مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله ، ثلثاً أو ربعاً أو أقل من ذلك أو أكثر ، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي ، فقضى في وصيته أنّها تنفذ من ماله وديته كما أوصى » (١).

وروايته : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ، ثلث أو ربع ، فقتل الرجل خطأ يعني الموصي فقال : « تُجاز لهذا الوصية من ميراثه ومن ديته » (٢).

ومثلها رواية محمد بن مسلم (٣).

ورواية السكوني : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً فثلث ديته داخل في وصيته » (٤).

ومرسلة الفقيه : عن رجل أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ ، فقال : « ثلث ديته داخل في وصيته » (٥).

المسألة التاسعة : لو قتل أحدٌ مورّثه وقتله وارثهما فهو يرث عنهما. أمّا عن المقتول فلانتفاء المانع ، وأمّا عن القاتل فلكون قتْلِهِ حقاً.

المسألة العاشرة : لو قتل الصبي أو المجنون مورّثه عمداً‌ ، فهل يلحق بالعمد أو الخطأ؟ صرّح في القواعد بالأوّل ، لصدق القاتل (٦). وعن الفضل بن شاذان والعماني الثاني ، لأنّ عمدهما خطأ (٧). وفيه : أنّه في حكم الخطأ وليس‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٠٧ ، ٨٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٦ أحكام الوصايا ب ١٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٦٣ ، ٢١ ، الفقيه ٤ : ١٦٨ ، ٥٨٨ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٥ أحكام الوصايا ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٠٧ ، ٨٢٢ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٥ أحكام الوصايا ب ١٤ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١١ ، ٧ ، التهذيب ٩ : ١٩٣ ، ٧٧٤ ، التهذيب ٩ : ٢٠٧ ، ٨٢١ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٥ أحكام الوصايا ب ١٤ ح ٢.

(٥) الفقيه ٤ : ١٦٩ ، ٥٨٩ ، الوسائل ١٩ : ٢٨٥ أحكام الوصايا ب ١٤ ح ٢.

(٦) القواعد ٢ : ١٦٣.

(٧) نقله عن الفضل في الفقيه ٤ : ٢٣٤ ، وحكاه عنهما في المختلف : ٧٤٢.

٦١

خطأً حقيقة ، فالأقرب الأوّل.

والنائم كالعامد في القواعد (١). وكالخاطئ عند بعض آخر (٢). وصدق القاتل عليه يقرّب الأوّل. فهو المعوّل.

والضارب تأديباً إذا قتله يلاحَظ الحال ، فإن كان له ذلك شرعاً ولم يتعدّ يرث ، وإلاّ لم يرث.

والثالث من الموانع : الرق.

وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : الرقّ يمنع الإرث من الجانبين‌ ، فلا يرث المملوكَ مملوكٌ ولا حرٌّ بل ماله لمولاه ، ولا يرث المملوكُ مملوكاً ولا حرّا ، ولا أعرف في شي‌ء منهما خلافاً ، ونقل عليهما الإجماع في المفاتيح (٣) وغيره ، وقال في الكفاية : لا أعرف خلافاً في شي‌ء من الحكمين (٤).

وهما على القول بأنّ الرقّ لا يملك شيئاً واضحان ، وإن كان [ عدّ (٥) الرق مانعاً في الأوّل حينئذٍ خلاف الظاهر.

وتدلّ عليه مطلقاً في الأوّل أيضاً صحيحة ابن رئاب : « العبد لا يورث » (٦). وقدسها صاحب الوافي حيث أورد : لا يرث (٧).

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٦٣.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣١٣ ، صاحب الرياض ٢ : ٣٤٠.

(٣) المفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٤) كفاية الأحكام : ٢٨٩.

(٥) ] ( ) في جميع النسخ : عدا ، أصلحناه لاستقامة العبارة.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٤٧ ، ٧٩٦ ، الوسائل ٢٦ : ٤٤ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ٧.

(٧) الوافي ٣ : ١٣٣. وأورده كذلك في الوسائل.

٦٢

وصحيحة ابن عطية : عن رجل مكاتب مات ولم يؤدّ مكاتبته وترك مالاً وولداً ، من يرثه؟ قال : « إنّ كان سيّده حين كاتبه اشترط عليه إن عجز عن نجم من نجومه فهو ردّ في الرق وكان قد عجز عن نجم فما ترك من شي‌ء فهو لسيده » الحديث (١).

وجه الاستدلال أنّه لولا منع الرقيّة المعادة لما كان ما ترك لسيّده بل كان لوارثه من ذي قرابةٍ أو مولى وإن لم يكن سوى الإمام.

وما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال في العبد يعتق بعضه : « يرث ويورث على قدر ما عتق منه » (٢).

وتدلّ عليه أيضاً الأخبار المتكثرة من الصحاح وغيرها الدالّة على أنّه يورث من المكاتب بقدر ما عتق منه (٣).

واختصاص المورد في أكثر الروايات بالعبد لا يضرّ ، لعدم القول بالفصل.

