دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٣
الجزء ١ الجزء ٢

بالالتزام. ومقتضى دليل حجية الامارة التعبد بمقدار ما تدل عليه بالمطابقة والالتزام ، فاذا شك فى طرو الغسل كان ذلك شكا فى انتهاء أمد البقاء التعبدى الثابت بدليل الحجية ، فيستصحب ، لانه معلوم حدوثا ومشكوك بقاء.

الثانية : أن تعالج الامارة شبهة حكمية ويكون الشك فى البقاء شبهة موضوعية ، كماإذا دلت الامارة على النجاسة الماء المتغير وشك فى بقاء التغير ، وهنا يجرى نفس الوجهين السابقين ، حيث يمكن استصحاب التغير ، ويمكن استصحاب نفس النجاسة الظاهرية المغياة بارتفاع التغير ، للشك فى حصول غايتها.

الثالثة : أن تعالج الامارة شبهة موضوعية ويكون الشك فى البقاء شبهة حكمية ، كماإذا دلت الامراة على نجاسة الثوب وشك فى بقائها عند الغسل بالماء المضاف.

وفى هذه الصورة يتعذرإجراء الاستصحاب الموضوعى ، إذ لا شك فى وقوع الغسل بالماء المضاف وعدم وقوع الغسل بالماء المطلق ، ولكن يمكن اجراء الاستصحاب على الوجه الثانى ، لان الامارة المخبرة عن نجاسة الثوب تخبر التزاما عن بقاء هذه النجاسة مالم يحصل المطهر الواقعى ، وعلى هذا الاساس يكون التعبد الثابت على وفقها بدليل الحجية تعبدا مغيى بالمطهر الواقعى أياض ، فالتردد فى حصول المطهر الواقعى ولو على نحو الشبهة الحمية يسبب الشك فى بقاء التعبد المستفاد من دليل الحجية والذى هو متيقن حدوثا ، فيجرى فيه الاستصحاب.

الرابعة : أن تعالج الامارة شبهة حكمية ويكون الشك فى البقاء شبهة حكمية أيضا ، كماإذا دلت على تنجس الثوب بملاقاة المتنجس وشك فى حصول

٤٨١

التطهير بالغسل بالماء المضاف.

وعلاج هذه الصورة نفس علاج الصورة السابقة ، فان النجاسة المخبر عنها بالامارة هى على فرض حدوثها نجاسة مستمرة مغياة بطرو المطهر الشرعى ، وعلى هذا فالتعبد على طبق الامارة يتكفل اثبات هذا النحو من النجاسة ظاهرا. ولما كانت الغاية مرددة بين مطلق الغسل والغسل بالمطلق ، فيقع الشك فى حصولها عند الغسل بالمضاف ، وبالتالى يقع الشك فى بقاء التعبد المغيى المستفاد من دليل الحجية ، فيستصحب.

ففى كل هذه الصور يمكن التفادى عن الاشكال باجراء الاستصاحب الموضوعى أو استصحاب نفس المجعول فى دليل الحجية. وجامع هذه الصور أن يعلم بان للحكم المدلول للامارة على فرض ثبوته غاية ورافعا ويشك فى حصول الرافع على نحو الشبهة الموضوعية أو الحكمية.

نعم قد لا يكون الشك على هذا الوجه ، بل يكون الشك فى قابلية المستصحب للبقاء ، كماإذا دلت الامارة على وجوب الجلوس فى المسجد الى الزوال ، وشك فى بقاء هذا الوجوب بعد الزوال ، فان الامارة هنا لا يحتمل انها تدل مطابقة أو التزاما على أكثر من الوجوب الى الزوال ، وهذا يعنى ان التعبد على وفقها المستفاد من دليل الحجية لا يحتمل فيه الاستمرار اكثر من ذلك. وفى مثل هذا يتركز الاشكال ، لأن الحكم الواقعى بالوجوب غير متيقن الحدوث ، والحكم الظاهرى المستفاد من دليل الحجية غير محتمل البقاء. ويتوقف دفع الاشكال حينئذ على انكار ركنية اليقين بلحاظ مثل رواية عبدالله بن سنان المتقدمة.

ب ـ الشك فى البقاء :

والشك فى البقاء هو الركن الثانى ، وذلك لأخذه فى لسان أدلة

٤٨٢

الاستصحاب ، وقد يقال : ان ركنيته ضرورية بلا حاجة إلى اخذه فى لسان الأدلة ، لان الاستصحاب حكم ظاهرى والحكم الظاهرى متقوم بالشك ، فان فرض الشك فى الحدوث كان مورد قاعدة اليقين ، فلابد إذن من فرض الشك فى البقاء.

ولكن سيظهر ان ركنية الشك فى البقاء بعنوان لها آثار اضافية لا تثبت بالبرهان المذكور ، بل بأخذه فى لسان الأدلة ، فانتظر.

