مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

ليس للوكيل والوليّ إلاّ الإتيان بمصلحة الموكّل والمولّى عليه ، ولا مصلحة في ردّ الحلف.

ولا يترتّب أيضا على جوابه ـ بأنّه ليس لموكّلي ، أو لمن لي الولاية عليه ـ ما يترتّب على جواب صاحب الحقّ بذلك ، لأنّه إقرار على الغير.

فإن قيل : فعلى هذا فما فائدة مطالبة الجواب عن الوكيل والولي؟ بل ما فائدة الدعوى عليهما؟! بل يحكم حينئذ للمدّعي كما يحكم على الغائب له.

قلنا : فائدته أنّه لعلّه يجيب بإبراء ، أو ردّ ، أو نقل ويثبته ، أو يستحلف إن كان وكيلا فيه. وكذا يظهر في جرح الشهود وتعارض البيّنات ونحوها.

ويظهر من ذلك أنّه لو باع أمين شخص شيئا منه لزيد ، فادّعى زيد بعده العين ، أو اشتراط خيار في العقد ، أو نحوهما ، ولا بيّنة ، لا تسلّط له على حلف الأمين. وكذا لو اشترى له.

٣٢١

البحث الثاني

فيما إذا كان المدّعي غير صاحب الحقّ‌

وفيه أيضا مسائل :

المسألة الاولى : لو كان المدّعي وكيل صاحب الحقّ ، وكان هو غائبا ، وأقام الوكيل البيّنة له ، وثبتت دعواه‌ ، فقال الغريم : أبرأني صاحب الحقّ ، أو : وفيته حقّه ، وأراد التأخير إلى حضور الموكّل واستحلافه ، ففي إلزامه على الحقّ أو تمكّنه وجهان :

الأول : مختار الشرائع والتحرير ـ وإن احتمل فيه التوقّف أخيرا ـ والقواعد والإرشاد والإيضاح (١) وغاية المراد والمحقّق الأردبيلي والمعتمد ، وبعض المعاصرين (٢) ، ومال إليه في المسالك (٣) ، وحكي عن القفال من العامّة (٤).

وهو الأقرب ، لثبوت الحقّ على الغريم ، ولا يبطل بالاحتمال المخالف للأصل.

قيل : ولأنّ دعوى الغريم على الموكّل فلا تسقط دعوى آخر به ، ولأنّ ذلك يوجب انتفاء فائدة التوكيل ، لإمكان هذه الدعوى لكلّ خصم ، وهو ـ مع أنّه خلاف المعلوم من المذهب ـ مستلزم للعسر والحرج (٥).

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٨٦ ، التحرير ٢ : ١٨٧ ، القواعد ٢ : ٢١٦ ، الإيضاح ٤ : ٣٥٨.

(٢) غنائم الأيام : ٦٨٩.

(٣) المسالك ٢ : ٣٧١.

(٤) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٣٧١.

(٥) غنائم الأيام : ٦٨٩.

٣٢٢

وفيهما نظر ، أمّا الأول فلرجوع الدعوى إلى الوكيل أيضا بعدم استحقاقه الأخذ لأجل إبراء موكّله أو أخذه ، بل الدعوى معه حقيقة وما تشبّث به مستند دعواه.

وأمّا الثاني ، فلأنّ مجرّد الإثبات أيضا فأيده عظيمة ، إذ لعلّ الموكّل لا يتمكّن منه بعد ذلك.

ولم أعثر على مصرّح بالوجه الثاني ، نعم ظاهر الكفاية التوقّف (١) ، وليس لهذا الوجه دليل تامّ.

وهل يسلّم المال إلى الوكيل مع الكفيل ، أو بدونه؟

استقرب الأردبيلي الأول ، لأنّ فيه جمعا بين الحقّين.

والوجه : الثاني ، للأصل ، وعدم ثبوت حقّ للغير يلزم جمعه.

هذا إذا لم يكن الوكيل وكيلا مطلقا ، أو في خصوص دعوى الإبراء أو الدفع أيضا ، وإلاّ فاللازم عدم إلزامه الغرامة حتى تتمّ الدعوى الثانية ، كذا قيل (٢).

وهو حسن إن لم يعزل نفسه بعد إثبات الدعوى الأولى ، إلاّ أنّه لو عزل لم يتسلّط على المطالبة أيضا ، إلاّ أن يقال بجواز عزله في بعض ما وكّل فيه.

هذا كلّه إذا لم يصبر الوكيل ، وإلاّ فيجوز له التأخير عن أصل الدعوى وعن المطالبة ، لعدم لزوم فعل ما وكّل فيه عليه ، إلاّ أن يكون قد أوجب على نفسه بوجه من الوجوه ، فتأمّل.

