مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

الشبهة ، ولا يضرّ انكشاف الشبهة في صحّة الانتساب ، لأنّ الاشتباه أيضاً أحد الأسباب المحلّلة حال الاشتباه ، المثبتة للنسب شرعاً ، فالنسب صحيح شرعاً ، وإن ظهر فساد سببه ، فالنسب صحيح وإن كان سببه فاسداً في نفس الأمر ، لاعتبار الشارع تلك النسبة. وأمّا النسب الفاسد بنفسه فهو أن يظهر عدم النسبة ، ومثل ذلك لا يوجب توارثاً.

وأمّا ما قاله في القواعد : من أنّ الأسباب الفاسدة تنفي التوارث إجماعاً ، والأنساب الفاسدة لا تنفيه (١) ، فمراده من النسب الفاسد : النسبة الحاصلة شرعاً بالسبب الفاسد واقعاً ، كنسبة ولد الشبهة ، والمراد بالسبب الفاسد : مثل ما لو تزوّج أحد امّه الرضاعيّة جهلاً ثم انكشف الحال ، فلا ترث الزوجة بالزوجية ، ولكن ترث ولدها بالولدية.

المسألة الثالثة : الخنثى إمّا واضح أو مشكل. والأول من يمكن استعلام حاله أنه ذكر أو أُنثى ، أمّا بعلامات ظاهرة ، كاللحية ، والجماع ، والحيض ، والثدي ، والحبل ، أو نحوها ، أو بما ورد الامتياز به في الشرع.

والثاني من لم يمكن. ويظهر من السيد في الانتصار : أنّ من يحتاج في التميز إلى ما به الامتياز الشرعيّ فهو أيضاً مشكل (٢). والأمر في ذلك هيّن.

ثم الأول فحكمه ظاهر ؛ لأنه يرث إرث من يلحق به من الذكر أو الأُنثى. وإنما المهم بيان كيفية الاستعلام والتشخيص إن لم يتشخّص من العلامات الظاهرة.

وطريقه : أن يعتبر ببوله ، فإن بال من فرج الرجال فيلحق بهم ، وله مالهم ، وإن بال من فرج النساء فهي امرأة ، ولها ما لهنّ ، بلا خلاف فيه.

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٩٠.

(٢) الانتصار : ٣٠٦.

٤٤١

ولا يتوهّم من عدم تعرض العماني لأصل البول ، حيث قال : لو لم يظهر من العلامات يورث من المبال ، فإن سلسل البول على فخذه فهو امرأة ، وإن زرق كما يزرق الرجل فهو رجل (١) ، أنه لم يعتبر أصل البول ؛ لأنه ذكر أوّلاً أنه إذا علم بالعلامات كالحيض ، والاحتلام ، واللحية ، وما أشبه ذلك ، فلا إشكال. ومن البيّن أنّ اختصاص البول من العلامات الظاهرة ، فهو داخل فيما أشبه ذلك. فالمسألة إجماعيّة.

فيدلّ عليها الإجماع ، والمستفيضة من الأخبار ، كصحيحة داود بن فرقد : عن مولود ولد ، وله قبل وذكر ، كيف يورث؟ قال عليه‌السلام : « إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر ، وإن كان يبول من القبل فله ميراث الأُنثى » (٢).

ومرسلة ابن بكير : في مولود له ما للذكر وما للأُنثى ، قال : « يورث من الموضع الذي يبول ، إن بال من الذكر ورث ميراث الذكر ، وإن بال من موضع الانثى ورث ميراث الأُنثى » (٣).

ورواية طلحة بن زيد : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يورّث الخنثى من حيث يبول » (٤).

ونحوها المروي في العيون (٥).

وقول أبي الحسن الثالث عليه‌السلام في رواية موسى بن محمد : « أمّا قول‌

__________________

(١) حكاه عن العماني في المختلف : ٧٤٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٦ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٥٣ ، ١٢٦٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٣ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٧ ، ٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٤ أبواب ميراث الخنثى ب ١ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٦ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٥٣ ، ١٢٦٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٣ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ١ ح ٢.

(٥) عيون اخبار الرضا ٢ : ٧٤ ، ٣٥٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٤ أبواب ميراث الخنثى ب ١ ح ٥.

٤٤٢

عليّ عليه‌السلام في رواية موسى بن محمد : « أمّا قول عليّ عليه‌السلام في الخنثى : إنه يورث من المبال ، فهو كما قال » (١).

والمروي عن إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات ، وفيه : « فانظروا إلى سبيل البول ، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل ، وإن خرج من غير ذلك فورثوه مع النساء » (٢). إلى غير ذلك ، ممّا يأتي.

وإن لم يتشخص من ذلك ، بأن يبول من الفرجين ، اعتبر ابتداء بوله وسبقه ، فمن أيّهما سبق يلحق بأهله ؛ وفاقاً للأكثر ، منهم : المفيد في الإعلام وشرحه ، والحلّي ، والشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ، والإسكافي ، وعلي بن بابويه ، والقاضي في المهذّب والكامل ، وابن حمزة ، والمحقّق والفاضل (٣) ، وسائر من تأخر عنهما (٤) ، بل في الإعلام والسرائر والمسالك وشرح الإرشاد للأردبيلي وعن التحرير والإيضاح وشرح الشرائع للصيمري (٥) وغيرهم (٦) : الإجماع عليه.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٨ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٥٥ ، ١٢٧٢ ، تحف العقول : ٤٨٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٠ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٣ ح ١.

