مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

إحضارها ولا حاضرة إقامتها ، بل يجوز له الإحلاف حينئذ أيضا ، بمعنى : أنّ المدّعي الذي له بيّنة مخيّر بين إقامة البيّنة والتحليف ، وللحاكم تخييره بينهما. صرّح به في التحرير (١) ، ونفى بعض مشايخنا المعاصرين عنه الخلاف في صورة عدم حضور البيّنة ، ثمَّ قال : بل ذكر جماعة من دون خلاف بينهم ثبوت الخيار للمدّعي بين إحلافه وبين إقامة البيّنة ولو كانت حاضرة ، لأنّ الحقّ له ، فله أن يفعل ما يشاء منهما (٢). انتهى.

ونسب بعض فضلائنا المعاصرين تخييره مطلقا إلى المستفاد من الأدلّة ، وقال : فلا يتوهّم أنّه مع إمكان إقامة البيّنة لا يجوز التحليف (٣). انتهى.

أقول : وتدلّ عليه صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في المسألة الاولى من الموضع الأول (٤) ، حيث حكم فيها بذهاب اليمين بحقّ المدّعي كلّما رضي بيمين المنكر ، بل صرّح بأنّه كذلك وإن كانت له بيّنة عادلة.

وإطلاق رواية محمّد بن قيس المتقدّمة في المسألة الثانية منه (٥).

ولا تنافيها صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة في المقدّمة (٦) ، حيث قال : « هذا لمن لم تقم له بيّنة » ، لأنّ المشار إليه للفظ « هذا » هو ما تقدّم من الأمر بالإضافة إلى الاسم الدالّ على تعيينه لمن لم تقم له البيّنة ، وهو كذلك ، مع أنّ المذكور فيها عدم إقامة البيّنة لا عدم وجودها ، وأمّا بعد قيام‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٩١.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٣٩٧.

(٣) غنائم الأيام : ٦٨٥.

(٤) راجع ص : ٢٠٥ و ٢٠٦.

(٥) راجع ص : ٢٠٨.

(٦) راجع ص : ٢٠١.

٢٤١

البيّنة فلا شكّ في عدم الحلف.

ولا مرسلة يونس المتقدّمة فيها أيضا (١) ، حيث قال : « فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه » ، لأنّ جزاء الشرط هو كون اليمين متعيّنا ولازما على المدّعى عليه ، كما تدلّ عليه لفظة « على » ، ولا شكّ أنّه فرع عدم البيّنة ، وأما معها فلا يتعيّن عليه ، بل المدّعي بالخيار.

ولا المرويّ عن تفسير الإمام المتقدّم فيها أيضا (٢) ، حيث علّق تحليف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمدّعى عليه بقوله : « وإن لم تكن له بيّنة » ، لأنّ المراد منه : وإن لم يقم البيّنة ، بقرينة ما تقدّم عليه من قوله : « فإن أقام بيّنة » ، ولأنّ المعلّق على عدم البيّنة هو تحليف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو لا ينافي اختيار المدّعي ، فإنّ الحاكم ليس له خيار.

وعلى ما ذكر ، فلو كانت للمدّعي بيّنة وأعرض عنها والتمس اليمين ، أو قال : أسقطت البيّنة واكتفيت باليمين ، فهل يجوز الرجوع قبل الحلف؟

الأظهر الأشهر ـ كما صرّح به بعض من تأخّر (٣) ـ نعم ، لأصالة بقاء الخيار ، وعدم دليل على اللزوم بذلك الاختيار ، وأصالة عدم السقوط بذلك الإسقاط. ولا يعارضها استصحاب بقاء ما ثبت للحاكم بالتماسه من جواز تحليف المنكر أو وجوبه ، لأن المسلّم ثبوته له هو ثبوته ما دام المدّعى عليه باق على ذلك الاختيار.

المسألة الثالثة : إن قال المدّعي : لي بيّنة غائبة ، خيّره الحاكم بين الصبر إلى حضورها وبين الإحلاف‌ ، لما عرفت من كونه مخيّرا بينهما ، فإن‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٠١.

(٢) راجع ص : ٢٠١.

(٣) كالعلاّمة في التحرير ٢ : ١٩١.

٢٤٢

اختار الأول قبل منه ، وقالوا : يؤجّل ويضرب له وقت بمقدار إحضارها ، ومنهم من لم يذكر التأجيل.

وتدلّ على الأول رواية سلمة بن كهيل المتضمّنة لما ذكره أمير المؤمنين عليه‌السلام لشريح : « واجعل لمن ادّعى شهودا غيّبا أمدا بينهما ، فإن أحضرهم أخذت له بحقّه ، وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضيّة » (١).

والقضيّة التي أمر بإيجابها عند عدم الحضور لا تخلوعن إجمال ، فيمكن أن تكون حلف المنكر ، وأن تكون إسقاط الحقّ ، وأن تكون غيرهما ، إلاّ أنّ الظاهر أحد الأولين ، لعدم معهوديّة غيرهما ، بل عدم تصوّره.