والاستدلال على المطلوب بأنّه على القول بأنّ العبد يملك يكون الملك غير مستقر ، يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته لا يخلو عن مصادرة ، كما لا يخفى. هذا وأما انتقال ماله إلى مولاه على القول بأنه يملك فليس من باب التوريث المتنازع فيه.

وفي الثاني رواية الفضيل بن يسار : « العبد لا يرث » (٤).

وصحيحة محمد وهي طويلة وفيها : « لا يرث عبد حراً » (٥).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥١ ، ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٥٠ ، ١٢٥٧ ، الإستبصار ٤ : ٣٨ ، ١٢٨ ، الوسائل ٢٦ : ٥٧ أبواب موانع الإرث ب ٢٣ ح ١.

(٢) سنن النسائي ٨ : ٤٦.

(٣) انظر الوسائل ٢٦ : ٤٧ أبواب موانع الإرث ب ١٩.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٠ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٣٦ ، ١٢٠٩ ، الإستبصار ٤ : ١٧٨ ، ٦٧١ ، الوسائل ٢٦ : ٤٤ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ٣.

(٥) ستأتي في ص : ٧٢.

٦٣

ورواية مهزم الآتية.

والأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها الدالّة على أنّ المملوك لا يرث إن اعتق بعد القسمة (١) كما هو المطلوب.

والدالّة على اشتراء الوارث وعتقه ثمّ إعطائه الإرث (٢) ، كما يأتي.

والاستدلال على الحكمين بصحيحة محمد عن أحدهما (٣) عليه‌السلام ، وموثقتي جميل (٤) ، وابن جبلة (٥) ، ورواية محمّد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يتوارث الحر والمملوك » (٦).

لا يخلو عن مناقشة ؛ لصدق انتفاء التوارث بانتفائه من جانب واحد ؛ ولعدم تعيّنه واحتمال كونه كلا منهما تتطرق المناقشة في الاستدلال.

المسألة الثانية : لو تقرب الوارث بالمملوك لم يمنع وإن مُنع الواسطة ، بلا خلاف يُعرف ، وقال في الكفاية : لا أعلم فيه خلافاً بين الأصحاب (٧).

لما مرّ من وجود المقتضي وانتفاء المانع ؛ واحتمال كونه وجودها مدفوع بتوريث غير من يتقرب بها معه من الممنوعين بها عند توريثها.

ولرواية مهزم : في عبد مسلم وله أُمّ نصرانيّة ، وللعبد ابن حرّ ، قيل‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٦ : ٤٦ أبواب موانع الإرث ب ١٨.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٤٩ أبواب موانع الإرث ب ٢٠.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٠ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٥ ، ١٢٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١٧٧ ، ٦٦٨ ، الوسائل ٢٦ : ٤٣ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٩ ، ١ ، الوسائل ٢٦ : ٤٤ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ٤.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٣٦ ، ١٢٠٧ ، الإستبصار ٤ : ١٧٧ ، ٦٦٩ ، الوسائل ٢٦ : ٤٤ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ٥.

(٦) الكافي ٧ : ١٥٠ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٣٦ ، ١٢٠٨ ، الإستبصار ٤ : ١٧٧ ، ٦٧٠ ، الوسائل ٢٦ : ٤٣ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ٢.

(٧) كفاية الأحكام : ٢٩٠.

٦٤

أرأيت إن ماتت أُمُّ العبد وتركت مالاً؟ قال : « يرثها ابن ابنها الحر » (١).

وضعفها لانجبارها بالعمل ، واشتمال سندها على السراد الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه غير ضائر.

وصحيحة محمد : عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : « لا » (٢).

وموثقة البقباق : عن المملوك والمملوكة ، هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : « لا » (٣).

ومثلها موثقة الفضل (٤).

المسألة الثالثة : لو أُعتق بعد موت مورثه‌ ، فإن كان الوارث الحرّ متعدداً شاركهم مع التساوي ، واختص به مع التقدم ، إن تقدم العتق القسمة ، بلا خلاف يعرف.

لصحيحة ابن سنان : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن ادّعى عبد إنسان أنّه ابنه : أنه يعتق من مال الذي ادّعاه ، فإن توفّي المدّعى وقسم ماله قبل أن يعتق العبد فقد سبقه المال ، وإن أُعتق قبل أن يقسّم ماله فله نصيبه منه » (٥).

وموثقة محمّد : في رجل يسلم على ميراث قال : « إن كان قُسّم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٠ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٣٧ ، ١٢١٤ ، الوسائل ٢٦ : ٤٥ أبواب موانع الإرث ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٨٤ ، ١٠٢٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٤ أبواب ميراث الأبوين ب ١٤ ح ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٧ ، ٧٩٨ ، الوسائل ٢٦ : ٤٥ أبواب موانع الإرث ب ١٦ ح ٩ ، وص ١٢٤ أبواب ميراث الأبوين ب ١٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٨٢ ، ١٠٢١ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٤ أبواب ميراث الأبوين ب ١٤ ح ٢.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٤٦ ، ٧٩٤ ، التهذيب ٩ : ٣٣٧ ، ١٢١٢ ، الوسائل ٢٦ : ٤٦ أبواب موانع الإرث ب ١٨ ح ١.