(٢) الغارات ١ : ١٩٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٤ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ١ ح ٦. وفيه « مسيل البول » بدل « سبيل البول ».

(٣) الأعلام ( مصنفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٦٢ ، وفيه : .. نظر إلى الأغلب منهما بالكثرة فورث عليه ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٧٧ ، النهاية : ٦٧٧ ، الخلاف ٤ : ١٠٦ ، المبسوط ٤ : ١١٤ ، حكاه عن الإسكافي وعلي بن بابويه في المختلف : ٧٤٥ ، المهذّب ٢ : ١٧١ ، وحكاه عن الكامل في المختلف : ٧٤٦ ؛ ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠١ ، المحقق في الشرائع ٤ : ٤٤ ، الفاضل في القواعد ٢ : ١٨١.

(٤) كما في الدروس ٢ : ٣٧٨ ، والتنقيح ٤ : ٢٠٩ ، والمهذّب البارع ٤ : ٤٢٤ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٠٣ ، والرياض ٢ : ٣٧٥.

(٥) السرائر ٣ : ٢٧٧ ، المسالك ٢ : ٣٤٠ ، التحرير ٢ : ١٧٤ ، الإيضاح ٤ : ٢٤٩.

(٦) كما في الانتصار : ٣٠٧ ، والمهذّب البارع ٤ : ٤٢٤.

٤٤٣

لصحيحة هشام : المولود يولد ، له ما للرجال وله ما للنساء ، قال : « يورث من حيث سبق بوله ، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث ، فإن كان سواء ورث ميراث الرجال والنساء » (١).

والأُخرى : « قضى عليّ عليه‌السلام في الخنثى له ما للرجال وله ما للنساء ، قال : يورّث من حيث يبول ، فإن خرج منهما جميعا فمن حيث سبق » الحديث (٢).

ورواية إسحاق بن عمار : « الخنثى يورّث من حيث يبول ، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه ، فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل » (٣).

ومرسلة الكافي : « في المولود ، له ما للرجال وله ما للنساء يبول منهما جميعاً ، قال : « من أيّهما سبق » قيل : فإن خرج منهما جميعاً؟ قال : « فمن أيّهما استدرّ » قيل : فإن استدرّا جميعاً؟ قال : « فمن أبعدهما » (٤).

خلافاً لظاهر العماني والصدوق والسيّد والمفيد في المقنعة والديلمي ، فلم يذكروا السبق أصلاً ، بل اعتبر الأول ما مرّ من تسلسل البول وزرقه (٥) ، والثاني لم يعتبر بعد أصل البول شيئاً (٦) ، والثالث رجع بعده إلى‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٧ ، ٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٥ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٥٤ ، ١٢٦٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٦ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٢ ذيل الحديث ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٣٧ ، ٧٥٩ ، التهذيب ٩ : ٣٥٤ ، ١٢٧٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٦ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٧ ، ٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٤ أبواب ميراث الخنثى ب ١ ح ٤.

(٥) حكاه عن العماني في المختلف : ٧٤٥.

(٦) الصدوق في المقنع : ١٧٧.

٤٤٤

الأغلب والأكثر دون شي‌ء آخر (١) ، والأخيران اعتبرا القطع أخيراً دون غيره (٢). هذا ما يستفاد من عباراتهم المنقولة في المختلف (٣).

ومنهم من نسب إلى الأخير اعتبار الغلبة والكثرة أيضاً (٤). ومنهم من نسب إلى الصدوقين والإسكافي عدم اعتبار شي‌ء من ذلك ، وإلى المهذّب والإصباح ومحتمل المبسوط والنهاية اعتبار القطع أخيراً بعد التساوي في أصل البول (٥).

وكيف كان فلا وجه لشي‌ء ممّا ذكر ، بعد دلالة الأخبار الصريحة الصحيحة والمنجبرة على اعتبار السبق بعد الأصل ، وعدمِ دليل على اعتبار الغلبة والكثرة ، ولا على القطع أخيراً. وتوجيه الغلبة والكثرة بأنّ السبق ملازم لهما ، في حيّز المنع ، فإنّه غير معلوم.

ولو لم يتشخّص من ذلك بأن يدرّ منهما دفعة واحدة ، فذهب جماعة كالشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية ، والقاضي وابن حمزة والحلّي وابن زهرة والمحقّق في الشرائع والفاضل والشهيدين (٦) ، وغيرهما من المتأخرين على ما قيل (٧) ، بل الديلمي ولكن من غير اعتبار السبق (٨) أنّه‌

__________________

(١) السيد في الانتصار : ٣٠٦.

(٢) المقنعة : ٦٩٨ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٥.

(٣) المختلف : ٧٤٥.

(٤) انظر الرياض ٢ : ٣٧٥.

(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٠٢.

(٦) الخلاف ٤ : ١٠٦ ، المبسوط ٤ : ١١٤ ، النهاية : ٦٧٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٧١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠٢ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٧٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الشرائع ٤ : ٤٤ ، الفاضل في القواعد ٢ : ١٨١ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٣٧٨ ، الشهيد الثاني في الروضة ٨ : ١٩٢.

