مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

فلا يقتص ولا يطالب ولا يدّعيه.

فرع : على القول بجواز المطالبة مع إكذاب نفسه لو ادّعى صاحب الحقّ أنّ الحالف أكذب نفسه فأنكر كانت دعوى مسموعة ، وطولب فيها بالبيّنة والمنكر باليمين ، والوجه ظاهر.

المسألة الخامسة : إذا لم يحلف المدّعى عليه ، بل ردّ اليمين على المدّعي ، جاز وصحّ بالإجماع محقّقا ومحكيّا (١) ، له ، وللنصوص المستفيضة ، كمرسلة يونس المتقدمة في المقدّمة (٢) ، ورواية البصري المتقدّمة في المسألة الرابعة ، وقوله في آخر تلك الرواية : « ولو كان حيّا لألزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه » (٣).

وصحيحة محمّد : في الرجل يدّعي ولا بيّنة له ، قال : « يستحلفه ، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلم يحلف فلا حقّ له » (٤).

ورواية عبيد : في الرجل يدّعى عليه الحقّ ولا بيّنة للمدّعي ، قال : « يستحلف ، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ ، فإن لم يفعل فلا حقّ [ له ] » (٥).

ومرسلة أبان : في الرجل يدّعى عليه الحقّ وليس لصاحب الحقّ بيّنة ،

__________________

(١) كما في الرياض ٢ : ٣٩٨.

(٢) راجع ص : ٢٠١.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٨ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٤١٦ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٣٠ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٤١٦ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٣٠ ـ ٥٥٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٢ ، بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : عليه ، وما أثبتناه من المصادر.

٢٢١

قال : « يستحلف المدّعى عليه ، فإن أبى أن يحلف وقال : أنا أردّ اليمين عليك لصاحب الحقّ ، فإنّ ذلك واجب على صاحب الحقّ أن يحلف ويأخذ ماله » (١).

وصحيحة هشام : « يردّ اليمين على المدّعي » (٢).

ورواية أبي العباس : « إذا أقام الرجل البيّنة على حقّه فليس عليه يمين ، فإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين ، فإن أبى أن يحلف فلا حقّ له » (٣) ، ونحوها موثّقة جميل (٤) ومرسلة أبان (٥) ، إلى غير ذلك.

ثمَّ بعد الردّ إن حلف المدّعي باليمين المردودة استحقّ وأخذ الحقّ بالإجماع ، له ، ولمرسلتي يونس ، وأبان المتقدّمتين ، المنجبرتين ـ لو كان فيهما ضعف ـ بالإرسال.

فروع :

أ : إذا ردّ المنكر اليمين على المدّعي فليس للمدّعي الردّ ثانيا ، بلا خلاف ، لاستلزامه التسلسل ، ولأنّ جواز الردّ أمر توقيفيّ ولا دليل عليه ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٦ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٣٠ ـ ٥٦١ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٣٠ ـ ٥٦٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٨ ح ٢.

(٤) المتقدمة الإشارة إليها في ص ١٥٤ ولكن بعنوان صحيحة جميل.

(٥) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٨ ح ٢.

٢٢٢

ولتصريح المرسلتين المتقدّمتين بوجوب اليمين عليه.

وهل للمنكر استردادها وحلفه بنفسه؟

فإن كان بعد حلف المدّعي فليس ذلك له ، بلا إشكال وخلاف ، وعن المسالك الإجماع عليه (١) ، ولثبوت الحقّ على المنكر بحلفه بمقتضى الأخبار المتقدّمة فيجب على الحاكم الحكم به ، ولا يسقط الحقّ الثابت باليمين. وإن كان قبل حلفه ، فعن الشيخ ـ كما في الدروس (٢) وغيره (٣) ـ أنّه أيضا كذلك إذا لم يرض به المدّعي ، وهو الأصحّ ، لأنّ كلاّ من الحلف والردّ والاسترداد أمور شرعيّة موقوفة على التوقيف ، ولا توقيف هنا.

فإن قيل : جاز للمنكر الحلف قبل الردّ فيستصحب.

قلنا : يعارضه جوازه للمدّعي أيضا بعد الردّ فيستصحب ، ولا يمكن استصحابهما معا ، لعدم إمكان اجتماع الحلفين.

فإن قيل : يمكن أن يكون جوازه للمدّعي مقيّدا بعدم الاسترداد.

قلنا : يعارضه إمكان تقييد جوازه للمنكر أيضا بعدم الردّ ، مع أنّ المصرّح به في الأخبار ـ كما مرّ ـ وجوبه على المدّعي ، وذلك يستلزم سقوطه عن المنكر حال وجوبه عليه ، لعدم إمكان بقائهما معا ، فلا يبقى شي‌ء يستصحب ، بل يستصحب عدمه في حقّه.

وظاهر الدروس أنّ له ذلك (٤). ونفى بعض الفضلاء المعاصرين عنه البعد ، محتجّا بأنّ الردّ في معنى الإباحة لا الإبراء ، والأصل بقاء الحقّ (٥).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٧٣.