ويدلّ على التأجيل أيضا أنّه ربّما أحضر المدّعي عليه من بلد بعيد ، لعدم وجود أهل الترافع في بلدهما ، ويتضرّر المدّعى عليه بالمكث حتى أراد المدّعي إحضار البيّنة ، وبالرجوع والعود أيضا ، ولا يمكنه التوكيل للحلف ، فلا بدّ من تعيين الأمد ، وهو الأظهر.

والحقّ أنّه ليس للمدّعي مطالبة غريمه بالكفيل حتى يحضر البيّنة ، ولا ملازمته ، ولا حبسه ، وفاقا للمبسوط والخلاف والإسكافي والحلّي والقاضي في أحد قوليه (٢) ، وعليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم كما قيل (٣) ، ونسبه بعضهم إلى المشهور مطلقا (٤) ، للأصل ، فإنّ مطالبة الكفيل قبل ثبوت‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٢ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٨ ـ ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٢٥ ـ ٥٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٢١١ أبواب آداب القاضي ب ١ ح ١.

(٢) المبسوط ٨ : ١٥٩ ، الخلاف ٢ : ٦٠٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٩٠ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٥٨ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٨٦.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٣٩٧.

(٤) كما في الكفاية : ٢٦٩.

٢٤٣

الحقّ أمر بلا دليل ، سيّما مع جواز الحكم على الغائب ، وملازمته وحبسه عقوبة قبل حصول السبب لا دليل عليها.

وعن المقنعة والنهاية والقاضي ـ في قوله الآخر ـ والوسيلة والغنية : جوازه له (١) ، بل عن الأخير نفي الخلاف فيه ، حفظا لحقّ المدّعي ، حذرا عن ذهاب الغريم ، ولزوم مراعاة حقّ المسلم في نفس الأمر ، فيجب التكفيل من باب المقدّمة.

وفيه : أنّه لم يعلم ثبوت حقّ نفس أمريّ له ، بل هو مجرّد احتمال ، وهو لا يصلح دليلا ، فأين الحقّ الواجب مراعاته حتى يكون التكفيل مقدّمته؟!

المسألة الرابعة : بعد حضور البيّنة لا يقول الحاكم لهما : اشهدا‌ ، لأنّه إيجاب بلا دليل على الوجوب ، بل يقول : من كان عنده كلام أو شهادة ، أو : إن كان عند كما شهادة ، فليذكر ما عنده إن شاء ، فإن أجابا وشهدا فلينظر في أمر الشهادة : فإن لم تكن الشهادة جامعة لشرائطها ـ الاتّفاقيّة ، كالمطابقة للدعوى ، أو الخلافية على الموافق للراجح في نظره ، من الحسّيّة والعلميّة ، أو الأصليّة والفرعيّة ، أو الاستصحابيّة والحاليّة ، كما تأتي كلّها في باب الشهادات ـ فليطرحها.

وإن كانت جامعة لها فلينظر في حال الشاهدين :

فإن علم عدم كونهما جامعين للشرائط الآتية في باب الشهادة ـ من العدالة ، وانتفاء الشركة ، والتهمة ، والعداوة ، وكثرة النسيان ، والبلوغ ،

__________________

(١) المقنعة : ٧٣٣ ، النهاية : ٣٣٩ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٦٩٠ ، الوسيلة : ٢١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٦.

٢٤٤

ونحوها ممّا يأتي ـ فليطرح شهادتهما أيضا.

وإن علم اجتماعهما لجميع الشرائط قبل شهادتهما وحكم.

وإن جهل كلّ حالهما أو بعضها استكشف عنها بما هو طريق الاستكشاف ، فإذا انكشف الحال فليعمل بمقتضاها من القبول والردّ ، ولو لم ينكشف فليعمل بمقتضى نظره ( في كلّ حال ) (١) من الشرائط ، من أصالة وجوده أو عدمه ، أو اشتراط العلم بالوجود أو عدم العلم بالخلاف ، أو نحو ذلك ممّا يأتي ، ويعمل بمقتضاه.

المسألة الخامسة : إن عرف الحاكم فسقهما لا يطلب التزكية من المدّعي‌ ، لأنّ الجارح مقدّم ، وله العمل بعلمه ، إلاّ أن تكون معرفته استصحابيّة ، أو مستندة إلى ظاهر حال يمكن التخلّف.

فلو أراد المدّعي في الأول إثبات زوال الحالة الاستصحابيّة وتوبته من الفسق المعلوم يسمع ، وكذا لو أراد في الثاني إثبات ما يخالف الظاهر ، كما إذا كان الشاهدان أو أحدهما من شركاء العاشر (٢) ، فإنّ ظاهر حاله حينئذ الفسق ، وأراد المدّعي إثبات أنّه مجبور على ذلك ، وعمله مقصور بما هو مجبور فيه ، أو أنّ مقصوده من الشركة دفع الظلم عن المعشور من ماله وبذل حصّته ، أو إخفاء ماله ، أو نحو ذلك. ونحوه إثبات أنّ مدمن الخمر مجبور ، أو أنّه ـ لمرض منحصر علاجه فيه ـ معذور.