وتتفرع على ركنية الشك فى البقاء قضيتان :

الاولى : ان الاستصحاب لا يجرى فى الفرد المردد ، ونقصد بالفرد المرتدد حالة القسم الثانى من استصحاب الكلى ، كماإذا علمنا بوجود جامع الانسان فى المسجد وهو مردد بين زيد وخالد ، ونشك فى بقاء هذا الجامع ، لأن زيدا نراه الان خارج المسجد ، فان كان هو المحقق للجامع حدوثا فقد ارتفع الجامع ، وان كان خالد هو المحقق للجامع فلعله لا يزال باقيا.

وفى مثل ذلك يجرى استصحاب الجامع إذا كان لوجود الجامع اثر شرعى. ويسمى بالقسم الثانى من استصحاب الكلى كما تقدم فى الحلقة السابقة (١) ، ولا يجرى استصحاب بقاء زيد ولا استصحاب بقاء خالد بلا شك.

ولكن قد يقال : ان الاثار الشرعية إذا كانت مترتبة على وجود الافراد بما هى افراد أمكن اجراء استصحاب الفرد المردد على اجماله ، بأن نشيرإلى واقع الشخص الذى دخل المسجد ونقول : انه على اجماله يشك فى خروجه من المسجد فيستصحب.

ولكن الصحيح ان هذا الاستصحاب لا محصل له ، لاننا حينما نلحظ الافراد بعناوينها التفصيلية لا نجد شكا فى البقاء على كل تقدير ، إذ

ــــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٤٤١.

٤٨٣

لايحتمل بقاء زيد بحسب الفرض. وإذا لاحظناها بعنوان اجمالى وهو عنوان الانسان الذى دخل الى المسجد فالشك فى البقاء ثابت. فان اريد باستصحاب الفرد المرددإثبات بقاء الفرد بعنوانه التفصيلى ، فهو متعذر ، إذ لعل هذا الفرد هو زيد وزيد لا شك فى بقائه ، فيكون الركن الثانى مختلا. وإن اريد به اثبات بقاء الفرد بعنوانه الاجمالى ، فالركن الثانى محفوظ ولكن الركن الرابع غير متوفر ، لان الاثر الشرعى غير مترتب بحسب الفرض على العنوان الاجمالى بل على العناوين التفصيلية للافراد.

ومن هنا نعرف ان عدم جريان استصحاب الفرد المردد من نتائج ركنية الشك فى البقاء الثابتة بظهور الدليل ، ولا يكفى فيه البرهان القائل بان الحكم الظاهرى متقوم بالشك ، إذ لا يبأبى العقل عن تبعد الشارع ببقاء الفرد الواقعى مع احتمال قطعنا بخروجه.

والقضية الثانية : هى ان زمان المتيقن قد يكون متصلا بزمان المشكوك وسابقا عليه ، وقد يكون مرددا بين أن يكون نفس زمان المشكوك أو الزمان الذى قبله. ففى الحالة الاولى يصدق الشك فى البقاء بلا شك ، وأما الحالة الثانية فمثالها أن يحصل له العلم اجمالا بان هذا الثوب إما تنجس فى هذه اللحظة أو كان قد تنجس قبل ساعة وطهر ، فالنجاسة معلومة التحقق فى هذا الثوب أساس ولكنها مشكوكة فعلا ، وزمان المشكوك هو اللحظة الحاضرة ، وزمان النجاسة المتيقنة لعله نفس زمان المشكوك ولعله ساعة قبل ذلك.

وفى مثل ذلك قد يستشكل فى جريان الاستصحاب لأن من المحتمل وحدة زمانى المسكوك والمتيقن ، وعلى هذا التقدير لا يكون احدهما بقاء للاخر ، فالشك إذن لم يحرز كونه شكا فى البقاء ، وبذلك

٤٨٤

يختل الركن الثانى ، فلا يجرى الاستصحاب فى كل الحالات التى يكون زمان المتيقن فيها مرددا بين زمان المشكوك وما قبله.

ويمكن دفع الاستشكال بأن ( الشك فى البقاء ) بعنوانه لم يؤخذ صريحا فى لسان روايات الاستصحاب ، وانما أخذ ( الشك ) بعد ( اليقين ) وهو يلائم كل شك متعلق بما هو متيقن الحدوث ، سواء صدق عليه ( الشك فى البقاء ) أو لا.

