مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

مثلهم ، وأنّهم أمناء الإسلام ، وأمناء الرسل ، والمتكفّلون لرعيّتهم ولأيتامهم ، وأمثال ذلك من الأوصاف (١).

ولا يعارض تلك الأخبار ما مرّ من الأخبار الحاصرة للحكومة في النبيّ ووصيّه ، لأنّ الإذن الوارد في تلك الأخبار أيضا توصية لغة.

ومع فرض التعارض فتلك الأخبار كلّها أو أكثرها أخصّ مطلقا ممّا مرّ فيجب تخصيصه بها.

ثمَّ إنّه قد ظهر من تلك الأخبار ثبوت الإذن للعلماء العارفين بأحكام الله في القضاء ، وكونهم منصوبين من قبل الإمام نوّابا له في هذا الزمان.

لا يقال : إنّ المذكور في الأخبار هو العالم ، والعارف والفقيه ، اللذان هما أيضا يتضمّنان العلم ، وحصوله في هذه الأزمنة غالبا غير ممكن ، لأنّ طرق الأحكام ظنّية غالبا.

لأنّا نقول : إنّ الظنّ لا يعمل به ما لم ينته دليل وجوب العمل به أو جوازه إلى قطعيّ ، فإنّ إثبات الظنّي بالظنّي ـ مع اطباق العلماء على بطلانه ـ دور أو تسلسل. وإذا انتهى إلى القطع والعلم يكون الحكم الحاصل منه معلوما ، فإنّا لو علمنا أنّه يجب علينا العمل بالمظنون يكون المظنون حكمنا قطعا ، فنكون عالمين بحكمنا قطعا.

وهذا هو المراد من قولهم : ظنّية الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم.

وليس فيه ابتناء على التصويب كما ظنّ ، فالمجتهد إذا علم حجّية الخبر أو الظنّ الحاصل منه بدليل علميّ ودلّ خبر أو ظنّ منه أنّ حكم الله في الواقعة الفلانية كذا ، يعلم قطعا أنّ حكمه في حقّه كذا ، فيصدق عليه أنّه‌

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٧٧ أبواب صفات القاضي ب ٨.

٢١

عالم أو عارف بقضيّتهم وحلالهم وحرامهم.

لا يقال : إنّ مرادهم عليهم‌السلام من أحكامهم وقضاياهم هي الواقعيّة ، لأنّها أحكامهم ، وأمّا الحكم الظاهري فهو حكم المضطرّ.

لأنا نقول : إنّ الأحكام الظاهريّة للمضطرّين حال اضطرارهم أيضا من الأحكام الواقعيّة لهم ، إذ ليس المراد بحكمهم إلاّ ما حكموا به ، وهل حكموا للمضطرّ بغير ذلك الحكم ، أو ليس هذا حكمهم في حقّه؟! وهل ليس ما ظنّوا حلّيته مثلا بالدليل الشرعيّ حلالا من جانبهم له؟! والحاصل : أنّ المظنون هو أنّ هذا مطابق لما حكموا به لغير المضطرّين ، وأمّا أنّه حكمهم في حق المضطرّين فهو مقطوع به.

وعلى هذا ، فيكون هذا الذي عرف الحكم بالدليل الشرعيّ ولو كان ظنّيا عالما بالحكم ، فيكون قاضيا متولّيا لمنصب القضاء ، ويكون من شأنه الحكم ، ومن شأن الرعيّة القبول منه ، إلاّ أن يكون فاقدا لأحد الشروط المعتبرة فيه الآتية.

ثمَّ إنه هل يختصّ هذا الإذن العامّ لذلك العالم بحال الغيبة ، أو يشمل حال الحضور أيضا ، إمّا مطلقا أو مع عدم التمكّن للإمام؟

فيه وجهان ، ولا فائدة لنا في التعرّض لتحقيقه.

المسألة الرابعة : المصرّح به في كلام أكثر الأصحاب أنّه يشترط في هذا العالم المأذون فيه أن يكون مستقلاّ بأهليّة الفتوى‌ ـ أي يكون علمه حاصلا بالاجتهاد ـ فلا ينفذ قضاء غيره ولو كان مطّلعا على فتوى المجتهدين الأحياء ومقلّدا لهم.

ونفى عنه الشكّ المحقّق الأردبيلي مع وجود المجتهد ، وفي الكفاية‌

٢٢

أنّه لا أعرف فيه خلافا (١) ، بل في المسالك والمعتمد لوالدي ـ قدس‌سره ـ : الإجماع عليه (٢) ، ويشعر به كلام بعض الأجلّة في شرح القواعد ، حيث قال : ولا يكتفى عندنا بفتوى العلماء وتقليدهم فيها ، بل لا بدّ من اجتهاده فيما يقتضي به ، خلافا لبعض العامّة (٣) ، انتهى.

وحكى في التنقيح عن المبسوط أنّه نقل قولا بجواز قضاء المقلّد ، قال في المبسوط في هذه المسألة ثلاثة مذاهب : الأول : جواز كونه عاميّا ويستفتي العلماء ويقضي بقولهم ، إلى آخر ما قال. ثمَّ قال في التنقيح : ولم يصرّح ـ أي الشيخ ـ باختيار شي‌ء من المذاهب (٤).

