مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

والرضوي : « واعلم أنّه لا يتوارثان أهل الملّتين ، نحن نرثهم ولا يرثونا ، ولو أنّ رجلاً مسلماً أو ذميّاً ترك ابناً مسلماً وابناً ذميّاً لكان الميراث من الرجل المسلم والذمي للابن المسلم » (١).

وفيه أيضاً : « ولو مات مسلم وترك امرأة يهوديّة أو نصرانيّة لم يكن لها ميراث ، وإن ماتت هي ورثها الزوج المسلم » (٢) إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة (٣).

وعدم شمول الجميع لجميع أصناف الكفّار لا يضرّ ؛ لعدم القول بالفصل. مع كون كثير منها عاما شاملاً للجميع. وضعفها بعد الانجبار بالعمل والاعتضاد بالإجماعين غير ضائر.

ويدلّ على المطلوب أيضاً الأخبار الآتية (٤) الدالّة على أنّ من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له ، كما لا يخفى.

وقد يستدلّ عليه أيضاً بوجوه ضعيفة أُخرى لا فائدة في ذكرها.

المسألة الثانية : المسلم يرث الكافر أصليّاً كان أم لا. خلافاً لأكثر العامّة فنفوا التوارث من الجانبين ، ونسبوه إلى علي عليه‌السلام وزيد وعامة الصحابة (٥) ، وهو فِرية بلا مِرية.

لنا‌ : إجماع أصحابنا الكاشف عن قول الحجّة المحقّق ، والمحكيّ في الاستبصار والانتصار والتحرير والمسالك والتنقيح وظاهر الكفاية (٦).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ١٤١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ١٤١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٦ : ١١ أبواب موانع الإرث ب ١.

(٤) في ص ٢٨.

(٥) بداية المجتهد ٢ : ٣٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٧ : ١٦٦.

(٦) الاستبصار ٣ : ١٩١ ، الانتصار : ٣٠٢ ، التحرير ٢ : ١٧١ ، المسالك ٢ : ٣١١ ، التنقيح ٤ : ١٣٢ ، كفاية الأحكام : ٢٨٩.

٢١

وما عدا الاولى من الروايات المتقدّمة. ولعموم آيات الإرث ورواياته ، خرج إرث الكافر من المسلم بالإجماع فيبقى الباقي.

ويؤكّده الاعتبار ، كما قال في الفقيه قال : فإنّ الله عزّ وجلّ حرّم على الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرّم على القاتل عقوبة لقتله ، وأمّا المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يُحْرَم الميراث (١)؟! وأشار إلى ذلك الاعتبار في بعض ما تقدّم من الأخبار بمثل قوله عليه‌السلام : « لم يزده الإسلام إلاّ عزّاً ».

احتجّوا بما رووه عن أُسامة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم » (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يتوارث أهل ملّتين » (٣).

قلنا‌ : ثبوت الرواية عنه ممنوع ، على أنّه يمكن حمل الأخيرة على نفي التوارث من الجانبين كما هو مقتضى التفاعل ، وهو لا ينافي ثبوته من طرف ، وقد فسّر التوارث بهذا المعنى في كثير من الروايات المتقدّمة ، وبهذا يحمل ما ورد في روايات أصحابنا أيضاً من نفي التوارث بين أهل ملّتين على الإطلاق ، كموثقتي ابن سدير (٤) وجميل (٥) ، ورواية ابن حمران (٦).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢٣٣ ، ١٦١٤.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٨ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧١٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٦ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢٠.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٦٧ ، ١٣٠٩ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧١٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٧ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢١.

(٦) التهذيب ٩ : ٣٦٧ ، ١٣١٠ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧١٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٧ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢١.

٢٢

ويمكن حملها على التقية أيضاً ، كما تحمل عليها موثّقة البصري قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « قضى أمير المؤمنين في نصراني اختارت زوجته الإسلام ودار الهجرة ، أنّها في دار الإسلام لا تخرج منها ، وأنّ بضعها في يد زوجها النصراني ، وأنّها لا ترثه ولا يرثها » (١).

ورواية عبد الملك بن عمير القبطي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه قال للنصراني الذي أسلمت زوجته : « بضعها في يدك ، ولا ميراث بينكما » (٢).

ويؤكد هذا الحمل في الأخير كون بعض رجاله من العامّة ، فإن منهم أُميّ الصيرفي أبو ربيعة المرادي ، وهو منهم ، ووثّقه ابن حجر في تقريبه ، ومنهم عبد الملك المذكور ، وهو أيضاً منهم ، ذكره فيه أيضاً وطعن في حفظه ، وظهر منه مفاسد كثيرة (٣).

المسألة الثالثة : المعروف من مذهب الأصحاب أنّه لو مات كافر وله ورثة كافر ومسلم كان ميراثه للمسلم وإن بَعُد كمولى نعمة أو ضامن‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٦٨ ، ١٣١٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩١ ، ٧١٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٧ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٦٧ ، ١٣١١ ، الإستبصار ٤ : ١٩١ ، ٧١٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٧ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢٢.