ثمَّ إنّ إلزام الغريم على دفع المال إنّما هو إذا كان الوكيل وكيلا في‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٦٩.

(٢) غنائم الأيام : ٦٨٩.

٣٢٣

الأخذ أيضا ، وإلاّ فيكتفى بإلزامه الغريم على إيصال المال إلى مالكه.

فرع : قد مرّ سابقا سماع دعوى الوكيل بالوكالة الادّعائيّة ، فإن أثبت دعواها بالبيّنة يحكم بها ، ولكن لا يردّ إليه المال ولو ادّعى الوكالة في أخذه ، لعدم الدليل. وإن لم يثبت بالبيّنة فله إحلاف الغريم ، لعمومات اليمين على المنكر. فإذا جاء صاحب الحقّ ، فإن قبل الوكالة فهو ، وإلاّ فإن اتّفق الثلاثة على عدم التوكيل لغي الحكم ، وإن اختلفوا فهي دعوى اخرى يحكم فيها بمقتضى الشريعة.

فإن قيل : اليمين حقّ لصاحب الحقّ ، فلا يجوز لغيره مطالبته وإسقاطه بلا دليل ـ كالمال ـ سيّما إذا أنكر الغريم الوكالة.

قلنا : هو يطلب حقّ نفسه ، لأنّ الوكيل ـ ولو كان ادّعائيّا ـ حقّا على الغريم من جهة عمومات البيّنة والحلف والحكم ، فهذا الحلف حقّ له من جهة كونه مدّعيا ، فيطالبه ، فإن قبله صاحب الحقّ فهو ، وإلاّ فله المطالبة أيضا ، فتأمّل.

المسألة الثانية : لو كان صاحب الحقّ في زمن الغيبة الإمام الغائب عليه‌السلام ، كأن يكون لميّت لا وارث له مناسبا دينا على غيره ، أو اعترف أحد حال حياته بالاشتغال بالمظالم المجهول مالكها ـ على القول بكونها مالا للإمام ، أو علم اشتغاله بها من جهة أخرى ، أو علم ذلك على حيّ ـ فإن كان النائب العامّ عالما بالدين والمظالم وببقائهما وكذّب المنكر فله الحكم بوجوب الأداء ومطالبته منه وأخذه ، لا من باب القضاء والترافع ، بل من باب الأمر بالمعروف ونحوه ممّا مرّ في بحث حكم الحاكم بعلمه ، ولكن حصول مثل ذلك العلم له نادر جدّا.

فإن أنكر الغريم ولم يتمكّن النائب العالم عن استيفاء الحقّ عن الإمام‌

٣٢٤

بنفسه ترافع معه بنصب وكيل أو نائب آخر ، فإن أقام البيّنة حكم له ، وإلاّ فله حلفه إن رأى المصلحة للحقّ ، وله ترك الدعوى مع المصلحة ، وله المصالحة معها أيضا.

وإن لم يعلم به النائب ، فإن كانت هناك بيّنة فللنائب الادّعاء الظنّي ، فيترافعان عند حاكم آخر ـ لعدم دليل على نفوذ حكمه فيما ادّعاه بنفسه ـ أو يوكّل غيره من جانب الإمام لا من جانب نفسه ، فيترافع ذلك الغير والمدّعى عليه عنه ذلك الحاكم ، ويحكم بمقتضاه.

فإن ثبت بالبيّنة فيحكم ، وإلاّ فله إحلافه بالظنّ الحاصل من البيّنة الغير المقبولة ، أو الشاهد الواحد ، أو كونه في روزنامجته (١) ، أو غير ذلك.

فإن حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل ثبت عليه الحقّ ، ولا ردّ هنا.

وإن اعترف بالحقّ وادّعى الأداء فعليه الإثبات ، وإن لم يثبت فعليه الأداء ، لأدلّة النكول ، من دون يمين على المدّعي ، للأصل. وكذا لا يمين على المدّعي إن كان هناك شاهد واحد ، بل يتوجّه اليمين على المدّعى عليه ، إمّا يحلف فيتخلّص ، أو ينكل فيحكم عليه.

ثمَّ إنّ الإحلاف فيما له ذلك ليس واجبا مطلقا ، بل قد يجب وقد لا يجب ، بل قد لا يجوز ، وإنّما يتبع ذلك مصلحة حقّ الإمام.

وقال الشيخ في المبسوط هنا بحبس المدّعى عليه حتى يعترف ، أو يحلف (٢). وهو مبني على عدم حكمه بالنكول ، وكذا حكم في الدروس أيضا (٣).