(٧) انظر الرياض ٢ : ٣٧٦.

(٨) المراسم : ٢٢٥.

٤٤٥

يورّث على ما ينقطع عنه أخيراً ، وعن الحلّي نفي الخلاف فيه (١).

واستدّل له بقوله : « من حيث ينبعث » في صحيحة هشام ، وقوله : « يستدرّ » وقوله : « فمن أبعدهما » في مرسلة الكافي المتقدمتين.

ولا أرى له وجهاً ، فإنّ الظاهر من الانبعاث والاستدرار : الاقتضاء والدغدغة. وإن منع إرادة ذلك لكونه أمراً خفيّاً لا يظهر لغير صاحبه الذي لا يقبل قوله هنا لجلبه النفع لنفسه فيحصل الإجمال في المراد.

ومن الأبعد (٢) : الأبعد من المبال كما ورد في بعض أخبار أُخر واردة فيمن ليس له ما للرجال والنساء بلفظ التنحّي (٣).

والقول بأنّ المنقطع أخيراً يكون أشدّ انبعاثاً ودراً ، في حيّز المنع.

ولذا تردّد في النافع في اعتبار القطع (٤) ، ولم يعتبره جماعة ، إما مع اعتبار السبق كالإسكافي ووالد الصدوق ، أو بدون اعتباره أيضاً كالعماني والصدوق والسيّد. وهو الأقوى ؛ لعدم دليل على اعتباره أصلاً. فيصير حينئذ من الثاني ، أي الخنثى المشكل.

واختلفوا في حكمه على أقوال :

الأوّل : الرجوع إلى القرعة. ذهب إليه الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه إجماع الفرقة (٥) ، ومال إليه بعض الأجلّة (٦). ولو مات ولم يستعلم حاله نفى القرعة حينئذ الشبهة.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٧٧.

(٢) عطف على الانبعاث ، أي : والظاهر من الأبعد ..

(٣) كما في الوسائل ٢٦ : ٢٩٤ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٤ ح ٥.

(٤) النافع : ٢٧٥.

(٥) الخلاف ٤ : ١٠٦.

(٦) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٠٣.

٤٤٦

والثاني : أنّه تُعدّ أضلاعه ، فإن اختلف أحد الجانبين فذكر ، وإن تساويا عدداً فانثى. وهو مختار المفيد في الإعلام والسيّد في الانتصار ، والحلّي في السرائر ، والإسكافي (١) ، وادّعى الأوّلان الإجماع عليه ، والثالث نسبه إلى الأكثر من المحصلين ، بل اعتضد له بالإجماع والخبر المتفق عليه.

والثالث : أنّه يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة. وهو مذهب الصدوقين ، والمفيد في المقنعة ، والشيخ في النهاية والإيجاز والمبسوط ، والديلمي والقاضي وابني زهرة وحمزة (٢) ، وأكثر المتأخرين (٣) ، بل عامّتهم ، ونسبه في النافع والقواعد والتنقيح والدروس والروضة وشرح الشرائع للصيمري (٤) وغيرها (٥) إلى الأشهر.

ونقل بعض مشايخنا المعاصرين عن بعض معاصريه التفصيل ، باختيار الثاني إذا علم عدد أضلاعه قبل موته ، والثالث إذا لم يعلم ذلك (٦).

دليل الأوّل : ما ورد عنهم عليه‌السلام : « إنّ القرعة لكل أمر مشتبه » (٧)

__________________

(١) الأعلام ( مصنفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٦٢ ، الانتصار : ٣٠٦ ، السرائر ٣ : ٢٧٩ ٢٨٢ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٩٣.

(٢) الصدوق في المقنع : ١٧٧ ، حكاه عن والده في المختلف : ٧٤٥ ، المقنعة : ٦٩٨ ، النهاية : ٦٧٧ ، الإيجاز ( الرسائل العشر ) : ٢٧٥ ، المبسوط ٤ : ١١٤ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٥ ، القاضي في جواهر الفقه : ١٦٣ ، والمهذّب ٢ : ١٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠٢.

(٣) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٠٥ ، والعلاّمة في المختلف : ٧٤٦ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٣٧٩.

(٤) النافع : ٢٧٥ ، القواعد ٢ : ١٨١ ، التنقيح ٤ : ٢١٢ ، الدروس ٢ : ٣٧٩ ، الروضة ٨ : ١٩٤.

(٥) كالإيضاح ٤ : ٢٤٩.

(٦) انظر الرياض ٢ : ٣٧٦.

(٧) الوسائل ٢٧ : ٢٤٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢.

٤٤٧

وتعضده المستفيضة الآمرة بالقرعة في توريث من ليس له فرج الرجال ولا النساء (١).

وللثاني : صحيحة محمد بن قيس (٢) ورواية ميسرة بن شريح (٣) الطويلتان ، المتضمّنتان لعدّ أمير المؤمنين عليه‌السلام الأضلاع ، والإلحاق بالرجل بعد الاختلاف ، وإن اختلفت الروايتان في عدد الأضلاع ، ويوافق الأُولى أيضاً رواية المفيد في إرشاده (٤) ، ولكن اتّفق الجميع في اعتبار أصل الاختلاف ، وروى اعتبار ذلك الشيخ في الخلاف والعماني (٥) ، وادّعى الحلّي الخبر المتّفق عليه فيه (٦).

