مستند الشّيعة - ج ١٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥٠٧

وغير ذلك ممّا يأتي.

ثمَّ من القواعد المسلّمة كذلك أيضا الثابتة كذلك : أنّ البيّنة واليمين ليستا بمجتمعتين ، بل يمين المدّعي عليه إنّما هي إذا لم يقم المدّعي البيّنة ، فالبيّنة مقدّمة على اليمين ، واليمين بعد عدم البيّنة.

ففي صحيحة سليمان بن خالد : « أحكم بينهم بكتابي ، وأضفهم إلى اسمي تحلّفهم به » ثمَّ قال : « هذا لمن تقم له بيّنة » (١).

ومرسلة يونس : « استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه ، فإن لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقّه ، فإن أبي أن يحلف فلا شي‌ء له » (٢).

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تخاصم إليه رجلان في حقّ قال للمدّعي : ألك بيّنة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه ، وإن لم تكن له بيّنة حلف المدّعى عليه بالله ما لهذا قبله ذلك الذي ادّعاه ولا شي‌ء منه » الحديث (٣) ، إلى غير ذلك ممّا يأتي.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا من القواعد الثلاث مطّردة عند أصحابنا في جميع‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٢٨ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٦ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١.

٢٠١

الدعاوي المسموعة ، التي يتعيّن فيها جواب المدّعى عليه ، بحيث لو أقرّ ألزم بالحقّ ، سواء كانت الدعوى ماليّة أو غير ماليّة ، كالنكاح والطلاق والرجعة والعتق والنسب والولاء وغيرها. وخالفنا في ذلك بعض العامّة ، ولم يثبتوا اليمين على المنكر فيها سوى الدعاوي الماليّة غالبا (١). وعموم ما مرّ يردّه.

نعم ، هذه القاعدة غير مطّردة في الحدود إذا كان حقّ الله المحض خاصّة ، بلا خلاف يعرف كما في الكفاية (٢) وغيره (٣) ، بل بالإجماع كما صرّح به المحقّق الأردبيلي.

للنبويّ : « لا يمين في حدّ » (٤).

وفي مرسلة الصدوق : « ادرؤا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ » (٥).

ومرسلة البزنطي : « أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل ، فقال : هذا قذفني ، ولم تكن له بيّنة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، استحلفه ، فقال : لا يمين في حدّ ، ولا قصاص في عظم » (٦) ، ونحوها في مرسلة ابن أبي عمير (٧).

__________________

(١) انظر بداية المجتهد ٢ : ٤٧٣.

(٢) الكفاية : ٢٧١.

(٣) كالرياض ٢ : ٤٠٥.

(٤) لم نعثر على كذا نص ، نعم ورد مضمونه في دعائم الإسلام ٢ : ٤٦٦ ـ ١٦٥٣ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٦ أبواب مقدمات الحدود ب ٢١ ح ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٥٣ ـ ١٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة ب ٢٤ ح ٤.

(٦) الكافي ٧ : ٢٥٥ ـ ١ ، الوسائل ٢٨ : ٤٦ أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة ب ٢٤ ح ١.

(٧) التهذيب ١٠ : ٧٩ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٦ أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة ب ٢٤ ح ١.

٢٠٢

وفي رواية غياث بن إبراهيم : « لا يستحلف صاحب الحدّ » (١).

ورواية إسحاق بن عمّار : « إنّ رجلا استعدى عليّا عليه‌السلام على رجل ، فقال له : إنّه افترى عليّ ، فقال عليّ عليه‌السلام للرجل : أفعلت ما فعلت؟ فقال : لا ، ثمَّ قال عليّ عليه‌السلام للمستعدي : ألك بيّنة؟ قال : فقال : مالي بيّنة ، فأحلفه لي ، قال عليه‌السلام : ما عليه يمين » (٢).

ويدلّ عليه أيضا الأصل ، واختصاص ما دلّ من النصّ والفتوى غالبا بالمنكر لما عدا الحدّ من الحقوق الماليّة ونحوها ممّا يستحقّها المدّعي ، [ مع أنّ الحد حقّ الله سبحانه ، وإذن صاحب الحقّ ] (٣) شرط في سماع الدعوى ، ولم يأذن الله سبحانه فيها ، بل ظاهره الأمر بالستر والإخفاء ، والكفّ عن التتبع وكشفها ، ودرء الحدود بالشبهات.

