الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٢

قيام الدولة العباسية

العلويون في الماضي البعيد ..

بعد أن أمعن الأمويون في الانحراف عن الخط الاسلامي القويم ، وأصبح واضحا لدى كل أحد ، أن هدفهم ليس إلا الحكم والسيطرة ، والتحكم بمقدرات الأمة وامكاناتها .. وأن كل همهم كان مصروفا إلى الملذات والشهوات ، أينما كانت ، وحيثما وجدت .. وليس لمصلحة الأمة ، وسعادتها ، ورفاهها عندهم أي اعتبار ..

وبعد أن لجوا في عدائهم لأهل البيت عليهم‌السلام ، وبلغوا الغاية فيهم ، قتلا ، وعسفا ، وتشريدا .. وخصوصا ما كان منهم في وقعة كربلاء التي لم يعرف التاريخ أبشع ، ولا أفظع منها .. وجعلهم لعن علي عليه‌السلام سنة لهم ، يشب عليها الصغير ، ويهرم عليها الكبير .. ثم ملاحقتهم لولده ، ولكل من يتشيع لهم ، تحت كل حجر ومدر ، وفي كل سهل وجبل ؛ ليعفوا منهم الآثار ، ويخلوا منهم الديار ..

بعد كل هذا .. وبفضل جهاد أهل البيت المتواصل ، في سبيل توعية الامة ، وتعريفها بأحقيتهم ، وبحقيقة ، وواقع تلك الطغمة الفاسدة .. كان من الطبيعي أن ينمو تعاطف الناس مع أهل البيت

٢١

ويزيد ، كلما ازداد نفورهم من الأمويين ، ونقمتهم عليهم ؛ وذلك تبعا لتزايد وعيهم ، وتكشف الحقائق لهم ، ولأنهم أدركوا من واقع الأحداث التي مرت بهم : أن أهل البيت عليهم‌السلام هم : الركن الوثيق ، الذي لا نجاة لهم إلا بالالتجاء إليه ، وذلك الأمل الحي ، الذي تحيا به الأمة ، وتحلو معه الحياة ..

العرش الأموي في مهب الريح ..

ولهذا نجد : أن الثورات والفتن ضد الحكم الاموي كانت تظهر من كل جانب ومكان ، طيلة فترة حكمهم. حتى أنهكت قواهم ، واضعفتهم إلى حد كبير ، وفنوا وأفنوا ، حتى لم يعد باستطاعتهم ضبط البلاد ، ولا السيطرة على العباد ..

وكانت تلك الثورات تتخذ الطابع الديني على العموم ، مثل : ثورة أهل المدينة المعروفة بـ « وقعة الحرة » ، وثورة قراء الكوفة والعراق ، المعروفة بـ « دير الجماجم » سنة ٨٣ ه‍ .. وقبلها ثورة المختار والتوابين سنة ٦٧ ه‍. وأيضا ثورة يزيد بن الوليد مع المعتزلة على الوليد بن يزيد ؛ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سنة ١٢٦ ه‍. وكذلك ثورة عبد الله بن الزبير ، الذي تغلب على البلاد ما عدا دمشق ، وما والاها مدة من الزمن .. ثم الثورة التي قامت ضد هشام في افريقيا. وثورة الخوارج بقيادة المتسمي بـ « طالب الحق » سنة ١٢٨ ه‍ .. وأيضا ثورة الحارث بن سريح في خراسان ، داعيا إلى كتاب الله ، وسنة رسوله سنة ١١٦ ه‍. إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لتتبعه واستقصائه ..

٢٢

واما ما كان منها بدافع غير ديني ، بل من أجل الحكم ، والسلطان ، فنذكر منها على سبيل المثال : ثورة آل المهلب سنة ١٠٢ ه‍. وثورة مطرف بن المغيرة ..

وأما في زمن مروان ..

وفي زمن مروان بن محمد الجعدي ، المعروف بمروان الحمار ، كان الوضع في السوء والتدهور قد بلغ الغاية ، وأوفى على النهاية ؛ حيث بلغ من انشغال مروان بالثورات والفتن ، التي كانت قد شملت اكثر الاقطار : أنه لم يستطع أن يصغي إلى شكوى عامله في خراسان نصر بن سيار ، الذي كان بدوره يواجه الثورات والفتن ، ومن جملتها دعوة بني العباس ، التي كانت تزداد قوة يوما بعد يوم ، بقيادة أبي مسلم الخراساني ..

من خلال الاحداث ..

كل ذلك يكشف عن مدى تبرم الناس بحكم بني أمية ، وبسلطانهم ، الذي كان قائما على أساس من الظلم والجور ، والابتزاز ، والتحكم بمقدرات الأمة ، وامكاناتها .. ويتضح لنا ذلك جليا إذا لاحظنا :

أن ما كان يتقاضاه الولاة لا يمكن أن يخطر على قلب بشر ؛ ويكفي مثالا على ذلك أن نشير إلى أن خالدا القسري ، كان يتقاضى راتبا سنويا قدره (٢٠) مليون درهم ، بينما ما كان يختلسه كان يتجاوز

٢٣

الـ «١٠٠» مليون (١). وإذا كان هذا حال الولاة ، فكيف ترى كان حال الخلفاء ، الذين كانوا يحقدون على كل القيم ، والمثل ، والكمالات الانسانية .. والذين وصف الكميت رأيهم في الناس ، فقال :

رأيه فيهم كرأي ذوي الثلّة في الثائجات جنح الظلام.

