دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

المقارنة بين الحروف والاسماء الموازية لها :

كل حرف نجد تعبيراإسميا موازيا له ف ( إلى ) يوازيها فى الاسماء ( انتهاء ) و ( من ) يوازيها ( ابتداء ) و ( فى ) توازيها ( ظرفية ) وهكذا ، وعلى الرغم من الموازاة ، فان الحرف والاسم الموازى له ليسا مترادفين بدليل أنه لا يمكن استبدال أحدهما فى موضع الاخر كما هو الشأن فى المترادفين عادة. والسبب فى ذلك يعودإلى أن الحرف يدل على النسبة ، والاسم يدل على مفهوم اسمى يوازى تلك النسبة ويلازمها ، ومن هنا لم يكن بالامكان أن يفصل مدلول ( إلى ) عن طرفيه ويلحظ مستقلا ، لان النسبة لا تنفصل عن طرفيها بينما بالامكان أن نلحظ كلمة ( الانتهاء ) بمفردها ونتصور معناها.

ونفس الشىء نجده فى هيئات الجمل مع أسماء موازية لها ، فقولك : ( زيد عالم ) إخبار بعلم زيد ، فالاخبار بعلم زيد تعبير اسمى عن مدلول هيئة ( زيد عالم ) ، إلا أنه لا يرادفه لوضوح أنك لو نطقت بهذا التعبير الاسمى لكنت قد قلت جملة ناقصة لا يصح السكوت عليها ، بينما ( زيد عالم ) جملة تامة يصح السكوت عليها.

تنوع المدلول التصديقى :

عرفنا فيما سبق أن الالفاظ لها دلالة تصورية تنشأ من الوضع ، ولها دلالة تصديقة تنشأ من السياق. والدلالة التصديقية الاولى تشترك فيها الكلمات والجمل الناقصة والجمل التامة. والدلالة التصديقية الثانية على المراد الجدى تختص بها الجمل التامة. وسنخ المدلول التصديقى

٢٢١

الاول واحد فى جميع الالفاظ وهو قصد المتكلم إخطار صورة المعنى فى ذهن السامع. وأما سنخ المدلول التصديقى الثانى أى المراد الجدى فيختلف من جملة تامة إلى جملة تامة أخرى. فالجملة الخبرية مثل ( زيد عالم ) مدلولها الجدى قصد الاخبار والحكاية عن النسبة التامة التى تدل عليها هيئتها ، والجملة الاستفهامية ( هل زيد عالم ) مدلولها الجدى طلب الفهم والاطلاع على وقوع تلك النسبة التامة ، والجملة الطلبية ( صل ) مدلولها الجدى طلب إيقاع النسبة التامة التى تدل عليها هيئة صل أى طلب وقوع الصلاة من المخاطب.

ويختلف فى ذلك السيد الاستاذ فانه بنى كما عرفنا سابقا على أن الوضع عبارة عن التعهد وفرع عليه أن الدلالة اللفظية الناشئة من الوضع دلالة تصديقية لا تصورية بحتة ، وعلى هذا الاساس اختار أن كل جملة تامة موضوعة بالتعهد لنفس مدلولها التصديقى الجدى مباشرة وقد عرفت الحال فى مبناه سابقا.

المقارنة بين الجمل التامة والناقصة :

لاشك فى أن المعنى الموضوع له للجملة التامة يختلف عن المعنى الموضوع له للجملة الناقصة ، لان الاولى يصح السكوت عليها دون الثانية. وهذا الاختلاف يوجد تفسيران له :

أحدهما : مبنى على أن المعنى الموضوع له هو المدلول التصديقى مباشرة كما اختاره السيد الاستاذ تفريعا على تفسيره للوضع بالتعهد. وحاصله أن الجملة التامة فى قولنا : ( المفيد عالم ) موضوعة لقصد الحكاية والاخبار عن ثبوت المحمول للموضوع ، والجملة الناقصة الوصفية فى

٢٢٢

قولنا : ( المفيد العالم ) موضوعة لقصدإخطار صورة هذه الحصة الخاصة.

والجواب على ذلك ما تقدم ، أن المعنى الموضوع له غير المدلول التصديقى بل هو المدلول التصورى ، والمدلول التصورى للحروف والهيئات هو النسبة ، فلا بد من افتراض فرق بين نحوين من النسبة : أحدهما : يكون مدلولا للجملة التامة ، والاخر : مدلول للجملة الناقصة.

والتفسير الاخر : أن هيئة كلتا الجملتين موضوعة للنسبة ولكنها فى إحداهما اندماجية وفى الاخرى غير اندماجية ، وكل جملة موضوعة للنسبة الاندماجية فهى ناقصة ، لانها تحول المفهومين إلى مفهوم واحد وتصير الجملة فى قوة كلمة واحدة ، وكل جملة موضوعة للنسبة غير الاندماجية فهى جملة تامة. وقد تقدم فى الحلقة السابقة بعض الحديث عن ذلك.

