مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

له وارث إذا ادّعى أحد الوراثة ، والمنهوب من بين جماعة غير محصورين ، والمغصوب منهم ، والموروث ممّن اعترف المورّث بعدم ملكيّته ، والمنسيّ صاحبه ، وأحد المشتبهين اللذين كلّ منهما لشخص وتلف أحدهما ، وغير ذلك.

وما ذكرناه إنّما هو على سبيل الأصل المناسب لهذا المقام ، وإلاّ فلبعضها أو كلّها أحكام خاصّة ، مذكورة كلّ منها في مورده إن شاء الله.

د : الظاهر اختصاص الحكم بما لا يد عليه أصلا لا على عينه ولا على منفعته ، فلو كان شي‌ء لم تكن يد على عينه ، ولكن كانت منفعته في يد واحد أو جماعة محصورين أو غير محصورين ، ينتفعون به ولا يدّعون ملكيّته ، لا يحكم بملكيّة أحد بمجرّد ادّعائه ، ولا يخلّى بينه وبينه إلاّ ببرهان وبيّنة ، للأصل ، وعدم ثبوت الإجماع في مثل ذلك ، بل ثبوت عدمه ، واختصاص النصّ بغير ذلك.

فلو كان هناك طريق مسلوك للعامّ أو الخاصّ ـ على القول بعدم كون الخاصّ ملكا لسالكيه ـ لا يملكه أحد بمجرّد دعوى الملكيّة ، وكذا لو كان رباط ينزله الناس من غير ادّعاء ملكيّته ولا اشتهار وقفيّته ، أو بركة كذلك يتروون منها. بل يحكم في الأول بكونه طريقا ، ويعمل فيه بما يعمل في الطرق ، وفي الأخيرين بمجهول المالكيّة ، والله العالم.

المسألة الرابعة : إذا ادّعى كلّ منهم أنّه اشترى العين من ذي اليد ، وأقبض الثمن ، والعين المبيعة في يد البائع‌ ، فهو من مسألة تنازع المتداعيين ما في يد ثالث ، وقد مرّت ، وقد يذكر حكم ذلك منفردا لأجل بعض خصوصيّات البيع الذي يظهر حكمه بالتأمّل.

المسألة الخامسة : لو ادّعى اثنان أنّ ثالثا اشترى من كلّ منهما هذا المبيع ، وكلّ يطالبه بالثمن‌ ، فإن أقرّ لهما ألزم بالثمنين ، لإمكان الصدق‌

٣٦١

وصحّة البيعين ، بأن يشتري من أحدهما فباعه من الآخر ثمَّ اشترى منه.

وإن أقرّه لأحدهما لزمه الثمن له وحلف للآخر ، وإن نكل اغرم له.

وإن أنكرهما ولا بيّنة حلف لهما.

وإن أقام كلّ منهما بيّنة ثبت البيعان ويلزم الثمنان ، إلاّ في صورة لم يمكن الاجتماع ، فيرجع إلى المرجّحات المعتبرة الآتية في بحث تعارض البيّنات ، من الأعدليّة والأكثريّة إن كانت ، وإلاّ إلى الإقراع ، فمن أخرجته القرعة قضي له بالثمن الذي شهدوا به بعد حلفه للآخر ، فإن امتنع حلف الآخر وحكم له ، فإن امتنع قسّم الثمن بينهما مع التشابه ، ويحكم لكلّ واحد منهما بنصف ما ادّعاه من الثمن مع الاختلاف.

المسألة السادسة : لو ادّعى كلّ واحد من شخصين كلّ واحد من ثوبين‌ ـ مثلا ـ في يد كلّ واحد منهما أحدهما ما في يد الآخر ، فإن لم تكن بيّنة يحلف كلّ منهما للآخر بنفي ما في يده لصاحبه ، ويحكم له بما في يده.

وإن كانت لأحدهما بيّنة يحكم له بهما جميعا ، الذي في يد صاحبه للبيّنة ، والذي في يده لأنّه في يده ولا بيّنة لصاحبه ، إلاّ أنّه يحلف لدفع صاحبه عمّا في يده.

ولو كانت لهما البيّنة يحكم لكلّ منهما بما في يد الآخر ، لما يأتي من ترجيح بيّنة الخارج.

المسألة السابعة : إذا ادّعى زيد على عمرو عينا في يد عمرو ، وأقام المدّعي بيّنة ، حكم له قطعا‌ ، وانتزعت من يد عمرو ، وتسلّم إلى زيد ، فإن ادّعى عمرو بعد أخذ زيد الملك السابق ، وأقام البيّنة ، وشهدت البيّنة على أنّها كانت له قبل الانتزاع ، لم تقبل بيّنته ( وفاقا للشرائع والإرشاد (١) ) (٢).

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١١٦‌

(٢) الإرشاد ٢ : ١٥١.

٣٦٢

لا لأنّه ذو اليد حينئذ أيضا نظرا إلى أنّه يدّعي أنّ الأخذ منه ظلم فكأنّها في يده ، لأنّه الآن ليس ذا اليد قطعا ، والنزع عنه بحكم الحاكم ليس ظلما ، فلا يدخل تحت ما دلّ على عدم قبول بيّنة ذي اليد ، بل يصدق عليه المدّعي.