والاستشكال المذكورإذا لم يندفع بهذا البيان يؤدى الى ان الاستصحاب فى موارد توارد الحالتين لا يجرى فى نفسه لا من أجل التعارض ، فاذا علم بالحدث والطهارة وشك فى المتقدم منهما فهو يعلم إجمالا بالحدث إما الان أو قبل ساعة ويشك فى الحدث فعلا ، فزمان الحدث المشكوك هو الان ، وزمان الحدث المتيقن مردد بين الان وما قبله ، فلا يجرى استصحاب الحدث ، ومثل ذلك يقال فى استصحاب الطهارة. وهذا بعض معانى ما يقال من عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

ثم ان هذا الركن الثانى قد يصاغ بصياغة اخرى ، فيقال : ان الاستصحاب متقوم بأن يكون رفع اليد عن الحالة السابقة نقضا لليقين بالشك. ويفرع على ذلك بانه متى ما لم يحرز ذلك واحتمل كونه نقضا لليقين باليقين فلا يشمله النهى فى عموم دليل الاستحصاب. وقد مثل لذلك بماإذا علم بطهارة عدة اشياء تفصيلا ثم علم اجمالا بنجاسة بعضها ، فان المعلوم بالعلم الاجمالى لما كان مرددا بين تلك الاشياء ، فكل واحد منها يحتمل أن يكون معلوم النجاسة ، وبالتالى يحتمل أن يكون رفع اليد عن الحالة السابقة فيه نقضا لليقين باليقين ، فلا يجرى الاستصحاب بقطع النظر عن المعارضة بين الاستصحاب هنا

٤٨٥

والاستصحاب هناك.

ونلاحظ على ذلك أولا : ان العلم الاجمالى ليس متعلقا بالواقع بل بالجامع ، فلا يحتمل أن يكون أى واحد من تلك الاشياء معلوم النجاسة.

وثانيا : لو سلمنا ان العلم الاجمالى يتعلق بالواقع فهو يتعلق به على نحو يلائم مع الشك فيه أيضا. ودليل الاستصحخاب مفاده انه لا يرفع اليد عن الحالة السابقة فى كل مورد يكون بقاؤها فيه مشكوكا ، وهذا يشمل محل الكلام حتى لو انطبق العلم الاجمالى بالنجاسة على نفس المورد أيضا.

فان قيل : بل لا يشمل ، لأننا حينئذ لا ننقض اليقين بالشك بل باليقين.

كان الجواب : ان « الباء » هنا لا يراد بها النهى عن النقض بسبب الشك ، والا للزم إمكان النقض بالقرعة أو الاستخارة ، بل يراد بذلك انه لا نقض فى حالة الشك ، وهى محفوظة فى المقام.

الشبهات الحكمية فى ضوء الركن الثانى :

وقد يقال : ان الركن الثانى يستدعى عدم جريان الاستصحاب فى الشبهة الحكمية ، كماإذا شك فى بقاء نجاسة الماء أو حرمة المقاربة ، بعد زوال التغير أو النقاء من الدم. وذلك لان النجاسة والحرمة وكل حكم شرعى ، ليس له وجود وثبوت إلا بالجعل. والجعل آنى دفعى ، فكل المجعول يثبت فى عالم الجعل فى آن واحد من دون أن يكون البعض منه بقاء للبعض الاخر ومترتبا عليه زمانا ، فنجاسة الماء المتغير بتمام حصصها وحرمة مقاربة المرأة بتمام حصصها متقارنة زمانا فى عالم الجعل ، وعليه فلا شك فى البقاء بل ولا يقين بحدوث المشكوك اصلا ،

٤٨٦

بل المتيقن حصة من الجعل والمشكوك حصة اخرى منه ، فلا يجرى استصحاب النجاسة أو الحرمة.

وهذا الكلام بمنى على ملاحظة عالم الجعل فقط ، فان حصص المجعول فيه متعاصرة ، بينما ينبغى ملاحظة عالم المجعول ، فان النجاسة بما هى صفة للماء المتغير الخارجى لها حدوث وبقاء ، وذكلك حرمة المقاربة بما هى صفة للمرأة الحائض الخارجية ، فيتم بملاحظة هذا العالم ، اليقين بالحدوث والشك فى البقاء ويجرى الاستصحاب.

ج ـ وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة :

وهذا هو الركن الثالث. والوجه فى ركنيته انه مع تغاير القضيتين لا يكون الشك شكا فى البقاء بل فى حدوث قضية جديدة ، ومن هنا يعلم بأن هذا ليس ركنا جديدا مضافا الى الركن السابق بل هو مستنبط منه وتعبير آخر عنه.

وقد طبق هذا الركن على الاستصحاب الجارى فى الشبهات الموضوعية ، وعلى الاستصحاب الجارى فى الشبهات الحكمية ، وواجه فى كل من المجالين بعض المشاكل والصعوبات كما نرى فيما يلى :

( أولا : تطبيقه فى الشبهات الموضوعية ).

جاء فى افادات الشيخ الانصارى قدس الله روحه (١) التعبير عن هذا الركن بالصياغة التالية : انه يعتبر فى جريان الاستصحاب إحراز بقاء الموضوع ، إذ مع تبدل الموضوع لا يكون الشك شكا فى البقاء ،

ــــــــــــــــ

(١) فرائد الاصول : ص ٦٩٠.

٤٨٧

فلا يمكنك مثلا ان تستصحب نجاسة الخشب بعد استحالته وصيرورته رمادا ، لان موضوع النجاسة المتيقنة لم يبق.