واستدلّ للمشهور ، بالإجماع المنقول ، والأصل ، واشتراط الإذن ولم يثبت لغيره ، لظهور اختصاص الإجماع به ، وتضمّن أخبار الإذن المتقدّمة للعلم والمعرفة المجازين في الظنّ.

مضافا إلى المتواترة الناهية عن العمل أو القول به أو بغير العلم ، والمعتبرة للعلم في الفتوى ، ولا يحصل لغير المجتهد سوى الظنّ غالبا ، قيل : بل وكذلك المجتهد ، إلاّ أنّ حجّية ظنّه مقطوع بها ، فهو ظنّ مخصوص في حكم القطع ، كسائر الظنون المخصوصة ، ولا كذلك غيره.

أقول : إن كان مرادهم نفي قضاء غير المجتهد الذي لم يقلّد حيّا أو ميّتا بتقليد حيّ يجوّز تقليد الميّت ، بل يرجع إلى ظواهر الأخبار وكتب الفقهاء من غير قوّة الاجتهاد ـ كما هو ظاهر كلام بعض متأخّري‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٦٢.

(٢) المسالك ٢ : ٣٥١.

(٣) كشف اللثام ٢ : ١٤٢.

(٤) التنقيح ٤ : ٢٣٤.

٢٣

المتأخّرين ، حيث قال : وغير المجتهد لا دليل على حجّية ظنّه ، قاطعا ولا ظنيّا ، ولو سلّم الأخير فغايته ، إثبات الظنّ بمثله ، وهو غير جائز بإطباق العلماء (١). انتهى ـ فهو كذلك ، ولا ينبغي الريب فيه.

وإن كان مرادهم نفي قضاء غير المجتهد مطلقا ، حتى العادل المقلّد للحيّ في جميع جزئيّات الواقعة ، أو للميّت بتقليد الحيّ ، فبعد ما علمت من عدم حجّية الإجماع المنقول ، وأنّ الظنّ المنتهي إلى العلم علم ، يعلم ضعف تلك الأدلّة ، لأنّ المقلّد إذا علم فتوى مجتهد في جميع تفاصيل واقعة حادثة بين متنازعين من مقلّديه وجزئياتها ، يعلم حكم الله في حقّهما ، لأنّ حكمه ولو كان مظنونا ، ولكنّه معلوم الاعتبار والحجّية بالنسبة إليهما ، فذلك المقلّد عالم عارف بحكم الشارع (٢) في حقّهما ، فيكون مأذونا بالأخبار المتقدّمة ، عالما بالحكم خارجا من تحت الأصل.

إلاّ أن يتحقّق الإجماع على خلافه ، وهو غير متحقّق ، كيف؟! وكلمات أكثر القدماء خالية عن ذكر المجتهد أو ما يرادفه.

وعبّر كثير منهم بالفقيه المحتمل صدقه ـ سيّما في الصدر الأول ـ على من أخذ برهة من المسائل ولو تقليدا ، كما صرّح به والدي العلاّمة ـ قدس‌سره ـ في تجريد الأصول وأنيس المجتهدين ، ولذا قوّى بعض علمائنا المعاصرين في أجوبة سؤالاته جواز المرافعة إلى العالم العادل المطّلع بجميع المسائل الدقيقة المتعلّقة بواقعة تقليدا ، ونسب عدم الجواز إلى المشهور (٣).

__________________

(١) الرياض ٢ : ٣٨٦.

(٢) في « ق » ، « س » : المتنازع.

(٣) جامع الشتات : ٦٧٦.

٢٤

وقد يوجّه جواز تقليد القاضي أيضا بحسنة هشام : « لمّا ولّى أمير المؤمنين عليه‌السلام شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرض عليه » (١).

وهو إنما يحسن لو لم تكن توليته إيّاه تقيّة كما هو الظاهر.

وبذلك وإن ظهر ضعف الأدلّة المذكورة لهم ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ أكثر تلك الأخبار وإن كان مطلقا شاملا للمقلّد المذكور أيضا ، إلاّ أن قوله عليه‌السلام في المقبولة : « انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا » إلى آخره ، وفي التوقيع : « فارجعوا إلى رواه أحاديثنا » مقيّد بالمجتهد ، إذ الظاهر المتبادر منه : الراوي للحديث ، المستنبط المستخرج منه الأحكام على الطريق الذي ارتضاه الشارع وأمر به ، لا مطلقا.

ويعلم من ذلك احتمال اختصاص مرسلة الفقيه المتقدّمة بالمجتهدين في الأحكام أيضا ، بل وكذا الرضوي ، لعدم معلوميّة صدق الفقيه على مطلق العالم ولو تقليدا.