(٣) فإنّه هو الذي روى حديث ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر ، وكان مع عسكر الشام في حرب الحسين عليه‌السلام ، وكلّما وصل إلى واحد من عسكر الحسين عليه‌السلام وقد رمي من فرسه إلى الأرض قطع رأسه من بدنه ، وهو الذي روى عن أُسيد بن صفوان راوي الزيارة المعروفة بزيارة الخضر لأمير المؤمنين أنّ أمير المؤمنين لمّا مات أبو بكر زاره بتلك الزيارة ، وهو أيضاً قال عبد الله بن يقطر رضيع الحسين عليه‌السلام ورسوله إلى ابن زياد بالكوفة فأمر به ابن زياد فرمي من فوق القصر مكشوفاً فوقع على الأرض وبه رمق فذبحه عبد الملك ، وروى عنه البخاري حديث كفر أبي طالب في آخر باب صفة أهل الجنة والنّار بواسطتين ، ومع ذلك كلّه كان مشهوراً بسوء الولادة أيضاً ( منه قدس‌سره ).

٢٣

جريرة دون الكافر وإن قرب كالولد. وادّعى عليه الإجماع في المفاتيح (١) ، ونفى عنه الخلاف في السرائر والمسالك (٢) وغيرهما (٣).

وتدلّ عليه رواية الحسن بن صالح المتقدّمة (٤).

ورواية مالك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم وابن أُخت مسلم ، وللنصراني أولاد وزوجة نصارى قال ، فقال : « أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما ترك ، ويعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار ، فإن كان له ولد صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار ممّا ورثا من أبيهم حتّى يدركوا » قيل له : كيف ينفقان؟ قال ، فقال : « يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة ، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم » قيل له : فإن أسلم الأولاد وهم صغار؟ قال ، فقال : « يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتّى يدركوا ، فإن بقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثهم إليهم ، وإن لم يبقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابن أُخته المسلمَين ، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك ، ويدفع إلى ابن أُخته ثلث ما ترك » (٥).

وحكم في الدروس بكون الرواية صحيحة (٦).

ومرفوعة ابن رباط ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لو أنّ رجلاً ذمّيا‌

__________________

(١) المفاتيح ٣ : ٣١٢.

(٢) السرائر ٣ : ٢٦٦ ، المسالك ٢ : ٣١١.

(٣) الرياض ٢ : ٣٣٥.

(٤) في ص : ١٧.

(٥) الكافي ٧ : ١٤٣ ، ١ ، الفقيه ٤ : ٢٤٥ ، ٧٨٨ ، التهذيب ٩ : ٣٦٨ ، ١٣١٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٨ أبواب موانع الإرث ب ٢ ح ١.

(٦) الدروس ٢ : ٣٤٥.

٢٤

أسلم وأبوه حي ولأبيه ولد غيره ثمّ مات الأب ورثه المسلم جميع ماله ، ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً » (١).

وما تقدّم من قول الرضا عليه‌السلام في فقهه (٢). وفيه أيضاً : « وكذلك من ترك ذا قرابة مسلمة وذا قرابة من أهل ذمّة ممّن قرب نسبه أو بعد لكان المسلم أولى بالميراث من الذمّي ، ولو كان الذمّي ولداً وكان المسلم أخاً أو عمّاً أو ابن أخ أو ابن عم ، أو أبعد من ذلك ، لكان المسلم أولى بالميراث من الذمّي ، كان الميت مسلماً أو ذمّيا » (٣).

ويدلّ عليه أيضاً ما سيأتي من أخبار من أسلم على الميراث قبل قسمته (٤) ، كما لا يخفى.

وبما ذكرنا ظهر ضعف ما في المسالك من حصر المستند في خبر ابن صالح (٥).

ثمّ بعد تحقّق الشهرة العظيمة الّتي كادت أن تكون إجماعاً لا يضرّ ضعف المستند ، مع أنّ في روايات من أسلم على الميراث ما ليس بضعيف ، هذا.

وأمّا ما رواه التميمي مرسلاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في يهودي أو نصراني يموت وله أولاد مسلمون وأولاد غير مسلمين ، فقال : « هم على‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٦ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧١ ، ١٣٢٦ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ ، ٧٢٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤ أبواب موانع الإرث ب ٥ ح ١.

(٢) راجع ص : ١٩.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٩٠ ، بتفاوت يسير ، مستدرك الوسائل ١٧ : ١٤١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١.

(٤) انظر ص ١٨.

(٥) المسالك ٢ : ٣١١.

٢٥

مواريثهم » (١). فمع ما فيه من الإرسال لا دلالة له ، إذ معنى كونهم على مواريثهم أنّهم على ما استحقّوا من المواريث ، واستحقاق غير المسلمين محل الكلام. وجوّز في التهذيبين حمله على التقية أيضاً (٢).