ويمكن الاكتفاء باشتراط معرفة الحاكم في ذلك ، لأنّ معرفته إنّما تكون إذا كان باب تلك الاحتمالات مسدودا عنده عادة ، وأمّا مع احتمال‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق » : في احتمال كلّ ..

(٢) التعشير : وهو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم ، يقال : عشرت القوم عشرا بالضم : أخذت منهم عشر أموالهم ، ومنه العاشر ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٠٤.

٢٤٥

ـ ولو بعيدا ـ فلا يكون عالما.

ولو لم يحتمل الحاكم ولكن ادّعى المدّعي إثباته وخطأ الحاكم يسمع.

المسألة السادسة : قد أشرنا إلى أنّه إن عرف الحاكم عدالتهما واجتماعهما للشرائط حكم بشهادتهما‌ ، ولا أعرف في ذلك خلافا ، بل صرّح بانتفائه جماعة ، منهم صاحب الكفاية (١).

ويدلّ عليه قوله في المرويّ في تفسير الإمام المتقدّم ذكره في المقدّمة : « فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه » (٢) ، ولما مرّ من حكم الحاكم بعلمه مطلقا ، بل قد عرفت أنّ من لم يجوّز عمله بعلمه استثنى هذه الصورة.

ولا يلزم عليه حينئذ سؤال المدّعي عليه أنّه : هل لك جرح فيه أو كلام ، للأصل.

وهل يجوز له ذلك؟

الظاهر : نعم ، لعدم دليل على المنع ، فإن قال المدّعى عليه : لا كلام لي ، أنفذ الحكم ، وإن قال : نعم ، سمع دعواه ، لكونه دعوى ، فيجب سماعها.

وكذا لو ادّعى عليه الجرح من غير سؤال الحاكم ، فإن أثبت ما ادّعاه يطرح الشاهدان ، وإلاّ فيحكم بمقتضى علمه ، إذ لم يرد عليه ما يزيله. ولا حلف له حينئذ على أحد ولو على المدّعي لو أنكر ما ادّعاه من الجرح.

ثمَّ يعزّر المدّعى عليه أو يحدّ إن كان جرحه الذي لم يقدر على إثباته‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٦٤.

(٢) راجع ص : ٢٠١.

٢٤٦

ممّا يوجب أحدهما.

وهل يقبل حينئذ قول المدّعي فقط ولو لم يكن عادلا إذا ذكر ما يوجب جرحه ، لجهله بأنّه يوجب الجرح ، أو لغير ذلك؟

يأتي تحقيقه في باب الشهادات عند بيان ما يثبت العدالة والجرح.

وهل معرفة الحاكم الكافية في المقام : المعرفة العلميّة ، أو تكفي الظنيّة بعد كونها معتبرة شرعا ، كتزكية العدلين قبل ذلك؟

الظاهر : أنّه لا ينبغي الريب في الثاني ، لأنّ الظنّ المعتبر شرعا قائم مقام العلم.

فرع : لو بنى الحاكم فيهما بالعدالة الاستصحابيّة وحكم ثمَّ ظهر فسقهما حال الحكم ينقض الحكم كما صرّحوا به ، لأنّ فقد الشرط يقتضي عدم المشروط ، ووجوده العلميّ إنّما يفيد لوجوب الحكم حال العلم وقد حكم ، لا لتأثير الحكم بعد الانكشاف.

المسألة السابعة : وإن جهل الحاكم حالهما ـ من اجتماع الشرائط وعدمه‌ ـ استكشف عنه بما هو طريق الانكشاف في كلّ شرط ، وقد يكون ممّا يعمل فيه بالأصل ، كما يأتي في موضعه.

وهل يكون إقرار الخصم بالعدالة وباجتماع سائر الشرائط كافيا في الاستكشاف ومثبتا لوجود الشرط ، أم لا؟

فيه خلاف يأتي تحقيقه في باب الشهادات.

وإن لم ينكشف من قول الخصم وكان محتاجا إلى الاستكشاف طلبه من المدّعي حتى تبين الحال بالبيّنة المقبولة أو نحوها.

وهل يتعيّن ذلك على كشف المدّعي وإقامته البيّنة ، حتى لو قال : لا بيّنة لي على تزكية الشهود ـ مثلا ـ أو : لا أعرف شاهدا عليها ، أو قال‌

٢٤٧

يتعسّر عليّ ذلك ، أو قال : لا أفعل ، سقطت الشهود ويطرح الحاكم شهادتهما؟

أو طلبه من المدّعي أحد طرق فحص الحاكم ، فله الفحص من غير جهة المدّعي ، بل عليه ذلك لو لم يفعل المدّعي؟

الظاهر : الثاني ، كما يأتي في باب الشهادات ، ويدلّ عليه فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرويّ في تفسير الإمام عليه‌السلام (١).