__________________

(١) كلمة فارسية تعني : دفتر المذكّرات اليومية.

(٢) المبسوط ٨ : ٢١٤.

(٣) الدروس ٢ : ٩٠.

٣٢٥

واستشكل المحقّق في الشرائع فيه بأنّ الحبس عقوبة لم يثبت موجبها (١).

واستوجه في المسالك القضاء بالنكول (٢) ، ولو لم يقل به في غير ذلك الموضع.

وإن كان المال المدّعى أنّه للإمام عينا مجهولا مالكها ، وادّعى أحد أنّها له ، فيحكم بها له ، إذ كلّ عين ادّعاها أحد ولم يعرف مالكها فيحكم بها له ، ولا يفيد علم الحاكم أو الشاهد ، لأنّ غايته أنّهما لا يعرفان مالكها.

نعم ، لو فرض علمهما بكذبه أنّه مالكها بوجه من الوجوه فيفيد ، ولكن من أين يحصل ذلك العلم؟!

المسألة الثالثة : لو كان المدّعي وصيّا لميّت وادّعى وصيّته للمساكين ، فإن أقام البيّنة فيحكم ، وإلاّ فله إحلاف الوارث ، فإن حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل ثبت الحقّ ـ كما نقله في المسالك عن قوم (٣) ـ لأدلّة ثبوت الحقّ بالنكول ، واستوجهه في المسالك هنا أيضا وإن لم يقل بالحكم بالنكول في غيره.

ولا ردّ هنا ، ولا يمين جزء البيّنة إذا كان هناك شاهد واحد.

وقيل : يحبسهم حتى يحلفوا أو يعترفوا (٤). وإليه ذهب في المبسوط والدروس (٥). ولا دليل عليه ، ولذا قال في القواعد في هذه المسألة وفي‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٩٢.

(٢) المسالك ٢ : ٣٧٥.

(٣) المسالك ٢ : ٣٧٥.

(٤) حكاه في المبسوط ٨ : ٢١٤ بقوله : وقال آخرون يحبس الورثة حتى يحلفوا أو يعترفوا.

(٥) المبسوط ٨ : ٢١٤ ، الدروس ٢ : ٩٠.

٣٢٦

سابقتها : إنّ فيه نظرا (١).

وأمّا إحلاف الفقير فلم يقل به أحد ، ولا وجه له أيضا ، لعدم تعيّن الحقّ لفقير خاصّ.

ولو تعدّد الوارث واعترف البعض ثبتت حصّته ، ويعمل في الباقي بما مرّ.

ولو كان المدّعي وصيّا على الثلث وادّعى دينا لميّت ، فكذلك أيضا.

ولو كان وصيّا على طفل ، فادّعى دينا على رجل ولا بيّنة له ، يستحلف الرجل ، فإن حلف يسقط ، وإن نكل يثبت.

وقيل : إن لم يحلف توقّف الدعوى حتى يبلغ الطفل ويحلف ويحكم له (٢).

ولا وجه له ، وإن قال في المسالك : إنّه الذي يقتضيه مذهبنا. ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى مذهبهم في ردّ اليمين على المدّعي مع النكول ، وحينئذ كان للإيقاف وجها ، وكذا إذا كان له شاهد واحد كما مرّ.

المسألة الرابعة : قال في الشرائع والمسالك : إنّه لو كان للميّت دين على آخر‌ ، فالمحاكمة والمرافعة فيه للوارث وإن كان على الميّت دين يحيط بالتركة أو يزيد عليها ، وليست المحاكمة حينئذ للغرماء ، واستدلاّ بأنّ الوارث إما مالك أو قائم مقام المالك (٣).

قال في المسالك : وعلى هذا ، فلو توجّه اليمين مع الشاهد أو يردّ الغريم فالحالف هو الوارث وإن كان المنتفع بالمال هو المدين (٤). انتهى.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢١٢.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٣٧٥.

(٣) الشرائع ٤ : ٩٢ ، المسالك ٢ : ٣٧٥.

(٤) المسالك ٢ : ٣٧٥.

٣٢٧

ونسب في الكفاية ذلك إلى الأصحاب ، مشعرا بدعوى الوفاق ، بل تشعر به نسبة الخلاف إلى بعض العامّة خاصّة ، قال : لا يحلف ليثبت مالا لغيره.

