دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٣
الجزء ١ الجزء ٢

والعمل بهما ، بتقريب ان العمل بظاهر الاية أو الحديث ، مصداق عرفا لما هو المأمور به فى تلك الأدلة ، فيكون واجبا ، ومرجع هذا الوجوب الى الحجية.

وبين هذه الوجوه فوارق. فالوجه الثالث مثلا بحاجة الى تمامية دليل على حجية الظهور ، ولو فى الجملة ، دونهما ، لان مرجعه الى الاستدلال بظهور الاحاديث الامرة بالتمسك واطلاقها ، فلابد من فرض حجية هذا الظهور فى الرتبة السابقة.

كما ان الوجهين الأولين يجب ان لا يدخل فى تتميمهما التمسك بظهور حال المولى لاثبات الامضاء ، لأن الكلام الان فى حجيته ، كما اشرنا الى ذلك فى الحلقة السابقة (١).

وقد يلاحظ على الوجه الأول ان سيرة المتشرعة وان كان من المعلوم انعقادها فى ايام النبى صلى الله عليه وآله والأئمة على العمل بظواهر الدليل الشرعى ، ولكن الشواهد التاريخية انما تثبت ذلك على سبيل الاجمال ، ولا يمكن التأكد من استقرار سيرتهم على العمل بالظواهر فى جميع الموارد ، فهناك حالات تكون حجية الظهور أخفى من غيرها ، كحالة احتمال اتصال الظهور بقرينة متصلة ، فقد بنى المشهور على حجية الظهور فى هذه الحالة ، خلافا لما اخترناه فى حلقة سابقة (٢).

وهنا نقول : ان مدرك الحجية اذا كان هو سيرة المتشرعة المعاصرين للمعصومين ، فكيف نستطيع ان نتأكد انها جرت فعلا على العمل بالظهور فى هذه الحالة بالذات؟ وأما اذا كان مدرك الحجية السيرة

ـــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٣٠١.

(٢) راجع ج ١ ص ٣٠٣.

١٨١

العقلائية ، فيمكن للقائلين بالحجية ان يدعوا شمول الوجدان العقلائى لهذه الحالة أيضا.

وقد يلاحظ على الوجه الثانى وهو الاستدلال بالسيرة العقلائية أمران :

أحدهما : انه قاصر عن الشمول لموارد وجودإمارة معتبرة عقلائيا على خلاف الظهور ، ولو لم تكن معتبرة شرعا ، كالقياس مثلا لو قيل بأن العقلاء يعتمدون عليه فى رفع اليد عن الظهور فلا يمكن اثبات حجية الظهور المبتلى بهذه الامارة على الخلاف بالسيرة العقلائية ، إذ لا سيرة من العقلاء على العمل بمثل هذا الظهور فعلا اللهم إلا اذا استفيد من دليل إسقاطها عن الحجية ، تنزيلها منزلة العدم بلحاظ تمام الاثار.

ولكن الصحيح ان هذا الكلام انما يتجه لو قيل بأن الامضاء يتحدد بحدود العمل الصامت للعقلاء ، غير انك عرفت فى الحلقة السابقة (١) ان الامضاء يتجه الى النكتة المرتكزة التى هى أساس العمل ، وهى فى المقام ، الحجية الاقتضائية للظهور مطلقا. وكل حجة كذلك لا يرفع اليد عنهاإلا بحجة ، والمفروض عدم حجية الامارة على الخلاف شرعا ، فيتعين العمل بالظهور.

والامر الاخر الذى يلاحظ على الوجه الثانى ، ان السيرة العقلائية انما انعقدت على العمل بالظهور ، واتخاذه اساسا لا كتشاف المراد فى المتكلم الاعتيادى الذى يندر اعتماده على القرائن المنفصلة عادة ،

ـــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٢٦٤.

١٨٢

والشارع ليس من هذا القبيل ، فان اعتماده على القرائن المنفصلة يعتبر حالة متعارفة ، ولا توجد حالات مشابهة فى العرف لحالة الشارع ليلاحظ مقوف العقلاء منها.

وهذا الاعتراض انما قد يتجه اذا كان دليل الامضاء متطابقا فى الموضوع مع السيرة العقلائية ، فكما ان السيرة العقلائية موضوعها المتكلم الاعتيادى الذى يندر اعتماده على القرائن المنفصلة ، كذلك دليل الامضاء ، ولكن دليل الامضاء أوسع من ذلك ، لان السيرة العقلائية وان كانت مختصة بالمتكلم الاعتيادى ، إلا انها تقتضى الجرى على طبقها فى كلمات الشارع أيضا ، إما للعادة ، أو لعدم الاطلاع الى فترة من الزمن على خروج الشاعر فى اعتماده على القرائن المنفصلة عن الحالة الاعتيادية ، وهذا يشكل خطرا على الاغراض الشرعية يحتم الردع لو لم يكن الشارع موافقا على الأخذ بظواهر كلامه. ومن هنا يكشف عدم الردع عن اقرار الشارع لحجية الظهور فى الكلام الصادر منه.