وقد يستدل له أيضاً برواية السكوني : « فتعدّ أضلاعه ، فإن كانت ناقصة عن أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجال ، لأنّ الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع المرأة بضلع » (٧).

وحجّة الثالث : صحيحتا هشام ، ورواية إسحاق المتقدّمة (٨) ، والمروي في قرب الإسناد للحميري : « إنّ علياً عليه‌السلام قضى في الخنثى الذي له ذكر وفرج : أنه يرث من حيث يبول ، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق ، فإن لم يبل من واحد حتّى يموت فنصف ميراث المرأة ونصف ميراث الرجل » (٩).

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٢٩١ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٤.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٣٨ ، ٧٦٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٨ أبواب ميراث الخنثى ب ٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٥٤ ، ١٢٧١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٦ أبواب ميراث الخنثى ب ٢ ح ٣.

(٤) إرشاد المفيد ١ : ٢١٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٨ أبواب ميراث الخنثى ب ٢ ح ٥.

(٥) الخلاف ٤ : ١٠٦ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٧٤٥.

(٦) السرائر ٣ : ٢٨٠.

(٧) الفقيه ٤ : ٢٣٨ ، ٧٦٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٧ ، أبواب ميراث الخنثى ب ٢ ح ٤.

(٨) راجع ص : ٤٤٤.

(٩) قرب الإسناد : ١٤٤ ، ٥١٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨٩ أبواب ميراث الخنثى ب ٢ ح ٦.

٤٤٨

أقول‌ : دليل الأوّل إنّما يتمّ لو لم يتمّ دليل الأخيرين ، وبقيت الواقعة على الشبهة ، فاللازم التكلّم فيهما.

فنقول : أمّا دليل الثاني ، فغاية ما يقال عليه : هو ضعف السند ، ولا يخفى ضعفه ، فإنّ بعد وجود الرواية في الأُصول المعتبرة وتكون فيها الصحيحة ، ومع ذلك كانت بدعوى الإجماع المتعدّدة وشهادة الاتّفاق على الرواية منجبرة ، فأيّ ضرر في ضعف سند بعض أخبار المسألة؟! وأمّا قول العماني : من أنّه لم يصحّ عندي خبر عدّ الأضلاع (١) ، فهو غير موهن له ، لأنّه لم ينف الصحّة ، وإنّما نفى ثبوتها عنده ، مع أنّه لا وهن بنفيه الصحّة أيضاً.

وقد يقال عليه أيضاً : باختلاف العدد الوارد في الأخبار ، ففي بعضها أنّ بعد العدّ كان عدد الأيمن اثنى عشر والأيسر أحد عشر ، وفي بعضها أنّ الأيمن كان تسعة والأيسر ثمانية.

وفيه : أنّه لا يضرّ بعد الاتّفاق على اعتبار أصل الاختلاف ، مع أنّه يمكن أن يكونا في واقعتين واختلف أضلاع الشخصين.

ولا يضرّ أيضاً دلالة أكثر الروايات على أنّ المعتبر اختلاف أعداد ضلعي الرجل ، ودلالة رواية السكوني على أنّ المعتبر نقصان عدد أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة بضلع ؛ لأنّ الأمرين متلازمان ، إذ بعد تساوي أعداد ضلعي المرأة يكون أعدادها زوجاً ، فبعد نقص واحد منها يكون الباقي فرداً ، فإذا قسّم العدد الفرد على ضلعي الرجل يختلف عدديهما.

ولا يضرّ أيضاً ما قيل : من أنّ الموافق للحسّ والتشريح تساوي‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٤٥.

٤٤٩

أضلاع الرجال والنساء عدداً (١) ؛ لأنّه يمكن أن تكون العلّة المذكورة في الأخبار من خلقة حواء من ضلع آدم ، موجبة لحصول الاختلاف ولو في الأكثر أو في الجملة دون الكليّة ، ولأجل ذلك قرّر الشارع بناء حكم الخنثى على ذلك.

وأمّا دليل الثالث : فهو وإن كان متضمّناً للصحيح ، إلاّ أنّ دلالته على هذا القول غير واضحة ؛ لأنّ الصحيحين دلاّ على أنّ له ميراث الرجال والنساء وهو غير المطلوب. وتأويله إليه لامتناع ما دلاّ عليه لعدم قول به يصحّ إذا كان الامتناع معيّناً لإرادة ذلك ، وليس كذلك ، لجواز إرادة معنى آخر لا نعلمه ، والتعبير بذلك لجهة لا نعلمها ، فإنّ الإجمال في الأخبار ليس بعزيز ، وطرح الأخبار لمثل ذلك ليس بجديد.

وكذا رواية إسحاق ، لأنّ إرادة الإرث من العقل ليست بدلالة لُغَويّة أو عرفيّة أو شرعيّة ثابتة ، ولو سلّم فغاية ما تدلّ عليه إنّما هو بعد الموت ، وكذا رواية الحميري. ويدلان بالمفهوم على انتفاء ذلك الحكم لو بال قبل الموت مطلقاً.