ويدلّ على التخصيص أيضا المرويّ في مصباح الشريعة ، المنجبر ضعفه بما ذكر : أنّه قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لقاض : « هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ » قال : لا ، قال : « فهل أشرفت على مراد الله عزّ وجلّ في أمثال القران؟ » قال : لا ، قال : « إذن هلكت وأهلكت. والمفتي محتاج إلى معرفة القرآن ، وحقائق السنن ، وبواطن الإشارات ، والآداب ، والإجماع ، والاختلاف ، والاطّلاع على أصول ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ، ثمَّ حسن الاختيار ، ثمَّ العمل الصالح ، ثمَّ الحكمة ، ثمَّ التقوى ، ثمَّ حينئذ إن‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٧ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢١٧ ـ ٥١٠ ، الوسائل ٢٧ : ١٦ أبواب صفات القاضي ب ٣ ح ١.

٢٥

قدر » (١).

قال عليه‌السلام : « لا تحلّ الفتيا لمن لا يستفتي من الله عزّ وجلّ بصفاء سرّه ، وإخلاص عمله وعلانيته ، وبرهان من ربّه في كلّ حال ، لأنّ من أفتى فقد حكم ، والحكم لا يصحّ إلاّ بإذن من الله » (٢).

وبتلك الأخبار يجب تقييد إطلاق بعض آخر.

وعلم من ذلك صحّة ما هو المشهور من عدم جواز تولّي القضاء لغير المجتهد.

وهل يجوز له التولّي من جانب المجتهد وبإذنه الخاص؟

ربّما يحكى عن بعض الفضلاء المعاصرين (٣) جوازه ، ولم أتحقّقه ولم أره في كتابه (٤) ، ولا أرى له وجها أصلا. ويمكن أن يكون ذلك لفتواه المتقدّمة بجواز المرافعة إلى المقلّد العادل العالم بمسائل الواقعة (٥).

وتوقيفه على الإذن لمعرفة العادل المطّلع.

وتوهّم أنّ عموم الولاية فيما للإمام فيه الولاية ثابت للمجتهد ، ومنها : الإذن الخاص في القضاء.

مدفوع بأنّ للإمام الإذن للأهل والقابل ، فالجواز للمجتهد أيضا يكون مقصورا على من له الأهليّة ، وهي لغير المجتهد غير ثابتة ، ومن ثبتت له لا يحتاج إلى النائب ، لثبوت الإذن له عن المنوب عنه.

نعم ، لا يبعد جواز حكم مقلّد عادل عالم بجميع أحكام الواقعة‌

__________________

(١) مصباح الشريعة : ٣٥٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) مصباح الشريعة : ٣٥١.

(٣) أراد به المحقّق القمي.

(٤) كتاب القضاء المطبوع في ضمن غنائم الأيّام وجامع الشتات.

(٥) تقدمت في ص : ٢٤.

٢٦

الخاصّة فعلا ، أو بعد السؤال في تلك الواقعة الخاصّة ، بعد إذن المجتهد له في خصوص تلك الواقعة ، بعد رجوع المدّعي أو المتخاصمين فيها إلى المجتهد ، لأنّ التحاكم والترافع والرجوع في الواقعة إنّما وقع عند المجتهد ـ كما هو المأمور به في المقبولة والتوقيع ـ والمجتهد أمر بأن يفتش مقلّده عن حقيقة الواقعة ويحكم.

والتحذير الوارد في رواية مصباح الشريعة إنّما هو لقاض خاص ، فلعلّه لم يكن مأذونا من أهل في خصوص الواقعة ، كما هو الظاهر.

وكذا لا يشمله التحذير الوارد في رواية إسحاق بن عمّار وصحيحة سليمان بن خالد المتقدّمتين ، لأنّ الظاهر ورودهما في حقّ من اتّخذ ذلك منصبا ، لا من يحكم في خصوص واقعة ، بل يمكن أن نقول : الحكم حقيقة من المجتهد ، والواسطة كالآلة.

والحاصل : أنّ هنا أمورا أربعة مخالفة للأصل :

الأول : التحاكم والترافع والرجوع من المتخاصمين بنفسهما.

الثاني : جواز حكم هذا المقلّد بما يعلم.

الثالث : نفوذ حكمه ووجوب اتّباعه.

الرابع : جواز أمر المجتهد هذا المقلّد بالحكم وبترافع المترافعين إليه.

والأول : لم يقع بالنسبة إلى المقلّد ، لأنّهما بنفسهما لم يرجعا إليه ، وإنّما ترافعا عند المجتهد كما هو المأمور به لهما.

والثاني : لا نهي فيه ، بل صرّح بجوازه ـ بل ترتّب الأجر عليه ـ في مرفوعة البرقي المتقدّمة ورواية الغوالي.

والثالث : يثبت بثبوت وجوب اتّباع كلّ ما حكم به المجتهد بعد الترافع إليه ، فإنّه قد حكم بقبول حكم هذا المقلّد ، فهو حقيقة نفوذ لحكم‌

٢٧

المجتهد واتّباع له.

وتدلّ عليه أيضا رواية الغوالي ، بل هي تدلّ على نفوذ الحكم وجواز المحاكمة عنده بدون إذن المجتهد أيضا ، إلاّ أنّها لضعفها الخالي عن الجابر المعلوم ـ مضافا إلى أعمّيتها من المقبولة والتوقيع ـ يمنع من العمل بمضمونها وحدها.

والرابع : ظاهر بعد ثبوت جواز حكمه وعدم وجود نهي فيه.

