مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

البحث الخامس

في الحبوة‌

وهي مثلّثة ، اسم في اللغة للإعطاء بلا جزاء ولا منٍّ ، أو عام (١).

واصطلاحاً قيل : هو إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً. أو أعيانٌ مخصوصة يُعطاها الابن الأكبر من ميراث الأب ابتداءً (٢). واحترز بالأخير عما لو أوصى له بها ، أو وصلت إليه بالقسمة ، فإنّ الاختصاص حينئذٍ بواسطة الوصية والقسمة.

والأولى أن يقال : هي إعطاءُ مَن لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك أشياء مخصوصة من تركة أبيه بأمر الشارع (٣) ، أو أعيان مخصوصة يُعطاها مَن لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك بأمر الشارع ابتداءً.

ثم القول بثبوتها في الجملة مما اتفقت عليه الكلمة ، وتفرّدت به طائفتنا الحقّة ، إلاّ أنّهم اختلفوا في بعض خصوصياتها الراجعة إما إلى كيفيتها ، أو كمّيتها ، أو المحبوّ ، أو المحبوّ منه.

ونحن نتكلّم فيها في مسائل :

المسألة الأُولى : اختلفوا في أنّها هل هي واجبة فليس لسائر الورثة الامتناع منها ، أو مستحبة فلهم ذلك؟

__________________

(١) القاموس ٤ : ٣١٦.

(٢) انظر رسائل الشهيد الثاني : ٢٢٠.

(٣) في « ق » : زيادة : ابتداء.

٢٠١

فالشيخان والقاضي والحلّي وابن حمزة وابن سعيد والمحقّق (١) ، والعلاّمة في غير المختلف (٢) ، والشهيدان والسوراوي (٣) ، وجماعة اخرى (٤) على الأوّل ، وادعى الحلّي عليه إجماع الأصحاب.

وذهب السيّد والإسكافي إلى الثاني (٥) ، وهو المحكيّ عن الإصباح والغنية والرسالة النصيريّة في الفرائض ، وظاهر الوافي ، وهو صريح المختلف والكفاية (٦) ، ونسب إلى الحلبي أيضاً (٧) ، وكلامه ليس بصريح فيه ككلام السيد في الانتصار ، وظاهر المسالك والمفاتيح التوقّف (٨).

والحق هو الأوّل.

لنا : موثقة الفضلاء : « الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه ، فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما » (٩).

__________________

(١) حكاه عن المفيد في الإيضاح ٤ : ٢١٦ وانظر المقنعة : ٦٨٤ ، الطوسي في النهاية : ٦٣٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٣٢ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٨٧ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٠٩ ، المحقق في الشرائع ٤ : ٢٥.

(٢) كالتحرير ٢ : ١٦٤.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٣٦٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ٨ : ١٠٧ ، السوراوي وهو الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ١٦٨ ، راجع طبقات أعلام الشيعة في القرن التاسع ص ١٣٨.

(٤) كالفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٤٥١ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٤٩.

(٥) السيد في الانتصار : ٢٩٩ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٣٢.

(٦) حكاه عن الإصباح في كشف اللثام ٢ : ٢٩١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧ ، انظر الوافي ٢٥ : ٧٢٥ ٧٢٩ ، المختلف : ٧٣٣ ، الكفاية : ٢٩٧.

(٧) الكافي في الفقه : ٣٧١.

(٨) المسالك ٢ : ٣٢٥ ، المفاتيح ٣ : ٣٢٩.

(٩) التهذيب ٩ : ٢٧٦ ، ٩٩٨ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ ، ٥٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٦.

٢٠٢

وصحيحة ربعي : « إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده ، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور » (١).

والأُخرى : قال : « إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه » (٢).

وموثقة العقرقوفي : عن الرجل يموت ، ما له من متاع بيته؟ قال : « السيف » وقال : « الميت إذا مات فإنّ لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده » (٣).

وقريب منها صحيحته (٤).

وصحيحة حريز : « إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف ، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم » (٥).

ومرسلة ابن أُذينة الصحيحة عن ابن أبي عمير : « الرجل إذا ترك سيفاً وسلاحاً فهو لابنه ، وإن كان له بنون فهو لأكبرهم » (٦).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٨٦ ، ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٥١ ، ٨٠٥ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ ، ٩٩٧ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ ، ٥٤١ ، الوسائل ٢٦ : ٩٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٨٦ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ ، ٩٩٦ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ ، ٥٤٠ ، الوسائل ٢٦ : ٩٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٧٦ ، ٩٩٩ ، الإستبصار ٤ : ١٤٥ ، ٥٤٤ ، الوسائل ٢٦ : ٩٩ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٧.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٥١ ، ٨٠٦ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٥.

(٥) الكافي ٧ : ٨٥ ، ١ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ ، ٩٩٤ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ ، ٥٣٨ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٧ : ٨٥ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ ، ٩٩٥ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ ، ٥٣٩ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٤.