جزّ ذي الصوف وانتقاء لذي المخّة ، نعقا ودعدعا بالبهام (٢).

نعم .. لقد كانت الأمة قد اقتنعت اقتناعا كاملا ونهائيا : بأن بني أمية ليس لهم بعد حق في أن يفرضوا أنفسهم قادة للامة ، ولا روّادا لمسيرتها ؛ لأن نتيجة ذلك ستكون ـ حتما ـ هي جرّ الامة إلى الهاوية ، حيث الدمار والفناء ؛ فلفظتهم ، وانقلبت عليهم ، تأخذ منهم بعض الحقوق التي لها عندهم. إلى أن تمكنت أخيرا من أن تخلي منهم الديار ، وتعفي منهم الآثار ..

وكان نجاح العباسيين طبيعيا ..

ومن هنا نعرف : أن نجاح العباسيين في الاستيلاء على مقاليد الحكم ـ

__________________

(١) السيادة العربية ص ٣٢ ، ترجمة الدكتور حسن ابراهيم حسن ، ومحمد زكي ابراهيم. وفي البداية والنهاية ج ٩ ص ٣٢٥ : أن دخل خالد القسري كان في كل سنة « ١٣ » مليون دينار ، ودخل ولده يزيد بن خالد كان « ١٠ » ملايين دينار سنويا. ولا بأس بمطالعة كتاب السيادة العربية ، ليعرف ما أصاب الناس ، وخصوصا العراقيين والخراسانيين في عهد الامويين ..

(٢) الهاشميات ص ٢٦ ، ٢٧. والثلة : القطعة الكثيرة من الضان. والثائجات : الصائحات. وانتقاء : اختيار. وأراد بذي المخة : السمينة. ونعقا : أي صياحا. والدعدعة : زجر البهائم ..

يقول : رأي الواحد من هؤلاء الخلفاء في رعيته ، ومعاملته لها كرأي أصحاب الغنم في غنمهم ؛ فلا يراعون العدل ، ولا الانصاف فيهم ..

٢٤

في ذلك الحين ـ لم يكن ذلك الأمر المعجزة ، والخارق للعادة. بل كان أمرا طبيعيا للغاية ؛ إذا ما أخذت الحالة الاجتماعية ، والظروف والملابسات آنئذ بنظر الاعتبار ؛ فان الامة كانت مهيأة نفسيا لقبول التغيير ، أي تغيير .. بل كانت تراه أمرا ضروريا ، لا بد منه ، ولا غنى عنه ؛ إذا كانت تريد لنفسها الحياة الفاضلة ، والعيش الكريم ..

ولهذا .. فليس من الغريب أن نقول :

إنه كان بامكان أية ثورة أن تنجح ، لو أنها تهيأت لها نفس الظروف ، وسارت على نفس الخط ، واتبعت نفس الأساليب ، التي اتبعها العباسيون في دعوتهم ، وثورتهم.

ونستطيع أن نتبين أساليب العباسيين تلك في ثلاثة خطوط عريضة وواضحة ..

الخط الأول :

« كانوا يصورون أنفسهم على أنهم ما جاءوا إلا لينفذوا الأمة من شرور بني أمية ، وظلمهم ، وعسفهم ، الذي لم يكن يقف عند حدود. وكانت دعوتهم تتخذ اتجاه التبشير بالخلاص ، وأنهم سوف يقيمون حكما مبدؤه العدل ، والمساوات ، والأمن والسلام. وقد كانت وعودهم هذه كسائر الوعود الانتخابية ، التي ألفناها من ساسة العصر الحديث .. بل لقد كانت الأماني التي خلقتها الدعوة العباسية في الجماهير مسئولة الى حد كبير عن ردود الفعل العنيفة ، التي حدثت ضد الحكم العباسي بعد ذلك ؛ حيث كان حكمهم قائما على الطغيان المتعطش إلى سفك الدماء (١) .. ».

__________________

(١) راجع : امبراطورية العرب ، للجنرال جلوب ، ترجمة : خيري حماد.

٢٥

الخط الثاني :

إنهم لم يعتمدوا كثيرا على العرب ، الذين كانوا يعانون من الانقسامات الداخلية الحادة ، وإنما استعانوا بغير العرب ، الذين كانوا في عهد بني أمية محتقرين ، ومنبوذين ، ومضطهدين ، ومحرومين من أبسط الحقوق المشروعة ، التي منحهم إياها الاسلام .. حتى لقد أمر الحجاج أن لا يؤم في الكوفة إلا عربي .. وقال لرجل من أهل الكوفة : لا يصلح للقضاء إلا عربي (١) ..

كما طرد غير العرب من البصرة ، والبلاد المجاورة لها ، واجتمعوا يندبون : وا محمدا وأحمدا. ولا يعرفون أين يذهبون ، ولا عجب أن نرى أهل البصرة يلحقون بهم ، ويشتركون معهم في نعي ما نزل بهم من حيف وظلم (٢).

