دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٣
الجزء ١ الجزء ٢

فبطلانه فى الخروج عن محل الابتلاء أوضح. بل الصحيح ان الدخول فى محل الابتلاء ليس شرطا فى التكليف بمعنى الزجر ، فضلا عن المبادى ، إذ ما دام الفعل مممكن الصدور من الفاعل المختار فالزاجر عنه معقول.

فان قيل : ما فائدة هذا الزجر مع ان عدم صدوره مضمون لبعده وصعوبته.

كان الجواب : انه يكفى فائدة للزجر تمكين المكلف من التعبد بتركه.

فالافضل ان يفسر عدم تنجيز العلم الاجمالى مع خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء باختلال الركن الثالث ، لأن أصل البراءة لا يجرى فى الطرف الخارج عن محل الابتلاء فى نفسه ، لأن الاصل العلمى تعيين للموقف العملى تجاه التزاحم بين الاغراض اللزومية والترخيصية ، والعقلاء لا يرون تزاحما من هذا القبيل بالنسبة الى الطرف الخارج عن محل الابتلاء ، بل يرون الغرض اللزومى المحتمل مضمونا بحكم الخروج عن محل الابتلاء بدون تفريط بالغرض الترخيصى ، فالأصل المؤمن فى الطرف الاخر يجرى بلا معارض.

٩ ـ العلم الاجمالى بالتدريجات :

إذا كان أحد طرفى العلم الاجمالى تكليفا فعليا والطرف الاخر تكليفا منوطا بزمان متأخر ، سمى هذا العلم بالعلم الاجمالى بالتدريجات. ومثاله علم المرأة اجمالاإذا ضاعت عليها ايام العادة بحرمة المكث فى المسجد فى بعض الايام من الشهر. وقد استشكل بعض الاصوليين فى تنجيز هذا العلم الاجمالى ، ويستفاد من كلماتهم إمكان

٤٠١

تقريب الاستشكال بوجهين :

الأول : ان الركن الأول مختل ، لان المرأة فى بداية الشهر لا علم اجمالى لها بالتكليف الفعلى ، لانهاإما حائض فعلا ، فالتكليف فعلى ، وإما ستكون حائضا فى منتصف الشهر مثلا ، فلا تكليف فعلا ، فلا علم بالتكليف فعلا على كل تقدير ، وبذلك يختل الركن الأول.

الثانى : ان الركن الثالث مختل ، أما اختلاله بصيغته الاولى فتقريبه ان المرأة فى بداية الشهر تحتمل حرمة المكث فعلا وتحتمل حرمة المكث فى منتصف الشهر مثلا ، ولما كانت الحرمة الاولى محتملة فعلا ومشكوكة ، فهى مورد للاصل المؤمن ، وأما الحرمة الثانية فهى وإن كانت مشكوكة ولكنها ليست موردا للاصل المؤمن فعلا فى بداية الشهر ، إذ لا يحتمل وجود الحرمة الثانية فى أول الشهر ، وانما يحتمل وجودها فى منتصفه ، فلا تقع موردا للأصل المؤمن إلا فى منتصف الشهر ، وهذا يعنى أن المرأة فى بداية الشهر تجد الاصل المؤمن عن حرمة المكث فعلا جاريا بلا معارض ، وهو معنى عدم التنجيز.

وأما اختلاله بصيغته الثانية فلأن الحرمة المتأخرة لا تصلح أن تكون منجزة فى بداية الشهر ، لأن تنجز كل تكليف فرع ثبوته وفعليته ، ففى بداية الشهر لا يكون العلم الاجمالى صالحا لتنجيز معلومه على كل تقدير.

والصحيح ان الركن الأول والثالث كلاهما محفوظان فى المقام. أما الركن الأول فلأن المفصود بالفعلية فى قولنا : ( العلم الاجمالى بالتكليف الفعلى ) ليس وجود التكليف فى هذا الان ، بل وجوده فعلا فى عمود الزمان ، احترازا عما إذا كان المعلوم جزء الموضوع للتكليف دون جزئه الاخر ، فانه فى مثل ذلك لا علم بتكليف فعلى ولو فى زمان. فالجامع بين

٤٠٢

تكليف فى هذا الان وتكليف يصبح فعليا فى آن متأخر ، لا يقصر عقلا وصوله عن وصول الجامع بين تكليفين كلاهما فى هذا الان ، لأن مولوية المولى لا تختص بهذا الان ، كما هو واضح.