ولا لأنّه على ذلك يصير جعل المدّعى عليه خارجا ، وانتزاع العين من المدّعى عليه ثانيا سهلا بتأخير بيّنته إلى الحكم والانتزاع ، لأنّه لا فساد في ذلك ، وكم من الحيل الشرعيّة التي تبنى عليها الأحكام.

ولا لأنّه نقض للحكم الأوّل ، وهو غير جائز ، لمنع كونه نقضا وإن عبّر به في الشرائع والقواعد (١) ، لأنّ النقض إنّما هو إذا كان إبطالا لحكم الحاكم من جهة حكمه لا لدعوى اخرى.

بل لأنّه إمّا يقتصر على الشهادة بالملك السابق ، فيرجع إلى تعارض الملك القديم واليد الحاليّة ، وسيأتي أنّ اليد مقدّمة. أو يضمّ معها قوله : لا أعلم لها مزيلا ، أو : أعتقد ملكيّته الآن للاستصحاب ، ونحوهما ، بناء على قبولهما ، فيردّ بالعلم بالمزيل ، وهو حكم الحاكم ، بل وكذا لو قال : وهو إلى الآن ملكه ، لأنّ غايته أنّه أمارة كحكم الحاكم بقطع الملكيّة. فتبقى اليد الحاليّة بلا معارض.

وإن ادّعى ملكا لا حقا بعد الانتزاع منه ، وأقام عليه البيّنة ، فالوجه : قبول البيّنة واسترداد العين ، لعدم التعارض بين البيّنتين.

وإن أطلق الدعوى ، وأقام البيّنة المطلقة وقبلناها ، فالوجه : القبول والاسترداد أيضا ، لعدم المانع ، وصدق المدّعي.

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١١٦ ، القواعد ٢ : ٢٣٣.

٣٦٣

وحكم في القواعد بنقض الحكم واسترداد العين على الإطلاق الشامل للصور الثلاث ، ولكن قال : على إشكال (١). ويظهر وجه الحكم والإشكال ممّا ذكرنا.

وبنى في المسالك الحكم في الصورة الأولى على أن المراد ببيّنة الخارج والداخل هل الخروج والدخول عند الملك المدّعى ، أو حال التعارض (٢)؟ وستعلم أنّ المعتبر حال التعارض ، للصدق العرفي.

المسألة الثامنة : لو كانت العين بيديهما معا ، وادّعى أحدهما الكلّ ، والآخر النصف ، ولا بيّنة‌ ، فعلى ما ذكرنا ـ في مسألة ما إذا كانت العين بيديهما ، وادّعى كلّ منهما الكلّ ـ من أنّ الكلّ بيد كلّ منهما يكون النصف لمدّعي الكلّ بلا معارض ، ويكون النصف في يدهما معا ، فيكون هو المتنازع فيه ، وحكمه حكم العين التي تنازع فيها اثنان يدهما عليه ، من غير فرق بين المشاع والمعيّن.

وكذا في صورة البيّنة لهما ، يكون في النصف حكم الكلّ الذي تنازع فيه اثنان وأقاما البيّنة ، ويأتي حكمه.

وكذا يظهر حكم ما إذا زاد ما يدّعيه الآخر عن النصف ، أو نقص ، أو زاد المدّعون عن الاثنين. وبالجملة : جميع ما يتصوّر من الأقسام.

المسألة التاسعة : إذا تنازع الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر في أمتعة البيت الذي في يدهما‌ ، فإن كانت هناك بيّنة لأحدهما كلاّ أو بعضا قضي له بها بلا خلاف ، وإن لم تكن بيّنة فاختلفوا فيها على خمسة أقوال :

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٣٣.

(٢) المسالك ٢ : ٣٩٦.

٣٦٤

الأوّل : أنّهما فيها سواء مطلقا‌ ، سواء كان المتنازع فيه ممّا يصلح للرجال خاصّة أو النساء كذلك أو لهما ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما أو لثالث ، وسواء كانت الزوجيّة باقية أو زائلة ، وسواء كانت يدهما عليه تحقيقا بالمشاهدة أو تقديرا ، فيتحالفان ، أو ينكلان ، فيقسّم بينهما بالسويّة ، ويختصّ الحالف بالجميع لو حلف أحدهما ونكل الآخر.

حكي عن المبسوط وظاهر الإرشاد وصريح القواعد والإيضاح والتنقيح (١) ، ونسبه الأردبيلي في شرح الإرشاد إلى المتن وجماعة.

ولكن كلام المبسوط ليس صريحا في اختصاص الفتوى بذلك ، لأنّه قال بعد القول المذكور : وروى أصحابنا أنّ ما يصلح للرجال فللرجل ، وما يصلح للنساء فللمرأة ، وما يصلح لهما يجعل بينهما (٢) ، وفي بعض الروايات : أنّ الكلّ للمرأة وعلى الرجل البيّنة ، لأنّ من المعلوم أنّ الجهاز ينتقل من بيت المرأة إلى بيت الرجل (٣) ، والأوّل أحوط (٤). انتهى.

فإنّ قوله : والأوّل ، يحتمل أن يراد به ما أفتى به أوّلا وحكي عنه ، وأن يراد به ما رواه الأصحاب ، لكونه أولا بالنسبة إلى الرواية الثانية ، ويؤيّده ما في الخلاف من جعله الأحوط ذلك (٥). وكيف كان ، فلا تكون فتواه منحصرة بما حكي عنه أولا ، بل هي إمّا تكون أحوط ، فتجوز غيرها أيضا ، أو تكون غيرها أحوط ، فتجوز أيضا ، بل تكون أولى.

