مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

صحيحة الكناسي ، وسائر ما تقدّم في مسألة اجتماع الإخوة المتفرّقين ؛ فالمال ينقسم بين المتقرّب بالأبوين وبالأُم أو بين المتقرّب بالأب خاصّة وبالأُم مع عدم المتقرّب بالأبوين.

والمشهور : أنّ السدس للمتقرّب بالأُم إذا كان واحداً ، والثلث إذا كان أكثر ، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو الأب.

ولم أقف على حجّة عليه سوى الشهرة ، وإلحاق الأعمام بالكلالة.

والأوّل مردود بعدم حجّيّته. والثاني بكونه قياساً.

وظاهر الصدوق في الفقيه والهداية ، والفضل (١) : تسوية المتفرّقين من الأعمام والعمّات مع غير المتفرّقين في تقسيمهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين ، وظاهر الكفاية التردد (٢).

ويدلّ على قول الفضل قاعدة التفضيل ، وإطلاق الروايتين ، والمرسلة (٣) ، فيكون هو الأقوى وإن كان الاحتياط أولى.

فإن قيل : قاعدة التفضيل التي هي الحجّة هنا إنّما تتمّ إذا اجتمع الذكر والأُنثى ، وأمّا إذا اجتمع الذكران أو الأُنثيان ، كعمّ من الأب وعمّ من الام فمن اين يحكم بالتساوي.

قلنا : يتمّ المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل.

والتمسّك بالإجماع لإثبات المشهور ضعيف ، لأنّ منقوله غير حجّة ، والمحقّق غير ثابت.

وهاهنا احتمال آخر أقرب بحسب الدليل : وهو أن يكون للمتقرّب بالأُم الثلث مطلقاً ، وللمتقرّب بالأب الثلثان. وذلك لأنّ الرحم الذي يجرّ به العمّ‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢١٢ ، الهداية : ٨٥ ، حكاه عن الفضل في الكافي ٧ : ١٢٠.

(٢) كفاية الأحكام : ٣٠٠.

(٣) راجع ص ٣١٢ و ٣١٧.

٣٢١

أو العمّة للأُم هو أُم الأب ولها الثلث ، والذي يجرّ به العمّ أو العمة للأب أو الأبوين هو الأب وله الثلثان. ولكن انعقاد الإجماع على تركه يضعّفه ويوجب الأخذ بأحد القولين الأوليين.

المسألة الخامسة : لا يرث مع العمّ أو العمّة مطلقاً أحد من أولادهم ؛ للأصل الثابت بالإجماع والأخبار ، من منع الأقرب للأبعد ، إلاّ في مسألة واحدة إجماعيّة هي ابن عمّ لأب وأُم مع عمّ لأب ، فابن العمّ أولى ، وهي مخصّصة بالإجماع المحقّق ، ونقله أيضاً في النهاية واللمعة والمسالك والتنقيح والقواعد والكفاية والمفاتيح (١) وغيرها (٢) ، بل قيل بتواتر نقل الإجماع هنا (٣).

ويدلّ عليه من الأخبار روايتا ابن عمارة والحارث وقول الرضا عليه‌السلام (٤) ، وضعف المستند في بعضها بعد تحقّق الإجماع غير ضائر.

وفي الاقتصار في المسألة على موضع الإجماع ، وهو فيما إذا انحصر الوارث في ابن عمّ لأب وأُمّ وعمّ لأب لا غير ، أو التعدّي إلى غيره خلاف ، والخلاف في غير صورة الإجماع وقع في مواضع :

منها : ما إذا حصل التعدد للعم أو ابن العم أو لهما ، فذهب الشهيدان إلى عدم تغيّر الحكم بذلك (٥) ، لوجود المقتضي للترجيح ، وهو ابن العم مع العم. لأنّه إذا منع مع اتحاده فمع تعدده أولى ، لتعدد السبب المرجح. ولأنّ سبب إرث العمّين وما زاد هو العمومة ، وابن العمّ مانع لهذا السبب ، ومانع أحد السببين المتساويين مانع للآخر. ولأنّ ابن العمّ مفيد للعموم بسبب‌

__________________

(١) النهاية : ٦٥٣ ، اللمعة ( الروضة ٨ ) : ٥٤ ، المسالك ٢ : ٣٢٩ ، التنقيح ٤ : ١٨١ ، القواعد ٢ : ١٧٥ ، الكفاية : ٣٠١ ، المفاتيح ٣ : ٣٠١.

(٢) كما في كشف اللثام ٢ : ٢٩٧ ، الرياض ٢ : ٣٦٠.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٣٦٠.

(٤) المتقدمة جميعاً في ص : ٢٦٦ و ٣١٦.

(٥) الشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٣٣٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٨ : ٥٤.

٣٢٢

الإضافة.

ويرد على الأول : أنّه يمكن أن يكون المقتضي هو ابن العم بشرط الوحدة مع العمّ كذلك.

وعلى الثاني : أنّ السبب يمكن أن يكون مركّباً من الوحدة ، فيكون التعدّد منافياً له.

وعلى الثالث : أنّه يمكن أن يكون ابن العمّ مانعاً لهذا السبب إذا كان ( لا ) (١) مع سبب آخر ، ومعه تضعف قوّة المانع.