بل لقد قالوا : « لا يقطع الصلاة إلا : حمار ، أو كلب ، أو مولى (٣) .. »

وقد أراد معاوية أن يقتل شطرا من الموالي ، عند ما رآهم كثروا ، فنهاه الأحنف عن ذلك (٤) ..

وتزوج رجل من الموالي بنتا من أعراب بني سليم ، فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة ، وواليها يومئذ ابراهيم بن هشام بن اسماعيل ،

__________________

(١) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٤ ، والعقد الفريد ج ١ ص ٢٠٧ ، ومجلة الهادي ، السنة الثانية العدد الأول ص ٨٩ ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد ٢ جزء ٤ ص ٣٤٣.

(٢) السيادة العربية ص ٥٦ ، ٥٧ ، ولا بأس بمراجعة : تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الأول ج ٢ ص ٢٧٤.

(٣) العقد الفريد طبع مصر سنة ١٩٣٥ ج ٢ ص ٢٧٠ ، وتاريخ التمدن الاسلامي جزء ٤ ص ٣٤١.

(٤) المصدران السابقان ..

٢٦

فشكا إليه ذلك ، فأرسل الوالي إلى المولى ، ففرق بينه وبين زوجته ، وضربه مأتي سوط ، وحلق رأسه ، وحاجبه ، ولحيته .. فقال محمد ابن بشير في جملة أبيات له :

قضيت بسنة وحكمت عدلا

ولم ترث الخلافة من بعيد (١)

ولم تفشل ثورة المختار ، إلا لأنه استعان فيها بغير العرب ، فتفرق العرب عنه لذلك (٢).

ويقول أبو الفرج الاصفهاني : « .. كان العرب إلى أن جاءت الدولة العباسية ، إذا جاء العربي من السوق ، ومعه شيء ، ورأى مولى ، دفعه إليه ، فلا يمتنع (٣). »

بل كان لا يلي الخلافة أحد من أبناء المولدين ، الذين ولدوا من أمهات أعجميات (٤).

وأخيرا .. فان البعض يقول : إن قتل الحسين كان : « الكبيرة ، التي هونت على الأمويين أن يقاوموا اندفاع الايرانيين؟ إلى الدخول في الاسلام (٥) .. ».

وبعد هذا .. فان من الطبيعي أن يبذل الموالي أرواحهم ، ودماءهم وكل غال ونفيس في سبيل التخلص من حكم يعاملهم هذه المعاملة ، وله فيهم هذه النظرة ؛ فاعتماد الدعوة العباسية على هؤلاء كان منتظرا

__________________

(١) الأغاني ج ١٤ ص ١٥٠ ، وضحى الاسلام ج ١ ص ٢٣ ، ٢٤.

(٢) السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات ص ٤٠ ، ولا بأس أيضا بمراجعة : تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الأول ، الجزء الثاني ص ٢٨٢ ، ٢٨٣.

(٣) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٥.

(٤) ضحى الاسلام ج ١ ص ٢٥ ، والعقد الفريد ج ٦ ص ١٣٠ ، ١٣١ ، طبعة ثالثة ، ومجلة الهادي ، السنة الثانية ، العدد الأول ص ٨٩.

(٥) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٩٥.

٢٧

ومتوقعا ، كما أن اندفاع هؤلاء في نصرة الدعوة العباسية كان متوقعا ، ومنتظرا أيضا ..

الخط الثالث :

أنهم ـ أعني العباسيين ـ قد حاولوا في بادئ الأمر أن يربطوا دعوتهم وثورتهم بأهل البيت عليهم‌السلام ..

وطبيعة البحث تفرض علينا أن نتوسع في بيان هذه النقطة بالذات وذلك لمالها من الأهمية البالغة ، بالنظر لما تركته من آثار بارزة على مدى التاريخ ، ولأنها كانت الناحية التي اعتمد العباسيون عليها اعتمادا كليا ، وتعتبر السبب الرئيس في وصول العباسيين إلى السلطة ، وحصولهم على مقاليد الحكم .. ولهذا .. فنحن نقول :

دولة بني العباس في صحيفة ابن الحنفية :

قد نقل ابن أبي الحديد (١) ، عن أبي جعفر الاسكافي : أنه قد صحت الرواية عندهم عن أسلافهم ، وعن غيرهم من أرباب الحديث ، أنه : لما مات علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، طلب محمد بن الحنفية من أخويه : الحسن ، والحسين ميراثه من العلم ، فدفعا إليه صحيفة ، لو اطلعاه على غيرها لهلك. وكان في هذه الصحيفة ذكر لدولة بني العباس. فصرح ابن الحنفية لعبد الله بن العباس بالأمر ، وفصله له ..

والظاهر أن تلك الصحيفة انتقلت منه لولده أبي هاشم ، وعن طريقه وصلت إلى بني العباس. ويقال : إنها قد ضاعت منهم أثناء

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ج ٧ ص ١٤٩ ، ١٥٠.

٢٨

حربهم مع مروان بن محمد الجعدي (١) ، آخر خلفاء الأمويين ..

وقد ذكرت هذه الصحيفة في كلام بني العباس ، وخلفائهم كثيرا ، وسيأتي لها ذكر في رسالة المأمون للعباسيين ، التي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله ..

