دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٣
الجزء ١ الجزء ٢

وهذا ما نسميه بالمضعف الكمى ، فيكون احتمال كذب الجميع ضئيلا جدا ، ويحصل فى المقابل اطمئنان بصدق واحد على الأقل ، ولكن هذا الاطمئنان يستحيل أن يتحول الى يقين بسبب الضالة ، ووجه الاستحالة إننا نعلم إجمالا بوجود مائة خبر كاذب فى مجموع الأخبار ، وهذه المائة التى التقطناها تشكل طرفا من أطراف ذلك العلم الاجمالى ، وقيمة احتمال انطباق المعلوم الاجمالى عليها تساوى قيمة احتمال انطباقه على أى مائة اخرى تجمع بشكل آخر ، فلو كان المضعف الكمى وحده يكفى لافناء الاحتمال ، لزال احتمال الانطباق على أى مائة نفرضها ، وهذا يعنى زوال العلم الاجمالى ، وهو خلف.

وهكذا نعرف ان درجة احتمال صدق واحد من الاخبار على الاقل تبقى اطمئنانا ، وحجية هذا الاطمئنان مرتبطة بتحديد مدى انعقاد السيرة العقلائية على العمل بالاطمئنان ، وهل تشمل الاطمئنان الاجمالى المتكون نتيجة جمع احتمالات اطرافه أو لا؟ إذ قد يمنع عن شمول السيرة هذه الاطمئنانات الاجمالية.

الحالة الثانية : ان يوجد بين المدلولات الخبرية جانب مشترك يشكل مدلولا تحليليا لكل خبر ، إما على نسق المدلول التضمنى ، أو على نسق المدلول الالتزامى ، مع عدم التطابق فى المدلول المطابقى بكامله ، كالاخبارات عن قضايا متغايرة ، ولكنها تتضمن جميعا مظاهر من كرم حاتم مثلا.

ولا شك هنا فى وجود المضعف الكمى الذى رأيناه فى الحالة السابقة ، يضاف اليه مضعف آخر ، وهو ان افتراض كذب الجميع يعنى وجود مصلحة شخصية لدى كل مخبر دعته الى الاخبار بذلك النحو.

١٤١

وهذه المصالح الشخصية إن كانت كلها تتعلق بذلك الجانب المشترك ، فهذا يعنى ان هؤلاء المخبرين على الرغم من اختلاف ظروفهم وتباين أحوالهم ، اتفق صپ فة ان كانت لهم مصاحل متماثلة تماما. وان كانت تلك المصالح الشخصية تتعلق بالنسبة الى كل مخبر بكامل المدلول المطابقى ، فهذا يعنى انها متقاربة ، وذلك أمر بعيد بحساب الاحتمالات ، وهذا ما نسميه بالمضعف الكيفى يضاف الى ذلك المضعف الكمى. ولهذا نجد ان قوة الاحتمال التى تحصل فى هذه الحالة أكبر منها فى الحالة السابقة.

والاحتمال القوى هنا يتحول الى يقين بسبب ضالة احتمال الخلاف ، ولا يلزم من ذلك ان ينطبق هذا على كل مائة خبر نجمعها ، لأن المضعف الكيفى المذكور لا يتواجدإلا فى مائة تشترك ولو فى جانب من مدلولاتها الخبرية.

الحالة الثالثة : أن تكون الأخبار مشتركة فى المدلول المطابقى بالكامل ، كما اذا نقل المخبرون جميعا انهم شاهدوا قضية معينة من قضايا كرم حاتم ، وفى هذه الحالة يوجد المضعف الكمى والمضعف الكيفى معا ، ولكن المضعف الكيفى هنا أشد قوة منه فى الحالة السابقة ، وذلك لان مصالح الناس المختلفين كلما افترض تطابقها وتجمعها فى محور أضيق ، كان ذلك اغرب وابعد بحساب الاحتمالات ، لما بينهم من الاختلاف والتباين فى الظروف والاحوال ، فكيف أدت مصلحة كل واحد منهم الى نفس ذلك المحور الذى أدت مصلحة الاخرين؟ هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى إذا كان الكل ينقلون واقعة واحدة بالشخص ، فاحتمال الخطأ فيهم جميعا ابعد مما اذا كانوا ينقلون وقائع

١٤٢

متعددة بينها جانب مشترك.