وعلى الرابع : أنّه لا مفرد مضافاً في قول الإمام عليه‌السلام إلاّ في الرضوي الضعيف الغير الثابت انجباره في المقام.

ويمكن أن يستدلّ له بالروايتين المتقدّمتين المعتبرتين ، حيث إنّ أعيان بني الام شاملة لصورة التعدد أيضاً ، فمذهب الشهيدين هو الأظهر.

ومنها : ما إذا تغيّرت الذكوريّة بالأُنوثيّة فيهما أو في أحدهما ، كما إذا كان بدل العمّ عمّة ، أو بدل ابن العمّ بنتاً ، أو كان بدل العمّ عمّة وبدل الابن بنتاً ، ونسب الخلاف فيما إذا تبدّل العمّ إلى الشيخ ، محتجّاً باشتراك العم والعمة في السببية (٢).

وفيه : أنّ الاشتراك في السببية لا يوجب الاشتراك في الممنوعية ، لجواز أن يكون لأحد المسببين مدخلية فيها لم يكن للمسبب الآخر ، فيتغيّر الحكم. وأولى بالتغيّر ما إذا كان التبديل في طرف المانع ، وهو ظاهر. والأخبار غير شاملة للإناث ، للتعبير فيها بالعم والابن أو بني الأُم وبني العلاّت ، فقول الشيخ ساقط.

ومنها : ما إذا تغيّر المورد بالهبوط ، كما إذا كان بدل ابن العمّ ابن ابنه ،

__________________

(١) ليست في « س ».

(٢) الاستبصار ٤ : ١٧٠.

٣٢٣

أو بدل العمّ للأب ابنه ؛ وعلّل الأول بصدق الابن على ابن الابن حقيقة. وفيه : أنه ممنوع ، فلا تشمله الأخبار ، فلا يتعدّى إلى ذلك الموضع.

ومنها : ما إذا انضمّ معهما زوج أو زوجة ، والكلام فيه كما مرّ في الموضع الأوّل.

ومنها : ما إذا انضمّ معهما خال أو خالة ، واختلفوا حينئذ على أقوال أربعة.

الأول : حرمان ابن العمّ ، ومقاسمة العمّ والخال أثلاثاً ، ونسب إلى عماد بن حمزة القمّي ، المعروف بالطبرسي (١) ، وتابعه أكثر المحقّقين كالفاضلين والشهيدين (٢) وجمهور المتأخرين.

والثاني : حرمان العمّ خاصّة ، وجعل المال للخال وابن العمّ ، وإليه ذهب القطب الراوندي ومعين الدين المصري (٣).

والثالث : حرمان العم وابن العم معاً ، واختصاص الخال بالمال ، ذهب إليه سديد الدين محمود الحمصي (٤).

والرابع : حرمان العمّ والخال ، وجعل المال كلّه لابن العمّ.

والحقّ هو الأول ، أمّا حرمان ابن العمّ ، فلوجود الخال الذي هو أقرب منه ، ولا مانع له ، كما كان للعمّ. وعدم حرمانه مع العمّ الذي هو في مرتبة الخال ، إنّما كان بالإجماع ، فلا يتعدّى إلى غيره.

__________________

(١) نسبه في المختلف : ٧٣٤ إلى العماد القمي المعروف بالطوسي ، وفي الدروس ٢ : ٣٣٦ إلى عماد الدين بن حمزة.

(٢) المحقق في الشرائع ٤ : ٣٠ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١٧٥ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٣٣٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ٨ : ٥٧.

(٣) حكاه عن الراوندي في المختلف : ٧٣٤ ، وعن المصري في الدروس ٢ : ٣٣٧.

(٤) حكاه عنه في الدروس ٢ : ٣٣٧ والروضة ٨ : ٥٧.

٣٢٤

وأما عدم حرمان العم حينئذ فلكونه بمنزلة الأب مع عدم وارث أقرب منه ، وأقربية ابن العم المذكور عنه بالروايتين إنّما يفيد لو كان الأقرب وارثاً. وأمّا بدونه فلا يترتّب عليها أثر كما في الأقرب الكافر والقاتل والرقّ.

وأمّا عدم حرمان الخال ، فلعدم المانع ، وحرمان من هو في مرتبته عند انفراده لا يدلّ على حرمانه.

وأمّا مقاسمة العم والخال أثلاثاً ، فلكون العمّ بمنزلة الأب ، والخال بمنزلة الأُم ، وهما يقتسمان المال كذلك.

وتدلّ على الأحكام الأربعة صحيحة أبي بصير أيضاً (١). أمّا دلالتها على حرمان ابن العم ، فلإطلاق الحكم بكون المال للعمّ والخال مع اجتماعهما ، سواء كان معهما ابن عمّ أو لا. وأمّا على البواقي فظاهر.

احتجّ المخالف الأول : أمّا على حرمان العم ، فبوجود ابن العم.

وأما على عدم حرمان ابن العم ، فبأنه لو حرم لكان بوجود الخال وهو غير صالح لذلك ، لأنّ الخال لا يمنع العمّ وابن العم أولى منه ، لمنعه إيّاه فلا يمنع بالخال بطريق أولى.

