مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

بقدر ما عتق منه » (١).

وصحيحة ابن حازم : « المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدّى » (٢).

وعلى الأوّل أيضاً بخصوصه : ما روي عن علي عليه‌السلام قال : « إنّه يُحجب بقدر ما فيه من الرقيّة » (٣).

وحسنة محمد بن قيس : في رجل مكاتب كانت تحته امرأة حرّة ، فأوصت عند موتها بوصيّة فقال أهل الميراث : لا يرث ، ولا نجيز وصيتها له ، لأنّه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى عليه‌السلام : أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه (٤).

وعلى الثاني أيضاً بخصوصه : صحيحة محمد بن قيس : قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب توفي وله مال ، قال : « يحسب ميراثه على قدر ما أُعتق منه لورثته ، وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله » (٥).

وموثقة محمد : في مكاتب مات وقد أدّى من مكاتبته شيئاً وترك مالاً وله ولدان أحرار فقال : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : يجعل ماله بينهم وبين مواليه بالحصص » (٦).

وصحيحة العجلي : عن رجل كاتب عبداً له على ألف درهم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ٥٦ ، المغني ٧ : ١٣٦.

(٢) الكافي ٧ : ١٥١ ، ١ ، الفقيه ٤ : ٢٤٨ ، ٨٠٢ ، التهذيب ٩ : ٣٤٩ ، ١٢٥٥ ، الوسائل ٢٦ : ٤٨ أبواب موانع الإرث ب ١٩ ح ٣.

(٣) المسالك ٢ : ٣١٥.

(٤) الكافي ٧ : ١٥١ ، ٣ ، الوسائل ٢٦ : ٤٧ أبواب موانع الإرث ب ١٩ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٥١ ، ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٤٨ ، ٨٠١ ، التهذيب ٩ : ٣٤٩ ، ١٢٥٤ ، الوسائل ٢٦ : ٤٨ أبواب موانع الإرث ب ١٩ ح ٢.

(٦) الكافي ٧ : ١٥٢ ، ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٥٢ ، ١٢٦٢ ، الوسائل ٢٦ : ٥٨ أبواب موانع الإرث ب ٢٣ ح ٤.

٨١

ولم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرقّ ، وأنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم ، ثمّ مات المكاتب وترك مالاً وترك ابناً له مدركاً ، قال : « نصف ما ترك المكاتب من شي‌ء فإنّه لمولاه الذي كاتبه ، والنصف الباقي لابن المكاتب ، لأنّ المكاتب مات ونصفه حرّ ونصفه عبد للذي كاتبه ، فابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حرّ ونصفه عبد للذي كاتب أباه ، فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ لا سبيل لأحد من الناس عليه » (١).

وهذه الأخبار وإن كانت مخصوصة بالمكاتب الا أنه غير ضائر ، لأن العلة هي عتق البعض ، كما صرح به في الأخيرة ، ويشعر به حسنة ابن قيس أيضاً.

وأما ما في بعض الاخبار الصحيحة وغيرها ، من ان ولد المكاتب إذا أدّى ما بقي على أبيه كان ما يبقى له (٢) فلإطلاقه واحتمال ان يكون المراد ما بقي من نصيبه يقيد ويحمل على انه إذا أدّى ما بقي على أبيه ممّا يخصّه ثم بقي بعد ذلك شي‌ء كان له ، لوجود المقيّد ، وبهذا صرّح في التهذيب (٣).

فائدة : المراد بإرثه بقدر حرّيته : ان تقدر حرّيته كلّه وينظر الى ما يستحقّه على هذا التقدير فينسب شقصه الحرّ الى الجميع ، ويرث ممّا يستحقّه حرّا بهذه النسبة ، فلو كان للميت ابنان نصف أحدهما حرّ فله الربع ، ولو لم يكن غيره فله النصف ، ولو تحرّر ثلث أحدهما فله السدس ، ولو لم يكن غيره فله الثلث ، ولو كان له ابنان نصفهما حرّ فلكل واحد منهما الربع ، واحتمال التكميل فلكل منهما النصف كاحتمال التنزيل أو الخطاب فلكل منهما ثلاثة أثمان خروج عن ظاهر النص. وكذا في سائر‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٥٠ ، ١٢٥٩ ، الوسائل ٢٦ : ٥٩ أبواب موانع الإرث ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٥٧ أبواب موانع الإرث ب ٢٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٥١.

٨٢

الفروض.

والحاصل أنّ التوريث بقدر ما حرّر ظاهر في النسبة ، والرجوع الى التكميل أو التنزيل أو الخطاب خلاف الظاهر المتبادر فلا يصار إليه (١).

__________________

(١) المراد بالنسبة أن يورث المشقّص بنسبة ما فيه من الحرّية من نصيبه ويعطى الزائد لمن بعد.

وبالتكميل أن يضم مقدار الحرّية من المشقّص إلى الحرّية ممن في طبقته ، فإن كمل منهما حرّ واحد لا أزيد ورثا جميعاً المال وميراث حرّ كامل ، ثم يقسّم المال بينهما على قدر ما فيهما من الحرّية ، فلذي النصف النصف ، ولذي الثلثين الثلثان وهكذا ، فإن زاد ما فيهما عن حرّ عيل الفريضة ووزع المال على مفاد الحرّية ، فللكامل الثلثان ، ولذي النصف الثلث ، وإن نقص ما فيهما عن حرّ كامل ورثا بقدر ما فيهما من الحرّية ويكون الباقي لمن بعدُ.