تضخيص موضوع الحجية :

ظهور الكلام فى المعنى الحقيقى قسمان كما تقدم تصورى ، وتصصديقى. والظهور التصورى كثيرا ما لا ينثلم حتى فى حالة قيام القرينة المتصلة على الخلاف ، فاذا قال المولى : ( اذهب الى البحر ، وخذ العلم منه ) كانت الجملة قرينة على ان المراد بالبحر معنىة خر غير معناه الحقيقى ، وعلى الرغم من وجود القرينة فان الظهور التصورى لكلمة البحر فى معناها الحقيقى لا يزول ، وانما يزول الظهور التصديقى فى ارادة

١٨٣

المتكلم لذلك المعنى الحقيقى ، ومن هنا صح القول بأن الظهور التصورى للفظ فى المعنى الحقيقى محفوظ حتى مع القرينة المتصلة على الخلاف. وان الظهور التصديقى له فى ذلك منوط بعدم القرينة المتصلة ، غير انه محفوظ حتى مع ورود القرينة المنفصلة ، فان القرينة المنفصلة لا تحول دون تكون اصل الظهور التصديقى للكلام فى ارادة المعنى الحقيقى ، وانما تسقطه عن الحجية ، كما مر بنا فى حلقة سابقة.

وعلى ضوء التمييز بين الظهور التصورى والظهور التصديقى ، وبعد الفراغ عهن حجية الظهور عقلائيا ، وعن سقوطها مع ورود القرينة ، لابد من البحث عن تحديد موضوع هذه الحجية ، وكيفية تطبيقها على موضوعها ، وبهذا الصدد نواجه عدة محتملات بدورا :

المحتمل الأول : ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصورى ، مع عدم العلم بالقرينة على الخلاف متصلة ، أو منفصلة.

المحتمل الثانى : ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقى ، مع عدم صدور القرينة المنفصلة.

المحتمل الثالث : ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقى الذى لا يعلم بوجود قرينة منفصلة على خلافه. والفارق بين هذا وسابقه ، ان عدم القرينة واقعا دخيل فى موضوع الحجية على الاحتمال الثانى ، وليس دخيلا على الاحتمال الثالث ، بل يكفى عدم العلم بالقرينة.

وتختلف هذه الاحتمالات فى كيفية تطبيق الحجية على موضوعها ، فانه على الاحتمال الاءول تطبق حجية الظهور على موضوعها ابتداء ، حتى فى حالة احتمال القرينة المتصلة ، فضلا عن المنفصلة ، لأن موضوعها هو الظهور التصورى بحسب الفرض ، وهذا لا يتزعزع بالقرينة

١٨٤

المتصلة المحتملة ، فضلا عن المنفصلة ، كما عرفت ، فلا تحتاج اذن إلا الى أصالة الظهور.

وأما على الاحتمال الثانى فانما يمكن الرجوع الى أصالة الظهور مباشرة مع الجزم بعدم القرينة ، ولا يمكن الرجوع اليها كذلك مع احتمال القرينة المتصلة ، لأن موضوع الحجية على هذا الاحتمال الظهور التصديقى وهو غير محرز مع احتمال القرينة المتصلة على الخلاف ، فلو قيل بحجية الظهور فى هذه الحالة ، لكان اللازم أولا افتراض أصل عقلائى ينفى القرينة المتصلة ، لكى ينقح موضوع أصالة الظهور بأصالة عدم القرينة.

وكذلك لا يمكن الرجوع الى اصالة الظهور مباشرة على الاحتمال الثانى مع احتمال القرينة المنفصلة ، لأن المفروض انه قد أخذ عدمها فى موضوع حجية الظهور ، فمع الشك فيها لا تحرز حجية الظهور ، بل يحتاج الى اصالة عدم القرينة أولا لتنقيح موضوع الحجية فى اصالة الظهور.

وأما الاحتمال الثالث فهو كالاحتمال الثانى فى عدم امكان الرجوع الى اصالة الظهور مباشرة مع احتمال القرينة المتصلة ، لان موضوع الحجية وهو الظهور التصديقى غير محرز مع هذا الاحتمال ، إلا ان الاحتمال الثالث يختلف عن سابقه فى إمكان الرجوع الى اصالة الظهور مباشرة مع احتمال القرينة المنفصلة ، لأن موضوع الحجية على الاحتمال الثالث محرز حتى مع هذا الاحتمال ، بينما لم يكن محرزا معه على الاحتمال الثانى.

