مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

وفي حكم الإقرار بالملكيّة السابقة للمدّعي الإقرار بالاشتراء ونحوه من وجوه الانتقالات ، بل ذلك أولى بالقبول ، لأظهريّته في جعله مدّعيا.

المسألة السابعة : كما يتحقّق التعارض بين الشاهدين ومثلهما ، يتحقّق بينهما وبين شاهد وامرأتين‌ ، وكذلك بينهم وبين مثلهم ، والمعروف من مذهبهم عدم تحقّقه بين الشاهدين ، أو شاهد وامرأتين ، وبين شاهد ويمين.

قيل : لضعف الشاهد واليمين ، من جهة وقوع الخلاف في كونه مثبتا ، ومن جهة أنّ الحالف يصدّق نفسه ، بخلاف الشاهدين ، فإنّهما يصدّقان غيرهما (١).

ولا يخفى ضعف الوجهين ، وأنّهما من الوجوه المستنبطة الموافقة لطريق العامّة ، التي فتح بابها شيخ الطائفة في خلافه ومبسوطه (٢) ، حيث جرى فيهما على طريقة المخالفين والترجيح بين أقوالهم بمذاقهم ، لكونه مختلطا معهم كما ذكره الحلّي في السرائر (٣) وغيره ، فظنّ الداخل في فقه الإماميّة الغير السائر على بصيرة في دينه أنّ أمثال هذه الوجوه ممّا تعتبره الإماميّة أيضا ، لحسن الظنّ بالشيخ والغفلة عن مرامه.

وقد علّل المحقّق الأردبيلي عدم تعارضهما بأنّ الشاهد واليمين ليسا بحجّة شرعيّة مستقلّة في جميع الأحكام ، بل الشاهد حجّة مع انضمام يمين المدّعي في بعض الأحكام مع تعذّر الشاهدين.

وهو حسن ، إلاّ أنّ لقائل أن يقول : إنّ الكلام في الأحكام التي يكون‌

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٣٩١.

(٢) الخلاف ٢ : ٦٣٧ ، المبسوط ٨ : ٢١٠.

(٣) السرائر ٢ : ١٧١.

٤٢١

الشاهد واليمين حجّة فيها ، كما إذا كانا مدّعيين فيما كان بيديهما معا ، أو بيد ثالث ، أو لا يد عليه ، ومنه الوصيّة بالثلث إذا ادّعاها كلّ شخص لنفسه ، ولازم الدليل حصول التعارض ، لعموم أدلّة حجّية الشاهد واليمين في تلك الموارد ، ولكنّه إنّما يتمّ عند من يقبلهما في مطلق الأموال أو حقوق الناس.

وأمّا على اختصاصهما بالديون ـ كما هو الحقّ ـ فلا يمكن فيها التعارض ، إلاّ إذا ادّعى دينا بسبب خاصّ ـ كثمن مع فرس معيّن في زمان معيّن ـ وأتى بالشاهد الواحد وحلف معه ، وأتى المدّعى عليه بشاهدين على موت ذلك الفرس قبل ذلك الزمان.

ويمكن أن يقال حينئذ أيضا : إنّ بيّنة المنكر لا دليل على قبولها إلاّ مع التعارض مع البيّنة في موارد خاصّة لا مطلقا ، فلا تعارض بيّنة الشاهد واليمين أصلا.

هذا ، ثمَّ إنّه نقل في الشرائع عن الشيخ قولا بالتعارض والقرعة بينهما (١) ، وكذلك صرّح في الدروس بقوله بذلك (٢) ، وعن فخر المحقّقين نفي القول عنه (٣) ، بل نقول إنّه متردّد ، وبه صرّح في المسالك بعد نقل عبارته في المبسوط (٤).

ولا يخفى أنّ عبارته المنقولة في المسالك ظاهرة في التعارض ، إذ لولاه للزم الحكم بالثلث لزيد الذي له الشاهدان ، وطرح قول عمرو الذي له الشاهد واليمين ، فلو لا حجية مستنده وتعارضه مع مستند زيد فما وجه‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١١١.

(٢) الدروس ٢ : ١٠٢.

(٣) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٠٩.

(٤) المسالك ٢ : ٣٩١.

٤٢٢

القرعة؟! وليس معنى التعارض إلاّ تضادّ المدلولين وعدم العمل بهما.

وأمّا حمل مراده على أنّه على القول بالتعارض ـ كما هو أحد قولي المخالفين ، فمقتضى مذهبنا الإقراع دون التنصيف ـ فخلاف الظاهر.

وأمّا قوله : على مذهبنا يقرع ، فنظره إلى أنّ القرعة لكلّ أمر مجهول ، وهذا ظاهر ، والله العالم.