ويستفاد من أكثرها أنّه إذا كانت الدعوى ممّا يشترك فيه حقّ الله وحقّ الناس ـ كالقذف والزنا ـ ولا بيّنة للمدّعي ، غلب حقّ الله على حقّ الناس ، ولا يستحلف المدّعى عليه ، كما عليه الأكثر. ويدلّ عليه أيضا قوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ) (٤) دلّت على أنّه إذا لم يأت مدّعي الزنا بالمشهود يحدّ ولا يستحلف.

وعن الشيخ في المبسوط : ترجيح حقّ الآدمي ، فيستحلف المدّعى‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٥٠ ـ ٦٠٢ ، الوسائل ٢٨ : ٤٦ أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة ب ٢٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٣١٤ ـ ٨٦٨ ، الوسائل ٢٨ : ٤٦ أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة ب ٢٤ ح ٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : مع الحدّ إن اذن صاحب. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) النور : ٤.

٢٠٣

عليه الزنا ، فإن حلف حدّ القاذف ، وإن ردّ وحلف القاذف فيثبت الزنا في حقّه بالنسبة إلى حدّ القذف دون ثبوت حدّ الزنا (١). واستحسنه في الدروس (٢). والأصل والكتاب والسنّة يردّه.

نعم ، إذا كانت الدعوى مركّبة من حقّين ـ كالسرقة المستلزمة للغرامة وللقطع ـ تسمع في حقّ الآدمي خاصّة ، ويستحلف وتترتّب عليه آثاره بالنسبة إلى الغرامة ، وسيأتي إن شاء الله تحقيقه في موضعه.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه من القواعد إنّما هو على الأصل في المحاكمات ، وقد يتخلّف في بعض الموارد بالدليل ، كضمّ اليمين مع البيّنة في الدعوى على الميّت ، وكالدعوى على قيّم الصغير ، حيث لا يمين عليه ، ويأتي كلّ في موضعه. وعليك بملاحظة الأصول (٣) المذكورة إلى أن يأتيك الدليل.

وإذ علمت أنّ على المدّعي البيّنة أولا ، فإذا تلقّى المدّعى عليه بالإنكار فيقول الحاكم للمدّعي : ألك بيّنة ، كما قاله النبي [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] في المروي عن تفسير الإمام المتقدّم والولي [ عليه‌السلام ] في رواية إسحاق المتقدّمة ، راجحا مطلقا ، لإطلاق رواية التفسير ، ووجوبا إن جهل المدّعي بأنّ عليه البيّنة لتوقّف الحكم عليه. فإن قال : ليس لي بيّنة ، استحلفه على ما حكم به الله. [ وإن ] (٤) قال : نعم ، استحضرها منه كذلك. وإن قال : لي بيّنة واحدة ، استحضرها واستحلفه ، وحكم في كلّ من الصور بما يقتضيه حكم الله ، كما نبيّنه في المواضع الثلاثة :

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٢١٥.

(٢) الدروس ٢ : ٩٣.

(٣) في « ق » : الأمور.

(٤) ما بين المعقوفين ليس في « ح » و « ق » ، أضفناه لاستقامة المعنى.

٢٠٤

الموضع الأول

في الحكم باليمين‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : إذا قال المدّعي : إنّه لا بيّنة لي ، عرّفه الحاكم أنّ له اليمين على خصمه المنكر لحقّه ، فإن التمس المدّعي منه إحلافه أحلفه.

ولا يجوز للحاكم تحليفه إلاّ بعد سؤال المدّعي ، بلا خلاف بينهم كما في المسالك والمفاتيح وشرحه (١) ، وقولا واحدا كما ذكره بعضهم (٢) ، واتّفاقا كما في شرح القواعد للهندي (٣) ، بل بالإجماع كما في المعتمد ، بل هو إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه ، مضافا إلى أنّه حقّ للمدّعي ، فيتوقّف على مطالبته.

وليس هنا شاهد حال دلّ على رضائه بإحلاف القاضي أو حلف المنكر بنفسه ، إذ ربّما يتعلّق الغرض بأن لا يحلّفه لتبقى دعواه توقّعا لوجود شهود له ، أو تذكّر ، أو لردعه عن الإنكار ، أو انتظار زمان آخر صالح للدعوى أو الإحلاف ، أو طيّ الدعوى بالصلح ببعض (٤) المدّعى به ، أو أخذ ماله تقاصّا ، أو غير ذلك.

ويمكن أن يستدلّ له بصحيحة ابن أبي يعفور : « إذا رضي صاحب‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٦٨ ، المفاتيح ٣ : ٢٥٥.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٣٩٧.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٣٣٧.

(٤) في « ق » : بنقص ..