ثمَّ لو أقام المدّعي البيّنة على التزكية ، أو استكشف الحاكم من جهة غيره ، قالوا : يطلب الحاكم من المنكر الجرح ، فإن أرادوا لزومه فلا أرى عليه دليلا ، إلاّ إذا علم جهله باستحقاقه الجرح لو كان ، حيث إنّ إهمال ذكره يوجب بطلان حقّه ، مع تأمّل فيه أيضا. وإن أرادوا جوازه فهو كذلك.

ثمَّ إن اعترف المنكر بعدمه حكم ، وإن ادّعاه بعد طلب الحاكم أو بنفسه قبل الطلب يؤمر بإحضار الجارح ، فإن أحضره يعمل معه كما يعمل مع بيّنة المدّعي من الردّ والقبول والاستكشاف.

وإن استنظر واستمهل قالوا : يمهل ثلاثة أيّام ، أمّا الإمهال فقالوا : لأنّه مقتضى العدل ، ولرواية سلمة المتقدّمة في المسألة الثالثة (٢).

وفيهما نظر ، أمّا الأول فلأنّ العدل يحصل بالحكم ثمَّ الاسترداد إن ثبت الجرح بعد ذلك أيضا ، بل هو أقرب إلى العدل.

وأمّا الثاني ، فلأنّ الظاهر من قوله في الرواية : « فإن أحضرهم أخذت له بحقّه » أنّ المراد شهود المدّعي المطالب للحقّ ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١.

(٢) راجع ص : ٢٤٣.

٢٤٨

وأمّا تقديره بثلاثة أيّام فلم أقف على ما يدلّ عليه ، ويستشمّ من كلام بعضهم احتمال الإجماع عليه (١) ، واستشهد له بعضهم بالإمهال بذلك القدر في بعض الأمور الأخر (٢).

وضعفه ظاهر ، ولذا قيل : لو ادّعى أنّ شهودي على الجرح على مسافة لا يصلون إلاّ بعد الثلاثة ، يمهل الأزيد (٣).

وفيه إشكال ، بل في الثلاثة أيضا ، لثبوت العدالة بالبيّنة ، وأصالة عدم الجرح ، وإمكان التلافي لو أثبته بعد الحكم.

ولو قلنا بالإمهال وطلب المدّعي التكفيل فيما يحتمل الفرار أو الاختفاء أو نحوهما فقبوله هنا أولى منه في إمهال المدّعي لإحضار البيّنة.

والظاهر أنّ له ذلك هنا ، لثبوت حقّه.

فرع : لا بأس بتفريق الشهود إذا ارتاب الحاكم بهم أو احتمل غلطهم ، للأصل ، بل ربّما يستحبّ تأسّيا بالحجج عليهم‌السلام.

وقيل : محلّ التفريق قبل الاستزكاء (٤). ولا بأس به ، لوجوب الحكم فورا بعده إذا طلب المحكوم له.

المسألة الثامنة : إذا أقام المدّعي البيّنة المستجمعة للشرائط فلا يمين عليه‌ ، بلا خلاف فيه كما في الكفاية (٥) وغيره (٦) ، بل بالإجماع كما عن‌

__________________

(١) كما في الرياض ٢ : ٣٩٧.

(٢) كما في مفتاح الكرامة ١٠ : ٨٨. قال : وهو مقدر في بعض المسائل الفقهيّة كما في خيار الحيوان وخيار التأخير وحبس الغريم على مختار الشيخ ..

(٣) كما في الرياض ٢ : ٣٩٧.

(٤) المسالك ٢ : ٣٦٣.

(٥) الكفاية : ٢٦٨.

(٦) كالرياض ٢ : ٤٠١.

٢٤٩

الخلاف (١) ، وبه صرّح بعض فضلائنا المعاصرين (٢).

ويدلّ عليه الأصل ، والأخبار المستفيضة المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه » (٣) فإنّ التفصيل قاطع للشركة.

وصحيحة محمّد : عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه ، هل عليه أن يستحلف؟ قال : « لا » (٤) ، ونحوها روايته (٥).

وكذا موثّقة أبي العبّاس (٦) ، وموثّقة جميل ، ورواية أبي العبّاس ، ومرسلة أبان ، المتقدّمة جميعا في المسألة الخامسة من الموضع الأول (٧).

وأمّا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لشريح في رواية سلمة ـ : « وردّ اليمين على المدّعي مع بيّنته ، فإنّ ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء » (٨) ـ فلا يصلح لمعارضة ما ذكر ، لشذوذه ، مع أنّه إمّا يحمل على الاستحباب بقرينة نفي الوجوب في الأخبار الأخر ، أو على البيّنة الواحدة ، إمّا لعمومها وخصوصيّة ما مرّ ، أو للجمع بينها وبين ما مرّ بشهادة ما يدلّ على ضمّ اليمين مع الشاهد الواحد.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٦٠٠.