وهذه الصياغة سبب الاستشكال فى جريان الاستصحاب فيماإذا كان المشكوك اصل وجود الشى بقاء ، لان موضوع الوجود الماهية ولا بقاء للماهية إلا بالوجود ، فمع الشك فى وجودها بقاء لا يمكن احراز بقاء الموضوع ، فكيف يجرى الاستصحاب؟. وكذلك سببت الاستشكال احيانا فيماإذا كان المشكوك من الصفات الثانوية المثأخرة عن الوجود ، كالعدالة ، وذلك لان زيدا العادل تارة يشك فى بقاء عدالته مع العلم ببقاءه حيا ، ففى مثل ذلك يجرى استصحاب العدالة بلا اشكال ، لأن موضوعها وهو حياة زيد معلوم البقاء. واخرى يشك فى بقاء زيد حيا ويشك أيضا فى بقاء عدالته على تقدير حياته ، وفى مثل ذلك كيف يجرى استصحاب بقاء العدالة مع ان موضوعها غير محرز؟

وهذه الاستشكالات نشأت من الصياغة المذكورة ، وهى لا مبرر لها. ومن هنا عدل صاحب الكفاية (١) عنها الى القول بان المعتبر فى الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، وهى محفوظة فى موارد الاستشكال الانفة الذكر ، وأما افتراض المستحب عرضا وافتراض موضوع له واشتراط احراز بقائه ، فلا موجب لذلك.

( ثانيا : تطبيقه فى الشبهات الحكمية )

وعند تطبيق هذا الركن على الاستصحاب فى الشبهات الحكمية

ــــــــــــــــ

(١) كفاية الاصول : ج ٢ ص ٣٤٥.

٤٨٨

نشأت بعض المشاكل أيضا ، إذ لوحظ انا حين نأخذ بالصياغة الثانية له التى اختارها صاحب الكفاية نجد : ان وحدة القضية المتيقنة والمشكوك لا يمكن افتراضها فى الشبهة الحكمية إلا فى حالات الشك فى النسخ بمعنى الغاء الجعل أى النسخ بمعناه الحقيقى. وأما حيث لا يحتمل النسخ فلا يمكن ان ينشأ شك فى نفس القضية المتيقنة ، وانما يشك فى بقاء حكمها حينئذإذا تغيرت بعض القيود والخصوصيات المأخوذة فيها ، وذلك بأحد وجهين : إما بأن تكون خصوصية ما دخيلة يقينا فى حدوث الحكم ويشك فى اناطة بقائه ببقائها ، فترتفع الخصوصية ويشك حينئذ فى بقاء الحكم ، كالشك فى نجاسة الماء بعد زوال تغيره. وإما بأن تكون خصوصية ما مشكوكة الدخل من أول الأمر فى ثبوت الحكم ، فيفرض وجودها فى القضية المتيقنة ، إذ لا يقين بالحكم بدونها ، ثم ترتفع فيحصل الشك فى بقاء الحكم. وفى كل من هذين الوجهين لا وحدة بين القضية االمتيقنة والمشكوكة.

كما انا حين نأخذ بالصياغة الاولى لهذا الركن نلاحظ ان موضوع الحكم عبارة عن مجموع ما أخذ مفروض الوجود فى مقام جعله ، والموضوع بهذا المعنى غير محرز البقاء فى الشبهات الحكمية ، لان الشك فى بقاء الحكم ينشأ من الشك فى انحفاظ تمام الخصوصيات المفروضة الوجود فى مقام جعله.

ولاجل حل المشكلة المذكورة نقدم مثالا من الاعراض الخارجية فنقول : ان الحرارة لها معروض وهو الجسم ، وعلة وهى النار او الشمس ، والحرارة تعتد بتعدد الجسم المعروض لها فحرارة الخشب غير حرارة الماء ، ولا تتعدد بتعدد الاسباب والحيثيات التعليلية ، فاذا كانت

٤٨٩

حرارة الماء مستندة الى النار حدوثا والى الشمس بقاء لا تعتبر حرارتين متغايرتين ، بل هى حرارة واحدة لها حدوث وبقاء.

ونفس الشىء نقوله عن الحكم كالنجاسة مثلا ، فان لها معروض وهو الجسم ، وعلة وهى التغير بالنسبة الى نجاسة الماء مثلا ، والضابط فى تعددها تعدد معروضها لا تعدد الحيثيات التعليلية. فالخصوصية الزائلة التى سبب زوالها الشك فى بقاء الحكم إن كانت على فرض دخالتها بمثابة العلة والشرط ، فلا يضر زوالها بوحدة الحكم ، ولا تستوجب دخالتها كحيثية تعليلية ، مباينة الحكم بقاء للحكم حدوثا ، كما هو الحال فى الحرارة ايضا. واماإذا كانت الخضوصية الزائلة مقومة لمروض الحكم ، كخصوصية البولية الزائلة عند تحول البول بخارا ، فهى توجب التغاير بين الحكم المذكور والحكم الثابت بعد زوالها.