المسألة الرابعة : إذا مات المرتد فإن كان له وارث مسلم كان الميراث له ، كان معه كافر أو لا ، قرب أم بعد. ويدلّ عليه بعد الإجماع ، ما مرّ من اختصاص الوارث المسلم بإرث الكافر.

وإن لم يكن له وارث غير الكافر ، فالمشهور أنّه يرثه الإمام ولا شي‌ء للكافر ، فطرياً كان المرتد أم ملّيّاً ، بل نفي عنه الخلاف في الأوّل (٣).

وصريح المقنع كظاهر الفقيه والاستبصار : أنّ ميراثه للكافر إن ارتدّ عن ملّة (٤) ، ورواه ابن الجنيد في الأحمدي ، عن ابن فضّال وابن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقال : لنا في ذلك نظر (٥).

للمشهور : تنزيله منزلة المسلم في كثير من الأحكام ، كقضاء عبادته الفائتة من الردّة.

وكونه في حكمه حيث لا يقبل منه إلاّ الإسلام أو القتل.

وموثّقة أبان على ما في الفقيه (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٦ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧١ ، ١٣٢٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ ، ٧٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤ أبواب موانع الإرث ب ٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٧١ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢.

(٣) كما في الرياض ٢ : ٣٣٩.

(٤) المقنع ١ : ١٧٩ ، الفقيه ٤ : ٢٤٥ ، الاستبصار ٤ : ١٨٩.

(٥) المختلف : ٧٥١.

(٦) حيث روى فيه أبان عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، وأما على طريق الكافي والتهذيب فمرسل لتوسيط عمن ذكره ( منه قدس‌سره ).

٢٦

يموت مرتداً عن الإسلام وله أولاد ومال فقال : « ماله لولده المسلمين » (١).

حيث إنّ تقييد الولد بالمسلمين يدلّ بمفهوم القيد على عدم كون إرثه لأولاده الكافرين ، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفار بالإجماع أو فحوى الخطاب ، فانحصر الميراث للإمام.

ويضعّف الأوّل : بالمعارضة بالنجاسة ، والدعوة أو القتل ، وعدم توريثه من المسلم ، وغيرها. وبعدم ثبوت حجّية مثل هذا التنزيل.

والثاني : بأنّ هذه الحيثيّة لا توجب كونه في حكمه.

والثالث : بأنّ الكلام فيمن لم يكن له ولد مسلم ، والمفهوم مفهوم وصف لا حجيّة فيه ، سيّما مع احتمال كونه وارداً مورد الغالب كما قيل (٢).

للمقنع : موثقة إبراهيم بن عبد الحميد على ما في الفقيه (٣) ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثمّ مات ، قال : « ميراثه لولده النصارى » ومسلم تنصّر ثمّ مات ، قال : « ميراثه لولده المسلمين » (٤).

وصحيحة محمّد ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرتد فقال : « يقسّم ما ترك على ولده » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٢ ، ٣٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٦.

(٢) انظر رياض المسائل ٢ : ٣٣٩.

(٣) فإن في الفقيه روى عن ابن أبي عمير وطريقه إليه صحيح عن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام ، وأما على ما في التهذيب حيث روى فيه عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم ، عن رجل فيكون الحديث مرسلاً ( منه قدس‌سره ).

(٤) الفقيه ٤ : ٢٤٥ ، ٧٨٩ ، التهذيب ٩ : ٣٧٧ ، ١٣٤٦ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ ، ٧٢٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٥٣ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٣ ، ١٣٣٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٥.

٢٧

وموثقة الساباطي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن دين الإسلام » إلى أن قال : « ويقسّم ماله على ورثته » (١).

وصحيحة الحنّاط عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل ارتدّ عن دين الإسلام ، لمن يكون ميراثه؟ قال : « يقسم ميراثه على ورثته على كتاب الله » (٢).

وعموم آيات الإرث ورواياته ، خرج ما خرج بالدليل ، فيبقى الباقي.

وأُجيب (٣) عن الموثّقة : بالحمل على الصغير من الولد تارة.

ولا يخفى ما فيه.

وعلى التقية أُخرى (٤) ، لموافقته لمذهب العامّة.

وفيه : أنّها غير ثابتة ، مع أنه لا موجب للحمل.

وعن الصحاح : بكونها مبنيّة على الغالب ، من كون ورثة المرتد عن الإسلام مسلمين (٥).

وفيه : أنّه لو سلّم فإنّما هو في الفطري دون الملي.

والمسألة محلّ إشكال ، حيث إنّ الحدس (٦) يأبى عن ذهاب فحول العلماء ومعظم الفقهاء إلى قول بلا مستند ، مع دلالة الأخبار على خلافه.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٥٧ ، ١١ ، الفقيه ٣ : ٨٩ ، ٣٣٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٦ ، ٥٤١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٣ ، ٩٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٤ أبواب حد المرتد ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٢ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٢ ، ٧٧١ ، التهذيب ٩ : ٣٧٤ ، ١٣٣٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٣.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٣٣٩.