(٢) الدروس ٢ : ٩٤.

(٣) كالمسالك ٢ : ٣٧٣.

(٤) الدروس ٢ : ٩٤.

(٥) انظر غنائم الأيام : ٦٨١.

٢٢٣

وفيه : أنّه إن أريد أنّه إباحة لا إبراء فمع أنّه لا معنى محصّل له نقول : إنّه ليس بشي‌ء منهما ، بل أمر شرعي ، كمطالبة المدّعي أولا عنه الحلف ، فإنّه ليس إباحة ولا إبراء.

وإن أريد أنّه في معناها من جهة عدم اللزوم فهو مصادرة محضة.

وأمّا أصل بقاء الحقّ فقد عرفت حاله.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر عدم جواز الاسترداد مع رضا المدّعي أيضا ، لجريان الأدلّة فيه أيضا ، ودعوى الإجماع في أمثال تلك المسائل مجازفة.

ب : إذا ردّ المنكر اليمين على المدّعي فهل للمدّعي إلزام المنكر بإحضار المال قبل اليمين؟

قال في المختلف : لا نصّ فيه (١). وعن الحلبي : القطع بأنّه له (٢).

وعن الشهيد الثاني : العدم (٣) ، وهو مختار والدي ، وهو الأظهر ، للأصل ، وعدم ثبوت حقّ عليه بعد .. والقدرة على الإثبات ليس ثبوتا.

ج : اختلفوا في أنّ حلف المدّعي باليمين المردودة ، فهل يمينه بمنزلة البيّنة ، أو الإقرار؟ وفرّعوا على ذلك الخلاف فروعا كثيرة مذكورة في مواضعها.

والحقّ ـ كما ذكره المحقّق الأردبيلي وصاحب الكفاية (٤) ووالدي العلاّمة في المعتمد ـ عدم مستند مقبول يصحّ الاتّكاء عليه لشي‌ء من القولين ، واللاّزم إرجاع كلّ فرع فرّع إلى الأصول والقواعد واعتبار الأدلّة فيها.

__________________

(١) المختلف : ٧٠٠ وفيه : ولم يحضرني الآن قول لأصحابنا يوافقه على ذلك.

والوجه المنع ..

(٢) الكافي في الفقه : ٤٤٧.

(٣) الروضة ٣ : ٨٦.

(٤) الكفاية : ٢٦٨.

٢٢٤

المسألة السادسة : مقتضى ما ذكرنا من توقيفيّة الردّ وأصالة عدم جوازه‌ ـ بل دلالة قوله : « واليمين على المدّعى عليه » في الأخبار المتكثّرة (١) على عدم الردّ ـ اختصاصه بمورد الإجماع والنصوص ، وكلاهما مخصوصان بما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ وادّعى لنفسه الحقّ ، أمّا الأول فظاهر ، وأمّا الثاني فللتصريح في جميع الأخبار المتقدّمة بقوله : « حقّه » أو : « لا حقّ له » أو : « صاحب الحقّ » أو : « ماله » حتى آخر رواية البصري ، كما يظهر ممّا تقدّم على ما نقلناه عنه وما تأخّر (٢).

نعم ، ظاهر صحيحة هشام (٣) إطلاق المدّعي ، ولكن يضعّفه : جواز انصرافه إلى الغالب ، وهو المدّعي لنفسه ، كما يستفاد من سائر الأخبار أيضا ، بل تبادره منه.

وعدم ظهور قول بالإطلاق ، بل ظهور إطباق الأصحاب على خلافه.

وإجمال قوله : « يردّ » ، حيث إنّه ليس المراد منه الإخبار الذي هو حقيقته ، ولا الطلب ، ولا الرجحان ، بل مجاز آخر ، وهو يمكن أن يكون مطلق الجواز ، وأن يكون الجواز المطلق. والثاني غير معلوم ، والأول لا يفيد الإطلاق.

ومعارضتها مع الأخبار المتكثّرة القائلة بأنّ اليمين على المدّعى عليه.

وعلى هذا ، فلا دليل على جواز الردّ على من يدّعي لغيره حقّا ، حيث تجوز له الدعوى ، ولذلك صرّح الأصحاب ـ من غير خلاف بينهم يوجد ـ باستثناء جواز الردّ فيما إذا كان المدّعي وصيّا ليتيم ، أو قيّما له أو‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٢٠١.

(٢) المتقدمة إليها الإشارة جميعا في ص : ١٥٤ و ٢١٤ و ٢٢١ و ٢٢٢.

(٣) المتقدمة في ص : ٢٢٢.

٢٢٥

لغائب ، أو وليّا لأحدهما أو لمجنون أو سفيه ، أو وصيّا لحجّ أو خمس أو زكاة أو نحو ذلك.