وعليه فكلما كانت الخصوصية غير المحفوطة من الموضوع أن من القضية المتيقنة حيثية تعليلية ، فلا ينافى ذلك وحدة الحكم حدوثا وبقاء ، ومعه يجرى الاستصحاب. وكلما كانت الخصوصية مقومة للمعروض كان انتفاؤها موجبا لتعذر جريان الاستصحاب ، لان المشكوك حينئذ مباين للمتيقن.

ومن هنا يبرز السؤال التالى : كيف نستطيع أن نميز بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية المقومة لمعروض الحكم؟. فقد يقال : بأن مرجع ذلك هو الدليل الشرعى ، لأن أخذ الحيثية فى الحكم ونحو هذا الاخذ تحت سلطان الشارع ، فالدليل الشرعى هو الكاشف عن ذلك ، فاذا ورد بلسان ( المائإذا تغير تنجس ) فهمنا ان التغير اتخذ حيثية تعليلية. واذا ورد بلسان ( الماء المتغير متنجس ) فهمنا ان التغير حيثية

٤٩٠

تقييدية ، وعلى وزان ذلك ( قلد العالم ) أو ( قلده إن كان عالما ) وهكذا.

والصحيح : ان أخذ الحيثية فى الحكم بيد الشارع ، وكذلك نحو أخذها فى عالم الجعل ، إذ فى عالم الجعل يستحضر المولى مفاهيم معينة ، كمفهوم الماء والتغير والنجاسة ، فبامكانه أن يجعل التغير قيدا للماء ، وبامكانه أن يجعله شرطا فى ثبوت النجاسة تبعا لكيفية تنظيمه لهذه المفاهيم فى عالم الجعل ، غير ان استصحاب الحكم فى الشبهات الحكمية لا يجرى بلحاظ عالم الجعل بل بلحاظ عالم المجعول ، فينظر الى الحكم بما هو صفة للامر الخارجى لكى يكون له حدوث وبقاء ، كما تقدم. وعليه فالمعروض محدد واقعا ، وما هو داخل فيه وما هو خارج عنه ، لا يتبع فى دخوله وخروجه نحو أخذه فى عالم الجعل بل مدى قابليته للاتصاف بالحكم خارجا ، فالتغير مثلا لا يتصف بالنجاسة والقذارة فى الخارج بل الذى يوصف بذلك ذات الماء ، والتغير سبب الاتصاف ، والتقليد وأخذ الفتوى يكون من العالم بما هو عالم أو من علمه بحسب الحقيقية. فالتغير حيثية تعليلية ولو أخذ تقييدية جعلا ودليلا ، والعلم حيثية تقييدية لوجوب التقليد ولو أخذ شرطا وعلة جعلا ودليلا.

وهنا نواجه سؤالا آخر وهو : ان المعروض واقعا بأى نظر نشخصه ، هل بالنظر الدقيق العقلى أو بالنظر العرفى ، مثلاإذا أردنا فى الشبهة الحكمية أن نستصحب اعتصام الكر بعد زوال جزء يسير منه فيماإذا احتملنا بقاء الاعتصام وعدمه انثلامه بزوال ذلك الجزء ... فكيف نشخص معروض الاعتصام؟ فانناإذا أخذنا بالنظر الدقيق العقلى وجدنا ان المعروض غير محرز بقاء ، لأن الجزء اليسير الذى زال من الماء يشكل جزء من المعروض بهذا النظر. وإذا اخذنا بالنظر العرفى وجدنا

٤٩١

ان المعروض لا يزال باقيا ببقاء معظم الماء ، لأن العرف يرى انه نفس الماء السابق. والشىء نفسه نواجهه عند استصحاب الكرية بعد زوال الجزء اليسير من الماء فى الشبهة الموضوعية.

والجواب : ان المتبع هو النظر العرفى ، لان دليل الاستصحاب خطاب عرفى منزل على الانظار العرفية ، فالاستصحاب يتبع صدق النقض عرفا ، وصدقه كذلك يرتبط بانحفاظ المعروف عرفا.

د ـ الاثر العملى :

والركن الرابع من أركان الاستصحاب وجود الاثر العملى المصحح لجريانه ، وهذا الركن يمكن بيانه باحدى الصيغ التالية : الاولى : ان الاستصحاب يتقوم بلزوم انتهاء التعبد فيه الى أثر عملى ، إذ لو لم يترتب أى أثر عملى على التعبد الاستصحابى كان لغوا ، وقرينة الحكمة تصرف اطلاق دليل الاستصحاب عن مثل ذلك.