(٤) كما في النهاية : ٦٦٧.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٣٣٩.

(٦) في « س » : العقل.

٢٨

وإنّ جواز الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة والموثقة والعمومات الكثيرة بمجرد هذا الاستبعاد وعدم ثبوت الإجماع وفقد المخرج غير معلوم.

وقول المقنع لا يخلو عندي من قوّة. والله العالم.

ولو رفعنا اليد من هذه الأخبار الخاصّة بمخالفة الشهرة العظيمة للقدماء والشذوذ فلا يمكن رفعها عن عمومات الكتاب والسنّة ، ومع ذلك مظنة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحقّقة. والله العالم.

المسألة الخامسة : إذ عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلم ، فلو مات وكان له ورثة كفّار لا غير لم يرثوه وورثه الإمام. أمّا الأوّل فلما مرّ. أمّا الثاني فلأنّ الإمام وارث من لا وارث له كما يأتي. وتدلّ عليه خصوص صحيحة أبي بصير المتقدّمة (١).

وقد يستدلّ أيضاً بصحيحة سليمان بن خالد : في رجل مسلم قتل وله أب نصراني لمن تكون ديته؟ قال : « تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين ، لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين » (٢).

ولا خلاف فيه أيضاً بين الأصحاب كما صرّح به غير واحد (٣).

المسألة السادسة : لو أسلم الكافر على ميراث كافر أو مسلم قبل قسمته شارك أهله مع المساواة مرتبة وإسلاماً. واختص به مع التقدّم فيهما أو في أحدهما. ولو أسلم بعدها فلا شي‌ء له.

للإجماع ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها.

منها : صحيحة أبي بصير : عن رجل مسلم مات وله أُمّ نصرانيّة وله‌

__________________

(١) في ص ١٦.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ ، ٧٧٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٠ ، ١٣٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٦.

(٣) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٧٨ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٣٥.

٢٩

زوجة وولد مسلمون قال : فقال : « إن أسلمت أُمّه قبل أن يُقسَّم ميراثه اعطيت السدس » قلت : فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب من المسلمين وله أُمّ نصرانيّة وله قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين ، لمن يكون ميراثه؟ قال : « إن أسلمت امّه فإنّ جميع ميراثه لها ، وإن لم تسلم امّه وأسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فإنّ ميراثه له ، وإن لم يسلم من قرابته أحدٌ فإنّ ميراثه للإمام » (١).

وحسنة ابن مسكان : « من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه ، وإن أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له » (٢).

وفي حسنة ابن مسلم : « من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم الميراث فهو له ، ومن أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له » (٣).

وموثقة البقباق : « من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له » (٤).

وموثقة ابن مسلم : في رجل يسلم على الميراث قال : « إن كان قسّم فلا حقّ له ، وإن كان لم يقسّم فله الميراث » (٥). إلى غير ذلك.

وكذا لو كان الوارث واحداً سوى الإمام أو أحد الزوجين فالمال له ، ولا ينتقل إلى من أسلم بعد الموت. ولا أعرف فيه أيضاً خلافاً ، وفي‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٤ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٧ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ ، ١٣١٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٤ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ ، ١٣١٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٤ ، ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ ، ١٣١٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٧٠ ، ١٣٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٥.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٣٧ ، ٧٥٨ ، التهذيب ٩ : ٣٣٦ ، ١٢١١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٤.

٣٠

السرائر والتنقيح ادّعى الإجماع عليه (١).

ووجهه أنّه قد استحقّ المال عند الموت وانتقل إليه وحصل في ملكه ، فالانتقال منه يحتاج إلى دليل. وأخبار من أسلم قبل القسمة لا توجب الانتقال ، لأنّ القسمة إنّما تتصوّر إذا كان بين نفسين فصاعداً ، ولا تتأتى في الواحد على حال ، فلا قبليّة مع الوحدة ولا بعديّة ، إذ القبليّة من الأُمور الإضافيّة فهي لا تتحقق إلاّ فيما أمكن له البعديّة وهي منتفية هنا ، فهي ظاهرة في صورة إمكان القسمة.

ولو كان الواحد هو الإمام فالمسلم أولى وفاقاً للأكثر ؛ لصحيحة أبي بصير المتقدّمة الخاصّة الناصّة.

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة أبي ولاّد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مسلم قتل مسلماً عمداً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلاّ أولياء من أهل ذمّته من قرابته فقال : « على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام ، فمن أسلم منهم فهو وليّه ، يدفع القاتل إليه ، فإن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء أخذ الدّية ، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره » الحديث (٢).

وقيل : الإمام أولى ؛ لأنّه واحد فلا قسمة. ونسب إلى النهاية (٣) ، ولم أجده فيها ، وإلى المبسوط (٤) ، والحلي (٥) ، وظاهر النافع أيضاً (٦).