٦٥

فلا حقّ له ، وإن كان لم يُقسّم فله الميراث » قال : قلت : العبد يعتق على ميراث؟ قال : « هو بمنزلته » (١).

وحسنته وفيها : « ومن أُعتق على ميراث قبل أن يُقسّم الميراث فهو له ، وإن اعتق بعد ما قسّم فلا ميراث له » (٢).

ورواية ابن مسكان : « من أُعتق على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه ، وإن اعتق بعد ما يقسّم فلا ميراث له » (٣).

وإن تأخّر عنها لم يرث ، لما مرّ.

ولو قُسِّم بعض التركة ثمّ أُعتق ، ففي إرثه من الجميع أو الباقي خاصّة أو عدمه مطلقاً أوجه.

أظهرها الأوّل ، وفاقاً للفاضل في الإرشاد (٤) وغيره (٥) ؛ لأنّ المتبادر من قسمة الميراث قسمة جميعه.

وكذا لا يرث إذا كان الوارث الحر واحداً غير الإمام ؛ لما سبق في الكفر. والظاهر أنّه إجماعيّ ، وقال في الكفاية : لا أعرف فيه خلافاً (٦).

وأمّا إذا كان إماماً فإن كان الرقّ ممّن يفكّ فلا عبرة بعتقه قبلها أو بعدها ، وإلاّ فالظاهر إلحاقه بغيره ، لانتقال المال إليه أولاً وعدم ما يدل على‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٣٧ ، ٧٥٨ ، التهذيب ٩ : ٣٣٦ ، ١٢١١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٤ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ ، ١٣١٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٣٦ ، ١٢١٠ ، الوسائل ٢٦ : ٤٧ أبواب موانع الإرث ب ١٨ ح ٢.

(٤) الإرشاد ٢ : ١٢٧.

(٥) انظر القواعد ٢ : ١٦٢ ، والتحرير ٢ : ١٧١ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٨٨ ، والرياض ٢ : ٣٤٢.

(٦) كفاية الأحكام : ٢٩٠.

٦٦

الانتقال منه. والتفرقة في صورة كفر الوارث وإسلامه للنص ، فلا يتعدّى عنه.

المسألة الرابعة : إذا مات ولم يكن له وارث حرّ سوى الإمام وإن كان بعيداً وكان له وارث مملوك ، فإن كان أحد الأبوين أو كليهما اشتريا من التركة وأُعتقا وأُعطيا البقية إرثاً ، بالإجماع ، وادّعى الإجماع عليه في الانتصار والسرائر والشرائع والقواعد والتنقيح والروضة والمسالك والمفاتيح (١).

والمستند فيه الأخبار. أمّا في الأُم فكثيرة ، كصحيحة سليمان : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في الرجل الحرّ يموت وله أُمّ مملوكة : تشترى من مال ابنها ، ثم تعتق ، ثمّ يورثها » (٢).

وصحيحة ابن سنان : في رجل توفّي وترك مالاً وله أُم مملوكة ، قال : « تشترى امّه ، وتعتق ، ثمّ تدفع إليها بقية المال » (٣).

وحسنته : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرجل يموت وله أُم مملوكة وله مال : أن تشترى امه من ماله ، وتدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذوو قرابة لهم سهم في كتاب الله » (٤).

__________________

(١) الانتصار : ٣٠٨ ، السرائر ٣ : ٢٧٣ ، الشرائع ٤ : ١٤ ، القواعد ٢ : ١٦٤ ، التنقيح ٤ : ١٤٣ ، الروضة البهية ٨ : ٤١ ، المسالك ٢ : ٣١٤ ، المفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٦ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٣٤ ، ١١٩٩ ، الإستبصار ٤ : ١٧٥ ، ٦٦١ ، الوسائل ٢٦ : ٤٩ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٧ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٣٤ ، ١٢٠٠ ، الإستبصار ٤ : ١٧٦ ، ٦٦٢ ، الوسائل ٢٦ : ٥٠ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٧ ، ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٣٣ ، ١١٩٦ ، الإستبصار ٤ : ١٧٥ ، ٦٥٨ ، الوسائل ٢٦ : ٥١ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٦.

٦٧

وقول الرضا عليه‌السلام في فقهه : « وإذا مات رجل حرّ فترك أمّاً مملوكة ، فإنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر أن تشترى الأُمّ من مال ابنها وتعتق ويورثها » (١).

ورواية ابن طلحة الآتية (٢).

وورودها بالجمل الخبريّة هنا غير ضائر في إثبات الوجوب ، لأنّ الجواز هنا يستلزمه بالإجماع المركب ، على انّ في رواية ابن طلحة الآتية في الفرع الرابع (٣) دلالة على الوجوب ، حيث قال : « ليس لهم ذلك ».

وأمّا في الأب فمرسلة ابن بكير : قال : « إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك أو أُمّه وهي مملوكة والميت حرّ ، اشتري ممّا ترك أبوه أو قرابته وورث ما بقي من المال » (٤).