الدلالات الخاصة والمشتركة :

هذه نبذة تمهيدية عن الدلالة اللفظية وعلاقات الالفاظ بالمعانى نكتفى بها للدخول فى الحديث عن تحديد دلالات الدليل الشرعى اللفظى. ومن الواضح أن هذه الدلالات على قسمين : فبعضها دلالات خاصة ترتبط ببعض المسائل الفقهية كدلالة كلمة ( الصعيد ) أو ( الكعب ) ، وبعضها دلالات عامة تصلح أن تكون عنصرا مشتركا فى عملية الاستنباط فى مختلف أبواب الفقه كدلالة الامر على الوجوب. وقد عرفت سابقا أن ما يدخل فى البحث الاصولى إنما هو القسم الثانى ، ولهذا فسوف يكون البحث عن الدلالات العامة للدليل الشرعى اللفظى.

٢٢٣

الامر والنهى

الامر :

الامر تارة يستعمل بمادته فيقال : ( آمرك بالصلاة ) واخرى بصيغته فيقال : ( صل ).

أما مادة الامر فلا شك فى دلالتها بالوضع على الطلب ، ولكن لا بنحو تكون مرادفة للفظ الطلب ، لان لفظ الطلب ينطبق بمفهومه على الطلب التكوينى كطلب العطشان للماء والطلب التشريعى سواء صدر من العالى أو من غيره ، بينما الامر لا يصدق إلا على الطلب التشريعى من العالى ، سواء كان مستعليا أى متظاهرا بعلوه أولا.

كما أن مادة الامر لا ينحصر معناها لغة بالطلب ، بل ذكرت لها معان اخرى كالشىء ، والحادثة ، والغرض ، وعلى هذا الاساس تكون مشتركا لفظيا وتعيين الطلب بحاجة إلى قرينة ، ومتى دلت القرينة على ذلك يقع الكلام فى أن المادة تدل على الطلب بنحو الوجوب أو تلائم مع الاستحباب؟ فقد يستدل على أنها تدل على الوجوب بوجوه :

منها : قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) (١) وتقريبه أن

__________________

(١) سورة النور : ٦٣.

٢٢٤

الامر لو كان يشمل الطلب الاستحبابى لما وقع على إطلاقه موضوعا للحذر من العقاب.

ومنها : قوله (ص) : ( لو لا أن أشق على أمتى لامرتهم بالسواك ) (١). وتقريبه أن الامر لو كان يشمل الاستحباب لما كان الامر مستلزما للمشقة كما هو ظاهر الحديث.

ومنها : التبادر فان المفهوم عرفا من كلام المولى حين يستعمل كلمة الامر أنه فى مقام الايجاب والالزام ، والتبادر علامة الحقيقة.

وأما صيغة الامر فقد ذكرت لها عدة معان كالطلب ، والتمنى ، والترجى ، والتهديد ، والتعجيز ، وغير ذلك ، وهذا فى الواقع خلط بين المدلول التصورى للصيغة ، والمدلول التصديقى الجدى لها باعتبارها جملة تامة. وتوضيحه : أن الصيغة أى هيئة فعل الامر لها مدلول تصورى ولا بد أن يكون من سنخ المعنى الحرفى كما هو الشأن فى سائر الهيئات والحروف ، فلا يصح أن يكون مدلولها نفس الطلب بما هو مفهوم إسمى ، ولا مفهوم الارسال نحو المادة ، بل نسبة طلبية أو إرسالية توازى مفهوم الطلب أو مفهوم الارسال ، كما توازى النسبة التى تدل عليها ( إلى ) مفهوم ( الانتهاء ) ، والعلاقة بين مدلول الصيغة بوصفه معنى حرفيا ومفهوم الارسال أو الطلب تشابه العلاقة بين مدلول ( من ) و ( إلى ) و ( فى ) ومدلول ( الابتداء ) و ( الانتهاء ) و ( الظرفية ). فهى علاقة موازاة لا ترادف. ونقصد بالنسبة الطلبية أو الارسالية الربط المخصوص الذى يحصل بالطلب أو بالارسال بين المطلوب والمطلوب منه ، أو بين المرسل

__________________

(١) الوسائل ج ١ ، ب ٣ من ابواب السواك ح ٤.

٢٢٥

والمرسل إليه ، وهذا هو المدلول التصورى للصيغة الثابت بالوضع. وللصيغة باعتبارها جملة تامة مكونة من فعل وفاعل مدلول تصديقى جدى بحكم السياق لا الوضع ، إذ تكشف سياقا عن أمر ثابت فى نفس المتكلم هو الذى دعاه إلى استعمال الصيغة ، وفى هذه المرحلة تتعدد الدواعى التى يمكن أن تدل عليها الصيغة بهذه الدلالة ، فتارة يكون الداعى هو ( الطلب ) وأخرى ( الترجى ) وثالثة ( التعجيز ) وهكذا ، مع انحفاظ المدلول التصورى للصيغة فى الجميع.

