مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

والسابقة على حال الحضور.

وقد يؤيد ذلك بما مر من التعبير في أكثر أخبار عدم الرد بلفظ الماضي الدال على الوقوع حال السؤال الذي هو حال الحضور.

وفيه : أنّ كل جمع ليس مما يمكن القول به ، بل لا بد فيه من شاهد ( شرعي ) (١) وهو هنا مفقود. والإتيان بلفظ الماضي مشترك ، مع أنه لا ماضي في رواية موسى وموثقة جميل ، بل الرضوي أيضاً.

ولذا قال الحلي : ما قرّبه شيخنا أبعد مما بين المشرق والمغرب (٢). وهو كذلك ، سيما مع إمكان الجمع بنوع آخر له شاهد كما فعله الشيخ (٣) بحمل الصحيحة على كون المرأة ذات قرابة ، مستشهداً بصحيحة الفضيل : في رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها ، قال : « يدفع المال كله إليها » (٤).

مع أنّ السؤال في الصحيحة إنما وقع عن الباقر عليه‌السلام (٥) ، فكيف يترك الجواب عما يحتاج إليه عاجلاً ويجيب على حالة غيبة الإمام المتأخرة عن الجواب بأزيد من مائة وخمسين سنة من دون إشعار بالاختصاص.

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « ق ».

(٢) السرائر ٣ : ٢٤٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٩٥ ، الاستبصار ٤ : ١٥٠.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٩٥ ، ١٠٥٧ ، الإستبصار ٤ : ١٥١ ، ٥٦٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٥ أبواب ميراث الأزواج ب ٥ ح ١.

(٥) إنّ السؤال وقع عن الصادق عليه‌السلام. راجع المصادر المتقدّمة في ص ٢٧٦٥ الهامش (٨).

٤٠١

الفصل الثاني

في ولاء العتق‌

وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : ولاء العتق من أسباب الإرث في الجملة‌ ، بإجماع الأُمة ، والسنة المستفيضة ، بل كما قيل (١) : المتواترة من طرق العامة والخاصة.

منها : رواية السكوني : « الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا تباع ولا توهب » (٢).

وصحيحتا الحلبي ومحمد (٣) والعيص (٤) وفيهما : « الولاء لمن أعتق ».

وموثقة العيص ، وفيها : « فإنّ الولاء لمن أعتق » (٥).

وصحيحة هشام : « إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته » (٦) والمعقلة دية جناية الخطإ.

وصحيحة الكناني : في امرأة أعتقت رجلاً ، لمن ولاؤه ولمن ميراثه؟

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٦٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٧٨ ، ٢٨١ ، التهذيب ٨ : ٢٥٥ ، ٩٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٧٥ أبواب العتق ب ٤٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٩٧ ، ١ ، التهذيب ٨ : ٢٤٩ ، ٩٠٥ ، المقنع : ١٥٦ ، الوسائل ٢٣ : ٦١ أبواب العتق ب ٣٥ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٩٨ ، ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٥٠ ، ٩٠٧ ، الوسائل ٢٣ : ٦٤ أبواب العتق ب ٣٧ ح ١.

(٥) لم نعثر على هذه الموثقة للعيص ، نعم هي منقولة عن زرارة. انظر الوسائل ٢٣ : ٦٢ أبواب العتق ب ٣٥ ح ٢.

(٦) الكافي ٧ : ١٧١ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٩٦ ، ١٤١٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٤ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ١ ح ٤.

٤٠٢

قال : « للذي أعتقه ، إلاّ أن يكون له وارث غيرها » (١). ونحوها صحيحة الحلبي (٢).

إلى غير ذلك مما يأتي جملة منها في طي المسائل الآتية.

والاستدلال بالخمسة الأُوَل وإن كان موقوفاً على ثبوت ترتب الإرث على الولاء مطلقاً أو تضمّن الولاء مطلقاً للتوريث ، وفي الاولى على عموم التشبيه أيضاً ، وكلاهما غير معلومين بحقيقةٍ لغوية أو شرعية ، إلاّ أنّ إطباق الأصحاب على الاستدلال بها وفهمهم ذلك منها يكفي قرينةً لإرادة ذلك المعنى ، مضافاً إلى احتجاج عمر بن يزيد في صحيحته بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولاء لمن أعتق » (٣) على التوريث ، وتقرير الإمام له. بل ربما يستفاد ذلك من موثقة العيص المذكورة أيضاً ، تدل عليه صحيحته.

المسألة الثانية : يختص التوريث بولاء العتق بالمعتِق بكسر التاء المعبَّر عنه بالمُنعم والمولى ، دون المعتَق بالفتح المعبَّر عنه بالمنعَم له والعتيق ، ويستعمل فيه المولى أيضاً. بمعنى أنه لا توارث بذلك السبب بين الجانبين كما كان في النسب ، بل يختص بأحد الجانبين ، وهو المنعم فيرث المنعَم له ، دون العكس ، على الحق المشهور ، كما صرح به جماعة (٤) ، بل عن الخلاف والتنقيح الإجماع عليه (٥). وجعل في المسالك‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٠ ، ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٥٠ ، ٩٠٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤١ أبواب ميراث ولاء العتق ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٣ ، ٩٢٠ ، الوسائل ٢٣ : ٦٢ أبواب العتق ب ٣٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٧٠ ، ١ ، الفقيه ٣ : ٧٤ ، ٢٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٢٤ ، ٨٠٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٣ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ١ ح ١.