والتحقيق فى تمحيص هذه الاحتمالات ، ان الاحتمال الأول ساقط ، لأن المقصود من حجية الظهور تعيين مراد المتكلم بظهور كلامه ،

١٨٥

وهى انما تناط عقلائيا بالحيثية الكاشفة عن هذا المقصود ، إذ ليس مبنى العقلاء فى الحجية على التعبد المحض. وما يكشف عن المراد ليس هو الظهور التصورى ، بل التصديقى ، فاناطة الحجية بغير حيثية الكشف ، بلا موجب عقلائيا ، فيتعين ان يكون موضوع الحجية هو الظهور التصديقى.

كما ان الاحتمال الثانى ساقط أيضا ، باعتبار انه يفترض الحاجة فى مورد الشك فى القرينة المنفصلة إلى إجراء اصالة عدم القرينة أولا ، ثم اصالة الظهور ، مع ان نفى القرينة المنفصلة عند احتمالها لا مبرر له عقلائياإلا كاشفية الظهور التصديقى عن إرادة مفاده وأن ما قاله يريده ، وهى كاشفية مساوقة لنفى القرينة المنفصلة.

وحيث ان الاصول العقلائية تعبر عن حيثيات من الكشف المعتبرة عقلائيا ، وليست مجرد تعبدات بحتة ، فلا معنى حينئذ لافتراض اصالة عدم القرينة ، ثم اصالة الظهور ، بل يرجع الى اصالة الظهور مباشرة ، لأن كاشفيته هى المناط فى نفى القرينة المنفصلة ، لا انها مترتبة على نفى القرينة باصل سابق.

وهكذا يتعين الاحتمال الثالث ، وعليه فان علم بعدم القرينة مطلقا ، أو بعدم القرينة المتصلة خاصة مع الشك فى المنفصلة ، رجعنا الى اصالة الظهور ابتداء ، وإن شك فى القرينة المتصلة ، فهناك ثلاث صور :

الصورة الاولى : أن يكون الشك فى وجودها لا حتمال غفلة السامع عنها ، وفى هذه الحالة تجرى اصالة عدم الغفلة ، لانها على خلاف العادة وظهور الحال ، وبها تنفى القرينة ، وبالتالى ينقح الظهور الذى هو موضوع الحجية. ونسمى اصالة عدم الغفلة فى هذه الصورة باصالة عدم القرينة ،

١٨٦

لأنه بها تنتفى القرينة.

الصورة الثانية : أن يكون الشك فى وجودها لاحتمال اسقاط الناقل لها. وفى هذه الحالة يمكن نفيها بشهادة الراوى المفهومة من كلامه ولو ضمنا بانه استوعب فى نقله تمام ما له دخل فى افادة المرام ، وبذلك يحرز موضوع اصالة الظهور.

الصورة الثالثة : أن يكون الشك فى وجودها غير ناشىء من احتمال الغفلة ، ولا من الاسقاط المذكور ، فلا يمكن يمن الرجوع الى اصالة الظهور ابتداء ، للشك فى موضوعها ، وهو الظهور التصديقى ، ولا يمكن تنقيح موضوعها باجراء اصالة عدم القرينة ، لأنه لا توجد حيثية كاشفة عقلائيا عن عدم القرينة المحتملة لكيى يعتبرها العقلاء ويبنون على اصالة عدم القرينة ، وبهذا نعرف ان احتمال القرينة المتصلة فى مثل هذه الحالة يوجب الاجمال.

وبما ذكرناه اتضح ان اصالة الظهور واصالة عدم القرينة كل منهما اصل عقلائى فى مورده ، فالأول يجرى فى كل مورد احرزنا فيه الظهور التصديقى وجدانا ، أو باصل عقلائى آخر. والثانى يجرى فى كل مورد شك فيه فى القرينة المتصلة لاحتمال الغفلة ، ولا يرجع أحد الاصلين الى الاخر خلافا للشيخ الأنصارى رحمه الله (١) حيث أرجع اصالة الظهور الى اصالة عدم القرينة ، ولصاصحب الكفاية رحمه الله (٢) حيث أرجع اصالة عدم القرينة الى اصالة الظهور.

ـــــــــــــــ

(١) فرائد الاصول : ص ٥٤ ط مؤسسة النشر الاسلامى.

(٢) حاشية فرائد الاصول : ص ٤٦.

١٨٧

الظهور الذاتى والظهور الموضوعى :

الظهور سواء كان توريا أو تصديقيا ، تارة يراد به الظهور فى ذهن انسان معين ، وهذا هو الظهور الذاتى ، واخرى يراد به الظهور بموجب علاقات اللغة واساليب التعبير العام ، وهذا هو الظهور الموضوعى. والأول يتأثر بالعوامل والظهروف الشخصصية للذهن التى تختلف من فرد الىة خر ، تبعا الى أنسه الذهنى وعلاقاته ، بخلاف الثانى الذى له واقع محدد يتمثل فى كل ذهن يتحرك بموجب علاقات اللغة واساليب التعبير العام. وما هو موضوعغ الحجية ، الظهور الموضوعى ، لأن هذه الحجية قائمة على أساس ان اظاهر حالة باعتباره انسانا عرفيا ارادة ما هو المعنى الظاهر موضوعيا ، لا ما هو الظاهر نتيجة لملابسات شخصية فى ذهن هذا السامع أو ذاك.