قالوا : فلو ادّعى غريم الميّت مالا له على آخر مع شاهد ، فإن حلف الوارث ثبت ، وإن امتنع الوارث من الحلف لم يكن للغريم الحلف عند الأصحاب ، وعلّل بأنّ التركة تنتقل إلى الوارث ، أو تكون على حكم مال الميّت ، وعلى التقديرين خارجة عن ملك الغريم. وفيه خلاف لبعض العامّة. ولا يجبر الوارث على الحلف (١). انتهى.

ويشعر أيضا كلام المسالك بدعوى الوفاق ، حيث قال : وإن امتنع الوارث من الحلف لم يكن للغريم الحلف عندنا ، لأنّه لا يثبت بيمينه مالا لغيره (٢).

وقال بعض الفضلاء المعاصرين : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

قال في القواعد في هذه المسألة : المحاكمة للوارث على ما يدّعيه لمورّثه وعليه ، ولو أقام شاهدا حلف هو دون الديّان ، فإن امتنع فللديّان إحلاف الغريم ، فيبرأ منهم لا من الوارث ، فإن حلف الوارث بعد ذلك كان للديّان الأخذ من الوارث إن أخذ. وهل يأخذون من الغريم؟ إشكال (٣). انتهى.

أقول : ما ذكره ـ وكذا ذكره غيره (٤) أيضا من ثبوت الإحلاف للغريم‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٧٣.

(٢) المسالك ٢ : ٣٧٧.

(٣) القواعد ٢ : ٢١٢.

(٤) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٤٢.

٣٢٨

مع امتناع الوارث عن الحلف ـ ينافي نفي المحاكمة للغريم مطلقا ، بل يثبت له حقّا فيها أيضا وإن قدّم الوارث وخصّ الغريم بالإحلاف دون الحلف.

بل تنظّر شيخنا الشهيد قدس‌سره في الدروس في نفي الحلف عن الغريم أيضا ، قال : ولا يمين لإثبات مال الغير ، وفيما له به تعلّق نظر ـ كغريم الميّت إذا أقام له شاهدا بدين ، والمرتهن إذا أقام شاهدا بملك الراهن ، وامتنع من اليمين ـ من النفع ، ومن ثبوت الملك أولا للغير (١). انتهى.

ثمَّ أقول أولا : إنّهم ـ كما ذكر ـ فرّعوا اختصاص المحاكمة بالوارث وإثبات الحلف له دون الغريم بأنّه لا يمين لإثبات مال الغير ، مع أنّه جار في الوارث أيضا على القول بعدم انتقال التركة إلى الوارث ، كما هو الحقّ المشهور ، فإنّه على ذلك القول إمّا يكون مال الديّان ، أو في حكم مال الميّت ، وعلى التقديرين ليس مالا للوارث.

والقول ـ بأنّه ينتقل أولا إلى الوارث ثمَّ منه إلى الغريم ـ قول بلا دليل ، كيف؟! وقد قال الله سبحانه ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٢).

ومخالفة ظاهر الآية ببعض الاعتبارات الوهمية لا وجه له.

والقياس على المفلس ضعيف ، فإنّ المال ثابت كونه له ، والتفليس لم يخرجه من ماله ، بخلاف المورد.

وكونه في حكم مال الميّت لا يجعله مال الوارث.

وكونه قائما مقام الميّت مطلقا ممنوع ، سيّما فيما إذا لم ينتقل إليه شي‌ء ، ولو سلّم فثبوت جميع أحكامه له ممنوع ، ولو سلّم فحلف الميّت‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٩٥.

(٢) النساء : ١١.

٣٢٩

في إثبات ما في حكم ماله لو كان حيّا ممنوع ، وإنّما هو لإثبات ماله ، مع أنّ عدم الانتقال إلى الديّان أيضا محلّ كلام.

وغاية ما يستدلّون به له أنّهم لو أبرءوا الميّت عن الدين ينتقل المال إلى الوارث ، ولا شي‌ء من مال الشخص ينتقل بالإبراء إلى غيره.

وهو استدلال ضعيف ، إذ لأحد أن يقول : إنّ الإبراء ليس بناقل ، بل هو سبب لبراءة ذمّة الميّت ، فهي رافع للمانع عن الانتقال ، وسبب الانتقال الإرث الخالي من المانع.

وثانيا : إنّ المحاكمة والحلف والإحلاف لا تختصّ بإثبات المال ، بل تجري في دعوى الحقوق والتعلّقات أيضا ، ومن البديهيّات أنّ هذا المال لو ثبت لكان للديّان فيه حقّ وتعلّق ولو كان هو الانتقال إليه بعد النقل إلى الوارث ، وهذا أيضا نفع وحقّ يقع فيه النزاع والتحاكم ، فتكون المحاكمة والحلف من الغريم لإثبات حقّ الغريم بنفسه لا حقّ الغير. وإلى ذلك أشار في الدروس بقوله : من النفع (١).