(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٧٥٤ والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٣٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٣٠٦ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٣٠٦.

(٥) الخلاف ٤ : ٨٤ ، التنقيح ٤ : ١٩٤.

٤٠٣

خلافه شاذاً (١).

خلافاً للمحكي عن الإسكافي والصدوق في الفقيه ، فقالا بالتوارث من الجانبين (٢).

لنا بعد أصالة عدم توريث العتيق ، لأنه أمر شرعي محتاج إلى الدليل ، ولا دليل له ، لاختصاص النصوص المثبتة لذلك الإرث بإرث المولى الحصر المستفاد منقولة في المستفيضة من الصحاح وغيرها : « الولاء لمن أعتق » و « إنما الولاء لمن أعتق » (٣) والتعليل المصرّح به في رواية ثابت بن دينار ، عن السجاد عليه‌السلام في حديث الحقوق قال : « وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أنّ الله جعل عتقك له وسيلة له ، وحجاباً لك من النار ، وأن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم ، مكافأة لما أنفقت من مالك ، وفي الآجل الجنة » (٤).

ولعل مستند المخالف كما قيل (٥) رواية السكوني المتقدمة.

وفيه : ما أُشير إليه من أنّ المشابهة لا تستلزم اتحاد حكم المتشابهين في جميع الامور.

نعم لو دار الولاء بينهما توارثا لوجود السبب ، ومثّل بعضهم له بما لو اشترى العتيق أب المولى فأعتقه (٦). وفي انطباقه على الممثَّل له نظر ، فإنّ‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٣٥.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المفاتيح ٣ : ٣٠٦ ، الفقيه ٤ : ٢٢٤.

(٣) انظر الوسائل ٢٣ : ٦١ ، ٦٤ أبواب العتق ب ٣٥ و ٣٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٧٦ ، ١٦٢٦ ، الأمالي : ٣٠١ ، ١ ، الخصال : ٥٦٤ ، ١ ، مكارم الأخلاق ٢ : ٢٩٩ ، ٢٦٥٤ ، تحف العقول : ٢٥٥ ، الوسائل ١٥ : ١٧٢ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٣ ح ١.

(٥) كما في المسالك ٢ : ٣٣٦ والمفاتيح ٣ : ٣٠٦.

(٦) انظر المسالك ٢ : ٣٣٦.

٤٠٤

العتيق يرث أب مولاه دون نفسه. ومثاله المطابق ما لو أسلم كافر أصلي فاشترى عبداً وأعتقه ، ثم ارتد ولحق بدار الكفر فسُبي واشتراه عتيقه وأعتقه.

المسألة الثالثة : يشترط إرث المولى عن عتيقه بشروط ثلاثة :

الشرط الأول : أن يكون العتق تبرعاً‌ ، فلا ولاء على من أعتقه لأمر واجب ، ككفارة ، أو نذر ، أو شبهه ، أو انعتق لمثلة ، أو تنكيل ، أو عمى ، أو إقعاد ، أو نحوها ، أو لولد لها عن المولى ، أو لقرابة موجبة للعتق ، بلا خلاف فيه يعلم ، كما في المسالك ، وعن السرائر نفي الخلاف فيه (١) ، وعن الانتصار والغنية الإجماع عليه (٢).

واستدل له بالأصل ؛ لظهور مثل قوله : « لمن أعتق » وسائر أخبار الباب المتضمنة للفظ الإعتاق في مباشرة العتق.

وهو حسن لإخراج الانعتاق القهري ، دون العتق لوجوبه.

ويدلُّ على اشتراط التبرّع وعدم حصول الولاء بالواجب منه صحيحة ابن رئاب : عن السائبة فقال : « انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة فتلك السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلاّ الله ، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كان ولاؤه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ ولاءه للإمام ، وجنايته على الإمام ، وميراثه له » (٣).

ومثلها رواية عمار بن أبي الأحوص (٤).

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٦٢ ٢٦٤.

(٢) الانتصار : ١٦٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧.

(٣) الكافي ٧ : ١٧١ ، ٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٨ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٩٥ ، ١٤١٠ ، الإستبصار ٤ : ١٩٩ ، ٧٤٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٨ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ٣ ح ٦.

