مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

ولنا أيضاً : الأخبار الواردة في بيان فريضة الأبوين مع الولد وبدونه ، فإنّها ظاهرة في انقسام التركة بينهما وبينه خاصة على الأول ، وبينهما خاصة على الثاني مطلقاً من دون تقييد بما إذا لم يكن هناك جد.

وقد يستدل لنا أيضاً (١) : بالأدلة الدالة على أنّ الأجداد والجدّات في مرتبة الإخوة لا يرثون إلاّ حيث يرثون ، ولا ريب في أنّ الإخوة لا يرثون مع الأبوين فكذلك الأجداد.

وبالنصوص الآتية في الطعمة ، الدالة على أنّ الله تعالى لم يفرض للجد شيئاً ، وإنما أطعمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجازه الله تعالى.

وفيهما نظر : أما في الأُولى ، فلخلو الأخبار عن كون الأجداد والجدّات بمنزلة الإخوة مطلقاً ، بل هي دالة على أنّهم بمنزلة واحد منهم في النصيب إذا اجتمعوا. نعم إن كان نظره إلى الإجماع المنقول على ذلك فله وجه عند القائلين بحجية الإجماع المنقول.

وأما في الثانية ، فلأنّ عدم فرض الله سبحانه إنما يفيد لو لم يعقبه إطعام الرسول وإجازة الله ، وأمّا بعد إطعامه وإجازته فلا يفيد ، لاحتمال كونه على سبيل الوجوب.

فإن قيل : فعل النبي إذا لم يعلم جهته يحمل على الندب على الأصحّ ، فيستفاد من هذه النصوص استحباب الطعمة ، فيبطل التشريك وجوباً كما هو قول المخالف.

قلنا : إذا لم يعلم جهة فعله فلا يحكم بكونه ندباً في الواقع ، بل نقول‌

__________________

(١) انظر : الرياض ٢ : ٣٥١.

٢٤١

بكونه مستحباً لنا ، لثبوت الرجحان وعدم تيقّن الزيادة ، فهذا إنّما يصلح دليلاً على إثبات الرجحان لا على نفي الوجوب ، كما لا يخفى.

وأمّا الأخبار الدالة على اجتماع الجدّة مع الأبوين أو أحدهما ، كرواية أبي بصير الأخيرة ، المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الأول (١) ، وصحيحة البصري قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده أبان بن تغلب ، فقلت : أصلحك الله إنّ ابنتي هلكت وأُمي حيّة؟ فقال أبان : ليس لأُمّك شي‌ء ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « سبحان الله أعطها السدس » (٢).

ورواية إسحاق بن عمّار : في أبوين وجدّة لُام قال : « للُام السدس ، وللجدّة السدس ، وما بقي وهو الثلثان للأب » (٣).

ومرفوعة ابن رباط : « الجدّة لها السدس ، مع ابنها وابنتها » (٤).

فهي لعدم قائل بها من جهة التوريث لعدم انطباقها على مذهب عن درجة الحجية ساقطة ، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ البتة. ولو انطبق بعضها على بعض صور مذهب المخالف في المسألة فلشذوذه لا يصلح للحجيّة أيضاً ، فكيف بالأخبار المعتبرة التي منها الصحاح الموافقة لعمل الأصحاب مع أنّ منها ما يوافق العامّة أيضاً.

__________________

(١) في ص : ١٥٨.

(٢) الكافي ٧ : ١١٤ ، ١٥ ، الفقيه ٤ : ٢٠٤ ، ٦٨١ ، التهذيب ٩ : ٣١٠ ، ١١١٤ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ ، ٦١٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٠٥ ، ٦٨٤ ، التهذيب ٩ : ٣١٢ ، ١١١٩ ، الإستبصار ٤ : ١٦٣ ، ٦١٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٠.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٠٥ ، ٦٨٥ ، التهذيب ٩ : ٣١٢ ، ١١٢٠ ، الإستبصار ٤ : ١٦٣ ، ٦١٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١١.

٢٤٢

مع أنّها أعمّ من أن يكون السدس من جهة الميراث ، لجواز أن يكون من جهة الطعمة ، أي الأرزاق المأمور به في قوله سبحانه ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ ) (١). وهي غير المتنازع.

بل في الأخبار ما يصرّح بأنّ السدس من باب الطعمة ، كما يأتي.

وأمّا روايات الطعمة فسيأتي عدم منافاتها للمسألة ، فهي بحمد الله ظاهرة. هذا.

ثمّ إنّي لم أقف للمخالف الأوّل على حجّة. وأمّا الروايات المتقدمة فمنها ما هو أخص من مدّعاه ، ومنها ما لا ينطبق على مذهبه ، ومع ذلك عرفت ما فيه.