وقريب منها مرسلته الأُخرى ، وزاد بعد قوله : « أو امّه وهي مملوكة » : « أو أخاه أو أُخته وترك مالاً » (٥).

وإرسالهما غير ضائر ، لانجبارهما بعمل الأصحاب ، واعتضادهما بالإجماعات المنقولة ، على أنّ ابن بكير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ٢٩١ ، بتفاوت يسير ، مستدرك الوسائل ١٧ : ١٤٩ أبواب موانع الإرث ب ١١ ح ٣.

(٢) في ص ٧٠.

(٣) انظر ص ٧٤.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٧ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٤ ، ١٢٠٢ ، الإستبصار ٤ : ١٧٦ ، ٦٦٤ ، الوسائل ٢٦ : ٥٠ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٣٤ ، ١٢٠٣ ، الإستبصار ٤ : ١٧٦ ، ٦٦٥ ، الوسائل ٢٦ : ٥٣ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٩.

٦٨

ويدلّ عليه أيضاً الإجماع المركب ، فإنّه لا قائل بالفصل بين الأب والأُم.

وقد يؤيّد أيضاً باستبعاد الفرق بين الامّ والأب ، بل بأولويّته منها.

وأمّا غيرهما فقد وقع الخلاف فيه على أقوال :

الأوّل : المنع من الاشتراء والعتق ، ودفع التركة إلى الإمام. وهو مختار الديلمي (١) وظاهر الصدوقين في المقنع والرسالة (٢) ، بل كلامهما فيهما مخصوص بالامّ.

والثاني : إضافة الأولاد للصلب إليهما خاصّة. ذهب إليه المفيد. والحلّي وابن حمزة والمحقّق (٣) وجماعة (٤) ، ونسبه الحلي إلى الأكثر (٥) ، وفي التحرير إلى السيّد (٦) ، وكلامه في الانتصار لا يفيده وإن لم ينفيه (٧).

والثالث : إضافة الأقارب النَّسبيّة إليهم مطلقاً دون السببيّة ، وذهب إليه الإسكافي والقاضي والحلبي وصاحب التنقيح (٨) ، وقال في القواعد بعد ذكر الأبوين والأولاد : وكذا الأقارب على إشكال (٩).

__________________

(١) الديلمي في المراسم : ٢١٩.

(٢) المقنع : ١٧٨ وحكاه عن الرسالة أيضاً.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٩٥ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٧٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٩٦ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١٤ ، والنافع : ٢٦٥.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٨ : ٤١.

(٥) الحلّي في السرائر ٣ : ٢٧٢.

(٦) التحرير : ١٧٢.

(٧) قال في الانتصار : ٣٠٨ من مات وخلف مالاً وأباً مملوكاً وأمّا مملوكة ، فإن الواجب أن يشترى أبوه وأُمه من تركته ويعتق عليه ويورثا باقي التركة.

(٨) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤١ ، القاضي في جواهر الفقه : ١٦٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، السيوري في التنقيح ٤ : ١٤٥.

(٩) القواعد ٢ : ١٦٤.

٦٩

والرابع : تعميم الحكم إلى كل وارث قريب ، نَسبّياً كان أو زوجاً وزوجة ، وهو قول الشيخ في النهاية والكيدري وابن زهرة والإرشاد والمحقّق الثاني واللمعة والدروس والمسالك والمفاتيح (١) ، واحتمل في الكفاية إلحاق الزوج وتأمل في الزوجة (٢) ، وظاهر المختلف والتحرير التوقّف (٣).

والأقوى هو الثالث.

لنا على ثبوت الحكم في الأولاد بعد ظاهر الإجماع كما ادّعاه في الروضة أيضاً (٤) : صحيحة جميل : الرجل يموت وله ابن مملوك قال : « يشترى ويعتق ويدفع إليه ما بقي » (٥).

ورواية سليمان ، الصحيحة عن ابن أبي عمير : في رجل مات وترك ابناً له مملوكاً ، ولم يترك وارثاً غيره ، وترك مالاً فقال : « يشترى الابن ويعتق ويورث ما بقي من المال » (٦).

وهما وإن اختصتا بالابن ولكن يلحق به البنت بالإجماع المركب ، ولإطلاق القرابة في مرسلتي ابن بكير المتقدمتين.

__________________

(١) النهاية : ٦٦٨ ، وحكاه عن الكيدري في المختلف : ٧٤١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧ ، الإرشاد ٢ : ١٢٨ وحكاه عن المحقّق الثاني في الرياض ٢ : ٣٤٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ٤١ ، الدروس ٢ : ٣٤٣ ، المسالك ٢ : ٣١٥ ، المفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٢) كفاية الأحكام : ٢٩٠.

(٣) المختلف : ٧٤١ ، التحرير ٢ : ١٧٢.

(٤) الروضة البهيّة ٨ : ٤١.

(٥) الكافي ٧ : ١٤٧ ، ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٤٦ ، ٧٩٢ ، التهذيب ٩ : ٣٣٤ ، ١٢٢١ ، الإستبصار ٤ : ١٧٦ ، ٦٦٣ ، الوسائل ٢٦ : ٥٠ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٤.