هذا كله على المسلك المختار المشهور القائل بأن الدلالة الوضعية هى الدلالة التصورية. وأما بناء على مسلك التعهد القائل بأن الدلالة الوضعية هى الدلالة التصديقية ، وأن المدلول الجدى للجملة التامة هو المعنى الموضوع له ابتداء فلا بد من الالتزام بتعدد المعنى فى تلك الموارد لاختلاف المدلول الجدى.

ثم إن الظاهر من الصيغة أن المدلول التصديقى الجدى هو الطلب دون سائر الدواعى الاخرى ، وذلك لانه إن قيل بأن المدلول التصورى هو النسبة الطلبية فواضح أن الطلب مصداق حقيقى للمدلول التصورى دون سائر الدواعى ، فيكون أقرب إلى المدلول التصورى وظاهر كل كلام أن مدلوله التصديقى أقرب ما يكون للتطابق والمصداقية للمدلول التصورى ، وأما إذا قيل بأن المدلول التصورى هو النسبة الارسالية ، فلان المصداق الحقيقى لهذه النسبة إنما ينشأ من الطلب لا من سائر الدواعى فيتعين داعى الطلب بظهور الكلام.

ولكن قد يتفق أحيانا أن يكون المدلول الجدى هو قصد الاخبار عن حكم شرعى آخر غير طلب المادة أوإنشاء ذلك الحكم وجعله ، كما فى

٢٢٦

قوله : ( اغسل ثوبك من البول ) فان المراد الجدى من ( اغسل ) ليس طلب الغسل ، إذ قد يتنجس ثوب الشخص فيهمله ولا يغسله ولاإثم عليه ، وإنما المراد بيان أن الثوب يتنجس بالبول ، وهذا حكم وضعى ، وأنه يطهر بالغسل ، وهذا حكم وضعى آخر ، وفى هذه الحالة تسمى الصيغة بالامر الارشادى لانهاإرشاد وإخبار عن ذلك الحكم.

وكما أن المعروف فى دلالة مادة الامر على الطلب أنها تدل على الطلب الوجوبى ، كذلك الحال فى صيغة الامر بمعنى أنها تدل على النسبة الارسالية الحاصلة من إرادة لزومية ، وهذا هو الصحيح للتبادر بحسب الفهم العرفى العام.

وكثيرا ما يستعمل غير فعل الامر من الافعال فى إفادة الطلب ، إما بادخال لام الامر عليه فيكون الاستعمال بلا عناية ، إما بدون إدخاله ، كماإذا قيل ( يعيد ) و ( يغتسل ) ، ويشتمل الاستعمال حينئذ على عناية ، لان الجملة حينئذ خبرية بطبيعتها ، وقد استعملت فى مقام الطلب. وفى الاول يدل على الوجوب بنحو دلالة الصيغة عليه ، وفى الثانى يوجد خلاف فى الدلالة على الوجوب ، ويأتى الكلام عن ذلك فى حلقة مقبلة إن شاءالله تعالى.

دلالات أخرى للامر :

عرفنا أن الامر يدل على الطلب ويدل على أن الطلب على نحو الوجوب. وهناك دلالات اخرى محتملة وقع البحث عن ثبوتها له وعدمه.

منها : دلالته على نفى الحرمة بدلا عن دلالته على الطلب والوجوب

٢٢٧

فى حالة معينة ، وهى ما إذا ورد عقيب التحريم أو فى حالة يحتمل فيها ذلك.

والصحيح أن صيغة الامر على مستوى المدلول التصورى لا تتغير دلالتها فى هذه الحالة ، بل تظل دالة على النسبة الطلبية ، غير أن مدلولها التصديقى هنا يصبح مجملا ومرددا بين الطلب الجدى وبين نفى التحريم ، لان ورود الامر فى إحدى الحالتين المذكورتين يوجب الاجمال من هذه الناحية.

ومنها : دلالة الامر بالفعل الموقت بوقت محدد على وجوب القضاء خارج الوقت على من لم يأت بالواجب فى وقته. وتوضيح الحال فى ذلك أن الامر بالفعل الموقت تارة يكون أمرا واحدا بهذا الفعل المقيد فلا يقتضى إلا الاتيان به ، فان لم يأت به حتى انتهى الوقت فلا موجب من قبله للقضاء ، بل يحتاج إيجاب القضاءإلى أمر جديد ، وتارة اخرى يكون الامر بالفعل الموقت أمرين مجتمعين فى بيان واحد ، أحدهما : أمر بذات الفعل على الاطلاق ، والاخر أمر بايقاعه فى الوقت الخاص ، فان فات المكلف امتثال الامر الثانى بقى عليه الامر الاول ، ويجب عليه أن يأتى بالفعل حينئذ ولو خرج الوقت فلا يحتاج إيجاب القضاء إلى أمر جديد. وظاهر دليل الامر بالموقت هو وحدة الامر ، فيحتاج إثبات تعدده على الوجه الثانى إلى قرينة خاصة.