وأما الركن الثالث بصيغته الاولى فلان الأصل المؤمن الذى يراد إجراؤه عن الطرف الفعلى معارض بالاصل الجارى فى الطرف الاخر المتأخر فى ظرفه ، إذ ليس التعارض بين اصلين من قبيل التضاد بين لونين يشترط فى حصوله وحدة الزمان ، بل مرده الى العلم بعدم امكان شمول دليل الاصل لكل من الطرفين بالنحو المناسب له من الشمول زمانا ، وحيث لا مرجح للأخذ بدليل الاصل فى طرف دون طرف فيتعارض الاصلان.

وأما لاصيغة الثانية للركن الثالث فلأن المقصود من كون العلم الاجمالى صالحا لمنجزية معلومة على كل تقدير كونه صالحا لذلك ولو على امتداد الزمان لا فى خصوص هذا الان.

وهكذا يتضح ان الشبهات التى حامت حول تنجيز العلم الاجمالى فى التدريجات موهونة جدا ، غير ان جماعة من الاصوليين وقعوا تحت تأثيرها ، فذهب بعضهم الى عدم التنجيز ورخص فى ارتكاب الطرف الفعلى ما دام الطرف الاخر متأخرا. وذهب البعض الاخر الى عدم الترخيص بابراز علم الجمالى بالجامع بين طرفين فعليين ، كالمحقق العراقى (١) ، إذ أجاب على شبهات عدم التنجيز بوجود عليم اجمالى آخر غير تدريجى الاطراف. وتوضيحه ان التكليف إذا كان فى القطعة

ـــــــــــــــــ

(١) نهاية الافكار : القسم الثانى من الجزء الثالث ص ٣٢٤.

٤٠٣

الزمانية المعاصرة فهو تكليف فعلى. واذا كان فى قطعة زمانية متأخرة فوجوب حفظ القدرة الى حين مجىء ظرفه فعلى ، لما يعرف من مسألة وجوب المقدمات المفوتة من عدم جواز تضييع الانسان لقدرته قبل مجىء ظرف الواجب ، وهكذا يعلم اجمالا بالجامع بين تكليفين فعليين فيكون منجزا.

ونلاحظ على هذا أولا : ان التنجيز ليس بحاجة الى ابراز هذا العلم الاجمالى ، لما عرفت من تنجيز العلم الاجمالى فى التدريجات.

وثانيا : ان وجوب حفظ القدرة إنما هو بحكم العقل كما تقدم فى مباحث المقدمة المفوتة وحكم العقل بوجوب حفظ القدرة لا متثال تكليف فرع تنجز ذلك التلكيف ، فلابد فى المرتبة السابقة على وجوب حفظ القدرة من وجوب منجز للتلكيف الاخر ، ولا منجز له كذلك ألا العلم الاجمالى فى التدريجات.

وثالثا : إن المنجزإذا كان هو العلم الاجمالى بالجامع بين التكليف الفعلى ووجوب حفظ القدرة لا متثال التكليف المتأخر ، فهو لا يفرض سوى عدم تفويت القدرة ، وأما تفويت ما يكلف به فى ظرفه المتأخر بعد حفظ القدرة فلا يمكن المنع عنه بذلك العلم الاجمالى ، وانما يتعين تنجز المنع عنه بنفس العلم الاجمالى فى التدريجات ، وهوإن كان منجزا لذلك ثبت تنجيزه لكلا طرفيه.

١٠ ـ الطولية بين طرفى العلم الاجمالى :

قد يكون الطرفان للعلم الاجمالى طوليين ، بأن كان أجد التكليفين مترتبا على عدم الاخر ، من قبيل أن نفرض ان وجوب الحج مترتب على

٤٠٤

عدم وجوب وفاء الدين وعلم اجمالا بأحد الأمرين. وهذا له صورتان :

الاولى : أن يكون وجوب الحج مترتبا على مطلق التأمين عن وجوب وفاء الدين ولو بالأصل.

الثانية : أن يكون وجوب الحج مترتبا على عدم وجوب وفاء الدين واقعا.

أما الصورة الاولى فليس العلم الاجمالى منجزا فيها بلا ريب ، لانهدام الركن الثالث ، لأن الاصل المؤمن عن وجوب وفاء الدين يجرى ولا يعارضه الاصل المؤمن عن وجوب الحج ، لأن وجوب الحج يصبح معلوما بمجردإجراء البراءة عن وجوب الوفاء ، فلا موضوع للأصل فيه.