وأيضاً : الخال إنّما يحجب ابن العمّ مع عدم كلّ من هو في درجته من ناحية العمومة ، فأمّا مع وجود أحدهم فلا يقال إنّه محجوب به ، وإنّما هو محجوب بذلك الذي من قبل العم ، لأنّه يأخذ منه النصيب من الإرث ، بخلاف الخال ، فإنّ فرضه لا يتغيّر بوجود ابن العمّ ولا بعدمه ، والحجب إنّما يتحقّق بأخذ ما كان يستحقّه المحجوب لا ما يأخذه غيره.

والجواب أمّا عن دليله على حرمان العمّ : فبأنّا لا نسلّم أنّ وجود ابن العمّ مانع مطلقاً ، وإنّما هو مع انفراد العمّ ومع كونه وارثاً ، إذ لا دليل على‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٣١٤.

٣٢٥

المنع مطلقاً ، وليس هنا كذلك.

وأمّا عن دليله الأوّل على عدم حرمان ابن العمّ : فبأنّ منع ابن العمّ للعمّ لا يوجب كونه أولى من العمّ مطلقاً حتّى يشمل عدم الممنوعيّة بالخال أيضاً ، لا بدّ في إثباته من دليل.

وأمّا عن دليله الثاني : فبأنّ اختصاص حجب الخال لابن العمّ بعدم كلّ من هو في درجته من العمومة ممنوع ، وتخصيص لعمومات منع الأقرب للأبعد بلا مخصّص.

واحتجّ الثاني : بأنّ العمّ محجوب بابن العمّ وابن العمّ بالخال ، فيختصّ الإرث به ، وأيّد ذلك برواية سلمة ، الدالّة على تقديم الخال على ابن العمّ (١) ، فيكون مقدّماً على ما هو أضعف منه بطريق أولى.

والجواب : أنّ محجوبيّة العمّ حينئذ بابن العمّ ممنوعة ، وإنّما هي في صورة توريثه ، وتقديم الخال على ابن العمّ لا يوجب تقديمه على العمّ بطريق أولى ، لأنّ أولويّته في الميراث في صورة خاصّة لا توجب أولويّته منه في جميع الأحكام.

واحتجّ الثالث : بأنّ الخال مساوٍ للعمّ في المرتبة ، وابن العمّ يمنع العمّ ، ومانع أحد المتساويين من جميع الميراث مانع للآخر ، وإلاّ لم يكونا متساويين.

والجواب : أنّ المسلّم إنّما تساويهما في المرتبة ، وأمّا في جميع الأحكام فممنوع ، فقوله : مانع أحد المتساويين مانع للآخر ، إن أُريد به أحد المتساويين في جميع الأحكام فالمنع مسلّم ، ولكنّ التساوي ممنوع ، وإن أُريد المتساويين في المرتبة فالتساوي مسلم والمنع ممنوع.

__________________

(١) راجع ص : ٣١٥.

٣٢٦

البحث الثاني

في ميراث الأخوال والخالات‌

وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : الخال إذا انفرد كان المال كلّه له ، وكذا الخالة ؛ للإجماع ، وكونه بمنزلة الام.

ولو اجتمع الخالان أو الأخوال أو الخالتان أو الخالات من نوع واحد ، كما إذا كانوا لأب أو لُام أو لهما كان المال كلّه لهم ؛ للإجماع ، وصحيحة محمّد (١).

المسألة الثانية : لو اجتمع الخال والخالة ، أو الأخوال والخالات‌ ، فالمعروف من مذهب الأصحاب أنّهم يقتسمون المال بالسويّة أيضاً ، والذكر والأُنثى فيهم سواء ، وادّعى عليه الإجماع جماعة (٢). قال السيد في المسائل الناصرية : وإليه يذهب أصحابنا ، وادّعى عليه الإجماع فيها أيضاً (٣).

وتدلّ عليه أيضاً مرسلة المجمع المتقدّمة (٤) ، وعبارة فقه الرضا عليه‌السلام (٥).

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب : أنّهم إذا كانوا متقرّبين‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٣١٥.

(٢) منهم الطوسي في الخلاف ٤ : ١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٩٧ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٦٠.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٢.

(٤) في ص : ٢٦٢.

(٥) انظر ص : ٣١٦.

٣٢٧

بالأبوين أو الأب يقتسمونه للذّكر ضعف الأُنثى (١).

وهو ضعيف شاذ مردود بالإجماع والأخبار.

المسألة الثالثة : لو اجتمع الأخوال والخالات أو هما مع كونهم متفرّقين‌ ، فالمعروف أنّه يسقط المتقرّب بالأب مع المتقرّب بالأبوين ؛ للإجماع ، وكون المتقرّب بهما أقرب عرفاً كما مرّ ، فيقسّم المال بين المتقرّب بهما والمتقرّب بالام ، أو بين المتقرّب بالأب والمتقرّب بالأُم.