وصياغة الركن بهذه الصيغة تجعل بغير حاجة الى أى استدلال سوى ما ذكرناه ، وتسمح حينئذ بجريان الاستصحاب حتى فيماإذا لم يكن المستصحب أثرا شرعيا أذ ذا أثر شرعى أو قابلا للتنجيز والتعذير بوجه من الوجوه ، على شرط أن يكون لنفس التعبد الاستصحابى به أثر يخرجه عن اللغوية ، كماإذا أخذ القطع بموضوع خارجى لا حكم له تمام الموضوع لحكم شرعى ، وقلنا : بأن الاستصحاب يقوم مقام القطع الموضوعى بدعوى ان المجعول فيه الطريقية ، فان بالامكان حينئذ جريان الاستصحاب لترتيب حكم القطع وإن لم يكن للمستصحب اثر ، وهذا معنى إمكان قيامه مقام القطع الموضوعى دون الطريقى فى بعض الموارد.

٤٩٢

الثانية إن الاستصحاب يتقوم بأن يكون المستصحب قابلا للتنجيز والتعذير ، ولا يكفى مجرد ترتب الاثر على نفس التعبد الاستصحابى ولا فرق فى قابلية المستصحب للمنجزية والمعذرية بين أن تكون باعتباره حكما شرعيا ، أو عدم حكم شرعى ، أو موضوعا لحكم ، أو دخيلا فى متعلق الحكم ، كالاستصحابات الجارية لتنقيح شرط الواجب مثلا اثباتا ونفيا.

ومدرك هذه الصيغة التى هى أضيق من الصيغة السابقة استظهار ذلك من نفس دليل الاستصحاب ، لان مفاده النهى عن نقض اليقين بالشك ، والنقض هنا ليس هو النقض الحقيقى لانه واقع لا محالة ولا معنى للنهى عنه ، وانما هو النقض العملى ، وفرض النقض العملى لليقين هو فرض ان اليقين بحسب طبعه له اقتضاء عملى لينقض عملا ، والاقتضاء العملى لليقين انما يكون بلحاظ كاشفيته ، وهذا يفترض أن يكون اليقين متعلقا بما هو صالح للتنجيز والتعذير لكى يشمله اطلاق دليل الاستصحاب.

وهذا البيان يتوقف على استظهار ارادة النقض العملى من النقض بقرينة تعلق النهى به ، ولا يتم إذا استظهر عرفاإرادة النقض الحقيقى مع حمل النهى على كونه إرشادا الى عدم إمكان ذلك بحسب عالم الاعتبار ، فان المولى قد ينهى عن شىءإرشادا الى عدم القدرة عليه ، كما يقال فى ( دعى الصلاة ايام أقرائك ). غاية الامر ان الصلاة غير مقدورة للحائض حقيقة ، والنقض غير مقدور للمكلف ادعاء واعتبارا لتعبد الشارع ببقاء اليقين السابق.

وبناء على هذا الاستظهار يكون مفاد الدليل جعل الطريقية ،

٤٩٣

ولا يلزم فى تطبيقه على مورد تصوير النقض العملى والاقتضاء العملى ، غير انه يكفى لتعين الصيغة الثانية فى مقابل الاولى اجمال الدليل وتردده بين الاحتمالين الموجب للاقتصار على المتيقن منه ط والمتيقن ما تقرره الصيغة الثانية.

الثالثة : ان الاستصحاب يتقوم بأن يكون المستحصب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعى ، وهذه الصيغة أضيق من كلتا الصيغتين السابقتين ، ومن هنا وقع الاشكال فى كيفية جريان الاستصحاب على ضوء هذه الصيغة فى متعلق الأمر قيدا وجزء من قبيل استصحاب الطهارة مع ان قيد الواجب ليس حكما شرعيا ولا موضوعا يترتب عليه حكم شرعى ، لأن الوجوب يترتب على موضوعه لا على متعلقه.

وقد يدفع الاشكال بأن ايجاد المتعلق مسقط للأمر فهو موضوع لعدمه ، فيجرى استصحابه لاثبات عدم الأمر وسقوطه.

وهذا الدفع بحاجة من ناحية الى توسعة المقصود من الحكم بجعله شاملا لعدم الحكم أيضا ، وبحاجة من ناحية اخرى الى التسليم بان ايجاد المتعلق مسقط لنفس الأمر لا لفاعليته على ما تقدم.

والاولى فى دفع الاشكال رفض هذه الصيغة الثالثة ، إذ لا دليل عليها سوى أحد أمرين :

الأول : ان المستصحب إذا لم يكن حكما شرعيا وموضوعا لحكم شرعى كان اجنبيا عن الشارع ، فلا معنى للتعبد به شرعا.

والجواب : عن ذلك ان التعبد الشرعى معقول فى كل مورد ينتهى فيه إلى التنجيز والتعذير ، وهذا لا يختص بما ذكر ، فان التعبد بوقوع الامتثال أو عدمه ينتهى الى ذلك أيضا.

٤٩٤

الثانى : ان مفاد دليل الاستصحاب جعل الحكم المماثل ظاهرا ، فلابد أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعى ليمكن جعل الحكم المماثل على طبقه.