فان قيل : هذا يتم بناء على إنكار علية العلم الاجمالى لوجوب الموافقة القطعية واستناد عدم جريان الاصل فى بعض الاطراف الى التعارض ، فما هو الموقف بناء على علية العلم الاجمالى واستحالة جريان الاصل المؤمن فى بعض الاطراف ولو لم يكن له معارض؟

والجواب : ان هذه الاستحالة انما هى باعتبار العلم الاجمالى ، ويستحيل فى المقام أن يكون العلم الاجمالى مانعا عن جريان الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء ، لانه متوقف على عدم جريانه ، إذ بجريانه يحصل العلم التفصيلى بوجوب الحج وينحل العلم الاجمالى ، وما يتوقف على عدم شىء يستحيل أن يكون مانعا عنه ، فالاصل يجرى إذن حتى على القول بالعلية.

وأما الصورة الثانية فيجرى فيها أيضا الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء ولاى عارض بالاصل المؤمن عن وجوب الحج ، لأن ذلك الاصل ينقح بالتعبد موضوع وجوب الحج ، فيعتبر اصلا سببيا بالنسبة الى الاصل المؤمن عن وجوب الحج ، والاصل السببى مقدم على الاصل المسببى.

٤٠٥

وهكذا نعرف ان حكم الصورتين عمليا واحد ، ولكنهما يختلفان فى ان الاصل فى الصورة الاولى بجريانه فى وجوب الوفاء يحقق موضوع وجوب الحج وجدانا ويوجب انحلال العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى ، ومن هنا كان وجود العلم الاجمالى متوقفا على عدم جريانه ، كما عرفت.

وأما فى الصورة الثانية فلا يحقق ذلك ، لأن وجوب الحج مترتب على عدم وجوب الوفاء واقعا ، وهو غير محرز وجدانا ، وانما يثبت تعبدا بالاصل دون أن ينشأ علم تفصيلى بوجوب الحج. ولهذا لا يكون جريان الاصل فى الصورة الثانية موجبا لانحلال العلم الاجمالى ، وبالتالى لا يكون وجود العلم الاجمالى متوقفا على عدم جريانه. ومن اجل ذلك قد يقال هنا بعدم جريان الأصل المؤمن عن وجوب الوفاء على القول بالعلية ، لأن مانعية العلم الاجمالى عن جريانه ممكنة لعدم توقف العلم الاجمالى على عدم جريانه.

وهناك فارق آخر بين الصورتين ، وهو انه فى الصورة الاولى يجرى الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء سواء كان تنزيليا أو لا ، ويحقق على أى حال موضوع وجوب الحج وجدانا. وأما فى الصورة الثانية فانما يجرى اذا كان تنزيليا ، بمعنى ان مفاده التعبد بعدم التكليف المشكوك واقعا ، وذلك لأن الأصل التنزيلى هو الذى يحرز لنا تعبدا موضوع وجوب الحج ، فيكون مبثابة الاصل السببى بالنسبة الى الاصل المؤمن عن وجوب الحج ، وأما الاصل العلمى البحت فلا يثبت به تعبدا العدم الواقعى لوجوب الوفاء ، فلا يكون حاكما على الأصل الجارى فى الطرف الاخر بل معارضا.

٤٠٦

تلخيص للقواعد الثلاث :

خرجنا حتى الان بثلاث قواعد ، فالقاعدة العلمية الاولى قاعدة عقلية وهى اصالة الاشتغال على مسلك حق الطاعة. والبراءة على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان. والقاعدة العلمية الثانية الحاكمة هى البراءة الشرعية. والقاعدة العلمية الثالثة منجزية العلم الاجمالى أى تنجز الاحتمال المقرون بالعلم الاجمالى وعدم جريان البراءة عنه.

٤٠٧
٤٠٨

الوظيفة

عند الشك فى الوجوب والحرمة معا

٤٠٩
٤١٠

الوظيفة العلمية فى حالة الشك

٣

١ ـ الشك البدوى فى الوجوب والحرمة.

٢ ـ دوران الأمر بين المحذورين.