ثمّ المعروف في كيفيّة القسمة أنّ للمتقرّب بالأُم السدس مع الوحدة ذكراً كان أو أُنثى ، والثلث مع التعدّد ، ينقسم بينهم بالسويّة ، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو بالأب مع عدمه. والمشهور أنّهم أيضاً يقتسمونه كذلك وإن اختلفوا بالذكوريّة والأُنوثيّة.

فهاهنا حكمان :

أحدهما : القسمة أسداساً مع وحدة المتقرّب بالأُم ، وأثلاثاً مع التعدد.

وثانيهما : قسمة الثلث والباقي سويّة.

أمّا الأول : فلا خلاف فيه يعرف كما صرح به جماعة من الأصحاب (٢) ، وقال في المسالك : وهذا الحكم محلّ وفاق (٣). والظاهر أنّه كذلك ، فهو الدليل عليه ، وإلاّ فمراعاة قاعدة التفضيل مع انضمام عدم القول بالفصل يوجب الاقتسام للذكر ضعف الأُنثى ، وملاحظة كون المتقرّب بالأُم بمنزلة أُم الأُم والمتقرّب بالأبوين أو الأب بمنزلة أبيها يستدعي الاقتسام على السويّة مطلقاً.

وأما الثاني : فلا إشكال في انقسام السدس أو الثلث بين المتقرّب‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ١٧.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٨ : ١٥٤ ، صاحب الرياض ٢ : ٣٦٠.

(٣) المسالك ٢ : ٣٣٠.

٣٢٨

بالأُم سويّة ؛ لمكان الإجماع.

وإنّما الإشكال في انقسام الباقي بين المتقرّب بالأبوين أو الأب كذلك ، فإنه نقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب : أنّ الخؤولة للأبوين يقتسمون للذّكر ضعف الانثى (١) وحكي ذلك عن القاضي أيضاً (٢) ، نظراً إلى تقرّبهم بالأب في الجملة.

وردّ بأنّ تقرّب الخؤولة بالميت بالأُم مطلقاً ولا عبرة بجهة قربها.

واعترض عليه : بأنه متى كان الحكم كذلك وكان الاعتبار بالمتقرّب بالأُم مطلقاً فالحكم في صورة التفرّق بأنّ للمتقرّب بالأُم السدس مع الوحدة والثلث مع الكثرة والباقي للباقي غير صحيح ، بل اللازم هو الحكم بالتساوي ، لأنّه من شأن المتقرّب بالأُم (٣).

وفيه : أنّ اعتبار التقرّب بالأُم إنّما يقتضي إجراء حكمه في كلّ موضع لم يدلّ دليل على خلافه ، وحكمهم بالاختلاف في صورة التفرّق بسبب دليل لا ينافي الحكم بالتساوي في غير موضع الدليل ، ولعل الاختلاف في صورة التفرّق إنّما هو بسبب الإجماع المذكور.

ومن هنا يظهر فساد ما قيل هنا : من أنّه إن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرّب هذا الوارث إلى الميّت فتقرّب الخؤولة مطلقاً إنّما هو بالأُم الموجب لاقتسام من يتقرّب بها بالسويّة أعمّ من أن يكون المتقرّب إليها بالأبوين أو أحدهما خاصّة ، فلا وجه حينئذ لتخصيص المتقرّب إليها بالأُم بالسدس أو الثلث. وإن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرّب الوارث إلى الواسطة أعني الأُم ـ

__________________

(١) الخلاف ٤ : ١٧.

(٢) المهذب ٢ : ١٤٨.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٣٦٠.

٣٢٩

فلا ينبغي النظر إلى الأُم مطلقاً (١).

فإنّ لأحد أن يقول : إنّ الاعتبار بالتقرّب إلى الميّت ، والتخلّف في موضع بالإجماع لا يوجب التخلّف في غير موضعه.

إلاّ أنّه بقي الكلام في وجه اقتضاء اعتبار التقرّب إلى الميّت بالأُم للتسوية مطلقاً ، فإنّه لا دليل يدلّ عليه عموماً أو إطلاقاً ، فإنّما هو في بعض الصور المخصوصة. والإجماع المركّب غير ثابت. وتصوّر إطلاق مرسلة المجمع (٢) غير جيّد ؛ لأنّ قرابة الأُم فيها وإن كانت مطلقة إلاّ أنّها مخصوصة بصورة الاجتماع مع قرابة الأب. وتوهّم اقتضاء الشركة للتسوية في الأصل مردود بما مرّ (٣).

فالمسألة محلّ إشكال جدّاً ، كما صرّح به في الكفاية (٤) ، ويظهر من بعض مشايخنا أيضاً (٥). بل لا يبعد ترجيح قول القاضي ؛ لقاعدة تفضيل الرجال. والاحتياط بالمصالحة حسن في كل حال.

المسألة الرابعة : لا يرث شي‌ء من أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة مع وجود خال أو خالة ؛ للإجماع ، والأقربيّة ، وخصوص رواية سلمة (٦) ، وعبارة فقه الرضا عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٦٠.

(٢) المتقدمة في ص : ٢٦٢.

(٣) راجع ص : ٢٦٣.

(٤) كفاية الأحكام : ٣٠١.

(٥) كصاحب الرياض ٢ : ٣٦٠.

(٦) المتقدمة في ص : ٣١٥.