وأما الثاني فاستدل على ما نقل بمشاركة الجد والجدة للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم ، وهي الأُبوّة والأُمومة. وبالروايات المتقدمة. وبأخبار الطعمة.

والجواب عن الأوّل : بمنع مشاركتهما لهما في التسمية ، فإنّ الجد لا يدخل في اسم الأب حقيقة ، بدليل صحّة السلب وتبادر الغير ، وكذا الجدّة بالنسبة إلى الأُم ، على أنّه لو ثبتت التسمية لم تدل على مطلبه الذي هو جعل نصيب الجد وإن تعدّد الفاضل من السهام ، ولزم توريثهما في صور كثيرة لا يقول به فيها.

وعن البواقي : بما مرّ ويأتي ، مع أنّها لا تطابق مذهبه في القسمة.

المسألة الثانية : لا يرث الجد والجدة مع الأولاد‌ ، ذكراً كان أم أُنثى ،

__________________

(١) النساء : ٨.

٢٤٣

بالإجماع في غير البنت الواحدة ، فإنّ فيها خلافاً للإسكافي (١) ، وقد مرّ. وتدل عليه العمومات المتقدمة الخالية عن المخصص.

المسألة الثالثة : لا يرث الجد ولا الجدة مع أولاد الأولاد وإن نزلوا مطلقاً‌ ، وفاقاً لغير الصدوق ، وعن السيد في الناصريات (٢) وابن فضال الإجماع عليه (٣).

وعن الصدوق تشريك الجد مع ولد الولد (٤).

لنا بعد الإجماع عند التحقيق لعدم قدح مخالفة من ذكر ـ : رواية زرارة المتقدمة ، وفيها : « فإن لم يكن له ولد وكان ولد الولد ، ذكوراً كانوا أو إناثاً ، فإنّهم بمنزلة الولد ، وولد البنين بمنزلة البنين ، وولد البنات بمنزلة البنات ، يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر ، يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب » (٥).

وما تقدم من الأخبار المتضمنة لأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به ، المصرّحة بأنّ ولد الولد يقوم مقام الولد (٦) ؛ فإن قيامه مقامه كما مرّ ليس في مطلق التوريث وإلاّ لم تكن فائدة للتخصيص ، بل إمّا في جميع الأحكام ، أو الحجب ، أو قدر الميراث ، وبالكلّ يثبت المطلوب.

احتجّ المخالف : بتساوي الجد وأولاد الأولاد في القرب. وبصحيحة‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٥١.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢١.

(٣) حكاه عنه في التهذيب ٩ : ٣١٥.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٠٨.

(٥) الكافي ٧ : ٩٧ ، ٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٨ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢٦ : ٦٨ أبواب موجبات الإرث ب ٢.

٢٤٤

سعد بن أبي خلف قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن بنات بنت وجدّ ، فقال : « للجد السدس ، والباقي لبنات البنت » (١).

والجواب أمّا عن حديث التساوي : فبأنّ الثابت أنّ الأقرب يمنع الأبعد ، أمّا اشتراك المتساويين في الإرث فغير ثابت ، مع أنّه لو صح إنما يتبع لولا دليل على خلافه.

وأما عن الصحيحة فمع شذوذها المخرج لها عن الحجية ـ : بعدم صراحتها في المطلوب أوّلاً ، لإمكان أن يكون المراد بالجد جد بنات البنت أي أب البنت ، لا جد البنت ، فيكون الميّت هي البنت ، ويكون السؤال عن أب وبنات.

وبأخصّيتها عن مدّعاه ثانياً.

وبمعارضتها للروايات المتقدمة الراجحة عليها باعتضادها بالشهرة العظيمة بل الإجماعين ثالثاً.

وبدعوى ابن فضّال الإجماع على ترك العمل بها رابعاً (٢).

وبإمكان الحمل على الاستحباب حتى يكون هو الطعمة المستحبة خامساً.

وبالحمل على التقية كما احتمله العلاّمة المجلسي (٣) والحرّ العاملي (٤) سادساً.

والإيراد على الأول بعدم إمكان إرادة جد بنات البنت ، لقوله‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣١٤ ، ١١٢٨ ، الإستبصار ٤ : ١٦٤ ، ٦٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٤١ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٥.

(٢) حكاه عنه في التهذيب ٩ : ٣١٥.

(٣) المجلسي الأول في روضة المتقين ١١ : ٢٤٨.

(٤) الوسائل ٢٦ : ١٤١ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ذيل الحديث ١٥.