وبالتنزيل ويسمّى تنزيل الأحوال أيضاً ضبط جميع الأحوال المتصورة للمشقص وتعيين سهمه على كل من تلك الأحوال ، ثمّ أخذ سهم منتزع من مجموع تلك السهام على السواء ، فلذي الحالين نصف ما حصل له فيهما ، ولذي الأربع ربع ما حصل له فيها ، وإذا زاد المشقص على اثنين لوحظ كل من الورثة مع كل منهم ويجمع ما حصل له في الأربعين أو الأربعات.

وبالخطاب أن يخاطب المشقص بحالاته وينظر إلى ما يصل إليه.

وحاصله أنّ حرية بعض الوراث المشاركين تمنع البعض الآخر الذي لو انفرد لأخذ الكل عن قدر نصيبه المانع ، فتمنع حرّية المشقّص جزء النسبة إلى ما يمنعه الكل كنسبة الجزء إلى الكل.

وتوضيحه أنّه يخاطب من ثلثاه حرّ بأنّه : لو كنت وحدك وكنت حراً كاملاً أخذت المال كله ، ولو كنتما حرين كاملين كان لكل منكما النصف فقد حجبك أخوك بحريته الكاملة عن النصف فثلثه يحجبك عن ثلث النصف وهو السدس فيبقى لك خمسة أسداس لو كنت حراً ، فلك بثلثي الحرية ثلثا الخمسة أسداس وهما خمسة أتساع وهي عشرة من ثمانية عشر ، ويقال لمن ثلثه حرّ : حجبك أخوك بثلثي حريته عن ثلثي النصف وهو ثلث الكل ، يبقى لك ثلثاه لو كنت حراً ، ولكن لك الآن بثلث حريتك ثلث ذلك وهو تُسعان أربعة من ثمانية عشر ، ويبقى تسعان وهو الأربعة الباقية لمن بعد. ( منه رحمه‌الله ).

٨٣

ثم بعد النسبة والتوريث يكون الزائد لمن بعده من الطبقات إن اتفق ، لوجود المقتضي وعدم المانع على ما سبق. ولو لم يتفق فلو اتفق وارث مملوك اشتري وورث أن يفي الزائد بقيمته ، وإلاّ ففي شراء الجزء من المشقص أو توريث الامام وجهان ، خيرهما أخيرهما.

وأمّا الإرث منه بنسبة الحريّة فذكروا في كيفيته وجهين :

أحدهما : أن يقسّط جميع ما كسبه بجزئه الحرّ بين مولاه ووارثه بالنسبة ، فاذا كان نصفه حرا ونصفه رقاً فنصف ما ملكه بكسبه في أيّامه للمولى ونصفه للوارث.

وثانيهما : أن يكون جميع ما كسبه بجزئه الحرّ ملكاً لوارثه من غير نصيب لمولاه فيه ، لأنّه قد استوفى نصيبه بحقّ ملكيته ، فما كسبه في أيّام رقيته فهو ملك لمولاه ولا سبيل له على ما كسبه في زمان حرّيته ، فعلى هذا فالتقسيط بينهما بالنسبة إنّما هو مخصوص بما إذا كانت تركته مكتسبة بكل السعاية من دون مهاياة.

والظاهر هو الوجه الأوّل ، لأنّ ما اكتسبه في أيّام مولاه ملك لمولاه ، وملكه منحصر فيما اكتسبه في أيّامه ، فلو اختص الوارث بذلك لم يصدق التوريث بالنسبة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الوجهين إنّما هو في غير المكاتب المشقّص ، لانتفاء التقسيط والمهاياة فيه واختصاص جميع أيامه به.

المسألة السادسة : عدم توريث أُمّ الولد والمدبّر والمكاتب المشروط والمطلق الّذي لم يؤدّ شيئاً عن غير المولى ما داموا رقيقاً واضح ، لتحقق الوصف المانع.

وأمّا عنه إذا كان لأحدهم جهة وراثة فكذلك في الطرفين ، أمّا في‌

٨٤

الأخير فلما مرّ. وأمّا في الأوّل ، لأنّ الولد المفروض بقاؤه حجاب لها لا محالة. وأمّا المدبّر فإن تعدد الوارث الحرّ فيرث جميع التركة إن تقدّمهم مرتبة ، وشاركهم إن ساواهم ، لانعتاقه بمجرد موت المولى فتتأخر القسمة عن عتقه. وإن اتّحد فلا يرث ، لعدم صدق العتق قبل القسمة ، لانتفائها مع الاتّحاد كما سبق ، فيبقى على الأصل الثابت وهو عدم توريث المملوك ، ولمقارنة انتقال التركة إلى الحرّ لانعتاقه ، لكونهما معلولين لعلة واحدة هي موت المولى ، والانتقال منه ثانياً يحتاج إلى ناقل شرعي ، وهو مفقود. والاستدلال بمسبوقية الانعتاق بالانتقال ـ كما في المسالك (١) خطأ.