وأما الظهور الذاتى وهو ما قد يعبر عنه بالتبادر أو الانسباق ، فيمكن ان يقال بانه امارة عقلائية على تعيين الظهور الموضوعى ، فكل انسان إذا انسبق الى ذهنه معنى مخصوص من كلام ، ولم يجد بالفحص شيئا محددا شخصصيا يمكن أن يفسر ذلك الانسباق ، فيعتبر هذا الانسباق دليلا على الظهور الموضوعى.

وبهذا ينبغى ان يميز بين التبادر على مستوى الظهور الذاتى ، والتبادر على مستوى الظهور الموضوعى ، فالاول كاشف عن الظهور الموضوعى وبالتالى عن الوضع. والثانى كاشف إنى تكوينى مع عدم القرينة عن الوضع.

١٨٨

الظهور الموضوعى فى عصصر النص :

لا شك فى أن ظواهر اللغة والكلام تتطور وتتغير على مر الزمن بفعل مؤثرات مختلفة لغوية وفكرية واجتماعية. فقد يكون ما هو المعنى الظاهر فى عصر صدور الحديث مخالفا للمعنى الظاهر فى عصر السماع الذى يراد العمل فيه بذلك الحديث.

والموضوع الحجية الظهور فى عصر صدور الكلام ، لا فى عصصر السماع المغاير له ، لانها حجية عقلائية قائمة على اساس حيثية الكشف والظهور الحالى. ومن الواضح ان ظاهر حال المتكلم ارادة ما هو المعنى الظاهر فعلا فى زمان صدور الكلام منه ، وعليه فنحن بالتبادر نثبت بطريق الان الظهور الذاتى ، وبالظهور الذاتى نثبت الظهور الموضوعى فى عصر السماع.

ويبقى علينا ان نثبت ان الظهور الموضوعى فى عصر السماع مطابق للظهور الموضوعى فى عصصر الكلام الذى هو موضوع الحجية ، وهذا ما نثبته بأصل عقلائى يطلق عليه اصالة عدم النقل ، وقد نسميه باصالة الثبات فى اللغة ، وهذا الاصل العقلائى يقوم على أساس ما يخيل لأبناء العرف نتيجة التجارب الشخصية من استقرار اللغة وثباتها ، فان الثبات النسبى والتطور البطىء للغة ، يوحى للافراد الاعتياديين بفكرة عدم تغيرها وتطابق ظهواهرها على مر الزمن ، وهذا الايحاء وان كان خادعا ، ولكنه على أى حال ايحاء عام استقر بموجبه البناء العقلائى على الغاء احتمال التغيير فى الظهور باعتباره حالة استثنائية نادرة تنفى بالأصل ، وبامضاء الشارع للبناء المذكور نثبت شرعية اصالة عدم النقل ، أو

١٨٩

اصالة الثبات ، ولا يعنى الامضائتصويب الشارع للايحاء المذكور ، وانما يعنى من الناحية التشريعية جعله احتمال التطابق حجة ما لم يقم دليل على خلافه.

ولا شك أيضا فى ان المتشرعة الذين عاصروا المعصومين خلال اجيال عديد طيلة قرنين ونصف من الزمان ، كانت سيرتهم على العمل باصالة عدم النقل ، وعلى الاستناد فى أواسط هذه الفترة وأواخرها الى ما يرونه من ظواهر الكلام الصصادر فى بدايات تلك الفترة ، مع انها كانت فترة حافلة بمختلف المؤثرات والتجديدات الاجتماعية والفكرية التى قد يتغير الظهور بموجبها.

ولكن اصالة عدم النقل لا تجرى فيماإذا علم بأصول التغيير فى الظهور أو الوضع ، وشك فى تاريخه ، لعدم انعقاد البنائ العقلائى فى هذه الحالة على افتراض عدم النقل فى الفترة المشكوكة. والسر فى ذلك ان البناءات العقلائية انما تقوم على اساس حيثيات كشف عامة نوعية ، فحينما يلغى احتمال النقل عرفا ، يستند العقلائفى تبرير ذلك الى ان النقل حالة استثنائية فى حياة اللغة بحسب نظرهم ، واما حيث تثبت هذه الحالة الاستثنائية ، فلا تبقى حيثية كشف مبررة للبناء على نفى احتمال تقدمها.

بل لا يخلو التمسك باصالة عدم النقل من اشكال فى الموارد التى علم فيها بوجوب ظروف معينة بالامكان ان تكون سببا فى تغير مدلول الكلمة. وانما المتيقن منها عقلائيا حالات الاحتمال الساذج للتغير والنقل.

