مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

رجلاً تُقسّم تركته من حين ارتداده بين ورثته وإن كان حيّاً ، بالإجماع.

لصحيحة محمد ، عن الباقر عليه‌السلام : « من رغب عن دين الإسلام وكفر بما أنزل الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إسلامه فلا توبة ، ووجب قتله ، وبانت امرأته ، ويقسّم ما ترك على ولده » (١).

وموثّقة الساباطي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن دين الإسلام وجحد محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذّبه فإنّ دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه ، ويقسّم ماله على ورثته » الحديث (٢) ، وغيرهما (٣).

وغيره لا تقسّم تركته ما دام حيّاً ؛ للأصل ، وعدم الدليل.

ثمّ لو مات المرتد فإن كان له وارث مسلم فالمال له ، ولا شي‌ء لوارثه الكافر إن كان ، فطريّاً كان المرتد أو مليّاً ؛ للإجماع ، ولما مرّ.

وإن لم يكن له وارث مسلم فالمشهور سيّما بين المتأخّرين أنّ تركته للإمام ، وفي بعض العبارات نسبة خلافه إلى الشذوذ (٤).

لظاهر الاتّفاق. ولمرسلة أبان : في الرجل يموت مرتداً عن الإسلام وله أولاد ومال ، قال : « ماله لولده المسلمين » (٥).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٣ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٣ ، ١٣٣٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٢٥٧ ، ١١ ، الفقيه ٣ : ٨٩ ، ٣٣٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٦ ، ٥٤١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٣ ، ٩٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٤ أبواب حدّ المرتد ب ١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٨ : ٣٢٣ أبواب حد المرتد ب ١.

(٤) كما في المفاتيح ٣ : ٣١٢.

(٥) الكافي ٧ : ١٥٢ ، ١ ، الفقيه ٣ : ٩٢ ، ٣٤٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧٤ ، ١٣٣٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٦.

٤١

والاتّفاق غير ثابت كما يأتي ، والمرسلة غير دالّة ، لظهورها بل صراحتها في وجود الأولاد المسلمين.

خلافاً للمحكي عن صريح المقنع وظاهري الفقيه والاستبصار في الملّي فميراثه لورثته الكفّار (١).

لعمومات الإرث مطلقاً ، وعمومات ميراث ورثة المرتد وأنّه لورثته على كتاب الله (٢) ، وخصوص موثقة إبراهيم عن عبد الحميد : في نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثم مات قال : « ميراثه لولده النصارى » الحديث (٣).

وردّ تارة : بالحمل على التقية ، وأُخرى : بالطرح للشذوذ ، وثالثة : بالضعف بالإرسال ، ورابعة : بالمخالفة للقاعدة الثابتة من أنّ المرتد بحكم المسلم ، وخامسة : بعدم المقاومة للمرسلة المتقدّمة.

والأوّل مردود : بأنّه فرع وجود المعارض ، والثاني : بكفاية العمومات الكتابيّة والخبريّة ، والثالث : بأنّها في الفقيه مسندة ، مع أنّها عن ابن أبي عمير صحيحة ، والرابع : بأنّ القاعدة كليّة غير ثابتة ، والخامس : بأنّ المرسلة كما مرّ غير دالّة.

فإذاً قول الصدوق هو الأقرب ، بل مقتضى الإطلاقات ذلك في الفطري أيضاً ، إلاّ أنّ ظاهر الإجماع فيه يمنع عن القول به ، بل ميراثه مع عدم المسلم للإمام.

__________________

(١) المقنع : ١٧٩ ، الفقيه ٤ : ٢٤٢ ، الاستبصار ٤ : ١٩٣.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢٥ أبواب موانع الإرث ب ٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٥ ، ٧٨٩ ، التهذيب ٩ : ٣٧٢ ، ١٣٢٨ ، الاستبصار ٤ : ١٩٣ ، ٧٢٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٧ ، ١٣٤٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ١.

٤٢

والثاني من الموانع : القتل.

وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : القاتل إذا كان متعمّداً بغير حقّ لا يرث‌ ، قريباً كان أو بعيداً ، بلا خلاف يعرف ، ونقل الإجماع عليه متكرر (١) ، واقتضاء الحكمة له يرشد إليه ، إذ لولاه لم يأمن مستعجل الإرث أن يقتل مورثه.

والدليل الشرعي عليه الأخبار المستفيضة ، كصحيحة هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ميراث للقاتل » (٢).

ورواية أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : « لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه » (٣).

ورواية القاسم بن سليمان : عن رجل قتل امّه أيرثها؟ قال : « سمعت أبي يقول : أيّما رجل ذي رحم قتل قريبه لم يرثه » (٤).

وصحيحة الحذاء : في رجل قتل امّه قال : « لا يرثها » (٥).

وصحيحة الحلبي : عن الرجل يقتل ابنه ، أيقتل به؟ قال : « لا ، ولا يرث أحدهما الآخر إذا قتله » (٦).