المسألة الثامنة : قد عرفت لزوم التنصيف بين المتداعيين في بعض الموارد‌ ، فاعلم أنّه قال في الشرائع : وكلّ موضع قضينا فيه بالقسمة فإنّما هو في موضع يمكن فيه فرضها ـ كالأموال ـ دون ما يمتنع ، كما إذا تداعى رجلان زوجة (١).

قال في المسالك : بل الطريق هنا الحكم لمن أخرجته القرعة ، إذ لا سبيل إلى غيره ، وتؤيّده مرسلة داود العطّار : في رجل كانت له امرأة ، فجاء رجل بشهود شهدوا أنّ هذه المرأة امرأة فلان ، وجاء آخرون فشهدوا أنّها امرأة فلان ، فاعتدل الشهود وعدلوا ، قال : « يقرع بين الشهود ، فمن خرج اسمه فهو المحقّ ، وهو أولى بها » (٢) ، وعلى هذا فلا فائدة في الإحلاف بعد القرعة ، لأنّ فائدته القضاء للآخر مع نكوله ، وهو منفيّ هنا (٣). انتهى.

أقول : هذا الاستدراك إنّما يحسن عند من يحكم بالنصف بعلل مستنبطة ، وأمّا على ما هو التحقيق من أنّه لدلالة الأخبار عليه فلا حاجة إلى‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١١٢.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢٠ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٣٥ ـ ٥٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٤١ ـ ١٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ٨ ، بتفاوت.

(٣) المسالك ٢ : ٣٩١.

٤٢٣

الاستدراك ، لأنّ أخبار النصف كلّها واردة في الأموال ـ كالبغلة والدابّة والدرهم ومتاع البيت ـ وأمّا غيرها فلا ، بل هي داخلة في عموم القرعة وخصوصيّاتها في تعارض البيّنات ، كروايتي البصري وداود بن سرحان وصحيحة الحلبي (١) ، فيعمل بها.

وأمّا ما ذكره أخيرا ـ من نفي فائدة الإحلاف بعد الإقراع ـ ففيه نظر ، إذ مع حلفه يحكم بالزوجيّة له ، ومع نكوله يعرض الحلف على الآخر ، فإن حلف يحكم له ، وإن نكل هو أيضا يحكم لمن صدّقته الزوجة ، لادّعائها وعدم معارض شرعي ، فإن لم تصدّق أحدهما فتمنع عنهما ويخلّى سبيلها ، ولا دليل على لزوم القضاء لأحدهما. إلاّ أنّ مقتضى مرسلة داود عدم الإحلاف والعمل بمقتضى القرعة ، لقوله : فهو المحقّ والأولى. فهو متعيّن.

ولا يرد : أنّ مقتضى رواية البصري وما بعدها الإحلاف.

لأنّها عامّة ، والمرسلة خاصّة بالزوجة ، فتخصّص بها ، فإن لوحظت جهة عموم للمرسلة أيضا ـ لدلالتها على الأولويّة مطلقا ، سواء كان بعد الحلف أو قبله ـ فيتساقطان ، ويبقى حكم القرعة بلا معارض ، فتأمّل.

وهل يفيد تصديق الزوجة لأحدهما قبل الإقراع للحكم له؟

قال الأردبيلي : نعم ، ولا أرى له دليلا ، فتأمّل. والله العالم.

المسألة التاسعة : إذا تعارضت البيّنتان في الملك واختلفتا في التاريخ‌ ـ بأن تكون أحدهما في الحال والأخرى من سنة إلى الحال ، أو تكون أحدهما من سنة إلى الحال والأخرى من سنتين إلى الحال ـ

__________________

(١) المتقدّمة جميعا في ص : ٤٠٥ و ٤٠٦.

٤٢٤

فالمشهور ترجيح الأقدم ، لتعارض البيّنتين في الوقت المشترك بينهما فسقطتا ، والمختصّة بالوقت المتقدّم سلمت عن المعارض فيستصحب حكمها.

واعترض عليه : بأنّ مناط الحكم الملك في الحال ، وقد استويا (١).

وفيه : أنّ لازمه عدم الحكم بمقتضى البيّنة الحاليّة ، وذلك لا ينافي الحكم بمقتضى الاستصحاب.

وتوهّم أنّ استصحاب الشاهد قد سقط بالتعارض ، واستصحاب الحاكم لا يفيد.

باطل كما يأتي في مسألة استصحاب الشاهد ، ومرّت الإشارة إليه أيضا في مسألة تعارض الملك القديم واليد الحادثة.

وفي المسالك : إنّ المسألة مفروضة فيما إذا كان المدّعى به في يد ثالث. وأمّا إذا كان في يد أحدهما ، فإن كانت بيّنة الداخل أسبق تأريخا فهو المتقدّم لا محالة ، لأنّ بعد التساقط تبقى للداخل اليد والاستصحاب معا.