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٦٨ ، التنقيح ٤ : ١٣٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٥٩ ، ١ ، الفقيه ٤ : ٧٩ ، ٢٤٨ ، التهذيب ١٠ : ١٧٨ ، ٦٩٧ ، علل الشرائع : ٥٨١ ، ١٥ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٤ أبواب القصاص في النفس ب ٦٠ ح ١.

(٣) كما في التنقيح ٤ : ١٣٣.

(٤) المبسوط ٤ : ٧٩.

(٥) حكاه عنه في التنقيح ٤ : ١٣٣. والموجود في السرائر ٣ : ٢٦٨ ، إذا كان الوارث المسلم واحداً استحق بنفس الموت الميراث ولا يرد على من أسلم بعد الموت من الميراث شي‌ء على حال لأن هاهنا لا تتقدر القسمة.

(٦) المختصر النافع : ٢٦٤.

٣١

وقيل : المسلم أولى إن كان إسلامه قبل النقل إلى بيت المال ، والإمام أولى إن كان بعده. وهو مختار المبسوط والوسيلة والإيجاز والإرشاد (١) والإيضاح (٢).

والكل ضعيف ، بعد ورود النصّ الصحيح المنجبر (٣) بخلافه.

ولو كان أحد الزوجين فيبنى على الأقوى على أنّ الزوجين إذا لم يكن وارث غيرهما هل يردّ الفاضل عليهما ، أم لا يردّ على أحدهما أصلاً ، أم يردّ على الزوج دون الزوجة؟

فعلى الأوّل لا يؤثّر الإسلام أصلاً ، للوحدة المنافية للقسمة الموجبة لتوريث المسلم قبلها.

وعلى الثاني اعتبرت المقاسمة مع أحدهما والإمام قبل الإسلام وبعده فيهما ، لإمكانها.

وعلى الثالث اعتبرت فيمن يردّ عليه دون الآخر.

والشيخ في النهاية كالقاضي شارك المسلم مع الزوج مع اختيار الردّ عليه (٤).

ونصره في النكت محتجّاً بأنّ الردّ إنّما يستحقّه الزوج إذا لم يوجد وارث محقّق أو مقدر أي من يصلح أن يكون وارثاً والمقدر هنا موجود.

وبأن استحقاق الزوج الفاضل ليس أصليّاً ، بل لفقد الوارث وكونه أقوى من الإمام ، فيجري في الفاضل مجراه ، وهو ممنوع إذا أسلم (٥).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٧٩ ، الوسيلة : ٣٩٤.

(٢) الإيضاح ٤ : ١٧٥ ، الموجود فيه اختيار القول الأول ، ولكن الذي نسبه إليه هو الصيمري في غاية المرام كما في مفتاح الكرامة ٨ : ٢٩.

(٣) كذا في جميع النسخ ، والصحيح لا يحتاج إلى الانجبار.

(٤) النهاية : ٦٦٤. والقاضي في المهذب ٢ : ١٥٧.

(٥) نكت النهاية ٣ : ٢٣٥.

٣٢

ويضعّف الأول أولاً : بمنع وجود المقدّر هنا ، فإنّه عين المتنازع فيه.

وثانياً : بأن استحقاق الزوج للتركة وانتقالها إليه إنّما هو بعد الموت كلّها فرضها وردّها إذا لم يكن وارث والوارث حقيقة في المحقق ، واعتبار المقدّر لا دليل عليه. مع أنّ في اعتباره إيقاف الفاضل إلى موت الكافر أو إسلامه ، لوجود التقدير وعدم دليل على زواله في حال ، وبعد الانتقال إليه لا ينتقل منه إلاّ بناقل ، وهو غير متحقق ، لتحقق الوحدة المذكورة.

والثاني : بأنّ الفرق بين الاستحقاق الأصلي وغيره لا دخل له في الحكم ، بعد ثبوته في الجملة عند عدم الوارث حين انتقال الإرث.

المسألة السابعة : لو ارتدّ أحد الورثة بعد الموت فسهمه في حكم مال المرتد ، وهو لوارثه كما يأتي ولو كان الارتداد قبل القسمة ؛ لحصول الانتقال إليه ، فيكون في حكم ماله.

المسألة الثامنة : إذ عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلم وهو محجوب به ، فإن كان الوارث بالغاً فالحكم بكفره أو إسلامه واضح.

وإن كان طفلاً فهو في الإسلام تابع لأحد أبويه ، فلو كان الأبوان أو أحدهما مسلماً وقت العلوق يحكم بإسلام الطفل ، وكذا لو أسلما أو أحدهما بعده قبل البلوغ. ولا أعرف في ذلك خلافاً بين الأصحاب ، وقال في المسالك : والحكم في ذلك موضع وفاق (١) ، ونفى الخلاف في أصل التبعيّة في الكفاية والمفاتيح (٢).