وثالثا : إنّ جميع أدلّة سماع الدعوى وإثبات حقّ المرافعة للمدّعي وأدلّة الحلف والإحلاف والردّ شاملة للغريم هنا ، فلا وجه لرفع اليد عنها ، بل في شمولها للوارث نظر ظاهر ، إذ لا يعدّ عرفا في مثل ذلك المال أنّه حقّ الوارث.

ورابعا : إنّ في تخصيص المحاكمة والحلف والإحلاف بالوارث وعدم اعتناء فيه بالغريم ضررا وإضرارا ظاهرين على الغريم ، فإنّ الوارث ربّما لا يحلف ولا يستحلف ، بل لا يقيم البيّنة أيضا إذا علم أنّه لا ينتفع‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٩٥.

٣٣٠

بها ، وهو منفيّ في الشريعة المقدّسة ، بل ربّما يكون الوارث غائبا مفقود الخبر ، أو صغيرا ، أو امرأة غير عالمة بالدين ، والغريم عالم به.

ومنه يظهر أنّ الحقّ : أنّ المدّعي إذا كان الدين محيطا بالتركة هو الغريم ، وله الترافع والحلف والإحلاف ، وما ذكره في الكفاية والمسالك (١) ليس صريحا في دعوى الإجماع ، بل ولا ظاهرا فيه أيضا ، ولو كان صريحا لم تكن فيه حجّية ، سيّما مع مخالفة الفاضل وعدم موافقة الشهيد (٢) بل عدم تعرّض كثير من الأصحاب له.

وهل للوارث المحاكمة والحلف والإحلاف أيضا ، أم تختصّ بالغريم؟

الأول محتمل أيضا ، لنوع تعلّق للوارث به ولو من جهة إيجاب استيفائه براءة مورّثه ، ( أو إيجاب إبراء ) (٣) من الغريم ، للانتقال إليه واستخلاص المال له لو ظهر بعده مال آخر ، وكونه في حكم مال مورّثه ، وكون نماؤه ـ لو كان ـ زائدا عن الدين له ، إلى غير ذلك.

وعلى هذا ، فلو تحاكم الغريم وأخذ المال بالبيّنة أو الحلف لا تسلّط للوارث أصلا.

ولو تحاكم الوارث وأخذه كان الغريم أخذه منه ، أو من الذي عليه المال ، وليس له المرافعة ثانيا.

ولو تحاكم الغريم وأسقط دعواه بالإحلاف كان للوارث التحاكم ، فإن أخذ هو المال يكون للغريم الأخذ منه.

ولو تحاكم الوارث وأسقط دعواه بالإحلاف فللغريم التحاكم أيضا ،

__________________

(١) الكفاية : ٢٧٣ ، المسالك ٢ : ٣٧٧.

(٢) الفاضل في القواعد ٢ : ٢١٢ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٩٥.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق » : وإيجاب الإبراء.

٣٣١

لأنّ إحلاف شخص لا يسقط إلاّ ما يتعلّق بنفسه.

فرع : لو أحاط دين جماعة بالتركة فادّعى آخر بأنّ له على الميّت دينا ، فتشارك الغرماء بقدر نصيبه ، فهل يتحاكم مع سائر الغرماء ، أو مع الوارث؟

الظاهر : جواز محاكمة كلّ منهما معه ، ويظهر حكمه بعد الترافع ممّا مرّ ، فتأمّل. والله العالم.

٣٣٢

الفصل الخامس

في نبذ من أحكام الدعاوي في الأعيان‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قيل : ظاهر اليد يقتضي الملكيّة ما لم تعارضه البيّنة‌ ، بلا خلاف فيه يوجد ، وربّما كان ذلك إجماعا ، بل ضرورة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة :

منها : ـ زيادة على ما تأتي إليه الإشارة في بحث تعارض البيّنة ـ الخبر المرويّ في الكتب الثلاثة ، وفيه : أرأيت إذا رأيت [ شيئا ] في يد رجل أيجوز [ لي ] أن أشهد أنّه له؟ فقال : « نعم » قلت : فلعلّه لغيره ، قال عليه‌السلام : « ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ، ثمَّ تقول بعد الملك : هو لي ، وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟ » ثمَّ قال عليه‌السلام : « ولو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق » (١).