والجواب : عن ذلك انه لا موجب لاستفادة جعل الحكم المماثل بعنوانه من دليل الاستصحاب ، بل مفاده النهى عن نقض اليقين بالشك إما بمعنى النهى عن النقض العملى بداعى تنجيز الحالة السابقة بقاء ، وإما بمعنى النهى عن النقض الحقيقى ، إرشادا الى بقاء اليقين السابق أو بقاء المتيقن السابق ادعاء ، وعلى كل حال فلا يلزم أن يكون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم ، بل أن يكون أمرا قابلا لتنجيز والتعذير لكى يتعلق به التعبد على أحد هذه الانحاء.

٤٩٥

مقدار ما يثبت الاستصحاب

لا شك فى أن المستصحب يثبت تعبدا وعمليا بالاستصحاب ، وأما آثاره ولوزازمه فهى على قسمين :

القسم الأول : الاثار الشرعية ، كماإذا كان المستصحب موضوعا لحكم شرعى أو حكما شرعيا واقعا بدوره موضوعا لحكم شرعى آخر.

وقد يكون المستصحب موضوعا لحكمه وحكمه بدوره موضوع لحكم آخر ، كطهارة الماء الذى يغسل به الطعام المتنجس ، فانها موضوع لطهارة الطعام وهى موضوع لحليته.

القسم الثانى : الاثار واللواز العقلية التى يكون ارتباطها بالمستصحب تكوينيا وليس بالجعل والتشريع ، كنبات اللحية اللازم تكوينا لبقاء زيد حيا ، وموته اللازم تكوينا من بقائه الى جانب الجدار الى حين انهدامه ، وكون ما فى الحوض كرا اللازم تكوينا من استصحاب وجود كر من الماء فى الحوض ، فان مفاد كان النقاصة لازم عقلى لمفاد كان التامة ، وهكذا.

اما القسم الأول : فلا خلاف فى ثبوته تعبدا وعمليا بدليل

٤٩٦

الاستصحاب ، سواء قلنا ان مفاده الارشاد الى عدم الانتقاض لعناية التعبد ببقاء المتيقن ، أو الارشاد الى عدم الانتقاض لعناية التعبد ببقاء نفس اليقين ، أو النهى عن النقض العملى لليقين بالشك.

أما على الأول فلان التعبد ببقاء المتيقن ليس بمعنى إبقائه حقيقة بل تنزيلا ، ومرجعه الى تنزيل مشكوك البقاء منزل الباقى ، فيكون دليل الاستصحاب من أدلة التنزيل ، ومقتضى دليل التنزيل إسراء الحكم الشرعى للمنزل عليه الى المنزل إسراء واقعيا أو ظاهريا تبعا لواقعية التنزيل أو ظاهريته واناطته بالشك ، وعليه فاطلاق التنزيل فى دليل الاستصحاب يقتضى ثبوت جميع الاثار الشرعية للمستصحب بالاستصحاب.

فان قيل : هذا يصح بالنسبة الى الاثر الشرعى المترتب على المستصحب مباشرة ، ولا يبرر ثبوت الاثر الشرعى المترتب على ذلك الاثر المباشر ، وذلك لأن الاثر المباشر ، وذلك لأن الاثر المباشر لم يثبت حقيقة لكى يتبعه اثره ، لان التنزيل ظاهرى لا واقعى ، وانما ثبت الاثر المباشر تنزيلا وتعبدا فكيف يثبت أثره؟

كان الجواب : إنه يثبت بالتنزيل أيضا ، إذ ما دام اثبات الاثر المباشر كان اثباتا تنزيليا فمرجعه الى تنزيله منزلة الاثر المباشر الواقعى ، وهذا يستتبع ثبوت الاثر الشرعى الثانى تنزيلا ، وهكذا.

واما على الثانى فقد يستشكل بأنه لا تنزيل فى ناحية المستصحب على هذا التقدير ، وانما التنزيل والتعبد فى نفس اليقين ، وغاية ما يقتضية كون اليقين بالحالة السابقة باقيا تعبدا بلحاظ كاشفيته ، ومن الواضح ان اليقين بشىء انما يكون طريقا الى متعلقه لاإلى آثار متعلقه ، وانما يقع

٤٩٧

فى صراط توليد اليقين بتلك الاثار ، واليقين المتولد هو الذى له طريقية الى تلك الاثار ، وما دامت طريقية كل يقين تختص بمتعلقه فكذلك مجزييته ومحركيته. وعليه فالتعبد ببقاء اليقين بالحالة السابقة انما يقتضى توفير المنجز والمحرك بالنسبة الى الحالة السابقة لا بالنسبة الى آثارها الشرعية.