وإن كانت بيّنة الخارج أسبق ، فإن لم يجعل السبق مرجّحا يقدّم الداخل أيضا ، لبقاء اليد خالية عن المعارض.

وإن جعلناه مرجّحا يتعارض مع يد الداخل ، فيمكن أنّ يقدّم الداخل ، لأنّ اليد أقوى من الاستصحاب ، وأن يقدّم الخارج ، لأنّ جهة بيّنته أقوى ، وإذا انضمّت هذه الجهة مع الاستصحاب يترجّح ، وإن تعارضا فتساقطا (٢).

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٣٩٢ ، الكفاية : ٢٧٧.

(٢) المسالك ٢ : ٣٩٢.

٤٢٥

قال في الكفاية ـ بعد نقل ذلك ـ : والظاهر أنّ هذه التفاصيل إنّما تجري على القول بتقديم بيّنة الداخل لا مطلقا (١).

أقول : مراده أنّا إذا قلنا بترجيح بيّنة الخارج لم يكن اعتبار لبيّنة الداخل ، فتكون لاغية ، بخلاف ما إذا قلنا بترجيح الداخل ، فإنّه لا يكون إلاّ لطرح البيّنتين وملاحظة المرجّحات الأخرى ، التي منها اليد ، فقد تكون في الطرف الآخر أيضا.

ومنه يظهر أنّ كلام المسالك ليس مبنيّا على مخالفته لما اختاره أوّلا من ترجيح بيّنة الخارج ، بل نظره إلى أنّ فرض المسألة لا يمكن إلاّ على اعتبار بيّنة الداخل وتقديمه.

وقد يقال : إنّ ما ذكره إنّما يتمّ لو بنى ترجيح بيّنة الخارج على حديث : « البيّنة على المدّعي » ، أمّا لو بنى على المرجّح الخارجي ـ ككون التأسيس أولى من التأكيد ـ فيمكن إجراء الكلام على تقديم بيّنة الخارج أيضا ، ولا بأس به ، إلاّ أنّ المبنى الثاني ممّا لم يعبأ به أحد من محقّقي الطائفة.

واعلم أيضا أنّ مفروض المسألة ـ كما ذكرنا ـ إنّما هو إذا صرّحت بيّنة القديم أو الأقدم بالملكيّة الحاليّة أيضا ، أو ضمّ مع الملكيّة القديمة قوله : ولا أعلم له مزيلا ، ونحوه ، على كونه معتبرا مقبولا ، كما سيأتي تحقيقه ، أو يسكت عن الحال إن قلنا بكفايته في ثبوت الشهادة الحالية أيضا. وأمّا لو ضمّ مثل قوله : ولا أدري ما ذا حدث في الحال ، ونحوه ممّا ينفي الشهادة الحاليّة ، فهو خارج عن المسألة ، فتأمّل.

__________________

(١) الكفاية : ٢٧٧.

٤٢٦

ثمَّ أقول : إنّ بعض ما ذكر إنّما هو إذا قلنا بأنّ تقديم بعض البيّنات المعارضة على البعض في مقام تعارضها إنّما هو بالمرجّحات الاعتباريّة الظنّية كما هو طريق العامّة وإن اقتفى أثرهم بعض الخاصّة غفلة عن الحقيقة.

وأمّا على ما ذكرنا ـ من أنّ المناط هو الأدلّة الشرعيّة من الأخبار والإجماع ـ فلا وقع لأكثر هذه التفصيلات الضعيفة ، بل الحكم هو المشهور ، للاستصحاب المذكور إن كان في يد ثالث ، وإلاّ فيقدّم ذو اليد ، كما مرّ وجهه في مسألة تعارض الملك القديم واليد الجديدة.

هذا لو قطع النظر عن إطلاق أخبار المسألة ، وإلاّ ـ كما هو الحقّ ـ فهو المتّبع ، ولا تساقط للبيّنات.

المسألة العاشرة : قالوا : لو تعارضت البيّنة بالملك المطلق والبيّنة باليد فالترجيح لبيّنة الملك‌ ، لأنّ اقتضاء اليد للملكيّة إنّما هو بعنوان الأصل ، فيزول بالدليل.

واستشكل فيه في الكفاية بجواز أن يكون مستند الشهادة بالملك أيضا هو اليد ، فلا يزيد على الشهادة باليد (١).

وضعّف : بأنّ بناء الشهادة على مجرّد اليد في غاية الندرة ، مع الإشكال في جوازه (٢).

وفيه : منع الندرة ، بل لعلّه الغالب. وإشكال الفقهاء في جوازه لا يوجب تفطّن الشاهد أيضا.