٢٠٥

الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه فحلف أن لا حقّ له قبله ذهبت اليمين بحقّ المدّعي فلا حقّ له » قلت : وإن كانت له بيّنة عادلة؟ قال : « نعم ، فإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له حقّ ، وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه » (١).

فإنّه عليه‌السلام علّق إذهاب اليمين بالحقّ برضى صاحب الحقّ ، وأيضا اشترط استحلافه ـ أي طلبه الحلف ـ فلا تذهب الدعوى بدون طلبه.

وعلى هذا ، تدلّ على المطلوب أخبار أخر متضمّنة لقوله : « استحلفه » كروايتي خضر بن عمرو : في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده ، قال : « إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئا » الحديث (٢) ، حيث شرط عدم جواز الأخذ باستحلافه.

والأخبار بهذا المضمون كثيرة ، وبها تقيّد إطلاقات حلف المدّعى عليه.

وعلى هذا ، فإن تبرّع المنكر بالحلف أو أحلفه الحاكم بدون إذنه لغي ، وأعيد ثانيا مع التماس المدّعي.

المسألة الثانية : كما أنّه لا اعتداد بإحلاف الحاكم بدون إذن المدّعي كذلك لا اعتداد بإحلاف المدّعي بدون إذن الحاكم وحكمه به‌ ، ولا يحلف المدّعى عليه بدونه ، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب من دون ذكر خلاف ولا ظهور مخالف.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣٧ ـ ١٢٥ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٩ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٥ : ١٠١ ـ ٣ ، وج ٧ : ٤١٨ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٣ ـ ٤٨١ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٦ ، وج ٨ : ٢٩٣ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٥ أبواب الأيمان ب ٤٨ ح ١ ، وج ٢٧ : ٢٤٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٠ ح ١ ، بتفاوت.

٢٠٦

وقال بعض مشايخنا المعاصرين : من غير خلاف بينهم أجده ، بل ظاهر الأردبيلي نسبته إلى الأصحاب كافّة. انتهى (١).

وقال في موضع آخر : بلا خلاف ، بل ظاهرهم الإجماع عليه كما يستفاد من كثير (٢). انتهى.

وقال بعض الفضلاء المعاصرين : ولم نعرف في ذلك خلافا (٣).

والظاهر أنّه كذلك.

واحتجّ له تارة بأنّه وظيفته.

وهو لا يخلوعن مصادرة.

وثانية : بأنّه من تتمّة الحكم ، ولا حكم بغيره.

وهو أيضا لا يخلوعن خدشة ، إذ يمكن أن يقال : إنّه من مقدّمات الحكم لا من أجزائه ـ كإحضار البيّنة ـ فلا يثبت اختصاصه به من اختصاص الحكم به.

وثالثة : بأنّه المتبادر إلى الفهم من الاستحلاف في الروايات.

وفيه : أنّ المذكور في الروايات استحلاف المدّعي دون الحاكم.

ورابعة : باستصحاب عدم لزوم ما يترتّب على الحلف من سقوط الحقّ ونحوه إلاّ بالمتيقّن.

وفيه : أنّه كان حسنا لو لا العمومات والإطلاقات بالترتّب على حلف المدّعى عليه ، مثل قوله في رواية البصري : « فإن حلف فلا حقّ له » (٤) وفي‌

__________________

(١) الرياض ٢ : ٣٩٧.

(٢) الرياض ٢ : ٤٠٣.

(٣) غنائم الأيام : ٦٩٠.

(٤) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣٨ ـ ١٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١.

٢٠٧

مرسلة يونس : « فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقّه » (١) ، إلى غير ذلك.

والقول : بأنّ غاية ما في الأخبار الإطلاق ، وهو منصرف إلى ما هو الغالب في الحلف في مقام الدعاوي ، من كونه بإذن الحاكم ، مع أنّها منساقة لبيان حكم آخر غير ما يراد إثباته.

قابل للخدش والمنع ، فإنّ الاختصاص بالإطلاق ـ ثمَّ غلبة ما ذكر حين صدور الأخبار ، ثمَّ ورودها مورد حكم آخر ، ثمَّ عدم إفادة مثله لو سلّم للإطلاق والعموم ـ ممّا يقبل المنع.

فلم يبق دليل للمسألة إلاّ ظاهر الإجماع ، وهو حسن.

وتدلّ عليه أيضا رواية محمّد بن قيس : « إنّ نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربّه كيف أقضي بأمور لم أخبر ببيانها؟ قال : فقال : ردّهم إليّ وأضفهم إلى اسمي يحلفون به » (٢) ، ونحوه في مرسلة أبان وفي صحيحة سليمان بن خالد.