٢٠٣

فإنّ الظاهر الشائع المتبادر من كون المال لفلان لزوم اختصاصه به.

والتوضيح : أنّه لا تصلح اللام فيها من معانيها إلاّ الملكية ، أو الاستحقاق ، أو الاختصاص ، أو القدر المشترك بينها ، وهو الاختصاص أيضاً ؛ وعلى التقادير يثبت المطلوب.

أمّا على الأوّلين ، فلأنّ مقتضى الملكيّة والاستحقاق لشي‌ء أن لا يجوز لغيره مزاحمته فيه ، ولأنّ مقتضى الاستحباب ليس إلاّ أولويّة الإعطاء وهي لا توجب الملكيّة والاستحقاق.

وأمّا على الأخيرين ، فلأنّ معنى اختصاص مال بشخص اختصاص ملكيّته ، أو جواز الانتفاع به ، ولذا صرّح بعضهم برجوع الاختصاص إلى الملكيّة (١) ، ولو كانت مستحبّة لما اختص شي‌ء منهما بأكبر الأبناء.

ولو قلنا بجواز توصيف المال بالاختصاص أيضاً من غير احتياج إلى تقدير ـ كما هو الظاهر والموافق للأصل لأفاد الوجوب أيضاً ، لمنافاة الاستحباب لاختصاصه ، فإنّ مقتضى الاختصاص أن لا يشارك المختصّ غيره في المختصّ به.

وأمّا إرادة اختصاص استحباب التخصيص فخلاف الأصل ، لا يصار إليه إلاّ مع الاقتضاء ، واقتضاء الكلام له غير معلوم ، ولو سلّم فيقدّر ما قام عليه قرينة أو شاع تقديره واستبق الذهن إليه ، وقرينة الظاهر تدلّ على إرادة الملكيّة والاستحقاق ، وهي الشائع والمتبادر ، ولذا استدلّوا لملكيّة السهام للورثة بآيات الإرث وأخباره المشتملة على مجرّد اللام ، من غير استناد واعتضاد بإجماع أو غيره ، ولذا اكتفوا في الأقارير والوصايا والجعائل ،

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٥ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٥٠.

٢٠٤

بقولهم : لفلان كذا.

احتجّ المخالف : بالأصل.

وعموم آيات الإرث ورواياته وسائر أدلّته ، خرج أولويّة الاختصاص بالإجماع فيبقى الباقي.

وعدم دلالة الاختصاص المذكور في الروايات على أكثر من الاستحباب.

والاختلاف في الأخبار.

والجواب : أنّ الأصل مندفع بما مرّ.

وعمومُ كثير من الآيات والروايات ممنوع ، وما كان منها عامّاً لا دلالة فيه على وجوب إعطاء الجميع أو سهم كلّ واحد للورثة بناءً على قول المخالف ، لمكان اللاّم ، وهو لا يقول بدلالته على الوجوب. والحاصل : أنّ آيات الإرث ورواياته بين ما لا عموم فيه وما لا دلالة فيها على وجوب تقسيم جميع التركة ، لاشتماله على اللاّم الغير المفيد لوجوب الإعطاء عنده. وأمّا الإجماع فهو غير منعقد على الأمر العام ، بل مخصوص بغير الحبوة من التركة. ولو سلّمنا عمومها ودلالتها على الوجوب لوجب التخصيص ، لوجود المخصّص ؛ على أنّ هذا إنّما يرد لو قلنا بالإعطاء مجّاناً وأمّا على القول باحتساب القيمة فلا منافاة بين وجوب الحبوة وعمومها ، ولا حاجة إلى تخصيص.

وعدمُ دلالة الروايات على الأكثر من الاستحباب مردود بما ذكرنا ؛ على أنّها لو لم تدلّ على الأكثر لما دلّت على الاستحباب أيضاً ، لعدم إفادة اللاّم له أصلاً ، وتقديره تقدير بلا مقدّر ، بل تكون مجملة.

واختلاف الأخبار لا دلالة له على الاستحباب ، مع أنّ الاختلاف الذي‌

٢٠٥

قد يؤيّد به الاستحباب هو الاختلاف في السلب والإيجاب دون المقدار.

فرعان :

أ : على القول بالاستحباب هل يكون الاستحباب ثابتاً في نفسه ، أو يستحب على سائر الورثة فقط؟

ظاهر أدلّتهم الأوّل ، والتخصيص خلاف الأصل.

والحقّ هو الثاني ؛ إذ الاستحباب حكم شرعيّ فلا بد له من أحد يستحبّ له ، ولا أحد سوى سائر الورثة ، إذ الاستحباب لغيرهم ينافي ملكيّة الورثة.

ب : على هذا القول لو امتنع باقي الورثة فهل يسقط الحباء أم لا؟

ظاهر كلماتهم يدلّ على الأوّل. وقيل : الدليل لا يساعده ، لعدم دليل على السقوط ، فيجوز للحاكم إعطاء الحبوة ، إلاّ أن يتمسك بالإجماع المركب (١).