متى بدأ العباسيون دعوتهم ، وكيف؟

وبعد هذا .. فان الشيء المهم هنا هو تحديد الزمن الذي بدأ به العباسيون دعوتهم ، وكيف؟.

ونستطيع أن نبادر هنا إلى القول :

إن الذين بدءوا بالدعوة أولا هم العلويون ، وبالتحديد من قبل أبي هاشم ، عبد الله بن محمد بن الحنفية. وهو الذي نظم الدعاة ، ورتبهم ، وقد انضوى تحت لوائه : محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، ومعاوية ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب ، وغيرهم .. وهؤلاء الثلاثة هم الذين حضروه حين وفاته ، وأطلعهم على أمر دعاته ..

وقد قرأ محمد بن علي ، ومعاوية بن عبد الله تلك الصحيفة ، المشار إليها آنفا ، ووجد كل منهما ذكرا للجهة التي هو فيها ..

ولهذا نلاحظ : أن كلا من محمد بن علي ، ومعاوية بن عبد الله ، قد ادعى الوصاية من أبي هاشم ؛ مما يدل دلالة واضحة على أنه لم يخصص أيا منهما بالوصية ، وإنما عرفهما دعاته فقط ..

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ج ٧ ص ١٤٩.

٢٩

هذا .. وبعد موت معاوية بن عبد الله ، قام ابنه عبد الله يدعي الوصاية من أبيه ، من أبي هاشم .. وكان له في ذلك شيعة ، يقولون بامامته سرا حتى قتل ..

وأما محمد بن علي فقد كان بمنتهى الحنكة والدهاء ، وقد تعرف ـ كما قلنا ـ من أبي هاشم على الدعاة ، واستطاع بما لديه من قوة الشخصية ، وحسن الدهاء أن يسيطر عليهم ، ويستقل بهم (١) ، ويبعدهم عن معاوية بن عبد الله ، وعن ولده ، ويبعدهما عنهم ..

واستمر محمد بن علي يعمل بمنتهى الحذر والسرية .. وكان عليه أن :

١ ـ يحذر العلويين ، الذين كانوا أقوى منه حجة ، وأبعد صيتا. بل عليه أن يستغل نفوذهم ـ إن استطاع ـ لصالحه ، وصالح دعوته .. ولقد فعل ذلك هو وولده كما سيتضح ..

٢ ـ وكان عليه أيضا أن يتحاشى مختلف الفئات السياسية ، التي لن يكون تعامله معها في صالحه ، وفي صالح دعوته ..

٣ ـ والأهم من ذلك أن يصرف أنظار الحكام الأمويين عنه ، وعن نشاطاته ، ويضللهم ، ويعمي عليهم السبل ..

ولذا فقد اختار خراسان ، فأرسل دعاته إليها ، وأوصاهم بوصيته

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٠.

٣٠

المشهورة ، التي يقسم فيها البلاد والامصار : هذا علوي ، وذاك عثماني ، وذلك غلب عليه أبو بكر وعمر ، والآخر سفياني .. إلى آخر ما سيأتي (١) ..

__________________

(١) ولقد بذل محمد بن علي جهدا جبارا في إنجاح الدعوة ، وكانت أكثر نشاطاته في حياة والده ، علي بن عبد الله ، الذي يبدو أنه لم يكن له في هذا الأمر دور يذكر. وتوفي والده على ما يظهر في سنة ١١٨ ه‍. وكان قد بدأ نشاطاته ، حسب ما بأيدينا من الدلائل التاريخية من سنة ١٠٠ ه‍. أي بعد وفاة أبي هاشم بسنتين. إذ في : سنة ١٠٠ ه‍. وجه محمد بن علي من أرض الشراة ميسرة إلى العراق ووجه محمد بن خنيس ، وأبا عكرمة السراج ، وهو أبو محمد الصادق ، وحيان العطار إلى خراسان. وفيها أيضا جعل اثني عشر نقيبا ، وأمر دعاته بالدعوة إليه ، وإلى أهل بيته ..

وفي سنة ١٠٢ ه‍. وجه ميسرة رسله إلى خراسان ، وظهر أمر الدعوة بها وبلغ ذلك سعيد خذينة ، عامل خراسان ؛ فأرسل ، وأتى بهم ، واستنطقهم ، ثم أخذ منهم ضمناء وأطلقهم ..

وفي سنة ١٠٤ ه‍. دخل أبو محمد الصادق ، وعدة من أصحابه ، من أهل خراسان إلى محمد بن علي ؛ فأراهم السفاح في خرقة ، وكان قد ولد قبل خمسة عشر يوما ، وقال لهم : « والله ، ليتمن هذا الأمر ، حتى تدركوا ثاركم من عدوكم ».

وفي سنة ١٠٥ ه‍. دخل بكير بن ماهان في دعوة بني هاشم .. وفيها مات ميسرة ؛ فجعل محمد بن علي بكيرا هذا مكانه في العراق ..

وفي سنة ١٠٧ ، أو ١٠٨ ه‍. وجه بكير بن ماهان عدة من الدعاة إلى خراسان ، فظفر بهم عامل خراسان ؛ فقتلهم ، ونجا منهم عمارة ؛ فكان هو الذي أخبر محمد ابن علي بذلك.