وقريب منه الخبر المرويّ في الوسائل عن تفسير عليّ بن إبراهيم صحيحا ، وعن الاحتجاج مرسلا ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام في حديث فدك : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : تحكم فينا بخلاف حكم الله‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣١ ـ ٩٢ ، وفي الكافي ٧ : ٣٨٧ ـ ١ ، والتهذيب ٦ : ٢٦١ ـ ٦٩٥ ، والوسائل ٢٧ : ٢٩٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٥ ح ٢ : ..؟ قال : نعم ، قال الرجل : أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له ، فلعلّه لغيره ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أفيحلّ الشراء منه؟ قال : نعم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز لك أن .. ، وما بين المعقوفين ليسا في « ح » و « ق » ، أضفناهما من المصادر.

٣٣٣

تعالى في المسلمين؟ قال : لا ، قال : فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه ، قال : فإذا كان في يدي شي‌ء فادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟! » الخبر (١). انتهى (٢).

أقول : في شرح المفاتيح أيضا ادّعاء الاتّفاق على أصل الاقتضاء.

ثمَّ أقول : الرواية الأولى هي رواية حفص بن غياث ، وهي وإن كانت ضعيفة إلاّ أنّ الرواية معتبرة ، لوجودها في الأصول المعتبرة ، ومع ذلك بعمل الأصحاب منجبرة ، وبالرواية الأخرى وغيرها معتضدة.

وتدلّ عليه أيضا موثّقة يونس بن يعقوب : في المرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة ، قال : « ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجل والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » (٣).

ولا شكّ أنّ الاستيلاء على الشي‌ء يتحقّق بكونه في يده ، والاختصاص بمتاع البيت غير ضائر ، لعدم الفاصل.

ويمكن أن يستدلّ على المطلوب أيضا برواية مسعدة : « كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل ثوب‌

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ : ١٥٦ ، الاحتجاج : ٩٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٥ ح ٣ ، بتفاوت.

(٢) الرياض ٢ : ٤١٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

٣٣٤

يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة » (١).

وتدلّ عليه أيضا رواية حمزة بن حمران : أدخل السوق فأريد أن أشتري جارية فتقول : إنّي حرّة ، فقال : « اشترها ، إلاّ أن تكون لها بيّنة » (٢).

وصحيحة العيص : عن مملوك ادّعى أنّه حرّ ولم يأت ببيّنة على ذلك ، أشتريه؟ قال : « نعم » (٣).

فلا كلام في أصل المسألة ، وإنّما الكلام في مواضع :

الأول : في معنى اليد‌ ، فإنّه قد يتصوّر أنّ معنى اليد في هذا الكلام ليس على حقيقته ، بل المراد المعنى المجازي ، ولعدم انحصاره في معنى خاصّ إمّا يدخله الإجمال ، أو يحمل على أقرب المجازات ، وهو أيضا لا يخلوعن إبهام وإجمال.

وفيه : أنّ اليد وإن كانت حقيقة في العضو المخصوص إلاّ أنّها في هذا التركيب ليست مجازا ، لأنّ هذا التركيب حقيقة في معنى خاصّ يعرفه أهل المحاورات بقرينة التبادر وعدم صحّة السلب ، فيجب الحمل عليه.

ولا شكّ في صدق الكون في اليد عرفا فيما كان تحت اختياره ويتصرّف فيه التصرّفات الملكيّة ـ كالبيع ، والإجارة ، والإعارة ، ونحوها ـ

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢١١ ـ ١٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٣ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٠ أبواب بيع الحيوان ب ٥ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ١٤٠ ـ ٦١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٤ ـ ٣١٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٥٠ أبواب بيع الحيوان ب ٥ ح ١.

٣٣٥

وكذا فيما يستعمله وينتفع به ويتصرّف فيه بالإفساد والإصلاح ، كالركوب والحمل في الدابّة ، والعمارة والتخريب في الدار ، والغرس والزرع في الأرض ، وهكذا. ومن وجوه الاستعمال : وضع متاعه ، أو جنس آخر ، بل مطلق ماله فيه ، للصدق العرفي.

وهل تصدق اليد على شي‌ء بكونه في مكانه المختصّ به تملّكا أو استئجارا أو عارية ، كغلّة في بيته ، أو دابّة في مذوده (١) ، أو متاع في دكّته؟

الظاهر : نعم ، للصدق العرفي.

وأمّا في كون ماله فيه من غير وضعه فيه أو عدم ثبوت ذلك ـ كمذود فيه دابته ، أو دار فيها متاعه ـ يدا نظر ، الظاهر : العدم ما لم يعلم أنّه بنفسه وضعه ، للشّك في صدق الاسم ، فلو كانت هناك دابّة عليها حمله الذي حمله بنفسه عليها تصدق اليد على الدابّة ، بخلاف ما إذا كان عليها حمله ولم يثبت أنّه حمله عليها ، أو حمله غيره الذي يدّعي الدابّة وبيده لجامها.