ويمكن أن يكون بناء الأصحاب ـ في مسألة إحضار (١) الخصم ، وقولهم كما يأتي في بعض الصور : يبعث الحاكم من يحكم بين الخصمين ـ على ذلك.

ويمكن أن يكون مرادهم : بعث مجتهد آخر ، حيث إنّه لمّا ترافع الخصمان إليه يكون هو الأصل.

ويمكن ان يكون مرادهم : القاضي الخاصّ ، المنصوب من الإمام ، المأذون في الاستنابة ، فتأمّل.

فرع : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المحرّم لغير المجتهد هو الحكم بغير ما أنزل الله أو بما أنزل الله ـ أي بفتوى مجتهده ـ بدون إذن المجتهد مع إلزامه المترافعين بما حكم ، لكونه إلزاما من غير لزوم ، ولكونه إعانة على معصية المترافعين.

وأمّا قوله لهما ـ بدون إذن المجتهد بعد سماع حكايتهما ، من غير قصدهما الترافع إليه ، أو قصده جريان الحكم عليه (٢) ـ : على فلان المدّعي البيّنة مثلا ، أو على هذا المنكر اليمين ـ يعني : أنّ القاضي يحكم بذلك إذا ترافعتما إليه ، من غير حكم لهما بذلك ـ فلا بأس به.

__________________

(١) في « ق » ، « س » : إجبار.

(٢) يعني : أو من غير قصد المقلد جريان الحكم على المدعي أو المنكر.

٢٨

بل وكذا لو قال : عليك البيّنة وعليك الحلف ، من غير أن يقصد إلزامهما وإجراء حكمه ، أو رفع تخاصمهما بذلك الحكم ، أو سماع البيّنة ، أو الإحلاف.

بل لو قيل له : أحلف أو استمع البيّنة ، يقول : ليس هذا من شأني ولا بدّ من الرّجوع إلى الحاكم ، بل لو سمع البيّنة أيضا لا يقصد الحكم بل الاطلاع بالحال.

فإنّه لا دليل على حرمة شي‌ء من ذلك ، والأصل عدمها ، فإنّ هذا ليس حكومة وجلوسا مجلس القضاء ، ولا قضاء ، ولا ترافعا إليه.

المسألة الخامسة : هل يشترط في المجتهد الذي ينفذ قضاؤه أو قضاء مقلّده المأذون منه ـ لو قيل بجوازه ـ كونه مجتهدا مطلقا ، أم يكفي المتجزّي؟

وهذا البحث ساقط على ما اخترناه من عدم إمكان التجزّي في الملكة ، لأنّهم إن أرادوا التجزّي بذلك المعنى فهو غير ممكن ، وإن أرادوا التجزّي الفعلي فبطلان اشتراط عدمه بديهيّ واضح ، لعدم إمكان الاجتهاد الفعليّ المطلق ، وعدم تحقّقه.

نعم ، يتأتّى هذا الخلاف على القول بتجزّي الاجتهاد بمعنى الملكة ، وقد وقع الخلاف فيه عليه. وصرّح بعضهم بكفاية التجزّي ، وهو الظاهر من الفاضل في التحرير ، حيث شرط في القاضي الاجتهاد ، وذكر شرائطه ثمَّ قال : وهل يتجزّى الاجتهاد أم لا؟ الأقرب : نعم ، واحتجّ له برواية أبي خديجة (١) (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٢ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ١ ـ ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٣ أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.

(٢) التحرير ٢ : ١٨٠.

٢٩

والحمل ـ على إرادة جواز التجزّي في الاجتهاد دون كفايته في القضاء ـ بعيد ، بل يمنعه احتجاجه ، وقوله بعد ذكر الرواية : نعم ، يشترط أن يكون عارفا بجميع ما وليه.

وهذا هو الظاهر من القواعد والدروس أيضا ، بل هو ظاهر النافع والشرائع أيضا (١).

وحمل قوله في الأخير : ولا بدّ أن يكون عالما بجميع ما وليه ، على الاجتهاد المطلق ، كما في المسالك (٢) ، لا وجه له.

ونسب في الكفاية إلى المشهور (٣) ووالدي إلى الأشهر : اشتراط المطلق ، وعدم كفاية التجزّي ، وجزم الأول به مع تيسّر المطلق ، ونفي البعد عن الاكتفاء بالمتجزّي مع فقده ، وصرّح الثاني بالتفصيل ، فجوّز مع فقد المطلق ، ومنع مع تيسّره.

والحقّ هو : الأول ، لأنّ المراد المتجزّي ، من قدر على استنباط برهة من الأحكام ، جامعا لجميع شرائط الاجتهاد فيها ، من ردّها إلى مئاخذها المعلوم اعتبارها وحجّيتها عنده بالدليل القطعي ، العالم بعدم توقّفها على غيرها ، أو ظانّا له ظنّا ثبت عنده اعتباره ، إذ لو لم يعلم اعتبار المأخذ واكتفى فيه بالظنّ ، أو ظنّ عدم التوقّف ولم تثبت عنده حجّية هذا الظنّ ، لا يجوز عمله اتّفاقا ، لامتناع إثبات الظنّ بالظنّ ، فلا بدّ من كون ظنّه منتهيا إلى العلم الموجب لقطعه بالحكم كما مرّ ، فيكون الحكم معلوما له ، فتشمله صحيحتا أبي خديجة ، وكذا يشمله التوقيع ، ولا مخصّص لهما سوى بعض‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢٠١ ، الدروس ٢ : ٦٦ ، النافع ٢ : ٢٧٩ ، الشرائع ٤ : ٦٧.