ومنها : دلالة الامر بالامر بشىء ، على الامر بذلك الشىء مباشرة ، بمعنى أن الامر إذا أمر زيدا بأن يأمر خالدا بشىء فهل يستفاد الامر المباشر لخالد من ذلك أولا؟ فعلى الاول لو أن خالدا اطلع على ذلك قبل أن يأمره زيد لوجب عليه الاتيان بذلك الشىء ، وعلى الثانى

٢٢٨

لا يكون ملزما بشىء. ومثاله فى الفقه أمر الشارع لولى الصبى بأن يأمر الصبى بالصلاة ، فان قيل بأن الامر بالامر بشىء أمر به كان أمر الشارع هذا أمرا للصبى ولو على نحو الاستحباب بالصلاة.

النهى :

كما أن للامر مادة وصيغة ، كذلك الحال فى النهى ، فمادته نفس كلمة النهى ، وصيغته من قبيل ( لا تكذب ) ، والمادة تدل على الزجر بمفهومه الاسمى ، والصيغة تدل على الزجر والامساك بنحو المعنى الحرفى ، وإن شئت عبر بالنسبة الزجرية والامساكية.

وقد وقع الخلاف بين جملة من الاصوليين فى أن مفاد النهى هل هو طلب الترك الذى هو مجرد أمر عدمى ، أو طلب الكف عن الفعل الذى هو أمر وجودى.

وقد يستدل للوجه الثانى ، بأن الترك استمرار للعدم الازلى الخارج عن القدرة فلا يمكن تعلق الطلب به ، ويندفع هذا الدليل بأن بقاءه مقدور فيعقل التكليف به.

ويندفع الوجه الثانى ، بأن من حصل منه الترك بدون كف لا يعتبر عاصيا للنهى عرفا.

والصحيح أن كلا الوجهين باطل ، لان النهى ليس طلبا لا للترك ولا للكف ، وإنما هو زجر بنحو المعنى الاسمى كما فى مادة النهى أو بنحو المعنى الحرفى كما فى صيغة النهى ـ وهذا يعنى أن متعلقه الفعل لا الترك.

ولا إشكال فى دلالة النهى مادة وصيغة على كون الحكم بدرجة التحريم ، ويثبت ذلك بالتبادر والفهم العرفى العام.

٢٢٩

الاحتراز فى القيود

إذا ورد خطاب يشتمل على حكم وقيد له فقد يكون هذا القيد متعلقا للحكم ، كالاكرام فى ( أكرم الفقير ) ، وقد يكون موضوعا له كالفقير فى المثال ، وقد يكون شرطا كما فى الجملة الشرطية ( إذا زالت الشمس فصل ) وقد يكون غاية كما فى ( صم إلى الليل ) وقد يكون وصفا للموضوع كالعادل فى ( أكرم الفقير العادل ) وهكذا.

وفى كل هذه الحالات يوجد للكلام مدلول تصورى أريد إخطاره فى ذهن السامع ، ومدلول تصديقى جدى وهو الحكم الشرعى الذى أبرز وكشف عنه بذلك الخطاب. ولا شك فى أن الصورة التى نتصورها فى مرحلة المدلول التصورى عند سماع الكلام المذكور هى صورة حكم يرتبط بذلك القيد على نحو من أنحاء الارتباط ، ونستكشف من دخول القيد فى الصورة التى يدل عليها الكلام بالدلالة التصورية دخوله أيضا فى المدلول التصديقى الجدى ، بمعنى أن القيد مأخوذ فى ذلك الحكم الشرعى الخاص الذى كشف عنه ذلك الكلام ، فحينما يقول المولى ( أكرم الفقير العادل ) نفهم أن الوجوب الذى أراد كشفه بهذا الخطاب