__________________

(١) انظر الخلاف ٤ : ٢٨ ٣٠ ، والروضة البهية ٨ : ٣١ ، والرياض ٢ : ٣٤٠.

(٢) الكافي ٧ : ١٤١ ، ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ ، ١٣٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٠ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧٧ ، ١٣٤٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣١ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٥.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٠ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧٧ ، ١٣٤٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣١ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ١٤٠ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ ، ١٣٥١ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٢.

(٦) التهذيب ١٠ : ٢٣٨ ، ٩٤٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣١ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٧.

٤٣

وحسنته : « إذا قتل الرجل أباه قُتل به ، وإن قتله أبوه لم يُقتل به ولم يرثه » (١).

وصحيحتي عبد الله بن سنان وجميل ، وروايتي جميل ومحمّد بن قيس الآتية (٢).

ولو تعدّد القاتل مُنعوا جميعاً لو كانوا ورثة ، والوارث إن اختلفوا ؛ للإطلاقات.

ولو كان بحقّ كحدّ أو قصاص أو نحوهما يرث كذلك ، سواء جاز للقاتل تركه أم لا.

ويدلّ عليه مضافاً إلى عمومات الإرث رواية حفص بن غياث : عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والأُخرى عادلة اقتتلوا ، فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي وهو وارثه ، أيرثه؟ قال : « نعم ، لأنّه قتله بحقّ » (٣).

وضعفها غير ضائر ؛ لانجبارها بالعمل ، واعتضادها بنقل الإجماع. كاختصاصها بالباغي ؛ لإيجاب التعليل التعدّي إلى ما سواه.

وبها تقيّد إطلاقات القاتل المتقدمة. ودعوى اختصاصها بحكم التبادر بالقاتل بغير حقّ دعوى موهونة جدّاً.

وإن كان خطأً ففي إرثه ومنعه أقوال : الأوّل للمفيد على نقل والديلمي والمحقّق وظاهر المسالك (٤) ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤١ ، ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ ، ١٣٥٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٤.

(٢) في ص ٤٤ و ٤٥ و ٥٠.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٣٣ ، ٧٤٨ ، التهذيب ٩ : ٣٨١ ، ١٣٦٤ ، الوسائل ٢٦ : ٤١ أبواب موانع الإرث ب ١٣ ح ١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٧٠٣ ، والديلمي في المراسم : ٢١٨ ، والمحقق في الشرائع ٤ : ١٤ ، المسالك ٢ : ٣١٣.

٤٤

واختاره بعض الثالثة (١) ونسبه المحقّق في الشرائع والفاضل في التحرير وغيرهما في غيرهما إلى الأشهر (٢) ، واختاره الشيخ في النهاية وإن عمل بالتفصيل لكونه أحوط (٣).

والثاني للعماني (٤).

والثالث وهو أنّه يرث مما عدا الدية للشيخ والمفيد على نقل والإسكافي والسيد والقاضي والكيدري والحلبي وابني حمزة وزهرة والحلّي والمختلف (٥) ، واستجوده في القواعد وشرحه (٦) ، كما استحسنه في التحرير (٧) ، وقرّبه في الإرشاد ، ونسبه في المسالك والنكت والكفاية إلى أكثر الأصحاب (٨) وعن السيد والشيخ والحلبيين والحلّي الإجماع عليه (٩).

وظاهر الدروس والتنقيح التردد مطلقاً (١٠) ، كصريح الكفاية في‌

__________________

(١) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٤.

(٢) الشرائع ٤ : ١٤ ، التحرير ٢ : ١٧٢ ، وأُنظر المفاتيح ٣ : ٣١٤.

(٣) النهاية : ٦٧٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٧٤٢.

(٥) الشيخ في النهاية : ٦٧٢ ، وحكاه عن المفيد في التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف ٢ : ٧٤٢ ، والسيد في الانتصار : ٣٠٧ ، والقاضي في المهذب ٢ : ١٦٢ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، والحلّي في السرائر ٣ : ٢٧٤ ، المختلف ٢ : ٧٤٣.

(٦) القواعد ٢ : ١٦٣ ، وأُنظر الإيضاح ٤ : ١٧٩ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٨٠.

(٧) التحرير ٢ : ١٧٢.

(٨) المسالك ٢ : ٣١٣ ، كفاية الأحكام : ٢٩٠.

(٩) السيد في الانتصار : ٣٠٨ ، الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٨ ٣٠ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ وابن زهرة الحلبي في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٢٧٤.

(١٠) الدروس ٢ : ٣٤٧ ، التنقيح ٤ : ١٤٠.

٤٥

الدية (١).

للأوّل : عمومات الإرث كتاباً وسنة ، ورفع المؤاخذة عن الخطاء.

وصحيحة ابن سنان : « عن رجل قتل امّه ، أيرثها؟ قال : « إن كان خطأً يرثها ، وإن كان عمداً لم يرثها » (٢).