(٧) المتقدمة في ص : ٣١٦.

٣٣٠

البحث الثالث

في ميراث الأعمام والأخوال إذا اجتمعوا‌

اعلم : أنه لو اجتمع عم أو عمة أو أعمام مع خال أو خالة أو أخوال ، فللخال أو الخالة أو الأخوال الثلث ، وللعم أو العمة أو الأعمام الثلثان ، وفاقاً للمشهور (١) ؛ لكون الخال أو الخالة أو الأخوال بمنزلة الأُم ، والعم أو العمة أو الأعمام بمنزلة الأب ، فلكلّ نوع نصيب من يتقرّب به.

وجعل الخؤولة بمنزلة الأُخت والعمومة بمنزلة الأخ كما في المسالك والكفاية (٢) لا وجه له ، فإنّ نسبة الخؤولة والعمومة إلى الأُخت والأخ كنسبتهم إلى الميّت بعينه. ولو صحّ فصحّة الاحتجاج به على المطلوب غير واضحة ؛ لأنّ مطلق الأُخت ليس لها الثلث ، وجعل الخال مطلقاً بمنزلة الأُخت من الأبوين محض تحكّم ، إلاّ أن يحمل الأُخت على أُخت الأخوال التي هي أُمّ الميّت ، والأخ على أخ الأعمام الذي هو أبوه. هذا.

ويدلُّ على الحكم أيضاً في صورة اجتماع العم والخال صحيحة أبي بصير ، وفي صورة اجتماع العمة والخالة حسنة محمد ، وصحيحة أبي بصير ، ومرسلة أبي المعزى ، ورواية أبي مريم ، وفي صورة اجتماع الخال والخالة مع العم والعمّة عبارة فقه الرضا عليه‌السلام (٣) ، وبضميمة الإجماع المركّب يمكن إثبات الحكم في غير هذه الصور أيضاً.

__________________

(١) كما في الروضة ٨ : ١٥٥ ، والمسالك ٢ : ٣٣٠ ، والرياض ٢ : ٣٦٠.

(٢) المسالك ٢ : ٣٣٠ ، الكفاية : ٣٠١.

(٣) انظر ص : ٣١٤ ٣١٦.

٣٣١

وادّعى السيد في المسائل الناصرية الإجماع على الحكم في صورة اجتماع العم والخال أيضاً (١).

وخالف في ذلك الحكم جماعة ، منهم : العماني والديلمي والمفيد والكيدري وابن زهرة والمصري (٢) ، فنزلوا الخؤولة والعمومة منزلة الكلالة ، الخؤولة منزلة كلالة الأُم ، والعمومة منزلة كلالة الأب ، فقالوا : إنّ للخؤولة مع الوحدة السدس ، ومع التعدد الثلث ، وللعمومة الباقي بالقرابة مع وجود الذكر ، والثلثان بالفرض مع عدمه وثبوت التعدد ، والنصف مع عدمه ، والباقي يردّ على الجميع أو على العمومة أو العمة بناءً على الخلاف المتقدم.

ولم أعثر على حجة لهم ، والقياس على الكلالة باطل. هذا.

ثم إنه على المشهور المنصور يقتسمون الأخوال ثلثهم بالسوية مع عدم التفرّق ، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً أم ذكوراً وإناثاً ، ومع التفرّق يعطى المتقرّب بالأُم سدس الثلث مع الوحدة ، وثلثه بدونها ، يقتسمونه سويّة ، والباقي للمتقرّب بالأبوين يقتسمونه سويّة على المشهور ، وتفاضلاً على قول القاضي وبعض الأصحاب المتقدّم في البحث السابق ، إلاّ أنّ مرسلة المجمع (٣) الشاملة لهذه المسألة تقوّي هاهنا المشهور جدّاً (٤).

والأعمام يقتسمون ثلثيهم سويّة مع عدم الاختلاف في الذكورة والأُنوثة ، وعلى التفاضل معه ، ومع التفرّق يكون تقسيم الثلثين بينهم كتقسيم جميع المال بينهم عند عدم الخؤولة ، والوجه في الجميع واضح.

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٣.

(٢) حكاه عن العماني في المختلف : ٧٣٤ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٣ ، المفيد في المقنعة : ٧٠٨ ، وحكاه عن الكيدري والمصري في المختلف : ٧٣٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧.

(٣) المتقدمة في ص : ٢٦٢.

(٤) في « س » : خاصّة.

٣٣٢

البحث الرابع

في ميراث عمومة أب الميّت وخؤولته ، وعمومة امّه

وخؤولتها ، وعمومة جدّة وخؤولته‌ ، وهكذا متصاعداً.

والمتعارف الاقتصار على الأول ؛ لندرة تحقق الأعلى منه.