والتحقيق : أنّا إن اكتفينا في قبول الشهادة بالملك المطلق فلا ينبغي‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٧٧.

(٢) غنائم الأيام : ٧١٢.

٤٢٧

الريب في دفعها لليد ، لما مرّ ، وليس علينا الالتفات إلى المستند.

وإن قلنا بلزوم ذكر المستند فاللاّزم ملاحظة حال المستند مع اليد ، فإن دفعها يقدّم المستند وإلاّ اليد ، فإذا شهد بأنّه اشتراه زيد عن مالكه ، وأخذه ذو اليد غصبا أو عارية ، تقدّم شهادة الملك ، وإن قال : اشتراه وملكه ، ولا أعلم مزيله ، يبنى على كفاية ذلك في الشهادة الحاليّة وعدمها.

المسألة الحادية عشرة : لو تعارضت البيّنة بسبب الملك ـ مثل قوله : اشتراه أو انتجه في ملكه ـ والبيّنة بالتصرّف تصرّف الملاّك‌ ، قيل : قدّمت بيّنة الملك بالسبب ، لكون التصرّف أعمّ من الملك المطلق (١).

أقول : إن ضمّت كلّ من البيّنتين قوله : واعلم أنّه ملكه الحال ، فإن اعتبرنا هذه الشهادة فيرجع إلى ما تقدّم من تعارض البيّنتين ، ولا تثمر زيادة السبب أو اليد شيئا ، وإن لم نعتبرها فتكون الشهادة هي السبب واليد ، ويرجع إلى ما إذا لم تضمّ هذه الزيادة. فإن اكتفينا في قبول الشهادة للملكيّة الحالية بالملكيّة السابقة مع السكوت ، أو : ولا أعلم له مزيلا ، تندفع بها أصالة اليد ، وإلاّ فتقدّم اليد ، لعدم معارض لها ، سوى الاستصحاب المندفع باليد ، كما يأتي. والله العالم.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٢٣ ، المسالك ٢ : ٣٩٢.

٤٢٨

الفصل السابع

في ذكر بعض المسائل التي يقع فيها التنازع‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال في القواعد : لو كان في دكّان عطّار ونجّار فاختلفا في قماشه ، حكم لكلّ بآلة صناعته.

وقال أيضا : لو كان الخيّاط في دار غيره فتنازعا في الإبرة والمقصّ حكم بهما للخيّاط ، لقضاء العادة بأنّ من دعى خيّاطا إلى منزله فإنّه يستصحب ذلك معه.

ولو تنازعا في القميص فهو لصاحب الدار ، لأنّ العادة أنّ القميص لا يحمله الخيّاط إلى منزل غيره.

وراكب الدابّة أولى من قابض لجامها.

وصاحب الحمل أولى.

والسرج لصاحب الدابّة دون الراكب.

والراكب أولى بالحمل من صاحب الدابّة.

ولو تنازع صاحب العبد وغيره في ثياب العبد فهي لصاحب العبد ، لأنّ يد العبد عليها.

ولو تنازع صاحب الثياب وآخر في العبد تساويا ، لأنّ نفع الثياب يعود إلى العبد لا إلى صاحبه.

ولو تنازع صاحب النهر والأرض في حائط بينهما فهو لهما ، لأنّه‌

٤٢٩

حاجز بينهما فتساويا (١). انتهى.

أقول : هذه المسائل كلّها متفرّعة على الحكم بشي‌ء لصاحب اليد مع يمينه ، فالمرجع فيها إلى تعيين ذي اليد ، وقد عرفت سابقا أنّه لا نصّ على تعيينه من الشارع ولا من أهل اللغة ، فيجب الرجوع فيه إلى العرف ، فمن حكم العرف بكونه ذا اليد ومتصرّفا فيه يقدّم قوله مع يمينه.

ولا شكّ أنّ مناسبة شي‌ء لصناعة أحد وحرفته لا توجب صدق ذي اليد العرفي ، وكذا ظنّ ملكيّته لا يكفي في ذلك الصدق ، ولذا لو ادّعى نجّار منشارا ـ في يد خيّاط ـ أنّه ملكه ، لا يقدّم قوله.

نعم ، لو قلنا : إنّ حكم الشارع بتقديم قول ذي اليد إنّما هو لمظنّة ملكيّته ، صحّ تقديم قول من ظنّ ملكيّته لشي‌ء ، لا لصدق اليد ، بل لذلك الظنّ ، وهو غير معلوم.

وعلى هذا ، فاللاّزم في هذه المسائل الرجوع إلى العرف ، فنقول :

أمّا في الاولى ، فلا نسلّم صدق ذي اليد عرفا على كلّ ذي صناعة من المتداعيين المذكورين في آلات صناعته ، إلاّ إذا علمنا مع ذلك باستعماله إيّاها مكرّرا ، وتقلّباتها فيه ، وأخذها ، ووضعها ، والعمل بها ، ولو لا ذلك فالظاهر تساويهما.