وعلى هذا ، فيلزم على المنكر ـ على تقدير الإنكار ـ إمّا دفع الحقّ على المدّعي أو اليمين له ، يعني : إذا لم يحلف يحكم عليه بوجوب الأداء ، لما يأتي من الحكم على ثبوت الحقّ بالنكول ، لعمومات : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » الخالية عن معارضات الردّ هنا.

ومنهم من حكم في غير الأخير بالإيقاف حتى يبلغ الطفل ويفيق المجنون ويرجع الغائب فيحلف ، وفي الأخير يحبس المنكر حتى يحلف أو يقرّ.

وليسا بوجه ، أمّا الأول فلأنّه ترك لأدلّة الحكم بالنكول بل موجب ، وأمّا الثاني فلذلك ، مضافا إلى عدم دليل على جواز الحبس.

نعم ، لو كان المدّعي وكيلا ، يردّ اليمين ، ويحلف الموكّل ، لأنّه المدّعي حقيقة والوكيل آلته ، بخلاف الوصيّ والقيّم.

وكذا يشترط في جواز الردّ عدم مانع من يمين المدّعى عليه ، فإن كان هناك مانع منه لا يكون ردّ ، إذ جواز ردّ اليمين فرع جواز اليمين ، فإذا لم يجز لم يجز ، ولذا خصّ الأصحاب جواز الردّ أيضا بما إذا كانت الدعوى مجزومة.

وأمّا إذا كانت مظنونة أو موهومة ـ على القول بسماعهما ـ لا يكون ردّ ، لأنّ اليمين لا يكون إلاّ على البتّ واليقين كما يأتي ، فلو لم يحلف يحكم عليه ، لما مرّ.

المسألة السابعة : لو لم يحلف المدّعي بعد ردّ اليمين إليه ، فإن كان عدم حلفه تركا له وامتناعا عنه‌ ـ بأن يقول : لا أحلف ، أو : لا أريد أن‌

٢٢٦

أحلف ، لكون الحلف مكروها أو تركه مرغوبا إليه ـ سقط حقّه وبطلت دعواه في ذلك المجلس إجماعا ، وفي غيره أيضا على الأشهر الأظهر ، بل عليه أكثر من تقدّم (١) وعامّة من تأخّر ، للأخبار المتقدّمة جميعا ، فليس له مطالبة الخصم بعد ذلك ، ولا استئناف الدعوى في مجلس آخر ، ولا مقاصّته.

وحكى بعض الأجلّة الخلاف فيه عن المبسوط وعن موضع من القواعد ، فتسمع دعواه في مجلس آخر (٢) ، والأخبار المذكورة تدفعه.

ولا فرق في سقوطه مطلقا بين ما إذا لم يقم بعده بيّنة أو أقامها ، لإطلاق النصوص والفتاوى.

وفي التحرير وعن الشهيدين (٣) وبعض من تبعهما (٤) : سماع دعواه إذا أتى ببيّنة ، واختاره والدي رحمه‌الله في المعتمد ، ولعلّه لأجل أنّ معنى قوله في الروايات المتقدّمة ـ : « إن لم يكن شاهدا ولا بيّنة له » أو : « ليس له بيّنة » ونحوها ـ : انتفاؤها في نفس الأمر وانحصار الحجّة المثبتة لحقّه في اليمين.

وفيه : أنّه لو سلّم ذلك فلا يجري في رواية أبي العبّاس وموثّقة جميل ومرسلة أبان (٥) ، فإنّها متضمّنة لقوله : « فإن لم يقم بيّنة » الشامل لجميع صور عدم إقامة البيّنة ، سواء كان لعدمها ، أو عدم تذكّرها ، أو عدم إرادتها ، أو غير ذلك.

__________________

(١) كالصدوق في المقنع : ١٣٢ ، والطوسي في النهاية : ٣٤٠ ، والحلّي في السرائر ٢ : ١٥٩.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٣٧ ، وهو في المبسوط ٨ : ٢٠٩ ، والقواعد ٢ : ٢٠٩.

(٣) التحرير ٢ : ١٩٤ ، الشهيد الأول في الدروس : ١٧٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٨٦.

(٤) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٥٧ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٩٩.

(٥) المتقدمة جميعا في ص : ٢٢٢.

٢٢٧

واستدلّ والدي بانصراف إطلاق أخبار المسألة إلى صورة عدم البيّنة. وفيه : منع ظاهر.

وإن لم يكن عدم حلفه امتناعا وتركا ـ بل كان استمهالا حتى ينظر في الحساب ، أو يسأل الشركاء أو غيرهم ، أو كان لأجل توقّع حضور بيّنته (١) أو قال : أحضر البيّنة ـ ترك ولم يبطل حقّه على الأصحّ كما في المسالك (٢) وغيره (٣) ، لأصالة بقاء حقّه ، وعدم فوريّة اليمين.

وظاهر التحرير عدم السماع حينئذ أيضا (٤).

واستشكل فيه المحقّق الأردبيلي وصاحب الكفاية (٥) ، لعموم الأدلّة.