وهاهنا مسألتان :

المسألة الأُولى : إذا اجتمع الأعمام والأخوال الثمانية‌ ، أي : عمّ الأب وعمّته ، وخاله وخالته ، وعم الام وعمتها ، وخالها وخالتها ، فذهب الشيخ في النهاية (١) ، بل هو المشهور كما في الإيضاح والمسالك (٢) وغيرهما (٣) : أنّ الثلث لمن يتقرّب منهم بالأُم بالسويّة ، والثلثين لمن يتقرّب منهم بالأب ، ثلث الثلثين لخال الأب وخالته بينهما بالسويّة ، وثلثاهما للعمّ والعمّة بينهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

والمسألة مركبة من حكمين ، أحدهما : التقسيم بين المتقرّبين أثلاثاً. وثانيهما : تقسيم كلّ متقرّب نصيبه على النحو المذكور.

وقد صُرّح باحتمال المخالفة في كلّ منهما.

أما في الأول : فأحتمل في المسالك أن يجعل للخؤولة الأربعة الثلث يقتسمونه بالسويّة ، وللأعمام الثلثين ثلثهما لعمّ الام وعمّتها بالسوية ، وثلثاهما لعمّ الأب وعمّته أثلاثاً (٤).

__________________

(١) النهاية : ٦٥٧.

(٢) الإيضاح ٤ : ٢٣٠ ، المسالك ٢ : ٣٣٠.

(٣) كالرياض ٢ : ٣٦١.

(٤) المسالك ٢ : ٣٣٠.

٣٣٣

وأمّا في الثاني : فأحتمل أفضل المحقّقين نصير الملّة والدين الطوسي في فرائضه (١) أن يعطى ثلث الثلث الذي للمتقرّب بالأُم لخالها وخالتها سوية ، وثلثاه لعمها وعمتها كذلك ، وسهم الأعمام ينقسم بينهم كالمشهور.

أقول‌ : أما الحكم الأول ، فالحقّ فيه هو المشهور ؛ لمرسلة المجمع المتقدمة المنجبرة ، وللعمومات الدالّة على أنّ كل نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به (٢) ، فاحتمال غيره ضعيف.

وأمّا الحكم الثاني ، فكذلك أيضاً في ثلث المتقرّب بالأُم ؛ للمرسلة المذكورة. ولولاها لاحتمل فيه ما مرّ.

واحتمل أيضاً أن ينقسم ثلث المتقرّب للُام بين الأخوال والأعمام على التنصيف ، بأن يكون نصفه للأخوال ونصفه للأعمام. وتظهر مخالفته مع المشهور عند وحدة أحد الصنفين.

ووجه الاحتمال تقرّب عمومة الأُم بأب الام ، وخؤولتها بأُمّها ، وهما يقتسمان كذلك.

ثمّ نصف الثلث يحتمل أن ينقسم بينهما سويّة ؛ للتقرّب بالأُم. وأن ينقسم أثلاثاً ؛ لقاعدة التفضيل.

ولكن مع المرسلة المذكورة لا ينبغي الالتفات إلى الاحتمال ؛ لكونها أخصّ من القاعدة المذكورة ، وعدم دليل على اعتبار التقرب إلى الواسطة.

وأما ثلثا المتقرّب بالأب ، فيحتمل فيه القسمة للذّكر مثل حظّ الأُنثيين مطلقاً ؛ مراعاةً لقاعدة التفضيل ، ونظراً إلى إطلاق المرسلة. ويحتمل القسمة أثلاثاً كما في المشهور ؛ لاعتبار التقرّب بالواسطة. ولكن مع تقسيم الخال‌

__________________

(١) حكاه عنه في الإيضاح ٤ : ٢٣٠.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٦٨ أبواب موجبات الإرث ب ٢.

٣٣٤

والخالة للأب ثلثهما أثلاثاً ؛ للقاعدة المذكورة.

وبالجملة المسألة لخلوها عن النصّ محلّ إشكال ، ومراعاة الاحتياط مهما أمكن أولى. ولو لم يمكن فلا مفرّ من الأخذ بقاعدة التفضيل المعتضدة بالمرسلة وإن خالف المشهور ؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثل المسألة.

وأمّا احتمال تقسيم المتقرّب بالأب أثلاثاً فالثلثان لأعمام الأب ، والثلث لأخواله ، أخذاً بقاعدة كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به ، فغير سديد ؛ لأنّ القدر الثابت من تلك القاعدة كون كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الجارّ إلى الميّت ، وأمّا كونه بمنزلة الجارّ إلى الجارّ وهكذا فلا يعلم منه. فتأمل. هذا.

ثمّ إنّه يصير الإشكال في المسألة أشدّ ، إذا كان كلّ من المتقرّبين متفرّقين ، فهل الحكم حينئذ أيضاً كما ذكر أم يراعى التسديس مع وحدة المتقرّب بالأُم وحدها والتثليث مع الكثرة؟ فتأمل جدّاً.

المسألة الثانية : عمومة الميّت وعمّاته وخؤولته وخالاته [ وأولادهم (١) وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخؤولته ، وعمومة امّه وخؤولتها ، وأولادهم. وعمومة الأب أو الأُم وخؤولتهما وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة الجد والجدة وخؤولتهما وأولادهم وإن نزلوا. وهكذا. بالإجماع المحقق.

واحتجّوا له أيضاً بحديث الأقربية ، وعموم كل ذي رحم بمنزلة‌

__________________

(١) أضفناه لاقتضاء العبارة.

٣٣٥

الرحم الذي يجرّ به.