٢٤٥

« والباقي لبنات البنت » فإنّه لو كان المراد بالجد ذلك لم يكن الباقي [ لهنّ ] (١) لمكان الرد ، والحمل على الباقي من الرد والفرض خلاف الأصل والظاهر.

مردود ، بأنّ الرد على الأب مع البنات مختلف فيه أيضاً ، وظهور أدلة الرد عليه ليس بأكثر من ظهوره في منع ولد الولد للجد ، بل هنا أقوى ، حيث تكرّر نقل الإجماع من القدماء أيضاً (٢) وتعاضد بالعمومات الكثيرة ، فلو كانت أدلّة الردّ على الأب قرينة على عدم إرادة الأب هنا ، فتكون أدلة منع ولد الولد للجد أولى بالقرينة على عدم إرادة الجد ، فيبقى الاحتمالان متساويين.

وأمّا الخاتمة ففي حكم الطعمة للجدّ :

اعلم أنّ الجدّ والجدّة وإن كانا لا يرثان مع أحد الأبوين ، ولا مع الأولاد ، ولا مع أولاد الأولاد ، لكن يستحب إطعامهما. والظاهر أنّ المراد بالإطعام الإعطاء من باب الإرزاق المأمور به في قوله سبحانه ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ ) (٣).

فكيف كان يدل على استحبابه ، وفاقاً لكل من لا يقول بتوريثهما.

وتدل عليه المستفيضة من الأخبار ، كصحيحة جميل : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة السدس » (٤).

والأُخرى : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة أُمّ الأُم السدس ، وابنتها‌

__________________

(١) في النسخ : له ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) كما في الانتصار : ٢٩٩.

(٣) النساء : ٨.

(٤) الكافي ٧ : ١١٤ ، ١١ ، التهذيب ٩ : ٣١١ ، ١١١٥ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ ، ٦١٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٢.

٢٤٦

حيّة » (١).

والثالثة : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة أُم الأب السدس وابنها حيّ ، وأطعم الجدّة أُمّ الأُم السدس وابنتها حية » (٢).

وموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة السدس ، ولم يفرض الله لها شيئاً » (٣).

وروايته : قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إنّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة السدس طعمة » (٤).

ووجه الدلالة على الاستحباب ليس لما قيل من أنها تدل على أنّ الإعطاء على جهة الطعمة التي هي في اللغة بمعنى الهبة ، وهي غير الإرث (٥) ؛ لعدم ثبوت أنها معناها ، ولو فرض فلا دلالة للهبة على الاستحباب وإن قلنا أنها غير الإرث.

بل لما ثبت في محله ، من أنّ ما لم تظهر جهته لنا من أفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيستحب لنا التأسي ولا يجب.

فإن قيل : إطعامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضية في واقعة ، يحتمل أن يكون مع رضاء الأبوين أو بدونه ، وعدم ظهور الجهة إنّما هو في الأول ، وأما في الثاني‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١١٤ ، ١٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٦ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٠٤ ، ٦٨٠ ، التهذيب ٩ : ٣١١ ، ١١١٨ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ ، ٦١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٩ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٩.

(٣) الكافي ٧ : ١١٤ ، ١٣ ، الفقيه ٤ : ٢٠٥ ، ٦٨٣ ، التهذيب ٩ : ٣١١ ، ١١١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ١١٤ ، ١٤ ، التهذيب ٩ : ٣١١ ، ١١١٧ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ ، ٦١٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٤.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٣٥٢.

٢٤٧

فيكون الإطعام واجباً قطعاً ، إذ لا يستحب لأحد إعطاء مال الغير بدون رضاه.

قلنا : لمّا كان ذلك الاحتمال غير معلوم أيضاً ، فيكون فعله ممّا لم تُعلم جهته حينئذ أيضاً ، مع أنه لا قائل بوجوب الإطعام ، بل كل من قال به ، فقال باستحبابه ، فالإجماع قرينة على تعيينه.

ومن ذلك يظهر لزوم حمل الأخبار الآمرة بالإعطاء أو الدالة على الاختصاص والملكية الظاهرة في الوجوب كصحيحة البصري وروايتي ابن عمار وابن رباط المتقدمة (١) على الاستحباب أيضاً ، لأنّ السدس المذكور فيها محمول على الإطعام بقرينة الموثقة والرواية الأخيرتين ، والإطعام ليس إلاّ مستحبّاً. مع أنّ القول بالسدس مطلقاً في الصور المذكورة في الروايات على جهة التوريث إمّا لا قائل به ، أو شاذ لا اعتبار به ، كما مرّ ، فهذه الروايات أيضاً أدلة على الإطعام ، فقد عرفت وجه التفصّي عنها.

