هو الذي أطلقه ..

ولكنه لما لم يدله على عيسى بن زيد اتهمه بأنه : يمالىء الطالبيين فسجنه (٢) ، وبقي في السجن إلى زمن الرشيد ؛ فأخرجه ، وقد كف بصره وصار شعره كالانعام ..

خوف الرشيد من العلويين :

وأما الرشيد « الذي ثارت الفتن في زمنه بين أهل السنة والرافضة (٣) » ،

__________________

(١) الطبري ، طبع ليدن ج ١٠ ص ٤٦٤ ، ٥٠٧ ، ٥٠٨ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣١٢ ، والفخري في الآداب السلطانية ص ١٨٤ ، ١٨٥ ، وليراجع : الوزراء والكتاب ص ١٥٥ وغير ذلك. وسيأتي في فصل : ظروف البيعة المزيد من الكلام حول نفوذ يعقوب هذا .. ونكتفي هنا بالقول : إنه قد بلغ من نفوذه ، أن جاز لبشار أن يقول أبياته المشهورة :

بني أميّة هبوا طال نومكم

إن الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الزق والعود

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٣١٢ ، وضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٩٢ ، والطبري ، وغير ذلك .. وفي مرآة الجنان ج ١ ص ٤١٩ وغيره : أنه حبسه في بئر ، وبنى عليه قبة ، وليراجع الوزراء والكتاب ص ١٥٥ أيضا.

وقد دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي بعد أن سجن يعقوب ، وقال له : « إن يعقوب رجل رافضي » ..

ومع ذلك .. فاننا نرى البعض يتهم يعقوب هذا بأنه هو الذي وشى للرشيد بالامام موسى ابن جعفر عليه‌السلام ، فراجع عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٣ ، وغيره ..

(٣) النجوم الزاهرة ج ٢ ص ٧٧.

٧٠

فقد كان معنيا بالمسألة عن آل علي ، وكل من كان ذا نباهة وشأن منهم. كما سيأتي.

وقضيته مع يحيى بن عبد الله بن الحسن ، الذي كان قد خرج في الديلم ، وحالته السيئة ، وهمومه في أيام خروجه ، أشهر من أن تحتاج إلى بيان .. وكيف لا تأخذه الهموم ، وتذهب به الوساوس ، وقد اتبع يحيى « خلق كثير ، وجم غفير ، وقويت شوكته ، وارتحل إليه الناس من الكور والأمصار ؛ فانزعج لذلك الرشيد ، وقلق من أمره » .. وكان الساعي بالصلح بينه وبين يحيى هو الفضل بن يحيى ، وبسبب تمكنه من إخماد ثورة يحيى عظمت منزلته عند الرشيد جدا ، وفرح بذلك الصلح فرحا عظيما (١). وإن كان قد غدر بيحيى بعد ذلك ، كما هو معروف ومشهور ..

كما انه عند ما ذهب إلى المدينة لم يعط الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، سوى مائتي دينار ، رغم أنه كان يعطي من لا يقاسون به الآلاف منها ، وكان اعتذاره عن ذلك لولده المأمون : أنه لو أعطاه اكثر من ذلك لم يأمن أن يخرج عليه من الغد مائة الف سيف من شيعته ، ومحبيه صلوات الله وسلامه عليه (٢) ..

__________________

(١) راجع في ذلك كله : البداية والنهاية ج ١٠ ص ١٦٧ ، وعمدة الطالب ، طبع بيروت ص ١٢٤ ، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٩٠.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٩٢ ، والبحار ج ٤٨ ص ١٣١ ، ١٣٢.

وقد رأينا أن العباسيين ابتداء من المنصور ، بل السفاح ـ مع الامام الصادق عليه‌السلام ـ كانوا دائما يتهددون الأئمة ـ الذين ما كانوا يجدون الفرصة لأي تحرك ، ومن أي نوع ، كما سنوضحه ـ ويتهمونهم بأنهم كانوا يدبرون في الخفاء للخروج عليهم ؛ ليجدوا الوسيلة من ثم ـ للتضييق عليهم ، والمبرر لسجنهم ، ومصادرة أموالهم وو .. وكان الأئمة ينفون ذلك ، ويدحضون تلك التهم باستمرار .. لكنهم ما كانوا يقبلون منهم ذلك!!