ولا يخفى أنّ الاحتجاج بالأول إنما يحسن في أولويّة عمومة الميّت وخؤولته من عمومة الأب أو الأُمّ وخؤولتهما ، وأولوية عمومة الأب أو الأُم وخؤولتهما عن عمومة الجد والجدة وخؤولتهما ، وهكذا. وأمّا دلالته على أولويّة أولاد عمومة الميت وخؤولته عن عمومة أبيه أو امّه أو خؤولتهما فمحلّ نظر ؛ لمنع الأقربيّة مطلقاً ، فإنّ كون ابن ابن العم مثلاً أقرب من عم الأب غير معلوم ، بل المعلوم ظاهراً خلافه ، لكون المرجع في معرفة الأقربيّة هنا العرف أو اللغة ، ولا يحكم شي‌ء منهما على أقربية ابن ابن العم.

وكذا الاحتجاج بالثاني : فإنّه وإن دل على أنّ عمومة أب الميت وخؤولته مثلاً بمنزلة الأب ، إلاّ أن لتقييده بقوله : « إلاّ أن يكون وارث أقرب منه » يدلّ على أنّ اعتبار المنزلة عند عدم الأقرب ، فلا يعتبر المنزلة في عمومة الأب وخؤولته مع عمومة الميّت وخؤولته. ويدلّ بالمفهوم على أنّ مع الأقرب تطرح المنزلة ، ويؤخذ بالأقرب ، فيثبت به الحكم المذكور في اجتماع عمومة الأب مثلاً مع عمومة الميّت.

ولكنّه لا يفيد في الحكم في اجتماع عمومة الأب مع أولاد العمّ ؛ لأنّ عموم المنزلة وإن دلّ على أنّ أولاد عمومة الميّت وخؤولته بمنزلة العمومة والخؤولة الذين هم بمنزلة الأب والأُم ، ولكنّه يدلّ أيضاً على أنّ عمومه الأب وخؤولتهما أيضاً بمنزلة أب الأب والأُم ، اللذين هما أيضاً بمنزلة الأب والأُم ، فيتساويان من هذه الجهة.

٣٣٦

البحث الخامس

في ميراث أولاد العمومة والخؤولة‌

اعلم : أنّه إذا فقدت العمومة والخؤولة جميعاً فالميراث لأولادهم وإن نزلوا ؛ بالإجماع ، وحديث المنزلة ، وصحيحة ابن سنان : قال : « اختلف أمير المؤمنين عليه‌السلام وعثمان بن عفّان في الرجل يموت وليس له عصبة يرثونه وله ذو قرابة لا يرثون ، فقال علي عليه‌السلام : ميراثه لهم بقول الله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ). وكان عثمان يقول : يجعل في بيت مال المسلمين » (١).

وقريب منها روايات أُخر.

ثمّ إنّ أولادهم يتقاسمون المال تقاسم آبائهم ؛ لأنّ لكلّ ذي رحم نصيب من يتقرّب به.

ويدلّ على الحكم في الجملة أيضاً قوله عليه‌السلام في رواية سلمة : في ابن عمّ وابن خالة قال : « للذكر مثل حظّ الأُنثيين » (٢).

والمراد من الذكر العمّ الذي ينزل ابن العمّ منزلته ، وبالأُنثى الخالة التي ينزل ابنها منزلتها.

وعلى هذا فيأخذ ولد العمّ أو العمّة وإن كان أُنثى الثلثين ، وولد الخال‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٢٧ ، ١١٧٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٩١ أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب ٥ ح ١ ، والآية في الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٢٨ ، ١١٧٩ ، الإستبصار ٤ : ١٧١ ، ٦٤٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٣ أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب ٥ ح ٤.

٣٣٧

أو الخالة وإن كان ذكراً الثلث ، وابن العمّة مع بنت العمّ الثلث ، ويتساوى ابن الخال وابن الخالة وبنتيهما. ويأخذ أولاد العمّ أو العمّة للأُم السدس إن كان واحداً ، والثلث إن كان أكثر ، والباقي لأولاد العمّ أو العمّة للأبوين أو الأب مع عدمهم. وكذا القول في أولاد الخؤولة المتفرّقين.

ولو اجتمعوا جميعاً فلأولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة للأُم سدس الثلث ، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما ثلث الثلث ، والباقي للمتقرّب منهم بالأب ، وهكذا الحكم في البواقي.

ونختم الكلام في ميراث ذوي الأنساب بمسائل :

المسألة الاولى : اعلم : أنّه قد يجتمع للوراث سببان أو أكثر من أسباب الإرث ، وحينئذ فإن كان مع ذي السببين مَن هو أقرب منه فيهما لم يرث ذو السببين باعتبار شي‌ء من سببية ، والوجه واضح.

وإن كان معه من هو أقرب منه في أحدهما ، كزوج هو ابن عمّ مع أخ ، فيرث بالسبب الذي ليس معه من هو أقرب عنه ، ولا يرث بالسبب الآخر ، لأنّه قد ثبت أنّ الزوج مع الأخ مثلاً المال لهما على التناصف ، ولم يثبت تأثير السبب الآخر في رفع هذا الحكم ، ولأنّ تأثير السبب الآخر في التوريث إنّما هو إذا لم يكن معه الأخ.