الرابع من الموانع : اللعان.

وهو يقطع إرث الزوجين والولد المنفي من جانب الأب والابن ، فيرث الابن امّه وترثه ، وكذا يرثه ولده وقرابة الامّ والزوج والزوجة ، فإن اعترف به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس ، لورود النص بذلك.

ويلحق بهذا المقام مسائل :

المسألة الأُولى : اختلفوا في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة منقطعة على أقوال :

الأوّل : أنّه يحبس ماله ويتربّص به حتّى يتحقّق موته أو تنقضي مدة لا يعيش مثله إليها عادة. وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، والقاضي وابن حمزة والحلّي والمحقّق والفاضل في أكثر كتبه والشهيدين‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٢٥.

٨٥

في اللمعة والمسالك (١) ، وجعله في التنقيح أولى وأحوط (٢) ، وبه كان يحكم والدي العلاّمة طاب ثراه ، بل هو المشهور كما في المسالك والروضة والمفاتيح والكفاية (٣).

والثاني : أنّه يحبس ماله أربع سنين ، ويطلب فيها في ( كل ) (٤) الأرض‌ ، فإن لم يوجد قسّم ماله بين ورثته. وإليه ذهب الصدوق والسيد والحلبي وابن زهرة (٥) ، ونفى البأس عنه في المختلف (٦) ، وقوّاه في الدروس والروضة (٧) ، واستوجهه في المسالك (٨) ، وقال في المفاتيح وشرحه : إنّه سيّد الأقوال (٩) ، واختاره في الكفاية (١٠) ، وادّعى عليه الإجماع في الإنتصار والغنية (١١).

والثالث : أنّه يحبس إلى عشر سنين ، ثمّ يقسّم من غير طلب إن كان‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ١١٩ ، المبسوط ٤ : ١٢٥ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٦٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠٠ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٢٩٨ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ١٦ ، الفاضل في القواعد ٢ : ١٦٧ ، والتحرير ٢ : ١٧٣ ، والمختلف : ٧٤٩ ، اللمعة ( الروضة ٨ ) : ٤٩ ، المسالك ٢ : ٣١٥.

(٢) التنقيح ٤ : ٢٠٧.

(٣) المسالك ٢ : ٣١٥ ، الروضة البهية ٨ : ٤٩ ، المفاتيح ٣ : ٢١٨ ، كفاية الأحكام : ٢٩١.

(٤) ليس في « ق » و « س ».

(٥) الصدوق في المقنع : ١١٩ ، السيّد في الانتصار : ٣٠٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٦) المختلف : ٧٤٩.

(٧) الدروس ٢ : ٣٥٢ ، الروضة البهية ٨ : ٥٠.

(٨) المسالك ٢ : ٣١٥.

(٩) المفاتيح ٣ : ٣١٩.

(١٠) كفاية الأحكام : ٢٩٢.

(١١) الانتصار : ٣٠٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

٨٦

خبره منقطعاً لغيبة أو لكونه مأسوراً ، ولو كان فقده في عسكر قد شهرت هزيمته وقتل من كان فيهم أو أكثره كفى مضيّ أربع سنين. ذهب إليه الإسكافي (١).

والرابع : أنّه يقسّم بعد مضيّ عشر سنين مطلقا. نقله في القواعد والنافع والشرائع والروضة (٢) ، ولم أعثر على قائله ، والظاهر أنّه قول الإسكافي (٣) ، ولكنّه سامحوا في نقل قوله ، لاستلزامه التقسيم بعد العشر مطلقاً ، أو لأنّ المفقود في العسكر المذكور خارج عن محل المسألة من جهة مظنة قتله.

الخامس : أنّه يدفع المال إلى وارثه المَلي‌ء. نقله جماعة من غير تعيين قائله (٤) ، ونسبه في المفاتيح (٥) وغيره (٦) إلى المفيد ، وكلامه مخالف لذلك من وجوه ، فإنّه قال : ولو مات إنسان وله ولد مفقود لا يعرف له موت ولا حياة عزل ميراثه حتّى يعرف خبره ، فإن تطاولت المدّة في ذلك وكان للميّت ورثة سوى الولد ملأ بحقه لم يكن بأس باقتسامه ، وهم ضامنون له إن عرف للولد خبر بعد ذلك ، ولا بأس أن يبتاع الإنسان عقار المفقود بعد عشر سنين من غيبته وفقده وانقطاع خبره ، ويكون البائع ضامناً للثمن والدرك (٧).

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٤٨.

(٢) القواعد ٢ : ١٦٧ ، النافع ٢ : ٢٧٤ ، الشرائع ٤ : ١٦ ، الروضة البهية ٨ : ٥٠.

(٣) انظر المختلف : ٧٤٩.

(٤) انظر الشرائع ٤ : ١٦ ، القواعد ٢ : ١٦٧.

(٥) المفاتيح ٣ : ٣١٩.

(٦) كالمسالك ٢ : ٣١٥.

(٧) المقنعة : ٧٠٦.