وهل يكون إغلاق باب الدار ونحوها وكون مفتاحها في يده يدا؟

الظاهر : نعم ، لو كان هو الذي أغلق الباب وأخذ المفتاح.

وقد تتعارض الأمور الموجبة لصدق اليد في مال ، كما إذا كان متاع زيد في الدار وأغلق عمرو بابها ، أو تكون دابّة في حصار وعليها حمل الغير ، أو زمامها في يد الغير ، ونحو ذلك. ويجب الرجوع إلى العرف في الصدق في أمثاله.

ومن صور التعارض : ما إذا كان طريق في دار زيد ويسلكه عمرو فادّعى ملكيّته ، والظاهر حينئذ ترجيح السالك. ومنه : الدابّة عليها حمل زيد‌

__________________

(١) المذود : معلف الدابّة ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٦.

٣٣٦

ولجامها بيد عمرو.

ومن باب التعارض : ما اتّفق في هذه الأيّام في قريتنا ، فكانت فيها دار فيها طريق يعبر عنه عامّة الناس ، فسدّ مالك الدار الطريق ولم ينازعه أحد من العابرين إلاّ واحد ، فزاحمه وادّعى الملكيّة متشبّثا باليد الحاصلة من العبور ، فمنعنا صدق اليد له عليه ، لعدم ثبوت ما كان ينتفع به منه أمرا مخصوصا به تصدق لأجله يده عليه.

ومنه يعلم أنّه لو لم يكن ذلك الطريق في ملك شخص معلوم ، وادّعى أحد ملكيّته ، ونازعه واحد من العابرين لأجل نفسه لا للعامّة ، لأجل يد العبور ، لا يصلح لمزاحمته ، لعدم كون ذلك يدا ، وإن جاز له مزاحمته لكونه طريقا مسلوكا له ولغيره.

ثمَّ لا يتوهّم أنّ ما ذكرنا ـ من عدم توقّف صدق اليد على التصرّفات الملكيّة ـ يخالف ما ذكره جماعة في بحث ما يصير به الشاهد شاهدا من الإشكال في جواز الشهادة بالملكيّة بدون مشاهدة التصرّفات ، كصاحب الكفاية ، بل المحقّق (١) ، بل قد يستشكل مع التصرّفات أيضا ، ونقل التردّد فيه عن المبسوط (٢) ، لأنّ اليد شي‌ء ، والشهادة على الملكيّة شي‌ء أخر. ولذا تراهم جميعا يقولون : اليد المنفردة عن التصرّف هل تصحّح الشهادة على الملكيّة ، أم لا؟ فيثبتون اليد ، ويختلفون في الشهادة ، بل قد يثبتون اليد ويضمّون معها التصرّف أيضا.

وكذا لا ينافي ما ذكروه مع ما سنذكره من اقتضاء مطلق اليد أصالة الملكيّة ، كما أنّ استصحابها أيضا يقتضي أصالتها مع الاختلاف في جواز‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٨٤ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ١٣٤ ، المختصر : ٢٨٩.

(٢) المبسوط ٨ : ١٨١ ـ ١٨٢.

٣٣٧

الشهادة بالملكيّة الاستصحابيّة. ولذا اتّفقوا على أنّ ما كان في يد مورّث شخص ولم يعلم حاله يحكم بملكيّته له ، ويجوز اشتراؤه منه ولو لم تجز الشهادة له بملكيّة مورّثه.

الثاني : المراد بكون اليد ظاهرة في الملكيّة واقتضائها لها : أنّها الأصل فيها ، لا أنّها الدليل عليها‌ ، فلا يخرج عن مقتضاها بلا دليل مخرج ، ولا يعارض دليلا أصلا ، بل ترفع اليد عنه مع الدليل ، كما هو الشأن في الأصول ، ولذا لو لا أنّه ورد من الشرع الحلف على المنكر لو لا البيّنة لما حكمنا به.

والدليل على ذلك الإجماع ، وأخبار سؤال البيّنة عن المنازع (١) والحكم بها ، وقوله في رواية مسعدة المتقدّمة : « حتى يستبين لك غير ذلك » (٢) ، وبها تقيّد الإطلاقات أيضا.

الثالث : لا شكّ في أنّه يشترط في اقتضاء اليد أصالة الملكيّة عدم انضمام اعترافه بعدم الملكيّة بالإجماع‌ ، فإنّه دليل مخرج عنها.