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٣١٠ ، القواعد ٢ : ٢٢٣ ، الإيضاح ٤ : ٣٨١ ، التنقيح ٤ : ٢٧٨.

(٢) انظر الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨.

(٣) الكافي ٧ : ١٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٩٨ ـ ٨٣١ ، الاستبصار ٣ : ٤٥ ـ ١٥١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ١.

(٤) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٥) الخلاف ٢ : ٦٤٥.

٣٦٥

ثمَّ إنّ دليلهم على ذلك ما مرّ ـ في تنازع الشخصين في عين كانت في يدهما ـ من العمومات وغيرها ، فإنّ هذه الدعوى أيضا فرد من سائر الدعاوي ، فتشملها أدلّتها.

الثاني : إنّ ما يصلح للرجل خاصّة يحكم به للرجل ، وما يصلح للنساء كذلك يحكم به للمرأة ، وما يصلح لهما يقسّم بينهما بعد التحالف أو النكول.

حكي عن الشيخ في النهاية والخلاف والإسكافي والحلّي في السرائر وابن حمزة والكيدري والنافع وظاهر الشرائع والتحرير والمهذّب والدروس (١) ، وقرّبه القاضي ولكن في الدعوى بعد الطلاق ، بل هو مذهب الأكثر كما في المسالك وشرح المفاتيح (٢) ، بل هو المشهور كما في الشرائع وصريح النكت ، بل عن الخلاف وفي السرائر الإجماع عليه ، ونسبه في المبسوط ـ كما مرّ ـ إلى روايات الأصحاب (٣).

لقضاء العادة بذلك ، وصحيحة رفاعة : « إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما » قال : « وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى الرجل أنّ المتاع له ، كان له ما للرجال ، ولها ما للنساء » (٤).

__________________

(١) النهاية : ٣٥٠ ، الخلاف ٢ : ٦٤٥ ، حكاه عن الإسكافي في المسالك ٢ : ٣٩٨ ، السرائر ٢ : ١٩٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٢٧ ، النافع : ٢٨٥ ، الشرائع ٤ : ١١٩ ، التحرير ٢ : ٢٠٠ ، المهذّب ٢ : ٥٧٩ ، الدروس ٢ : ١١٠.

(٢) المسالك ٢ : ٣٩٨.

(٣) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٦٥ ـ ٢١٥ ، التهذيب ٦ : ٢٩٤ ـ ٨١٨ ، الاستبصار ٣ : ٤٦ ـ ١٥٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٤ ، بتفاوت.

٣٦٦

وموثّقة يونس : في المرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة ، قال : « ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شي‌ء [ منه ] فهو له » (١).

وفي موثّقة سماعة : عن رجل يموت ، ماله من متاع البيت؟ قال : « السيف والسلاح [ والرحل ] وثياب جلده » (٢).

واختصاص الاولى بالطلاق والثانية بالموت غير ضائر ، للإجماع المركّب ، وتتميم كلّ منهما بالأخرى ، لعدم التنافي.

وكذلك لا يضرّ عدم تصريح صدر الصحيحة والخبرين الآخرين بالتنازع ، لشمولها له ، مضافا إلى ظهورها فيه ، سيّما مع ضمّ ذيل الصحيحة.

وكذا لا يضرّ عدم اشتمال كلّ من الصدر والذيل والخبرين على الأحكام الثلاثة بعد اشتمال الكلّ للكلّ ، مضافا إلى ثبوت الحكم في صورة صلاحية المتاع لهما بما مرّ في القول الأول ، وفي الصورتين الأخريين بالظهور المستند إلى العادة.

والثالث : إنّ القول قول المرأة مطلقا ، فالمتاع المتنازع فيه كلّه لها ، إلاّ ما أقام الرجل عليه البيّنة.

وهو المحكيّ عن صريح الشيخ في الاستبصار وظاهر الكليني في الكافي (٣) ، ورجّحه في شرح المفاتيح ، وحكاه الأردبيلي عن التهذيب أيضا.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

وما بين المعقوفين من المصدرين.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٨ ـ ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ٤٦ ـ ١٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٥ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٢ ، ما بين المعقوفين ليس في « ح » و « ق » ، أضفناه من المصادر.

(٣) الاستبصار ٣ : ٤٤ ، الكافي ٧ : ١٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٩٨ ، وج ٩ : ٣٠١ ، وحكاه عنهما في الرياض ٢ : ٤١٨.

٣٦٧

لصحيحة البجلي : « هل قضى ابن أبي ليلى بقضاء ثمَّ رجع عنه؟ » فقلت له : بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة ـ إذا مات أحدهما فادّعى [ ورثة ] الحيّ وورثة الميت أو طلّقها الرجل فادّعاه الرجل وادّعته المرأة ـ بأربع قضيات ـ فعدّها الراوي إلى أن قال في الرابعة : ـ ثمَّ قضى بعد ذلك بقضاء لو لا أنّي شاهدته لم أروه عليه ، ماتت امرأة منّا ولها زوج وتركت متاعا فرفعته إليه ، فقال : اكتبوا إليّ المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج : هذا يكون للرجل والمرأة فقد جعلناه للمرأة ، إلاّ الميزان فإنّه من متاع الرجل فهو لك ـ إلى أن قال : ـ فقلت : ما تقول أنت فيه؟ فقال : « القول الذي أخبرتني أنّك شهدته وإن كان قد رجع عنه » فقلت : يكون المتاع للمرأة؟ فقال : « أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟ » فقلت : شاهدين ، فقال : « لو سألت من بينهما » يعني : الجبلين ، ونحن يومئذ بمكة « لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به ، وهذا المدّعي ، فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئا فليأت عليه بالبيّنة » (١).