وفى هذه الحالة كلما كان التوحد فى المدلول أوضح والتطابق فى الخصوصيات بين اخبارات المخبرين أكمل ، كان احتمال الصدق أكبر والمضعف الكيفى أقوى أثرا ، ومن هنا كان اشتمال كل خبر على نفس التفاصيل التى يشتمل عليها الخبر الاخر مؤديا الى تزايد احتمال الصدق بصورة كبيرة ، ومن أهم أمثلة ذلك ، التطابق فى صيغة الكلام المنقول ، كما اذا نقل الجميع كلاما لشخص بلفظ واحد ، لأننا نتساءل حينئذ : هل اتفق أن كانت للجميع مصلحة فى ابراز نفس الالفاظ بعينها ، مع امكان أداء المعنى نفسه بالفاظ اخرى؟ أو كان هذا التطابق فى الالفاظ عفويا وصفة؟ وكل ذلك بعيد بحساب الاحتمالات ، ومن هنا نستكشف ان هذا التطابق ناتج عن واقعية القضية وتقيد الجميع بنقل ما وقع بالضبط.

وعلى ضوء ما ذكرناه يتضح الوجه فى أقوائية التواتر اللفظى من المعنوى ، والمعنوى من الاجمالى ، كما هو واضح.

٢ ـ الاجماع

الاجماع يبحث عن حجيته فى اثبات الحكم الشرعى ، تارة على أساس حكم العقل المدعى بلزوم تدخل الشارع لمنع الاجتماع على الخطأ ، وهو ما يسمى بقاعة د اللطف. واخرى على أساس قيام دليل شرعى على حجية الاجماع ولزوم التعبد بمفاده ، كما قام على حجية خبر الثقة والتعبد بمفاده. وثالثة على اساس إخبار المعصوم وشهادته بان الاجماع لا يخالف الواقع ، كما فى الحديث المدعى [ :( لا تجتمع امتى على

١٤٣

خطأ » ورابعة باعتباره كاشفا عن دليل شرعى ، لأن المجمعين لا يفتون عادة الا بدليل ، فيستكشف بالاجماع وجود الدليل الشرعى على الحكم الشرعى.

والفارق بين الأساس الرابع لحجية الاجماع ، والاسس الثلاثة الاولى ان الاجماع على الاسس الاولى يكشف عن الحكم الشرعى مباشرة ، وأما على الأساس الرابع فيكشف عن وجود الدليل الشرعى على الحكم.

والبحث عن حجية الاجماع على الاسس الثلاثة الاولى يدخل فى نطاق البحث عن الدليل غير الشرعى على الحكم الشرعى ، والبحث عن حجيته على الأساس الأخير يدخل فى نطاق احراز صغرى الدليل الشرعى ، وى عتبر من وسائل اثبات هذا الدليل ، وهذا ما نتناوله فى المقام.

وقد قسم الاصوليون الملازمة كما نلاحظ فى الكفاية وغيرها الى ثلاثة أقسام ، ثم بحثوا عن تحقق أى واحد منها بين الاجماع والدليل الشرعى ، وهى الملازمة العقلية والعادية والاتفاقية ، ومثلوا للاولى بالملازمة بين تواتر الخبر وصدقه ، وللثانية بالملازمة بين اتفاق آراء المرؤوسين على شىء ورأى رئيسهم ، وللثالثة بالملازمة بين الخبر المستفيض وصدقه.

والتحقيق ان الملازمة دائما عقلية ، والتقسيم الثلاثى لها مرده فى الحقيقة الى تقسيم الملزوم لا الملازمة ، فان الملزوم إذا كان ذات الشىء مهما كانت ظروفه واحواله ، سميت الملازمة عقلية ، كالملازمة بين النار والحرارة. وإذا كان الملزوم الشىء المنوط بظروف متواجدة فيه غالبا

ـــــــــــــــ

(١) كفاية الاصول : ج ٢ ص ٦٩.

١٤٤

وعادة ، سميت الملازمة عادية. واذا كان الملزوم الشىء المنوط بظروف قد يتفق وجودها ، فالملازمة اتفاقية.

والصحيح انه لا ملازمة بين التواتر وثبوت القضية ، فضلا عن الاجماع ، وهذا لا ينفى اننا نعلم بالقضية القائلة ( كل قضية ثبت تواترها فهى ثابتة ) لأن العلم بأن المحمول لا ينفك عن الموضوع ، غير العلم بأنه لا يمكن ان ينفك عنه ، والتلازم يعنى الثانى ، وما نعلمه هو الأول على أساس تراكم القيم الاحتمالية وزوال الاحتمال المخالف لضالته ، لا لقيام برهان على امتناع محتمله عقلا.

فالصحيح ربط كشف الاجماع بنفس التراكم المذكور وفقا لحساب الاحتمال ، كما هو الحال فى التواتر على فوارق بين مفردات الاجماع بوصفها أخبارا حدسية ومفردات التواتر بوصفها اخبارا حسية ، وقد تقدم البحث عن هذه الفوارق فى الحلقة السابقة (١).