وبالجملة الروايات المعتبرة غير صريحة ، والصريحة منها ضعيفة ، ولو قيل بانجبارها بالشهرة فبما بعد الموت مخصوصة ، ودعوى الإجماع المركّب في أمثال تلك المسألة لا تخلو عن مجازفة.

ثمّ لو قطع النظر عن جميع ذلك ، فلا أرى وجهاً مقبولاً لترجيح هذه الأخبار على أخبار عدّ الأضلاع ، فالمسألة كموضوعها مشكلة ، وإن كان القول الثاني أقرب ، فعليه العمل. والله أعلم.

__________________

(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٠٣.

٤٥٠

المسألة الرابعة : من له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أحدهما أو يصاح به ، فإن انتبه أحدهما خاصّة فهو اثنان فله ميراثان ، وإلاّ فواحد بلا خلاف فيه كما قيل (١) ؛ لرواية حريز المجبرة (٢).

ولو تولّد كذلك حيّاً ثمّ مات قبل الاستعلام وانتقل ميراثه إلى امه فيحصل الإشكال ؛ والعمل بأصالة عدم تولّد الاثنين وعدم انتقال إرث الاثنين إلى الامّ ممكن.

المسألة الخامسة : من ليس له فرج الرجال ولا النساء يورث بالقرعة ؛ لدلالة المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل جلّ الطائفة عليه (٣) ؛ ولو قيل بالاعتبار أوّلاً بتنحي البول وعدمه ، فالأوّل ذكر والثاني أُنثى كما في مرسلة ابن بكير (٤) ومع التساوي يرجع إلى القرعة أمكن.

المسألة السادسة : تبرّؤ الوالد عن جريرة ولده وميراثه لا يؤثّر على الأظهر الأشهر. والخبران الدالان على تأثيره (٥) مع عدم صراحة أحدهما شاذان ، كما صرّح به الشيخ في الحائريات والحلي والشهيدان والمحقق (٦) ،

__________________

(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٠٨ والرياض ٢ : ٣٧٨.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٩ ، ١ ، الفقيه ٤ : ٢٤٠ ، ٧٦٤ ، التهذيب ٩ : ٣٥٨ ، ١٢٧٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٥ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٥ ح ١.

(٣) انظر المقنعة : ٦٩٨ ، والمقنع : ١٧٧ ، والمبسوط ٤ : ١١٤.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٧ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٥٧ ، ١٢٧٧ ، الإستبصار ٤ : ١٨٧ ، ٧٠٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٤ أبواب ميراث الخنثى ب ٤ ح ٥.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٢٩ ، ٧٣١ ، التهذيب ٩ : ٣٤٨ ، ١٢٥٢ ١٢٥٣ ، الاستبصار ٤ : ١٨٥ ، ٦٩٦ و ٦٩٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٢ و ٢٧٣ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٧ ح ٢ و ٣.

(٦) حكاه عن الحائريات في السرائر ٣ : ٢٨٦ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٨٦ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٨ : ٢١٣ ، المحقق في الشرائع ٤ : ٤٤ ، والنافع : ٢٧٤.

٤٥١

وادّعى بعضهم إجماع أصحابنا بل المسلمين كافّة على خلافه (١).

المسألة السابعة : قالوا : يشترط في إرث شخص عن آخر ، العلم بحياة الوارث بعد المورّث ولو بطرفة عين ، فلو لم يعلم ذلك فله صور خمس : لأنّ عدم العلم بذلك إمّا لأجل العلم باقتران موتهما ، أو لأجل عدم العلم بالاقتران أو تقدّم أحدهما فيشتبه المعيّة والتقدّم ، أو لأجل عدم العلم بالمتقدّم مع العلم بعدم المعيّة والاقتران ، ثمّ كلّ من الأخيرين على قسمين ، أحدهما : أن لا يتعيّن زمان موت أحدهما أيضاً ، وثانيهما : أن يتعيّن ذلك ، وكان الشك لأجل عدم العلم بزمان موت الآخر.

والظاهر عدم الإشكال في القسمين الأخيرين ، وهما اللذان يعلم فيهما زمان موت أحدهما ، فيعمل في الآخر بأصالة تأخر الحادث ، ولعلّه لا خلاف فيه أيضاً ، إلاّ ما مرّ في مسألة ميراث المفقود عن التحرير وردّه (٢).

وكذا لا إشكال في الأوّل ؛ لأنّ بعد العلم بالمعيّة يعلم عدم حياة الوارث بعده ، التي هي شرط الإرث ، ولا خلاف فيه ، بل هو إجماعيّ محقّقاً ومحكياً (٣) ، فهو الدليل عليه.

مضافاً إلى ما مرّ من ثبوت اشتراط التوريث الذي هو مخالف للأصل بتحقق حياة الوارث بعد المورّث.

وإلى رواية القداح : « ماتت أُمّ كلثوم بنت علي عليه‌السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيّهما هلك قبل ، فلم يورث أحدهما عن الآخر ، وصلّى عليهما جميعاً » (٤).

__________________

(١) كما في السرائر ٣ : ٢٨٦ ، والتنقيح ٤ : ٢٠٩.