وقريبة منها الصحيحة الأخرى له ولإسحاق بن عمّار ، وفيها : « إلاّ الميزان ، فإنّه من متاع الرجل فللرجل » (٢).

وصحيحته الثالثة ، وهي أيضا قريبة منهما ، إلاّ أنّها لا تتضمّن استثناء الميزان ، وفي آخرها : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « القضاء الأخير وإن كان قد رجع عنه ، المتاع متاع المرأة ، إلاّ أن يقيم الرجل البيّنة ، قد علم من بين‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٩٨ ـ ٨٣١ وج ٩ : ٣٠١ ـ ١٠٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٤٥ ـ ١٥١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ١ ، بتفاوت يسير. ما بين المعقوفين ليس في « ح » و « ق » ، أضفناه من المصادر.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٧ ـ ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ٤٥ ـ ١٥٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ذ ح ١.

٣٦٨

لابتيها » (١) يعني : بين جبلي منى « أنّ المرأة تزفّ إلى بيت زوجها بمتاع » (٢).

الرابع : إنّ ما لا يصلح إلاّ للرجال فهو للرجل ، وما يصلح لهما أو للنساء خاصّة فهو للمرأة‌ ، وهو مذهب الصدوق في الفقيه (٣) ، ومستنده الصحيحتان الأوليان المتقدّمتان دليلا للثالث.

الخامس : الرجوع في ذلك إلى العرف العامّ أو الخاصّ‌ ، الدالّ على اختصاص بعضه بأحدهما ، فإن وجد عمل به ، وإن فقد أو اضطرب كان بينهما نصفين.

اختاره الفاضل في المختلف والشهيدان في النكت والروضة والمحقّق الشيخ عليّ ، واستقربه في الكفاية ، واستحسنه في المهذّب ، ونفى عنه البأس في شرح الشرائع للصيمري (٤).

لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوي ـ بعد الاعتبار والنظر ـ راجعة إلى ذلك ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين ، بناء على الأصل ، وكون المتشبّث أولى من الخارج ، لقضاء العادة بملكيّة ما في يد الإنسان غالبا ، فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظّاهر ، والرجوع إلى من يدّعي ظاهر العرف.

ويؤيّده استشهاده عليه‌السلام بالعرف ، حيث قال : « قد علم من بين‌

__________________

(١) لابتا المدينة : حرّتان عظيمتان يكتنفانها. واللابة : هي الحرّة ذات الحجارة السود قد ألبتها لكثرتها ، وجمعها : لابات ، وهي الحرار ، وإن كثرت فهي اللاّب واللّوب ، مجمع البحرين ٢ : ١٦٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٧ ـ ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٤٤ ـ ١٤٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ذ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٦٥.

(٤) المختلف : ٦٩٨ ، الروضة ٣ : ١٠٨ ، الكفاية : ٢٧٨ ، المهذّب ٢ : ٥٧٩.

٣٦٩

لابتيها » وقال : « لو سألت من بينهما ».

أقول : أمّا ما ذكروه دليلا للقول الأوّل فهو حسن على ما استثنوه في مسألة التداعي فيما كان بيد المتداعيين من أنّ يد كلّ منهما على النصف ، ومن أنّ كلا منهما مدّع ومنكر. ولكن قد عرفت ما في الأساس الثاني.

ويمكن منع الأوّل هنا ، لأنّه إنّما كان فيما إذا علم أنّ المدّعى به بيديهما معا ، وهو هنا غير معلوم ، وليس أيضا ممّا لم يكن يد أحدهما عليه.

وأمّا ما ذكرناه من الأخبار للمسألة المذكورة فهي غير مفيدة للمورد ، لأنّها إمّا مخصوصة بأعيان خاصّة ليس المورد منها ، أو مخصوصة بالمورد حاكمة فيه بغير ذلك.

مع أنّه لو سلّم الأساسان فهما عامّان ، وأخبار المسألة خاصّة ، يجب تخصيصهما بها ، سيّما مع موافقة الخصوص للشهرة المحقّقة والمحكيّة (١) والإجماعات المنقولة (٢) ، وندرة القائل بحكم العموم للمورد ، سيّما مع ما عرفت من عدم اقتصار فتوى المبسوط بذلك (٣) ، ورجوع الفاضل عنه في المختلف (٤) ، وعدم ظهور كلامه في الإرشاد على الحكم بذلك ، فلا محيص عن قطع النظر عن ذلك القول وتركه.

وأمّا ما ذكروه دليلا للثاني ، فأمّا أول دليليهم ـ وهو قضاء العادة ـ فإنّه إن أريد به قضاء العادة في المالكيّة ، بمعنى : أنّ العرف والعادة يقضيان بأنّ‌

__________________

(١) كما قد يستفاد من الشرائع ٤ : ١١٩.

(٢) كما في الخلاف ٢ : ٦٤٥ ، السرائر ٢ : ١٩٤.