٨٧

وحاصله أنّه يجوز أن يدفع إلى وارث مورث المفقود الملي‌ء ميراثه مع ضمانهم بعد تطاول المدّة ، ويجوز بيع العقار بعد عشر سنين مع كون الثمن للمفقود ، فإنّ مقتضى ذلك وجوب العزل حتّى يجي‌ء خبره ، وبعد طول المدة يجوز إقراضه لورثة مورث المفقود ، وذلك غير التقسيم لوارث المفقود ، ومع ذلك مقيد بطول المدّة ، والمحكوم به نفي البأس عن ذلك العمل لا تعيينه ؛ ومع ذلك قول المفيد مخصوص بميراث المفقود من مورّثه دون سائر أمواله لو كان له مال آخر.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّه لو كان مراده الإقراض أو الإيداع الذي يجوز للحاكم لم يكن وجه للتخصيص بورثة الميت ثمّ للاقتسام ، فالظاهر أنّ مراده نقل ملكه إليهم وإن ضمنوا لو انكشفت حياته ، كما هو المحتمل على القولين الأولين أيضاً لو قسّم بعد المدة التي لا يعيش ، أو بعد أربع سنين ثمّ جاء المفقود ، بل هو الأظهر كما يأتي. وعلى هذا يتّحد قول المفيد مع ذلك القول في التقسيم.

ويمكن أن يكون تخصيصه بورثة الميت ، لفرض أنّهم ورثة المفقود أيضاً ، كما هو مقتضى الأصل. وحينئذ فيتحد القولان إلاّ في التقييد بطول المدة وعدمه ، ولا بُعد أن يكون القيد أيضاً مراد القائل بذلك القول فيتحدان رأساً.

وكذا يتحدان مع القول الثاني ، إلاّ في تعيين طول المدة والطلب ـ حيث إنّهما مذكوران في الثاني دون ذلك القول وفي اشتراط الملاءة في الوارث.

دليل الأوّل : أصالة عدم الانتقال إلى الوارث ، إلاّ بناقلٍ قطعي. وأصالة بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت. وأصالة عصمة مال الغير عن التصرف‌

٨٨

حتى يثبت المبيح له. وتوقف العلم بالمشروط على العلم بالشرط. والعمومات الدالّة على عدم جواز التصرف في مال الغير.

وحسنة هشام : كان لأبي أجير ، وكان له عندي شي‌ء ، فهلك الأجير فلم يدع وارثاً ولا قرابة ، وقد ضقت بذلك فكيف أصنع إلى أن قال ـ : إنّي قد ضقت بذلك فكيف أصنع؟ فقال : « هو كسبيل مالك ، وإن جاء طالب أعطيته » (١).

ورواية الهيثم أبي روح : إنّي أتقبّل الفنادق ، فينزل عندي الرجل فيموت فجأة لا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته ، فيبقى المال عندي ، كيف أصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ فكتب : « اتركه على حاله » (٢).

أقول : الأُصول إنّما يعمل بها لولا الدليل المخرج عنها ، وأمّا معه كما يدّعيه المخالف فلا أثر لها.

وأمّا الروايتان فهما خارجتان عن محل النزاع ، لأنّ النزاع في مال عرف صاحبه وفقد ، وموردهما إنّما هو فيما علم موت صاحبه ولم يعرف له صاحب آخر.

والقول بأنّه يمكن أن يثبت حكمه في المطلوب بالأولويّة ، بأن يقال : إذا وجب الانتظار في مال لم تعلم حياة صاحبه ولا وجوده أوّلاً لوجب فيما‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤١ ، ٧٦٧ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠١ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ١٠. والرواية كاملةً هي : كان لأبي أجير وكان له عنده شي‌ء ، فهلك الأجير فلم يدع وارثاً ولا قرابة ، قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ فقال : رأيك المساكين رأيك المساكين ، فقلت : جعلت فداك إني قد ضقت ..

(٢) الكافي ٧ : ١٥٤ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٨٩ ، ١٣٩٠ ، الاستبصار ٤ : ١٩٧ ، ٧٣٨ وفيه هيثم بن روح صاحب الخان ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٨ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٤.

٨٩

لم تعلم حياته مع العلم بوجوده أوّلاً بطريق أولى ، إذ ليست علته إلاّ احتمال مجيئه أو حياته مطلقاً ، وأيّهما كان يكون تحققه في الأخير أولى من الأوّل.

مردود ، بمنع العلم بانحصار العلّة فيما ذكر وإنّما هي علّة مستنبطة لا عبرة بها.

هذا مع أنّ الاولى ليست واردة في مجهول المالك أيضاً ، بل هي صريحة في أنّه مال من لا وارث له ، حيث قال : لم يدع وارثاً ولا قرابة ، فهو مال الإمام قطعاً وليس له مالك معروف ولا مجهول غيره.

والظاهر أنّ المراد بالطالب فيها أيضاً الإمام نفسه أو من يوكّله في المطالبة ، وليس في الرواية دلالة على الحبس بالمال أيضاً.

والثانية أيضاً كذلك ، فإنّها واردة فيما لا يُعرف أنّه هل له مالك أو لا ، وسبيل مثل ذلك أيضاً سبيل مال من لا وارث له ، مع أنّ المأمور به فيها الترك على حاله ، ولم يذكر فيها منتهى الترك هل هو حتّى يطلب الإمام أو أربع سنين أو عشر أو غير ذلك ، غايته أنّها تكون عامّة تُخصَّص بالمخصصات الآتية.