وبعد ما ذكرنا من أنّ الاستحباب مختصّ بالورثة ، فالحكم ظاهر.

المسألة الثانية : المشهور أنّها تؤخذ مجّاناً ، والمحبوّ يشارك الباقي في الباقي بقدر نصيبه‌ ، وذهب السيد في الانتصار والإسكافي إلى أنّها تعطى وتحسب عليه من ميراث أبيه (٢) ، واختاره في المختلف والكفاية وشرح القواعد للهندي (٣) ، وظاهر المسالك الميل إليه (٤) ، ونفى عن البأس المحقّق‌

__________________

(١) انظر رسائل الشهيد الثاني : ٢٤٤.

(٢) الانتصار : ٢٩٩ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٣٣.

(٣) المختلف : ٧٣٣ ، الكفاية : ٢٩٧ ، كشف اللثام ٢ : ٢٩١.

(٤) المسالك ٢ : ٣٢٥.

٢٠٦

الأردبيلي وإن جعل الأولى بعده أحد الأمرين إمّا الاستحباب أو الاحتساب ، بأن يجعل الأكبر مخيّراً بين الأخذ بالقيمة والترك ، كما أنّ ظاهر الروضة والمفاتيح وصريح شرحه : التوقّف (١).

والحقّ هو الثاني.

لنا : أنّ الثابت من النصوص ليس إلاّ مجرّد اختصاص الحبوة بالابن الأكبر ، ولا شكّ أنّ الاختصاص والتملّك كما يكونان بغير عوض ومجرّدين عن احتساب القيمة كذلك يكونان مع العوض ومع احتسابهما ، ويجتمعان مع كلّ من الأمرين ، ولا ينافيان شيئاً منهما.

واحتساب القيمة ومراعاة العوض وإن كان أمراً مخالفاً للأصل ، ولو لا دليل على ثبوته وجب عدم القول به والمصير إلى خلافه ، ولكنّ الدليل عليه موجود ، وهو قوله تعالى ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) (٢) وقوله تعالى ( فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ ) (٣) وقوله تعالى ( فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ ) (٤).

حيث دلّت بعموم الموصول على أنّ لهم السدس والربع والثمن من جميع ما تركه الميّت ، وعدم الاحتساب يستلزم أن يكون لهم هذه من بعضه.

والروايات المتقدّمة المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس شيئاً ، والزوجين لا ينقصان من الربع والثمن كذلك (٥). وبأنّ أربعة لا يدخل‌

__________________

(١) الروضة ٨ : ١٠٩ ، المفاتيح ٣ : ٣٢٩.

(٢) النّساء : ١١.

(٣) النّساء : ١٢.

(٤) النّساء : ١٢.

(٥) في ص : ١٨٢ و ١٨٣.

٢٠٧

عليهم ضرر في الميراث : الوالدان والزوجان (١) ، وعدم الاحتساب يوجب النقص والضرر.

وموثقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام وفيها : « ولو ترك بنات وبنين لم ينقص الأب من السدس شيئاً » قلت له : فإن ترك بنات وبنين وأُمّاً ، قال : « للُام السدس ، والباقي يقسّم لهم للذكر مثل حظ الأُنثيين » (٢).

وغيرها مما يضاهيها ، حيث دلّت على أنّ غير السدس يقسّم للذكر مثل حظ الأُنثيين ، وعدم الاحتساب يوجب زيادة نصيب بعض الذكور عن حظهما.

وبتقرير أحسن : لا ريب في أنّ الآيات والروايات المذكورة عامة ، فلا يخصص إلاّ بمخصص يقيني ، ولا شي‌ء ها هنا يصلح للتخصيص سوى أخبار الحبوة ، والتخصيص بها فرع دلالتها على عدم الاحتساب يقيناً ، وهي لا تدل على أكثر من الاختصاص والتملك ، وهما كما يكونان مع عدم الاحتساب يكونان معه أيضاً ، ولا يلزمهما عدمه ، فوجود المخصص غير معلوم ، فيجب إبقاء العام على عمومه.

وبتقرير ثالث : لا شك في أنّ المستفاد من نصوص الحبوة ليس سوى الاختصاص ، ولا شك أيضاً في أنّ نفس الاختصاص لا دلالة لها على عدم الاحتساب ، لاجتماعها معه ؛ نعم إطلاقها مع كون وجوب الاحتساب مخالفاً للأصل يصلح دليلاً على نفيه ، ولكن العمل بالأصل إنما هو عند عدم الدليل على خلافه ، والعمومات دليل عليه.

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٧٦ أبواب موجبات الإرث ب ٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٧٤ ، ٩٩٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٧ ح ٧.