٢٣٠

قد جعل على الفقير العادل ، وأخذت العدالة فى موضوعه وفقا لاخذها فى المدلول التصورى للكلام ، وذلك لان المولى لو لم يكن قد أخذ العدالة قيدا فى موضوع ذلك الوجوب الذى جعله وأبرزه بقوله : ( أكرم الفقير العادل ) لكان هذا يعنى أنه أخذ فى المدلول التصورى لكلامه قيدا ولم يأخذ ذلك القيد فى المدلول الجدى لذلك الكلام ، أى أنه بين بالدلالة التصورية للكلام شيئا وهو القيد مع أنه لا يدخل فى نطاق مراده الجدى ، وهذا خلاف ظهور عرفى سياقى مفاده : أن كل ما يبين بالكلام فى مرحلة المدلول التصورى فهو داخل فى نطاق المراد الجدى ، وبكلمة اخرى أن ما يقوله يريده حقيقة ، وبهذا الظهور نثبت قاعدة وهى : قاعدة احترازية القيود ، ومؤداها : أن كل قيد يؤخذ فى المدلول التصورى للكلام فالاصل فيه بحكم ذلك الظهور أن يكون قيدا فى المراد الجدى أيضا ، فإذا قال : ( أكرم الانسان الفقير ) ، فالفقير قيد فى المراد الجدى بمعنى كونه دخيلا فى موضوع وجوب الاكرام الذى سيق ذلك الكلام للكشف عنه. ويترتب على ذلك أنه إذا لم يكن الانسان فقيرا فلا يشمله ذلك الوجوب ، ولكن هذا لا يعنى أن إكرامه ليس واجبا باعتبار آخر فقد يكون هناك وجوب ثان يخص الانسان العالم أيضا. فاذا لم يكن الانسان فقيرا وكان عالما فقد يجب إكرامه بوجوب ثان. وهكذا نعرف أن قاعدة احترازية القيود تثبت أن شخص الحكم الذى يشكل المدلول التصديقى الجدى للكلام المشتمل على القيد لا يشمل من انتفى عنه القيد ولا تنفى وجود حكم آخر يشمله.

٢٣١

الاطلاق

الاطلاق يقابل التقييد ، فان تصورت معنى ولا حظت فيه وصفا خاصا أو حالة معينة ، كان ذلك تقييدا ، وإن تصورته بدون أن تلحظ معه أى وصف أو حالة اخرى كان ذلك إطلاقا ، فالتقييدإذن هو لحاظ خصوصية زائدة فى الطبيعة ، والاطلاق عدم لحاظ الخصوصية الزائدة. والطبيعة محفوظة فى كلتا الحالتين ، غير أنها تتميز فى الحالة الاولى بأمر وجودى وهو لحاظ الخصوصية ، وتتميز فى الحالة الثانية بأمر عدمى وهو عدم لحاظ الخصوصية. ومن هنا يقع البحث فى أن كلمة ( إنسان ) مثلا أو أى كلمة مشابهة هل هى موضوعة للطبيعة المحفوظة فى كلتا الحالتين فلا التقييد دخيل فى المعنى الموضوع له ولا الاطلاق ، بل الكلمة بمدلولها تلائم كلا الامرين ، أو أن الكلمة موضوعة للطبيعة المطلقة فتدل الكلمة بالوضع على الاطلاق وعدم لحاظ القيد؟. وقد وقع الخلاف فى ذلك ، ويترتب على هذا الخلاف أمران :

أحدهما : إن استعمال اللفظ وإرادة المقيد على طريقة تعدد الدال والمدلول يكون استعمالا حقيقيا على الوجه الاول ، لان المعنى الحقيقى

٢٣٢

للكلمة محفوظ فى ضمن المقيد والمطلق على السواء ، ويكون مجازا على الوجه الثانى لان الكلمة لم تستعمل فى المطلق مع أنها موضوعة للمطلق ، أى للطبيعة التى لم يلحظ معها قيد بحسب الفرض.

والامر الاخر : إن الكلمة إذا وقعت فى دليل حكم كماإذا أخذت موضوعا للحكم مثلا ولم نعلم أن الحكم هل هو ثابت لمدلول الكلمة على الاطلاق ، أو لحصة مقيدة منه؟ أمكن على الوجه الثانى أن نستدل بالدلالة الوضعية للفظ على الاطلاق ، لانه مأخوذ فى المعنى الموضوع له وقيد له ، فيكون من القيود التى ذكرها المتكلم ، فنطبق عليه قاعدة احترازية القيود ، فيثبت أن المراد الجدى مطلق أيضا.

وأما على الوجه الاول فلا دلالة وضعية للفظ على ذلك ، لان اللفظ موضوع بموجبه للطبيعة المحفوظة فى ضمن المطلق والمقيد ، وكل من الاطلاق والتقييد خارج عن المدلول الوضعى للفظ ، فالمتكلم لم يذكر فى كلامه التقييد ولا الاطلاق ، فلا يمكن بالطريقة السابقة أن نثبت الاطلاق بل لابد من طريقة اخرى.

والصحيح هو الوجه الاول : لان الوجدان العرفى شاهد بأن استعمال الكلمة فى المقيد على طريقة تعدد الدال والمدلول ليس فيه تجوز.

وعلى هذا الاساس نحتاج فى إثبات الاطلاق إلى طريقة أخرى ، إذ مادام الاطلاق غير مأخوذ فى مدلول اللفظ وضعا فهو غير مذكور فى الكلام ، فلا يتاح تطبيق قاعدة احترازية القيود عليه.