هذا مع أنّهما وما بمعناهما معارضة بأخبار أُخر ، كمرسلة الفقيه وفيها : « إن لم تجد له وارثاً وعلم الله منك الجهد فتصدّق به » (١).

ورواية نصر بن حبيب : قد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرأيك إلى أن قال ـ : « أعمل فيها وأُخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتّى تخرج » (٢).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤١ ، ٧٧٠ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠١ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ١١.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٣ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨٩ ، ١٣٨٩ ، الإستبصار ٤ : ١٩٧ ، ٧٤٠ ، إلاّ أنفيه فيض بن حبيب صاحب الخان ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٧ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٣. وفي « ق » ، « ح » : نضر بن حبيب ، وهو المنقول عن بعض نسخ الكافي.

٩٠

وصحيحة يونس : كنّا مرافقين لقوم بمكة وارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم ـ إلى أن قال فقال : « بعه وأعط ثمنه أصحابك » قال ، فقال : جعلت فداك أهل الولاية؟ فقال : « نعم » (١).

ورواية هشام : كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه وله عندنا دراهم وليس له وارث ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « تدفع إلى المساكين » إلى أن قال بعد المسألة ثالثة : « تطلب له وارثاً ، فإن وجدت له وارثاً وإلاّ فهو كسبيل مالك » إلى أن قال : « توصي بها فإن جاء لها طالب وإلاّ فهي كسبيل مالك » (٢) إلى غير ذلك.

وقد يستدل عليه أيضاً بصحيحة ابن وهب عن الصادق عليه‌السلام : في رجل كان له على رجل حق ، ففقده ولا يدرى اين يطلبه ولا يدري أحيّ هو أم ميّت ، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً ، قال : « اطلب » قال : إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال : « اطلبه » (٣).

وصحيحة هشام ، قال : سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم عليه‌السلام وأنا جالس فقال : إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر ، ففقدناه وبقي له من أجره شي‌ء ولا نعرف له وارثاً ، قال : « فاطلبه » قال : قد طلبناه ولم نجده‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٥ ، ١١٨٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ أبواب اللقطة ب ٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٧ : ١٧٧ ، ٧٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٤ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٣ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤١ ، ٧٦٩ ، التهذيب ٩ : ٣٨٩ ، ١٣٨٨ ، الإستبصار ٤ : ١٩٦ ، ٧٣٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٧ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٢.

٩١

قال ، فقال : « مساكين » وحرّك يديه ، قال : فأعاد عليه قال : « اطلب وأجهد ، فإن قدرت عليه ، وإلاّ كسبيل مالك حتى يجي‌ء له طالب ، فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه » (١).

وفيهما مضافاً إلى ما مرّ من الخروج عن محل النزاع : أنّهما لا تدلان على مطلوبه ، لأنّه أمر بالطلب ، ولم يحكم في الأُولى على قدر الطلب ، وعلى ما بعد اليأس وفي الثانية حكم بأنّه كسبيل ماله بعد اليأس حتّى يجي‌ء طالب ـ أي من الإمام ولا أقلّ من احتماله.

هذا مع أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك فدلالتهما موقوفة على ان يكون المستتر في اطلب والبارز في اطلبه راجعين إلى المفقود دون الوارث ، ولكنه يحتمل أن يكونا راجعين إليه دونه ، وحينئذ فلا دلالة لهما على المطلوب ، بل تكونان دالّتين على خلافه.

نعم يمكن أن يستدلّ لذلك القول بموثقتي إسحاق الآتيتين في دليل القول الخامس (٢) ، الآمرتين بعزل نصيب الغائب المفقود حتى يجي‌ء ؛ ولا ينافيه حكمه فيهما بالاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له ، لأنّه نوع اقتراض لا ينكره أرباب هذا القول مع المصلحة.

إلاّ أن فيه ما مرّ ويأتي من أنّه لو كان المراد الاقتراض لما كان وجه للتخصيص والتقسيم.

احتج الثاني (٣) بالإجماع المنقول. وبأنّ التفحّص على هذا الوجه‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٨٩ ، ١٣٨٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٧ ، ٧٣٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٦ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ١.

(٢) انظر ص : ٩٤ و ٩٥.

(٣) كما في الانتصار : ٣٠٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

٩٢

مقتضٍ لاعتداد زوجته عدّة الوفاء بالإجماع ، وعصمة الفروج أهمّ من عصمة الأموال ، فإذا جاز لزوجته أن تنكح غيره بعد انقضاء تلك المدّة مضافاً إلى العدّة فلتجز قسمة أمواله بطريق أولى.

وبموثقة إسحاق بن عمار : « المفقود يُتربّص بماله أربع سنين ثمّ يقسّم » (١).

وموثّقة سماعة : « المفقود يحبس ماله عن الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين ، فإن لم يقدر عليه قسّم ماله بين الورثة »

(٢).

أقول : الدليلان الأوّلان وإن كانا ضعيفين : أمّا الأوّل فلأنّ الإجماع المنقول لا حجّية فيه عندنا أصلاً كما بيّنا في الأُصول ، سيّما مع مخالفة أكثر الأصحاب ، ومعارضته بدعوى الشهرة من جمع أكثر من المدّعين للإجماع.