(٢) المسالك ٢ : ٣٥١.

(٣) الكفاية : ٢٦٢.

٣٠

ما استدلّ به للقول الآخر ، كما يأتي مع جوابه.

وجعله من باب إثبات الظنّ بالظنّ من الغرائب ، لأنّ المتجزّي لا يثبت حجّية ظنّه به ، بل يجعل ظنّه علما بما دلّ على حجّية الظنّ الفلاني ـ كالظنّ الخبريّ مثلا ـ له ، ثمَّ بعد ذلك وبعد إثبات حجّية الأخبار ـ التي منها هذا الخبر ـ له بالدليل العلمي يستدلّ بهاتين الصحيحتين على حصول الإذن له في القضاء.

ولو فرض عدم ثبوت حجيّة ظنّ له علما فلا يقول أحد بحجّية ظنّه له ، وكذا لو ثبت ذلك ولكن لم تثبت عنده حجّية هاتين الصحيحتين.

احتجّ لاشتراط المطلق مطلقا بوجوه :

منها : ما ذكره في الكفاية من أنّ معرفة الأحكام من الأحاديث يتوقّف في بعض الأحيان على العرض على القرآن ، وعلى مذاهب العامّة والخاصّة ، والعلوم المعتبرة في الاجتهاد ، فيقتضي الاجتهاد المطلق (١).

وفيه : أنّ كون هذا اجتهادا مطلقا ممنوع ، مع أنّ المفروض إنّما هو إذا علم ما يتوقّف عليه الحكم جميعا ، وعلم عدم توقّفه على غير ذلك.

ومنها : المقبولة المتضمّنة للجمع المضاف ، المفيد للعموم ، وبه تخصّص الصحيحتان أيضا ، لكونها أخصّ مطلقا منهما.

وفيه : أنّ العلم حقيقة في المعرفة الفعليّة ، وتحقّقها بالنسبة إلى جميع الأحكام غير ميسّر ، واشتراطها خلاف الإجماع. والحمل على قوّة المعرفة مجاز ، كما أنّ إرادة البعض من الجمع المضاف أيضا مجاز ، ولا مرجّح لأحدهما ، فلا يعلم المخصّص.

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٢٦١.

٣١

ومنها : ما قيل من أنّ الدليل على حجّية ظنّ المجتهد هو الإجماع ، والدليل العقليّ المركّب من بقاء التكليف ، وانسداد باب العلم ، وانتفاء التكليف بما لا يطاق ، المنتج لوجوب العمل بالظنّ.

وشي‌ء منهما لا يجري في المتجزّي ، أمّا الإجماع فلاختصاصه بالمجتهد المطلق.

وأمّا الدليل العقلي ، فلعدم صحّة دعواه انسداد باب العلم بالنسبة إليه ، لاحتمال ظهور خلاف ظنّه ، وكذا دعواه التكليف بما لا يطاق في حقّه ، إذ في وسعه تحصيل المعرفة بكلّ المدارك (١).

أقول : دعوى انحصار الدليل فيهما واهية ، فإنّ لحجّية كلّ من الأدلة الظنّية ـ كالخبر والاستصحاب والكتاب وغيرها ـ أدلّة منتهية إلى القطع ، بالواسطة أو بدونها ، ولا ينحصر دليلها في أنّها تفيد الظنّ والظنّ حجّة بالإجماع.

على أنّ الإجماع لو كان دليلا لم يثبت حجّية ظنّ المجتهد المطلق بما يفيد شيئا في هذا الباب ، لأنّ القدر الثابت من الإجماع هو حجّية ظنّه في الجملة ، وأمّا أنّه أي قدر وعلى أيّ حال فلا ، بل لا يوجد لظنّه المجمع على اعتباره مصداق ، فإنّ من ظنونه ما يحصل من القياس أو الشهرة أو الإجماع المنقول أو الخبر أو غيرهما ، وفي كلّ منها خلاف.

وعدم تخطئتهم للعامل بها إذا قال بحجّيتها لا يجعله إجماعيّا ، كما في سائر المسائل الخلافيّة.

وأمّا ما ذكره في عدم جريان الدليل العقليّ في ظنّ المتجزّي لما مرّ ،

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٨٦.

٣٢

ففيه : أنّ درك انسداد باب العلم في مسألة لا يتوقّف على القدرة على استنباط جميع الأحكام من مئاخذها لو سلّمنا توقّفه على الإحاطة الإجماليّة بجميع المدارك.

وكذا لا مدخليّة لتلك القدرة في درك حكم كلّ مسألة حتى يمنع إمكان تحصيلها عن التكليف بما لا يطاق.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المقدّمات الثلاث لا تنتج للمتجزّي وجوب العمل بالظنّ ، لإمكان أن يكون حكمه تقليد المجتهد المطلق. ولكن مثل هذا وارد في المطلق أيضا ، لإمكان أن يكون حكمه الاحتياط على أنّ الثابت منه ـ لو سلّم ـ حجّية الظنّ في الجملة ، وهو لا يفيد له شيئا.