وتقوم الفكرة فى تفسير كشف الاجماع بحساب الاحتمال على ان الفقيه لا يفتى بدون اعتقاد للدليل الشرعى ، عادة ، فاذا أفتى فهذا يعنى اعتقاده للدليل الشرعى ، وهذا الاعتقاد يحتمل فيه الاصابة والخطأ معا ، وبقدر احتمال الاصابة يشكل قرينة احتمالية لصالح اثبات الدليل الشرعى ، وبتراكم الفتاوى تتجمع القرائن الاحتمالية لاثبات الدليل الشرعى بدرجة كبيرة تتحول بالتالى الى يقين لتضاءل احتمال الخلاف.

ويستفاد من كلام المحقق الاصفهانى رحمه الله (٢) الاعتراض على

ـــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٢٧٤.

(٢) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٦٧.

١٤٥

اكتشاف الدليل الشرعى عن الاجماع بالنقطتين التاليتين :

الاولى : ان غاية ما يتطلبه افتراض ان الفقهاء لا يفتون بدون دليل ، أن يكونوا قد استندوا الى رواية عن المعصوم اعتقدوا ظهورها فى اثبات الحكم وحجيتها سندا ، وليس من الضرورى ان تكون الرواية فى نظرنا لو اطلعنا عليها ظاهرة فى نفس ما استظهروه منها ، كما انه ليس من الضرورى ان يكون اعتبار الرواية سندا عند المجمعين مساوقا لاعتبارها كذلك عندنا ، اذا قد لا نبنى الا على حجية خبر الثقة ، ويكون المجمعون قد عملوا بالرواية لبنائهم على حجية الحسن او الموثق.

الثانية : ان اصل كشف الاجماع عن وجود رواية خاصة دالة على الحكم ليس صحيحا ، لانها ان كنا نجد فى مصادر الحديث رواية من هذا القبيل فهى واصحلة بنفسها لا بالاجماع ، ولابد من تقييمها بصورة مباشرة. وان كنا لا نجد شيئا من هذا فلا يمكن ان نفترض وجود رواية ، اذ كيف نفسر حينئذ عدم ذكر أحد من المجمعين لها فى شىء من كتب الحديث أو الاستدلال ، مع كونها هى الاساس لفتواهم ، على الرغم من أنهم يذكرون من الاخبار حتى ما لا يستندون اليه فى كثير من الأحيان.

ولنبدأ بالجواب على النقطة الثانية فنقول : إن الاجماع من أهل النظر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة المتقدمين لا نريد به ان نكتشف رواية على النحو الذى فرضه المعترض ، لكى يبدو عدم ذكرها فى كتب الحديث والفقه غريبا ، وانما نكتشف به فى حالة عدم ودود مستند لفظى محدد للمجمعين ارتكازا ووضوحا فى الرؤية متلقى من الطبقات السابقة على اولئك الفقهاء والمتقدمين ، لان تلقى هذا الارتكاز والوضوح هو الذى يفسر حينئذ اجماع فقهاء عصر الغيبة المتقدمين ، على الرغم من

١٤٦

عدم وجود مستند لفظى مشخص بايديهم. وهكذا الارتكاز والوضوح لدى تلك الطبقات التى تشتمل على الرواة وحملة الحديث من معاصرى الأئمة عليهم السلام يكشف عادة عن وجود مبررات كافية فى مجموع السنة التى عاصروها من قول وفعل وتقرير ، أوحت اليهم بذلك الوضوح والارتكاز ، وبهذا يزول الاستغراب المذكور ، إذ لا يفترض تلقى المجمعين من فقهاء عصر الغيبة رواية محددة وعدم اشارتهم اليها ، وانما تلقوا جوا عاما من الاقتناع والارتكاز الكاشف ، فمن الطبيعى ان لا تذكر رواية بعينها.

وعلى هذا الضوء يتضح الجواب على النقطة الاولى أيضا ، لأن المكتشف بالاجماع ليس رواية اعتيادية ليعترض باحتمال عدم تماميتها سندا أو دلالة ، بل هذا الجو العام من الاقتناع والارتكاز الذى يكشف عن الدليل الشرعى.

وجوهر النكتة فى المقام هو افتراض الوسيط بين اجماع أهل النظر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة والدليل الشرعى المباشر من المعصوم ، وهذا الوسيط هو الارتكاز لدى الطبقات السابقة من حملة الحديث وأمثالهم من معاصرى الأئمة ، وهذا الارتكاز هو الكاشف الحقيقى عن الدليل الشرعى. ولهذا فان أى بديل للاجماع المذكور فى إثبات هذا الوسيط والكشف عنه يؤدى نفس دور الاجماع ، فاذا أمكن ان نستكشف بقرائن مختلفة ان سيرة المتشرعة المعاصرين للأئمة والمخالطين لهم واقتناعاتهم ومرتكزاتهم كانت منعقدة على الالتزام بحكم معين ، كفى ذلك فى اثبات هذا الحكم.

وقد سبق عند الكلام عن طرق إثبات السيرة فى الحلقة

١٤٧

السابقة (١) ما ينفع فى مجال تشخيص بعض هذه القرائن.