فان قيل : أليس من يكون على يقين من شىء يكون على يقين من آثاره أيضا؟

كان الجواب : ان اليقين التكوينى بشىء يلزم منه اليقين التكوينى بما يعرفه الشخص من آثارهن وأما اليقين التعبدى بشىء فلا يلزم منه اليقين التعبدى باثاره ، لأن أمره تابع امتدادا وانكماشا لمقدار التعبد ، ودليل الاستصحاب لا يدل على اكثر من التعبد باليقن بالحالة السابقة.

والتحقيق : ان تنجز الحكم يحصل بمجرد وصول كبراه وهى الجعل ، وصغراه وهى الموضوع ، فاليقين التعبدى بموضوع الاثر بنفسه منجز لذلك الأثر والحكم وإن لم يسرإلى الحكم.

ومنه يعرف الحال على التقدير الثالث ، فان اليقين بالموضوع لما طان بنفسه منجزا للحكم كان الجرى على طبق حكمه داخلا فى دائرة اقتضائه العملى ، فيلزم بمقتضى النهى عن النقض العملى.

فان قيل : إذا كان اليقين بالموضوع كافيا لتنجز الحكم المترتب عليه ، فماذا يقال عن الحكم الشرعى المترتب على هذا الحكم ، وكيف يتنجز مع انه لا تعبد باليقين بموضوعه وهو الحكم الأول؟

كان الجواب : ان الحكم الثانى الذى اخذ فى موضوعه الحكم الأول لا يفهم من لسان دليله إلا ان الحكم الأول بكبراه وصغراه موضوع للحكم

٤٩٨

الثانى ، والمفروض انه محرز كبرى وصغرى ، جعلا وموضوعا ، وهذا هو معنى اليقين بموضوع الحكم الثانى ، فيتنجز الحكم الثانى كما يتنجز الحكم الأول.

وأما القسم الثانى : فلا يثبت بدليل الاستصحاب ، لانه إن اريد اثبات اللوازم العقلية بما هى فقط فهو غير معقول ، إذ لا اثر للتعبد بها بما هى. وإن اريد اثبات ما لهذه اللوزام منة ثار واحكام شرعية فلا يساعد عليه دليل الاستصحاب على التقادير الثلاثة المتقدمة. أما على الأول فلان التنزيل فى جانب المستصحب انما يكون بلحاظ الاثار الشرعية لا اللوازم العقلية ، كما تقدم فى الحلقة السابقة (١). وأما على الاخيرين فلان اليقين بالحالة السابقة تعبدا لا يفيد لتنجيز الحكم الشرعى المترتب على اللازم العقلى ، لان موضوع هذا الحكم هو اللازم العقلى ، واليقين التعبدى بالمستصحب ليس يقينا تعبديا باللازم العقلى.

وعلى هذا الاساس يقال : ان الأصل المثبت غير معتبر ، بمعنى ان الاستصحاب لا تثبت به اللوازم العقلية للمستصحب ولا الاثار الشرعية لتل ، اللوازم. نعم إذا كان لنفس الاستصحاب لازم عقلى ، كحكم العقل بالمنجزية مثلا ، فلا شك فى ترتبه ، لان الاستصحاب ثابت بالدليل المحرز فتترتب عليه كل لوازمه الشرعية والعقلية على السواء.

هذا كله على تقدير عدم ثبوت إمارية الاستصحاب ، كما هو الصحيح على ما عرفت. وأما لو قيل با ماريته واستظهرنا من دليل الاستصحاب ان اعتبار الحالة السابقة بلحاظ الكاشفية ، كان حجة فى اثبات اللوازم العقلية للمستصحب واحكامها أيضاص وفقا للقانون العام فى الامارات على ما تقدم سابقا.

ــــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٤٣٣.

٤٩٩

عموم جريان الاستصحاب

بعد ثبوت كبرى الاستصحاب وقع البحث بين المحققين فى اطلاقها لبعض الحالات. ومن هنا نشأ التفصيل فى القول به ، ولعل أهم التفصيلات المعروفة قولان :

أحدهما : ما ذهب اليه الشيخ الأنصارى (١) من التفصيل بين موارد الشك فى المقتضى والشك فى الرافع ، والالتزام بجريان الاستصحاب فى الثانيى دون الأول. ومدرك المنع من جريانه فى الأول أحد وجهين :

الأول : أن يدعى بأن دليل الاستصحاب ليس فيه اطلاق لفظى ، وانما الغيت خصوصية المورد فى قوله ( ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ) بقرينة الارتكاز العرفى ، وكون الكبرى مسوقة مساق التعليل الظاهر فى الاشارة الى قاعدة عرفية مركوزة ، وليست هى إلا كبرى الاستصحاب ، ولما كان المرتكز عرفا من الاستصحاب لا يشمل موارد الشك فى المقتضى ، فالتعميم الحاصل فى الدليل بضم هذا الارتكاز لا يقتضى ذ اطلاقا أوسع من موارد الشك فى الرافع.

ــــــــــــــــ

(١) فرائد الاصول : ص ٥٦١.

٥٠٠