ثمَّ بما ذكرنا يظهر وجه التفصّي عن الإيراد بجواز قضاء المقلّد المأذون لو قيل بمثل ذلك. على أنّ الإجماع على حجّية ظنّ المقلّد الحاصل من فتوى مجتهده منعقد.

احتجّ من فصّل بين وجود المطلق وعدمه بما دلّ على تقديم الأعلم.

وفيه منع كلّ من الصغرى والكبرى ، كما يظهر وجهه ممّا يأتي في مسألة وجوب تقديم الأعلم.

ثمَّ لا يخفى أنّ مرادنا من المتجزّي الجائز قضاؤه ليس مطلق من يعلم قضيّة في واقعة ولو بإجماع أو ضرورة ، بل من أخذ برهة جمّة من الأحكام من مأخذها ، لما يدلّ على التخصيص برواة أحاديثنا ، وبمن نظر في حلالنا وحرامنا ، بل قوله في إحدى الصحيحتين : « حلالنا وحرامنا » دالّ على ذلك ، وبذلك يخصّص إطلاق الصحيحة الأخرى.

المسألة السادسة : تشترط فيه أيضا ـ مضافا إلى ما ذكر ـ أمور :

منها : التكليف ، بالبلوغ والعقل‌ ، بالإجماع والاعتبار فيهما ، مضافا في‌

٣٣

الأول إلى التصريح بالرجل في الصحيحتين ، المخصّص لغيرهما ممّا ظاهره العموم ، مع أنّ المتبادر من الجميع البالغ العاقل.

ومنها : الإيمان‌ ، للإجماع أيضا ، وقوله عليه‌السلام « منكم » في إحدى الصحيحتين وفي المقبولة ، وما ورد في بعض الأخبار من أخذ معالم الدين من الشيعة (١).

وقد يستدلّ أيضا له بوجوه مدخولة ، وإن كانت للتأييد صالحة.

ومنها : العدالة‌ ، لما مرّ من الإجماع ، ولآية النبإ ، وللمرويّ في الخصال : « فاتّقوا الفاسق من العلماء » (٢).

والمرويّين في مصباح الشريعة المتقدّمين في المسألة الرابعة (٣).

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام في حديث طويل : « وكذلك عوام أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبيّة الشديدة ، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصّبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا ، وبالترفرف بالبرّ والإحسان على من تعصّبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا ، فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء ، فهم مثل اليهود الذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم. فأمّا من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا ولا كرامة » الحديث (٤).

والمرويّ في التحرير عن عليّ عليه‌السلام أنه قال : « لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال : عفيف ، حليم ، عالم بما كان‌

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٧ ـ ٤ ، الوسائل ٢٧ : ١٥٠ أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٤٢.

(٢) الخصال ١ : ٦٩ ـ ١٠٣.

(٣) في ص : ٢٥.

(٤) تفسير الحسن العسكري عليه‌السلام : ٢٩٩ ـ ١٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٣١ أبواب صفات القاضي ب ١٠ ح ٢٠.

٣٤

قبله ، يستشير ذوي الألباب ، لا يخاف في الله لومة لائم » (١) ، والضعف فيها غير ضائر ، لما مرّ غير مرّة.

وتؤيّده آية الركون (٢) ، وصحيحة سليمان المتقدّمة في المسألة الثانية (٣) ، وعدم حصول الأمن بدونها في بذل الجهد وعدم الكذب ، واشتراطها في الشهادة التي هي من فروع القضاء ، سيّما مع وجود العلّة الموجبة لاشتراطها فيه بطريق أولى.

ومنها : العلم الفعلي بجميع أحكام الواقعة‌ ، والوجه فيه ظاهر.

ومنها : الذكورة‌ ، بالإجماع كما في المسالك ونهج الحقّ ومعتمد الشيعة (٤) وغيرها (٥).

واستشكل بعضهم في اشتراطه ، وهو ضعيف ، لاختصاص الصحيحتين بالرجل ، فيخصّص بهما غيرهما ممّا يعمّ.

وتدلّ عليه مرسلة الفقيه : « يا معاشر الناس ، لا تطيعوا النساء على حال ، ولا تأمنوهنّ على مال » (٦).

وروايات أبناء نباتة (٧) وأبي المقدام (٨) وكثير (٩) : « لا تملك المرأة من‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٠.

(٢) هود : ١١٣.

(٣) في ص : ١٦.

(٤) المسالك ٢ : ٣٥١ ، نهج الحق : ٥٦٢.

(٥) انظر المفاتيح ٣ : ٢٤٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٢٢ ، والرياض ٢ : ٣٨٥.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٦١ ـ ١٧١٣ ، الوسائل ٢٠ : ١٨٠ أبواب مقدمات النكاح ب ٩٤ ح ٧.

(٧) الكافي ٥ : ٥١٠ ـ ٣ ، الوسائل ٢٠ : ١٦٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٨٧ ح ٢.