(٢) المحقق القمي في رسالة القضاء ( غنائم الأيام ) : ٦٨٦.

(٣) انظر الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٣٠ ـ ٥٥٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٤ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٣٠ ـ ٥٥٩ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٨ ح ١.

(٧) راجع ص : ٢٢٢.

(٨) الكافي ٧ : ٤١٢ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٨ ـ ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٢٥ ـ ٥٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٢١١ أبواب آداب القاضي ب ١ ح ١.

٢٥٠

وأمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة ـ : هل تقبل شهادة الوصيّ للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين » (١) ـ فلا تنافي ما مرّ ، لأنّها محمولة على عدم قبول شهادة الوصيّ.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو على الأصل ، وقد يستثنى منه بعض المواضع بالدليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

المسألة التاسعة : لو قال المدّعي بعد إقامة الشهود : كذبت شهودي ، بطلت الشهود‌ ، فلا تسمع شهادتهم في حقّه ، ولكن لا تبطل دعواه ، كذا قالوا.

والوجه فيه : أنّ الكذب على المشهور وإن كان مخالفة الواقع ـ وعليه فيكون التكذيب إقرارا على انتفاء الحقّ ـ ولكنّ الظاهر المتفاهم منه في العرف أنّه مخالفة الاعتقاد ، ولا أقل من احتمال ذلك ، فلا تسقط الدعوى به.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان التكذيب قبل الحكم أو بعده ، إذ بعد الحكم ينكشف بطلان المستند ، لأنّ إقرار صاحب الحقّ دليل شرعي.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٤ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ ـ ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

٢٥١

الموضع الثالث

فيما يحكم فيه بالبيّنة واليمين معا

وهو ما يستثنى من القاعدة المتقدّمة من عدم تعلّق اليمين بالمدّعي ، ويخرج عن تحت ذلك الأصل بدليل.

وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : ممّا استثني من القاعدة : الدعوى على الميّت‌ ، فإنّ المدّعي إذا أقام البيّنة يستحلف معها على بقاء الحقّ في ذمّة الميّت استظهارا ، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في الكفاية ، بل لا مخالف يظهر منهم كما فيه أيضا (١) ، بل بلا خلاف مطلقا كما في المفاتيح (٢) وشرحه وغيرهما (٣) ، بل بالإجماع كما في المسالك والروضة وشرح الشرائع للصيمري (٤) ، بل بالإجماع المحقّق.

له ، ولرواية البصري المتقدّم صدرها : « وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات ، فأقيمت البيّنة عليه ، فعلى المدّعي اليمين بالله الذي لا إله إلاّ هو : لقد مات فلان وأنّ حقّه لعليه ، فإن حلف وإلاّ فلا حقّ له ، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو بغير بيّنة قبل الموت ، فمن ثمَّ صارت عليه‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٦٨.

(٢) المفاتيح ٣ : ٢٥٨.

(٣) كالرياض ٢ : ٤٠١.

(٤) المسالك ٢ : ٣٦٩ و ٣٧٠ ، الروضة ٣ : ١٠٤.

٢٥٢

اليمين مع البيّنة ، فإن ادّعى ولا بيّنة له فلا حقّ له ، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيّا لألزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين ، فمن ثمَّ لم يثبت له حق » (١).

وتجويز إرادة البيّنة الواحدة وكون اليمين يمين جزء البيّنة خلاف الظاهر ، بل يأباه التعليل.

والإيراد بأنّ اليمين على الوجه المغلّظ المذكور فيها ليست بواجبة إجماعا ، فلا يكون قوله : « فعلى المدّعي » للإيجاب ، فلا يثبت المطلوب.

مردود بأنّه لا دلالة فيها على إرادة الإتيان باليمين على هذا الوجه ، بل يجوز أن يكون توصيفه عليه‌السلام تعظيما لله لا لأجل ذكره في اليمين.

ومكاتبة الصفّار الصحيحة المتقدّم صدرها أيضا : أو تقبل شهادة الوصيّ على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : « نعم ، من بعد يمين » (٢).

فروع :

أ : هل يختصّ ذلك الحكم بالميّت ، أو يتعدّى إلى ما يشاركه في المعنى ، كالطفل والمجنون والغائب؟

الأكثر ـ كما في المسالك وشرح الصيمري والكفاية وشرح المفاتيح والمعتمد (٣) وغيرها (٤) ـ إلى التعدّي ، وهو مذهب الفاضل في جملة من‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣٨ ـ ١٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٤ ـ ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ ـ ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١ ، وفي غير الفقيه من المصادر لا توجد لفظة « بدين ».

(٣) المسالك ٢ : ٣٧٠ ، الكفاية : ٢٦٨.

(٤) كمفتاح الكرامة ١٠ : ٩٣ ، والرياض ٢ : ٤٠١.

٢٥٣

كتبه ، منها التحرير (١) ، ووالدي العلاّمة في المعتمد ، للعلّة المنصوصة ، أو اتّحاد طريق المسألتين ، لا من باب القياس الممنوع.