وأمّا الثاني فلأنّه إن أُريد به أنّه يدلّ على الحكم بموته فيجب تقسيم أمواله فهو ظاهر الفساد ، لأنّه لو دلّ على ذلك لما احتاج إلى طلاق من الولي أو الوالي ، مع أنّ المذكور في أكثر الأخبار (٣) والمشهور بين الأصحاب الاحتياج إليه ، والاعتداد بعدّة الوفاة يمكن أن يكون بعيداً ، بل هو كذلك.

وإن أُريد أنّ جواز فسخ نكاح زوجته وإن لم يكن للحكم بالموت يدلّ على جواز قسمة أمواله بطريق أولى فالأولويّة بل المساواة ممنوعة ، لجواز أن يكونَ لجواز الفسخ داعٍ وضرورة لم يكن للقسمة ، كتضرر الزوجة لاحتياجها إلى النفقة وأمثالها ، ألا ترى أنه ينفسخ النكاح أو يجوز‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٤ ، ٥ ، الفقيه ٤ : ٢٤٠ ، ٧٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٨ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٥ ، ٩ ، التهذيب ٩ : ٣٨٨ ، ١٣٨٦ ، الوسائل ٣٦ : ٣٠٠ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٩.

(٣) الوسائل ٢٢ : ١٥٦ ، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٢٣.

٩٣

فسخه بأُمور لا يوجب شي‌ء منها قسمة الأموال.

ولكن الخبرين معتبران حجتان ، لوجودهما في الأُصول المعتبرة ، وكونهما من الموثق الّذي هو بنفسه حجة ، بل وصف الأوّل بعض الأجلّة بالصحة (١) ، ومع ذلك منجبران بالإجماعين المنقولين وبعمل طائفة من أجلّة القدماء (٢). ولا خفاء في دلالتهما أيضاً ، والجملة الخبرية فيها للإرشاد وإراءة الحكم ، أي الحكم كذلك.

واحتج الثالث والرابع بصحيحة علي بن مهزيار : عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وبنت ، فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة ، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها كانت صيّرت هذه الدار لها ، وباعت أشقاصاً منها ، وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا ، وهو يكره أن يشتريه لغيبة الابن وما يتخوّف من أنّ لا يحلّ له شراؤها ، وليس يُعرف للابن خبر ، فقال لي : « ومنذ كم غاب؟ » فقلت : منذ سنين كثيرة ، فقال : « ينتظر به غيبة عشر سنين ثمّ يشتري » فقلت : فإن انتظر به غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال : « نعم » (٣).

والرواية وإن لم تدلّ على التفصيل الّذي ذكره ، إلاّ أنّه يمكن أن يكون وجهه الجمع بينها وبين روايتي سماعة وإسحاق.

وفيه : أنّه لا يلزم من جواز بيع حصّته من الدار بعد العشر جواز تقسيم تركته بعده ، لجواز أن يكون تجويز بيعها لادّعاء البنت لها ، مع عدم ظهور منازع في عشر سنين ، فيمكن أن يكون تسويغ البيع لذلك وإن بقي الغائب على حجته.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٧٣ و ٣٧٤.

(٢) راجع ص : ٨٤ ٨٦.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٤ ، ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٩٠ ، ١٣٩١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٩ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٧.

٩٤

ولا ينافيه الحكم بالتأخير إلى تلك المدّة ، لاحتمال كونه من باب الاحتياط كما قيل (١) ، أو لأنّ الأرض التي تركها صاحبها في هذه المدّة يزول حقّه عنها وإن لم يكن مفقوداً. ويؤيد ذلك ما ورد في أخبار متكثرة من أنّ من ترك أرضاً في ثلاث سنين فلا حقّ له (٢). أو يكون بيعها لصونها من البوار فيكون ثمنها للمفقود ، كما قاله المفيد (٣). فإنّه ليس فيها ما يدلّ على انتقالها إلى البنت ، وللحاكم بيع مال الغائب للمصلحة ، فكيف بالإمام عليه‌السلام.

على أنّه لو تمّ لم يثبت منه إلاّ جواز بيع الدار بعد العشر دون التفصيل الذي ذكره ، ولا دليل عليه. والجمع لا يفيده.

ولو قطع النظر عن جميع ذلك وقلنا بدلالة الرواية تكون شاذّة غير صالحة للحجيّة.

حجة الخامس على ما ذكروه (٤) : موثّقة إسحاق بن عمار : عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو ومات الرجل ، كيف يُصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال : « يعزل حتّى يجي‌ء » ، قلت : فُقد الرجل ولم يجي‌ء ، فقال : « إن كان ورثة الرجل ملأ بماله اقتسموه بينهم ، فإذا هو جاء ردّوه عليه » (٥).

وقريبة منها موثقته الأُخرى (٦).

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٧٤.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٣٣ أبواب إحياء الموات ب ١٧.

(٣) المقنعة : ٧٠٦.

(٤) كما في التنقيح ٤ : ٢٠٦ ، المفاتيح ٣ : ٣١٩ ، كشف اللثام ٢ : ٢٨٦.

(٥) الكافي ٧ : ١٥٤ ، ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٨٨ ، ١٣٨٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٨ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٦.