(٣) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٤) المختلف : ٦٩٨.

٣٧٠

ما يصلح للرجال فهو من مال الرجال ، وكان هو ملكه ، وهو الذي جاء به ، وما كان للنساء فهو من مال النساء كذلك ، وما يصلح لهما فهو يحتمل الأمرين.

ففيه أولا : أنّه ليس كذلك كلّيا ولا غالبا ، فكم من امرأة معسرة من بيت فقير يعلم أنّها لا تملك شيئا أو إلاّ قليلا ، يتزوّجها رجل من الأغنياء المتموّلين ويهيّئ لها من الألبسة النسائيّة والحلي والحلل ما لا يحصى كثرة ، وقد يموت أحدهما في أسرع وقت ، يعلم أنّه لم تتمكّن الزوجة من تحصيل هذه الأشياء بنفسها.

وكم من أمة يعتقها مولاها ويتزوّجها ولا شي‌ء لها.

وكم من امرأة مات أخوها أو أبوها أو ولدها أو زوجها السابق ، فترث منه ألبسه رجاليّة وأسلحة وسروجا.

وكم من رجل ماتت زوجته السابقة أو أمّها أو بنتها أو أختها ، فيرث منها مقانع وحليّا وثيابا نسائيّة.

وثانيا : أنّه إن أريد بالعادة عرف زمان خاصّ وبلد مخصوص نادر ، فظاهر أنّ مثل ذلك ممّا لا يعتني به الفقيه ، ولا يجعله دليلا على حكم كلّي عامّ يشمل الأزمان والبلدان جميعا.

وإن أريد غير ذلك ، فهو ليس كذلك ، كما يشاهد في هذه الأزمان ـ بل يقطع به من قبل ذلك بكثير وفي أكثر هذه البلدان ـ من أن الزوج يجي‌ء بأكثر الألبسة النسائيّة وحليّها ، والزوجة الموسرة بقدر حالها تجي‌ء بلباس لزوجها ، وهذا أمر متعارف مشاهد ، مع أنّ هذا أمر مختلف باختلاف الأزمان والأشخاص والبلدان والقرى والطوائف ، اختلافا محسوسا مشاهدا.

وإن أريد بقضاء العادة قضاؤها في اليد ، وكان المراد تعيين ذي اليد‌

٣٧١

منهما ، حيث إنّ الغالب اشتباه من بيده منهما في متاع البيت ، حتى يحكم بمقتضى اليد.

ففيه : أنّه إن أريد القضاء العلميّ ـ كما يظهر من المحقّق الأردبيلي ـ فهو ممنوع ، إمّا مطلقا ، أو إلاّ نادرا ، في مثل اللباس الذي يلبس كلّ يوم أو غالبا.

وإن أريد الظنّي ، فمع أنّه أيضا لا يحصل كلّيا ـ فإنّ من المشتركات ما يظنّ أنّه بيد المرأة ، تتصرّف فيه في البيت كالأواني والسفرة والمكنسة وغيرها ـ لا حجّية فيه ، ولا يعدّ مثل ذلك قضاء ، مع أنّ المعتاد في بعض البلدان أنّ التصرّف في الأدوات الرجاليّة أيضا مع النسوان.

وأمّا ثاني دليليهم ـ وهو الأخبار ـ فهو حسن ، إلاّ أنّه تعارضها الأخبار الثلاثة التي [ بعدها ] (١) للبجلي (٢) ، فلا بدّ أن ينظر في حال المتعارضين ، وسيأتي.

وأمّا دليل القول الثالث ـ وهو الأخبار الثلاثة المشار إليها ـ فالأخيرة منها وإن طابقته ولكنّ الأوليين لا تطابقانه ، لدلالتهما على اختصاص ما يختصّ بالرجال بالرجل ، فإنّه الذي حكم به ابن أبي ليلى أخيرا وصحّحه الإمام عليه‌السلام ، والمتاع الذي كتبوه وحكم فيه بكونه للمرأة مصرّح به فيهما بكونه للرجل والمرأة ، وهو المراد من قوله : فقلت : يكون المتاع للمرأة؟ فإنّ اللاّم للعهد ، بقرينة قوله : « القول الذي أخبرتني ».

ولو أريد مطلق المتاع ليحصل التعارض بين القولين والتنافي ـ ولو‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ح » : يعدّها وفي « ق » « يعد » والظاهر ما أثبتناه ، والضمير عائد إلى الأخبار الأولى.

(٢) المتقدمة في ص : ٣٦٨.

٣٧٢

لم يجعل الأوّل قرينة للثاني أيضا ـ يحصل الإجمال في المراد ، ويجب الأخذ بالمتيقّن ، وهو متاع الرجال والنساء ، ولم يعلم أيضا دخول ما يختصّ بالرجال في الجهاز الذي يجاء به من بيت الزوجة ، بل الظاهر إمّا متاع النساء خاصّة ، أو المشترك ، إذ لا يرتاب أحد في أنّ للزوج أيضا في البيت شيئا ، لأنّه لم يدخله عاريا فلا يحتاج فيما يختصّ بالرجال ـ ولو شيئا ـ إلى البيّنة.