وصحيحة محمد بن قيس ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل قتل امّه قال : « إن كان خطأً فإنّ له ميراثه ، وإن كان قتلها متعمّداً فلا يرثها » (٣).

وحسنته عنه عليه‌السلام قال : « إذا قتل الرجل امّه خطأً ورثها ، وإن قتلها عمداً لم يرثها » (٤).

ويؤيّد المطلوب انتفاء الحكمة الموجبة لنفي الإرث.

قيل : هذه الروايات قاصرة عن الدلالة على إرثه من الدية المأخوذة منه أو من العصبة ، لاختصاصها بحكم التبادر بإرث ما عداها من التركة ، على أنّ ما يرث منه غير مذكور ، والقرينة على إرادة ما يشمل الدية مفقودة ، فلا دلالة لها على إرث القاتل من الدية (٥).

قلنا ، لو سلّمنا ذلك نقول : إنّ استدلالنا بهذه الأخبار على الإرث من الدية أيضاً ليس باعتبار دلالتها وحدها على ذلك ، بل ثبت بها كون القاتل‌

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٢٩٠.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٧٩ ، ١٣٥٨ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ ، ٧٢٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٤ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٧٩ ، ١٣٥٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ ، ٧٢٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٣ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ١. ولكن الرواية فيها إما موثقة بعلي بن الحسن بن فضال أو ضعيفة بابن أبي المفضل أو ابن بطة.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٣٢ ، ٧٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣٣ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ١.

(٥) الرياض ٢ : ٣٤٠.

٤٦

وارثاً مطلقاً ، أو وارثاً لسائر الأموال ، ثمّ بانضمام الأحاديث المستفيضة من الصحاح وغيرها الآتية في المسألة السابعة (١) ، الدالة على أنّ الدية كسائر الأموال ، أو يأخذها من يأخذ سائر الأموال ، أو يأخذها الورثة على كتاب الله ـ أي ورثة سائر الأموال يتمّ المطلوب.

والحاصل أنّه ليس المراد بالاستدلال بتلك الأخبار إثبات تمام المطلوب بها وحدها ، بل يثبت بعضه بها ، وبعضه بها وبغيرها ، هذا.

على أنّ هذه الروايات توجب تخصيص القاتل في روايات نفي الإرث للقاتل مطلقاً بالعامد ، فيبقى الخاطئ تحت عمومات الإرث بلا مخصص.

للثاني : العمومات ، وخصوص رواية الفضيل : « لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأً » (٢).

وأُجيب : بأنّ العمومات مخصصة. والرواية مع كونها ضعيفة فإنّها رويت بطرق ثلاثة ، اثنان منها يشتمل على محمد بن سنان والآخر مرسلة (٣)

__________________

(١) في ص ٥٣ و ٥٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٤١ ، ٧ وفيه : لا يرث الرجل أباه ، التهذيب ٩ : ٣٧٩ ، ١٣٥٩ ، الاستبصار ٤ : ١٩٣ ، ٧٢٧ ، وقد وردت فيهما بسندين مرسلين في أحدهما محمَّد بن سنان ، الوسائل ٢٦ : ٣٤ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٣ ، وفيه مثل ما في الكافي.

(٣) الرواية مروية بخمسة طرق : ثلاثة منها عن الفضيل بن يسار وجميعها مرسلة وفي أحدها محمد بن سنان تقدمت الإشارة إليها ، وطريقان عن العلاء بن الفضيل وفيهما محمد بن سنان كما في التهذيب والوسائل أو ابن سنان كما في الكافي. لاحظ الكافي ٧ : ٢٩٨ ، ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٧ ، ٩٤٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٥ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ٤. فيمكن أن يكون مراده من الطريقين اللذين فيهما محمد بن سنان هو طريقي رواية العلاء بن الفضيل ، ومن الآخر المرسل هو طرق رواية الفضيل بن يسار الثلاثة.

٤٧

موافقة لمذهب أبي حنيفة وأصحابه ، كما صرّح به في الانتصار ، والتهذيبين (١) ، فحملها على التقية ممكن ؛ ومع ذلك حكم الشيخ في النهاية بشذوذها (٢).

وللثالث : الجمع بين الدليلين.

وقوله تعالى ( وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (٣) ولا يعقل تسليمه أو عاقلته إلى نفسه.

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ، ويرث الرجل من مالها ومن ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه ، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله ولا من ديته ، وإن قتله خطأ ورّث من ماله ولا يرث من ديته » (٤).

والأخبار الآتية في أواخر المسألة السابعة (٥) ، الدالّة بإطلاقها على عدم إرث الزوج أو الزوجة القاتل من الدية شيئاً ، سواء كان خطأً أو عمداً ؛ والاختصاص بالزوجين لا يضرّ ، لعدم قائل بالفصل.

وما روي في الصحيح : عن امرأة شربت دواءً وهي حامل ولم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها ، قال : فقال : « إن كان له عظم وقد نبت عليه اللحم عليها دية تسلّمها إلى أبيه ، وإن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً ، أو غرّة تؤدّيها إلى أبيه » قلت : فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال : « لا لأنّها قتلته » (٦).