٤٠٥

وصحيحة العجلي : عن رجل كان عليه عتق رقبة ، فمات من قبل أن يعتق رقبة ، فانطلق ابنه فابتاع رجلاً من كسبه فأعتقه من أبيه ، وأنّ المعتَق أصاب بعد ذلك مالاً ثم مات وتركه ، لمن يكون ميراثه؟ قال ، فقال : « إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر واجب عليه فإنّ المعتَق سائبة لا سبيل لأحد عليه. وإن كان توالى قبل أن يموت إلى أحد من المسلمين فضمن جنايته وحدثه كان مولاه ووارثه إن لم يكن له وارث قريب يرثه » قال : « وإن لم يكن توالى إلى أحد من المسلمين حتى مات فإنّ ميراثه للإمام ، إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين. وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعاً وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال » قال : « ويكون الذي اشتراه وأعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتَق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه » ، قال : « وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة وأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك فإنّ ولاءه وميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتَق وارث من قرابته » (١).

وقد يستدل أيضا لذلك الحكم بالأخبار المتضمنة لأنّ السائبة لا ولاء لأحد أو لمولاه عليه (٢).

وهو إنما يتم لو كان معنى السائبة من أُعتق في واجب ، أي مقابل المعتَق تطوعاً. وأما إذا كان معناها من لا ولاء لأحد عليها ولو بشرط أو‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧١ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ٨١ ، ٢٩٣ ، التهذيب ٨ : ٢٥٤ ، ٩٢٥ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ أبواب العتق ب ٤٠ ح ٢.

(٢) كما في الوسائل ٢٣ : ٧٧ أبواب العتق ب ٤٣.

٤٠٦

تبرؤ أو غيرهما فلا ، إذ يكون الاستدلال حينئذ مصادرة المطلوب.

ويدلُّ على اشتراط الإعتاق وعدم حصوله بالانعتاق مضافاً إلى الأصل المتقدم ذكره صحيحة أبي بصير : فيمن نكل بمملوكه : « أنه حر ولا سبيل له عليه سائبة ، فيتولى إلى من أحب ، فإذا ضمن جريرته فهو يرثه » (١).

خلافاً في الأول للمحكي عن الشيخ ، فأثبت الولاء في منذور العتق أيضاً (٢) ، وله أيضاً في فصل الكفارات من المبسوط ، فأثبته للمعتَق في الكفارات (٣) ، مع أنه وافق المشهور في مواضع أُخر منه (٤).

ولعلّه لعموم « الولاء لمن أعتق » وخصوص صحيحة أبي بصير : عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار ، لمن يكون الولاء؟ قال : « للذي يعتق » (٥).

والعموم مخصوص بما مر. والخصوص معارض له ، مرجوح عنه بالشذوذ الموجب للاطّراح ، وبمخالفة الأصل ، وموافقة العامة كما يستفاد من الانتصار ، حيث نسب خلافها إلى الفقهاء الأربعة (٦) ، مع أنه لا يخلو عن جهات عموم أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٢ ، ٩ ، التهذيب ٩ : ٣٩٥ ، ١٤١١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٥ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ١ ح ٦.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) المبسوط ٦ : ٧١ ، ٢٠٩ ، ٢١٠.

(٤) المبسوط ٤ : ١٠٨ و ٦ : ٢١٧.

(٥) الفقيه ٣ : ٧٩ ، ٢٨٣ ، التهذيب ٨ : ٢٥٦ ، ٩٣١ ، الإستبصار ٤ : ٢٦ ، ٨٦ ، الوسائل ٢٣ : ٧٨ أبواب العتق ب ٤٣ ح ٥.

(٦) الانتصار : ١٦٨.

٤٠٧

وفي الثاني للمحكي عن المبسوط وابن حمزة في أُم الولد ، فأثبتا الولاء لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها ، وفيمن أُعتق بالقرابة ، فأوجبا الولاء لمن ملك أحد أقربائه وانعتق عليه ، سواء ملكه باختيار أو اضطرار (١).

واستدل الشيخ للأول بالإجماع (٢) ، واحتجّا للثاني (٣) بموثقة سماعة : في رجل يملك ذا رحمه ، هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال : « لا يصلح أن يبيعه ولا يتخذه عبداً ، وهو مولاه وأخوه في الدين ، وأيهما مات ورثه صاحبه ، إلاّ أن يكون وارث أقرب إليه منه » (٤).

والإجماع مردود بالمنع والمعارضة مع الأكثر ، والموثقة بعدم الدلالة ، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالإرث فيه الإرث الحاصل بالقرابة دون الولاء ، وإلاّ لم يحكم بالتوارث.

فرع‌ : لو حصل الشك في العتيق أنه سائبة أو مولى عليه ولم يكن طريق إلى ثبوت أحد الطرفين يُعمل فيه بالأصل والاستصحاب ، ويُقدّم الاستصحاب المزيل لو تعارض الاستصحابان.

فلو شك في أنه تبرعي أو في أمر واجب مع عدم العلم بوجوب عتق على المنعم فالأصل عدم الوجوب ، ولو علم وجوبه ولم يعلم أنه أعتق لذلك الوجوب أم تبرع ، فالأصل عدم ملاحظة الوجوب في قصد العتق ، فإنّه أمر زائد على أصله ، والأصل عدمه.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٧١ ، الوسيلة : ٣٤٤.

(٢) المبسوط ٦ : ٧١.