ويؤيّده أيضا المرويّ في تفسير الإمام المتقدّم في المقدّمة ـ حيث نسب التحليف إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ـ وبعض الأخبار المتضمّنة لقضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّ الثابت من تلك الأخبار : أنّ ذلك وظيفة الحاكم ، وأنّه ما لم يأت بذلك لم يتمّ حكمه ، فلا يجوز له الحكم. ويتحقّق الإذن من الحاكم بمجرّد الأمر بالحلف ، ولا يحتاج إلى تلقينه ألفاظها ، للأصل.

المسألة الثالثة : صرّح جماعة ـ منهم : الحلّي والمحقّق والفاضل (٤)

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٦ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٠ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ٣.

(٣) راجع ص : ٢٠١.

(٤) الحلّي في السرائر ٢ : ١٨٣ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ٨٨ ، والمختصر : ٢٨٢ ، الفاضل في القواعد ٢ : ٢١١ ، والتبصرة : ١٨٨.

٢٠٨

وغيرهم (١) ـ بأنّه يجب أن يكون الحلف في مجلس القضاء والحكم ، ونفى عنه بعض مشايخنا المعاصرين الخلاف ، بل قال : إنّ ظاهرهم الإجماع عليه (٢).

إلاّ أنّ ظاهر الفاضل في التحرير عدم اشتراط ذلك ولا وجوبه ، حيث قال : وإن أمسك المدّعي عن إحلاف المنكر ثمَّ أراد إحلافه بالدعوى المتقدّمة جاز ، لأنّه لم يسقط حقّه منها وإنّما أخّرها (٣).

وأمّا قوله في باب الحلف ـ : لا ينبغي للحاكم أن يحلف أحدا إلاّ في مجلس حكمه إلاّ في حقّ المعذور (٤) ـ فلا يدلّ على الحرمة ولا الاشتراط ، بل لفظ « لا ينبغي » ظاهر في الكراهة.

وإلى ذلك مال بعض فضلائنا المعاصرين ، قال : وأمّا لزوم كونه في مجلس الحكم ـ كما يظهر من بعض العبارات ـ فوجوبه غير معلوم وإن كان هو المنساق من ظاهر الروايات ، لكنّها لا تفيد الاشتراط ، بل ما يدلّ على استحباب تغليظ اليمين بالمكان يدلّ على جوازه في غيره أيضا ، سيّما مع الكراهة في بعضها (٥). انتهى.

واستدلّوا للوجوب ببعض ما مرّ دليلا على لزوم كونه بإذن الحاكم. وقد عرفت ما فيه.

وقد يستدلّ أيضا بما مرّ في الأخبار المستفيضة من أمر الحاكم بإضافة المدّعى عليه إلى الاسم فيحلف به ، فإنّ المتبادر عن ذلك أنّه يلزم‌

__________________

(١) كالسبزواري في الكفاية : ٢٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٤٠.

(٢) الرياض ٢ : ٤٠٣.

(٣) التحرير ٢ : ١٨٦.

(٤) التحرير ٢ : ١٩١.

(٥) غنائم الأيام : ٦٩٠.

٢٠٩

أن يكون في حضوره ، ولا أقلّ من عدم العلم بالامتثال بدون ذلك.

وفيه منع ظاهر ، لصدق الإضافة إلى الاسم بالأمر بالحلف به كيف ما كان.

وقد يقال : إنّ المتبادر من قوله : « أضفهم إلى اسمي يحلفون به » أنّ اللاّزم الحلف لأجل طلب الحاكم ، فلو حلف المدّعى عليه لا لذلك لم يكن معتدّا به.

ولا يعلم كونه لذلك إلاّ بتصريح المدّعى عليه ، أو بقرينة تدلّ عليه.

والتصريح لا يفيد ، لكونه جالبا به النفع ، دافعا للمضرّة ، فلا بدّ من أن يستدلّ عليه بالقرائن ، وليست إلاّ كونه في حضوره بعد طلبه ، إذ المستفاد من ذلك أنّه أوقعه لأجله ، بل لا يمكن تحقّق أزيد من ذلك ، فلا بدّ من الإتيان به.

فإن قيل : الإتيان بالحلف بعد طلب نائب الحاكم في الإحلاف أيضا كذلك.

قلنا : نعم ، لو قلنا بجواز الاستنابة فيه ، ولكنّه غير معلوم ، لأنّه أمر به الحاكم ، والأصل عدم جواز الاستنابة فيه وعدم كفايته.