وكذا لا خلاف في التبعيّة في الكفر إذا كان أبواه معاً كافرين ، وفي التنقيح الإجماع عليها بالخصوص (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣١٢.

(٢) الكفاية : ٢٨٩ ، المفاتيح ٣ : ٣١٢.

(٣) التنقيح ٤ : ١٣٥.

٣٣

وقيل (١) : ولعلّ التبعيّة في الإسلام والكفر للأبوين من الضروريّات ، يمكن استنباطها من الأخبار المتواترة معنى ، المتشتتة في مواضع كثيرة كأبواب المواريث ، والحدود ، والجهاد ، والوصية.

وتدلّ على التبعيّة في الجملة رواية زيد بن علي : « إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام ، فإن أبى قتل » (٢).

وموثقة أبان على ما في الفقيه : في الصبي إذا شبَّ فاختار النصرانيّة وأحد أبويه نصراني أو جميعاً مسلمين ، قال : « لا يترك ، ولكن يضرب على الإسلام » (٣).

ورواية عبيد : في الصبيّ يختار الشرك وهو بين أبويه ، قال : « لا يترك ، وذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً » (٤).

وجه الاستدلال بالأخيرتين أنّه لا شكّ في أنّه لا يجبر غير المرتد على الإسلام من أهل الذمّة بل يترك ، وحكم فيهما بجبر صبيّ اختار الكفر بعد البلوغ إذا أسلم أحد أبويه على الإسلام ، فيكون مرتداً ، ولا ارتداد إلاّ بسبق الإسلام.

ولو ارتد الأبوان وهو طفل لم يرتدد ، لسبق إسلامه فيستصحب ، وإيجاب ارتدادهما لارتداده غير ثابت.

وفي إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدات بالأبوين وجهان ، والظاهر الإلحاق إن لم يكن الواسطة حيّاً ، وأمّا إذا كان حيّاً ففيه إشكال. وقوّى‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٣٧.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٣٦ ، ٨٥٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٠٧ أبواب العتق ب ٧٠ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٩١ ، ٣٤١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٦ أبواب حد المرتد ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥٦ ، ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٤٠ ، ٥٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٦ أبواب حد المرتد ب ٢ ح ١.

٣٤

الشيخ (١) كالشهيد في المسالك (٢) الإلحاق ، وظاهر التحرير كالكفاية التردد (٣).

وعلى هذا فلو مات مسلم أو كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو أُخت مسلمة ، يرثه الأطفال دون الأولاد.

ولو مات مسلم وله أطفال أخ كافر وكانت أُمّهم أيضاً كافرة لم يرثوه.

ولو مات كافر وله ابن كافر وطفل ابن مسلم ، ورثه الطفل دون الابن.

ولو مات مسلم وله ابن كافر يرثه طفل ابنه إن مات أبوه ، وإلاّ ففيه وجهان.

ولو مات الكافر وخلّف أباً وابناً صغيراً كافرين ، فأسلم الأب يرثان معاً.

ولو مات كافر وله جدّ كافر وابن صغير فأسلم الجدّ قبل القسمة اختصّ الابن بالإرث.

المسألة التاسعة : روى مالك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام كما سبق أنّه لو خلّف نصراني أولاداً صغاراً وابن أخ وابن أُخت مسلمَين كان لابن الأخ ثلثا التركة ، ولابن الأُخت ثلثها ، وينفقان على الصغار بنسبة حقهما ، وإن أسلموا وهم صغار دفعت التركة إلى الإمام ، فإن بلغ الأولاد مسلمين فهم أحقّ بها ، وإلاّ فتعطى الوارثين (٤).

وأفتى بمضمونها معظم القدماء وجمع من المتأخّرين ، منهم الشيخان والصدوق والقاضي وابن زهرة والحلبي والكيدري ونجيب الدين‌

__________________

(١) حكاه عنه في التحرير ٢ : ١٧١.

(٢) المسالك ٢ : ٣١٢.

(٣) التحرير ٢ : ١٧١ ، كفاية الأحكام : ٢٨٩.

(٤) راجع ص : ٢٢.

٣٥

والدروس (١) ، ونسبه جماعة إلى أكثر المتقدمين أيضاً (٢) ، وفي النكت والدروس والمسالك نسبته إلى الأكثر والمعظم مطلقاً (٣).

وكثير منهم طردوا الحكم إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد مطلقاً ، كما طردوه إلى الكافر كذلك ، وقالوا : إنّ المسلمين ينفقون على الأولاد إلى أن يبلغوا ، فان أسلموا دفعت إليهم التركة ، وإلاّ استقرّ ملك المسلمين عليها.

وردّها الحلّي والمحقق والعلاّمة والتنقيح والمسالك (٤) وسائر المتأخرين ، وأقرّوا الإرث على المسلمين ، وأنكروا وجوب الإنفاق ، محتجّين بوقوع الإجماع على تبعيّة الولد لأبويه في الكفر ، واختصاص المسلم بالإرث إلاّ أن يسلم الكافر قبل القسمة ، وحرمانه لو لم يسلم قبلها ، صغيراً كان أو كبيراً كما ثبت.