بل نقول : إنّه يعلم كلّ من بين لابتيها ـ بل كلّ أحد ـ أنّ الزوج ليلة الزفاف لم يكن جالسا في بيته عاريا مكشوف الرأس والعورة ، بلا فراش ولا وطاء ولا آنية ولا إبريق ولا كوزة ولا سراج ، منتظر لأن تجي‌ء الزوجة بهذه الأشياء ، والغالب أنّ لباسه غير منحصر بما لبسه حينئذ أيضا. وعلى هذا ، فيكون للزوج أيضا شي‌ء في البيت قطعا ، فيحصل الإجمال في المراد من التعليل المذكور ، ولا يصلح قرينة لشي‌ء.

ولكون الأوليين أخصّ مطلقا من الأخيرة فيجب تخصيصها بهما ، مع أنّ الواقعة في الجميع واحدة.

وعلى هذا ، فلا تصلح تلك الأخبار دليلا لذلك القول أصلا ، مع أنّ وجود القائل بهذا القول غير معلوم ، فإنّ نسبته إلى الكليني ليست إلاّ لمجرّد نقل هذه الأخبار ، كما صرح به من نسبه إليه ، وهو لم ينقل إلاّ الخبرين الأولين ، فلو صحّت النسبة من هذه الجهة لكان هو أيضا كالصدوق ، وقائلا بالقول الرابع.

وما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار ـ سيّما الاستبصار ـ ليس صريحا ولا ظاهرا في الاختيار ، وإنّما دأبه فيهما إبداء الاحتمالات للجمع بين الأخبار. ومنه يظهر سقوط هذا القول أيضا من درجة الاعتبار.

٣٧٣

وأمّا دليل القول الرابع ـ وهو الخبران الأولان للبجلي ، أو مع الثالث بعد الجمع ـ فهو كان حسنا لو لا معارضته مع أخبار القول الثاني ، وندرة القائل بمضمونهما ، بل لا يعلم قائل به ، فإنّ عبارة الصدوق ليست صريحة في اختيار (١) ذلك ، وإنّما ذكر ذلك في بيان معنى الحديث ، وسيأتي الكلام فيه.

وأمّا القول الخامس ، فمراد القائل به إمّا الرجوع إلى العرف والعادة في الحكم بالملكيّة ، يعني : أنّ ما يحكم العرف والعادة بكونه ملكا للزوج يحكم به له ، وما يحكمان فيه بكونه ملكا للزوجة يحكم به لها.

أو مراده : الرجوع إليهما في تعيين ذي اليد ، أي ما جرت العادة فيه بكونه في يد الزوجة يحكم بكونه في يدها ، فيقدّم قولها بدون البيّنة مع اليمين ، وما جرت فيه بكونه في يد الزوج يحكم بكونه في يده كذلك.

وعلى الأوّل ، إمّا يكون المراد : الملكيّة الحاليّة ، أي يرجع إلى العرف والعادة ، فيحكم بالملكيّة للزوج حال التنازع فيما يحكمان حينئذ بكونه ملكا له ، وبالملكيّة للزوجة كذلك.

أو يكون المراد : الملكيّة السابقة ، أي يرجع إلى بناء العرف والعادة فيما تجي‌ء به الزوجة إلى بيت الزوج من مالها ، ويأخذه الزوج من ماله ويجي‌ء به ، فيبنى الحكم عليه.

وعلى جميع التقادير ، إمّا يكون المراد بالعرف والعادة : ما يفيد منهما العلم ، أو الأعمّ منه ومن الظنّ.

فإن كان المراد العلم ، فلا حكم علميّا للعرف والعادة في الملكيّة‌

__________________

(١) في « ق » : اعتبار ..

٣٧٤

السابقة في أمتعة البيت من حيث هي كذلك أبدا ، لا في الأزمنة السابقة ولا اللاّحقة ، ومن أين يحصل ذلك العلم لو لا الأمور الخارجة؟! ولو فرض حصول علم بذلك لأجل العادة المفيدة للعلم فنحن نسلّم الحكم فيه ، ولكنّه ليس مخصوصا بأمتعة البيت ، بل كلّ شي‌ء علم الحاكم أنّه من مال أحد المدّعيين بإحدى طرق العلم أو أنّه بيده يحكم له بمقتضاه.

وإن كان المراد الأعمّ ، فحصول الظنّ بالملكيّة السابقة ـ سيّما إذا مضت من مبدأ النكاح مدّة متطاولة ، كخمسين سنة أو ستين ـ مشكل غالبا.

ولو قطع النظر عن ذلك فلا تضايق بتسليم الظنّ العادي في بعض الأشياء بالنسبة إلى بعض الأشخاص أو الطوائف في بعض البلاد أو الأزمان ، وإن منعه صاحب التنقيح أيضا ومنع الرجحان (١).

ولكن ما الدليل على اعتبار ذلك الظنّ؟ فإنّه لو كان المناط هو الظهور فالظنّ لم تكن له جهة اختصاص بمتاع البيت والزوج والزوجة ، بل يلزم الأخذ به في غير ذلك المورد ، كدعوى الرجل مع أخته ، ويعتبر الظنّ الحاصل من الشاهد الواحد ، بل من حال المدّعي والمدّعى عليه.

ولا يمكن أن يقال : إنّه خرج بالإجماع ، إذ الإجماع لم يختصّ بموضع دون موضع ، بل انعقد على عدم اعتبار الظهور الظنّي غير الظنون المخصوصة في هذا الباب.