وفيه : أنّ إحدى العلّتين المنصوصتين هي كون المدّعى عليه ليس بحيّ ، واختصاصها بالميّت ظاهر ، مع أنّها علّة لانتفاء الحقّ مع عدم البيّنة لا لثبوت اليمين.

والأخرى : « لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها » وهي أيضا مختصّة به ، لقوله بعد ذلك : « قبل الموت ».

مع عدم إمكان تحقّق الإيفاء من الطفل ، ومعارضته في الغائب مع مرسلة جميل : « الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة ، ويباع ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب » (٢).

وعلى هذا ، فكما يحتمل كون العلّة عدم الوصول إلى العلم بالحال بالفعل ، يمكن أن يكون عدم إمكان الوصول بعد ذلك ، فيختصّ بالميّت ، فلا يمكن الاعتماد بذلك التعليل في غير مورد النصّ.

وبما ذكر يظهر حال اتّحاد الطريق ، مع أنّ مورد النصّ ـ وهو الميّت ـ أقوى من الفرع.

والاستدلال بصدر صحيحة الصفّار المتقدّمة قبل ذلك ـ بحمل الرجل على الغائب ، أو تعميمه وإخراج غير المذكورين بالدليل ـ خلاف الظاهر ، وموجب للتخصيص الغير الجائز ، وهو إخراج الأكثر ، مع احتمال كون ضمّ اليمين فيها لعدم قبول شهادة الوصيّ كما مرّ ، ولذا ذهب المحقّق (٣)

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢١٠ ، التحرير ٢ : ١٨٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٦ ـ ٨٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٦ ح ١.

(٣) الشرائع ٤ : ٨٥.

٢٥٤

وجماعة ـ ومنهم أكثر متأخّري المتأخّرين (١) ـ إلى العدم ، وهو الأقوى.

ب : لمّا كان الحكم المذكور ـ أي ضمّ اليمين مع البيّنة ـ مخالفا للأصل يجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وهو ما إذا كانت الدعوى على الميّت دينا ، فلو كانت عينا في يده بعارية أو غصب أو نحوهما دفعت إليه مع البيّنة من غير يمين ، كما صرّح به جماعة ، منهم : القواعد والمسالك والتنقيح (٢) ، لاختصاص النصّ بالدين ، أمّا الصحيحة فلتصريحها بلفظ : الدين ، وأمّا الرواية فلظهورها فيه أيضا ، لمكان لفظ : « الحقّ » و : « لعليه » و : « أوفاه ».

نعم ، صحيحة الصفّار مطلقة على ما نقلها في الكفاية ، حيث لم يذكر فيه لفظ : بدين ، ولذا استشكل في المسألة لذلك الإطلاق (٣) ، ولكنّ النسخ المصحّحة التي كانت عندنا كلّها مشتملة على لفظ : بدين ، وعلى هذا فلا إشكال في المسألة ولو كان بمجرّد اختلاف النسخ.

وأمّا ما قيل من أنّ النصّ وإن كان مخصوصا بالدين إلاّ أنّ مقتضى التعليل المنصوص ـ وهو الاستظهار ـ العموم (٤).

ففيه : أنّ العلّة هي احتمال الإيفاء ، وهو في العين التي بيده غير جار ، بل الجاري فيها النقل بالبيع ونحوه. وغير ذلك من التعليل مستنبط لا يعبأ به.

ولو لم توجد العين المدّعى بها في التركة وحكم بضمانها على الميّت للمالك ففي إلحاقها بالعين ـ نظرا إلى الأصل ـ أو بالدين ـ لانتقالها إلى الذمّة ـ

__________________

(١) كالشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٠٥ ، والمسالك ٢ : ٣٧٠ ، والفاضل السبزواري في الكفاية : ٢٦٩ ، وصاحب الرياض ٢ : ٤٠١.

(٢) القواعد ٢ : ٢١٠ ، المسالك ٢ : ٣٧٠ ، التنقيح ٤ : ٢٥٦.

(٣) الكفاية : ٢٦٨.

(٤) انظر الرياض ٢ : ٤٠١.

٢٥٥

وجهان ، أظهرهما : الثاني ، لصيرورتها دينا بعد الفقدان ، فتشملها الأخبار.

نعم ، لو فقدت بعد الموت أو لم يعلم أنّها فقدت حال الحياة أو بعدها فحكم المدّعى به حكم العين ، لعدم معلوميّة الانتقال إلى ذمّة الميّت.

ج : لو أقرّ له قبل الموت بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة ، بل قد يعلم عدمه ـ كما إذا أقرّ عند جماعة ومات بعد الإقرار بحضورهم من غير غيبة لهم ـ ففي وجوب ضمّ اليمين إلى البيّنة وجهان.

رجّح في المسالك والكفاية والمعتمد العدم (١) ، لعدم جريان التعليل المذكور في الخبر هنا.