(٢) راجع ص : ١٠٣.

(٣) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، والرياض ٢ : ٣٧٨.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٦٢ ، ١٢٩٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٤ أبواب ميراث الغرقى ب ٥ ح ١.

٤٥٢

وإلى مفهوم العلة في رواية قابوس ، عن أبيه عن علي عليه‌السلام : أنّه قضى في رجل وامرأة ماتا جميعاً في الطاعون ، ماتا على فراش واحد ويد الرجل ورجله على المرأة ، فجعل الميراث للرجل ، وقال : « إنّه مات بعدها » (١).

وكذلك الصورة الثانية ، بلا خلاف يعرف فيها أيضاً ، ونسبه بعضهم إلى تصريح الأصحاب. وفي المسالك (٢) وشرح المفاتيح الإجماع عليه.

وتدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع رواية القداح ، المنجبر ضعفها لو كان بما مرّ.

ويدلّ عليه أيضاً أنّ إرث شخص عن آخر موقوف بالعلم بوارثيّة الأوّل للثاني ، لا مجرّد وجود المنتسب الواقعي وإن لم يعلمه أحد ، فإنّ المراد بإرثه عنه حلّية تصرّف الوارث في ماله تصرفاً ملكيّاً ، ووجوب اجتناب الأبعد منه عنه وحرمته عليه ، ووجوب إعطاء مَن المال بيده إليه ، وحكم الحاكم به ، ونحو ذلك ، فإنّه إذا كان ولد لشخص لا يعلم أحد ولديّته ، كما إذا تمتّع بامرأة وولد له ولد ولم يعلم به الوالد ولم يعرف الولد والده ، أو الحق بوالد آخر بوجه شرعيّ ، لا تترتّب آثار التوريث في ماله له ، ولا يحرم على الأبعد منه أخذ مال المورّث إرثاً ، ولا على سائر من يساوي أخذ حصّته.

وبالجملة : المراد بالتوريث ترتّب آثاره الظاهرية ، ولا شك أنه موقوف على العلم بوجود الوارث ووارثيّته ، فشرط التوريث ليس مجرّد‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٨ ، ٦ وفيه : مرفوعاً ، التهذيب ٩ : ٣٦١ ، ١٢٨٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٤ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٥ ح ٣.

(٢) المسالك ٢ : ٣٤٣.

٤٥٣

الوجود والانتساب الواقعيّ ، لأنه تكليف بما لا يطاق وإغراء بالجهل ، بل هو العلم بهما ولو بدليل شرعيّ ، كاستصحاب بلا معارض ونحوه.

وعلى هذا فنقول : إنّ شرط توريث أحد المشتبهين عن الآخر العلم ببقاء حياته بعد الآخر. وهو منتف فكذلك المشروط.

وممّا ذكرنا يندفع ما ذكره صاحب الكفاية بعد الاستدلال للمشروط بأنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط بقوله : ولقائلٍ أن يقول : ثبوت الإرث له ـ أي لغير هذا المشكوك فيه ممّن هو أبعد منه مشروط بعدم وجود الأقرب عند موت المورّث ، وثبوت الجميع له مشروط بعدم مشارك له في مرتبته عند موت المورّث ، فالشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط (١).

فإنّا نقول : إنّ ثبوت الإرث للغير أو المساوي مشروط بعدم العلم بوجود الأقرب أو المساوي عند موت المورّث ، وهو حاصل ؛ كما أنّ الحكم بثبوت الإرث لهذا المشكوك فيه مشروط بالعلم بوجوده ، وهو غير حاصل.

وممّا ذكر يظهر الحكم في الصورة الثالثة أيضاً ، وهي ما إذا علم عدم المعيّة ، ولكن لم يعلم المتقدّم موته منهما عن المتأخر ، فلا يورث أحدهما عن الآخر أيضاً ؛ لما ذكر أخيراً ، بل لرواية القداح أيضاً (٢) ، فإنّ ظاهر قوله : « لا يدري أيّهما هلك قبل » أنّ التشكيك في المتقدّم والمتأخّر دون التقدّم وعدمه ، بل هو الظاهر من القرينة الحاليّة أيضاً ، لندور فرض المعيّة الحقيقيّة البتّة.

__________________

(١) الكفاية : ٣٠٧.

(٢) المتقدّمة في ص : ٤٥٢.

٤٥٤

والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك أيضاً ، وإن وقع التعبير في كلام كثير بمثل قولهم : ولو اشتبه التقدّم (١) ، الظاهر في أنّ الشك في التقدّم والمعيّة ، ولكن مرادهم ما يشمل الشكّ في المتقدّم والمتأخّر أيضاً كما في كلام بعض آخر (٢).

ثمّ إنّ هذا هو الأصل والقاعدة ، وقد يستثنى منه بعض الصور كما يأتي.

المسألة الثامنة : استثني من القاعدة المذكورة : الغرقى ، والمهدوم عليهم ، فإنّه يرث بعض المغرقين بعضاً ، وبعض المهدومين بعضاً مع اشتباه المتقدّم والمتأخّر ، بالإجماع المحقق ، والمحكي مستفيضاً (٣) ، وقال العماني : يرث الغرقى والهدمى عند آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

ودليل الاستثناء : الإجماع ، والنصوص المتكثّرة ، منها صحيحة البجلي : عن القوم يغرقون في السفينة ، أو يقع عليهم البيت فيموتون ولا يعلم أيّهم قبل صاحبه ، فقال : « يورّث بعضهم عن بعض » (٥).