١٩٠

التفصيلات فى الحجية :

توجد عدة اقوال تتجه الى التفصيل فى حجية الظهور وقد اشرنا الى احدها فى الحلقة السابقة (١) ونذكر فيما يلى اثنين من تلك الاقوال :

القول الاول : التفصيل بين المقصود بالافهام وغيره. فالمقصود بالافهام يعتبر الظهور حجية بالنسبة اليه ، لأن احتمال القرينة المتصلة على الخلاف بالنسبة اليه لا موجب له مع عدم احساسه بهاإلا احتمال غفلته عنها ، فينفى ذلك باصصالة عدم الغفلة باعتبارها اصلا عقلائيا. وأما غيره فاحتماله للقرينة لا ينحصر منشؤه بذلك ، بل له منشأ آخر ، وهو احتمال اعتماد المتكلم على قرينة ثم التواطؤ عليها بصورة خاصة بينه وبين المقصود بالافهام خاصة ، وهذا الاحتمال لا تجدى اصالة عدم الغفلة لنفيه ، فلا يكون الظهور حجة فى حقه.

وقد اعترض على ذلك جملة من المحققين بأن اصالة عدم القرينة أصل عقلائى برأسه ، يجرى لنفى احتمال القرينة فى الحالة المذكورة ، وليس مردها الى اصالة عدم الغفلة ، ليتعذر اجراؤها فى حق غير المقصود بالافهام الذى يحتمل تواطؤ المتكلم مع من يقصد افهامه على القرينة.

والتحقيق ان هذا المقدار من البيان لا يكفى ، لأن الاصل العقلائى لابد ان يستند الى حيثية كشف نوعية ، لئلا يكون اصلا تعبديا على خلاف المرتكزات العقلائية ، وهى متوفرة لنفى احتمال القرينة المتصلة الناشىء من احتمال غفلة السامع عنها. فاذا اريد نفى احتمال القرينة

ـــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٣٠٣.

١٩١

المتصلة الناشىء من سائر المناشىء أيضا باصل عقلائى ، فلابد من ابراز حيثية كشف نوعية تنفى ذلك ، وعلى هذا الاساس ينبغى أن نفتش عن مناشىء احتمال ارادة خلاف الظاهر عموما ، وملاحظة مدى امكان نفى كل واحد منها بحيثية كشف نوعية مصححة لاجراء اصل عقلائى مقتض لذلك.

ومن هنا نقول : ان شك الشخص غير المقصود بالافهام فى ارادة المتكلم للمعنى الظاهر ينشأ من أحد امور :

الأول : احتمال كون المتكلم متسترا بمقصصوده ، وغير مريد لتفهيمه بكلامه.

الثانى : احتمال كونه معتمدا على قرينة منفصلة.

الثالث : احتمال كونه معتمدا على قرينة متصلة غفل عنها السامع.

الرابع : احتمال كونه معتمدا على قرينة ذات دلالة خاصة متفق عليها بين المتكلم وشخص آخر ، كان نظر المتكلم اليه.

الخامس : احتمال وجود قرينة متصلة التفت اليها السامع ، ولكنه لم ينقلها الينا ، ولو من أجل انها كانت متمثلة فى لحن الخطاب ، أو قسمات وجه المتكلم ، ونحو ذلك مما لا يعتبر لفظا.

والفرق بين المقصود بالافهام وغيره ، ان المقصود بالافهام لا يوجد الاحتمال الأول بشأنه ، وكذلك الاحتمال الرابع ، كما ان الاحتمال الخامس غير موجود فى شأن السامع المحيط بالمشهد ، سواء كان مقصودا بالافهام ، أو لا.

وحجية الظهور فى حق غير السامع ممن لم يقصد افهامه ، تتوقف على وجود حيثيات كشف مبررة عقلائية لالغاء الاحتمالات الخمسة

١٩٢

بشأنه ، وهى موجودة فعلا بالبيان التالى :

أما الاحتمال الأول فينفى بظهور حال المتكلم فى كونه فى مقام تفهيم مراده بكلامه.

وأما الاحتمال الثانى فينفى بظهور حاله فى ان ما يقوله يريده ، أى انه فى مقام تفيهم مراده بشخص كلامه.

واما الاحتمال الثالث فينفى باصالة عدم الغفلة.

وأما الاحتمال الرابع وهو أبرزه المفصل فينفى بظهور حال المتكلم العرفى فى استعمال الادوات العرفية للتفهيم ، والجرى وفق اساليب التعبير العام.

وأما الاحتمال الخامس فينفى بشهادة الناقل ولو ضمنا بعدم حذف ما له دخل من القرائن الخاصة فى فهم المراد.