وفي سنة ١١٣ ه‍. صار جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان ؛ فأخذ الجنيد بن عبد الرحمن رجلا منهم ؛ فقتله ، وقال : « من اصيب منهم فدمه هدر ».

وفي سنة ١١٧ ه‍. أخذ عامل خراسان أسد بن عبد الله وجوه دعاة بني العباس ، وفيهم النقباء ، ومنهم سليمان بن كثير ؛ فقتل بعضهم ، ومثل ببعضهم ، وحبس آخرين ..

وفي سنة ١١٨ وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد ـ وهو خداش ـ واليا على شيعة بني العباس ؛ فنزل مروا ، ودعا إلى محمد بن علي ؛ ثم غلا ..

٣١

وأمرهم ـ أعني الدعاة بالتحاشي عن الفاطميين ، لكنه ظل هو شخصيا ، ومن معه من العباسيين ، الذين استنوا بسنته ، وساروا من بعده بسيرته ـ ظلوا ـ يتظاهرون للعلويين بأنهم معهم ، وأن دعوتهم لهم. ولم يكن إلا القليلون يعرفون بأنه : كان يدبر الأمر للعباسيين.

وقد أعطى دعاته شعارات مبهمة ، لا تعين أحدا ، وصالحة للانطباق على كل فريق ، كشعار : « الرضا من آل محمد » و « أهل البيت » ، ونحو ذلك ..

مدى سرية الدعوة :

والظاهر .. أن عبد الله بن معاوية كان من جملة أولئك المخدوعين بهذه الشعارات ؛ إذ قد ذكر المؤرخون ، ومنهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص ١٦٨ ، وغيره : أنه بعد ان استظهر ابن ضبارة على عبد الله ابن معاوية توجه عبد الله إلى خراسان ، وكان أبو مسلم قد ظهر بها ؛ فخرج إلى أبي مسلم طمعا في نصرته!! فأخذه أبو مسلم ؛ فحبسه ، ثم قتله ..

__________________

وفي سنة ١٢٠ ه‍. وجهت شيعة بني العباس سليمان بن كثير إلى محمد بن علي في أمر خداش.

وفي سنة ١٢٤ ه‍. قدم جماعة من شيعة بني العباس الكوفة يريدون مكة. وفيها أيضا اشترى بكير بن ماهان أبا مسلم ..

راجع في ذلك كله :

تاريخ الطبري مطبعة الاستقامة ج ٥ ص : ٣١٦ ، ٣٥٨ ، ٣٦٨ ، ٣٨٧ ، ٣٨٩ ، ٤٢٥ ، ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، ٤٦٧ ، ٥١٢ ، وغير ذلك من كتب التاريخ.

٣٢

وهذا يدل دلالة واضحة على أن عبد الله بن معاوية كان يظن أن أبا مسلم سوف ينصره ، وأنه ـ يعني أبا مسلم ـ كان يدعو إلى أهل البيت ، والرضا من آل محمد على الحقيقة ، ولم يخطر في باله : أن الدعوة كانت للعباسيين ، وبتدبير من أعظم داهية فيهم!! ..

بل لعلنا نستطيع أن نقول : إن محمد بن علي قد استطاع أن يخفي هذا الأمر حتى عن ولديه : السفاح ، والمنصور ، ولذا نراهما قد التحقا مع جميع بني هاشم العباسيين والعلويين على حد سواء ، وبعض الأمويين (١) ووجوه قريش بعبد الله بن معاوية الخارج سنة ١٢٧ ه‍. في الكوفة ، ثم في شيراز ؛ حيث تغلب على : فارس ، وكورها ، وعلى حلوان ، وقومس ، واصبهان ، والري وعلى مياه الكوفة ، وعلى مياه البصرة ، وعلى همدان ، وقم ، واصطخر ، وعظم أمره جدا (٢).

وقد تولى المنصور من قبل عبد الله بن معاوية هذا على « إيذج » (٣) كما تولى غيره غير ذلك من الأمصار .. فقبول المنصور لولاية « إيذج » من قبله ، باعتباره من الهاشمين يكشف عن أنه لم يكن يعلم : أن والده كان ابتداء من سنة مائة ، أي قبل خروج عبد الله بن معاوية بـ (٢٨) سنة يسعى جاهدا ، ويشقى ويتعب في تدبير الامر للعباسيين ، وتركيز الدعوة لهم .. وانما كان يعلم أن الدعوة كانت لأهل البيت ، والرضا من

__________________

(١) الأغاني ج ١١ ص ٧٤ ، ومقاتل الطالبيين ص ١٦٧ ، والوزراء والكتاب ص ٩٨.

(٢) راجع أنساب الأشراف ص ٦٣ ، والأغاني ج ١١ ص ٧٤ ، ومقاتل الطالبيين ص ١٦٧ ، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٥ ، ٢٦ ، وص ٣ ، وعمدة الطالب ، وزاد في تاريخ الجنس العربي : المدائن ، ونيسابور ..

(٣) أنساب الأشراف للبلاذري ص ٦٣ ، وعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب طبع بمبئي ص ٢٢ ، والوزراء والكتاب ص ٩٨ و ٩٩ ، وفرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص ٢١٠. وفيه : أن سليمان بن حبيب بن المهلب أخذه ؛ فحبسه ، وأراد قتله ، فسلم المنصور منه بعد أن أشرف على القتل .. وليراجع الجهشياري أيضا.