ثم إنّ القدر المجمع عليه الثابت من هذه الأخبار هو استحباب الطعمة في الجملة ، وقد وقع فيها مواضع خلاف كما نبيّنها في مسائل :

المسألة الأُولى : المطعم بالفتح هو الجدّ والجدّة مطلقاً‌ ، سواء كانا من الأب أو الأُم ، وفاقاً للمشهور.

وخلافاً للحلبي حيث خصّه بالمتقرب بالأب (٢) ، وحكاه بعض الأجلّة عن ابن زهرة والمحقق الطوسي أيضاً (٣).

وللمحكيّ عن ابن زهرة حيث خصه بأمّ الأُمّ (٤).

__________________

(١) في ص : ٢٤٠.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٧٨.

(٣) حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٩١.

(٤) في « ح » : بأم الأب.

٢٤٨

ويبطل الأول : بصحيحتي جميل الأخيرتين (١) ، وروايتي ابن عمار ، وابن رباط (٢).

والثاني بالصحيحة الثالثة لجميل (٣) ، وصحيحة البصري (٤) ورواية ابن رباط.

وتمام المطلوب يثبت بعدم القول بالفصل.

مضافاً في الجدّ إلى المرسلة المروية في الكافي قال : وقد روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّ والجدّة السدس (٥).

فإنّ إطعام السدس قرينة على أنّه لم يكن في صورة فقد الأبوين والأولاد ، إذ ليس نصيبه السدس حينئذ.

وتدل عليه أيضاً صحيحة سعد المتقدمة (٦) ، بناءً على ما حملها عليه الأكثر من إرادة جدّ البنت منها.

وقد يستدلّ لإلحاق الجدّ : بالأولوية. وبالنصوص المروية في التهذيب وبصائر الدرجات ، الدالة على أنّ الله تعالى لم يذكر الجدّ ولم يفرض له فرضاً ، وإنّما جعل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً كما في بعضها (٧) ، أو أطعمه سهماً كما في آخر (٨) ، أو أطعم من دون ذكر السهم‌

__________________

(١) المتقدمتين في ص : ٢٤٤.

(٢) المتقدمتين في ص : ٢٤٠.

(٣) المتقدمة في ص : ٢٤٥.

(٤) المتقدمة في ص : ٢٤٠.

(٥) الكافي ٧ : ١١٤ ، ١٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٦ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٩ ح ٥.

(٦) في ص : ٢٤٢.

(٧) التهذيب ٩ : ٣١١ ، ١١١٧ ، بصائر الدرجات : ٣٧٩ ، ٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٥.

(٨) بصائر الدرجات : ٣٧٨ ، ٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٦.

٢٤٩

كما في ثالث (١) ، فأجاز الله تعالى له ذلك.

ويمكن منع الأولوية : ويحتمل كون السهم الذي جعله النبي للجدّ كما في البعض الأول هو ما يرثه عند عدم الأبوين والأولاد ، فإنه أيضاً ممّا لم يذكره الله سبحانه ، دون ما يطعم استحباباً عند وجودهما.

المسألة الثانية : مقدار الطعمة هو سدس الأصل‌ ، وفاقاً للمشهور ؛ لظهوره من لفظ السدس الوارد في الأخبار ، وصريح رواية إسحاق المتقدمة (٢).

وقال الإسكافي : سدس نصيب المطعِم (٣) ؛ لأنّ السدس يحتمل الأمرين ، والأقلّ ثابت قطعاً ، فينفى الزائد بالأصل.

وقال الفاضل في القواعد : أقلّ الأمرين من سدس الأصل وزيادة نصيب المطعم من السدس مع الزيادة (٤).

ولا دليل عليه ، وظاهر الأخبار وصريح الرواية يدفعه ، على أنه لا يمكن فرض أقليّة الزيادة مع وجودها عن سدس الأصل ، فيرجع إلى المشهور ، إلاّ أن يكون من مذهبه استحباب الطعمة مع الولد أيضاً ، وهو بعيد.

واحتج له بعض شرّاح القواعد : بأنه لو أطعمناهم سدس الأصل مطلقاً بقي الأب أو الأُم في بعض الفروض بلا شي‌ء ، أو بأقل من نصيبهم ،

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٨١ ، ١٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٧.

(٢) في ص : ٢٤٠.

(٣) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٣٢٧.

(٤) القواعد ٢ : ١٧٠.

٢٥٠

مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الأُم لا تنقص من السدس أبداً (١).