(٦) التهذيب ٩ : ٣٣٥ ، ١٢٠٥ ، الوسائل ٢٦ : ٥٣ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ١٠.

٧٠

وتؤيّده موثقة إسحاق بن عمار قال : مات مولى لعلي عليه‌السلام فقال : « انظروا هل تجدون له وارثاً؟ » فقيل : له ابنتان باليمامة مملوكتان ، فاشتراهما من مال مولاه الميت ثمّ دفع إليهما بقية المال (١).

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة وهب بن عبد ربه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن رجل كان له أُمّ ولد إلى أن قال قلت : فولدها من الزوج قال : « إن كان ترك مالاً اشتري بالقيمة منه فأُعتق وورث » (٢).

فإنّ الولد يشمل الذكر والأُنثى.

وعلى ثبوته في سائر الأقارب النَّسبية : مرسلتا ابن بكير ، ورواية عبد الله بن طلحة : عن رجل مات وترك مالاً كثيراً ، أو ترك امّاً مملوكة وأُختاً مملوكة قال : « يشتريان من مال الميت ويعتقان ويورثان » (٣).

وضعف الروايات الثلاثة بعد صحّة المرسلتين عن ابن بكير الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه والانجبار بالعمل لا يضرّ.

والجمع بين الامّ والأُخت في الأخيرة لا يقدح ، إذ يلزم أن يراد بلفظ الواو معنى « أو » تجوّزاً ، لوجود القرينة ، وهي الإجماع والأخبار الناصّة بحرمان الاخت بالامّ.

ولنا على نفيه في الزوجين : الأصل ، وعدم ما يصلح دليلاً للإثبات كما يأتي.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٨ ، ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٣٣ ، ١١٩٧ ، الإستبصار ٤ : ١٧٥ ، ٦٥٩ ، الوسائل ٢٦ : ٥٢ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٨.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٦ ، ٧٩٥ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ ، ٥٣١ ، الوسائل ٢٦ : ٥٤ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ١٢.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٧ ، ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٣٣ ، ١١٩٨ ، الإستبصار ٤ : ١٧٥ ، ٦٦٠ ، الوسائل ٢٦ : ٥٠ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٥.

٧١

للديلمي : الأصل.

قلنا : العمل به بعد فقد الدليل ، وهو موجود.

للمفيد وتابعيه ، أمّا في الأولاد فما مرّ ، وأمّا في النفي في غيرهم فالأصل وضعف المرسلتين والرواية.

قلنا : ضعفهما سنداً غير ضائر.

واستدل من ضمّ الزوجين بصحيحة سليمان بن خالد : « كان علي عليه‌السلام إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثمّ ورّثها » (١).

دلّت على ثبوت الحكم في الزوجة ، ويثبت في الزوج بالأولويّة ، لأنّه أكثر نصيباً وأقوى سبباً منها.

قلنا : الثابت منه فعل عليّ عليه‌السلام ويحتمل أن يكون تبرّعاً منه ، لكون التركة ماله فيكون ممّا لم يعلم جهته ، وحكمه لنا الاستحباب على الأقوى كما بيّن في موضعه ، على أنّ ثبوته أيضاً هنا محل نظر.

وقوّى الشيخ هذا الاحتمال بتوريثها مطلقاً ، مع أنّه ليس لها أكثر من الربع (٢).

وردّه في المختلف باحتمال أن يكون ثمنها أقلّ من الربع ، فتشترى ثم تعطى بقية الربع (٣).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٦ ، ٧٩٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٧ ، ١٢١٣ ، الإستبصار ٤ : ١٧٨ ، ٦٧٤ ، الوسائل ٢٣ : ٨٩ أبواب العتق ب ٥٣ ح ١.

(٢) انظر الاستبصار ٤ : ١٧٩. قال بعد نقل صحيحة سليمان : فالوجه في هذا الخبر أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يفعل على طريق التطوع ، لأنا قد بينا أن الزوجة إذا كانت حرة ولم يكن هناك وارث لم يكن لها أكثر من الربع والباقي يكون للإمام ، وإذا كان المستحق للمال أمير المؤمنين عليه‌السلام جاز أن يشتري الزوجة ويعتقها ويعطيها بقية المال تبرعاً وندباً دون أن يكون فعل ذلك واجباً لازماً.

(٣) المختلف : ٧٤٢.

٧٢

قال في التنقيح بعد نقل قول المختلف : وفيه نظر ، لأنّ الشيخ لا ينفي هذا الاحتمال ، وإنّما ذكر احتمال التبرع ، لأنّ مع وجوده لا يلزم المطلوب (١).

أقول : غرض الفاضل ليس أنّ الشيخ ينفي هذا الاحتمال ، بل يريد أنّ مع قيامه لا يصحّ التعليل للتبرع بما ذكر ، فكلامه في التعليل دون الاحتمال كما صرّح به. نعم إن كان المراد نفي تعليل الشيخ بذلك لكان له وجه ، والظاهر من كلام الشيخ إرادة التعليل ، هذا.