والعجب كلّ العجب من الفاضل ، حيث استشهد لاعتبار التنازع الظاهر في باب الدعاوي بقبول قول المنكر مع اليمين ، باعتبار قضاء العادة بملكيّة الإنسان غالبا ما في يده (٢) ، ولم يستشهد لعدم اعتبار الظهور بعدم‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٩.

(٢) المختلف : ٦٩٨.

٣٧٥

قبول دعوى المدّعي العادل المتديّن شيئا في ذمّة الفاسق المتغلّب ، ولو ضمّ معه شهادة فاسقين مورثة لشدّة الظهور ، ونحو ذلك ، مع أنّ تقديم قول المنكر لا يختصّ بالأعيان الكائنة في اليد ، بل يشمل ما في الذمّة أيضا ، مع أنّ منشار النجّار وكتاب العالم إذا كان بيد شخص معروف بالسرقة وخرج من بيت النجّار والعالم لو ادّعاه النجّار والعالم يقدّم قول ذي اليد السارق ، مع أنّ الظاهر خلافه ، فيعلم أنّ ذلك ليس باعتبار الظهور والمظنّة.

هذا إذا كان المراد الملكيّة السابقة.

ولو أريد الملكيّة الحالية فلا وجه لحصول العلم أو الظنّ بها من حيث إنّه متاع البيت وأنّهما الزوجان أصلا ، وكيف يعلم أو يظنّ بما وقع بينهما في زمان اجتماعهما؟! وكذا الكلام إن كان المراد تعيين ذي اليد بالعرف والعادة.

فإن قيل : التعليل المذكور الذي ذكره الإمام عليه‌السلام في الأخبار الثلاثة (١) بقوله : « يعلم من بين لابتيها » إلى آخره ، يدلّ على اعتبار العادة في ذلك.

قلنا : العلّة المذكورة هي العلم كما في بعضها ، والإخبار العلميّ ـ الذي هو وظيفة البيّنة ـ كما في بعض آخر ، ولا كلام فيه حينئذ ، وإنّما الكلام في تحقّق العلم العادي كما هو المعلوم ، ولعلّه كان عادة مخصوصة معلومة في بلده عليه‌السلام في ذلك الزمان ، مع أنّ في التعليل إجمالا لا يتمّ الاستدلال به ، كما مرّت الإشارة إليه.

ومن ذلك ظهر خلوّ هذا القول عن الدليل التامّ أيضا ، فلا ينبغي الارتياب في سقوطه من البين. وظهر بطلان الأقوال الثلاثة ، التي هي غير‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

٣٧٦

الثاني والرابع.

وبقي الكلام فيهما وفي دليلهما ، فنقول : لا شكّ في كون متاع النساء للنساء ، للتصريح به في روايات القول الثاني ، وعدم دلالة سائر الروايات على خلافه إن لم تدلّ عليه بالأولويّة أو العموم.

ولا في كون متاع الرجال للرجال ، لتصريح صحيح رفاعة وموثّقة سماعة وصحيحتي البجلي الأوليين (١) من غير معارض أيضا ، سوى عموم صحيحة البجلي الأخيرة ، وتخصيصها بالخصوصيّات متعيّن ، مع أنّ في عمومها نظرا ، بل الظاهر أنّ المراد بمتاع المرأة فيها هو المتاع الذي حكم فيه أبو ليلى ، وصرّح بأنّه يكون للرجل والمرأة.

نعم ، يقع التعارض بين الأخبار في المتاع المشترك ، فإنّ صريح صحيحة رفاعة وموثّقة يونس أنّه يقسّم بينهما ، وصريح الصحاح الثلاثة للبجلي ـ التي هي صحيحة واحدة حقيقة ، وإن كان بعض رجال أسنادها مختلفة ـ أنّه للمرأة ، فلا بدّ من الترجيح ، ولا شكّ أنّه للأوليين ، لمخالفة الأخيرة للشهرة العظيمة القديمة والجديدة ، بل عدم عامل بها صريحا البتّة ، سوى المشايخ الثلاثة ، واثنان منهما وإن شاركا الآخر في ذلك الحكم ولكنّهما خالفاه في حكم متاع الرجال ، وخالفا الصحاح أيضا ، فليس عامل بها إلاّ الصدوق خاصّة ، وعمله أيضا غير معلوم كما مرّت إليه الإشارة ، بل عمل الشيخين الأخيرين أيضا ، فلا شكّ أنّ مثل ذلك الخبر ليس بحجّة وإن لم يكن له معارض ، فكيف معه؟!

هذا ، مع ما في دلالة الصحاح على إطلاق الحكم وكلّيته من‌

__________________

(١) المتقدّمة جميعا في ص : ٣٦٦ و ٣٦٧ و ٣٦٨.

٣٧٧

المناقشة ، لمكان التعليل المذكور فيها ، فإنّ مقتضاه أنّ الحكم المذكور مخصوص بما توجد فيه العلّة ، وهو العلم بأنّ الزوجة أهدت الجهاز والمتاع إلى بيت الزوج ، ولم يعلم أنّ للزوج أيضا فيه شيئا ، فلا يجري فيما علم أنّ الزوجة لم تهد الجهاز إليه ، أو لم يعلم ذلك ، أو علم أنّ الزوج أرسل أمتعته إلى بيت الزوجة ، وهي أهدتها ـ أو مع شي‌ء آخر ـ إلى بيت الزوج ، كما هو متعارف الآن في كثير من البلدان ، أو علم أنّ للزوج أيضا في بيته أمتعة.