وفيه : أنه لا استبعاد فيما ذكره بعد قول الشارع ، سيّما مع الاستحباب. وأما بعض الأخبار الذي ذكره فإنه عام يجب تخصيصه ، كما أنه يخصص مثل رواية بكير المتقدمة : « الام لا تنقص من الثلث أبداً إلاّ مع الولد والإخوة إذا كان الأب حيّاً » (٢).

مع أنه لو صلح ما ذكره للاستناد لأوجب سقوط الطعمة في تلك الفروض ، لا الأقل الذي ذكره ؛ إذ لا دليل على إطعام الأقل ، فتأمّل.

المسألة الثالثة : هل تختص الطعمة بصورة عدم الولد أم تستحب ولو كان ولد أيضاً؟

الظاهر هو الأول ، كما هو ظاهر الأصحاب كما صرح به في المفاتيح (٣) ؛ للأصل ، وعدم الدليل ، فيقتصر على المتيقن.

قيل : الأخبار مطلقة.

قلنا : ممنوع ، أما الأخبار الأخيرة فظاهرة. وأما أخبار إطعام النبي ، فلأنّ الثابت منها هو إطعام النبي في واقعة أو وقائع خاصة ، وهي غير صالحة للإطلاق أو العموم ، فتكون مجملة ، فيجب الأخذ بالمتيقن. وحمل الإطعام على الأمر به تجوّز لا يصار إليه إلاّ بدليل.

فإن قيل : إذا كانت الواقعة مجملة فمن أين تيقن الاستحباب عند عدم الولد؟

قلنا : من الأخبار المقيدة المفصلة ، كرواية إسحاق بن عمار‌

__________________

(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٩١.

(٢) راجع ص : ١٢٦.

(٣) المفاتيح ٣ : ٣٠٣.

٢٥١

المتقدمة (١) ، والمرسلة المروية في الكافي ، قال : أخبرني بعض أصحابنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّ السدس مع الأب ، ولم يعطه مع وجود الولد (٢).

ومن هذا يعلم عدم استحبابها مع ولد الولد أيضاً لو قلنا بحجبه للجدّ.

المسألة الرابعة : كما أنه لا تستحبّ للأبوين الطعمة عند وجود الولد ، كذلك لا تستحب للولد ولا لولده بدونهما الطعمة ، والوجه ما مرّ.

المسألة الخامسة : وإذا عرفت أنه لا طعمة مع الولد ولا مع ولد الولد تعرف أنّ المطعِم بالكسر هو أحد الأبوين أو كلاهما ، إذ لولاهما لكان الجدّ وارثاً فلا طعمة ، وهذا هو المراد من قولهم أنّ المطعم أحد الأبوين.

المسألة السادسة : وإذا عرفت أن المطعِم هو الأبوان أو أحدهما فأعلم أنهم ذكروا أنّ كلاًّ من الجدودة يطعَم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين ، ولا يكفي وجود من يتقرّب بالآخر ، فمع الأب يطعَم أبوه وأُمّه ومع الام يطعَم أبوها وأُمّها ، ولو فقد أحدهما فلا طعمة لمن يتقرّب به.

وظاهر الكفاية والمفاتيح التردد (٣).

والظاهر هو الأوّل ؛ لأنّ الروايات بين مجملة ومبيّنة بوجود المتقرّب للمطعَم ـ بالفتح فيؤخذ بالمبيّن ويعمل بالأصل في غيره.

المسألة السابعة : سدس الأصل الذي يطعم به الجد والجدة‌ ، فهل يخرج من التركة قبل القسمة ، أو من نصيب من يتقرّب به المطعم؟

__________________

(١) في ص : ٢٤٠.

(٢) الكافي ٧ : ١١٥ ، ذ. ح ١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٩ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٨ وفيه : ولم يطعمه.

(٣) الكفاية : ٢٩٧ ، المفاتيح ٣ : ٣٠٢.

٢٥٢

الظاهر هو الثاني ؛ لإجمال غير ما يبيّنه بهذا النحو ، وهو رواية إسحاق بن عمار المتقدمة (١).

المسألة الثامنة : قد صرّحوا بأنه يشترط في استحباب إطعام كل من الأبوين زيادة نصيبه عن السدس ؛ فلو لم يحصل لأحدهما سوى السدس كالأب في أبوين وزوج بدون الإخوة الحاجبة ، والأُم في أبوين وزوج مع الإخوة لم تستحب له الطعمة. وهو كذلك ، وإن كان ظاهر المفاتيح والكفاية التردد (٢).

لنا : ما مرّ من إجمال غير المبيّن بهذا النحو ، وهو رواية ابن عمار ، فينفى غيره بالأصل. ويؤيده اختصاص الأخبار بحكم التبادر والاعتبار بما إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة.