٧١

ثم عاد وسجنه بعد ذلك بحجة أنه كان يجبى إليه الخراج ، ثم يدس إليه السم ، ويتخلص منه ، وذلك هو مصير اكثر الائمة على يد الخلفاء قبله وبعده ..

وأما في زمن المأمون!!

وأما في زمن المأمون : فقد كان الأمر أعظم ، وأمر ، وأدهى ؛ حيث قد شملت الثورات والفتن الكثير من الولايات والأمصار ، حتى لم يعد يعرف المأمون من أين يبدأ ، ولا كيف يعالج. وأصبح يرى ، ويؤلمه أن يرى مصيره ، ومصير خلافته في مهب الريح ، تتقاذفه الانواء ، ويضرى به الإعصار.

عقدة الحقارة لدى العباسيين :

وكان ذلك بطبيعة الحال يزيد من رعب العباسيين ، ويضاعف من مخاوفهم .. لا سيما بملاحظة أنهم كانوا يعيشون عقدة الحقارة والمهانة ..

يقول أبو فراس مشيرا إلى ذلك :

ثم ادعاها بنو العباس ملكهم

ومالهم قد فيها ولا قدم

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا

ولا يحكم في أمر لهم حكم

ولا رآهم أبو بكر وصاحبه

اهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فهل هم يدعوها غير واجبة

أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا

وقد كتب ابو مسلم للمنصور ، من جملة رسالة له : « .. وأظهركم الله بعد الاخفاء ، والحقارة والذل ، ثم استنقذني بالتوبة الخ (١) .. ».

__________________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٦٤. وغيره.

٧٢

وفي رسالة أخرى : « .. حتى عرفكم من كان جهلكم (١) ».

بل لقد صرح المنصور بذلك لعمه عبد الصمد بن علي ؛ حيث قال له : « نحن بين قوم رأونا بالأمس سوقة ، واليوم خلفاء ؛ فليس تتمهد هيبتنا إلا باستعمال العقوبة ، ونسيان العفو .. » كما سيأتي ..

في مواجهة الخطر :

وإذا كان العباسيون يدركون : أن الخطر الحقيقي الذي يتهددهم ، إنما هو من قبل أبناء عمهم العلويين ، فان عليهم إذن .. أن يتحركوا ..

أن يفعلوا شيئا .. أن يواجهوا الخطر المحدق بهم بكل وسيلة ، وبأي أسلوب كان .. سيما وهم يشهدون عن كثب سرعة استجابة الناس للعلويين ، وتأييدهم ، ومساندتهم لكل دعوة من قبلهم ..

فكيف عالج العباسيون الموقف؟! ..

وما هو مدى نجاحهم في ذلك؟ إن كان قدر لهم النجاح!!.

__________________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٦٩ ، والامامة والسياسة ج ٢ ص ١٣٣ ، وغير ذلك.

٧٣

سياسة العباسيين ضد العلويين :

مما سبق :

قد تقدم معنا بعض ما يدل على مدى نفوذ العلويين ، وعلى المكانة التي كانوا يتمتعون بها على العموم .. وأنهم هم الذين كانوا يشكلون الخطر الحقيقي على العباسيين ، ومركزهم في الحكم ..

وقد كان العباسيون يدركون بالفعل هذه الحقيقة ، فكان عليهم أن يبعدوهم عن مجال السياسة بأي وسيلة كانت وأن يحدوا ما استطاعوا من نفوذهم ، ويضعفوا ما أمكنهم من قوتهم ..

وقد اتبعوا من أجل ذلك أساليب شتى ، وطرقا متنوعة :

فحاولوا في بادئ الأمر أن يقارعوهم الحجة بالحجة ..

تطوير نظرية الارث :

وكان من جملة أساليبهم في ذلك أنهم غيروا وبدلوا في السلسلة ، التي كانوا يواجهون بها الناس في تقريرهم لشرعية خلافتهم من النبي (ص) ..