وفيه : أنّ التعليل لا يوجب تخصيص الإطلاق ، لأنّ العلل الشرعية معرّفات لا ينتفي المعلول بانتفائها ، فإنّه قد يكون وجود العلّة في بعض الأفراد علّة للحكم في الجميع ، مع أنّ التعليل ـ كما قيل (٢) ـ يمكن أن يكون من باب إبداء النكتة والتمثيل ، فإنّ احتمال الإبراء أيضا قائم ، وكذا احتمال نسيان المقرّ للإيفاء وتذكّره لو كان حيّا حين الدعوى.

ولذا قوّى بعض فضلائنا المعاصرين (٣) الضمّ ، لإطلاق النصّ.

وهو حسن ، إلاّ أنّ فيه : أنّ النصّ معارض بأخبار أخر واردة في إقرار المريض ، وفي الوصيّة بالدين :

كصحيحة منصور : عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دينا ، فقال : « إن كان الميّت مرضيّا فأعطه الذي أوصى له » (٤).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٧٠ ، الكفاية : ٢٦٩.

(٢) قاله في غنائم الأيام : ٦٨٧.

(٣) المحقق القمي في غنائم الأيام : ٦٨٧.

(٤) الكافي ٧ : ٤١ ـ ٢ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ ـ ٥٩٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٩ ـ ٦٥٦ ، الاستبصار ٤ : ١١١ ـ ٤٢٦ ، الوسائل ١٩ : ٢٩١ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ١ وج ٢٣ : ١٨٣ أبواب الإقرار ب ١ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٢٥٦

وصحيحة أبي ولاّد : عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه ، قال : « يجوز ذلك » (١).

ورواية السكوني : في رجل أقرّ عند موته لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم ، ثمَّ مات على تلك الحال ، فقال : « أيّهما أقام البيّنة فله المال ، وإن لم يقم واحد منهما البيّنة فالمال بينهما نصفان » (٢).

ومكاتبة الصهباني : امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ـ إلى أن قال ـ فكتب عليه‌السلام بخطّه : « إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال » (٣) إلى غير ذلك (٤).

فإنّ هذه الأخبار شاملة لصورة عدم حلف المقرّ له أيضا ، فتعارض ما مرّ بالعموم من وجه ، وإذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة المتقدّمة المكتفية للمدّعي بالبيّنة ، وهو الأصحّ ، بل مقتضاها عدم اشتراط عدم إمكان الاستيفاء أيضا ، بل يكون الحكم ذلك إذا أقرّ عند الموت أو أوصى بالوفاء عند الموت. إلاّ أنّ الظاهر أنّ ذلك مختصّ بإقرار الميّت ، فلو شهد شاهدان بانتقال شي‌ء إليه قبل موته بمدّة لا يمكن الاستيفاء يجب ضمّ اليمين ، لاختصاص النصّ بالإقرار ، وألحقها والدي رحمه‌الله بالإقرار أيضا.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢ ـ ٥ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ ـ ٦٦٠ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ ـ ٤٣٠ ، الوسائل ١٩ : ٢٩٢ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٥٨ ـ ٥ ، الفقيه ٤ : ١٧٤ ـ ٦١٠ ، التهذيب ٩ : ١٦٢ ـ ٦٦٦ ، الوسائل ٢٣ : ١٨٣ أبواب الإقرار ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ١٦١ ـ ٦٦٤ ، الاستبصار ٤ : ١١٣ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ١٩ : ٢٩٤ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦ ح ١٠.

(٤) انظر الوسائل ١٩ : ٢٩١ أبواب أحكام الوصايا ب ١٦.

٢٥٧

وهل تلحق به شهادة البيّنة ببقاء الحقّ إن قبلناها؟

قال والدي رحمه‌الله : نعم. والأظهر العدم ، لشمول دليل اليمين وعلّتها له أيضا.

د : هل يختصّ ضمّ اليمين بما إذا كان الثبوت بالبيّنة ـ كما هو مورد النصّ‌ ـ أو يضمّ لو كان الثبوت بعلم الحاكم بالقضيّة أيضا وحكم بها؟

قيل : ولا يبعد ترجيح الضمّ (١). وهو كذلك ، للعلّة المنصوصة.

وليس ذلك من قبيل الدعوى على غير الميّت ، لاختصاص العلّة بالميّت ، ولكنّها غير مختصّة بالبيّنة وإن كان المعلول مخصوصا. واحتمال الإبراء أو مقاصّة الميّت لدين له أو غير ذلك قائم هنا أيضا.

وقيل : نعم ، لو فرض انتفاء جميع الاحتمالات رأسا عند الحاكم لاتّجه عدم ضمّ اليمين (٢).

أقول : بل يكفي في عدم الضمّ حينئذ انتفاء احتمال الإيفاء خاصّة عن الحاكم ، لأنّ المورد خاصّ بالإثبات بالبيّنة والتعليل باحتمال الإيفاء ، فإذا انتفيا معا فلا وجه للضمّ حينئذ.