(٨) الكافي ٥ : ٥١٠ ـ ٣ ، نهج البلاغة ( محمد عبده ) ٣ : ٦٣ ، الوسائل ٢٠ : ١٦٨ أبواب مقدمات النكاح ب ٨٧ ح ١.

(٩) الكافي ٥ : ٥١٠ ـ ٣ ، الوسائل ٢٠ : ١٦٨ أبواب مقدمات النكاح ب ٨٧ ح ١.

٣٥

الأمر ما يجاوز نفسها ».

ورواية الحسين بن المختار : « اتّقوا شرار النساء ، وكونوا من خيارهنّ على حذر ، وإن أمرنكم فخالفوهنّ ، كيلا يطمعن منكم في المنكر » (١) ، وتقربها مرسلتا المطّلب بن زياد (٢) وعمرو بن عثمان (٣).

ورواية حمّاد بن عمرو الطويلة ، وفيها : « يا عليّ ، ليس على النساء جمعة ولا جماعة » إلى أن قال : « ولا تولّى القضاء » (٤).

ورواية جابر عن الباقر عليه‌السلام : « ولا تولى المرأة القضاء ولا تولّى الإمارة » (٥).

وفي خبر آخر : « لا يصلح قوم ولتهم امرأة » (٦).

ومنها : العلم بالكتابة قراءة وكتبة‌ ، شرطه الشيخ والحلّي (٧) ، ونسبه في المسالك والروضة (٨) وغيرهما (٩) إلى الأكثر ، وجعله في السرائر من مقتضيات المذهب ، وقيل : إنّه مذهب عامّة المتأخّرين (١٠).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥١٧ ـ ٥ ، الوسائل ٢٠ : ١٧٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٩٤ ح ٢ ، وفيها : وإن أمرنكم بالمعروف ..

(٢) الكافي ٥ : ٥١٧ ـ ٧ ، نهج البلاغة ١ : ١٢٥ ، الوسائل ٢٠ : ١٧٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٩٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٥١٨ ـ ١٢ ، الوسائل ٢٠ : ١٧٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٩٤ ح ٥.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٦٣ ـ ٨٢٣ ، الوسائل ٢٧ : ١٦ أبواب صفات القاضي ب ٢ ح ١.

(٥) الخصال ٢ : ٥٨٥ ـ ١٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٢٠ أبواب مقدمات النكاح ب ١٢٣ ح ١.

(٦) مسند أحمد ٥ : ٤٣ ، سنن البيهقي ١٠ : ١١٨.

(٧) الشيخ في المبسوط ٨ : ١٢٠ ، والحلي في السرائر ٢ : ١٦٦.

(٨) المسالك ٢ : ٣٥١ ، الروضة ٣ : ٦٨.

(٩) كالرياض ٢ : ٣٨٦.

(١٠) كما في الرياض ٢ : ٣٨٦.

٣٦

وظاهر النافع والقواعد الخلاف فيه (١) ، بل نسبه في التنقيح إلى قوم (٢).

ونقل في شرح المفاتيح عن الفاضل وجماعة احتمال العدم.

وصريح المحقّق الأردبيلي والكفاية التردّد (٣).

ونفى اشتراطه والدي العلاّمة في معتمد الشيعة ، وهو المعتمد ، للأصل ، والإطلاق.

ودعوى اختصاص المرخّصات في القضاء بحكم التبادر بعارفي الكتابة ممنوعة.

واستدلّ المشترطون باعتبارات ضعيفة ، عمدتها : توقّف الضبط عليها غالبا ، وفيه المنع.

نعم ، لا يبعد ادّعاء توقّف العلم بالأحكام في نحو هذه الأزمنة بالنسبة إلى قراءة الكتابة ، فلو قيل باشتراطها فيه بالنسبة إلى غير المأذون بخصوصه من المجتهد ـ لو قلنا بجواز قضائه ـ لم يكن بعيدا.

ومنها : البصر‌ ، قال باشتراطه الشيخ والإسكافي وابن سعيد والقاضي والمحقّق والفاضل في القواعد وولده (٤) ، ونسبه في الروضة والكفاية إلى الأكثر وإن نفاه الثاني (٥).

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٧٩ ، القواعد ٢ : ٢٠١.

(٢) التنقيح ٤ : ٢٣٦.

(٣) الكفاية : ٢٦٢.

(٤) الشيخ في المبسوط ٨ : ١٠١ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٢٢ ، والقاضي في المهذب ٢ : ٥٩٨ ، والمحقّق في الشرائع ٤ : ٦٨ ، والفاضل في القواعد ٢ : ٢٠١ ، وولده في الإيضاح ٤ : ٢٩٨.

(٥) الروضة ٣ : ٦٧ ، الكفاية : ٢٦٢.

٣٧

واستشكل في التحرير (١). ونفاه في معتمد الشيعة ، وهو الأصحّ ، لما مرّ.

ومنها : السمع واللسان‌ ، شرطهما جماعة (٢) ، والحقّ : العدم ، لما سبق.

ومنها : الحرّية‌ ، ذهب إلى الاشتراط الشيخ والقاضي وابن سعيد والكيدري والفاضل والشهيد (٣) ، وهو ظاهر ابن حمزة (٤) ، ونسبه في المسالك والروضة إلى الأكثر (٥).