وفيه : منع العموم ، فإنّ معنى قوله : « أبى أن يحلف » ـ كما في طائفة من الأخبار المذكورة (٦) ـ : ترك الحلف والامتناع منه ، ولا يقال للمستمهل المقتدر : إنّه أبى ، بل هو الظاهر من قوله : « فلم يحلف » كما في طائفة أخرى (٧) ، لأنّ الظاهر من عدم الحلف الامتناع منه ، سيّما بملاحظة الطائفة الأولى ، فيبقى الأصل والاستصحاب بحاله.

وحينئذ فهل يقدّر الإمهال بقدر أم لا؟

الظاهر : الثاني وفاقا للمسالك (٨) ، للأصل ، وعدم الدليل ، وأصالة‌

__________________

(١) في « ق » زيادة : أو إحضاره.

(٢) المسالك ٢ : ٣٦٨.

(٣) كالمفاتيح ٣ : ٢٥٧ : والرياض ٢ : ٣٩٩.

(٤) التحرير ٢ : ١٩٤ وفيه : لا تسمع دعواه إلاّ ببيّنة ، وإن طلب الإمهال أخّر ..

(٥) الكفاية : ٢٦٨.

(٦) في ص : ١٥٤ و ٢٢٢.

(٧) تقدّمت في ص : ٢١٤.

(٨) المسالك ٢ : ٣٦٨.

٢٢٨

عدم اللزوم بالتقدير ، ولأنّ اليمين هنا لإثبات حقّه ، واليمين حقّه ، فله تأخيره ما شاء ، بخلاف المدّعى عليه.

المسألة الثامنة : لو لم يحلف المدّعى عليه ولم يردّ اليمين ، بل أبى عن أحد الأمرين ونكل عن الحلف‌ ، قالوا : يقول له الحاكم : إن حلفت وإلاّ جعلتك ناكلا ، أو قال : إن حلفت أو رددت اليمين أو جعلتك ناكلا.

وعلى القول بردّ الحاكم اليمين بعد النكول إلى المدّعي يقول : حلفت أو رددت وإلاّ رددت وجعلتك ناكلا.

قالوا : ويستحبّ تثليث ذلك.

وعن المبسوط والدروس وجوب المرّة الاولى (١).

ولم أعثر على دليل عليه ـ كما اعترف به بعض آخر أيضا (٢) ـ والأصل ينفيه ، كما أنّه ينفي استحباب الثلاث بل المرّة أيضا ، إلاّ أن يثبت بفتوى الفقهاء ، حيث يسامح في أدلّة السنن.

ولكن فيه أيضا في المقام إشكالا ، إذ مقتضى الأخبار ثبوت الحقّ عليه ، أو ثبوت الردّ على المدّعي بترك الحلف ، فسقوطهما ـ بعد قول الحاكم ما ذكر وقبوله الحلف بنفسه ـ مناف لتلك الأخبار ، محتاج إلى الدليل ، ولذا قالوا بعدم قبول يمين المنكر بعد الحكم بالنكول ، فإنّه لا فرق في ذلك بين قبل الحكم وبعده ، لأنّ النكول يوجب الحكم ، والحكم أحد الثبوتين ، فما يدلّ على عدم قبول الحلف في إسقاط ما ثبت على المنكر بالحكم بعده يدلّ على عدم قبوله في إسقاط ما ثبت على الحاكم من الحكم‌

__________________

(١) المبسوط ٨ : ١٥٩ وفيه : يقول هذا له ثلاثا .. ، نعم نسب إليه في مفتاح الكرامة ١٠ : ٨٠ وجوب المرة الأولى فقط ، الدروس ٢ : ٨٩.

(٢) حكاه عن الأردبيلي في مفتاح الكرامة ١٠ : ٨٠.

٢٢٩

بالنكول قبله أيضا ، ولو قاله قبل إظهار عدم الحلف لكان أولى.

وكيف كان ، فإذا نكل وأصرّ عليه ففي حكمه خلاف ، فذهب الصدوقان والمفيد والشيخ في النهاية والديلمي في المراسم والقاضي في الكامل وأبو الصلاح والمحقّق في الشرائع والنافع والمعتبر والفاضل في التلخيص والمحقّق الثاني إلى أنّه يقضى عليه بمجرّد نكوله (١).

وهو قول ابن زهرة في الغنية بعد ما ذكر في موضع منه ما يدلّ على القول الآخر ـ كما حكي عنه ـ حيث قال في موضع آخر بعده : وإن نكل المدّعى عليه عن اليمين ألزمه الخروج عن خصمه ممّا ادّعاه (٢).

واختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة ، كالكفاية والمفاتيح وشرحه ووالدي العلاّمة (٣) وبعض الفضلاء المعاصرين (٤) ، وهو ظاهر الشهيد الثاني (٥).