ثمّ إنّ إجراء الحكم في الزوج لو ثبت مشكل ، لمنع الأولويّة ، بل ظاهر صحيحة محمّد ينفي الحكم في الزوج ، حيث قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مملوك لرجل أبق منه فأتى أرضاً فذكر لهم أنّه حرّ من رهط بني فلان ، وأنّه تزوّج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها أولاداً ، ثمّ إن المرأة ماتت وتركت في يده مالاً وضيعة وولدها ، ثمّ إنّ سيده بعدُ أتى تلك الأرض فأخذ العبد وجميع ما في يديه وأذعن له العبد بالرقّ فقال : « أمّا العبد فعبده ، وأمّا المال والضيعة فإنّه لولد المرأة الميّتة ، لا يرث عبد حراً » قلت : جعلت فداك فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد ولا وارث ، لمن يكون المال والضيعة التي تركتها في يد العبد؟ فقال : « جميع ما تركت لإمام المسلمين خاصّة » (٢).

فإنّ هذه الصحيحة دلّت على خروج الزوج عن هذا الحكم.

وحملها على أنّ ذلك لخدعته المرأة كما في الوافي (٣) مردود بأنه لا معارض لها ظاهراً حتّى تحمل عليه ويخرج عن ظاهرها ، مع أنّ القائلين‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ١٤٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٨٨ ، ١٣٧١ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٤ أبواب العيوب والتدليس ب ١١ ح ٣.

(٣) الوافي ٣ ( الجزء ١٣ ) : ١٣٤.

٧٣

بوجوب فك الزوجين لا يقولون باشتراطه بعدم الخدعة.

واحتمال استناد عدم الفكّ في هذه الصحيحة إلى عدم وقوع التزويج لوقوعه بدون إذن المولى ، لا يلائم قوله : « لا يرث عبد حراً » حيث يظهر منه أنّ المانع من عدم الإرث هو العبوديّة لا عدم الزوجيّة.

بل لا يبعد أن يقال : إنّ ظاهر حسنة محمد بن حكيم نفي الحكم في الزوجة أيضاً وهي : أنّه قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل زوّج أمته من رجل حرّ ثم قال لها : إذا مات زوجك فأنت حرّة ، فمات الزوج. قال ، فقال : « إذا مات الزوج فهي حرّة تعتدّ منه عدّة الحرة المتوفّى عنها زوجها ، ولا ميراث لها منه لأنّها صارت حرّة بعد موت الزوج » (١).

حيث دلّت بالتعليل على أنّ حريتها بعد موت الزوج مانعة عن التوريث ، فتكون كذلك الحرّية المتعقبة للشراء ، فتأمل.

فروع :

أ : الأقوى عدم كفاية الشراء عن العتق‌ ، للأمر به بعده في الصحاح الأربع وروايتي ابني خالد وطلحة والرضوي. وعدم ذكر العتق في بعض الروايات بعد الأمر به في عدة اخرى لا يضر ، لوجوب تقييده بها.

ب : قالوا : إنّ المباشر للشراء والعتق هو الإمام أو نائبه الخاص أو العام‌ ، ولا يبعد كونهما من الواجبات الكفائيّة ، فتجوز المباشرة لكل أحدٍ وإن لم يكن عدلاً ، لإطلاق الأخبار وفقد المقيد.

ج : إذا قلنا بعدم تعيّن الإمام‌ ، فهل يجب وقوع الشراء والعتق من‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٢ ، ١٤٤٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٣ ، ٧٦٠ ، الوسائل ٢١ : ١٨٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٥ ح ١.

٧٤

واحد أو يجوز التعدد؟

الأظهر الثاني ، للأصل ، وفقد الدليل على وجوب الإعتاق على من يشتري بخصوصه.

د : لو أبى المالك من بيع المملوك يقهر عليه وتدفع إليه القيمة العادلة ، ولم أجد في ذلك مخالفاً من الأصحاب ، وظاهر المسالك كصريح المفاتيح ادّعاء الإجماع عليه (١) ؛ لوجوب البيع على المالك ، لتوقف الشراء الواجب عليه ، فيجب من باب المقدمة. فإذا امتنع يجب قهره ، لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتدلّ عليه أيضاً رواية عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها : قلت : أرأيت إنْ أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال : « ليس لهم ذلك ، يقوّمان قيمة عدل ثمّ يُعطى ما لهم على قدر القيمة » (٢).

والمستفاد من هذه الرواية أنّ القدر اللازم إعطاؤه للمالك هو القيمة العادلة السوقيّة ، فلا يلزم بل لا يجوز إعطاء الزائد ولو رضي بالزائد دون العادلة ، ويدلّ عليه أيضاً قوله في صحيحة وهب المتقدمة (٣) « اشتري بالقيمة » بل هو المتبادر من جميع الأخبار المتضمنة للشراء.

هـ : لو اتّحد الوارث المملوك‌ ، وقصرت التركة عن ثمنه ، لا يشترى البعض ، وكان المال للإمام ، وفاقاً للمشهور ، ونفى عنه الخلاف في السرائر (٤).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣١٤ ، المفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٢) تقدّم مصدرها في ص : ٧٠ ، الرقم (٢).