وإن لم يكن معه من هو أقرب في شي‌ء منهما : فإمّا ليس معه من هو مساوٍ له فيهما ، كعمّ هو خال أو هو ابن خال ، فالمال كلّه له سواء كان أحد السببين مانعاً عن الآخر أم لا ، ولا يترتّب أثر على اجتماع السببين ، إذ المفروض انحصار الوارث فيه فالمال له ، فإن شئت قلت : كلّه له بأحد السببين ، أو بعضه بسبب وبعضه بآخر.

وإن كان معه من هو مساوٍ له فيهما : فإمّا أن يكون أحد السببين مانعاً‌

٣٣٨

عن الآخر ، كأخ هو ابن عمّ مع أخ ، فيرث ذو السببين النصيب الذي يقتضيه أحد سببيه ، وهو السبب الأقرب دون السبب الآخر.

لا لكون السبب الآخر ممنوعاً بهذا السبب لأقربيّته ؛ لأنّ منع الأقرب للأبعد إنّما هو مع تغايرهما واقعاً لا اعتباراً ، إذ تحقّق الأقربيّة والأبعديّة مع التغاير الاعتباري ممنوع ، فإنّ هذا الشخص من حيث كونه أخاً إنّما يكون أقرب منه من حيث كونه ابن عمّ إذا أوجبت الحيثيّتان صيرورته شخصين متغايرين في الواقع ، وأمّا مع عدم صيرورته كذلك فكيف يوجب الأقربية والأبعدية مع عدم انفكاك شي‌ء من الحيثيتين عن الأُخرى. وقطع النظر عن إحداهما غير مفيد ؛ لأنّه أمر غير واقعيّ ، فلا يترتب عليه أمر واقعي.

ولا لكون السبب الآخر ممنوعاً بمن يساوي ذا السببين ؛ لأنّ المسلّم ممنوعيّته به إذا لم يجتمع معه السبب الآخر ، فإنّ ممنوعيّته به لكونه أبعد منه ، ولا نسلّم أنّ ابن العم الذي هو أخ أبعد من الأخ.

بل لأنه قد ثبت أن الأخوين المجتمعين مثلاً يقتسمان جميع المال سوية ، ولم يثبت زوال هذا الحكم بكون أحدهما ابن عمّ.

أو لا يكون أحد السببين مانعاً عن الآخر ، كعم هو خال مع خال مثلاً ، وحينئذ فيرث ذو السببين نصيب كلّ سبب ، فللعمّ الذي هو خال ثلثا المال لكونه عمّاً ، وسدسه لكونه أحد الخالين ، والسدس الآخر للخال الآخر.

ووجهه : أنّه قد ثبت أنّ للعمّ مع الخال ثلثي المال سواء كان خالاً أم لا ، وأنّ للخال الذي معه خال نصف ما للخالين ، سواء كان عمّاً أم لا.

وأيضاً : كونه خالاً لو لم يوجب تقوية تقرّبه من حيث العمّية لا يوجب ضعفه ، وكونه عمّاً لو لم يقوّ تقرّبه من حيث الخالية لا يضعفه.

وأيضاً : قد ثبت أنّ كلّ نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به ،

٣٣٩

ولا شكّ أنّ العمّ الذي هو خال يجرّ بالأب فهو بمنزلته ، لعدم المخصّص ، والخال الذي هو عمّ يجرّ مع الخال الآخر بالأُم فهما بمنزلتها ، لعدم المخصّص. هذا.

وتدلّ عليه أيضاً في الجملة صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل : قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها ، قال : « يدفع المال كلّه إليها » (١).

ثم إنهم قد ذكروا هاهنا لاجتماع السببين أو الأسباب أمثلة ، ونحن أيضاً نذكر ستّة منها.

الأوّل : اجتماع نسبين يرث بهما ، كعم هو خال. وذلك بأن يتزوج أخ الشخص من امّه بأُخته من أبيه ، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين الزوجين عمّ لأبيه وخال لُامّه.

الثاني : أنساب متعدّدة يرث بها ، مثل ابن ابن عمّ لأب ، هو ابن ابن خال لُامّ ، هو ابن بنت عمة ، هو ابن بنت خالة. وذلك بأن يكون للشخص المذكور في المثال الأوّل أُخت لأب وأُم ، وكان له أيضاً ابن ، ولها بنت ، فيتزوجان فيتولّد منهما ابن ، فهو بالنسبة إلى الولد المذكور في المثال الأول مجمع القرابات الأربع.

الثالث : نسبان يحجب أحدهما الآخر ، كأخ هو ابن عمّ. وذلك بأن يتزوّج الرجل امرأة أخيه بعد أن ولدت منه ولداً ، ثمّ أولدها الأخ الثاني آخر ، فهو أخ الولد الأول وابن عمّه.

الرابع : سببان لا يحجب أحدهما الآخر ، كزوج هو معتِق.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٩٥ ، ١٠٥٧ ، الإستبصار ٤ : ١٥١ ، ٥٦٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٠٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٤ ح ٦.

٣٤٠