وكذا الثانية ، لأنّ كون خيّاط في دار غيره لا يدلّ على أنّه دعي إليها للخياطة.

ولو سلّم فلا يدلّ على أنّه حمل معه الإبرة والمقصّ.

ولا بعد في حمل خيّاط قميصا معه إلى دار دعي إليها.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٢٣.

٤٣٠

فلو كانت الإبرة والمقص بيد الخيّاط مستعملا إيّاهما آخذا وواضعا لهما يحكم فيهما بيده.

والقميص لو كان في يد صاحب الدار أو موضوعا في داره فله.

ولو كان بيد الخيّاط أو في حجره أو منديله فله.

ولو كان يقصّه أو يخيطه في دار زيد ففيه إشكال ، لعدم معلوميّة صدق اليد عرفا عليه مع ذلك ، إلاّ إذا علم أنّه لم يدع إلى الدار للخياطة ، بل إلاّ إذا لم يعلم أنّه دعي إليها لها.

وأمّا الثالثة فكما ذكره.

والرابعة كذلك إذا علم أن صاحب الحمل هو الذي حمله على الدابّة بنفسه ، وأمّا لو علم أنّ قابض اللجام هو الذي وضع عليها حمل ذلك الشخص وشدّها فلا نسلّم صدق ذي اليد على صاحب الحمل.

وكذا لو اختلفا في واضع الحمل.

وفي الخامسة يحكم لصاحب الدابّة لو لم يعلم أن واضع السرج عليها ذلك الغير ، وإلاّ فالظاهر تقديم قول الغير ، للصدق العرفي.

والسادسة محلّ إشكال ، والظاهر فيها التساوي.

والسابعة كما قال.

والثامنة محلّ إشكال ، بل الظاهر تقديم صاحب الثياب ، لصدق اليد عرفا ، ولا مدخليّة لعود نفع الثوب في الصدق.

وأمّا التاسعة ، فإن لم يعلم اختصاص أحدهما بمكان الحائط ، ولم تكن الأرض ممّا يحكم في العرف بأنّ الحائط لها ـ كأن يكون الحائط مختصّا بحدّ واحد منها ، وكانت سائر حدودها خالية عن الحائط ـ فالظاهر أنّه كما لا يد لأحد عليه.

٤٣١

وإن كان المكان مختصّا بأحدهما فالحائط له.

ولو كانت الأرض ممّا تقضي العادة بتعلّق الحائط بها ـ كما إذا كانت محوّطة من الجوانب الأربعة ـ فالحائط لصاحب الأرض.

المسألة الثانية : قال أيضا : ولو اختلف الموجر والمستأجر في شي‌ء في الدار‌ ، فإن كان منقولا فهو للمستأجر ، وإلاّ فللموجر (١).

أقول : هذه أيضا من متفرّعات اليد والتصرّف ، والظاهر أنّه قدس‌سره بناها على مظنّة الملكيّة ، وقد عرفت ما فيه ، مع أنّ ما ذكره بإطلاقه في ذلك أيضا محلّ نظر ، فإنّ في جريان الحكم في كلّ منقول وكلّ مثبّت غير ظاهر ، فإنّ الحكم بكون مصراع الباب المقلوع الظاهر فيه آثار القلع والخشبة الكبيرة المعلوم استخراجها من بناء من المستأجر مشكل ، والحكم بكون السلّم أو الباب المثبّتين أو المسمار المثبّت ـ سيّما إذا كانت الدار بيد المستأجر بالإجارة منذ سنين عديدة ـ للموجر أشكل.

والتحقيق : أنّه تتعارض هنا ملكيّة العين مع ملكيّة المنفعة في التأثير في صدق اليد عرفا ، فإن كان لأحدهما فيها تصرّف السكنى ـ بأن يكون ساكنا فيها ـ فاليد في المنقولات له مطلقا ، بل في غيرها أيضا على احتمال ، وإن لم يسكن فيها أحدهما فالساكن فيها أخيرا هو صاحب السكنى ، فتأمّل.

المسألة الثالثة : قال في التحرير : لو ادّعى أنّك مزّقت ثوبي فلي عليك الأرش ، كفاه أن يقول : لا يلزمني الأرش‌ ، لجواز التمزيق وعدم تعلّق الأرش. فلو أقرّ طولب بالبيّنة ويتعذّر عليه.

قال : وكذا لو ادّعى عليه دينا ، فقال : لا تستحقّ عندي شيئا ،

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٢٣.

٤٣٢

لم يكلّف الحلف على عدم الإقراض ، لجواز الاستيفاء أو الإبراء.