الشروط المساعدة على كشف الاجماع :

وعلى أساس ما عرفنا من طريقة اكتشاف الدليل الشرعى بالاجماع وتسلسلها ، يمكن أن نذكر الامور التالية كشروط أساسية لكشف الاجماع عن الدليل الشرعى بالطريقة المتقدمة الذكر ، أو مساعدة على ذلك :

الأول : أن يكون الاجماع من قبل المتقدمين من فقهاء عصر الغيبة الذين يتصل عهدهم بعهد الرواة وحملة الحديث والمتشرعين المعاصرين للمعصومين ، لأن هؤلاء هم الذين يمكن أن يكشفوا عن ارتكاز عام لدى طبقة الرواة ومن اليهم ، دون الفقهاء المتأخرين.

الثانى : ان لا يكون المجمعون أو جملة معتد بها مهم قد صرحوا بمدرك محدد لهم ، بل أن لا يكون هناك مدرك معين من المحتمل استناد المجمعين إليه ، والا كان المهم تقييم ذلك المدرك ، نعم فى هذه الحالة قد يشكل استناد المجمعين الى المدرك المعين ، قوة فيه ، ويكمل ما يبدو من نقصه. ومثال ذلك : ان يثبت فهم معنى معين للرواية من قبل كل الفقهاء المتقدمين القريبين من عصر تلك الرواية والمتأخمين لها ، فان ذلك قد يقضى على التشكيك المعاصر فى ظهورها فى ذلك المعنى ، نظرا لقرب اولئك من عصر النص واحاطتهم بكثير من الظروف المحجوبة عنا.

ـــــــــــــــ

(١) راجع : ج ١ ص ٢٨١ ٢٧٧.

١٤٨

الثالث : أن لا توجد قرائن عكسية تدل على انه فى عصر الرواة والمتشرعة المعاصرين للائمة عليهم السلام لا يوجد ذلك الارتكاز والرؤية الواضحة اللذين يراد اكتشافهما عن طريق اجماع الفهقاء المتقدمين ، والوجه فى هذا الشرط واضح بعد أن عرفنا كيفية تسلسل الاكتشاف ودور الوسيط المشار اليه فيه.

الرابع : أن تكون المسألة من المسائل التى لا مجال لتلقى حكمها عادة إلا من قبل الشارع ، وأما اذا كان بالامكان تلقيه من قاعدة عقلية مثلا ، أو كانت مسألة تفريعية قد يستفاد حكمها من عموم دليل أو اطلاق ، فلا يتم الاكتشاف المذكور.

مقدار دلالة الاجماع :

لما كان كشف الاجماع قائما على أساس تجمع انظار أهل الفتوى على قضية واحدة ، اختص بالمقدار المتفق عليه ، ففيما اذا اختلفت الفتاوى بالعموم والخصوص ، لا يتم الاجماع إلا بالنسبة لمورد الخاص. ويعتبر كشف الاجماع عن اصل الحكم بنحو القضية المهملة أقوى دائما من كشف عن الاطلاقات التفصيلية للحكم ، وذلك لأنا عرفنا سابقا ان كشف الاجماع يعتمد على ما يشير اليه من الارتكاز فى طبقة الرواة ومن اليهم ، وحينما نلاحظ الارتكاز المكتشف بالاجماع نجد ان احتمال وقوع الخطأ فى تشخيص حدوده وامتداداته من قبل المجمعين أقوى نسبيا من احتمال خطأهم فى أصل أدراك ذلك الارتكاز ، فان الارتكاز بحكم كونه قضية معنوية غير منصبة فى الفاظ محدودة قد يكتنف الغموض بعض امتداداته واطلاقاته.

١٤٩

الاجماع البسيط والمركب :

يقسم الاجماع الى بسيط ومركب : فالبسيط هو الاتفاق على رأى معين فى المسألة. والمركب هو انقسام الفقهاء الى رأيين من مجموع ثلاثة وجوه أو أكثر ، فيعتبر نفى الوجه الثالث ثابتا بالاجماع المركب. وماتقدم من الكلام كان الملحوظ فيه الاجماع البسيط ، وأما المركب من الاجماع فان افترضنا ان كل فقيه من المجمعين يبنى على نفى الوجه الثالث بصورة مستقلة عن تبنيه لرأيه ، فهذا يرجع فى الحقيقة الى الاجماع البسيط على نفى الثالث. وإن افترضنا ان نفى الوجه الثالث عند كل فقيه كان مرتبطا باثبات ما تبناه من رأى ، فهذا هو الاجماع المركب على نفى الثالث ، ولا حجية فيه ، لأن حجيته إنما هى باعتبار كشفه الناشىء من تجمع القيم الاحتمالية لعدم الخطأ ، وفى المقام نعلم بالخطأ عند أح د الفريقين المتنازعين ، فلا يمكن ان تدخل القيم الاحتمالية كلها فى تكوين الكشف للاجماع المركب ، لأنها متعارضة فى نفسها ، كما هو واضح.