وبالجملة : لا يثبت الحكم في غير مورد تجري فيه العلّة ، كما هو الآن في أكثر البلدان.

وظهر من ذلك أنّ الترجيح للروايتين الأوليين ، الحاكمتين بأنّ المتاع يقسّم بينهما ، وأنّ الحقّ هو القول الثاني ، فعليه العمل.

فروع :

أ : اعلم أنّ أخبار المسألة خالية عن ذكر اليمين رأسا ، بل الظاهر منها انتفاؤها ، ولا دليل على ثبوت اليمين إلاّ عمومات اليمين على من ادّعي عليه ، بجعل المرأة مدّعى عليها فيما يصلح لها ، والرجل فيما يصلح له ، وكلّ منهما في النصف فيما يصلح لهما ، وقد عرفت حالهما في مثل المورد.

إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على ثبوتها ، ومن لم يتعرّض لها فإنّما هو لأجل كون المقام مقام بيان من يقدّم (١) قوله فقط.

ويؤيّد ثبوتها الاعتبار أيضا ، فإنّ ما يصلح للمرأة لو كان بيدها في غير‌

__________________

(١) في « ح » : تقدّم ..

٣٧٨

بيت زوجها ، وادّعى الزوج ، لا يترك للمرأة بدون يمينها ، فكيف إذا كان في بيت الزوج ولم تثبت يدها ، وكذلك الرجل؟! ويمكن أن يجعل ذلك دليلا بالأولويّة ، فالظاهر أنّ الأحكام الثلاثة إنّما هي بعد اليمين ، فيحكم بمقتضاها ، ومع النكول يحكم بمقتضاه.

وهذا ظاهر إذا كانت الدعوى بين الزوجين بنفسهما ، ولو كانت بين أحدهما ووارث الآخر ، فيحلف أحدهما فيما يتعلّق به على البتّ ، والوارث فيما يتعلّق به على نفي العلم بأنّه من مال المدّعي ، لأنّ الأخبار مطلقة بأنّه من مال مورّثه ، ولم يثبت الإجماع ـ لو كان هنا ـ على الأزيد من ذلك.

ويؤكّده أنّه يكتفى فيما في يد مورّثه بذلك الحلف لو ادّعي على الوارث ، وهذا أقوى منه ، لتصريح الأخبار بأنّه له (١).

ويجب أن يكون الحلف على الوارث بعد ادّعاء المدّعي العلم عليه ، وإلاّ فيعطى بلا يمين.

ويحتمل ثبوت اليمين عليه إلاّ إذا أقرّ المدّعي بعدم علمه ، بناء على أن يقول : إنّ هذا اليمين جزء الحكم ، لا أنّه حقّ لغيره ، كاليمين الاستظهاريّة وجزء البيّنة.

ومنه يظهر الحكم لو كانت الدعوى بين الوارثين ، فيحلف كلّ منهما على نفي العلم بالتفصيل المذكور.

ولو كان أحد الوارثين أو كلاهما صغيرا أو مجنونا أو غائبا يدفع ما يتعلّق به إلى وليّه بدون يمين ، كما إذا كان بيد مورّثه في بيت آخر ، لإطلاق الأخبار بأنّه له ، ولا يقصر ذلك من حكم الشارع باقتضاء اليد الملكيّة.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٤٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢.

٣٧٩

ب : الحكم المذكور مخصوص بمتاع البيت الذي لم يعلم أنّه بيد أحدهما وتصرّفه بخصوصه ، ولو علم ذلك ـ كالثوب الذي على الرجل أو المرأة ، أو الحليّ الذي عليها ـ فهو لذي اليد بعد اليمين ، لقوله عليه‌السلام في موثّقة يونس : « ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » (١).

وعلى هذا ، فلو كان في الدار بيت أو في البيت مخزن كان بيد أحدهما ـ أي هو الذي يغلق بابه ويفتح ، ومفتاحه بيده دون الآخر ، وبالجملة يكون بيده خاصّة عرفا ـ فيحكم بما فيه له وإن كان ممّا يصلح للآخر أو مشتركا ، إلاّ إذا كان إغلاقه وفتحه بأمر الآخر أو بإذنه ، أو لأجل مصلحته ، أي لا يكون بحيث لا يقال عرفا : إنّه بيت ذلك أو مخزنة ، ويده عليه دون الآخر.

وكذا لو كان في البيت صندوق ، هو ملك أحدهما ومفتاحه بيده ، ولا يدخل الآخر يده عليه بدون رضاه.

ج : وأيضا يختصّ الحكم بمتاع البيت أو الدار الذي هما يسكنانه ويتردّدان فيه لا غير ذلك ، كما يظهر من التعليل الوارد في صحيحة البجلي ، حيث قال : « يهدى إلى بيت زوجها » (٢) ، وكذا يظهر من صحيحة رفاعة وموثّقة سماعة (٣).

وأمّا قوله في موثّقة يونس : « ما كان من متاع النساء » وكذا قوله : « وما كان من متاع الرجال والنساء » فلا بدّ له من قيد ، مثل قوله : ما كان متعلّقا بهما ، أو : بيدهما ، أو : في بيتهما ، أو نحو ذلك. وحيث لا يعلم القيد‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٣٦٧.

(٢) المتقدمة في ص : ٣٦٨.

(٣) المتقدمتان في ص : ٣٦٦ و ٣٦٧.

٣٨٠