٧٤

وذلك لأنهم كانوا في بداية أمرهم يصلون حبل وصايتهم بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم منه إلى ولده محمد بن الحنفية ، ثم إلى ابنه أبي هاشم ، ثم إلى علي بن عبد الله بن العباس ، فإلى ولده محمد بن علي ، فإبراهيم الامام ، ثم منه إلى أخيه السفاح (١) وهكذا .. هذا .. مع إنكارهم لشرعية خلافة أبي بكر وعمر ، وعثمان ، وغيرهم من خلفاء الامويين ، وغيرهم ..

ويتضح انكارهم وتبرؤهم هذا من كثير من النصوص التاريخية .. فمن ذلك قصة أبي عون مع المهدي ، التي ستأتي في بعض هوامش هذا الفصل ..

ومن ذلك أيضا قول أبي مسلم في خطبته في أهل المدينة في السنة التي حج فيها في عهد السفاح ، قال : « .. وما زلتم بعد نبيه تختارون تيميّا مرة ، وعدويا مرة ، وأسديا مرة وسفيانيا مرة ، ومروانيا مرة ، حتى جاءكم من لا تعرفون اسمه ، ولا بيته [ يعني نفسه ] يضربكم بسيفه ؛ فأعطيتموها عنوة ، وأنتم صاغرون ، ألا وإن آل محمد أئمة الهدى ، ومنار سبيل التقى ، القادة الذادة السادة الخ (٢) .. ». وتقدم قول داود ابن علي : « لم يقم فيكم امام بعد رسول الله الخ .. »

وروى أبو سليمان الناجي ، قال : « جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات لهم ، وهو ولي عهد ، فبدأ ببني هاشم ، ثم بسائر قريش. فجاء السيد [ أي الحميري ] ؛ فرفع إلى الربيع حاجب المنصور رقعة مختومة ، وقال : ان فيها نصيحة للامير ؛ فأوصلها إليه. فأوصلها ؛ فإذا فيها :

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٧٣ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٨ ، ووفيات الأعيان ج ١ ص ٤٥٤ ، ٤٥٥ ، طبع سنة ١٣١٠ ، وامبراطورية العرب ص ٤٠٦ ، وغير ذلك ، وقد أشرنا إلى أن هذه هي عقيدة الكيسانية ، فراجع ..

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٦١ ، ١٦٢.

٧٥

قل لابن عباس سمي محمد

لا تعطين بني عدي درهما

احرم بني تيم بن مرة انهم

شر البرية آخرا ، ومقدما

إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة

ويكافئوك بأن تذم وتشتما

وإن ائتمنتهم أو استعملتهم

خانوك ، واتخذوا خراجك مغنما

ولئن منعتهم لقد بدءوكم

بالمنع ؛ إذ ملكوا وكانوا أظلما

منعوا تراث محمد أعمامه

وابنيه ، وابنته عديلة مريما

وتأمروا من غير ان يستخلفوا

وكفى بما فعلوا هنالك مأثما

لم يشكروا لمحمد انعامه

أفيشكرون لغيره إن أنعما

والله من عليهم بمحمد

وهداهم ، وكسا الجنوب ، وأطعما

ثم انبروا لوصيه ووليه

بالمنكرات ، فجرعوه العلقما

قال : فرمى بها إلى عبد الله معاوية بن يسار ، الكاتب للمهدي ، ثم قال : اقطع العطاء ؛ فقطعه. وانصرف الناس. ودخل السيد إليه ؛ فلما رآه ضحك ، وقال : قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل .. ولم يعطهم شيئا (١) .. ».

ونرى السيد الحميري في مناسبة أخرى ينشد المنصور أبياتا يهجو بها سوارا القاضي ، من جملتها :

إن سوار بن عبد

الله من شر القضاة

نعثلي ، جملي ،

لكم غير مواتي (٢)

__________________

(١) الأغاني ج ٧ ص ١٦ ، طبع دار الفكر ، والغدير ج ٢ ص ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠٧ ، ومستدرك أخبار السيد الحميري للمرزباني ص ٥٨ ، باختصار وديوان السيد الحميري ص ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، نقلا عن الأولين ، وعن : أعيان الشيعة ج ١٢ ص ١٧٨ ، وتاريخ الاسلام ج ٢ ص ١٤٧ ، وتاريخ آداب اللغة العربية ج ٢ ص ٦٧ ، ٦٨.