والطريقة الاخرى هى ما يسميها المحققون المتأخرون بقرينة الحكمة وجوهرها التمسك بدلالة تصديقية لظهور عرفى سياقى آخر غير ذلك

٢٣٣

الظهور الحالى السياقى الذى تعتمد عليه قاعدة احترازية القيود ، فقد عرفنا سابقا أن هذه القاعدة تعتمد على ظهور عرفى سياقى مفاده : أن ما يقوله يريده حقيقة ، ويوجد ظهور عرفى سياقى آخر مفاده : أن لا يكون شىء دخيلا وقيدا فى مراده الجدى وحكمه ولا يبينه باللفظ ، لان ظاهر حال المتكلم أنه فى مقام بيان تمام مراده الجدى بخطابه ، وحيث أن القيد ليس مبينا فى حالة عدم نصب قرينة على التقييد فهوإذن ليس داخلا فى المراد الجدى والحكم الثابت ، وهذا هو الاطلاق المطلوب.

وهكذا تلاحظ أن كلا من قرينة الحكمة التى تثبت الاطلاق وقاعدة احترازية القيود تبتنى على ظهور عرفى سياقى حالى غير الظهور العرفى السياقى الحالى الذى تعتمد عليه الاخرى ، فالقاعدة تبتنى على ظهور حال المتكلم فى أن ما يقوله يريده ، وقرينة الحكمة تبتنى على ظهور حال المتكلم فى أن كل ما يكون قيدا فى مراده الجدى يقوله فى الكلام الذى صدر منه لابراز ذلك المراد الجدى ، أى أنه فى مقام بيان تمام مراده الجدى بخطابه.

وقد يعترض على قرينة الحكمة هذه بأن اللفظإذا لم يكن يدل بالوضع إلا على الطبيعة المحفوظة فى ضمن المقيد والمطلق معا ، فلا دال على الاطلاق ، كما لا دال على التقييد ، مع أن أحدهما ثابت فى المراد الجدى جزما ، لان موضوع الحكم فى المراد الجدى إما مطلق وإما مقيد ، وهذا يعنى أنه على أى حال لم يبين تمام مراده بخطابه ولا معين حينئذ لافتراض الاطلاق فى مقابل التقييد.

ويمكن الجواب على هذا الاعتراض بأن ذلك الظهور الحالى السياقى لا يعنى سوى أن يكون كلامه وافيا بالدلالة على تمام ما وقع

٢٣٤

تحت لحاظه من المعانى ، بحيث لا يكون هناك معنى لحظه المتكلم ولم يأت بما يدل عليه ، لا أن كل ما لم يلحظه لابد أن يأتى بما يدل على عدم لحاظه ، فان ذلك مما لا يقتضيه الظهور الحالى السياقى ، وعليه فإذا كان المتكلم قد أراد المقيد مع أنه لم ينصب قرينة على القيد ، فهذا يعنى وقوع أمر تحت اللحاظ زائد على الطبيعة وهو تقيدها بالقيد ، لان المقيد يتميز بلحاظ زائد ولا يوجد فى الكلام ما يبين هذا التقييد الذى وقع تحت اللحاظ ، وإذا كان المتكلم قد أراد المطلق فهذا لا يعنى وقوع شىء تحت اللحاظ زائدا على الطبيعة ، لان الاطلاق كما تقدم عبارة عن عدم لحاظ القيد ، فصح أن يقال : إن المتكلم لو كان قد أراد المقيد لما كان مبينا لتمام مرامه لان القيد واقع تحت اللحاظ وليس مدلولا للفظ ، وإذا كان مراده المطلق فقد بين تمام ما وقع تحت لحاظه لان نفس الاطلاق ليس واقعا تحت اللحاظ بل هو عدم لحاظ القيد الزائد.

ونستخلص من ذلك أننا بتوسط قرينة الحكمة نثبت الاطلاق ، ونستغنى بذلك عن إثباته بالدلالة الوضعية عن طريق أخذه قيدا فى المعنى الموضوع له اللفظ ثم تطبيق قاعدة احترازية القيود عليه.

لكن يبقى هناك فارق عملى بين إثبات الاطلاق بقرينة الحكمة ، وإثباته بالدلالة الوضعية وتطبيق قاعدة احترازية القيود ، وهذا الفارق العملى يظهر فى حالة اكتناف الكلام بملابسات معينة تفقده الظهور السياقى الذى تعتمد عليه قرينة الحكمة ، فلا يعود لحال المتكلم ظهور فى أنه فى مقام بيان تمام مراده الجدى بكلامه وأمكن أن يكون فى مقام بيان بعضه ، ففى هذه الحالة لا تتم قرينة الحكمة لبطلان الظهور الذى تعتمد عليه ، فلا يمكن إثبات الاطلاق لمن يستعمل قرينة الحكمة

٢٣٥

لاثباته ، وخلافا لذلك من يثبت الاطلاق بالدلالة الوضعية وتطبيق قاعدة احترازية القيود ، فان بامكانه أن يثبت الاطلاق فى هذه الحالة أيضا ، لان الظهور الذى تعتمد عليه هذه القاعدة غير الظهور الذى تعتمد عليه قرينة الحكمة كما عرفنا سابقا ، وهو ثابت على أى حال.