٣٣

آل محمد ، المنطبق ـ بالطبع ـ على العلويين أكثر من غيرهم على الاطلاق ..

وإلا فلو كان لمحمد بن علي دعوة واضحة ، ومشهورة ، ومتميزة ، وكان المنصور يعلم بها لكان توليه لإيذج من قبل عبد الله بن معاوية مضرا جدا في دعوة أبيه ، وضربة قاضية لها ..

اللهم إلا أن يكون ثمة غرض آخر أهم ؛ فيكون ذلك منهم حنكة ودهاء .. كأن يكون نظرهم إلى أنه : لو نجحت دعوتهم ، فبها ..

وإلا .. فلو نجحت دعوة عبد الله بن معاوية ، فباستطاعتهم أن يحتفظوا فيها بمراكزهم ، ونفوذهم ؛ إذ لهم أن يقولوا : إننا كنا من المعاونين والمساهمين في هذه الدعوة .. كما أن بذلك تنصرف أنظار الحكام عنهم ، ويأمن العلويون جانبهم ؛ فلا يناهضون دعوتهم ولا يقفون في وجهها .. وبهذه الاسباب نستطيع أن نفسر بيعة العباسيين جميعا ، اكثر من مرة لمحمد بن عبد الله العلوي ، وبه أيضا نفسر جواب المنصور لسائله عن محمد بن عبد الله هذا ، حيث قال : « هذا محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن ، مهدينا أهل البيت » ويأخذ بركابه ، ويسوي عليه ثيابه (١).

وأيضا قوله في مجلس البيعة لمحمد هذا : « ما الناس أصور أعناقا ، ولا أسرع إجابة منهم لهذا الفتى .. » كما سيأتي .. ومما يوضح أيضا مدى تكتم العباسيين بأمر دعوتهم ، أن : إبراهيم الامام قد بشر بأنه قد أخذت له البيعة بخراسان ـ وهو في نفس الاجتماع الذي كان قد عقد ليجددوا فيه البيعة لمحمد بن عبد الله بن الحسن .. وسيأتي المزيد من الشواهد لهذا أيضا إن شاء الله تعالى.

وهكذا .. فان النتيجة تكون هي : أن العباسيين ظلوا يتسترون

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٢٣٩ ، ٢٤٠.

٣٤

بالعلويين ، ويخدعونهم ، على اعتبار أنهم لو نجحوا في دعوتهم السرية ، فان بيعتهم للعلويين ، ودعوتهم لهم لا تضرهم ، وإذا ما فشلوا فانهم سوف يحتفظون بنفوذهم ومراكزهم في دولة أبناء عمهم ..

هذا مجمل الكلام بالنسبة للدعوة العباسية ، ولكن طبيعة البحث تفرض علينا التوسع في بيان المراحل التي مرّت بها هذه الدعوة ، ولا سيما فيما يتعلق بربطها بأهل البيت عليهم‌السلام ، والعلويين ، ومدى اعتمادهم على هذا الربط .. فنقول :

لا بد من ربط الثورة بأهل البيت ..

إنه كان لا بد للعباسيين من ربط الثورة والدعوة بأهل البيت عليهم‌السلام ، حيث إنهم كانوا بحاجة إلى :

أولا : صرف انظار الحكام عنهم ..

ثانيا : كسب ثقة الناس بهم ، والحصول على تأييدهم لهم.

ثالثا : أن لا تقابل دعوتهم بالاستغراب ، والاستهجان ، حيث إنهم لم يكونوا معروفين في أقطار ، وانحاء الدولة الاسلامية المترامية الأطراف ، ولا كان يعرف أحد لهم حقا في الدعوة لأنفسهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى العلويين ، مما يجعل الدعوة لهم مع وجود العلويين مستغربة ومستهجنة إلى حد ما ..

رابعا : ـ وهو أهم ما في الامر ـ أن يطمئن إليهم العلويون ، ويثقوا بهم ، حتى لا تكون لهم دعوة في مقابل دعوتهم ، لأن ذلك بلا شك سوف يضعفهم ، ويوهن قوتهم ، لما يتمتع به العلويون من نفوذ ومكانة في نفوس الناس بشكل عام ..

ولهذا نرى أبا سلمة الخلال ، يعتذر لابي العباس السفاح ، عن كتابته

٣٥

للامام الصادق عليه‌السلام ، بأن يجعل الدعوة باسمه ، ويبايعه ـ يعتذر ـ بأنه : « كان يدبر استقامة الأمر (١) ».

نعم .. لقد كان لربطهم الثورة بأهل البيت عليهم‌السلام أثر كبير في نجاح ثورتهم ، وظهور دعوتهم. وقد أكسبها ذلك قوة ومنعة ، وجعلها في منأى ومأمن من طمع الطامعين ، وتطلع المتطلعين ، الذين كانوا يرجون لأنفسهم حظا من الحياة الدنيا ، وما أكثرهم ..