__________________

(١) الانتصار : ٣٠٧ ، التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، الاستبصار ٤ : ١٩٤.

(٢) النهاية : ٦٧٢.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٢٢١.

(٥) في ص ٥٦.

(٦) الكافي ٧ : ١٤١ ، ٦ ، الفقيه ٤ : ٢٣٣ ، ٧٤٦ ، التهذيب ٩ : ٣٧٩ ، ١٣٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٣٠١ ، ١١٣٠ ، الوسائل ٢٦ : ٣١ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ١.

٤٨

والإجماع المنقول عن السيد والشيخ والحلبيين (١).

ويردّ الأوّل : بأنّه لا جمع إلاّ مع وجود الدليلين ، وهو ممنوع.

والثاني : بأنّ عدم تعقل التسليم إلى القاتل محض استبعاد.

والثالث : بأنّ الرواية ضعيفة غايته ، فإنّها وإن كانت خاصة بالنسبة إلى الأخبار الأُول حيث إنّها توجب ثبوت الإرث في الدية وغيرها ، وهذه مخصصة بالغير ، ولكنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص.

وأمّا الأخبار الآتية ، فبالنسبة إلى دليلنا (٢) عامّة أو مطلقة ، فتخصّص أو تقيّد بقتل العمد.

وأمّا الصحيح فهو ظاهر بل صريح في العمد ، حيث قال : « عليها دية » ولو كان خطأ لم يكن الدية عليها ، وأيضاً « طرحته » مشعر بذلك ، وعلى فرض العموم فالتخصيص لازم.

وأمّا الإجماع المنقول فلا حجّية فيه ، سيّما في مثل هذا المقام الذي ادّعى جمع كثير الشهرة على خلافه. بل يمكن أن يقال : نقل الشهرة معارض لنقل الإجماع فيتساقطان ، ولو لم يعارضه لإمكان اجتماعهما فلا أقلّ من تضعيفهما. على أنّ كلام السيّد الذي رأيناه ليس بصريح في نقل الإجماع ، بل ظاهره أنّ الإجماع إنّما هو على أصل توريث القاتل خطأ ، لا على مجموع الحكم الذي ذكره من توريثه من أمواله وعدم توريثه من الدية ، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه في الانتصار.

أقول‌ : كلّ ما ذكر للأقوال الثلاثة دليلاً وجواباً ورداً له وجه ، إلاّ‌

__________________

(١) السيّد في الانتصار : ٣٠٨ ، الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٨ ٣٠ ، أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٢) في « س » : أخبارنا.

٤٩

ما قيل في ردّ الرواية النبويّة من أنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص ، فإنّها وإن كانت ضعيفة ولكنها مرويّة في كتب أصحابنا الفقهية ، منجبرة بدعوى الشهرة العديدة ، وحكاية الإجماع المستفيضة ، ومثل ذلك لا يقصر عن الصحاح في الحجّية.

وكذا ما ذكر في ردّ الأخبار الآتية من كونها أعمّ مطلقاً من جميع ما تقدّم ، فإنّها ليست كذلك ، بل النسبة بينها وبين أخبار القول الأوّل بالعموم من وجه فيتعارضان ، ويصلح النبوي للجمع بما تضمنه ، بل هو أخص مطلقاً من الجميع فتخصص به.

فالحقّ هو القول الثالث.

وهل يلحق شبه العمد بالعمد أو الخطأ؟

قال في القواعد بالأوّل (١) ، وحكي عن أبي علي (٢). وبالثاني في التحرير والمختلف (٣) ، وحكي عن الديلمي (٤).

والأوّل هو الأظهر ، لعمومات منع القاتل. ودعوى ظهورها في العامد المحض ممنوعة ، والاحتمال غير ضائر.

والاستشكال في جواز تخصيص عمومات الإرث مع ذلك الاحتمال ـ كالأردبيلي لعدم جواز تخصيص القطعي بالظني غير جيد ؛ لأنّ شمول عمومات الإرث للقاتل أيضاً ظنّي ، بل المتبادر غيره.

وهل يختص المنع بالقتل بالمباشرة ، أو يعمّ التسبيب أيضاً فعمدة يمنع وخطؤه لا يمنع؟

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٦٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٤٣.

(٣) التحرير ٢ : ١٧٢ ، المختلف : ٧٤٣.

(٤) المراسم : ٢١٨.

٥٠

الأوّل محكيّ عن الفضل بن شاذان والعماني (١) ، لعدم صدق القاتل على المسبب. والثاني للقواعد (٢).

ولعل الأوّل أظهر ، إذ يقال : إنّه صار سبباً للقتل ، لا أنّه قتل ، ولا أقلّ من الشك فيعمل بالعمومات.

المسألة الثانية : لا فرق في ذلك بين مراتب النسب والسبب ، لعموم الأدلّة.