وجعل التعليل تمثيلا ـ أي جعله من باب ذكر فرد من أمثلة الاحتمالات والسكوت عن الباقي ـ إنّما يحسن مع شمول المورد ، وأمّا بدونه فلا فائدة له.

وإن أريد من التمثيل ذكر فرد وإرادة كلّ ما هو مثله فلا وجه له أصلا ، فعدم الضمّ حينئذ أقوى ، فيختصّ عدم الضمّ بما إذا كان الإثبات بعلم الحاكم لا من جهة البيّنة خاصّة حتى لا يشمله إطلاق المورد وعلم الحاكم‌

__________________

(١) غنائم الأيام : ٦٨٧.

(٢) غنائم الأيام : ٦٨٧.

٢٥٨

عدم الإيفاء حتى لا يشمله التعليل ، وذلك يتحقّق بإقرار الميّت عند الحاكم في زمان لا يحتمل الإيفاء بعده ، وقد يعلم عدم الإيفاء بالقرائن الخارجيّة.

والظاهر أنّ في حكم الحاكم أيضا غيره ممّن بيده مال للميّت وعلم بالواقعة وبعدم الإيفاء فله تسليمه للمدّعي من غير يمين.

هـ : لو علم المدّعي ببقاء حقّه على الميّت له المقاصّة ، ولا يمين عليه حينئذ.

و : اليمين المتوجّهة إلى المدّعي حينئذ يمين واحدة ، سواء كان الوارث واحدا أو متعدّدا ، فلا يكلّف الحلف لكلّ وارث يمينا على حدة ، قصرا للحكم المخالف للقاعدة على القدر المتيقّن ، ولأنّه دعوى واحدة على مال الميّت.

ز : لو كان للمدّعي شاهد واحد وحلف يمينا لجزء البيّنة ، فهل يحتاج إلى يمين اخرى للاستظهار ، أم لا؟

صرّح في الإرشاد بعدمه ، وعلّل بأنّ الشاهد واليمين حجّة بنفسه ، فلا يحتاج إلى ضمّ شي‌ء آخر.

وبأنّه غير مورد النصّ ، لأنّه ما إذا ثبت الحكم بالبيّنة.

وبأنّه لا فائدة في تكرار اليمين.

والأول معارض بالشاهدين.

والثاني مردود بعموم التعليل.

والثالث بالفرق بين اليمينين ، فإنّ الأولى على حصول الاشتغال ، والثانية على بقاء الحقّ.

نعم ، لو حلف أولا بما يفيد البقاء أيضا ـ أي على الوجه المذكور في‌

٢٥٩

الرواية (١) ـ يمكن الاكتفاء بها ، لعدم الفائدة ، وعدم شمولها للعلّة المذكورة ، وإفادتها لها حينئذ.

ح : لو أقام البيّنة ففقد الحاكم أو غاب قبل الحلف لا يثبت له حقّ. واحتمال أن يكون له أن يأخذ حقّه ويقول : أنا باذل اليمين فاحلفني على الوجه الشرعي ، لا وجه له.

ط : قال المحقّق الأردبيلي : لا يسقط اليمين بإسقاط بعض الحقّ ، فلا يمكن أن يسقط من مال الطفل شي‌ء لليمين ، فيعطى الباقي بغير يمين ، لأنّ الثبوت موقوف عليها ، وقد صرّح في الرواية : بأنّه إذا لم يحلف لا حقّ له. كما لا يمكن إسقاط شاهد واحد بإسقاط البعض.

نعم ، إذا كان الوارث ممّن يصحّ صلحه ينبغي المصالحة ، وكذا مع الوليّ وصيّا أو حاكما بإسقاط البعض بإسقاط اليمين ، فإنّه أصلح من الإحلاف وإعطاء جميع الحقّ ، والوليّ لا يترك مصلحته. انتهى.

أقول : ما ذكره ـ من عدم تبعيض الحقّ بتبعيض الحجّة ، وعدم ثبوت شي‌ء إلاّ بتمام الحجّة ـ صحيح ظاهر.

وكذا ما ذكره من جواز إسقاط الوليّ بعض الحقّ بإسقاط اليمين إذا رأى في ذلك المصلحة ، وهو إنّما يكون إذا قطع ـ بل أو ظنّ ـ أنّ المدّعي يحلف ويأخذ الجميع ، فإنّ له حينئذ إسقاط بعض الحقّ بإسقاط اليمين ، أو المصالحة ببعض الحقّ ، لأنّ له أن يفعل للمولّى عليه ما يرى مصلحة له.

كما تدلّ عليه صحيحة ابن رئاب ، حيث قال في آخرها : « فليس لهم » أي للصغار « أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم ، الناظر لهم فيما يصلحهم » (٢).

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢٥٢ و ٢٥٣.

(٢) الكافي ٧ : ٦٧ ـ ٢ ، الفقيه ٤ : ١٦١ ـ ٥٦٤ ، التهذيب ٩ : ٢٣٩ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ١٩ : ٤٢١ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٢٦٠