وذهب الإسكافي والشيخ في المبسوط والخلاف والقاضي في المهذّب والحلّي وابن حمزة والفاضل في أكثر كتبه والشهيد إلى أنّه يردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه ، وإن نكل بطل (٦).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧٢٤ ، النهاية : ٣٤٠ ، المراسم : ٢٣١ ، أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٤٤٧ ، الشرائع ٤ : ٨٥ ، النافع : ٢٨٢ ، وحكاه عن تعليق النافع للمحقق الثاني في مفتاح الكرامة ١٠ : ٨٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٦.

(٣) الكفاية : ٢٦٨ ، المفاتيح ٣ : ٢٥٧.

(٤) المحقق القمي في رسالة القضاء ( غنائم الأيام ) : ٦٨٥.

(٥) الروضة ٣ : ٣٦٩.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٩٥ ، المبسوط ٨ : ١١٧ و ١٥٩ و ١٦٠ و ٢١٢ ، الخلاف ٢ : ٦٢١ ، المهذّب ٢ : ٥٨٥ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٦٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢١٧ ، الفاضل في المختلف : ٦٩٥ ، التحرير ٢ : ١٨٦ ، التبصرة : ١٨٧ ، الشهيد في الدروس ٢ : ٨٩.

٢٣٠

واختاره بعض مشايخنا المعاصرين (١) ، ونسبه بعضهم إلى أكثر المتأخّرين (٢) ، وعن الخلاف والغنية الإجماع عليه (٣) ، وفي السرائر : أنّه مذهب أصحابنا عدا الشيخ في النهاية (٤).

والحقّ هو الأول ، لاستصحاب عدم ثبوت الحلف على المدّعي ، وعدم توقيفيّة الردّ من الحاكم ، لصدر رواية البصري المرويّة في الكافي والتهذيب : عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ فلا تكون له بيّنة بماله ، قال : « فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، وإن لم يحلف فعليه » (٥).

وذيلها المرويّ في الكافي والتهذيب والفقيه ، وفيه : « ولو كان حيّا لألزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين عليه » الحديث (٦).

وفي كلّ من صدرها وذيلها دلالة على المطلوب ، أمّا الصدر ففي قوله : « وإن لم يحلف فعليه » وأمّا الذيل ففي قوله : « لألزم اليمين ، أو الحقّ ، أو يردّ اليمين ».

والإيراد عليها تارة بضعف السند. وهو ـ بعد وجودها في الكتب الأربعة ـ عندنا باطل ، مع أنّه بتلقّي الأصحاب لها منجبر. والقول ـ بأنّه جابر لخصوص ما تلقّوه لا جميعا ـ فاسد ، لأنّه إنّما هو إذا كان الانجبار مخصوصا بالمدلول ، وأمّا مع‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٠٠.

(٢) كما في الرياض ٢ : ٤٠٠.

(٣) الخلاف ٢ : ٦٢١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٤) السرائر ٢ : ١٨٠.

(٥) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٨ ـ ١٢٨.

٢٣١

الانجبار المتني فيكون حجّة في جميع ما يدلّ عليه الكلام ، كما بيّنا في موضعه.

واخرى : باختلاف النسخة ، فإنّ الرواية على ما في الفقيه خالية عن قوله : « وإن لم يحلف فعليه » بل بدله : « وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له » وعلى هذا فلا دلالة فيها على الحكم.

وفيه : أنّ الاختلاف إنّما يوهن إذا كان في النسخ من الكتاب الواحد ، أمّا من الكتب المتعدّدة فلا ، لأنّ الأصل فيه تعدّد الرواية دون نسخ الرواية الواحدة ، هذا مع أنّ ذيله ـ الذي هو أدلّ على المطلوب من صدره ـ اتّفقت عليه كتب المشايخ الثلاثة.

وثالثة : بضعف الدلالة ، إذ لا قائل بإطلاق ثبوت الحقّ عليه بعدم الحلف ، بل لا بدّ إمّا من تقييده بالنكول عن الردّ ، أو بما إذا ردّه على المدّعي وحلف ، والأول ليس بأرجح من الثاني.

وفيه : أنّ مقتضى الإطلاق ثبوت الحقّ بعدم الحلف على المنكر ، سواء لم يردّ مع ذلك اليمين ، أو ردّه وحلف المدّعي ، أو ردّه ولم يحلف ، خرج الأخير بالدليل فيبقى الباقي ، ومثل ذلك الاستدلال جار في أكثر أبواب الفقه ، وليس من باب احتمال التقديرين أو التجويزين حتى يحتاج إلى الترجيح ويحصل الإجمال بدونه.

ورابعة : باحتمال كون المبتدأ المقدّر لقوله : « فعليه » الحلف ، والضمير المجرور للمدّعي ، أي فالحلف على المدّعي ، أو يكون المبتدأ المقدّر : الحقّ المالي ـ وهو الدعوى ـ والضمير للمنكر.

وفيه : أنّه خلاف الظاهر ، وفتح باب تلك الاحتمالات يسدّ باب الاستدلال غالبا.