المسألة الثالثة : لو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث للإمام عليه‌السلام لأنّه وارث من لا وارث له. وظاهر الشرائع أنّه لبيت مال المسلمين (٣) ، وبه صرّح في صحيحتي الحنّاط في خصوص الدية (٤) ، وسيأتي تحقيقه ومصرفه حال الغيبة ، كما يظهر.

المسألة الرابعة : لا يُمنع من كان تقرّبه بواسطة القاتل بلا خلاف يعرف ، فلو كان له ولد يرث لولا من يحجبه ، وكذا ابن الأخ القاتل ، لموثقة جميل : في رجل قتل أباه ، قال : « لا يرثه ، فإن كان للقاتل ابن ورث الجد المقتول » (٥). ورواها في الفقيه بطريق حسن.

وروايته ، قال : « لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل » (٦).

__________________

(١) حكاه عن الفضل بن شاذان في الفقيه ٤ : ٢٣٤ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٧٤٢.

(٢) القواعد ٢ : ١٦٣.

(٣) الشرائع ٤ : ١٤.

(٤) الآتية في ص ٥١.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٣٢ ، ٧٤١ ، التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، ١٣٦١ ، الوسائل ٢٦ : ٣٩ أبواب موانع الإرث ب ١٢ ح ١.

(٦) الكافي ٧ : ١٤٠ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ ، ١٣٥٠ ، الوسائل ٢٦ : ٤٠ أبواب موانع الإرث ب ١٢ ح ٢.

٥١

ولأنّ القرب الموجب متحقق والمانع منتف ، ووجوده في الواسطة غير صالح للمانعية.

فإن قيل : نفس وجودها مانع ، لأنّه موجب لأمرين انتقال الإرث إليها ، وحجبها لمن يرث بواسطة ، وانتفاء أحدهما لا يستلزم انتفاء الآخر.

قلنا : يستلزمه ، لأنّ أحدهما معلول للآخر ، فينتفي بانتفاء علته. وبتقرير آخر : لانسلّم أنّ المانع نفس وجودها بل توريثها ، ويدلّ عليه توريث غير من يتقرب به من الوارث إجماعاً.

المسألة الخامسة : لو كان للقاتل أو معه وارثٌ كافر مُنعا ، وكان الميراث للإمام لولا وارث غيرهما ، لوجود المانع في كلّ منهما.

المسألة السادسة : إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام عليه‌السلام فله المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي ، وليس له العفو ، وفاقاً للمشهور ؛ وخلافاً للحلّي فأثبت له الثلاثة (١).

لنا : صحيحة أبي ولاّد ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الرجل يقتل وليس له ولي إلاّ الإمام : « إنّه ليس للإمام أن يعفو ، وله أن يقتل أو يأخذ الدية » (٢).

وصحيحته الأُخرى : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً عمداً إلى أن قال ـ : قلت له : فإن عفا عنه الإمام؟ قال ، فقال : « إنّما هو حقّ جميع المسلمين ، وإنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية ، وليس له أن يعفو » (٣).

وهما بإطلاقهما يتناولان الخطإ أيضاً.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٣٣٦.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٧٨ ، ٦٩٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٥ أبواب القصاص في النفس ب ٦٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٣٥٩ ح ١ ، الفقيه ٤ : ٧٩ ، ٢٤٨ ، التهذيب ١٠ : ١٧٨ ، ٦٩٧ ، علل الشرائع : ٥٨١ ، ١٥ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٤ أبواب القصاص في النفس ب ٦٠ ح ١.

٥٢

للمخالف : أولويّة الإمام عليه‌السلام بالعفو.

قلنا : لو كان حقّ الإمام دون جميع المسلمين ، على أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

المسألة السابعة : اختلفوا في وارث الدية على أقوال :

الأوّل : أنّه يرثها من يرث غيرها. وهو مختار الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف (١) ، وحكي عن ابن حمزة (٢) والفاضل في جنايات القواعد (٣) ، ونسب أيضاً إلى الحلّي في السرائر والفاضل في المختلف (٤) وأنكرها بعض مشايخنا ، وأرجع قولهما إلى أمر آخر (٥).

وهو قريب ، بل صرّح في السرائر في هذه المسألة بعدم توريث كلالة الأُم من الدية ونفى الخلاف فيه.

والثاني : أنّه يرثها من عدا المتقرب بالأُم. ذهب إليه المفيد (٦) والشيخ في النهاية وجنايات الخلاف (٧) ، والحلّي في ميراث السرائر (٨) ، والقاضي والحلبي وابن زهرة والكيدري (٩) ، والمحقق في جنايات الشرائع والنافع (١٠) ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٨٠ ، الخلاف ٤ : ١١٤.

(٢) حكاه عنه في الإيضاح ٤ : ١٨٠.

(٣) القواعد ٢ : ١٦٣.