(٦) الكافي ٧ : ١٥٥ ، ٨ ، الفقيه ٤ : ٢٤١ ، ٧٦٨ ، التهذيب ٩ : ٣٨٨ ، ١٣٨٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٠ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٨.

٩٥

وفيه : أنّها لا تدلّ على مطلوبه من تقسيمه بين وارث المفقود أصلاً ، نعم تدلّ على جواز الاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له ، ومرجعه إلى الإقراض أو الإيداع. ومن يقول بوجوب التربّص إلى زمان لا يعيش مثله فيه لا يشك في جواز إقراض ماله أو إيداعه للحاكم مع كون المستقرض والمستودع مليئاً ، سيّما مع طول المدّة وخوف الضياع ، وهذا أيضاً نوع إقراض أو إيداع فيكون جائزاً ، وعلى هذا فيكون قوله « اقتسموا » في الروايات محمولاً على الإباحة أو الإرشاد.

إلاّ أن يقال : إنّه لو كان الغرض الإقراض ونحوه لم يكن وجه للتخصيص بالورثة ولا للاقتسام ، سيّما قد يكون المال من الضياع والعقار والحيوان التي لها إجارة وغلة ومنفعة ولم يحكم بردّها أيضاً ، وهو خلاف مصلحة الغائب قطعاً ، فالمراد التمليك والتقسيم لهم. وأمّا التخصيص بورثة المورث فيمكن أن يكون لأجل عدم وجود وارث آخر للابن أو يكون المراد بالرجل هو الابن. وأمّا الردّ حين مجي‌ء خبره فلا ينافي التمليك حينئذ كما يأتي.

ولكن بعض ما ذكر مجرد احتمال لا يكفي في مقام الاستدلال ، فتأمّل.

ثمّ أقول : هذا غاية ما ذكر في المسألة من الاستدلال ، ولتحقيق الحال فيها نقول : إنّه قد ظهر أنّ الأقوال فيها خمسة أو ستة بجعل قول المفيد قولاً سادساً ، وأنّ الثالث والرابع والخامس منها ليس لها دليل أصلاً ، ومع ذلك هي شاذة مخالفة لظاهر الإجماع ، فالثلاثة ساقطة من البين قطعاً. وكذا السادس لما ذكر أخيراً ، فالخبر الدالّ عليه لشذوذه ليس بحجّة ، مع أنّه قد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة للاحتمالات المذكورة ، مضافاً إلى أنّه غير‌

٩٦

مقيّد بطول المدّة ، ولم يقل بإطلاقه أحد ، ومخصوص بحصّته من ميراثه ، فلا يفيد في غيرها ، فبطلان هذا القول أيضاً ظاهر.

فبقي منها اثنان :

الأوّل : التربّص حتى يعلم موته عادة ، ودليله التام كما صرّح به في الروضة أيضاً (١) منحصر في الأُصول المذكورة (٢) ، لما عرفت من حال الأخبار التي ذكروها دليلاً له. والأُصول يجب رفع اليد عنها مع الدليل المخرج ، وهو موجود ، وهو موثقتا إسحاق وسماعة المذكورتان دليلاً للقول الثاني (٣) ، وجعلهما من الأخبار الموهونة المرجوحة كما في النافع (٤) ممّا لا وجه له ، كيف؟! وهما معتبرتان سنداً ، واضحتان دلالة ، معتضدتان بعمل أجلاّء الأصحاب ، وبالإجماعين المنقولين (٥) ، وبما دلّ على حكم الزوجة ، وليست في الأدلّة التي يدفع بها الأُصول الكلية في كثير من الموارد أقوى منهما.

والشهرة المدّعاة في كلام جماعة (٦) ليست إلاّ شهرة متأخرة ، كما صرّح به جماعة منهم صاحب الكفاية (٧) ، ومثلها لا يوجب المرجوحيّة ، سيّما إذا كان في مقابلها الإجماعات المحكيّة وعمل الأجلّة.

وأمّا موثقتا إسحاق اللتان أشرنا إليهما فقد عرفت ما فيهما من‌

__________________

(١) الروضة البهية ٨ : ٤٩.

(٢) انظر ص ٨٨.

(٣) انظر ص : ٩٢.

(٤) المختصر النافع : ٢٧٤.

(٥) انظر ص : ٩٣.

(٦) انظر ص : ٨٤ و ٨٥.

(٧) كفاية الأحكام : ٢٩١.

٩٧

الاحتمالات المنافية للاستدلال ، مع أنّه لو قطع النظر عنها تدلاّن بالمفهوم على أنّه إذا لم يجي‌ء حتّى مضت المدّة التي يعيش فيها عادة لم يردّ المال وإن علمت حياته بعد موت مورّثه وكان له وارث آخر ، ولا يقول به أرباب القول بالتربّص. ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً تكونان أعمّين مطلقاً من الموثقتين اللتين هما دليلان للقول الثاني ، لأنّ مفاد الأُوليين الإبقاء حتّى يجي‌ء ، سواء مضت أربع سنين مع الطلب أو بدونه ، ومقتضى الأخيرتين الإبقاء إلى أربع سنين ثمّ التقسيم ، فيجب تخصيصهما بهما.