وخامسة : باحتمال التقيّة فيه ، لكون ذلك مذهب جمع من العامّة ،

٢٣٢

ومنهم أبو حنيفة (١).

وفيه : أنّه إنّما يفيد في موضع المعارضة ولا معارض للرواية.

هذا ، مع أنّ غير الأخير من تلك الوجوه لا يضرّ في دلالة الذيل.

وتضعيف دلالته ـ باحتمال كون قوله : « أو يردّ اليمين عليه » بصيغة المجهول ، فيراد ردّ الحاكم ـ سخيف غايته ، لأنّه لا يسبق إلى ذهن من له أدنى إنس بالكلام مثل ذلك ، مع أنّ ردّ الحاكم على المدّعي ليس منوطا بالحياة ، وأيضا لو كان كذلك للزم أن يقول : « ويردّ » بلفظة : الواو ، دون : أو ، على ما هو بصدده.

نعم ، يكون الإلزام بالحقّ مع ردّ الحاكم ، فلا معنى للتقسيم بالأقسام الثلاثة ، وهذا ظاهر.

وتدلّ على المطلوب أيضا صحيحة محمّد : عن الأخرس كيف يحلف؟ قال : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربها فامتنع فألزمه الدين » (٢).

وظاهر أنّه لم يردّ اليمين على المدّعي كما تدلّ عليه لفظة « الفاء » ، فإنّها تدلّ على ترتّب الإلزام على الامتناع من غير حاجة في بيان عدم الردّ إلى توسيط قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة. ولا قائل بالفرق بين الأخرس وغيره.

والإيراد عليها تارة بمثل ما مرّ من لزوم تقدير ، لعدم جواز الإلزام بالامتناع عن اليمين إلاّ مع الامتناع عن الردّ أيضا ، وتقديره ليس بأولى من‌

__________________

(١) انظر بداية المجتهد ٢ : ٤٦٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٦٥ ـ ٢١٨ ، التهذيب ٦ : ٣١٩ ـ ٨٧٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٠٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٢٣٣

تقدير ردّ الحاكم على المدّعي.

وفيه : أنّ لزوم تقدير إنّما هو إذا قلنا : إنّ النكول وعلّة الإلزام بالحقّ هما الامتناعان معا ، وليس كذلك ، بل النكول والموجب للإلزام هو الامتناع عن اليمين ، إلاّ إذا ردّها مع ذلك إلى المدّعي ، فإذا امتنع نكل ، والزم ما لم يظهر ردّ ، فلا يحتاج إلى تقدير عدم الردّ وذكره ، لأنّ الامتناع كاف في الإلزام ما لم يظهر منه الردّ.

واخرى : بأنّه قضية في واقعة ، فلا تكون عامّة.

وفساده ظاهر ، لأنّه إن أريد بعدم عمومها عمومها بالنسبة إلى ردّ اليمين بعد الامتناع وعدمه فقد عرفت أنّ لفظة « الفاء » ـ الدالّة على الترتيب المثبت لعلّيّة الامتناع فقط ـ تدلّ على أنّ الإلزام مترتّب على الامتناع.

وإن أريد عمومها بالنسبة إلى غير هذا الأخرس أو الشخص المخصوص ، فعدم القول بالفصل كاف في التعميم.

وثالثة : بأنّه فرع العمل به في كيفيّة إحلاف الأخرس ، ولم يقل به غير نادر.

وفيه أولا : إنّا نقول بالعمل به فيها وإن لم يكن مشهورا.

وثانيا : إنّ مخالفته المشهور إنّما هو إذا قلنا : إنّ العمل بهذه الكيفيّة لخصوصيّتها ، وأمّا لو قلنا بكونه لأجل أنّها أحد أفراد الإشارة المفهمة ، لم يخالف الشهرة كما يأتي.

ورابعة : بمنافاتها لما ذكر من نقل الجمهور خلافه في النكول عن عليّ عليه‌السلام.

وفيه : أنّه أيّ اعتماد على نقل الجمهور؟! وكم من هذا القبيل ـ كما لا يخفى ـ على من لاحظ إسنادهم في الفرائض إليه؟!

٢٣٤

وممّا يدلّ على المطلوب أيضا رواية أبي بصير المتقدّمة في المقدّمة ، حيث قال فيها : « لو أنّ رجلا ادّعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، لم يكن اليمين على المدّعي ، وكانت اليمين على المدّعى عليه » (١).

فإن قوله : « لم يكن اليمين » عامّ شامل لما إذا نكل المدّعى عليه عن اليمين أو لم ينكل ، ردّ اليمين على المدّعي أو لم يردّ ، خرجت صورة الردّ بالإجماع والنصوص ، فيبقى الباقي.

ومنه ما إذا نكل المدّعى عليه فلا يمين على المدّعي حينئذ بمقتضى الرواية ، فلا يخلوأمّا يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، أو المدّعي بترك الدعوى ، أو يوقّف الحكم ، والأخيران باطلان بالإجماع ، فيبقى الأول وهو المطلوب.