(٣) انظر المختلف : ٦٣٣ والإيضاح ٣ : ٥٢٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٨٠ ، ٢٨٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٩ أبواب العتق ب ١٣ ح ٥.

٤٠٨

ولو شك في أنه لمثلةٍ أو تنكيلٍ مع صدوره من المولى ، وشك في تقديم العتق عليه أم حصوله به ، فالأصل عدم تحقق عتق قبله.

ولو كان العتيق أعمى أو مقعداً ، وشك في حصوله حال رقيته حتى يكون سائبة أو بعد عتقه تبرعاً حتى يكون مولى عليه ، فالأصل عدم تحقق عتق سابق ، وهكذا.

الشرط الثاني : أن لا يتبرّأ المنعم من ضمان جريرته وجنايته‌ ، فلو تبرأ منه وشرط سقوط الضمان انتفى الولاء والميراث ، بالإجماع كما ذكره جماعة (١) ؛ للمستفيضة من الأخبار ، كصحيحة ابن سنان : « من أعتق رجلاً سائبة ليس عليه من جريرته شي‌ء ، وليس له من ميراثه شي‌ء ، وليشهد على ذلك » (٢).

وقريبة منها الأُخرى (٣).

والثالثة : في من أعتق عبداً سائبة « أنه لا ولاء لمواليه عليه ، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه ضمن جريرته وكل حدث يلزمه ، فإذا فعل ذلك فهو يرثه ، وإن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين » (٤).

__________________

(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٦٩ وولده في الإيضاح ٣ : ٥٢٣ والكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٠ والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٩٥.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٦ ، ٩٢٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٦ ، ٨٣ ، الوسائل ٢٣ : ٧٨ أبواب العتق ب ٤٣ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٢ ، ٨ ، الفقيه ٤ : ٢٤٧ ، ٧٩٩ ، التهذيب ٩ : ٣٥٢ ، ١٢٦٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٨ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ٣ ح ٧.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٩٤ ، ١٤٠٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٠ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ٣ ح ١٢.

٤٠٩

والرابعة وفيها : « إذا أعتق المملوك سائبة أنه لا ولاء عليه لأحد إن كره ذلك ، ولا يرثه إلاّ من أحب أن يرثه ، فإن أحب أن يرثه ولي نعمته أو غيره فليشهد رجلين بضمان ما ينوبه لكل جريرة جرها أو حدث ، فإن لم يفعل السيد ذلك ولا يتوالى إلى أحد فإنّ ميراثه يردّ إلى إمام المسلمين » (١).

وموثقة أبي بصير : « السائبة ليس لأحد عليها سبيل ، فإن والى أحداً فميراثه له وجريرته عليه » (٢).

وأما صيرورة العبد سائبة بالتبرّي المذكور فتدل عليه حسنة أبي الربيع : عن السائبة ، فقال : « هو الرجل يعتق غلامه ، ثم يقول له : اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي‌ء ، ولا عليّ من جريرتك شي‌ء ، وليشهد على ذلك شاهدين » (٣).

ومقتضى الحسنة توقف صيرورته سائبة على ذكر عدم الميراث وعدم ضمان الجريرة معاً ، والمذكور في كلام الأصحاب هو الأخير فقط.

وهل يشترط كون التبرّي حال الإعتاق أو يكفي وقوعه بعده؟

ظاهر الأكثر وصريح جماعة : الأول (٤) ، اقتصاراً في تخصيص عموم « الولاء لمن أعتق » على مورد اليقين.

وتشعر عبارة التحرير والدروس بوجود قول بالثاني (٥) ، ويستأنس له‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٥٧ ، ٩٣٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧ ، ٨٨ ، الوسائل ٢٣ : ٧٨ أبواب العتق ب ٤٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٩٤ ، ١٤٠٨ ، الإستبصار ٤ : ١٩٩ ، ٧٤٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٩ أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب ٣ ح ١٠.

(٣) الكافي ٧ : ١٧١ ، ٦ ، الفقيه ٣ : ٨٠ ، ٢٨٩ ، التهذيب ٨ : ٢٥٦ ، ٩٢٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٦ ، ٨٤ ، الوسائل ٢٣ : ٦٤ أبواب العتق ب ٣٦ ح ٢.

(٤) كما في المسالك ٢ : ٣٣٥ ، والكفاية : ٣٠٥ ، والرياض ٢ : ٣٦٦.

(٥) التحرير ٢ : ١٦٨ ، الدروس ٢ : ٢١٤.

٤١٠

بإطلاق التبرّي في الحسنة ، سيما مع عطفه على « يعتق » بلفظة « ثم » في الكافي والفقيه.

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى إطلاقها لو سلم أنّ مطلق السائبة يتحقق بذلك ، ومجرد ذلك لا يفيد ، إلاّ إذا نفى الإرث عن السائبة مطلقاً ، وأكثر الأخبار المتقدمة على الحسنة النافية للإرث إنما تدل على نفي الإرث عمن اعتق سائبة ، والمتبادر منه أن يجعل سائبة حال الإعتاق ، بل لا يتحقق العتق سائبة إلاّ أن يجعل كذلك حال الإعتاق كما لا يخفى. ومقتضى عموم مفهوم الشرط فيها أنه لو لم يجعل كذلك بل أُعتق غير سائبة يورث منه. وبه يقيد إطلاق موثقة أبي بصير أيضاً.