ونحوها الأُخرى (٦).

والثالثة : عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدري أيّهم مات قبل ، قال ، فقال : « يورّث بعضهم من بعض » قلت : فإنّ أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً ، قال : « وما أدخل؟ » قلت : رجلين أخوين أحدهما مولاي والآخر مولى لرجل ، لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا في‌

__________________

(١) انظر الشرائع ٤ : ٤٩ ، والقواعد ٢ : ١٩١ ، والمفاتيح ٣ : ٣١٩.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٣٤٣ ، والكفاية : ٣٠٨.

(٣) كما في المسالك ٢ : ٣٤٣ ، والرياض ٢ : ٣٧٨.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٥٠.

(٥) الكافي ٧ : ١٣٦ ، ١ ، الفقيه ٤ : ٢٢٥ ، ٧١٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٧ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ١ ح ١.

(٦) الكافي ٧ : ١٣٦ ، ١ ، الفقيه ٤ : ٢٢٥ ، ٧١٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٧ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ١ ح ١.

٤٥٥

السفينة فغرقا فلم يدر أيّهما مات أوّلاً ، كان المال لورثة الذي ليس له شي‌ء ، ولم يكن لورثة الذي له المال شي‌ء. قال ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لقد سمعها وهو هكذا » قلت : ولو أنّ مملوكين أعتقت أنا أحدهما وأعتقت أنت الآخر ، لأحدهما مائة ألف والآخر ليس له شي‌ء فقال : « مثله » (١).

والرابعة : رجل وامرأة سقط عليهما البيت فماتا ، قال : « يورث الرجل من المرأة والمرأة من الرجل » قال ، قلت : فإنّ أبا حنيفة قد أدخل عليهم في هذا شيئاً ، قال : « فأيّ شي‌ء أدخل عليهم؟ » قلت : رجلين أخوين أعجميين ليس لهما وارث إلاّ مواليهما ، أحدهما له مائة ألف درهم معروفة ، والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا سفينة فغرقا ، فأخرجت المائة ألف ، كيف يصنع بها؟ قال : « تدفع إلى موالي الذي ليس له شي‌ء » فقال : « ما أدخل فيها ، صَدَق ، هو هكذا » ثمّ قال : « يدفع المال إلى موالي الذي ليس له شي‌ء ، ولم يكن للآخر مال يرثه موالي الآخر ، فلا شي‌ء لورثته » (٢).

وصحيحة محمد : في الرجل يسقط عليه وعلى امرأته بيت ، قال : « تورث المرأة من الرجل ، ويورث الرجل من المرأة » معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم ، لا يورثون ممّا يورث بعضهم بعضاً شيئاً (٣).

والأُخرى : عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت ، فقال : « تورث‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٧ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٦٠ ، ١٢٨٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٩ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ١٣٧ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٠ ، ١٢٨٧ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٩ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ١٣٧ ، ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٦١ ، ١٢٨٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٠ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٣ ح ١.

٤٥٦

المرأة من الرجل ، ثمّ يورث الرجل من المرأة » (١).

ومثلها موثقة البقباق (٢) ، ورواية عبيد بن زرارة أيضاً ، أو صحيحته (٣).

وصحيحة محمد بن قيس : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل وامرأة انهدم عليهما بيت فماتا ، ولا يدري أيّهما مات قبل صاحبه ، فقال : يرث كلّ واحد منهما زوجه كما فرض الله لورثتهما » (٤).

ورواية البصري : عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت ، قال : « يورث بعضهم من بعض » (٥).

وقريبة منها موثّقة البقباق (٦).

ومرسلة أبان : عن قوم سقط عليهم سقف ، كيف مواريثهم؟ فقال : « يورث بعضهم من بعض » (٧).

ومرسلة حمران : في قوم غرقوا ، جميعاً أهل البيت قال : « يورث‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٥٩ ، ١٢٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٥ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٢٥ ، ٧١٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٥ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٥٩ ، ١٢٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٥ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٦ ح ٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٢٥ ، ٧١٥ ، التهذيب ٩ : ٣٥٩ ، ١٢٨٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٨ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ١ ح ٢.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٦٠ ، ١٢٨٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٨ أبواب ميراث القربى والمهدوم عليهم ب ١ ح ٣.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٢٥ ، ٧١٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٠ ، ١٢٨٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٨ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ١ ح ٤.

(٧) التهذيب ٩ : ٣٦٢ ، ١٢٩٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٨ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ١ ح ٥.

٤٥٧

هؤلاء من هؤلاء ، وهؤلاء من هؤلاء ، لا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً ، ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً » (١).