٣ ـ الشهرة

كلمة الشهرة بمعنى الذيوع والوضوح لغة ، وتضاف فى علم الاصول الى الحديث تارة ، والى الفتوى اخرى ، ويراد بالشهرة فى الحديث تعدد رواة الحديث بدرجة دون التواتر ، ويراد بالشهرة فى الفتوى انتشار الفتوى المعينة بين الفقهاء وشيوعها بدرجة دون الاجماع.

١٥٠

ونحن اذا حددنا التواتر تحديدا كيفيا بالتعدد الواصل الى درجة موجبة للعلم ولو بمعنى يشمل الاطمئنان ، فسوف لا تتجاوز الشهرة فى الحديث التى فرض فيها ان تكون دون التواتر ، درجة الظن ، والخبر الظنى ليس من وسائل الاحراز الوجدانى للدليل الشرعى ، بل يحتاج ثبوت حجيته الى التعبد الشرعى ، كما يأتى.

واذا حددنا الاجماع تحديدا كيفيا بتعدد المفتين الى درجة موجبة للعلم ولو بمعنى يشمل الاطمئنان فسوف لا تتجاوز الشهرة فى الفتوى التى فرض فيها ان تكون دون الاجماع ، درجة الظن بالدليل الشرعى ، وهو ليس كافيا ما لم يقم دليل على التعبد بحجيته.

واذا حددنا الاجماع تحديدا كميا عدديا باتفاق مجموعة الفقهاء ، كان معنى الشهرة فى الفتوى تطابق الجزء الاكبر من هذه المجموعة ، إما مع عدم وجود فكرة عنة راء الاخرين ، أو مع الظن بموافقتهم أيضا ، أو مع العلم بخلافهم. والشهرة بهذا المعنى قد تدخل فى الاإجماع بالتحديد الكيفى المتقدم ، وتوجب احراز الدليل الشرعى بحساب الاحتمال ، وهو أمر يختلف من مورد الىة خر ، كما ان احراز مخالفة البعض يعيق عن الكشف القطعى للشهرة بدرجة تختلف تبعا لنوعية البعض وموقعه ولخصوصيات اخرى.

ثم ان فى الشهرة فى الفتوى بحثا آخر فى حجيتها الشرعية تعبدا ، وهذا خارج عن محل الكلام ، وانما يدخل فى قسم الدليل غير الشرعى.

١٥١

القسم الثانى

وسائل الاثبات التعبدى

وأهم ما يذكر فى هذا المجال عادة خبر الواحد ، وهو كل خبر لا يفيد العلم ، ولا شك فى انه ليس حجة على الاطلاق وفى كل الحالات ، ولكن الكلام فى حجية بعض اقسامه ، كخبر الثقة مثلا. والكلام يقع على مرحلتين :

المرحلة الاولى : فى اثبات حجية خبر الواحد على نحو القضية المهملة.

المرحلة الثانية : فى تحديد دائرة هذه الحجية وشروطها.

المرحلة الأولى

فى اثبات أصل حجية الاخبار

والمشهور بين العلماء هو المصير الى حجية خبر الواحد ، وقد استدل على الحجية بالكتاب الكريم والسنة والعقل.

١ ـ أما ما استدل به من الكتاب الكريم ، فايات ، منها آية النبأ وهى قوله : « إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا

١٥٢

على ما فعلتم نادمين » (١).

ويمكن الاستدلال بها بوجهين :

الوجه الأول : أن يستدل بمفهوم الشرط فيها على أساس انها تشتمل على جملة شرطية تربط الأمر بالتبين عن النبأ ، بمجىء الفاسق به ، فينتفى بانتفاءه ، وهذا يعنى عدم الأمر بالتبين عن النبأ فى حالة مجىء العادل به ، وبذلك تثبت حجية نبأ العادل ، لأن الأمر بالتبين الثابت فى منطوق الاية ، إما أن يكون ارشادا الى عدم الحجية ، وإما أن يكون ارشادا الى كون التبين شرطا فى جواز العمل بخبر الفاسق وهو ما يسمى بالوجوب الشرطى كما تقدم فى مباحث الأمر فعلى الأول يكون نفيه بعينه معناه الحجية. وعلى الثانى يعنى نفيه ان جواز العمل بخبر العدل ليس مشروطا بالتبين ، وهذا بذاته يلائم جواز العمل به بدون تبين وهو معنى الحجة ويلائم عدم جواز العمل به حتى مع التبين ، لأن الشرطية منتفية فى كلتا الحالتين. ولكن الثانى غير محتمل ، لأنه يجعل خبر العادل أسوأ من خبر الفاسق ، ولأنه يوجب المنع عن العمل بالدليل القطعى ، نظراإلى أن الخبر بعد تبين صدقه يكون قطعيا ، فيتعين الأول ، وهو المطلوب.