٢٠٨

فإن قيل : الثابت من العمومات استحقاق الأبوين ومن شابههما نصيبهم ، كالسدس مثلاً من جميع التركة مشاعاً ، ومنها الحبوة ، فإذا علم بدليلٍ اختصاصها بواحد من الورثة يعلم عدم استحقاقهم السدس منها ، فيبقى سدس غيرها ، ولا دلالة على وجوب أخذ سدس الحبوة من غيرها.

قلنا : لا دلالة في قوله تعالى ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) وغيره من العمومات على الإشاعة ، بل يدل على اشتراكهم في التركة بالسدس مثلاً ، والاشتراك أعم من الإشاعة وغيرها ، وإنما يحكم بالإشاعة لدليل من خارج ، وهو عدم المرجح. ألا ترى أنّ قول القائل : نصف هذه الدار لزيد ، يحتمل الإشاعة وعدمها ، ولذا يصح الاستفسار بأنّ هل له النصف مشاعاً أو مفروزاً. ثم أخبار الحبوة دلت على ترجيح غير الحبوة ، في وجوب أخذ نصيبهم منه فيأخذون منه ؛ على أنّ العمومات لو دلت على الإشاعة تكون أخبار الحبوة كالمقسّم لبعض التركة.

احتج المشهور بعد الإجماع الذي ادعاه الحلي (١) : بأنّ الثابت من النصوص اختصاص الحبوة به ، واحتسابها من سهمه أمر خارج عن حقيقة الاختصاص ، ولا دلالة له عليه مطلقاً ، فالأصل عدم وجوبه.

وأنّ إطلاقها يدل على استحقاقه لها من غير شرط ، فلو كان مشروطاً بالاحتساب لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب والحاجة.

وأنّ قوله « سيفي لفلان » يوجب ملكه بغير عوض ، فكذا هنا ، للاشتراك في المانع والمقتضي. وأنّ الوارث يخصّ بسهمه من غير عوض‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٥٨.

٢٠٩

بآيات الإرث ورواياته ، المشتركة مع هذه النصوص في وجه الدلالة.

قلنا : أما الإجماع المنقول فلا حجية فيه ، سيما مع مخالفة جمع كثير.

وأما الأصل فمندفع بالعمومات المذكورة الخالية عن المعارض القطعي.

وأما تأخير البيان ، فإنما يلزم لولا هذه العمومات مقدمة عليها ، ومعها فلا تأخير ، مع أنّ ورود أخبار الحبوة في وقت الحاجة لا دليل عليه.

وأما تملك السيف بغير عوض ، فلعدم المقتضي للعوض ، وهنا موجود ، فالاشتراك المدعى ممنوع ، وكذا في تملك كل وارث سهمه.

وقد يستدل لكل من القولين بوجوه ضعيفة جدّاً.

فروع :

أ : هل المعتبر القيمة عند الموت أو الإعطاء أو الاحتساب (١)؟ الأظهر هو الأول ؛ لانتقال الحبوة إليه عنده ، لتعليق اختصاصها به على الموت وقد تحقق ، والأصل عدم اشتراط أمر آخر ، ولأنه وقت انتقال التركة إلى الوارث فينتقل المختص بالبعض إليه ، لعدم انتقاله إلى غيره قطعاً ولو بالاشتراك ؛ والمعتبر هو القيمة وقت الانتقال ، إذ لا معنى لاعتبارها قبله ، وهو ظاهر ، ولا بعده ، لأنه حينئذ ملك للمحبوّ ولا يحتسب قيمة ملك أحد عليه ، ولأنه لا ينتفع أحد بزيادة قيمة ملك غيره ولا يخسر بنقصانها.

وبتقرير آخر : لو اعتبرت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب لكانت‌

__________________

(١) أي إذا تغاير وقت الاحتساب والإعطاء ولم يحتسب عند الإعطاء ( منه رحمه‌الله ).

٢١٠

الحبوة قبلهما إمّا ملكاً للمحبوّ ، أو الورثة ، أو غيرهما ، أو باقية في حكم مال الميت ، والثلاثة الأخيرة باطلة ، أما الأول : فلاستلزامه عدم اختصاص المحبوّ بها ، وأما الثاني : فبالإجماع ، وأمّا الثالث : فلاستلزامه اشتراط الانتقال بشرط آخر ، والأصل عدمه فتعيّن الأول ، فيلزم أن يكون العين ملكاً لأحد ومختصّة به دون قيمتها.

فإن قيل : جاز أن يكون تملّكه تملّكاً متزلزلاً.

قلنا : الملك المتزلزل أيضاً يعتبر قيمته عند حصوله.

فإن قيل : إذا نقصت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب ، فالأصل براءة الذمة عن الزائد ، فأين المخرج.

قلنا : المخرج ما ذكرنا ، على أنّها لو زادت عندهما لكان الأصل براءة الذمّة عن الزائد أيضاً.

قيل : ذلك معارضة وقيمة المعوّض إنما تعتبر عند دفع العوض.