كما وأن ذلك قد أثر أثرا بالغا في اكتسابهم عطف الأمة ، وتأييدها ، وخصوصا الخراسانيين ، الذين كانوا لا يزالون يعيشون الإسلام بعيدا عن أهواء المبتدعين ، وتلاعب المتلاعبين ، والذين : « وإن كانوا أقل غلوا ( أي من أهل الكوفة ) ، فقد كانوا أكثر حماسة للدعوة لأهل البيت » (٢) ؛ وذلك لأنهم لم يعاملوا معاملة حسنة في الواقع ، ولم يسر فيهم بسيرة محمد والقرآن إلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣) ..

كما أنهم لم ينسوا بعد ما لا لاقوه في الدولة الأموية من العسف والتنكيل ؛ ولذا فمن الطبيعي أن نراهم مستعدين لتقبل أية دعوة لأهل البيت عليهم‌السلام ، والتفاعل معها ، بل والتفاني في سبيلها. كما أن بلدهم كان بعيدا من مركز الخلافة بالشام ولم يكن فيه فرق وأحزاب متناحرة كالعراق الذي كان فيه شيعة وخوارج ومرجئة وغير ذلك. وكانت وطأة الحكم العباسي على العراق ومراقبتهم لكل حركة فيه أشد منها في خراسان ..

وبالفعل لقد شيد الخراسانيون ، الذين كانوا يحبون أهل البيت عليهم‌السلام أركان دولة بني العباس ، وقامت خلافتهم على أكتافهم ، واستقامت

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٧.

(٢) السيادة العربية ، والشيعة ، والاسرائيليات ص ١٠٦.

(٣) نفس المصدر ص ٣٩.

٣٦

لهم الامور بفضل سواعدهم ، وأسيافهم ، وسيأتي إن شاء الله المزيد من الكلام عن الايرانيين ، وعن سر تشيعهم ، وخاصة الخراسانيين منهم في فصل : ظروف المأمون الخ .. وغيره من الفصول ..

المراحل التي مرت بها عملية الربط :

ولقد مرت عملية الربط هذه بثلاثة مراحل أو أربعة ، طبقا للظروف التي كانت قائمة آنذاك .. وإن كانت هذه المراحل قد تبدو متداخلة ، وغير مميزة في أحيان كثيرة (١) .. إلا أن ذلك كان تبعا للظروف المكانية ، والزمانية ، والاجتماعية ، التي كانت تتفاوت وتختلف باستمرار إلى حد كبير .. وهذه المراحل هي :

الأولى : دعوتهم في بادئ الأمر « للعلويين ».

الثانية : دعوتهم إلى : « أهل البيت » ، و « العترة ».

الثالثة : دعوتهم إلى « الرضا من آل محمد ».

الرابعة : ادعاؤهم الخلافة بالارث ، مع حرصهم على ربط الثورة بأهل البيت ، بدعوى : أنهم إنما خرجوا للأخذ بثارات العلويين ، وليرفعوا عنهم الظلم الذي حاق بهم ..

المرحلة الأولى :

وإذ قد عرفنا أن الدعوة كانت في بدء أمرها للعلويين ، فلا يجب

__________________

(١) قال في العيون والحدائق ص ١٨٠ : « وكان قد انتشر في خراسان دعاة من الشيعة ، وقد انقسموا قسمين : قسم منهم يدعو إلى آل محمد على الاطلاق. والقسم الثاني يدعو إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ، وكان المتولي لهذه الدعوة إلى آل رسول الله (ص) ابن كثير ، وكان الدعاة يرجعون في الرأي والفقه إلى أبي سلمة الخ .. ».

٣٧

أن نستغرب كثيرا ، إذا قيل لنا : إن جلة العباسيين ، حتى ابراهيم الامام ، والسفاح ، والمنصور كانوا قد بايعوا للعلويين اكثر من مرة ، وفي اكثر من مناسبة ، فإن ذلك ما كان الا ضمن خطة مرسومة ، وضعت بعناية فائقة ، بعد دراسة معمقة لظروفهم مع العلويين خاصة ، ومع الناس بشكل عام ..

ويمكن أن نعتبر بيعتهم هذه هي المرحلة الأولى من تلك المراحل المشار إليها آنفا ..

فنراهم عدا عن تعاونهم الواضح مع عبد الله بن معاوية ، قد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن أكثر من مرة أيضا ، فقد :

« اجتمع آل عباس ، وآل علي عليه‌السلام بالأبواء ، على طريق مكة ، وهناك قال صالح بن علي : « إنكم القوم الذين تمتد إليهم أعين الناس ، فقد جمعكم الله في هذا الموضع ، فاجتمعوا على بيعة أحدكم ، فتفرقوا في الآفاق ، فادعوا الله ، لعل أن يفتح عليكم ، وينصركم » ، فقال أبو جعفر ، أي المنصور : « لأي شيء تخدعون أنفسكم؟ والله ، لقد علمتم : ما الناس أصور ( أي أميل ) أعناقا ، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى » ، يريد محمد بن عبد الله العلوي .. قالوا : « قد والله صدقت ، إنا لنعلم هذا » ، فبايعوا جميعا محمدا ، وبايعه ابراهيم الامام ، والسفاح ، والمنصور ، وصالح بن علي ، وسائر من حضر » طبعا ما عدا الامام الصادق عليه‌السلام .. ».