وهل يشترط الإشهاد في التبرّي في سقوط الولاء؟

فيه قولان. والأكثر على العدم (١) ؛ للأصل.

والشيخ والصدوق والإسكافي على الاشتراط (٢) ؛ للأمر به في الروايات المتقدمة.

وفيه : أنه لا دلالة للأمر على الاشتراط أصلاً ، فإنّ هذا الأمر ليس للوجوب الشرعي قطعاً لانتفائه ، فهو إما للإرشاد أو للوجوب الشرطي ، فكما يمكن أن يكون لإرشاد طريقة السقوط أو اشتراط حصول السقوط يمكن أن يكون لإرشاد طريقة الثبوت عند الحاكم أو اشتراط ثبوته عنده بذلك.

الشرط الثالث : أن لا يكون للعتيق وارث مناسب‌ ، فلو كان له وارث بنسب قريب أو بعيد ، ذو فرض أو غيره ، لم يرث المنعِم ، بالإجماع والمتواترة معنى من الأخبار. وما يخالفه منها محمول على التقية ، فإنّ‌

__________________

(١) كما في الشرائع ٤ : ٣٦ ، والتحرير ٢ : ١٦٨ ، والمسالك ٢ : ٣٣٥.

(٢) الشيخ في النهاية : ٦٦٩ ، الصدوق في المقنع : ١٥٦ ، حكاه عن الإسكافي في الرياض ٢ : ٣٦٧.

٤١١

العامة في ذلك مخالفة كما يظهر من الأخبار المستفيضة.

ولو كان للعتيق زوج أو زوجة فله نصيبه الأعلى بالإجماع ؛ للعمومات. والباقي للمنعم مطلقاً على المشهور ، بل لا يعلم فيه مخالف سوى الحلبي في الزوج ، فردّ عليه الباقي ، ومنع المنعم عن الإرث معه خاصة (١).

وردّ عليه بعموم « الولاء لمن أعتق » (٢) وعمومات توريث المنعم (٣).

ولا يخفى أنها معارضة بعمومات إرث الزوج كصحيحة أبي بصير : امرأة ماتت وتركت زوجها ، قال : « المال له » (٤) وروايته : امرأة هلكت وتركت زوجها ، قال : « المال كله للزوج » (٥) وغير ذلك.

فإن قيل : هي مقيدة بما إذا لم يكن وارث غيره بالمتكثرة من الأخبار.

قلنا : كذلك عمومات الولاء ، فإنها أيضاً مقيدة بذلك كما مر في صحيحتي الكناني والحلبي (٦).

ويمكن أن يقال : إنّ الوارث المانع للمنعم مقيد في صحيحة العجلي المتقدمة (٧) بالقرابة ، وبها يقيد سائر المطلقات ، وليس كذلك في طرف الزوج.

إلاّ أن يقول أحد : إنّ اختصاص القرابة بالنسبية غير معلومة ، فإنّ‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٧٤.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٦١ أبواب العتق ب ٣٥.

(٣) انظر الوسائل ٢٦ : ٢٤١ أبواب ميراث ولاء العتق ب ٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٢٥ ، ٥ ، التهذيب ٩ : ٢٩٥ ، ١٠٥٦ ، الإستبصار ٤ : ١٥٠ ، ٥٦٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٨ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ١٢٦ ، ٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٠ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ١٤.

(٦) المتقدمتين في ص : ٤٠١ و ٤٠٢.

(٧) في ص : ٤٠٤.

٤١٢

الزوج أيضاً من الأقرباء عرفاً ، أو يقول بأنّ المتبادر والشائع من الوارث المنفي في طرف الزوج أيضاً هو غير المنعِم من الأقرباء.

وبالجملة لولا شذوذ قول الحلبي الظاهر في الإجماع على خلافه لكانت المسألة محل الكلام والإبرام.

المسألة الرابعة : إذا اجتمعت الشرائط ورث المنعِم المنعَم له‌ ، واختص بتمام تركته أو الباقي عن نصيب أحد الزوجين إن كان واحداً ، واشتركوا في المال إن كانوا أكثر ، يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقاً ، ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين بلا خلاف ؛ لأنّ السبب في الإرث هو الإعتاق فيتبع الحصة ، ولا ينظر إلى الذكورة والأُنوثة.

وتدل على الحكم موثقة الساباطي : في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه ، كيف يصنع الخادم؟ قال : « يخدم الباقي يوماً ، وتخدم نفسها يوماً » قلت : فإن ماتت وتركت مالاً؟ قال : « المال بينهما نصفان ، بين الذي أعتق ، وبين الذي أمسك » (١).