القول الثانى : وتوضيحه ان ظهور الكلام يقتضى بطبعه حصول الظن على الاقل بأن مراد المتكلم هو المعنى الظاهر ، لأنه امارة ظنية كاشفة على ذلك ، فاذا لم تحصل امارة ظنية على خلاف ذلك ، أثر الظهور فيما يقتضيه ، وحصل الظن الفعلى بالمراد. وإذا حصلت امارة الظهور فيما يقتضيه ، وحصل الظن الفعلى بالمراد. وإذا حصلت امارة ظنية على الخلاف وقع التزاحم بين الامارتين ، فقد لا يحصل حينئذ ظن فعلى بارادة المعنى الظاهر ، بل قد يحصل الظن على خلاف الظهور ، تأثرا بالامارة الظنية المزاحمة.

وعلى هذا فقد يستثنى من حجية الظهور حالة الظن الفعلى بعدم ارادة المعنى الظاهر ، بل قد يقال بأن حجية الظهور اساسا مختصة بصورة حصول الظن الفعلى على وفق الظهور.

ويمكن تبرير هذا القول بأن حجية الظهور ليست حكما تعبديا وانما

١٩٣

هى على اساس كاشفية الظهور ، فلا معنى لثبوتها فى فرض عدم تأثير الظهور فى الكشف الظنى الفعلى على وفقه.

وقد اعترض الاعلام على هذا التفصيل بأن مدرك الحجية بناء العقلاء ، والعقلائ لا يفرقون بين حالات الظن بالوفاق وغيرها ، بل يعملون بالظهور فيها جميعا ، وهذا يكشف عن الحجية المطلقة.

وهذا الاعتراض من الاعلام قد يبدو غير صحيح بمراجعة حال الناس ، فانا نجد ان التاجر لا يعمل بظهور كلام تاجرة خر فى تحديد الأسعار ، إذا ظن بانه لا يريد ما هو ظاهر كلامه ، وان المشترى لا يعتمد على ظهور كلام البائع فى تحديد وزن السلعة إذا ظن بانه يريد غير ما هو ظاهر كلامه ، وهكذا.

من هنا عمق المحقق النائينى رحمه الله (١) اعتراض الاعلام ، إذ ميز بين العمل بالظهور فى مجال الاغراض التكوينية الشخصية ، والمل به فى مجال الامتثال وتنظيم علاقات الامرين بالمأمورين.

ففى المجال الأول لا يكتفى بالظهور لمجرد اقتضائه النوعى ، ما لم يؤثر هذا الاقتضاء فى درجة معتد بها من الكشف الفعلى. وفى المجال الثانى يكتفى بالكشف النوعى الاتقضائى للظهور تنجيز وتعذيرا ، ولو لم يحصل ظن فعلى بالوفاق ، أو حصل ظن فعلى بالخلاف.

والامثلة المشار اليها تدخل فى المجال الأول لا الثانى.

وهذا الكلام وان كان صحيحا وتعميقا لاعتراض الاعلام ، ولكنه لا يبرز نكتة الفرق بين المجالين ، ولا يحل الشبهة التى يستند اليها التفصيل

ـــــــــــــــ

(١) فوائد الاصول : ج ٣ ص ١٤٥.

١٩٤

على النحو الذى شرحناه آنفا.

فالتحقيق الذى يفى بذلك ان يقال : ان ملاك حجية الظهور هو كشفه ، ولكن لا كشفه عند المكلف ، بل كشفه فى نظر المولى ، بمعنى ان المولى حينما يلحظ ظواهر كلامه ، فتارة يلحظها بنظرة تفصيلية ، فيستطيع بذلك ان يميز بصورة جازمة ما اريد به ظاهره عن غيره ، لأنه الأعرف بمراده. واخرى يلحظها بنظرة اجمالية ، فيرى ان الغالب هوإرادة المعنى الظاهر ، وذلك يجعل الغلبة كاشفا ظنيا عند المولى عن ارادة المعنى الظاهر بالنسبة الى كل كلام صادر منه حينما يلحظه بنحو الاجمال.

وهذا الكشف هو ملاك الحجية ، لوضوح ان حجية الامارة حكم ظاهرى وارد لحفظ الاغراض الواقعية الاكثر أهمية ، وهذه الأهمية قد اكتسبتها الغراض الواقعية التى تحفظها الامارة المعتبرة بلحاظ قوة الاحتمال ، كما تقدم فى محله. ومن الواضح ان قوة الاحتمال المؤثرة فى اهتمام المولى انما هى قوة احتماله ، لا قوة احتمال المكلف ، فمن هنا تناط الحجية بحيثية الكشف الملوظة للمولى وهى الظهور لا بالظن الفعلى لدى المكلف.

وعلى هذا الأساس اختلف مجال الغراض التكوينية عن مجال علاقات الامرين بالمأمورين ، إذ المناط فى المجال الأول كاشفية الظهور لدى نفس العامل به ، فقد يكون منوطا بحصول الظن له ، والمناط فى المجال الثانى مقدار كشفه لدى الامر الموجب لشدة اهتمامه الداعية الى جعل الحجية.