المسألة التاسعة : هل يكفي في زيادة المطعِم بالكسر عن السدس مسمّى الزيادة ، أم يشترط كونها بقدر السدس؟

ذهب جماعة منهم : المحقق في الشرائع والفاضل في القواعد والشهيد الثاني في المسالك إلى الأول (٣).

وأُخرى ، منهم : المحقق في النافع والشهيد في اللمعة والدروس إلى الثاني (٤) ، وفي الروضة إنّه الأشهر (٥).

وهو الأظهر ؛ لوجهين أحدهما : ما مرّ من الإجمال والتفصيل في رواية ابن عمار. وثانيهما : أنّ بعد القول بعدم الاستحباب عند وجود الولد‌

__________________

(١) في ص : ٢٤٠.

(٢) المفاتيح ٣ : ٣٠٢ ، الكفاية : ٢٩٧.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٥ ، القواعد : ١٧٠ ، المسالك : ٣٢٧.

(٤) النافع : ٢٦٨ ، اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ١٢٢ ، الدروس ٢ : ٣٦٧.

(٥) الروضة ٨ : ١٢٣.

٢٥٣

لا تبقى صورة كانت الزيادة فيها أقلّ من السدس.

ومن هذا يظهر أنه لا ثمرة لهذا النزاع إلاّ عند من قال بالاستحباب مع وجود الولد للميت أيضاً.

المسألة العاشرة : مقتضى الأصل الذي أصلناه من إجمال الأخبار اختصاص الاستحباب بما إذا كان للمطعِم بالكسر جدّ واحد أو جدّة واحدة ، دون ما إذا كانا له معاً ؛ لاختصاص المبيّن به ، بل لعدم ظهور جميع الأخبار إلاّ في الصورة الاولى خاصة ، فيتمسك في نفي الطعمة في الثانية بالأصل.

لكنّ الإجماع المركّب كما قيل ينفي الفرق (١) ، ولكون المقام مقام التسامح يمكن الاكتفاء فيه بهذا الإجماع المنقول ، ولكن يقع في المفصّلة (٢) حينئذٍ في التقسيم ، كما يأتي.

المسألة الحادية عشرة : لا يتوهم أنّ مقتضى الأصل المذكور اختصاص الاستحباب بصورة عدم اجتماع المتقرّبين ، فلا تستحب الطعمة إذا كان جدّا وجدّة لأب وجدّ أو جدّة لأُم ؛ إذ من الأخبار ما صرّح فيه بالاستحباب مع اجتماعهما ، كرواية جميل المرسلة ، قال : « إذا ترك الميت جدتين أُمّ أبيه وأُمّ امّه فالسدس بينهما » (٣).

وردّها بظهورها في عدم وجود الأبوين ، والانحصار في الجدّتين ، فيكون مخالفاً للإجماع.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٥٢.

(٢) في « س » : الفصلة.

(٣) التهذيب ٩ : ٣١٣ ، ١١٢٥ ، الإستبصار ٤ : ١٦٣ ، ٦١٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٢.

٢٥٤

مدفوع ، بأنّ ذكر السدس قرينة على عدم الانحصار ، فيكون وجود الأبوين محتملاً ، فلم يقطع بالمخالفة.

نعم جعل السدس الواحد بينهما لو كان مخالفاً للإجماع لكان موجباً لردّ الحديث ، وحينئذ فلا بدّ في تعميم الحكم بالإجماع المركب.

المسألة الثانية عشرة : وإذ عرفت أنّ الاستحباب ثابت في صورة التعدّد أيضاً سواء كان المتعدّد من طرف واحد أو من طرفين.

فنقول : إنّ المتعدّد إذا كان من طرف واحد ، بأن يكون هناك جدّ وجدّة لُام أو لأب ، فالمشهور أنّ السدس الذي يطعمه أحدهما مشترك بينهما ، يقسّم بالسوية ولا زيادة.

أما عدم الزيادة ، فلأنّ الاستحباب في هذه الصورة إنّما هو بالإجماع المركب ، والثابت منه ليس إلاّ مجرّد الاستحباب ، ولا أقلّ من السدس إجماعاً ، فينفى الزائد بالأصل.

وأما التقسيم بالسوية فاستدل عليه بعدم مرجّح لأحدهما بالسدس أو زيادة. والقياس على‌باطل‌و في هذا الاستدلال نظر ؛ إذيلزم من عدم المرجح ثبوت التسوية بينهما ؛ لأنّ الترجيح بلا مرجّح إنّما يلزم‌قلنا باختصاص واحد منهما بالسدس أو الزيادة ، أمّا لو قلنا بالتخيير الأوّل أو الثاني فلا يلزم الترجيح بلا مرجّح ، بل هو الحكم بين الشيئين عند عدم المرجّح لأحدهما في الشرعيّات.