ثم إن الاطلاق الثابت بقرينة الحكمة ، تارة يكون شموليا ، أى مقتضيا لاستيعاب الحكم لتمام أفراد الطبيعة ، واخرى يكون بدليا يكفى فى امتثال الحكم المجعول فيه إيجاد أحد الافراد. ومثال الاول : إطلاق الكذب فى ( لا تكذب ) ، ومثال الثانى : إطلاق الصلاة فى ( صل ).

والاطلاق تارة يكون أفراديا ، واخرى يكون أحواليا ، والمقصود بالاطلاق الافرادى أن يكون للمعنى أفراد فيثبت بقرينة الحكمة أنه لم يرد به بعض الافراد دون بعض ، والمقصود بالاطلاق الاحوالى أن يكون للمعنى أحوال ، كما فى أسماء الاعلام ، فان مدلول كلمة زيد وإن لم يكن له أفراد ولكن له أحوال متعددة ، فيثبت بقرينة الحكمة أنه لم يرد به حال دون حال.

الاطلاق فى المعانى الحرفية :

مربنا سابقا أن المعانى فى المصطلح الاصولى تارة تكون معانى إسمية كمدلول عالم فى ( أكرم العالم ) ، واخرى معانى حرفية ، كمدلول صيغة الامر فى نفس المثال ، ولا شك فى أن قرينة الحكمة تجرى على المعانى الاسمية ويثبت بها إطلاقها ، وأما المعانى الحرفية فقد وقع النزاع فى إمكان ذلك بشأنها ، مثلا : إذا شككنا فى أن الحكم بالوجوب هل هو مطلق وثابت فى كل الاحوال ، أو فى بعض الاحوال دون بعض؟

٢٣٦

فهل يمكن أن نطبق قرينة الحكمة على مفاد ( أكرم ) فى المثال وهو الوجوب المفاد على نهج النسبة الطلبية والارسالية لاثبات أنه مطلق أو لا؟. وسيأتى توضيح الحال فى هذا النزاع فى الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى. والصحيح فيه إمكان تطبيق مقدمات الحكمة فى مثل ذلك.

التقابل بين الاطلاق والتقييد :

اتضح مما ذكرناه أن هناك إطلاقا وتقييدا فى عالم اللحاظ وفى مقام الثبوت ، والتقييد هنا بمعنى لحاظ القيد ، والاطلاق بمعنى عدم لحاظ القيد. وهناك أيضا إطلاق وتقييد فى عالم الدلالة ، وفى مقام الاثبات ، والتقييد هنا بمعنى الاتيان فى الدليل بما يدل على القيد ، والاطلاق بمعنى عدم الاتيان بما يدل على القيد مع ظهور حال المتكلم فى أنه فى مقام بيان تمام مراده بخطابه. والاطلاق الاثباتى يدل على الاطلاق الثبوتى ، والتقييد الاثباتى يدل على التقييد الثبوتى. ولا شك فى أن الاطلاق والتقييد متقابلان ثبوتا وإثباتا ، غير أن التقابل على أقسام ، فتارة يكون بين أمرين وجوديين كالتضاد بين الاستقامة والانحناء ، وأخرى يكون بين وجود وعدم ، كالتناقض بين وجود البصر وعدمه ، وثالثة يكون بين وجود صفة فى موضع معين وعدمها فى ذلك الموضع مع كون الموضع قابلا لوجودها فيه من قبيل البصر والعمى ، فان العمى ليس عدم البصر ولو فى جدار ، بل عدم البصر فى كائن حى يمكن فى شأنه أن يبصر.

وعلى هذا الاساس اختلف الاعلام فى أن التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين من أى واحد من هذه الانحاء ، ومن الواضح على ضوء

٢٣٧

ما ذكرناه أنه ليس تضادا ، لان الاطلاق الثبوتى ليس أمرا وجوديا ، بل هو عدم لحاظ القيد ، ومن هنا قيل تارة : بأنه من قبيل تقابل البصر وعدمه ، فالتقييد بمثابة البصر والاطلاق بمثابة عدمه ، وقيل اخرى : إنه من قبيل التقابل بين البصر والعمى ، فالتقييد بمثابة البصر والاطلاق بمثابة العمى.

وأما التقابل بين الاطلاق والتقييد الاثباتيين فهو من قبيل تقابل البصر والعمى بدون شك بمعنى أن الاطلاق الاثباتى الكاشف عن الاطلاق الثبوتى هو عدم ذكر القيد فى حالة يتيسر للمتكلم فيها ذكر القيد ، وإلا لم يكن سكوته عن التقييد كاشفا عن الاطلاق الثبوتى.