قلنا : ممنوع ، بل المعتبر حين الانتقال وإن لم يدفع العوض.

قيل : الانتقال مشروط بالاحتساب على هذا القول ، فلا يتحقق المشروط قبل الشرط.

قلنا : الاشتراط ممنوع ، بل الاحتساب أمر لازم في الواقع ، كما أنّ دفع الثمن ليس شرطاً لانتقال المبيع.

ب : لو تلفت الحبوة كلاًّ أو بعضاً قبل القبض‌ ، فإن كان من تفريط أو امتناع تسليم من غير المحبوّ فيغرم ، وإلاّ فالتالف من مال المحبوّ ، ويحسب عليه ؛ ووجهه على ما اخترناه ظاهر.

ج : لو نقص نصيبه عنها فيعطى بقدره منها على القولين‌ ، ومع الزائد على المشهور ، وأما على ما اخترناه ففي إعطاء الزائد مجّاناً ، أو مع أخذ‌

٢١١

قيمته منه ، أو دفعه إلى باقي الورثة ، أوجُه ، أوجَهها أخيرها ؛ لأنّه إذا ترك أبوين وابناً مثلاً فعمومات الإرث تقتضي أنّ ثلثه لهما ، وبعضٌ منه هو القدر الزائد من الحبوة ، ونصوص الحبوة تقتضي أنّ مجموع الحبوة له وبعض منها من الثلث ، ولا يمكن العمل بهما إلاّ بإعطاء المجموع له وأخذ قيمة الزائد منه ، وهو أمر مخالف للأصل لا دليل عليه أصلاً ، فيجب إمّا تخصيص العمومات بغير هذا الموضع ، أو تخصيص أخبار الحبوة بغير القدر الزائد عن النصيب ، ولكن الأول يتوقّف على تيقّن شمول نصوص الحبوة للقدر الزائد ، وهو غير معلوم (١) ، فتعيّن الثاني.

د : لا يعتبر رضا المحبوّ ولا غيره من الورثة في الحباء والاحتساب ؛ للأصل ، وإطلاق النصوص.

هـ : لو كان المحبوّ غير مكلف أو غائبا يحبى ويحتسب ، ولا ينتظر التكليف أو الحضور ؛ والوجه ظاهر. والمتولي لجميع ذلك الولي ، ثم عدول المؤمنين ، ثمّ الورثة.

المسألة الثالثة : ذهب الأكثر إلى أنّ ما يُحبى به أربعة : السيف ، والمصحف ، والخاتم ، وثياب بدنه ، لا غير (٢). وزاد الإسكافي السلاح (٣) ، والصدوق الكتب والرحل والراحلة (٤). ولم يذكر في الانتصار الثياب ، وكذا‌

__________________

(١) وذلك لأنّ اختصاص الحبوة يحتمل أن يكون اختصاصاً معوضاً بنصيب الإرث وأن يكون غير معوض ، والمعوض منه يتوقّف على وفاء نصيب الإرث ، فمع عدم وفائه فإمّا ينتفى الاختصاص أو وجوب الاحتساب ، فشي‌ء منها ليس يقيناً فلا يصلح للتخصيص. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) انظر الروضة ٨ : ١٠٧ ، والمفاتيح ٣ : ٣٢٩ ، والرياض ٢ : ٣٤٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٧٣٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٥١ ، ٨٠٥.

٢١٢

في الغنية (١) والإصباح والرسالة النصيريّة وأعلام المفيد. وعن الكافي تخصيص الثياب بثياب مصلاّه (٢). وعن الخلاف عدم ذكر الخاتم (٣).

أقول : وجوب الحباء بالأربعة ممّا لا إشكال فيه ، لتصريح الأخبار المتقدمة جميعاً بالكل وإن لم يذكر بعضها في البعض ، ولا يضرّ عدم ذكر بعضها في البعض ، لأنّ البعض الخالي عن بعض آخر لا ينفي ذلك الآخر إلاّ بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة أصلاً ، ولا يجب اشتمال كل حديث على كل حكم ، كما لا يضرّ تضمّن كل من الأخبار ما لا يقول به أحد ، لأنّ خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يوهن في حجية الباقي ، مع أنه ليس في الكل (٤) بل ولا في الأكثر ما لا يقول به أحد. نعم يتضمّن ما لا يقول به الأكثر ، بل قد يقال : بعدم معلومية ذلك أيضاً كما يظهر وجهه ممّا يأتي.

وإنّما الإشكال فيما هو المشهور من الاقتصار عليها مع عدم الاقتصار عليها في رواية بخصوصها ليمكن أن يوجّه بانحصار المعلوم صحتها عندهم فيها ، أو بغير ذلك بل الروايات بين مقتصرة على بعضها ومشتملة على غيرها ، فيجب إما الاقتصار على الاولى إن لم يعلم صحة الأخيرة ، أو عدم الاقتصار على الأربعة إن علمت ، بل المقتصرة على البعض يشمل الغير أيضاً.