المسألة الخامسة : إذا فُقد المنعم لعتيق ففي تعيين وارثه أقوال :

الأول‌ : أنه يرثه أولاده مطلقاً ، من غير فرق بين الذكر والأُنثى ، رجلاً كان المنعم أو امرأة. حُكي عن الصدوق ، واستحسنه في الشرائع ، ونسبه في اللمعة إلى الشهرة ، وأعجبه في الروضة (٢).

والثاني‌ : أنه يرثه وارث المال مطلقاً ، نُقل عن العماني ، وجعله مشهوراً متعالما (٣).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٢ ، ١ ، الفقيه ٣ : ٧٤ ، ٢٦٠ ، التهذيب ٨ : ٢٧٥ ، ١٠٠٣ ، المقنع : ١٦٠ ، الوسائل ٢٣ : ١٦٣ أبواب المكاتبة ب ١٩ ح ٤.

(٢) حكاه عن الصدوق في المختلف : ٦٣٢ ، الشرائع ٤ : ٣٦ ، اللمعة ( الروضة ٨ ) : ١٨٣ ، الروضة ٨ : ١٨٦.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٦٣٢.

٤١٣

والثالث‌ : أنه يرثه أولاده الذكور دون الإناث ، رجلاً كان المنعم أو امرأة ، فإن لم يكن له ذكور فترثه عصبته ، أي عاقلته الذين عليهم دية الجنايات خطأً. نُسب إلى المفيد (١).

والرابع‌ : أنه إن كان المنعم رجلاً يرث الولاء أولاده مطلقاً ، ذكوراً كانوا أم إناثاً ، بل يرثه جميع ذوي أنسابه على وتيرة النسب ، سوى المتقربين بالأُم. وإن كان امرأة يرثه عصبتها دون أولاده مطلقاً. اختاره الشيخ في الخلاف مدعياً عليه إجماع الفرقة (٢) ، وحكي ذلك عن السرائر والدروس أيضاً (٣) ، واستقربه في الكفاية (٤) ، ومال إليه بعض مشايخنا المعاصرين (٥). إلاّ أنّ بعضهم لم يذكروا سائر ذوي الأنساب بعد الأولاد (٦) ، فيمكن أن يكونوا موافقين [ للشيخ ] (٧) فيه أيضاً ، وأن يكونوا مقتصرين على الأولاد فيكون قولاً آخر.

والخامس‌ : أنّ المنعم إن كان رجلاً كان الولاء لأولاده الذكور خاصة ، ومع فقدهم فلعصبته ، وإن كان امرأة فلعصبتها. وهو المحكي عن الشيخ في النهاية والإيجاز والقاضي وابن حمزة والنافع والمختلف والمسالك (٨) ،

__________________

(١) المقنعة : ٦٩٤.

(٢) الخلاف ٤ : ٧٩ ٨١.

(٣) السرائر ٣ : ٢٣ ، ٢٤ ، الدروس ٢ : ٢١٥ ، ٢١٦.

(٤) الكفاية : ٣٠٥.

(٥) كصاحب الرياض ٢ : ٣٦٧.

(٦) كالشهيد في الدروس ٢ : ٢١٥.

(٧) في النسخ : للمفيد ، والظاهر هو سهو.

(٨) النهاية : ٥٤٧ ، الإيجاز ( الرسائل العشر ) : ٢٧٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٥٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، النافع : ٢٧٢ ، المختلف : ٦٣٢ ، المسالك ٢ : ٣٣٥.

٤١٤

وجماعة من المتأخرين (١) ، وعن التحرير وشرح الشرائع للصيمري ادعاء الشهرة عليه (٢).

أقول‌ : لا ينبغي الريب في اختصاص العصبة بالولاء إذا كان المنعم امرأة كما في القولين الأخيرين وهو المشهور ؛ للروايات المعتبرة ، كصحيحة محمد بن قيس : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة أعتقت رجلاً واشترطت ولاءه ولها ابن ، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها » (٣).

وصحيحة يعقوب : عن امرأة أعتقت مملوكاً ثم ماتت ، قال : « يرجع الولاء إلى بني أبيها » (٤).

وصحيحة أبي ولاّد : عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك ، وكانت امّه قبل أن تموت سألته أن يعتق عنها رقبة من مالها ، فاشتراها فأعتقها بعد ما ماتت أنه لمن يكون ولاء العتق؟ قال ، فقال : « ولاؤها لأقرباء امه من قبل أبيها » إلى أن قال : « ولا يكون الذي أعتقها عن امه من ولائها شي‌ء » (٥).

وهذه الأخبار صحيحة خالية عما يصلح للمعارضة ، موافقة للشهرة العظيمة ، بل في الاستبصار وعن الخلاف أنه لا خلاف فيه بين الطائفة (٦) ،

__________________

(١) كالفيض في المفاتيح ٣ : ٣٠٧.

(٢) التحرير ٢ : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٣ ، ٩٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ ، ٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ أبواب العتق ب ٣٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٤ ، ٩٢٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ ، ٨١ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ أبواب العتق ب ٣٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٥٤ ، ٩٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ ، ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ أبواب العتق ب ٣٩ ح ٣.