(٤) نسبه إلى الحلي في الدروس ٢ : ٣٤٨ ، وانظر السرائر ٣ : ٣٢٨ ، المختلف : ٧٤٢.

(٥) انظر رياض المسائل ٢ : ٣٤١.

(٦) المقنعة : ٧٠٢.

(٧) النهاية : ٦٧٣ ، وحكاه عن جنايات الخلاف في كشف اللثام ٢ : ٢٨٠ ، وانظر الخلاف ٢ : ٣٥٦.

(٨) السرائر ٣ : ٢٧٤ ، ٣٣٦.

(٩) القاضي في جواهر الفقه : ١٦٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(١٠) الشرائع ٤ : ٢٨٨ ، المختصر النافع : ٢٦٥.

٥٣

واستقربه في الدروس (١) ، كما استجوده في المسالك (٢) ، وقال في الكفاية : ولعلّه قول الأكثر (٣) ، وادّعى عليه الإجماع في الخلاف والسرائر (٤).

والثالث : أنّه يرثها غير المتقرب بالأُم وبالأب وحده ، وهو قول الشيخ في موضع من الخلاف (٥).

للأوّل : عموم آيات الإرث وأخباره ، وخصوص رواية إسحاق بن عمّار : « إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً فهي ميراث كسائر الأموال » (٦).

ورواية العبدي : « الدية تقسّم على من أحرز الميراث » (٧).

وللثاني : صحيحة سليمان بن خالد : « قضى أمير المؤمنين في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين ، إلاّ الإخوة والأخوات من الأُمّ ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً » (٨).

وصحيحة ابن سنان : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ الدية يرثها الورثة ، إلاّ الإخوة والأخوات [ من الأُم (٩) ] ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً » (١٠).

وصحيحة محمد بن قيس : « الدية يرثها الورثة على فرائض‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٤٨.

(٢) المسالك ٢ : ٣١٤.

(٣) كفاية الأحكام : ٢٩١.

(٤) انظر الخلاف ٢ : ٣٥٦ ، السرائر ٣ : ٣٣٦.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٥٦.

(٦) التهذيب ٩ : ٣٧٧ ، ١٣٤٧ ، الوسائل ٢٦ : ٤١ أبواب موانع الإرث ب ١٤ ح ١.

(٧) الفقيه ٤ : ١٨٨ ، ٦٥٧ ، التهذيب ٩ : ٢٤٩ ، ٩٦٤ ، علل الشرائع : ٥٦٩ ، ٤ ، الوسائل ٢٦ : ٨١ أبواب موجبات الإرث ب ٧ ح ١٢.

(٨) الكافي ٧ : ١٣٩ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٣٢ ، ٧٤٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ ، ١٣٣٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣٥ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ١.

(٩) أثبتناه من المصدر.

(١٠) الكافي ٧ : ١٣٩ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ ، ١٣٣٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣٦ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٢.

٥٤

المواريث ، إلاّ الإخوة من الأُم ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً » (١).

وموثقة عبيد بن زرارة : « لا يرث الإخوة من الامّ من الدية شيئاً » (٢).

ورواية البقباق : هل للإخوة من الام من الدية شي‌ء؟ قال : « لا » (٣).

وقول الرضا عليه‌السلام في فقهه قال : « واعلم أنّ الدية يرثها الورثة على كتاب الله ، ما خلا الإخوة والأخوات من الأُم ، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً » (٤).

وهذه الروايات وإن كانت مخصوصة إلاّ أنّهم عمّموا الحكم ، لمفهوم الموافقة ، وعدم القول بالفصل.

ومستند الثالث غير معلوم ، نعم يظهر من الصيمري أنّ فيه رواية (٥) ، ولم أقف عليها ولا نقله غيره.

أقول‌ : إنّ عموم آيات الإرث وأخباره وشمولها للدّية غير ظاهر ، فإنّ الحكم فيها إمّا متعلق بالإرث والميراث ، أو بغيرهما نحو المال وما ترك وما خلّف وغيرها ، وعدم شمول الثاني للدّية حقيقة واضح. وأمّا الأوّل ، فإمّا نقول بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أو لا ، فإن قلنا به فنقول بثبوتها فيما كان مالاً للميت حين حياته ، وأما في غيره فغير ثابت ، فلا نقول به. وإلاّ فيكون مجازاً ، فيجب الحمل على الأقرب إن كان ، وإلاّ فعلى المتيقن ، واختصاصهما بغير الدية من أموال الميت ظاهر ، على أنّه لو سلم العموم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٩ ، ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ ، ١٣٤٠ ، الوسائل ٢٦ : ٣٧ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٣٩ ، ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٧٦ ، ١٣٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٧ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٥.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٠ ، ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ ، ١٣٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣٧ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٦.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ١٤٧ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٢.

(٥) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٣٤١.

٥٥

فيجب التخصيص ، لوجود المخصص الشرعي ، وهو ما تمسك به الأكثر من الأحاديث الصحيحة.

وكذا روايتا ابن عمار (١) والعبدي فلا وجه للحكم بالعموم.