واختار المحقّق العدم (٦) ، واستقر به في الكفاية (٧) ، وهو الأظهر إذا أذن له المولى.

ومنها : طهارة المولد والنطق وغلبة الذكر‌ ، شرطها جماعة ، بل في الروضة ومعتمد الشيعة الإجماع على الأول ، ونفى الخلاف في الثانيين (٨) ، والأصل ينفي ما لم يثبت فيه إجماع.

المسألة السابعة : إذا فقد الجامع للشرائط‌ ، أو تعسّر الوصول إليه ، أو لم ينفذ قضاؤه مطلقا ، أو على خصوص المدّعى عليه ، أو لم يمكن إثبات الحقّ عنده ، فهل يجوز الترافع إلى غيره؟

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٧٩.

(٢) كالعلاّمة وولده كما في الإيضاح ٤ : ٢٩٩.

(٣) الشيخ في المبسوط ٨ : ١٠١ ، والقاضي في المهذب ٢ : ٥٩٩ ، والفاضل في القواعد ٢ : ٢٠١ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٦٥.

(٤) الوسيلة : ٢٠٩.

(٥) المسالك ٢ : ٣٥١ ، الروضة ٣ : ٦٧.

(٦) الشرائع ٤ : ٦٨.

(٧) الكفاية : ٢٦٢.

(٨) الروضة ٣ : ٦٢.

٣٨

ظاهر الأكثر : العدم ، وفي الروضة الإجماع عليه (١).

ونقل الأردبيلي قولا منسوبا إلى ابن فهد بجوازه في الصورة الاولى ، وقال : إنّه وجده في حاشية الدروس منقولا عن الشيخ حسين بن حسام.

ووجدت إنا أيضا في حاشية نسخة منه منسوبة إلى مسائل ابن طيّ نسبة هذا القول إلى ابن فهد ، وإلى الشهيد في الحواشي ، واختاره نفسه.

واستقربه بعض المعاصرين (٢) ، وجوّزه الشهيد الثاني في المسالك (٣) ، ووالدي في معتمد الشيعة لو توقّف حصول الحقّ عليه ، وظاهرهما الشمول للصور الأربع.

استدلّوا على الجواز بلزوم تعطيل الأحكام لولاه ، وبنفي العسر والحرج.

وفي صورة توقّف وصول الحقّ مطلقا بمفهوم صحيحة أبي بصير : « أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقّ ، فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه ، فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عزّ وجلّ ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) .. (٤) » (٥).

وإطلاق نفي الضرر ، سيّما مع إطلاق رواية البرقي المتقدّمة (٦).

واستشكل فيه : بأنّه إعانة على الإثم ، وهي محرّمة.

__________________

(١) الروضة ٣ : ٦٨.

(٢) المحقّق القمي في رسالة القضاء ( غنائم الأيام : ٦٧٤ ).

(٣) المسالك ٢ : ٣٥٢.

(٤) النساء : ٦٠.

(٥) الكافي ٧ : ٤١١ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٣ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٢٠ ـ ٥١٩ ، الوسائل ٢٧ : ١١ أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٢.

(٦) في ص : ٨.

٣٩

وردّ بمعارضة أدلّة حرمة الإعانة مع أدلّة نفي الضرر ، فتتساقطان ، فيرجع إلى الأصل.

وقد يستدلّ للمنع أيضا بمنطوق الصحيحة المذكورة ، وبالروايات الناهية عن الترافع إلى القضاة أو قضاة الجور والظلم ، كصحيحة ابن سنان : « أيّما مؤمن قدّم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شرّكه في الإثم » (١).

أقول : لا يخفى ما في كتب الأصحاب في أصل المسألة واستدلالهم وجوابهم من الإجمال والمسامحة والقصور.

وبيان ذلك : أنّ الكلام إمّا في تكليف المترافعين وما يجوز لهم أو لا يجوز.

أو تكليف من يترافعان أو أحدهما إليه من غير الأهل حينئذ.

أو تكليف سائر الناس ـ من الحكّام الذين يأتون بعدهم ، أو أهل الاقتدار على إجراء الحكم وردّه ـ في ردّ حكم غير الأهل وإجرائه حينئذ.

أو في حال الحقّ الذي حكم غير الأهل حينئذ لأحدهما إثباتا أو نفيا.

ثمَّ على التقادير الأربعة ، إمّا يكون مفروض المسألة ما إذا لم يمكن الترافع إلى الأهل ، لفقده ، أو عسر الوصول إليه.

أو ما إذا لم يمكن التوصّل إلى الحقّ بالترافع إليه ، إمّا لعدم نفوذ حكمه ، أو لعدم إمكان إثبات الحقّ عنده.

وعلى التقادير ، إمّا يكون نزاع المترافعين للجهل بحكم المسألة ، كما إذا اجتمع جدّ وأخ في الميراث ، وطلب كلّ منهما الكلّ زعما منه أنّه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١١ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٢١٨ ـ ٥١٥ ، الوسائل ٢٧ : ١١ أبواب صفات القاضي ب ١ ح ١.

٤٠