الثاني : التربّص أربع سنين ثمّ التقسيم ، ودليله الموثقتان المذكورتان فيه ، ولا معارض لهما يكافئهما ، فيتعين العمل بهما ، وبهما تندفع الأُصول المذكورة ، ويخصّص ما يحتمل عمومه.

ومنه يظهر أنّ الأقوى هو القول الثاني بلا إشكال.

فروع :

أ : مقتضى إطلاق إحدى الموثقتين (١) جواز التقسيم بعد الأربع سنين مطلقاً من غير تقييد بالطلب والفحص عن المفقود ، والأُخرى (٢) وإن كانت مقيّدة بالطلب ولكنها لتضمنها للجملة الخبريّة القاصرة عن إفادة اللزوم والوجوب لا توجب تقييد الاولى بعنوان اللزوم ، بل غايتها الرجحان.

بل فيها كلام آخر ، لأنّ المذكور فيها أنّه يحبس ماله قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين ، وهو كما يمكن أن يكون قوله : « أربع سنين » متعلقاً بقوله : « يطلب » وظرفاً له ، يحتمل أن يكون بدلاً للقدر ويكون المعنى : أنّه‌

__________________

(١) انظر ص : ٩٢.

(٢) انظر ص : ٩٢.

٩٨

يحبس ماله قدر ما يطلب المفقود في الأرض فيما هو المعهود لأمر زوجته وهو أربع سنين ، فيرجع المعنى إلى الحبس أربع سنين من غير تقييده.

وهذا معنى واضح مناسب لذكر لفظ القدر ، ويكون التعبير بذلك لبيان التقدير بهذا القدر ، لأنّه الذي قرر لطلبه لخلاص زوجته ، وأنّه مظنة لوصول خبر منه فيما يطلب لأمر الزوجة ، وعلى هذا فتكون هذه أيضاً مطلقة.

إلاّ أنّ الظاهر من القائلين بذلك القول انعقاد إجماعهم على التقييد. فبه يقيّد الإطلاق ، ولكن مقتضاه الاقتصار في التقييد على ما علم الإجماع فيه.

ب : الظاهر من الأمر بطلب شي‌ء اختصاصه بما إذا كان ذلك الأمر محتمل الحصول بل مظنونه لو طلب ، بل هذا مقتضى معنى الطلب عرفاً بل لغة والمتبادر منه ، فلا طلب فيما يكون مأيوساً عن الوصول إليه ويعلم عدم حصوله ، ولازم ذلك اختصاص التقييد بالطلب بما إذا كان مظنون الوصول إليه ولا أقل من احتماله.

وذلك أيضاً مقتضى ما ذكرنا من لزوم الاقتصار في التقييد بما علم الإجماع فيه ، ولا يعلم ذلك في صورة اليأس ، فلا حاجة فيها إلى الطلب. نعم يحبس الأربع حينئذ امتثالاً لظاهر النصّ واتّباعاً للأصل ، ولا حاجة حينئذ إلى جعل مبدأ التربّص من حين طلب الوارث أو تأجيل الحاكم ، بل يكفي مضي هذه المدّة من حين الفقد ، لصدق الحبس سنين.

وكذا لا يحتاج إلى الطلب فيما لم يمكن الطلب ، كما إذا فقد في صقع لم يمكن الوصول إلى ذلك الصقع لمانع ، لعدم العلم بالإجماع على التقييد (١)

__________________

(١) في « ح » : التعبد.

٩٩

حينئذ أيضاً ؛ بل لو قلنا برجوع الضمير المجرور في قوله في الموثقة الثانية « فإن لم يقدر عليه » (١) إلى الطلب دون المفقود يثبت ذلك من الموثقة أيضاً ، ولكنّه لكونه احتماليّاً بل مرجوحاً لا يصلح للاستدلال به.

ولو أمكن الطلب في بعض النواحي دون بعض يجب الطلب فيما يمكن ، ولا يحتاج إلى الطلب في غيره. ولو حصل الفراغ منه في ما دون الأربع يتربّص في الباقي منها من غير طلب ، وكذا لو حصل اليأس في أثناء الأربع ؛ بل للكلام في لزوم الطلب فيما دون الأربع إذا علم أوّلاً عدم إمكان الإكمال أو حصول اليأس قبل الإكمال مجالٌ ، إلاّ أنّ الاحتياط في الطلب.

ج : مقتضى ما ذكرنا من معنى الطلب أنّه لو احتمل الوصول إليه في ناحية مخصوصة دون غيرها يكفي الاقتصار على الطلب فيها من غير حاجة إلى الطلب في سائر الأصقاع والنواحي.

ويستأنس لذلك بالأخبار الواردة في طلبه لخلاص زوجته ، كصحيحة الحلبي : « المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها ، فإن لم يجد له أثرٌ أمر الوالي وليّه » الحديث (٢).

وصحيحة العجلي : عن المفقود كيف يصنع بامرأته إلى أن قال ـ : « فإن رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ، ثمّ يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه ، فإن خبّر عنه بحياة صبرت ، وإن لم يخبر عنه بشي‌ء حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود » الحديث (٣).

__________________

(١) انظر ص : ٩٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٤٧ ، ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٢٣ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٤٧ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٥٤ ، ١٦٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٧٩ ، ١٩٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٢٣ ح ١.

١٠٠