ولو ادّعى عينا ، فقال : ليس عندي ما يلزمني التسليم ، كفى في الجواب ، لجواز أن تكون رهنا أو مستأجرة. فلو أقام المالك البيّنة بالملك وجب التسليم (١). انتهى.

أقول : ما ذكره في الجواب فهو كذلك ، إذ لا شكّ أنّ مجرّد دعوى التمزيق أو الإقراض أو أخذ العين لا يوجب جوابا ـ كما مرّ في بحث الدعوى ـ بل الموجب للجواب هو المجموع المركّب من الأفعال المذكورة ، واستحقاق الأرش أو استيفاء الدين أو تسلّم العين. فبالجواب عن الجزء الأخير يحصل الجواب عن الدعوى المركّبة ، والأصل عدم وجوب الإلزام بالجواب عن الجزء الآخر الذي لا يلزم بدعواه منفردا جوابا.

وأمّا ما يستفاد من صدر كلامه وصريح ذيله ـ من أنّه لو أقام المدّعي البيّنة على الجزء الأوّل يطالب المدّعى عليه بالجواب ، والخروج عن الحقّ ـ فهو كذلك فيما كان بحيث لو ثبت ما ادّعاه كان مثبتا لحقّ على المدّعى عليه مطلقا ، كالإقراض وأخذ العين.

وأما لو كان له فردان أحدهما لا يوجب حقّا عليه فلا يطالب المدّعى عليه بالجواب أو الخروج عن الحقّ ما لم يدّع الفرد الموجب وأقام البيّنة عليه.

فلو ادّعى عليه أنّه جنى عليه دابّته حين ركوبه ، ولي عليه الدية ، وأقام البيّنة على جناية الدابّة ، لم تفد ما لم يقيّدها بكون الجناية من يده.

وكذا لو قال : مزّق ثوبي ـ وقلنا بعدم لزوم الأرش بالتمزيق لا عن‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٩.

٤٣٣

عمد ـ لم تفد إقامة البيّنة ما لم يقيّد التمزيق بالعمد. ولعلّ ذلك مراد الفاضل أيضا.

المسألة الرابعة : لو كتب الحاكم كتابا للمدّعي بالحكم ، فاستوفى حقّه من المدّعى عليه ، وطلب الكتاب من المدّعي‌ ، قال في التحرير : لا تجب إجابته (١).

وهو كذلك ، للأصل ، ولأنّه ملكه لسبق حقّه عليه ، ولاحتمال ترتّب فائدة له عليه.

نعم ، قال : لو قال للحاكم : اكتب لي محضرا بقبض الحقّ منّي ، لئلاّ يطالبني الخصم به ثانيا في موضع آخر ، فالوجه : وجوب إجابته.

أقول : لا ينبغي الريب في رجحانها ، لأنّ فيها إجابة ملتمس مسلم ، ولكن لا دليل على وجوبها ، والأصل ينفيه.

المسألة الخامسة : إذا اتّفقا على استئجار شي‌ء معيّن في مدّة معيّنة ، واختلفا في الأجرة‌ ، فالاختلاف إن كان في قدرها ، كأن يقول الموجر : عشرة ، والمستأجر : خمسة ، فإن لم تكن لأحدهما بيّنة فالمشهور ـ كما في الكفاية (٢) ـ بتقديم قول المستأجر مع يمينه ، لأنّه منكر للزيادة التي يدّعيها الموجر ، ولا بيّنة للمدّعي.

وفيها قول للشيخ (٣) وبعض المتأخّرين (٤) بالتحالف ، لكون كلّ منهما مدّعيا لعقد ينكره الآخر ، ثمَّ الرجوع إلى أجرة المثل.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٦.

(٢) الكفاية : ٢٧٧.

(٣) انظر المبسوط ٨ : ٢٦٣.

(٤) حكاه عنه في الكفاية : ٢٧٧.

٤٣٤

وقول للشيخ أيضا بالقرعة مطلقا (١) ، لأنّها لكلّ أمر مشكل.

وقول له أيضا بالتفصيل بالفرق بين النزاع قبل انقضاء الأجل فالتحالف ، أو بعده فالقرعة أو تقديم قول المستأجر متردّدا بينهما (٢).

وإن كانت لهما البيّنة فمع تقديم تأريخ إحداهما تبطل الأخرى ، ومع الاتّحاد أو الجهل بالمتقدّم فالمشهور ـ كما في الكفاية (٣) ـ تقديم بيّنة المؤجر ، لأنّه المدّعي.

وفيه أيضا قول بالتحالف (٤) ، وبالقرعة (٥) ـ فيحلف من أخرجته القرعة ـ وبتقديم بيّنة المستأجر على القول بتقديم بيّنة الداخل (٦).