وتوضيح ذلك : أنّ هاهنا يتصوّر صور ، إحداها : اختصاص أحدهما بالسدس. والثانية : الاشتراك مع اختصاص أحدهما بزيادة. والثالثة : الاشتراك مع التسوية. والرابعة : التخيير بين الاختصاص والاشتراك.

٢٥٥

الخامسة : التخيير في الاختصاص بين كلّ واحد منهما. السادسة : التخيير بين التسوية والتفاوت. السابعة : التخيير في الزيادة بين كلّ واحد منهما.

والمحذور الذي هو الترجيح بلا مرجّح إنّما يلزم لو قلنا بالأُولى أو الثانية ، دون البواقي ، فاختيار واحد منها لا وجه له.

نعم يمكن إثبات أصل الاشتراك بالإجماع. وأمّا التسوية فمحلّ تردد وإشكال.

وما ذكرنا في إبطال التمسّك بالترجيح بلا مرجح هنا يجري في غير ذلك الموضع من أمثاله ، مما تمسكوا به فيه ، فليكن في ذكر منك.

وإن كان من طرفين ، فظاهر الأكثر أنّ لكل من يتقرّب من طرف واحد السدس ، فيستحب إطعام السدسين للأبوين.

ولا دلالة في الأخبار على ذلك ، ومرسلة الجميل صريحة في خلافه ، فالأخذ بمضمونها متّبع ، إلاّ أن يدّعى الإجماع على خلافه ، وهو غير محقّق عندي.

وقول الشيخ في التهذيب : إنّ هذا الخبر غير معمول عليه (١) ، فإنّما هو لأجل ما يستفاد من ظاهره ، أنّ الجدّة تستحق الطعمة مع عدم وجود ولدها ، كما يشعر به كلمات الشيخ (٢) ، لا لأجل كون السدس بينهما. وبعد ما ذكرنا من أنّ المراد ليس الانحصار فلا يكون هذا الخبر غير معمول عليه من هذه الجهة أيضاً.

وكلام صاحب المفاتيح ظاهر في الاكتفاء بالسدس (٣) ، وعلى هذا‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣١٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٣١٣.

(٣) الوافي ٣ الجزء ١٣ : ١٢٩.

٢٥٦

فيقسّم السدس بين الأربع أو الثلاث أو الاثنين سويّة.

المسألة الثالثة عشرة : هل يختصّ الجدّ والجدّة بالقريبين أم يعمّان البعيدين أيضاً؟

صرّح الفاضل في القواعد بالأول (١). وهو الأظهر ؛ للأصل ، وإجمال الأخبار ، وتبادر القريب من لفظ الجدّ والجدّة ، بل صحّة السلب بالنسبة إلى البعيد.

واستوجه بعض معاصرينا الثاني ، تمسّكاً بإطلاق النصّ والفتوى.

والإطلاق ممنوع ؛ لما عرفت من الإجمال ، ولو سلّم فينصرف إلى أفراده الشائعة.

المسألة الرابعة عشرة : روى الشيخ في الموثق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام : قال : « أطعم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجدّتين السدس ، ما لم يكن دون أُم الأُم أُم ولا دون أُمّ الأب أب » (٢).

ويحتمل أن يكون معنى قوله : « دون أُم الأُم أُم » أي أُم أُمّ الأُم ، وكذا معنى قوله : « دون أُم الأب أب » أي أب أُم الأب ، فيكون المعنى : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعمهما حين عدم وجود الجدّ البعيد ، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الرواية وبين شي‌ء من الأحكام المتقدمة ، بل يكون مضمونها موافقاً لمرسلة الجميل.

وأن يكون معناه انتفاء أُم الميّت وأبيه.

وحينئذ فإمّا يكون معنى قوله « أطعم الجدّتين » أطعم كلاًّ منهما ، حتى يمكن أن يكون إطعام كلّ واحد منهما في واقعة. ويمكن أن يكون إطعام‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٧١.

(٢) التهذيب ٩ : ٣١٣ ، ١١٢٦ ، الإستبصار ٤ : ١٦٣ ، ٦٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٤١ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٤.

٢٥٧

أُم الأُم مع وجود الأب ، وإطعام أُم الأب مع وجود الام. وعلى هذا فتكون الرواية منافية للحكم المذكور في السادسة.