(٣) في ص ٧٠.

(٤) السرائر ٣ : ٢٧٢.

٧٥

لأنّ وجوب الشراء بل أصل فك الرقبة مخالف للأصل (١) فيقتصر على موضع اليقين ؛ والأخبار الموجبة له لا توجبه في موضع النزاع ، لظهورها فيما إذا وَفَت بالقيمة بل زادت عنها. ولأنّ لفظ الام والأب والابن وأمثالها حقيقة في الكل مجاز في البعض ، فلا يفهم منه البعض إلاّ مع قرينة ، وهي منتفية ها هنا.

ونقل الشيخ والإسكافي والقاضي عن بعض أصحابنا قولاً بأنّه يفك بما وجد ويستسعى في الباقي (٢) ، ونفى عنه البعد في المختلف (٣) ، واستوجهه في المسالك مطلقاً أوّلاً ثمّ قوّاه في الأبوين واستضعفه في غيرهما (٤) ، واختاره في المفاتيح (٥).

واستدلّ عليه : بأنّ هذا الجزء المملوك الممكن شراؤه لو كان حراً لكان وارثاً بالفعل بالإجماع في المبعّض ، وكل مملوك لو كان حراً لكان وارثاً يشترى ويعتق ، للنصّ ، فهذا الجزء يشترى ويعتق.

وبأنّ عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأُمور المطلوبة شرعاً ، فيساويه في الحكم.

__________________

(١) كون فكّ الرقبة مخالفاً للأصل إنّما هو من وجوه ، أحدها : أنّ لازم الفكّ حصول نوع تسلط على ملك الغير والأصل عدمه ، وثانيها : أنّ كل ملك لأحد يستصحب إلى أن يثبت المزيل والفك إزالته ، فهو خلاف الأصل ، وثالثها : أنّ فكّه يوجب انتقال المملوك إلى غير مالكه الأوّل من نفسه أو غيره فهو خلاف الأصل ، ورابعها : أنّ من لوازم هذا الفك التوريث والإعتاق وهما في الرقّ خلاف الأصل. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الشيخ في النهاية : ٦٦٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٥٥.

(٣) المختلف : ٧٤٢.

(٤) المسالك ٢ : ٣١٤.

(٥) المفاتيح ٣ : ٣١٣.

٧٦

وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » (١).

وبأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.

والجواب أمّا عن الأوّل : فبمنع كلية الكبرى ، لأنّا نقول باختصاص النص بغير الجزء.

وأمّا عن الثاني : فبأنّ مشاركة عتق الجزء لعتق الجميع في بعض الأُمور لا تقتضي مساواته له في وجوب الشراء ، وإنّما هو قياس لا نقول به.

وأمّا عن الثالث : فبأنّ اللازم منه هو الإتيان بما استطاع من المأمور به لا من غيره ، وشراء الجزء ليس مأموراً به وإنّما هو شراء الكل ، ولا يستطاع منه شي‌ء.

وبهذا يظهر الجواب عن الرابع أيضاً ، فإنّ المراد بالميسور الميسور من المأمور به ، على أنّه كسابقه معارض بعموم ما دلّ على أنّه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، وإجبار المالك على بيع مملوكه نوع ضرر ، هذا.

وقال الفضل بن شاذان : يفكّ من قصرت التركة عن ثمنه ، إلاّ أن يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء من قيمته فلا يفكّ (٢). ولم يظهر لي وجهه.

و : لو كان الوارث الرقيق متعدداً‌ ، فإن كانوا متساوي المرتبة والنصيب كابنين ووفت التركة بشرائهم جميعاً وجب ، لشمول النص المتعدد والمنفرد ، ويؤيّده خصوص موثقة ابن عمار المتقدّمة (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ ، ٤١٢ ، وج ٤ : ١٨٣٠ ، ١٣٠ ، سنن النسائي ٥ : ١١٠ ، ١. وفي الجميع : « بشي‌ء » بدل « بأمر ».

(٢) حكاه عنه في الكافي ٧ : ١٤٨.

(٣) في ص : ٦٩.

٧٧

ولو قصرت عن شراء الكل ووَفَت ببعضهم ، ففي عدم فكّه أو التخيير أو فكه بالقرعة أوجه ، أشهرها أوّلها ، وخيرها أوسطها ، للأمر بشراء الوارث وإمكانه فيجب امتثاله. وبتقرير آخر : للأمر بشراء كلّ منهم مع الإمكان ، ويمكن في بعضها فيجب شراؤه ، وعدم إمكان شراء البعض لا ينفي وجوب شراء غيره ممّا ثبت وجوب شرائه. ولأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ثمّ انتفاء المرجح يوجب التخيير.

ولا يبعد الأخير أيضاً ، لأنّ القرعة لرفع الاشتباه الحاصل بين المتعدد.

للمشهور : أنّ الوارث هو المجموع ولم تَفِ التركة بقيمته الذي هو شرط وجوب الفك ، لا كلّ واحد.

قلنا أوّلاً : إنّ الوارث ليس هو المجموع من حيث هو بل كل واحد.