وأجاب في الدروس بأن الخروج عن الأُصول جائز إذا قام عليه دليل (٥). قيل (٦) : إنّ قيام الدليل ممنوع ، كيف؟! وهو يتوقّف على صحة الرواية ، وهي ممنوعة ، وإن قال بها في المختلف والتحرير والدروس‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧٠١ ، الطوسي في النهاية : ٦٦٥ ، الصدوق في المقنع : ١٧٦ ، القاضي في جواهر الفقه : ١٦٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، نجيب الدين في الجامع للشرائع : ٥٠٢ ، الدروس ٢ : ٣٤٥ ، ٣٤٦.

(٢) كما في تحرير الأحكام ٢ : ١٧١ ، والتنقيح ٤ : ١٣٥.

(٣) حكاه عن نكت الإرشاد في الرياض ٢ : ٣٣٧ ، الدروس ٢ : ٣٤٦ ، المسالك ٢ : ٣١٢.

(٤) الحلي في السرائر ٣ : ٢٦٩ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١٣ ، العلاّمة في تحرير الأحكام ٢ : ١٧٢ ، التنقيح ٤ : ١٣٥ ، المسالك ٢ : ٣١٢.

(٥) الدروس ٢ : ٣٤٦.

(٦) انظر رياض المسائل ٢ : ٣٣٧.

٣٦

والغاية والمهذب (١) ، وتحقّق الشهرة الجابرة غير معلوم.

وفيه أوّلاً : عدم ضير ضعف السند بعد اعتبار الرواية.

وثانياً : أنّه لو سلّم ينجبر بشهرة القدماء المحققة قطعاً ، حتى قيل : إنّه لا يرى منهم مخالف عدا الحليّ (٢) ، أو بالشهرة المحكية مستفيضة ، وهي كافية في الجبر ، مع أنّها صحيحة عن السراد المجمع على تصحيح ما يصح عنه ، ومثلها في قوّة الصحيحة ، ومع ذلك وصفها كثير من الأصحاب بل أكثرهم كما عن التقي المجلسي (٣) بالصحة ، كما هي مقتضى بعض نسخ الفقيه ، حيث أسندها إلى عبد الملك ومالك ابني أعين معاً ، فالرواية معتبرة ، وللخروج بها عن مقتضى الاصول صالحة ، ومثله ليس بعزيز ، فعليه الفتوى.

وأمّا القول بأنّها لا تخالف الأُصول ، من حيث إنّ الولادة على الفطرة ، فهم بحكم المسلمين إلاّ أن يبلغوا ويعرفوا الكفر.

ففيه : أنّه خلاف الإجماع ، لجواز استرقاقهم كما يسترقّ أبواهم ، بل يخالف الرواية حيث حكم فيها بعدم استحقاقهم إلاّ أن يسلموا وهم صغار.

ثمّ إنّ الرواية لما كانت مشهورة بالاعتبار تصدّى العاملين بها والرادّين لها لتوجيهها بوجوه لا فائدة في ذكرها.

وهل يختصّ الحكم بالمورد كما عن ظاهر الأكثر ، أم يطرد بالاطرادين المتقدمين ، أو أحدهما كما عن بعضهم (٤)؟ الحق هو الأوّل.

المسألة العاشرة : المسلمون يتوارثون ، بمعنى أنّ بعضهم يرث‌

__________________

(١) المختلف : ٧٤٠ ، تحرير الأحكام ٢ : ١٧٢ ، الدروس ٢ : ٣٤٥.

(٢) انظر رياض المسائل ٢ : ٣٣٧.

(٣) روضة المتقين ١١ : ٣٨٧.

(٤) انظر : المقنعة : ٧٠١ ، والنهاية : ٦٦٥ ، والكافي في الفقه : ٣٧٥.

٣٧

بعضاً وإن اختلفوا في المذاهب ، ما لم يخرجوا به عن سمة الإسلام ، ولم يدخلوا في عنوان الكافر ، وفاقاً للمشهور.

وخلافاً للمفيد في أكثر نسخ المقنعة ، فيرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة والمرجئة (١) والخوارج من الحشوية ، ولا يرثوه (٢).

وللحلبي ، فيرث المسلم المجبّر والمشبّه وجاحد الإمامة ، ولا عكس (٣).

لنا‌ : عموم أدلّة التوارث ، وعدم ما يصلح للتخصيص. ولم أعثر للمخالف على دليل ، ويمكن أن يكون بناؤه على تكفيرهم ، وهو صحيح إن ثبت المبنى ، لعمومات منع الكافر عن إرث المسلم ، ولكن الكلام في المبنى.