٤١١
٤١٢

حتى الان كنا نتكلم عن الشك فى التكليف ، وما هى الوظيفة العلمية المقررة فيه عقلا أو شرعا ، سواء كان شكا بدويا أو مقرونا بالعلم الاجمالى ، إلا اننا كنا نقصد بالشك فى التكليف الشك الذى يستبطن احتمالين فقط ، وهما : احتمال الوجوب ، واحتمال الترخيص. أو احتمال الحرمة ، واحتمال الترخيص. والان نريد أن نعالج الشك الذى يستبطن احتمال الوجوب واحتمال الحرمة معا ، وهذا الشك تارة يكون بدويا أى مشتملا على احتمال ثالث للترخيص أيضا ، واخرى يكون مقرونا بالعلم الاجمالى بالجامع بين الوجوب والحرمة ، وهذا ما يسمى بدوران الأمر بين المحذورين. فهنا مبحثان كما يأتى إن شاء الله تعالى :

١ ـ الشك البدوى فى الوجوب والحرمة :

الشك البدوى فى الوجوب والحرمة هو الشك المشتمل على احتمال الوجوب واحتمال الحرمة واحتمال الترخيص ، وسندرس حكمه بلحاظ

٤١٣

الاصل العملى العقلى وبلحاظ الاصل العملى الشرعى.

أما بلحاظ الأول فعلى مسلك قبح العقاب بلا بيان لا شك فى جريان البراءة عن كل من الوجوب والحرمة ، وعلى مسلك حق الطاعة يكون كل من الاحتمالين منجزا فى نفسه ، ولكنهما يتزاحمان فى التنجيز ، لاستحالة تنجيزهما معا ، وتنجيز أحدهما دون الاخر ترجيح بلا مرجح ، فتبطل منجزيتهما معا وتجرى البراءة أيضا.

وأما باللحاظ الثانى فأدلة البراءة الشرعة ى شاملة للمورد باطلاقها ، وعليه فالفارق بين هذا الشك وما سبق من شك ان هذا مورد للبراءة عقلا وشعرا معا حتى على مسلك حق الطاعة بخلاف الشك المقتدم.

٢ ـ دوران الأمر بين المحذورين :

وهو الشك المقرون بالعلم الاجمالى بجنس الالزام ، وتوضيح الحال فيه : ان هذا العلم الاجمالى يستحيل أن يكون منجزا ، لأن تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية غير ممكن ، لأنها غير مقدورة ، وتنجيزه لحرمة المخالفة القطعية ممتنع أيضا ، لانها غير ممكنة ، وتنجيزه لأحد التكليفين المحتملين بالخصوص دون الاخر غير معقول ، لان نسبة العلم الاجمالى اليهما نسبة واحدة. وبهذا يتبرهن عدم كون العلم الاجمالى منجزا.

ولكن هل تجرى البراءة العقلية والشرعة ى عن الوجوب المشكوك والحرمة المشكوكة أو لا؟ ... سؤال اختلف الاصوليون فى الاجابة عليه ، فهناك من قال بجريانها ، إذ ما دام العلم الاجمالى غير منجز فلا يمكن أن يكون مانعا عن جريان البراءة عقلا وشرعا. وهناك من قال بعدم جريان البراءة على الرغم من عدم منجزية العلم الاجمالى. واثيرت عدة

٤١٤

اعتراضات على اجراء البراءة فى المقام ويختص بعض هذه الاعتراضات بالبراءة العقلية وبعضها بالبراءة الشرعية وبعضها ببعض ألسنة البراءة الشرعة ى. ونذكر فيما يلى أهم تلك الاعتراضات :

الأول : الاعتراض على البراءة العقلية والمنع عن جريانها فى المقام حتى على مسلك قبح العقاب بلا بيان. وتوضيحه على ما افاده المحقق العراقى قدس الله روحه (١) : ان العلم الاجمالى هنا وإن لم يكن منجزا ، وهذا يعنى ترخيص العقل فى الاقدام على الفعل أو الترك ، ولكن ليس كل ترخيص براءة ، فان الترخيص تارة يكون بملاك الاضطرار وعدم امكان أدانة العاجز ، واخرى يكون بملاك عدم البيان ، والبراءة العقلية هى ما كان بالملاك الثانى.

وعليه فان اريد فى المقام ابطال منجزية العلم الاجمالى بنفس البراءة العقلية فهو مستحيل ، لانها فرع عدم البيان ، فهى لا تحكم بان هذا بيان وذاك ليس ببيان ، لانها لا تنقح موضوعها ، فلابد من اثبات عدم البيان فى الرتبة السابقة على إجراء البراءة ، وهذا ما يتحقق فى موارد الشك وجدانا وتكوينا ، لان الشك ليس بيانا ، وأما فى مورد العلم الاجمالى بجنس الالزام فى المقام فالعلم بيان وجدانا وتكوينا ، فلكى نجرده من صفة البيانية لابد من تطبيق قاعدة عقلية تقتضى ذلك ، وهذه القاعدة ليست نفس البراءة العقلية ، لما عرفت من انها لا تنقح موضوعها ، وانما هى قاعدة عدم امكان إدانة العاجز التى تبرهن على عدم صلاحية العلم الاجمالى المذكور للمنجزية والحجية وبالتالى سقوط عن البيانية.