(٢) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٤ ، والأغاني ج ٧ ص ٢٦١ ، والغدير ج ٢ ص ٢٥٦

٧٦

ويقول القاسم بن يوسف :

هاشم فخر قصي كلها

أين تيم وعدي والفخار

لهم أيد طوال في العلى

ولمن ساماهم أيد قصار

لهم الوحي وفيهم بعده

آمر الحق وفي الحق منار

وهم أولى بأرحامهم

في كتاب الله إن كان اعتبار

ما بعيد كقريب سببا

لا ولا يعدل بالطرف الحمار

إلى أن قال :

خسر الآخذ ما ليس له

عمد عين والشريك المستشار

ولفيف ألفوا بينهم

بيعة فيها اختلاط وانتشار

ورسول الله لم يدفن فما

شغل القوم اغتمام وانتظار

كان منهم قبل آل المصطفى

أن يلوا الأمر حذار ونفار (١)

إلى آخر الابيات ..

والقاسم بن يوسف معاصر لكل من الرشيد والمأمون ، وتوفي سنة ٢١٣ ه‍.

وكل ما ذكرناه يدل على انكار العباسيين لشرعية خلافة أبي بكر وعمر .. ومثل ذلك كثير لا مجال لنا هنا لاستقصائه ، وحسبنا هنا أقوال المؤرخين ، فانها القول الفصل ، والحكم العدل ..

هذا ما كان في بداية الأمر .. أي أنهم كانوا يصلون حبل وصايتهم بعليّ عليه‌السلام ، وينكرون شرعية خلافة الثلاثة ، ثم عدلوا عن ذلك بعد فترة .. وذلك لما يتضمنه من الاعتراف بأن الوصاية كانت في ولد عليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) الأوراق للصولي ص ١٨٠ ، وأخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص ١٠٨ ـ ١٠٩.

٧٧

فأسس المهدي فرقة (١) تدعي : أن الامام بعد رسول الله (ص) هو العباس بن عبد المطلب ، ثم ابنه عبد الله ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه محمد .. وهكذا إلى أن ينتهي الأمر إليهم .. هذا .. مع الاستمرار على البراءة من أبي بكر ، وعمر ، وعثمان. ولكنهم أجازوا بيعة علي ابن أبي طالب ؛ لأن العباس نفسه كان قد أجازها (٢). وتسمى هذه الفرقة ب : « الراوندية والشيعة العباسية ».

ولكننا لا نجد لهذه الفرقة أثرا في عصر المأمون ، لأن سياسة الخليفة قد اقتضت تجميد هذه المقالة ، ولو لفترة من الزمان كما سنوضحه وعلى كل حال فيقول منصور النمري يمدح الرشيد ويشير الى ذلك :

لو لا عدي وتيم لم تكن وصلت

إلى أمية تمريها وترتضع

إن الخلافة كانت إرث والدكم

من دون تيم ، وعفو الله متسع (٣)

__________________

(١) هذا .. ولكن الذي يبدو هو أن صاحب الفكرة الحقيقي هو المنصور. كما يظهر من رسالته لمحمد بن عبد الله بن الحسن ، ومن كثير من كلماته ، وخطبه .. والمهدي كان هو المنفذ لها ، والمخرج من عالم القوة إلى عالم الفعل .. بل لقد سار المنصور في إشاعة هذه الفكرة ، وتركيزها شوطا بعيدا ، حتى لقد تقرب إليه بها الشعراء ؛ فهذا السيد الحميري يقول ـ على ما يرويه لنا المرزباني في أخباره ص ٣٧ ويروي أيضا مكافأة المنصور المهمة له على ذلك ـ يقول السيد :

يا رهط أحمد إن من أعطاكم

ملك الورى وعطاؤه أقسام

رد الخلافة والوراثة فيكم

وبنو أميّة صاغرون رغام

لمتمم لكم الذي أعطاكم

ولكم لديه زيادة وتمام

أنتم بنو عم النبي عليكم

من ذي الجلال تحية وسلام

وورثتموه وكنتم أولى به

إن الولاء تحوزه الأرحام

إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه.

(٢) فرق الشيعة للنوبختي ص ٤٨ ، ٤٩ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٧٣ ، ومروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٢٣٦ ، إلا أن النوبختي ذكر أنهم لم يجيزوا حتى بيعة علي أيضا.