الحالات المختلفة لاسم الجنس :

مما ذكرناه يتضح أن أسماء الاجناس لا تدل على الاطلاق بالوضع ، بل بالظهور الحالى وقرينة الحكمة. ولا سم الجنس ثلاث حالات :

الاولى : أن يكون معرفا باللام من قبيل كلمة ( البيع ) فى ( احل الله البيع ).

الثانية : أن يكون منكرا ، أى منونا بتنوين التنكير من قبيل كلمة ( رجل ) فى ( جاء رجل ) أو ( جئنى برجل ).

الثالثة : أن يكون خاليا من التعريف والتنكير ، كما فى حالة كونه منونا بتنوين التمكين أو كونه مضافا.

ويلاحظ أن اسم الجنس يبدو بوضعه الطبيعى وبدون تطعيم لمعناه فى الحالة الثالثة ، بينما يطعم فى الحالة الثانية بشىء من التنكير ، وفى

٢٣٨

الحالة الاولى بشىء من التعريف. أما الحيثية التى طعم بها مدلول اسم الجنس فى الحالة الثانية ، فأصبح نكرة ، فالمعروف أنها حيثية الوحدة ، فالنكرة موضوعة للطبيعة المأخوذة بقيد الوحدة ، ولهذا لا يمكن أن يكون الاطلاق شموليا حين ينصب الامر على نكرة مثل ( أكرم عالما ) ، وذلك لان طبيعة عالم مثلا حين تتقيد بقيد الوحدة لا يمكن أن تنطبق على أكثر من واحد أى واحد وهو معنى الاطلاق البدلى.

وأما الحيثية التى طعم بها مدلول اسم الجنس فى الحالة الاولى فأصبح معرفة فهى التعيين ، فاللام تعين مدلول مدخولها وتطبقه على صورة مألوفة ، إما بحضورها فعلا كما فى العهد الحضورى ، وإما بذكرها سابقا ، كما فى العهد الذكرى ، وإما باستئناس ذهنى خاص بها ، كما فى العهد الذهنى ، وإما باستئناس ذهنى عام بها ، كما فى لام الجنس ، فان فى الذهن لكل جنس انطباعات معينة تشكل لونا من الاستئناس العام الذهنى بمفهوم ذلك الجنس ، فان قيل : ( نار ) دلت الكلمة على ذات المفهوم وإن قيل : ( النار ) واريد باللام لام الجنس أفاد ذلك تطبيق هذا المفهوم على حصيلة تلك الانطباعات ، وبذلك يصبح معرفة.

واسم الجنس فى حالة كونه معرفة ، وكذلك فى الحالة الثالثة التى يخلو فيها من التعريف والتنكير معا يصلح للاطلاق الشمولى ، ولهذاإذا قلت ( أكرم العالم ) جرت قرينة الحكمة لاثبات الاطلاق الشمولى فى كلمة ( العالم ).

الانصراف :

قد يتكون نتيجة لملابسات أنس ذهنى خاص بحصة معينة من

٢٣٩

حصص المعنى الموضوع له اللفظ ، وهذا الانس على نحوين.

أحدهما : أن يكون نتيجة لتواجد تلك الحصة فى حياة الناس وغلبة وجودها على سائر الحصص.

والاخر : أن يكون نتيجة لكثرة استعمال اللفظ وإرادة تلك الحصة على طريقة تعدد الدال والمدلول.

أما النحو الاول فلا يؤثر على إطلاق اللفظ شيئا لانه انس ذهنى بالحصة مباشرة دون أن يؤثر فى مناسبة اللفظ لها أو يزيد فى علاقته بما هو لفظ بتلك الحصة خاصة.

وأما النحو الثانى فكثرة الاستعمال المذكورة قد تبلغ إلى درجة توجب نقل اللفظ من وضعه الاول إلى الوضع للحصة ، أو تحقق وضعا تعينيا للفظ لتلك الحصة بدون نقل ، وقد لا توجب ذلك أيضا ، ولكنها تشكل درجة من العلاقة والقرن بين اللفظ والحصة بمثابة تصلح أن تكون قرينة على إرادتها خاصة من اللفظ ، فلا يمكن حينئذ إثبات الاطلاق بقرينة الحكمة ، لانها تتوقف على أن لا يكون فى كلام المتكلم ما يدل على القيد ، وتلك العلاقة والانس الخاص يصلح للدلالة عليه.

الاطلاق المقامى :

الاطلاق الذى استعرضناه وعرفنا أنه يثبت بقرينة الحكمة والظهور الحالى السياقى نسميه الاطلاق اللفظى تمييزا له عن نحو آخر من الاطلاق لابد من معرفته ، نطلق عليه اسم الاطلاق المقامى.

ونقصد بالاطلاق اللفظى حالة وجود صورة ذهنية للمتكلم وصدور الكلام منه فى مقام التعبير عن تلك الصورة ، ففى مثل هذه الحالة إذا

٢٤٠