ومنه يظهر حكم المنكر لضروري الدين ، فإنّه لو لزم من إنكاره إنكار صاحب الدين ورجع إليه بأن لم تحتمل الشبهة في حقّه يمنع من إرثه وإن أظهر الشهادتين ، لأن إيجابهما للإسلام إنّما هو إذا لم يقارنه ما ينافيهما قولاً أو فعلاً ويدلّ على اعتقاد خلافهما.

وكذا الكفّار يتوارثون على اختلاف مللهم كما يأتي.

وخالف فيه الثاني أيضاً فيرث كفّار ملتنا غيرهم ولا عكس (٤) ،

__________________

(١) المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة : من الإرجاء ، أرجأت الأمر أي آخرته ، وهم فرقة من فرق الإسلام يزعمون أنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون ويعتقدون أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي ، أي أخّره عنهم الصحاح ١ : ٥٢ ، القاموس ١ : ١٦ ؛ راجع كتاب المقالات والفرق : ٥ فرقة ١٤ ، ومجمع البحرين ١ : ١٧٧.

(٢) انظر المقنعة : ٧٠١.

(٣) الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، قال : لا يرث الكافر المسلم .. ويرث المسلم الكافر وإن بعد ، كابن خال مسلم لموروث مسلم ، أو كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة ميراثه لابن خاله المسلم.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٧٥.

٣٨

واختاره في التنقيح إن كان المراد كفر من أظهر كلمة الشهادة ، محتجّاً بأنّ لهم خصوصية بذلك على غيرهم (١).

وفيه : أنّها لو سلّمت فإيجابها لمنع التوارث ممنوع ، وقوله : « الإسلام يَعلو ولا يُعلى عليه » (٢) لا يفيد ، لكون الصغرى ممنوعة.

وأمّا ما في موثقة حنان من أنّه لا يتوارث أهل ملتين (٣) ، فمحمول على ملتي الإسلام والكفر ، كما يشعر به كثير من الأخبار المتقدّمة ، وصرّح به غير واحد من الأصحاب (٤). ولو سلّم عمومها فلا يفيد أيضاً ، لجواز إرادة نفي التوارث من الجانبين ، ولمّا لم يتعين الجانب الممنوع فيكون كلّ منهما باقياً على مقتضى الأصل.

وقد يقال : بكون الكفر كلّه ملة واحدة فليس فيه ملّتان. وهو خلاف الظاهر ، وما ذكروا في بيانه ضعيف.

المسألة الحادية عشرة : الكفار يتوارثون بعضهم من بعض إذا لم يكن هناك وارث مسلم خاص ، بلا خلاف فيه ظاهر كما صرّح به غير واحد منّا (٥).

لعموم أدلّة الإرث ، وسلامتها عن المعارض في محلّ البحث ، لاختصاصه بما إذا كان هناك وارث خاص مسلم.

ولمرسلة ابن أبي عمير : في يهودي أو نصراني يموت وله أولاد غير‌

__________________

(١) التنقيح ٤ : ١٣٨.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ ، ٧٧٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٤ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١١.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٨ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧١٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٦ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢٠.

(٤) كالطوسي في النهاية : ٦٦٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣١٢.

(٥) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٨٩.

٣٩

مسلمين ، فقال : « هم على ميراثهم » (١).

ولما مرّ من النصوص في ميراث المجوسي (٢).

والمستفاد من المرسلة أنّ طريق توريثهم إنّما هو على ملّتهم ، وأنّه تجري على أهل الذّمة أحكام مواريثهم على دينهم ، وليست كغيره من الأحكام بأن يكون مخيراً في الحكم أو الردّ على أهل ملتهم.

ويمكن أن يكون المراد بميراثهم ميراث الأولاد على طريقة الإسلام. أو أنّ لهم إرثهم على التخيير المذكور ، فلا يمكن الاستدلال به لشي‌ء من الطرفين ، فيجري فيه على قاعدة سائر الأحكام من التخيير.

وفي صحيحة أبي حمزة : « إنّ علياً عليه‌السلام كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه لم يكن قسّم قبل الإسلام أنّه كان يجعل للنساء والرجال حظوظهم منه على كتاب الله وسنّة نبيّه » (٣).

وقريبة منها صحيحة محمد بن قيس (٤).

وقد يستدل بها على أصل الحكم من توارث الكفّار.

وفيه نظر ، لكونها مجملة ذات احتمالات ثلاثة ، فلا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء منها.

المسألة الثانية عشرة : المرتد إمّا فطري أو ملّي ، فالأوّل إن كان‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٧٢ ، ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥ أبواب موانع الإرث ب ٥ ح ٣.

(٢) لم يتقدّم البحث عن ميراث المجوسي. انظر : الوسائل ٢٦ : ٣١٧ أبواب ميراث المجوس ب ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٤ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧٠ ، ١٣٢٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ ، ٧٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣ أبواب موانع الإرث ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٥ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧١ ، ١٣٢٥ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ ، ٧٢١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣ أبواب موانع الإرث ب ٤ ح ٢.

٤٠