(٣) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٢٤٤ ، والشعر والشعراء ص ٥٤٦.

٧٨

تشجيع الخلفاء لهذا الاتجاه :

وقد شجع الخلفاء هذه النحلة ، أو فقل هذا الاتجاه. واستمروا يناصرونه إلى زمن هارون ..

وقد حصل مروان ابن أبي حفصة من الخليفة العباسي « المهدي » على أعظم جائزة تعطى لشاعر في تلك الفترة ، على قوله مخاطبا آل علي :

هل تطمسون من السماء نجومها

بأكفكم أو تسترون هلالها

أو تدفعون مقالة عن ربكم

جبريل بلغها النبي فقالها

نزلت من الأنفال آخر آية

بتراثهم ، فأردتم ابطالها

يشير إلى آية : « أولو الأرحام .. ».

فزحف المهدي من صدر مصلاه إعجابا ، وأعطاه مائة ألف درهم ، لكل بيت ألف درهم. وكانت هذه أول مائة ألف تعطى لشاعر في دولة بني العباس (١).

وأعطاه هارون بدوره على هذه الأبيات ، بعد أن أصبح خليفة مائة ألف أيضا.

كما أن المهدي قد أعطى مروان هذا على قوله :

أنى يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

أعطاه ثلاثين ألفا من صلب ماله ، وكساه جبة ، ومطرفا ، وفرض على أهله ومواليه ثلاثين ألفا أيضا (٢).

__________________

(١) تاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٤٤ ، ١٤٥ ، ومرآة الجنان ج ١ ص ٣٢١.

(٢) ولكن في العقد الفريد ج ١ ص ٣١٢ ، الطبعة الثالثة ، والمحاسن والمساوي ص ٢١٩ : أنه أخذ منه ثلاثين ، ومن أهل بيته سبعين. ولعل هذا هو الأقرب إلى الواقع ؛ فقد

٧٩

وينسب هذا الشعر لبشار بن برد كذلك ..

وبعد ذلك يقف مروان بن أبي الجنوب ( ويقال : بل مروان بن أبي حفصة ، وقد أنشدها المتوكل ، على ما في الغدير ج ٤ ص ١٧٥ ) ، وينشد الخليفة قصيدته التي مطلعها :

لكم تراث محمد

وبعدلكم تشفى الظلامة

إلى أن يقول :

ما للذين تنحلوا

ميراثكم إلا الندامة

فيخلع عليه أربع خلع ، وينثر ثلاثة آلاف دينار ، يأمره بالتقاطها ، ويعطيه عشرة آلاف درهم ، .. ثم يعقد له ـ مع ذلك كله ـ ولاية على البحرين واليمامة (١)

بل لقد تمادى هارون ، وأراد أن يذهب إلى أبعد من ذلك ، حيث أراد أن ينكر حتى شرعية خلافة الامام علي عليه‌السلام ، فأحضر « أبا معاوية الضرير » وهو أحد محدثي المرجئة (٢) ، وقال له : « هممت أنه من يثبت خلافة علي فعلت به وفعلت .. ». فنهاه أبو معاوية عن ذلك ، واستدل له بما أعجبه ، فارتدع ، وانصرف عما كان عزم عليه (٣) ..

__________________

ذكر في المحاسن والمساوي ص ٢٢٠ : أن مروان هذا قال في هذه المناسبة :

بسبعين ألفا راشي من حبائه

وما نالها في الناس من شاعر قبلي

بل هذا البيت يدل على أن السبعين كانت منه ، لا من أهل بيته ..

وفي طبقات الشعراء ص ٥١ اكتفى بالقول : أنه أخذ بهذا البيت مالا عظيما ..

(١) راجع : الكامل لابن الأثير ج ٧ ص ٣٨ ، والامام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الثاني ، جزء ٣ ص ٢٢٨.

(٢) المرجئة الاولى كانوا لا يتولون عثمان ولا عليا ، ولا يتبرءون منهما.

(٣) راجع تفصيل ذلك في تاريخ بغداد ج ٥ ص ٢٤٤ ، ونكت الهميان في نكت العميان ص ٢٤٧.

٨٠