وإن كانت لأحدهما البيّنة ، ففي الكفاية : أنّ الحكم فيه لذي البيّنة. واستدلّ له الأردبيلي بأنّ كلّ واحد منهما مدّع في الجملة.

وإن كان الاختلاف في نوع الأجرة حتى لا يكون بينهما قدر مشترك ، فظاهرهم انحصار القول فيه بالتحالف ، أو القرعة مع عدم البيّنة ، أو إقامتهما البيّنة ، ومتابعة البيّنة إن أقامها واحد منهما.

أقول : أمّا القول بتقديم قول المستأجر في صورة الاختلاف في القدر وعدم البيّنة لأنّه المنكر ، وكذا القول بتقديم بيّنة المؤجر في صورة تعارض البيّنتين ، لا يلائم ما ذكروه في صورة وجود البيّنة لأحدهما من الحكم لذي‌

__________________

(١) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٣٩٤.

(٢) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٣٩٤.

(٣) الكفاية : ٢٧٨.

(٤) الكفاية : ٢٧٨.

(٥) المبسوط ٨ : ٢٦٤. الكفاية : ٢٧٨.

(٦) الكفاية : ٢٧٨.

٤٣٥

البيّنة مطلقا ، لأنّ مقتضى دليلهم للأولين عدم اعتبار بيّنة المستأجر ، فكيف يحكم له بها؟! والتحقيق : أنّه لا ينبغي الريب في كون المستأجر مدّعيا أيضا ـ كما مرّ في كلام الأردبيلي ـ وإن استلزمت دعواه نفي الزائد ، للصدق الواضح العرفي.

ونظير ذلك دعوى المطالب بالدين للأداء ، فإنّه مدّع مع استلزامه نفي ما يطالب به.

وكذا لو ادّعى زيد على عمرو مائة ، ثمن فرسه المعيّن الذي باعه له أمس ، وادّعى عمرو موت ذلك الفرس بعينه شهرا قبل الأمس ، وكانت له بيّنة ، فإنّه تسمع بيّنته وإن استلزمت نفي ما يدّعيه زيد من الثمن عنه.

والأمر كذلك هنا ، لأنّ المستأجر يدّعي وقوع العقد على الخمسة ، وهو ادّعاء وإن استلزم نفي الزائد ، فتقديم قوله مطلقا ـ لأنّه منكر محض ـ لا وجه له.

نعم ، هو منكر لوقوع العقد على العشرة المستلزمة لإثبات الزيادة ، كما أنّ الموجر منكر لوقوعه على الخمسة المستلزمة لنفيها ، فالقول الأوّل ـ في صورة عدم البيّنة والاختلاف في القدر ـ غير جيّد.

وأمّا القول بالتحالف فيها فهو وإن كان موافقا للقاعدة ، إلاّ أنّ الرجوع إلى أجرة المثل بعده غير جيّد ، لأنّها قد تكون أنقص من الخمسة ، مع اعتراف المستأجر باشتغال الذمّة بها ، وقد تكون أزيد من العشرة ، مع اعتراف الموجر بعدم استحقاق الزائد. بل هما معترفان بوقوع العقد على المعيّن ، وأنّه ليس غير الخمسة أو العشرة ، فالرجوع بعد التحالف إلى القرعة بين القدرين أجود ، مع أنّ في التحالف هنا أيضا كلاما مرّ وجهه ،

٤٣٦

وهو أنّ المتبادر من المدّعي والمنكر ـ في صورة التقابل وتوظيف حكم لكلّ منهما ـ هو المدّعي والمنكر المحض في الدعوى الواحدة ، مع أنّ بيمين أحدهما أولا وسقوط دعوى الآخر تثبت دعوى الحالف ، لاعترافهما بعدم خروج العقد عن أحد الأمرين.

فأجود الأقوال هو القول الثالث ، وهو الرجوع إلى القرعة ، وأحوطهما الجمع بين التحالف والقرعة في القدر ، كما مرّ.

هذا مع عدم البيّنة ، وأمّا مع وجودها لهما فالرجوع إلى القرعة أظهر ، لرواية البصري وصحيحة الحلبي المتقدّمتين في بحث تعارض البيّنات (١) ، سيّما مع ما ذكرنا من عدم معلوميّة شمول البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه لمثل ذلك ، خصوصا رواية منصور المتضمّنة للفظ : ذي اليد (٢).

ومع وجودها لأحدهما فالحكم لذي البيّنة ، لصدق المدّعى عليه ، كما مرّ.

وكذا الحكم في صورة الاختلاف في النوع ، فيقرع مع عدم البيّنة ، أو وجودها لهما ، ويحكم لذي البيّنة مع وجودها لأحدهما.