وقد يعلّل بأنها معلومة الإرادة ، وأما غيرها فمشكوك فيه ،

__________________

(١) الانتصار : ٢٩٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧.

(٢) الكافي : ٣٧١.

(٣) الخلاف ٤ : ١١٥.

(٤) بل ليست رواية من الروايات مقتصرة على بعضها فقط أيضاً ، وما اقتصر فيها على بعض الأربعة زيد فيها بعض من غيرها أيضاً كما لا يخفى. ( منه رحمه‌الله ).

٢١٣

والاختصاص خلاف الأصل ، فاقتصر فيه على موضع اليقين (١).

أما كون السلاح مشكوكاً فيه ، فلاحتمال أن يكون ذكره تأكيداً وتفسيراً للسيف ، فإنه أحد معانيه كما في القاموس (٢) ، على أنّه لم يذكر إلاّ في المرسلة ، وموثقة الفضلاء (٣) ، والأولى لإرسالها لا تصلح للحجيّة ، والثانية عطفته بلفظه « أو » المفيدة للترديد ، فيمكن أن يكون الترديد من الراوي.

وأمّا الرحل ، فلاشتراكه بين المسكن ، وما يستصحبه الإنسان من الأثاث ، ورحل البعير ، ولا قرينة على التعيين ، فيجب التوقّف. ويمكن أن يكون المراد به الثاني ، وبه الكِسوة (٤) ، ويكون عطفهما للتأكيد.

وأمّا الراحلة ، فلعدم ذكرها في بعض نسخ الفقيه ، مع ما في معناها من الإجمال.

وأمّا الكتب ، فلاحتمال كونها تأكيداً للمصحف ، أو كان المراد الكتب السماويّة ، وتكون الحبوة كالإرث غير مختصّة بالملة الحنيفة.

وأمّا الدرع ، فلاحتمال أن يراد به القميص أو الثوب ، لإطلاقه عليهما وإن كان في الرحل مجازاً ، والقرينة عدم ذكر الثوب المجمع عليه فيما اشتمل عليه ، بل قيل : إنه مشترك بين ما ذكر وبين درع الحديد لغة (٥) ، وورد بمعنى القميص في الأخبار كثيراً.

ولا يخفى ضعف هذا التعليل وبُعده ، ولو جاز فتح باب هذه‌

__________________

(١) انظر رسائل الشهيد الثاني : ٢٢٣.

(٢) القاموس ١ : ٢٣٧.

(٣) المتقدمتين في ص ٢٠٠ و ٢٠١.

(٤) أي : والمراد بالثاني الكسوة.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٣٥٠.

٢١٤

الاحتمالات لبطلت الاستدلالات رأساً ، على أنّ بعضها مما لا يحتمله الكلام ، كما لا يخفى على المتأمل.

والأولى أن يقال : لعلّ مستندهم الإجماع.

وما في المسالك من أنّه لا بدّ للإجماع من مستند والمستند هنا غير ظاهر (١) غير صحيح ؛ فإنّ اللازم الثابت هو وجود المستند لا ظهوره لنا ، لِمَ لا يجوز أن يكون هنا مستند خفي علينا؟ وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

والقدح في الإجماع بأنه لو ثبت هنا لكان سكوتياً ولا حجية فيه غير جيد ؛ لأنّ كونه سكوتياً لنا لا يوجب كونه سكوتياً لهم أيضاً.

ويمكن أن يكون المستند لهم دليل آخر لا نعلمه. وأما نحن فيكفينا مستنداً للاقتصار اقتصار الأصحاب ، وشذوذ القول بالتعدي عن الأربعة ، الموجب لخروج المتضمّن للزائد عن الحجيّة في الزائد.

فروع :

أ : لو تعددت هذه الأجناس فهل يحبى بالجميع أو لا؟

كلام أكثر القدماء خال عن التعيين.

وقال الشهيد : ما كان منها بلفظ الجمع تدخل أجمع ، وما كان بلفظ الوحدة يتناول واحداً (٢). وتبعه جمع من تأخر عنه (٣).

وحكم في القواعد بعموم الثياب واستشكل في البواقي (٤).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٢٦.

(٢) المسالك ٢ : ٣٢٦ ، والروضة ٨ : ١١٢.

(٣) كالسبزواري في الكفاية : ٢٩٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٩٢.

(٤) القواعد ٢ : ١٧١.

٢١٥

ومال في الكفاية إلى عموم الجميع (١). وهو الأقرب.

أما عموم الثياب ، فلأنّ الجمع المعرّف يفيده ، بل المفرد المضاف عند عدم القرينة على التخصيص.

وأما عموم البواقي ، فلظهوره من قوله : « إذا ترك سيفاً » (٢) ، ولأنه يصدق على كل سيف من سيوفه أنّه سيف أبيه ، وكذا البواقي. ولأنّ المفرد المعرّف يفيد العموم شرعاً عند عدم العهد وإن لم يفده لغة ، كما بيّنا في موضعه ، وكذا المفرد المضاف. نعم من لا يقول بإفادته له شرعاً فله المنع.