ـــــــــــــــــ

(١) نهاية الافكار : القسم الثانى من الجزء الثالث ص ٢٩٣.

٤١٥

وإن اريد اجراء البراءة العقلية بعدإبطال منجزية العلم الاجمالى وبيانيته بالقاعدة المشار اليها فلا معنى لذلك ، لأن تلك القاعدة بنفسها تتكفل الترخيص العقلى ولا محصل للترخيص فى طول الترخيص.

ونلاحظ على ذلك ان المدعى إجراء البراءة بعد الفراغ عن عدم منجزية العلم الاجمالى ، وليس الغرض منهاإبطال منجزية هذا العلم والترخيص فى مختلفته حتى يقال : انه لا محصل لذلك ، بل إبطال منجزية كل من الاحتمالين فى نفسه ليس بيانا تكوينا ووجدانا ، فنطبق عليه البراءة العقلية لا ثبات التأمين من ناحيته.

الثانى : الاعتراض على البراءة الشرعية ، وتوضيحه على ما أفاده المحقق النائينى قدس الله روحه (١) : ان ما كان منها بلسان اصالة الحل لا يشمل المقام ، لان الحلية غير محتملة هنا بل الأمر مردد بين الوجوب والحرمة. وما كان منها بلسان رفع مالا يعلمون لا يشمل أيضا ، لان الرفع يعقل حيث يعقل الوضع ، والرفع هنا ظاهرى يقابله الوضع الظاهرى وهو ايجاب الاحتياط ، ومن الواضح ان ياجاب الاحتايط تجاه الوجوب المشكوك والحرمة المشكوكة مستحيل ، فلا معنى للرفع إذن.

وقد يلاحظ على كلامه :

أولا ان امكان جعل حكم ظاهرى بالحلية لا يتوقف على أن تكون الحلية الواقعية محتملة ، ودعوى ان الحكم الظاهرى متقوم بالشك صحيحة ولكن لا يراد بها تقومه باحتمال مماثلة الحكم الواقعى له ، بل

ـــــــــــــــــ

(١) فوائد الاصول : ج ٣ ص ٤٤٥ و ٤٤٨.

٤١٦

تقوم بعدم العلم بالحكم الواقعى الذى يراد التأمين عنه أو تنجيزه ، إذ مع العلم به لا معنى لجعل شىء مؤمنا عنه أو منجزا له.

وثانيا : ان الرفع الظاهرى فى كل من الوجوب والحرمة يقابله الوضع فى مورده ، وهو ممكن فيكون الرفع ممكنا أيضا ، ومجموع الوضعين وإن كان مستحيلا ولكن كلا من الرفعين لاى قابل إلا وضعا واحدا لا مجموع الوضعين.

الثالث : الاعتراض على شمول أدلة البراءة الشرعية عموما بدعوى انصرافها عن المورد ، لان المنساق منها علاج المولى لحالة التزاحم بين ذ الاغراض الالزامية والترخيصية فى مقام الحفظ بتقديم الغرض الترخيصى على الالزامى ، لا علاج حالة التزاحم بين غرضين إلزاميين. وعليه فالبراءة الشرعية لا تجرى ولكن العلم الاجمالى المذكور غير منجز لما عرفت.

وينبغى أن يعلم : ان دوران الأمر بين المحذورين قد يكون فى واقعه واحدة وقد يكون فى أكثر من وقاعه ، بأن يعلم اجمالا بان عملا معيناإما محرم فى كل أيام الشهر أو واجب فيها جميعا ، وما ذكرناه كان يختص بافتراض الجوران فى واقعة واحدة ، وأما مع افتراض كونه فى أكثر من واقعه فنلاحظ ان المخالفة القطعية تكون ممكنة حينئذ ، وذلك بان يفعل فى يوم ويترك فى يوم. فلابد من ملاحظة مدى تاثير ذلك على الموقف ، وهذا ما نتركه لدراسة أعلى.

٤١٧
٤١٨

الوظيفة

عند الشك فى الأقل والاكر

٤١٩
٤٢٠