(٦) الاستبصار ٤ : ١٧٣ ، حكاه عن الخلاف في الرياض ٢ : ٣٦٧. وانظر الخلاف ٤ : ٨١.

٤١٥

وعن السرائر الإجماع عليه (١) ، فالإشكال فيها منفي بالمرة.

وأما إذا كان المنعم رجلاً فاختلفت فيه الروايات ؛ فاستدل من خصّ الولاء بالذكور على اختصاصه بالذكور من أولاده دون الإناث بصحيحة العجلي المتقدمة في الشرط الأول من المسألة الثالثة (٢).

وبمكاتبة محمد بن عمر : عن رجل مات وكان مولىً لرجل وقد مات مولاه قبله ، وللمولى ابن وبنات ، فسألته عن ميراث المولى ، فقال : « هو للرجال دون النساء » (٣).

وصحيحة محمد بن قيس : « في رجل حرّر رجلاً فاشترط ولاءه ، فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلاّ النساء ، ثم توفي المولى وترك مالا ، وله عصبة ، فاحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة ، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثاً يكون فيه عقل » (٤).

واحتج من جعل الذكور والإناث شركاء فيه بموثقة البجلي : « مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميراثه إلى بنت حمزة » (٥).

ورجّحها على الصحاح المتقدمة بموافقتها لعموم « الولاء لحمة » ومخالفتها للعامة ، كما صرح به شيخ الطائفة والحسن بن محمد بن سماعة‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٤.

(٢) راجع ص : ٤٠٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٩٧ ، ١٤١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٩ أبواب ميراث ولاء العتق ب ١ ح ١٨.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٤ ، ٩٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٤ ، ٧٧ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ أبواب العتق ب ٤٠ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٧٠ ، ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٣١ ، ١١٩١ ، الإستبصار ٤ : ١٧٢ ، ٦٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣٦ أبواب ميراث ولاء العتق ب ١ ح ١٠.

٤١٦

الذي هو أحد رواة الموثقة (١).

وبقول علي بن الحسن بن فضال : إنّ تخصيص الرجال خلاف ما عليه أصحابنا (٢).

وضعفِ أدلة الاختصاص : أما الصحيحة فلأنّ الاستدلال بها إنما يتم لو كان قوله : « من الرجال » قيداً للولد ، مع أنه يحتمل أن يكون قيداً للميت. وأما المكاتبة فلكونها ضعيفة. وأما الصحيحة الأخيرة فلأن العصبة المذكورة فيها يحتمل أن تكون للعتيق لا للمنعم ، كما هو المدعى ، بل هو الظاهر ؛ والاحتقاق إنما وقع بين بنات المنعم وعصبة العبد ، فتخرج عما نحن فيه.

أقول‌ : كان ذلك حسناً لو كانت الموثقة في المطلوب صريحة. ولكن صراحتها ممنوعة ، لكونها قضية في واقعة ، فيمكن أن يكون دفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ مع فقد الذكور كان الولاء أو الميراث للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطاها من حقه ، أو للعصبة ودفعه الرسول بإذنهم ؛ وأصالة عدم الإذن معارضة بأصالة عدم توريث بنت حمزة. أو يكون ذلك قبل نزول الفرائض كما احتمله في الفقيه والتهذيب في حديث آخر من أحاديث بنت حمزة (٣).

وعموم الولاء لحمة ممنوع ، بل الظاهر من قوله : « لا تباع ولا توهب » في آخر الرواية (٤) أنّ المشابهة في عدم قبول البيع والهبة.

وعلى هذا فيكون الحكم بتوريث النساء خالياً عن الدليل.

__________________

(١) صرّح بذلك شيخ الطائفة ، ونقله عن الحسن بن محمد بن سماعة في الاستبصار ٤ : ١٧٣.

(٢) حكاه عنه في التهذيب ٩ : ٣٩٨.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٣ ، ٧١١ ، التهذيب ٩ : ٣٣١ ، ١١٩٢.

(٤) أي رواية السكوني ، المتقدّمة في ص ٤٠١.

٤١٧

ولا يضر عدم دلالة الصحيحتين بعد دلالة المكاتبة ، لأنّها أيضاً حجة ، سيما مع اعتضادها بالشهرتين ، المحققة والمحكية (١). مع أنّ ما ذكروه احتمالاً في الصحيحة الاولى خلاف الظاهر ، سيما على ما في بعض النسخ حيث إنّ فيه بدل قوله : « فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال » إلى آخره « كان ولاء المعتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجال ».

وظهر من ذلك أنّ الترجيح للقول الخامس من الاختصاص بالأولاد الذكور إذا كان المنعم رجلاً ، وبالعصبة إذا كان امرأة.

إلاّ أنّ ما ذكره أرباب ذلك القول من اختصاص عصبة الرجل إذا فقد الذكور فلم يذكروا دليلاً له سوى صحيحة محمد بن قيس الأخيرة (٢) ، وقد عرفت حالها ، ولذا لم يحكم به جماعة ، منهم صاحب الكفاية ، فشرّك الأخوات مع الإخوة بعد فقد الولد ، بل المتقرب بالأُم أيضاً (٣).