ويوجد اعتراضان مهمان على الاستدلال بمفهوم الشرط فى المقام :

أحدهما : ان الشرط فى الجملة مسوق لتحقق الموضوع ، وفى مثل ذلك لا يثبت للجملة الشرطية مفهوم.

والتحيق إن الموضوع والشرط فى الجملة الشرطية المذكورة يمكن

ـــــــــــــــ

(١) الحجرات : ٦.

١٥٣

تصويرها بانحاء :

منها : أن يكون الموضوع طبيعى النبأ ، والشرط مجىء الفاسق به.

ومنها : أن يكون الموضوع نبأ الفاسق ، والشرط مجيئه به ، فكأنه قال : نبأ الفاسق اذا جاءكم به ، فتبينوا.

ومنها : أن يكون الموضوع الجائى بالخبر ، والشرط فسقه ، فكأنه قال : الجائى بالخبرإذا كان فاسقا فتبينوا.

ولاشك فى ثبوت المفهوم فى النحو الاخير ، لعدم كون الشرط حينئذ محققا للموضوع. كما لا شك فى عدم المفهوم فى النحو الثانى ، لأن الشرط حينئذ هو الاسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع. وأما فى النحو الأول ، فالظاهر ثبوت المفهوم وإن كان الشرط محققا للموضوع ، لعدم كونه هو الاسلوب الوحيد لتحقيقه ، وفى مثل ذلك يثبت المفهوم ، كما تقدم توضيحه فى مبحث مفهوم الشرط. والظاهر من الاية الكريمة هو النحو الأول ، فالمفهوم اذن ثابت.

والاعتراض الاخر يتلخص فى محالوة لابطال المفهوم عن طريق عموم التعليل بالجهالة الذى يقتضى إسراء الحكم المعلل الى سائر موارد عدم العلم.

ويجاب على هذا الاعتراض بوجوه :

أحدها : ان المفهوم مخصص لعموم التعليل ، لأنه يثبت الحجية لخبر العادل غير العلمى ، والتعليل يقتضى عدم حجية كل ما لا يكون علميا ، فالمهوم أخص منه.

ويرد عليه : ان هذاإنما يتم إذا انعقد للكلام ظهور فى المفهوم ، ثم عارض عموما من العمومات ، فانه يخصصه. وأما فى المقام فلا ينعقد

١٥٤

للكلام ظهور فى المفهوم ، لانه متصل بالتعليل ، وهو صالح للقرينة على عدم انحصار الجزاء بالشرط ، ومعه لا ينعقد الظهور فى المفهوم الكلى يكون مخصصا.

ثانيها : ان المفهوم حاكم على عموم التعليل على ما ذكره المحقق النائينى رحمه الله (١) وذلك لأن مفاده حجية خبر العادل ، وحجيته معناها على مسلك جعل الطريقية اعتباره علما ، والتعليل موضوعه الجهل وعدم العلم ، فباعتبار خبر العادل علما يخرج عن موضوع التعليل ، وهو معنى كون المفهوم حاكما.

ويرد عليه : انه اذا كان مفاد المفهوم اعتبار خبر العادل علما ، فمفاد المنطوق نفى هذا الاعتبار عن خبر الفاسق ، وعليه فالتعليل يكون ناظرا الى توسعة دائرة هذا النفى وتعميمه على كل ما لا يكون علميا ، فكأن التعليل يقول : ان كل ما لا يكون عالما وجدانا لا أعتبره علما. وبهذا يكون مفاد التعليل ومفاد المفهوم فى رتبة واحدة ، أحدهما يثبت اعتبار خبر العادل علما ، والاخر ينفى هذا الاعتبار ، ولا موجب لحكومة أحدهما على الاخر.

ثالثها ما ذكره المحقق الخراسانى رحمه الله (٢) من أن الجهالة المذكورة فى التعليل ليست بمعنى عدم العلم ، بل بمعنى السفاهة والتصرف غير المتزن ، فلا يشمل خبر العادل الثقة ، لأنه ليس سفاهة ولا تصرفا غير متزن.

الوجه الثانى : أن يستدل بمفهوم الوصف ، حيث انيط وجوب التبين

ـــــــــــــــ

(١) فوائد الاصول : ج ٣ صص ١٧٢.

(٢) كفاية الاصول : ج ٢ ص ٨٦.