وثانياً : إنّ الحكم في النصوص ليس معلقاً بالوارث ، بل بالأُم والأب والابن وأمثالها ، وليس شي‌ء منها هو المجموع.

هذا إذا لم يكن البعض الذي تفي التركة بقيمته معيناً ، وأمّا إذا تعيّن ، كأن تفي بقيمة أحد الابنين دون الآخر تعيّن شراؤه ، لوجود المقتضي فيه وانتفاء المانع ووجوده في الآخر.

ولو اختلفوا في النصيب ، فإن وفي نصيب كل بقيمته فالحكم واضح.

ولو قصر نصيب بعضهم عنها ، فإن وَفَت التركة بشراء الجميع فيجب شراؤهم أجمع ، إجماعاً ، كما ادّعاه في الإيضاح (١) ، سواء بقي منها شي‌ء أو لا ، لتساويهم في أصل سبب الشراء ؛ وأكثرية نصيب الأكثر نصيباً إنّما هي‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٤ : ١٨٣.

٧٨

فيما بقي بعد الشراء.

وإن لم يف به ووفى بالبعض المعيّن يجب شراؤه دون غيره وإن كان أقلّ نصيباً ، لما مرّ.

وإن وَفى بالبعض الغير المعيّن فقيل بعدم فكّه (١) ، وقيل بتقديم الأكثر نصيباً (٢).

والأقوى وجوب الفكّ ، لما سبق ، وعدم وجوب تقديمه ، للأصل. وأكثرية نصيبه بعد شرائه وعتقه لا توجب وجوب تقديمه ، ولا يقتضي نفي المانع فيه وإثباته في غيره. ويحتمل الرجوع إلى القرعة أيضاً.

ز : لا يخفى أنّ هذا الحكم كما عرفت مختصّ بما إذا لم يكن له وارث حرّ ، وأمّا إذا كان ولو بعيداً فلا يجب الشراء بالإجماع ، كما صرّح به في التهذيبين (٣).

وتدلّ عليه روايات العتق قبل القسمة أو بعدها (٤) ، فإنّه لو وجب الشراء مع جود الحرّ أيضاً فلا تجوز القسمة قبل الشراء بل يجب الشراء ، ولا يترتب التوريث وعدمه على العتق قبل القسمة وبعدها.

والاحتجاج بحسنة ابن سنان المتقدمة (٥) لا يخلو عن نظر ، لأنّ الظاهر شرعاً رجوع القيد إلى الأخير إذا تعقّب جُملاً متعاطفة كما بيّنا في الأُصول ، وعلى هذا فلا يتمّ الاستدلال ، لأنّ اشتراط انتفاء ذي القرابة حينئذ يكون لدفع تمام بقية المال لا للشراء.

__________________

(١) كما في القواعد ٢ : ١٦٤ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٨٢.

(٢) كما في المسالك ٢ : ٣١٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٣٥ ، الاستبصار ٤ : ١٧٧.

(٤) انظر الوسائل ٢٦ : ٤٦ أبواب موانع الإرث ب ١٨.

(٥) في ص : ٦٦.

٧٩

وأمّا ما رواه السائي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في رجل توفي وترك مالاً وله أُمّ مملوكة قال : « تشترى وتعتق ويدفع إليها بعدُ ماله إن لم تكن له عصبة ، فإن كانت له عصبة قسم المال بينها وبين العصبة » (١).

فضعيف ، على أنّه غير معمول به ، لأنّه متى دخلت الام لا ترث العصبة ، فجزؤه الذي يدلّ على خلاف المطلوب متروك بالإجماع ، ولذا قال في الاستبصار : اللهم إلاّ أن نحمله على ضرب من التقية إذ ثبتت حرّية الأُم ، لأنّ العامّة يورّثونها الثلث والباقي يعطون العصبة (٢).

ويظهر من بعض المتأخّرين الميل إلى وجوب الاشتراء والعتق لو كان له حرّ وارث بالولاء كمنعم أو ضامن جريرة. وهو مردود بما ذكرنا.

ح : لو اشتري وأعتق ثمّ ظهر الوارث‌ ، فالأقرب بطلانهما. والوجه واضح.

المسألة الخامسة : المشقّص يرث من نصيبه بقدر حرّيته ، وكذا يورث منه‌ ، بلا خلاف يعرف ، وفي المفاتيح : بلا خلاف منّا (٣) ، وقيل : ظاهر جماعة أنّ عليه إجماع الإماميّة (٤).

وخالف فيه جماعة من العامّة ، فنفى بعضهم الحكمين ، والآخر الأخير (٥).

لنا على الحكمين بعد ظاهر الإجماع : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنجبر ضعفه بما ذكر ـ : أنّه قال في العبد يعتق بعضه : « يرث ويورث‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٣٥ ، ١٢٠٤ ، الإستبصار ٤ : ١٧٦ ، ٦٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٥٣ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ١١.

(٢) الاستبصار ٤ : ١٧٧.

(٣) المفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٤) انظر رياض المسائل ٢ : ٣٤٤.

(٥) انظر المُغني والشرح الكبير ٧ : ١٣٥.

٨٠