نعم لو قلنا باختصاص الرجال بالإرث بالولاء مطلقاً دون النساء حتى الام ـ كما قاله الإسكافي (٤) وله قوة يظهر دليل اختصاص العصبة مع فقد الولد كما سنذكره.

المسألة السادسة : الحق عدم توريث النساء بالولاء مطلقاً حتى الام‌ ، وفاقاً لابن الجنيد ؛ لصريح المكاتبة (٥) ، وقيل : لظاهر صحيحة العجلي (٦).

__________________

(١) راجع ص : ٤١٣.

(٢) المتقدّمة في ص : ٤١٥.

(٣) الكفاية : ٣٠٦.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٣١.

(٥) وهي مكاتبة محمد بن عمر المتقدمة في ص : ٤١٥.

(٦) انظر الرياض ٢ : ٣٦٧ ، وقد تقدمت الصحيحة في ص : ٤٠٤.

٤١٨

وتوهم عدم حجيتها لشذوذ هذا القول غير جيد ؛ إذ ليست المسألة مما ثبت فيها شذوذ قول أو إجماع مركب ، بل غاية ما يمكن ادعاؤه نوع اشتهار ومعروفية. مع أنّ ظاهر من جعل الولاء للولد الذكور ثم العصبة ولم يتعرض للُام كما في النافع (١) عدم توريث غير الولد والعصبة.

والاستدلال على توريث النساء بحديث اللحمة ، مردود بما مر من عدم ثبوت عموم المشابهة بل ظهورها في عدم البيع والهبة.

نعم قال العماني : وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة من ولده أنهم قالوا : « تقسّم الدية على من أحرز الميراث ، ومن أحرز الميراث أحرز الولاء » وهذا مشهور متعالم. انتهى (٢).

وهذا حديث مرسل شامل للنساء أيضاً ، ولكنه عام بالنسبة إلى ما ذكرنا ، فيجب تخصيصه به.

ومنه يظهر وجه آخر للجواب عن حديث اللحمة. وكذا يظهر الجواب عن عمومات إرث النساء من الام والأخوات مما يمكن تعميمه للمورد أيضاً إن وجد.

ومن ذلك يظهر دليل الاختصاص بالعصبة بعد فقد الولد ؛ إذ لا يبقى حينئذ غير العصبة ، لأنّ كل من يتقرب بالأُم يمنع ، لأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به ، ولأنّ لكل قريب نصيب من يتقرب به ، وكل أُنثى من المتقرب بالأب أيضاً كذلك ، لعدم توريث النساء بالولاء ، فلم يبق إلا العصبة.

المسألة السابعة : لا يرث بالولاء زوج ولا زوجة‌ ، أما الأول : فلما عرفت من أنّ ولاء المرأة مخصوص بعصبتها ، وأما الثاني : فلما مر من‌

__________________

(١) النافع : ٢٧٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٦٣١.

٤١٩

اختصاص الولاء بالرجال.

والمشهور كما قيل أنّ الأبوين يرثان بالولاء (١) ، وقد عرفت أنّ الحق عدم توريث الام. وأما الأب فيرث على الأقوى ؛ لمرسلة العماني المتقدمة المنجبرة بقوله : وهو مشهور ، ولعموم « الرجال » في المكاتبة (٢) وبعض عمومات إرث الأب على ما قيل ، الخالية جميعاً عن المعارض ، سوى ما ذكره في الكفاية (٣) في صورة وجود الولد الذكور من صحيحة العجلي المتقدمة (٤) ، المتضمنة لقوله « فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت » ونفى البعد عن العمل بها.

وفي دلالتها على التخصيص نظر ؛ لأنّ كونه ميراثاً لهم لا يناقض إرث غيرهم أيضاً ، ولا يدل على أنّ وارثه منحصر فيهم إلاّ بمفهوم اللقب.

ويظهر مما ذكر أنه يشارك الولد أيضاً فيه كما هو المشهور.

ولم يتعرض جماعة لكيفية التقسيم ، نعم صرّح طائفة منهم شارح المفاتيح ـ بأنّ له السدس مع الولد. ولم أعثر على وجه له إلاّ حديث اللحمة ، وقد عرفت أنّ دلالته غير تامة. ولم أظفر في عمومات إرث الأب مع الولد ما يشمل هذا المورد أيضاً.

ومقتضى ما ذكره بعضهم من أنّ الأصل في الشركة التساوي كونها كذلك هنا أيضاً ، وهو أيضاً ضعيف كما مر (٥) ، فإن ثبت إجماع ( مركب ) (٦) على التسديس فهو ، وإلاّ فالمسألة مشكلة جدّاً.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٦٨.

(٢) المتقدمة في ص : ٤١٥.

(٣) الكفاية : ٣٠٦.

(٤) في ص : ٤٠٤.

(٥) راجع ص : ٢٦٣.

(٦) ما بين القوسين ليس في « ق ».

٤٢٠