١٩٥

الخلط بين الظهور والحجية :

اتضح مما تقدم ان مرتبة الظهور التصورى متقومة بالوضع ، ومرتبة الظهور التصديقى بلحاظ الدلالة التصديقية الاولى والدلالة التصديقية الثانية متقومة بعدم القرينة المتصلة ، لأن ظاهر حال المتكلم انه يفيد مراده بشخص كلامه ، فاذا كانت القرينة متصلة دخلت فى شخص الكلام ولم يكن ارادة ما تقتضيه منافيا للظهور الحالى. وأما عدم القرينة المنفصلة فلا دخل له فى اصل الظهور وليس مقوما له ، وانما هو شرط فى استمرار الحجية بالنسبة اليه.

ومن هنا يتضح وجه الخلط فى كلمات جملة من الأكابر الموهمة لوجود ثلاث رتب من الظهور كلها سابقة على الحجية ، ككلام المحقق النائينى رحمه الله (١) :

الاولى : مرتبة الظهور التصورى.

الثانية : مرتبة الظهور التصديقى على نحو يسوغ لنا التأكيد على انه قال كذا ، وفقا لهذا الظهور.

الثالثة مرتبة الظهور التصديقى الكاشف عن مراده الواقعى على نحو يسوغ لنا التأكيد على انه اراد كذا ، وفقا لهذه المرتبة من الظهور.

والاولى لا تتقوم بعدم القرينة ، والثانية تتقوم بعدم القرينة المتصلة ، والثالث تتقوم بعدم القرينة مطلقا ولو منفصلة. والحجية حكم مترتب على المرتبة الثالث من الظهور ، فمتى وردت القرينة المنفصلة فضلا عن

ـــــــــــــــ

(١) أجود التقريرات : ج ١ ص ٥٢٩.

١٩٦

المتصلة هدمت المرتبة الثالثة من الظهور ، ورفعت بذلك موضوع الحجية.

وهذا الكلام لا يمكن قبوله بظاهره ، فانه وإن كان على حق فى جعل الظهور التصديقى موضوعا للحجية كما تقدم غير ان الظهور التصديقى للكلام فى ارادة المعنى الحقيقى استعمالا جديا ليس متقوما بعدم القرينة المنفصلة ، بل بعدم القرينة المتصلة فقط ، لأن هذا الظهور منشؤه ظهور حال المتكلم فى التطابق بين المدلول التصصورى لكلامه والمدلول التصديقى ، والتطابق بين المدلول التصديقى الأول والمدلول التصديقى الثانى. والمنظور فى هذين التطابقين شخص الكلام بكل ما يتضمنه من خصوصيات ، فاذا اكتمل شخص الكلام وتحدد مدلوله التصورى والمعنى المستعمل فيه ، تنجز ظهور حال المتكلم فى ان ما قاله وما ساتعمل فيه اللفظ هو المراد جدا ، ومجىء القرينة المنفصلة تكذيب لهذا الظهور الحالى ، لا انه يعنى نفيه موضوعا. ولهذا كان الاعتماد على القرينة المنفصلة خلاف الأصل العقلائى ، لأن ذلك على خلاف الظهور الحالى. ولو كان الاعتماد عليها وورودها يوجب نفى المرتبة التى هى موضوع الحجية من الظهور لما كان ذلك على خلاف الطبع ، ولكان حاله حال الاعتماد على القرائن المتصلة التى تمنع عن انعقاد الظهور التصديقى على طبق المدلول التصورى.

الظهور الحالى :

وكما ان الظهور اللفظى حجة ، كذلك ظهور الحال ولو لم يتجسد فى لفظ أيضا. فكلما كان للحال مدلول عرفى ينسبق اليه ذهن الملاحظ

١٩٧

اجتماعيا ، أخذ به. غير ان اثبات الحجية لهذه الظواهر غير اللفظية لا يمكن أن يكون بسيرة المتشرعة وقيامها فعلا فى عصر المعصومين على العمل فى مقام استنباط الاحكام بظواهر الافعال والاحوال غير اللفظية ، لأن طريق إثبات قيامها فى الظواهر اللفظية قد لا يمكن تطبيقه فى المقام ، لعدم شيوع ووفرة هذه الظواهر الحالية المجردة على الالفاظ ، لتنتزع السيرة من الحالات المتعددة. كما لا يمكن ان يكون اثبات الحجية لها بالأدلة اللفظية الامرة بالتمسك بالكتاب واحاديث النبى صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، كما هو واضح ، لعدم كونها كتابا ولا حديثا ، وانما الدليل هو السيرة العقلائية على أن لا يدخل فى اثبات امضائها التمسك بظهور حال المولى وسكوته فى التقرير والامضاء ، لان الكلام فى حجية هذا الظهور.

الظهور التضمنى :

إذا كان للكلام ظهور فى مطلب ، فظهوره فى ذلك المطلب بكامله ظهور استقلالى ، وله ظهور ضمنى فى كل جزء من اجزاء ذلك المطلب.