وبتقرير آخر : إذا نكل المدّعى عليه فليس إلاّ يمين المدّعي ، أو إلزام المدّعي عليه إجماعا ، والأول باطل بعموم الرواية ، فبقي الثاني ، وهو المطلوب.

وقد يستدلّ أيضا بقولهم عليهم‌السلام : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على من أنكر » (٢) ، وفي إتمام دلالته إشكال.

احتجّ الآخرون (٣) بالإجماع المنقول.

واستصحاب براءة ذمّة المنكر.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٦٢ ـ ٨ ، الفقيه ٤ : ٧٣ ـ ٢٢٣ ، التهذيب ١٠ : ١٦٧ ـ ٦٦٣ ، الوسائل ٢٩ : ١٥٦ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ١٠ ح ٥.

(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣.

(٣) كما في الرياض ٢ : ٤٠٠.

٢٣٥

والنبوي العاميّ : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ اليمين على طالب الحقّ (١).

ورواية عبيد وصحيحة هشام ، المتقدّمتين في المسألة الخامسة (٢).

وبنقل الجمهور نسبة ذلك القول إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والأول : مردود بعدم الحجّية ، سيّما مع مخالفة فحول الطائفة قبل الدعوى ، بل مخالفة الناقل نفسه قبلها كالشيخ (٣) ، أو بعدها كابن زهرة (٤) ، ولذا جعل في المسالك والمعتمد هذا الاحتجاج من غرائب الاحتجاجات (٥).

والثاني : بمعارضته مع أزيد منه من الاستصحابات المتقدّمة ، ثمَّ بمزايلته بما ذكرنا من الأدلّة.

والثالث : بعدم الحجيّة ، ثمَّ بعدم الدلالة ، لكونه قضيّة في واقعة لا يعلم حالها أنّها في أي واقعة.

والرابع : بعدم الدلالة ، لأنّ الظاهر أنّ فاعل « يردّ » هو المدّعى عليه ، لمناسبته لضمير : « يستحلف » المقارن له ، ولا أقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال.

والخامس : بذلك أيضا ، لما مرّ من تعدّد مجازه وعدم تعيينه ، ولعلّه أنّه قد يجوز الردّ.

والسادس : بعدم حجّيّة نقلهم وإن أطبقوا عليه.

وقد استدلّ بوجوه أخر بيّنة الوهن ، فلا فائدة في التعرّض لها.

__________________

(١) سنن الدار قطني ٤ : ٢١٣ ـ ٢٤.

(٢) راجع ص : ٢٢١ و ٢٢٢.

(٣) النهاية : ٣٤٠.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٦.

(٥) المسالك ٢ : ٣٦٩.

٢٣٦

فرعان :

أ : لو سكت المدّعى عليه بعد عرض الحاكم عليه اليمين فهل هو نكول أم لا؟

قال في التحرير : نعم ، بعد تعريف القاضي أنّه إذا عرض عليه اليمين ثلاثا وامتنع بسكوت أو غيره استوفى الحقّ بيمين المدّعي (١).

أقول : الأولى الرجوع في ذلك إلى العرف ، فإنّ سكوته قد يكون لتدبّر وتأمّل في الواقعة ، أو لدهش ، أو لتعظيم للحلف ، فإن دلّت القرائن الحاليّة على أنّه تارك للحلف يصير ناكلا. ولعلّه لذلك جعل في التحرير تنكيله بعد التعريف ثلاثا ، إذ مع ذلك يحكم العرف بترك الحلف.

ب : ظاهر عبارات الأصحاب ـ كما قيل (٢) ، ومنهم الفاضلان (٣) ـ عدم الالتفات إلى قول المنكر لو بذل بعد نكوله اليمين ، بأن حلف ، أو يقول : ندمت من النكول بل أحلف.

وخصّه المحقّق في النافع والفاضل في التحرير بما إذا كان ذلك بعد الحكم عليه بالنكول (٤).

ونفى بعضهم الخلاف فيه في هذه الصورة على القول المختار ، وفي صورة إحلاف الحاكم المدّعي على القول الآخر ، مستدلاّ بثبوت الحقّ على المدّعى عليه بذلك ، فيستصحب إلى تيقّن المسقط ، واختصاص السقوط‌

__________________

(١) في النسخ : المدعى عليه ، والصحيح ما أثبتناه كما في التحرير ٢ : ١٩٤.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٤٠١.

(٣) المحقّق في الشرائع ٤ : ٨٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٠٩.

(٤) النافع : ٢٨٢ ، التحرير ٢ : ١٩٤.

٢٣٧

بيمينه بحكم التبادر وغيره بيمينه قبل الحكم عليه بنكوله (١).

واستشكل بعض آخر في عدم الالتفات إذا كان ذلك قبل الحكم ، ومنهم من حمل إطلاقاتهم على ما في النافع أيضا (٢).