احتجّ الشهيد ، بأنّ الحبوة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على موضع اليقين ، وإفادة الجمع للعموم يقينية دون غيره (٣). وجوابه ظاهر.

ب : العموم الذي ثبت في هذه الأجناس ، هل هو ثابت في نوع خاص منها ـ فيحبى بجميع أفراد هذا النوع أو في جميع أنواعها؟

الحق المشهور هو الأول ، فالثياب التي تحبى بأجمعها هو ثياب بدنه ، وهي التي لبسها أو أعدّها للبسه وإن لم يلبسها ، فتخرج الثياب المعدّة للتجارة أو إلباس الغير أو الادخار ونحوها.

للإجماع. ولأنها المتبادر من لفظ كسوته ، ومن ثياب جلده ، ويؤكدها التخصيص بثياب الجلد بعد التعميم (٤). ولأنّ المراد بثياب جلده إما الملاصقة له ، أو المحيطة به ولو بالواسطة ، أو الملبوسة ولو في وقت ما ، أو المعدّة له ، أو الصالحة له. والمعنى الحقيقي هو الأول ، ولكنه غير‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٩٧.

(٢) راجع ص ٢٠٠ و ٢٠١.

(٣) رسائل الشهيد الثاني : ٢٢٣.

(٤) انظر : موثّقة العقرقوفي المتقدمة في ص ٢٠١.

٢١٦

مراد بخصوصه بالإجماع ، فيحمل إما على الأقرب ، أو ما دلت عليه القرينة ، والإجماع قرينة على إرادة المحيطة والملبوسة والمعدّة ، فلا يحمل على غيرها ، بل هي أقرب بالنسبة إلى غيرها أيضاً. وكذا إضافة الكسوة إلى الميت ونسبتها إليه إما نسبة ملكية ، أو اكتسائية ، وكل محتمل ، ولكن الثانية مرادة بالإجماع ، فتنفى الأُولى بالأصل.

والحلبي خصّ الثياب بثياب الصلاة (١) ؛ ومستنده غير ظاهر. والحلّي بما يلبسه ويديمه (٢) ؛ وكأنّ نظره إلى الإضافة ، وهي لا تفيده.

وكذا السيوف والمصاحف والخواتيم التي تحبى بأجمعها هي التي أعدّها للاستعمال ، ولخاصّة نفسه ، دون ما أعدّه للتجارة ونحوها ؛ لشهادة ظاهر لفظ سيفه ومصحفه وخاتمه بذلك.

نعم يشكل الأمر فيها من حيث ورودها في بعض النصوص بالتعريف دون الإضافة ، إلاّ أن يتمسّك في تخصيصها بالإجماع ، ولكن إثباته لا يخلو عن إشكال.

ج : لمّا كان الوارد في النصوص لفظ : « الكسوة والثياب » فاللازم في تعيينها ملاحظة صدق الاسم عرفاً‌ ، فيدخل فيها القميص والزبُون (٣) والقباء والسراويل ونحوها بلا خفاء (٤) ، وكذا المِمْطَر (٥) والعباء والرداء والفراء والثوب من اللبد ، لصدق الكسوة لغة ، بل عرفاً.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٧١.

(٢) السرائر ٣ : ٢٥٨.

(٣) الزبون : الذي يقطع على قدر الجسد ويلبس. تاج العروس ٩ : ٢٢٤.

(٤) في « س » : بلا خلاف.

(٥) الممطر : ما يلبس في المطر يُتوقّى به. الصحاح ٢ : ٨١٨.

٢١٧

وأخرج في المسالك القلنسوة (١) ، والدخول أظهر وعدم الاكتفاء بها في الكفارات لدليل آخر ومثلها الجورب.

واختلفوا في العمامة ، والظاهر الدخول ، لما مرّ.

والنعل والخف خارجان ، للشكّ في صدق الاسم. وكذا ما يشدّ به الوسط من المنطقة والحزام ، إلاّ أن يكون من شالات العجم ، فإنّ دخولها أقرب.

وفي الشبه بالبسط الذي يلبسه العجم بالتلفف لدفع البرد والمطر تردد ، والخروج أظهر ، والوجه في الجميع يظهر مما مرّ.

ولا يدخل لباس الحرب ، كالدرع والمغفر ، لعدم الصدق.

د : لو كان الثوب مما يحتاج إلى القصّ والخياطة ولم يتحقّق شي‌ء منهما فلا يدخل ؛ لعدم صدق الاسم لغة وعرفاً. ولو قصّه ولم يخِطه ففي الدخول نظر ، ولعل الخروج أقرب ، للشك في الصدق ، ولو سلم الإطلاق فهو أعم من الحقيقة والمجاز.