١٥٥

بفسق المخبر ، فينتفى بانتفائه. ومفهوم الوصف تارة يستدل به فى المقام بناء على ثبوت المفهوم للوصف عموما ، وتارة يستدل به لامتياز فى المقام ، حتى لو انكرنا مفهوم الوصف فى موارد اخرى ، وذلك بأن يقال : ان مقتضى قاعدة احترازية القيود انتفاء شخص ذلك الوجوب للتبين بانتفاء الفسق ، وعليه فوجوب التبين عن خبر العالدإن اريد به شمول شخص ذلك الوجوب له فهو خلاف القاعدة المذكورة. وإن اريد به شخص آخر من وجوب التبين مجعول على عنوان خبر العادل ، فهذا غير محتمل ، لأن معناه ان خبر العادل بما هو خبر العادل دخيل فى وجوب التبين هذا ، وهو غير محتمل ، فان وجوب التبين إما ان يكون بملاك مطلق الخبر ، أو بملاك كون المخبر فاسقا ، ولا يحتمل دخل علدالة المخبر فى جعل وجوب للتبين.

أما اللحاظ الأول للاستدلال بمفهوم الوصف ، فجوابه انكار المفهوم للوصف ، خصوصا فى حالة ذكر الوصف بدون ذكر الموصوف.

وأما اللحاظ الثانى للاستدلال ، فجوابه ان وجوب التبين ليس حكما مجعولا ، بل هو تعبيرة خر عن عدم الحجية ، ومرجع ربطه بعنوان الى ان ذلك العنوان لا يقتضى الحجية ، فلا محذور فى ان يكون خبر العادل موضوعا لوجوب التبين بهذا المعنى ، لأن موضوعيته لهذا الوجوب مرجعها الى عدم موضوعيته للحجية.

ومنها : آية النفر ، وهى قوله سبحانه وتعالى : « فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعواإليهم لعلهم يحذرون » (١).

ـــــــــــــــ

(١) التوبة : ١٢٢.

١٥٦

وتقريب الاستدلال بها يتم من خلال الامور التالية :

أولا : انها تدل على وجوب التحذر لوجوه :

أحدها انه وقع مدخولا لأداة الترجى الدالة على المطلوبية فى مثل المقام ، ومطلوبية التحذر مساوقة لوجوبه ، لأن الحذرإن كان له مبرر فهو واجب ، وإلا لم يكن مطلوبا.

ثانيها ان التحذر وقع غاية للنفر الواجب ، وغاية الواجب واجبة.

ثالثها انه بدون افتراض وجوب التحذر يصبح الأمر بالنفر والانذار لغوا.

ثانيا : ان وجوب التحذر واجب مطلقا ، سواء أفاد الانذار العلم للسامع أو لا ، لأن الوجوه المتقدمة لافادته تقتضى ثبوته كذلك.

ثالثا : ان وجوب التحذر حتى مع عدم حصول العلم لدى السامع ، مساوق للحجية شرعا ، إذ لو لم يكن إخبار المنذر حجة رعا ، لما وجب العمل به إلا فى حال حصول العلم منه.

وقد يناقش فى الأمر الأول بوجوهه الثلاثة ، وذلك بالاعتراض على اول تلك الوجوه : بأن الأداة مفادها وقوع مدخولها موضع التوقب لا الترجى ، ولذا قد يكون مدخولها مرغوبا عنه ، كما فى قوله : « لعلك عن بابك طردتنى ».

والاعتراض على ثانى تلك الوجوه : بأن غاية الواجب ليست دائما واجبة ، وإن كانت محبوبة حتما ، ولكن ليس من الضرورى ان يتصدى المولى لايجابها ، بل قد يقتصر فى مقام الطلب على تقريب المكلف نحو الغاية ، وسد باب من ابواب عدمها ، وذلك عند وجود محذور مانع عن التكليف بها ، وسد كل ابواب عدمها ، كمحذور المشقة وغيره.

١٥٧

والاعتراض على ثالث تلك الوجوه : بأن الأمر بالنفر والانذار ليس لغوا مع عدم الحجية التعبدية ، لأنه كثيرا ما يؤدى الى علم السامع ، فيكون منجزا ، ولما كان المنذر يحتمل دائما ترتب العلم على إنذاره ، أو مساهمة انذاره فى حصول العلم ، ولو لغير السامع المباشر ، فمن المعقول أمره بالانذار مطلقا.

وهذه المناقشة إذا تمت جزئيا فلا تتم كليا ، لأن دلالة كلمة ( لعل ) على المطلوبية غير قابلة للانكار. وكون مفادها الترقب ، وإن كان صحيحا ولكن كونه ترقب المحبوب أو ترقب المخوف ، يتعين بالسياق ولا شك فى تعيين السيقا فى المقام الأول.