ولكن المخصص لا يشمل غير الإخوة والأخوات ، ولذا حكم في الدروس بالقصر على موضع النص وإن قال بعده : والأقرب منع قرابة الأُم مطلقاً (٢) ، واستوجهه في المسالك أيضاً (٣) ، وقال في الكفاية : فالوجه الاقتصار عليهما في الحكم (٤).

فعدم التعدّي والاقتصار على ما خصصه المخصص أولى وأظهر ، إلاّ أن يثبت عدم القول بالفصل وهو غير معلوم ، والأولويّة المدعاة بل المساواة ممنوعتان. ودعوى أنّ العرف يفهم من هذه الأحاديث أنّ المراد كل من يتقرب بالامّ دعوى عجيبة.

وأمّا قسمتها على غيرهما من الورثة فليست لعموم آيات الإرث وأخباره ، لما عرفت ، بل للتصريح بها في صحاح أبناء خالد وسنان وقيس المتقدمة.

وأمّا رواية السكوني : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئاً ، ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً ، ولا الإخوة من الام من الدية شيئاً » (٥).

__________________

(١) وقد يقالُ بعدم دلالة رواية ابن عمّار ، فإنّ الثابت منها أنّها تصير مالاً فيحتمل أن يكون لمن يرث الدية. وفيه أنّ الظاهر من قوله « فهي ميراث » أنه يصير مالاً للميت فتأمل. ( منه قدس‌سره ).

(٢) الدروس ٢ : ٣٤٨.

(٣) المسالك ٢ : ٣١٤.

(٤) كفاية الأحكام : ٢٩١.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، ١٣٦٠ ، الإستبصار ٤ : ١٩٥ ، ٧٣١ ، الوسائل ٢٦ : ٣٩ أبواب موانع الإرث ب ١١ ح ٤.

٥٦

فمع ضعفها بالنوفلي والسكوني وعدم العامل بها واحتمال حملها على التقية كما ذكره الشيخ (١) معارضة بما هو أقوى منها ، كحسنة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المرأة ترث من دية زوجها ويرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه » (٢).

وحسنة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل للمرأة من دية زوجها شي‌ء؟ وهل للرجل من دية امرأته شي‌ء؟ قال : « نعم ما لم يقتل أحدهما الآخر » (٣).

ورواية عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام قال : « للمرأة من دية زوجها ، وللرجل من دية امرأته ، ما لم يقتل أحدهما صاحبه » (٤).

وغيرها من الأخبار الدالّة على أنّ المرأة المطلّقة إذا كانت في العدة الرجعيّة ترث من زوجها ويرث منها من الدية وغيرها ، كموثقتي محمد بن مسلم ، ومحمد بن قيس ، ورواية عبد الله بن سنان الآتية في بحث ميراث الأزواج في مسألة ميراث المطلّقة (٥).

فيجب اطراحها ، على أنّ حملها على التقية ممكن ، لموافقتها لمذهب العامّة ، كما صرّح به في التهذيب.

وحملها على ما إذا قتل أحدهما صاحبه كما فيه أيضاً بعيد جدّاً.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، الإستبصار ٤ : ١٩٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٤١ ، ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ ، ١٣٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٩٤ ، ٧٢٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣٢ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ١٤١ ، ٩ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ ، ١٣٥٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩٤ ، ٧٢٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣٢ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ٣.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٣٢ ، ٧٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٨ أبواب موانع الإرث ب ١١ ح ١.

(٥) ستأتي موثقتا محمد بن مسلم ومحمد بن قيس في ص ٣٤٧ ، وأمّا رواية عبد الله بن سنان فلم نعثر عليها.

٥٧

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين دية العمد والخطأ ، لعموم الأدلة.

المسألة الثامنة : قالوا : إنّ الدية في حكم مال المقتول ، ويتفرّع عليه أنّه تُقضى منها ديونه ، وتخرج منها وصاياه.

والأوّل (١) مع كونه موضع الوفاق ظاهراً ، تدلّ عليه رواية ابن عمار وصحيحة سليمان المتقدمتان.

وصحيحة يحيى الأزرق (٢) : في رجل قتل وعليه دين ، ولم يترك مالاً ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن يقضوا الدين؟ قال : « نعم » قال ، قلت : وهو لم يترك شيئاً؟! قال : « إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه » (٣).

وقريب منها صحيحته الأُخرى (٤).

وصحيحته الأُخرى : عن رجل قتل وعليه دين ، وأخذ أولياؤه الدية ، أيقضى دينه؟ قال : « نعم إنّما أخذوا ديته » (٥).

ورواية أبي بصير : رجل قتل رجلاً متعمّداً أو خطأ وعليه دين و [ ليس له (٦) ] مال ، فأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل ، فقال : « إن وهبوا دمه ضمنوا الدين » قلت : فإنّهم أرادوا قتله ، فقال : « إن قتل عمداً قتل قاتله وادّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين » قلت : فإن هو قتل عمداً وصالح أولياؤه‌

__________________

(١) أي قضاء ديونه عنها ( منه قدس‌سره ).