ثمّ إنّه يشترط الحكم بتوريث بعضهم من بعض بشروط أربعة :

الأوّل : أن يشتبه الحال في تقدّم موت أحدهما على الآخر وتأخّره عنه ؛ فلو علم اقترانه فلا إرث ، ولو علم المتقدّم ورثه المتأخر من غير عكس ، إجماعاً ؛ له ، ولاختصاص أكثر النصوص المتقدّمة بما كان كذلك ، وظهور البواقي فيه أيضاً ، لأنّ بعد الغرق أو الهدم يشتبه الحال غالباً ، ويخصّص بالإجماع لو لم يكتف فيه بالظهور المذكور.

والثاني : أن يكون لجميع المهلكين أو لواحد منهم مال ؛ لأنّ التوريث فرع تحقّق المال ، ولو كان المال لواحد يرثه من لا مال له ، ثمّ ينتقل إلى وارثه الحيّ.

والثالث : أن يتحقّق سبب الإرث بينهم ، إمّا مقدّماً على جميع من سواهم ، أو يكون شريكاً ؛ فلو انتفى السبب كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلّية ، أمّا لعدم النسب والسبب ، أو لوجود مانع من كفر أو رقّ ، أو وجود وارث حيّ لكلّ منهم أو لأحدهم حاجب للميّت الآخر ، لم يثبت الحكم بالنسبة إلى ذي المانع ؛ فلو غرق أخوان ولكلّ منهما ولد فلا توارث بينهما ، بل كلّ منهما يحوز ميراثه ولده ؛ بلا خلاف فيه أيضاً ، وذلك أيضاً إجماعيّ ، ووجهه أيضاً ظاهر ، وتدلّ عليه أيضاً عمومات منع الأقرب ، والحجب ، وعمومات موانع الإرث.

والرابع : أن تكون الموارثة ثابتة من الطرفين ، فلو ثبت من أحدهما‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٦٢ ، ١٢٩٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١١ أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٣ ح ٢.

٤٥٨

سقط هذا الحكم ، كأخوين غرقا ولأحدهما ولد دون الآخر ، فلا يرثه الأخ الآخر ولا يرث هو الآخر ؛ وادّعي على ذلك الإجماع أيضاً (١).

إلاّ أنه نقل المحقق الطوسي في الفرائض النصيرية أنه قال قوم : بل يورث من الطرف الممكن (٢). ومال إليه المحقّق الأردبيلي (٣) وصاحب الكفاية أيضاً (٤).

وهو غير جيّد ، بل الأقوى هو المشهور ؛ لأنّ الحكم ثابت على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على اليقين المنصوص من التوارث.

وقال في الكفاية : عموم قول الصادق عليه‌السلام : « يورث بعضهم من بعض » في أخبار متعدّدة يقتضي ثبوت الإرث هنا من جانب واحد انتهى (٥).

وفيه : أنّ مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام أنه يرث كلّ بعض من كلّ بعض ـ كما في آية اولي الأرحام ولمّا لم يمكن ذلك في المفروض فلا بدّ من ارتكاب أحد التخصيصين : إمّا البعض بالبعض الوارث الخالي عن المانع ، أو المهلكين بالمتوارثين ، كما هو مورد كثير من الروايات ؛ وإذ لا مرجّح فيدخل الإجمال ، ولا يتحقّق للخروج عن القاعدة والأصل هنا دليل. بل المرجّح في الجملة للأخير ثابت ، وهو التصريح بالتوارث من الجانبين في مرسلة حمران المتقدّمة (٦) ، مع إطلاق المهلكين.

__________________

(١) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٣١٢.

(٣) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٣٧٨.

(٤) الكفاية : ٣٠٨.

(٥) الكفاية : ٣٠٨.

(٦) في ص : ٤٥٧.

٤٥٩

ثمّ كيفيّة التوريث إذا اجتمعت الشرائط : أنّه يرث كلّ منهما عن الآخر تلاد ماله دون طارقه ، أي قديمه دون جديده ، وبعبارة اخرى : من صلب تركته لا ممّا ورث عمّن مات معه ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخر ، وعن ظاهر الغنية الإجماع عليه (١).

لصحيحتي البجلي الثالثة والرابعة ، المصرّحتين بعدم شي‌ء لورثة الذي له مال ، ولمرسلة حمران المتقدّمة المنجبرة ضعفها لو كان بعمل الأكثر والإجماع المنقول ، والمعاضدة بالتفسير المذكور في صحيحة محمّد الاولى (٢).

وقد يستدلّ بوجوه أُخر عقليّة قابلة للخدش أيضاً.

خلافاً للمفيد والديلمي ، فورثا كلاًّ من الكلّ حتّى ممّا ورث من الآخر (٣).

لإطلاق الإرث في الأخبار المتقدّمة.

ولأنّه لولاه انتفت الفائدة فيما ورد في الأخبار كما يأتي من وجوب تقديم الأضعف نصيباً.

ولأنّ بعد فرض موت الأوّل وإعطاء ماله للثاني يصير ما اعطي مالاً للثاني أيضاً ، فيرثه بعد فرض موته وارثه الذي هو الأوّل.

ويضعّف الأوّل : بمنع وجود إطلاق يشمل محلّ البحث ، ولو سلّمنا يجب تقييده بما مرّ.

والثاني : بمنع وجوب تقديم الأضعف كما يأتي ، ولو سلّم فبمنع‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٢) راجع ص : ٤٥٥ ٤٥٧.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٩٩ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٥.

٤٦٠