أو يكون معنى قوله : « أطعم الجدّتين » أنه أطعمهما معاً حتى يكون في واقعة واحدة ، وحينئذٍ فلا يمكن أن يكون ذلك في صورة عدم الولد ولا ولد الولد ، ولا شي‌ء من الإخوة ؛ لأنّ تمام التركة حينئذ للجدّتين. فإمّا يكون مع بعض من الإخوة بحيث يكون إرث الجدّتين السدس ، ولكنه خلاف الظاهر من قوله أطعم. أو مع الولد أو ولد الولد وحينئذ فتكون منافية لما ذكر في الرابعة والسادسة.

وتحتمل الرواية محامل أُخرى أيضاً ، وبعد قيام تلك الاحتمالات الكثيرة فتكون مجملة غير ناهضة لإبطال شي‌ء من الأحكام المذكورة.

ولو أبيت عن جميع الاحتمالات المذكورة أو المتصوّرة غير أنْ يكون المراد أطعمهما معاً عند عدم أب الميّت وأُمّه ، لأجل كون البواقي موجبة لارتكاب خلاف ظاهر أو أصل من تقديرٍ أو تجوّزٍ ، فنقول : إنّ إطعامهما عند عدمهما يمكن أن يكون مع وجود الولد أو ولد الولد ، فلا يمكن أن يخرج عن مقتضى الأصل في شي‌ء من الصورتين بهذه الرواية ، لإمكان كون القضيّة واقعة في الصورة الأُخرى ، هذا ، مع ما في هذه الرواية من كونها متروك العمل بها ، كما صرّح به الشيخ في التهذيب (١).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١١٣.

٢٥٨

الفصل الثاني

في ميراث الإخوة والأجداد‌

ويعبّر عن الإخوة بالكلالة ، من الكلّ ، وهو الثقل ، لكونها ثقلاً على الرجل ، لقيامه بمصالحهم مع عدم التولّد (١) الموجب لمزيد الإقبال والخفّة على النفس. أو من الإكليل ، وهو ما يزيّن بالجوهر شبه العصابة ، لإحاطتهم بالرجل كإحاطته بالرأس.

وفيه [ خمسة (٢) ] أبحاث :

البحث الأول :

في ميراث الإخوة إذا لم يكن معهم جدّ‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لا يحجب الإخوة ولا الأخوات عن الإرث أحدٌ خلقه الله غير الأبوين والأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا ، بالإجماع ؛ للأقربية ، وخصوصيات الأخبار الواردة في الموارد الجزئية ، كما يأتي.

المسألة الثانية : إذا فقد الأبوان والأولاد وأولادهم فلا يرث مع الإخوة أو الأخوات أحد غير الجدودة والزوجين إجماعاً ؛ لما مر. وفي ابن الأخ للأبوين مع الأخ للُام خلاف يأتي.

__________________

(١) في « ح » : التوالد ، وفي « ق » : ولد.

(٢) في « ح » و « ق » و « س » : أربعة ، والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٩

المسألة الثالثة : إذا انفرد الأخ للأب والأُم كان له المال كله بالقرابة ؛ للإجماع ، ومنع الأقرب للأبعد ، وأحقيّة السابق ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة بكير الطويلة ـ : « فإنّ الله قد سمّى للأخ الكل » (١).

وصحيحته الأُخرى : عن أُختين وزوج ، فقال : « النصف والنصف » فقال الرجل : أصلحك الله قد سمّى الله لهما أكثر من هذا : لهما الثلثان ، فقال : « ما تقول في أخ وزوج؟ » فقال : النصف والنصف ، فقال : « أليس قد سمّى الله له المال فقال ( وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) » (٢).

ورواية موسى بن بكر : قال ، قلت لزرارة : إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر عليه‌السلام : « أنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والأُم يزادون وينقصون لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيباً من الإخوة والأخوات للأب والأُم لو كانوا مكانهنّ ، لأنّ الله تعالى يقول ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) يقول : يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد ، فأعطوا من سمّى الله له النصف كملاً ، وعمدوا فأعطوا الذي سمّى الله له المال كله أقلّ من النصف ، والمرأة لا تكون أبداً أكثر نصيباً من رجل لو كان مكانها » قال : فقال زرارة : وهذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه (٣).

والأخ وإن كان مطلقاً إلاّ أنه خرج المتقرب بالأُمّ بالكتاب والسنة كما‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٠٢ ، ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٠٢ ، ٦٧٧ ، التهذيب ٩ : ٢٩١ ، ١٠٤٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٥٥ أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب ٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٩٣ ، ١٠٤٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٥٤ أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٠٤ ، ٧ ، التهذيب ٩ : ٣١٩ ، ١١٤٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٥٢ أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب ٢ ح ٢.

٢٦٠