وهل يشترط انضمام ادّعائه الملكيّة ، أم لا؟

الظاهر : الثاني ، لعموم صدر رواية حفص المتقدّمة (٣) ، الحاصل من ترك الاستفصال ، وموثّقة يونس السابقة (٤) ، بل لظاهر الإجماع ، ولذا يحكم بملكيّة ما في يد الغائب ـ وكان في يد المتوفّى ـ له ، ويحكم بكونه ميراثا منه ما لم يعلم خلافه ، ويجوز الانتفاع بما في يد أحد مع إذنه من دون‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٣٣٥.

(٢) راجع ص : ٣٣٤.

(٣) في ص : ٣٣٣.

(٤) في ص : ٣٣٤.

٣٣٨

سؤال ادّعائه الملكيّة وعدمه.

نعم ، الظاهر اشتراط عدم انضمام ادّعاء عدم العلم بملكيّته أيضا ، فلو قال ذو اليد : إنّي لا أعلم أنّه ملكي أم لا ، لا يحكم بملكيّته ، لأنّ الثابت من اقتضاء اليد الملكيّة غير ذلك المورد.

أمّا الإجماع فظاهر ، وأمّا أخبار طلب البيّنة من مدّعيه فكذلك أيضا.

وأمّا الروايتان المتقدّمتان (١) فلظهورهما في ذلك ، بل قوله في الثانية : « يملكونه » صريح فيه ، كما أنّ قوله في الأولى : « صار ملكه إليك من قبله » ظاهر فيه أيضا.

وأمّا الموثّقة (٢) فلإمكان منع صدق الاستيلاء عليه في مثل ذلك الشي‌ء.

مضافا إلى رواية جميل بن صالح الصحيحة عن السرّاد : رجل وجد في بيته دينارا ، قال : « يدخل منزله غيره »؟ قلت : نعم كثير ، قال : « هذه لقطة » قلت : [ فرجل وجد ] في صندوقه دينارا ، قال : « يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ » قلت : لا ، قال : « فهو له » (٣).

فإنّه حكم فيما هو في داره الذي لا يعلم أنّه له مع كونه في يده على ما مرّ ، ومستوليا عليه أنّه ليس له ، وأيضا علّل كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد العلم بأنّه ليس لغيره.

وإلى موثّقة إسحاق بن عمّار : عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة‌

__________________

(١) في ص : ٣٣٣ و ٣٣٤.

(٢) المتقدمة في ص : ٣٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٧ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ ـ ٨٤١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ ـ ١١٦٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٦ أبواب اللقطة ب ٣ ح ١ ، بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : فوجد ، وما أثبتناه من المصادر.

٣٣٩

فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : « [ يسأل ] عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها » قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : « يتصدّق بها » (١).

فإنّه لا شكّ أنّ الدراهم كانت في تصرّف أهل المنزل على ما عرفت ، ولو أنّهم قالوا : لا نعلم أنّها لنا أو لغيرنا ، فيصدق أنّهم لا يعرفونها ، فلا يحكم بملكيّتها لهم.

ومن ذلك يعلم أنّ اليد لا تكفي في حكم ذي اليد لأجلها لنفسه إن لم يعلم ملكيّته ، ولكنّ المراد بعدم علمه الملكيّة : عدم علمه بالملكيّة الشرعيّة لا الواقعيّة ، فإنّ الغالب أنّ الوارث لا يعلم حال ما انتقل إليه من مال مورّثه ، والمشتري في السوق لا يعلم أنّه من مال البائع ، إذ ربّما سرقة أو غصبه ، فإنّ اليد الخالية عن اعتراف المورّث والبائع بالعلم بعدم الملكيّة أو عدم العلم بالملكيّة الشرعيّة كافية في علم الوارث والمشتري بالملكيّة الشرعيّة.

فلو كان متاع في دكّة أحد ولم يعلم أنّه ممّا ورثه أو اشتراه أو وضعه غيره ، لا يجوز له التصرّف فيه.

وكذا إذا كان في ما خلّفه مورّثه شي‌ء اعترف المورّث بأنّي لا أعلم أنّه منّي أو لا.

وكذا لا يجوز شراء شي‌ء عن شخص كان في يده ويقول : إنّي لا أعلم أنّه من أموالي أو من الغير.

بل يلزم على ذي اليد الفحص ، فإن لم يتعيّن مالكه يكون مجهول‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩١ ـ ١١٧١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٣ ، بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : فاسأل ، وما أثبتناه من المصادر.

٣٤٠