ومثال ذلك أداة العموم فى قولنا : « أكرم كل من فى البيت » ونفرض ان فى البيت مائة شخص ، فلأداة العموم ظهور فى الشمول للمائة باعتبار دلالتها على استيعاب ، ولها ظهور ضمنى فى الشمول لكل واحد من وحدات هذه المائة ، ولا شك فى حجية كل ظواهرها الضمنية.

ولكن إذا ورد مخصص منفصل دل على عدم وجوب بعض افراد العام ، ولنفرض ان هذا البعض يشمل عشرة من المائة ، فهذا يعنى ان

١٩٨

بعض الظواهر الضمنية سوف تسقط عن الحجية ، لمجىء المخصص. والسؤال هنا هو ان الظواهر الضمنية الاخرى التعى تشمل التسعين الباقين ، هل تبقى على الحجية أو لا؟ فان قيل بالأول ، كان معناه ان الظهور التضمنى غير تابع للظهور الاستقلالى فى الحجية ، وإن قيل بالثانى ، كان معناه التبعية ، كما تكون الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية فى الحجية.

والاثر العلمى بين القولين انه على الأول نتمسك باعالم لاثبات الحكم لتمام من لم يشملهم التخصيص ، وعلى الثانى تسقط حجية الظواهر التضمنية جميعا ، ولا يبقى دليل حييئذ على ان الحكم هل يشمل تمام الباقى أو لا؟

وقد ذهب بعض الاصوليين إلى سقوط الظواهر والدلالات التضمنية جميعا عن الحجية ، وذلك لأن ظهور الكلام فى الشمول لكل واحد من المائة فى المثال المذكور ، انما هو باعتبار نكتة واحدة ، وهى الظهور التصديقى لأداة العموم فى انها مستعملة فى معناها الحقيقى وهو الاستيعاب ، وبعد أن علمنا ان الأداة لم تستعمل فى الاستيعاب ، بدليل ورود المخصص واخراج عشرة من الائة ، نستكشف أن المتكلم خالف ظهور حاله ، واستعمل اللفظ فى المعنى المجازى ، وبهذا تسقط كل الظواهر المنية عن الحجية ، لأنها كانت تعتمد على هذا الظهور الحالى الذى علم بطلانه ، وفى هذه الحالة يتساوى افتراض ان تكون الأداة فى المثال مستعملة فى التسعين أو فى تسعة وثمانين ، لأن كلا منهما مجاز ، وأى فرق بين مجاز ومجاز؟

وقد أجاب على ذلك جملة من المحققين ، كصاحب الكفاية رحمه

١٩٩

الله (١) بأن المخصص المنفصل لا يشكف عن مخالفة المتكلم لظهور حاله فى استعمال الأداة فى معناها الحقيقى ، وانما يكشف فقط عن عدم تعلق ارادته الجدية باكرام الافراد الذين تناولهم المخصص ، فبالامكان الحفاظ على هذا الظهور ، وهو ما كنا نسميه بالظهور التصديقى الأول فيما تقدم ، ونتصرف فى الظهور التصديقى الثانى ، وهو ظهور حال المتكلم فى ان كل ما قاله وابرزه باللفظ ، مراد له جدا ، فان هذا الظهور لو خلى وطبعه يثبت ان كل ما يدخل فى نطاق المعنى المستعمل فيه فهو مراد جدا ، غير ان المخصص يكشف عن ان بعض الافراد ليسوا كذلك ، فكل فرد كشف المخصص عن عدم شمول الارادة الجدية له ، نرفع اليد عن الظهور التصديقى الثانى بالنسبة اليه ، وكل فرد لم يكشف المخصص عن ذلك فيه ، نتمسك بالظهور التصديقى الثانى لاثبات حكم العام له.

وفى بادئ الأمر قد يخطر فى ذهن الملاحظ ان هذا الجواب ليس صحيحا ، لأنه لم يصنع شيئا سوى انه نقل التبعيض فى الحجية من مرحلة الظهور التصديقى الأول الى مرحلة الظهور التصديقى الثانى. فاذا كان الظهور التضمنى غير تابع للظهور الاستقلالى فى الحجية ، فلماذا لا نعمل على التبعيض فى مرحلة الظهور التصديقى الأول؟ واذا كان تابعا له كذلك ، فكيف نعمله فى مرحلة الظهور التصديقى الثانى ، ونلتزم بحجية بعض متضمناته دون بعض؟

وردنا على هذه الملاحظة ان فذلكة الجواب ونكتة نقل التبعيض من مرحلة الى مرحلة ، هى ان الظواهر الضمنية فى مرحلة الظهور التصديقى الأول مترابطة ولها نكتة واحدة ، فان ثبت بطلان تلك

ـــــــــــــــ

(١) كفاية الاصول : ج ١ ص ٣٣٦.

٢٠٠