(٢) ذكرها الثلاثة المتوالية في الوافي في باب قضاء الدين ( منه قدس‌سره ).

(٣) الكافي ٧ : ٢٥ ، ٦ ، الفقيه ٤ : ١٦٧ ، ٥٨٤ ، التهذيب ٩ : ١٦٧ ، ٦٨١ ، وج ٩ : ٢٤٥ ، ٩٥٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٣٩ ، ٧ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ ، ١٣٤١.

(٥) التهذيب ٦ : ٣١٢ ، ٨٦٢ ، وكل ذلك في الوسائل ١٨ : ٣٦٤ أبواب الدين والقرض ب ٢٤ ح ١.

(٦) أثبتناه من المصدر.

٥٨

قاتلَه على الدية ، فعلى من الدين ، على أوليائه من الدية؟ أو على إمام المسلمين؟ فقال : « بل يؤدّوا دينه من ديته الّتي صالح عليها أولياؤه ، فإنه أحقّ بديته من غيره » (١).

ورواية عبد الحميد بن سعيد : عن رجل قتل وعليه دين ، ولم يترك مالاً ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : « نعم » قلت : وهو لم يترك شيئاً؟! قال : « أما إنّه إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا عنه الدين » (٢) وغيرها.

وقد يستدلّ عليه أيضاً بأنّه لو أتلف متلف ماله أو جنى عليه في بعض أطرافه فأخذ العوض أو الدية بعد الموت أو قتله يصرف في ديونه وفاقاً ، فصرف ما هو عوض نفسه فيها أولى.

ولمانع أن يمنع الأولويّة ، متمسكاً بأنّ عوض المال والأطراف قد انتقل إليه حال حياته وصار مالكاً له ، فهو حقّ ثابت له بخلاف عوض النفس ، فإنّه لا يجب على القاتل إلاّ بعد الموت.

وربّما قيل بعدم صرفها في ديونه ، لأنّ الدين كان متعلقاً بالمديون في حال حياته وبماله بعدها ، والميت لا يملك بعد وفاته.

قلنا : اجتهاد في مقابلة النص. والحاصل أنّ اختصاص تعلق الدين بالمديون أو ماله ممنوع ، بل يتعلق بديته أيضاً.

__________________

(١) لم نعثر على رواية بهذا النص عن أبي بصير ، ولكن هناك رواية عنه بلفظ آخر في الفقيه ٤ : ١١٩ ، ٤١١ ، التهذيب ١٠ : ١٨٠ ، ٧٠٣. وهناك رواية بهذا النص مروية عن علي بن أبي حمزة في الفقيه ٤ : ٨٣ ، ٢٦٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٢ ، ١٢٣ أبواب القصاص في النفس ب ٥٩ ح ١ ، ٢.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٢ ، ٤١٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٤ أبواب الدين والقرض ب ٢٤ ذيل الحديث ١.

٥٩

أو نقول : إنّ الدية أيضاً في حكم ماله ولذا تقسّم كتقسيم سائر الأموال.

ولا فرق في الدية المأخوذة على المشهور بين قتل العمد والخطأ.

وربما قيل باختصاصه بالأخير ، لأنّ العمد إنّما يوجب القود الذي هو حقّ للوارث ، فإذا رضي بالدية فقد باذل حقه بغيره ، فكان أبعد عن استحقاقها المقتول من الخطأ الذي يوجب الدية.

ويدفعه إطلاق النصوص ، بل صريح روايتي ابن عمار (١) ، وأبي بصير.

ثمّ لو أراد الوارث في العمد الاقتصاص لم يكن للديان منعه وإن لم يكن للميت مال آخر ، وفاقاً للمشهور ، وخلافاً للشيخ والإسكافي والحلبي والقاضي وابن زهرة مدعياً عليه الإجماع (٢) ، ويأتي تفصيله في كتاب القصاص (٣).

والثاني (٤) يدلّ عليه بعد ظاهر الوفاق إطلاق رواية ابن عمار (٥) (٦) ، وصحيحة محمّد بن قيس : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أوصى‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٥٣.

(٢) الشيخ في النهاية : ٣٠٩ ، وحكاه عن الإسكافي في الرياض ٢ : ٣٤١ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٦٣ قال : فإن كان على المقتول دين قضي عنه من ديته كما يقضى عنه من ميراثه سواء كان المقتول مقتولاً عمداً أو خطأ. ونقله عنه في المختلف : ٤١٣. وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٣) لا يوجد كتاب القصاص في النسخ المتوفرة.

(٤) يعني : إخراج وصايا الميت من الدية.

(٥) المتقدمة في ص ٥٣.

(٦) هذه الروايات الخمس المتوالية نقلها في الوافي في باب أن ثلث الدية داخل في وصيته ( منه رحمه‌الله ).

٦٠