هـ : في دخول غمد السيف وبيت المصحف وحمائلهما وحليتهما وجهان ، من إطلاق الاسم على الجميع عرفاً ، وصحة سلبه عنها حقيقة.

والحق أنّ ما لا ينفكان عنه غالباً كالجلد في المصحف والقراب والقبضة والحمائل في السيف داخل ، لشهادة العرف بذلك.

والاستدلال عليه بصدق الاسم عرفاً محل نظر ؛ لصدقه عليها مجردة أيضاً ، فيكون إمّا مشتركاً ، أو مجازاً راجحاً في المجموع ، وعلى التقديرين لا يتم الاستدلال. ولا فرق في الدخول بين رخيصه وغاليه ، وإن أمكن‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٢٦.

٢١٨

الأرخص منه.

وأما غير ذلك فخارج ، لعدم الصدق ، وفقد الدليل.

و : الخاتم يطلق على ما يوضع على الحجج ، وعلى حلي للإصبع‌ ، معروف ، وبين المعنيين عموم من وجه ، فما كان من الخواتيم جامعاً للوصفين فلا إشكال في دخوله ، وكذا ما اختص بالأخير ، للإطلاق حقيقة وعرفاً. وأمّا ما اختص بالأول ولا يمكن لبسه كأكثر ما يختم به العجم ففي دخوله إشكال ، لعدم كونه متعارفاً عند العرب ، خصوصاً في الصدر الأول ، فيشك في صدق الاسم عليه في عرف هذا الزمان ، ولذا صرّح الشيخان وابن حمزة باشتراط لبسه (١) ، فتأمل.

ز : فصّ الخاتم داخل فيه وإن كان غاليا ؛ لشهادة العرف بذلك ، بل لعدم الصدق على الخالي منه.

ولا فرق فيه بين ما كان فصّه منقوشاً أم لا ، ولا بين المأخوذ من الفضة أو الحديد أو غيرهما ، إلاّ الذهب ، وفيه كلام يأتي ، ولا بين ما يلبس في الخنصر وغيرها ، في اليمين أو اليسار ؛ للصدق.

وفي دخول ما يلبس في الرجل أو الإبهام لأجل الرمي ، أو لأجل الزينة ، ويقال له بالفارسيّة : زهگير ، وجهان ، أوجههما العدم ؛ للشك في صدق الاسم.

ح : لو كان بعض هذه الأجناس مما يحرم استعماله على الرجل‌ ، كالثوب من الحرير ، والخاتم من الذهب ، فظاهر بعضهم الدخول ؛ لصدق الاسم عرفاً ، وعدم الملازمة بين الحرمة والحرمان (٢). ويمكن الإخراج ، بأنّ‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٨٤ ، الطوسي في النهاية : ٦٣٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٨٧.

(٢) انظر رسائل الشهيد الثاني : ٢٢٨.

٢١٩

الاسم وإن كان صادقاً ، إلاّ أنّ القرينة المخصصة موجودة ، وهو عدم كون مثله الثوب المضاف إليه ، والخاتم المضاف إليه ، وعدم معهوديّته عند الشارع ، ولا يخلو عن قوة.

ط : لو كان المحبوّ منه ممن لا ينتفع بمصحفه كالامّي ، أو بسيفه وخاتمه كمقطوع اليدين‌ ، ففي إحباء تلك الأعيان وعدمه احتمالان ، أظهرهما الأول ، لعموم الأدلة ، وصدق التسمية. والأظهر منه ما لو كان سبب عدم الانتفاع طارئاً بعد إمكانه. وكذا الكلام فيما لو كان المحبو ممن لا ينتفع ، واحتمال المنع هنا أضعف.

ي : لو خَلِق الثوب بحيث انتفى الصدق خرج ؛ للخروج عن الاسم. كما لو أحدث فيه تغييراً أخرجه عنه. وكذا لو كسر السيف والخاتم ، أو تغيّرا على وجه خرجا عن إطلاق الاسم. ولا فرق في التغيير بين كونه للإصلاح فاتفق موته قبله أو لا ؛ لزوال الاسم ، وتغيّر الموضوع حال الاستحقاق ، وعدم مدخلية النية.

يا : لو انفصل جزء من هذه الأعيان قبل الموت‌ ، كالفصّ من الخاتم ، والجلد من المصحف ، والقبضة من السيف ، وغيرها ، مما لا يُخرج انفصاله الباقيَ عن صدق الاسم وكان داخلاً قبل الانفصال ، فهل يدخل بعده أيضاً أم لا؟

فيها وجهان ، من تنزيل المنفصل منزلة المتصل للاستصحاب ، ومن خروج المنفصل عن الاسم. والأقرب الثاني ، لما ذكر. والاستصحاب إنما يكون عند عدم تغيّر الموضوع ولو لأجل عروض وصف ، وقد تغيّر هنا.

يب : لو نقص عن واحد من هذه الأعيان بعضه‌ ، فحكم بعضهم‌

٢٢٠