أقول : بل يمكن حمل كلام النافع على إطلاقاتهم ، فإنّه قال : لو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه. وكما يمكن أن تكون « الباء » سببية يمكن أن تكمن إلصاقيّة ، أي بعد ثبوت النكول وتحقّقه.

وكيف كان ، فالعلّة المذكورة لعدم الالتفات مشتركة ، لأنّ كما أنّ الحكم بسبب النكول أو إحلاف المدّعي علّة لثبوت الحقّ عليه فيستصحب ، فكذلك أصل النكول سبب وعلّة لثبوت حقّ الحكم ووجوبه ، أو جوازه بالحقّ أو بالردّ على الحاكم ، فيجب استصحابه. والحاصل : أنّ بعد الحكم يستصحب ثبوت الحقّ على المدّعى عليه ، وقبله على الحاكم ، ولا فرق.

وأمّا ما ذكره الأردبيلي ردّا على إطلاقهم ، من أنّه فرع ثبوت الحقّ بالنكول فورا ولا دليل عليه.

ففيه : أنّه وإن كان كذلك ولكن ثبت ما على الحاكم عليه فورا ، إذ يمكن أن يقال في ثبوت الحقّ بتوقّفه على الحكم ، وأمّا وظيفة الحاكم فلا يتوقّف ثبوتها على طول مدّة قطعا.

إلاّ أن يقال : إنّه يمكن أن يكون ما على الحاكم مقيّدا بعدم الرجوع عن النكول فلا يمكن استصحابه ، ولا يجري ذلك في ثبوت الحقّ في ذمّته ، فإنّه لا يقبل التقييد.

ولكن ذلك يصحّ على القول بتوقّف ثبوت الحقّ على الردّ على‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٠١.

(٢) كما في غنائم الأيام : ٦٨٥.

٢٣٨

المدّعي.

وأمّا على المختار ، فالظاهر ثبوته بالنكول ، وحكم الحاكم جزء لسبب ثبوته على الناس لا في الواقع ، أو على الحاكم ، فبالنكول يثبت الحقّ على الحاكم ، فيحكم به لإثباته على الغير ، فتأمّل.

وقد يقال أيضا : بأنّ عدم الالتفات قبل الحكم أو بعده إنّما هو إذا عرض حكم النكول على المدّعى عليه ، أو كان عالما به ، وأمّا لو لم يعرض عليه فادّعى الجهل بحكم النكول فيشكل نفوذ القضاء ، لظهور عذره.

وفيه : أنّ ذلك ليس حكما تكليفيّا حتى يعذر فيه الجاهل أحيانا ، بل وضعي ، وليس الاستشكال هنا إلاّ كالاستشكال في ثبوت الدية على من كسر رأس غيره مع الجهل بثبوت الدية به.

وعلى القول بعدم الالتفات مطلقا أو بعد الحكم فهل يتفاوت الحكم برضى المدّعي بيمينه أم لا؟

قيل : نعم (١) ، والأظهر : لا ، لأنّه أمر شرعي لا ينوط برضى أحد الخصمين أو عدم رضاه.

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٣٣٧.

٢٣٩

الموضع الثاني

في الحكم بالبيّنة‌

وفيه أيضا مسائل :

المسألة الاولى : وإن قال المدّعي : لي بيّنة ، استحضرها الحاكم منه وجوبا إن علم جهل المدّعي بانّ له الإحضار ، وجوازا مطلقا كما عليه الأكثر ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم : الشيخان والديلمي والحلبي والقاضي في أحد قوليه (١) ، للأصل.

وخلافا للمبسوط والمهذّب والسرائر ، فلم يجوّزوه مطلقا ، لأنّه حقّ له ، فله أن يفعل ما يرى (٢).

وفيه : أنّ الأمر هنا للإرشاد دون الإيجاب.

ومنهم من فصّل بين علم الحاكم بمعرفة المدّعي بماله وجهله به (٣) ، والظاهر أنّ ذلك أيضا مراد المبسوط ومن تبعه ، كما أنّ الظاهر أنّ مرادهم نفي جواز الأمر الإيجابي ، ومراد المجوّزين الإرشادي ، فيعود نزاع الكلّ إلى اللّفظي. ثمَّ ـ بعد حضور البيّنة ـ يجي‌ء الوجهان في سؤال الحاكم عنها قبل طلب المدّعي وعدمه ، ولعلّ الأقرب : الجواز.

المسألة الثانية : لا يتعيّن على المدّعي إذا كانت له بيّنة‌ غائبة

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧٢٣ ، الطوسي في النهاية : ٣٣٩ ، الديلمي في المراسم : ٢٣١ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٤٦ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٦٩٠.

(٢) المبسوط ٨ : ١٥٩ ، المهذّب ٢ : ٥٨٥ ، السرائر ٢ : ١٥٨ ، ١٦٥.

(٣) كالعلاّمة في المختلف : ٦٩٠ ، والقواعد ٢ : ٢١٠ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٩٠.

٢٤٠