مسألة : إذا ادّعى استئجار دار بأجرة ، وقال الموجر : بل بيت منها بتلك الأجرة ، ولا بيّنة‌ ، فقال الشيخ والمحقّق : يقرع (٣). وقيل : يقدّم قول المؤجر ، لأنّه المنكر للزيادة (٤). والأوّل أقرب ، لما مرّ.

__________________

(١) راجع ص : ٤٠٥ و ٤٠٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٤٠ ـ ٥٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٣ ـ ١٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٥ أبواب كيفية الحكم ب ١٢ ح ١٤.

(٣) الشيخ في المبسوط ٨ : ٢٦٤ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١١٣.

(٤) الكفاية : ٢٧٨.

٤٣٧

وقيل بالتحالف حينئذ ، فيحكم للحالف ، ومع حلفهما أو نكولهما يحكم ببطلان الإجارة ، وعدم استحقاق الأجرة ، ومع استيفاء المنفعة بأجرة المثل ، ووجهه كون كلّ منهما منكرا (١).

وقد مرّ ما يضعّفه ، مع أنّه قد يوجب إسقاط ما يعترفان باستحقاقه من الأجرة المعيّنة ومنفعة البيت.

ولو كانت لأحدهما بيّنة يقضى له.

ولو كانت لهما ، فمع اتّحاد التاريخ أو الجهل يقرع.

ومع تقدّم تأريخ الدار تبطل إجارة البيت.

ومع تقدّم إجارة البيت حكم به بالأجرة المسمّاة ، وبطل من إجارة الدار ما قابلها ، وصحّ في الباقي ، ويعلم ذلك بمعرفة أجرة المثل ومراعاة النسبة.

ولو ادّعى استئجار بيت بأجرة ، وقال الموجر : بل آجرت ذلك البيت الآخر بها ، ولا بيّنة ، يقرع بينهما.

وتوهّم كون ذلك دعويان متخالفتان ـ فيعمل في كلّ منهما بمقتضى القضاء ـ إنّما يصحّ إذا اقتصر كلّ منهما على دعوى إجارة ما يدّعيه ، دون نفي الآخر.

وأمّا مع اعترافهما أو أحدهما بوحدة العقد والموجر به فلا يتمّ ذلك ، إذ قد يحلفان أو ينكلان ، فيلزم الحكم بما يعترفان فيه بعدم الاستحقاق.

ولو كانت بيّنة لأحدهما يحكم له.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٢٨.

٤٣٨

ولو كانت لهما يقرع أيضا إذا اتّفق المتنازعان على وحدة الموجر به ، وعدم استحقاق الأجرتين والمنفعتين ، وإلاّ فيحكم لهما.

وكذا يقرع لو وقعت الدعوى المذكورة على اجرة عينيّة مخصوصة واحدة ـ كثوب معيّن ـ إلاّ إذا أقاما البيّنة وتقدّم تأريخ أحدهما فيحكم بها ، ويبطل الآخر. والله العالم بحقائق أحكامه.

٤٣٩

المطلب الثالث

في بيان ما يحتاج إلى الرفع إلى الحاكم والدعوى والرجوع

إلى حكمه ، وما لا يحتاج إليه ويجوز فيه التقاصّ بدون الترافع

اعلم أنّ منشأ التخالف بين الشخصين والتنازع في واقعة إمّا يكون لأجل جهل طالب الحقّ ـ الذي هو المدّعي ـ بحكم الواقعة ، ولأجله يجوز ثبوت حقّ له على خصمه فينازعه.

أو جهله بنفس الواقعة ، كالدعوى الظنّية أو الاحتماليّة ، على القول بسماعهما.

أو لأجل اختلاف المجتهدين في حكم الواقعة ، فطالب الحقّ يقلّد من يقول بثبوت الحقّ له ، وخصمه يقلّد من ينفيه ، أو الأول يقلّد من يثبت حقّا في واقعة ـ كالقصاص ـ والثاني يقلّد من يثبت غيره ، كالدية. ومنه تنازع أحد الشركاء الثلاثة في الشفعة ، والولد الأكبر مع سائر الورثة في الحبوة ، والمتبايعين في لزوم العقد وعدمه في الصيغة الفارسيّة ، وغير ذلك.

أو لأجل إنكار المدّعى عليه الحقّ عدوانا ، أو سهوا ونسيانا ، أو عدم بقاء الحقّ وإن لم يكن منكرا.

وقد يكون الاحتياج إلى الرفع إلى الحاكم لمجرّد الاستيفاء ، من غير سبق منازعة وإنكار ـ كطالب القصاص ممّن يقرّ بالقتل وهو تحت يد الولي ، أو طالب الحقّ من صغير أو غائب ماله في يده ، ونحو ذلك ـ ويكون النزاع حينئذ فرضيّا.

٤٤٠