وقد يناقش فى الأمر الثانى بعد تسليم الأول بأن الاية الكريمة لا تدل على اطلاق وجوب التحذر لحالة عدم علم السامع قصدق المنذر ، وذلك لوجهين :

أحدهما : ان الاية لم تسق من حيث الأساس لافادة وجوب التحذر ، لنتمسك باطلاقها لاثبات وجوبه على كل حال ، وانما هى مسوقة لافادة وجوب الانذار ، فيثبت باطلاقها ان وجوب الانذار ثابت عل يكل حال ، وقد لا يوجب المولى التحذرإلا على من حصل له العلم ، ولكنه يوجب الانذار على كل حال ، وذلك احتياطا منه فى مقام التشريع ، لعدم تمكنه من اعطاء الضابطة للتمييز بين حالات استتباع الانذار للعلم او مساهمته فيه وغيرها.

والوجه الاخر ما يدعى من وجود قرينة فى الاية على عدم الاطلاق ، لظهورها فى تعلق الانذار بما تفقه فيه المنذر فى هجرته ، وكون الحذر المطلوب مترقبا عقيب هذا النحو من الانذار ، فمع شك السامع فى ذلك

١٥٨

لا يمكن التمسك باطلاق الاية لا ثبات مطلوبية الحذر.

ويمكن النقاش فى الأمر الثالث ، بأن وجوب التحذر مترتب على عنوان الانذار ، لا مجرد الاخبار ، والانذار يستبطن وجود خطر سابق ، وهذا يعنى ان الانذار ليس هو المنجز والمستتبع لاحتمال الخطر بجعل الشارع الحجية له ، وانما هو مسبوق بتنجز الاحكام فى المرتبة السابقة بالعلم الاجمالى ، أو الشك قبل الفحص.

هذا مضافا الى ان تنجز الاحكام الالزامية بالاخبار غير القطعى لا يتوقف على جعف الحجية للخبر شرعا ، بناء على مسلك حق الطاعة ، كما هو واضح.

٢ ـ وأما السنة :

وأما السنة فهناك طريقان لاثباتها :

أحدهما : الاخبار الدالة على الحجية. ولكى يصح الاستدلال بها على حجية خبر الواحد ، لابد ان تكون قطيعة الصدور ، وتذكر فى هذا المجال طوائف عديدة من الروايات ، والظاهر ان كثيرا منها لا يدل على الحجية.

وفيما يلى نستعرض بايجاز جل هذه الطوائف ، ليتضح الحال :

الطائفة الاولى : ما دل على التصديق الواقعى ببعض روايات الثقات ، من قبيل ما ورد عن العسكرى عليه السلام عندما عرض عليه كتاب يوم وليلة ليونس بن عبدالرحمن إذ قال : ( هذا دينى ودين آبائى وهو الحق كله ) (١). وهذا الى الاخبار عن المطابقة للواقع ، وهو غير

ـــــــــــــــ

(١) جامع احاديث الشيعة : باب ٥ من ابواب المقدمات ح ٢٦ج ١ ص ٢٢٧.

١٥٩

الحجية التعبدية التى تجعل عند الشك فى المطابقة.

الطائفة الثانية : ما تضمن الحث على تحمل الحديث وحفظه ، من قبيل قول النبى صلى الله عليه وة له : « من حفظ على امتى أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة » (١). وهذا لا يدل على الحجية أيضا ، إذ لا شك فى ان تحمل الحديث وحفظه من أهم المستحبات ، بل من الواجبات الكفائية ، لتوقف حفظ الشريعة عليه ، ولا يلزم من ذلك وجوب القبول تعبدا مع الشك.

ومثل ذلك ما دل على الثناء على المحدثين ، أو الأمر بحفظ الكتب ، والترغيب فى الكتابة.

الطائفة الثالثة : ما دل على الأمر بنقل بعض النكات والمضامين ، من قبيل قول أبى عبدالله عليه السلام : « يا ابان اذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث » ... (٢) والصحيح ان الأمر بالنقل يكفى فى وجاهته احتمال تمامية الحجة بذلك ، بحصول الوثوق لدى السامعين ، ولا يتوقف على افتراض الحجية التعبدية.

الطائفة الرابعة : ما دل على ان انتفاع السامع بالرواية قد يكون أكثر من انتفاع الراوى من قبيل قولهم « فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه » (٣). ونلاحظ ان هذه الطائفة ليست فى مقام بيان ان النقل يثبت المنقول للسامع تعبدا ، والا لكان الناقبل دائما من هذه الناحية أفضل حالا من السامع ، لان الثبوت لديه وجدانى ، بل هى بعد افتراض ثبوت المنقول تريد أن توضح ان المهم ليس حفظ الالفاظ ، بل إدراك المعانى

ـــــــــــــــ

(١) جامع أحاديث الشيعة : باب ٥ من ابواب المقدمات ح ٦٧ج ١ ص ٢٤٠ ، مع اختلاف فى العبارة.

(٢) نفس المصدر : ح ١٥.

(٣) نفس المصدر. ح ٣٩.

١٦٠