وخرج دعاة بني هاشم عند مقتل الوليد بن يزيد ، فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده ، وما لحقهم من القتل ، والخوف ، والتشريد ، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق الوصية إلى من يدعو إليه ..

ولم يجتمعوا ( أي المتبايعون الآنف ذكرهم ) إلى أيام مروان بن

٣٨

محمد ، ثم اجتمعوا يتشاورون ، إذ جاء رجل إلى ابراهيم الامام ، فشاوره بشيء ، فقام وتبعه العباسيون ، فسأل العلويون عن ذلك ، فاذا الرجل قد قال لإبراهيم : « قد أخذت لك البيعة بخراسان ، واجتمعت لك الجيوش .. ».

بل لقد بايع المنصور محمد بن عبد الله العلوي مرتين : إحداهما : بالأبواء على طريق مكة. والأخرى : بالمدينة. وبايعه مرة ثالثة أيضا : في نفس مكة ، وفي المسجد الحرام بالذات ..

ومن هنا نعرف السبب في حرص السفاح والمنصور على الظفر بمحمد ابن عبد الله العلوي ، فان ذلك لم يكن إلا بسبب ما كان له في اعناقهما من البيعة (١) ..

__________________

(١) قد اقتبسنا هذه النصوص كلها من كثير من المراجع ، وخصوصا : مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرج الاصفهاني ، صاحب الأغاني ص ٢٣٣ ، ٢٣٤ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٩٥ ، وغيرها .. وعلى كل فان كون الدعوة العباسية كانت في بدء أمرها باسم العلويين ، يبدو مما لا شك فيه ، ومما اتفقت عليه كلمات المؤرخين ، والنصوص التاريخية ، التي سوف نشير إلى شطر منها في هذا الفصل ..

ولا بأس أن يراجع بالاضافة إلى مقاتل الطالبيين في الصفحات المشار إليها : النصوص التي وردت في : النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٥٠ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٤ ص ٣ ، وج ٣ ص ١٨٧ ، والفخري في الآداب السلطانية ص ١٦٤ ، ١٦٥ ، وتاريخ التمدن الاسلامي ج ٤ ص ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، والبحار ج ٤٧ ص ١٢٠ وص ٢٧٧ ، وعمدة الطالب ، طبع بيروت ص ٨٤ ، والخرائج والجرائح ص ٢٤٤ ، وجعفر ابن محمد ، لعبد العزيز سيد الاهل ص ١١٥ ، فما بعدها ، وغاية الاختصار ص ٢٢ ، وإعلام الورى ص ٢٧١ ، ٢٧٢ ، وارشاد المفيد ص ٢٩٤ ، ٢٩٦ ، وكشف الغمة ج ٢ ص ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، وابن اعثم الكوفي في كتابه : الفتوح على ما نقله في طبيعة الدعوة العباسية ، .. وأشار الطبري إلى ذلك في تاريخه ج ١٠ ص ١٤٣ ، فقال : قد ذكروا أن محمدا كان يذكر أبا جعفر ممن بايعه ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة ، حين اضطرب أمر بني مروان .. وأشار إلى ذلك أيضا ابن الأثير ج ٤ ص ٢٧٠ ، ويراجع أيضا شرح ميمية أبي فراس ص ١١٤ ، وص ١٠٤. ١٠٥. وغير هؤلاء كثير ..

٣٩

وقد ذكر أبو فراس الحمداني هذه البيعة في قصيدته المشهورة ، المعروفة بـ « الشافية » ، فقال :

بئس الجزاء جزيتم في بني حسن

أباهم العلم الهادي وأمهم

لا بيعة ردعتكم عن دمائهم

ولا يمين ، ولا قربى ، ولا ذمم

وذكر ابن الأثير : أن عثمان بن محمد ، بن خالد بن الزبير ، هرب بعد مقتل محمد إلى البصرة ، فأخذ وأتي به إلى المنصور ، فقال له المنصور : يا عثمان ، أنت الخارج علي مع محمد؟!. قال له عثمان : بايعته أنا وأنت بمكة ، فوفيت ببيعتي ، وغدرت ببيعتك. فشتمه المنصور ، فأجابه ، فأمر به فقتل (١) ..

وذكر البيهقي : أنه لما حمل رأس محمد بن عبد الله بن الحسن إلى المنصور ، من مدينة الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال لمطير بن عبد الله : « أما تشهد أن محمدا بايعني؟. » قال : « أشهد بالله ، لقد أخبرتني أن محمدا خير بني هاشم ، وأنك بايعت له .. » قال : يا ابن الزانية الخ : وكانت النتيجة : أن المنصور أمر به ، فوتد في عينيه ، فما نطق!!. (٢)

إلى آخر ما هنالك من النصوص الكثيرة ، التي يتضح معها بما لا مجال معه للشك : أن الدعوة كانت في بدء أمرها لخصوص العلويين ، وباسمهم ، ثم استغلت بعد ذلك لمصلحة العباسيين ..

المرحلة الثانية ..

ثم رأينا بعد ذلك : كيف أن الدعوة العباسية تستبعد العلويين ،

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٢.

(٢) المحاسن والمساوي للبيهقي ص ٤٨٢.

٤٠