وفيه : أنّه تتحقّق الإضافة بالأمر بالحلف ، ووجوب كون حلفه بقصد أمر الحاكم به فلا دليل عليه ، فإذا وكّل عليه أحدا ليأتي بالمأمور به يصدق عليه الحلف بأمر الحاكم ، وليس ذلك استنابة في الحلف ، مع أنّه لو تمَّ ذلك لدلّ على لزوم كون الحلف في مجلس الحاكم دون مجلس الحكم ، وهو غير مطلوبهم.

ومنه يظهر أنّ القول بعدم الوجوب والاشتراط أظهر.

٢١٠

فروع :

أ : القائلون بوجوب كونه في مجلس الحكم استثنوا من ذلك المعذور ، كالمريض والزمن (١) ـ اللذين لا يمكنهما أو يشقّ عليهما الحضور إلى الحاكم ـ والخائف ، وغير البرزة من النساء ، والحائض والنفساء ، مع كون الحاكم في موضع لا يجوز لهما المكث فيه أو الدخول.

قالوا : فيستنيب الحاكم حينئذ من يحلّفه ، لاستلزام الحضور مع ذلك العسر والحرج ، وإلزام الحاكم حينئذ بمباشرته الإحلاف بالمسير إليه مستلزم للنقص فيه ، أو إلقائه في ضيق وشدّة وعسر ، مع عدم كونه معهودا في الأزمنة السابقة. واحتمل بعض الأصحاب وجوب ذلك على الحاكم ، إلاّ إذا وجب النقص (٢).

أقول : لازم أدلّة نفي العسر والحرج أحد الأمرين : إمّا جواز الاستنابة ، أو جواز إيقاف الحكم إلى ارتفاع العذر ، إلاّ في عذر لم يرج زواله.

فالحكم بالأول مطلقا لا وجه له ، إلاّ أن يقال بالتخيير ، ومرجعه إلى جواز الاستنابة أيضا.

ولكن هذا إنّما يتمّ على ما هو المشهور من عدم جواز إذن الحاكم لمقلّده العادل في الحكم في واقعة مخصوصة.

أمّا على ما اخترناه ـ من جوازه ـ فيرتفع العذر بالإذن لمن يقولون‌

__________________

(١) الزمانة : العاهة ، وآفة في الحيوان ، يقال : زمن الشخص زمنا وزمانة فهو زمن من باب تعب ، وهو مرض يدوم زمانا طويلا ـ مجمع البحرين ٦ : ٢٦٠.

(٢) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٤٠٣.

٢١١

باستنابته في الإحلاف أن يحكم ويستحلف.

نعم ، لو فرض عدم إمكان ذلك لتمّ الحكم بالتخيير المذكور.

ب : قد ظهر من عدم اشتراط كون الحلف في مجلس الحكم جواز تأخير المدّعي إحلاف المنكر إلى وقت آخر ، كما نقل عن التحرير (١).

ولا يشترط اعادة الدعوى ثانيا ، بل لا يلزم إحضاره عند الحاكم أيضا.

ج : قال في القواعد والتحرير (٢) : لو قال : أبرأتك من هذه اليمين ، سقط حقّه منها في هذه الدعوى ، وله أن يستأنف الدعوى ، لأنّ حقّه لا يسقط بالإبراء من اليمين. فإن استأنف الدعوى وأنكر الخصم فله إحلافه ، لأنّ هذه دعوى مغايرة للّتي أبرأه من اليمين فيها (٣). انتهى.

وهو كذلك ، لأنّا لو قلنا بسقوط حقّ هذه اليمين الحاصل بحكم الحاكم بسبب تلك الدعوى لا يوجب سقوط حقّه الذي كان يدّعيه ، للأصل. ومع بقائه يجوز له دعواه ثانيا ، ومع الدعوى يجب على الحاكم استماعها والحكم بمقتضاها ، فإذا حكم بالحلف يكون هذا حقّا ثابتا (٤) ثبت بالدعوى الثانية. وإن شئت قلت : لم يثبت من الإسقاط إلاّ سقوط اليمين الثابتة بذلك الحكم دون غيره.

المسألة الرابعة : ثمَّ المنكر ـ الذي وجّه الحاكم إليه الحلف ـ إمّا أن يحلف حلفا معتبرا شرعا‌ ـ كما يأتي بيانه ـ أو يردّه على المدّعي ، أو ينكل‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٦ و ١٩١.

(٢) ليست في « ح ».

(٣) التحرير ٢ : ١٨٦ ، ولم نجدها في القواعد.

(٤) في « ح » : ثانيا ..

٢١٢

ويأبى عن أحد الأمرين.

فإن حلف سقطت الدعوى عنه في الدنيا ، ولكن لا تبرأ ذمّته من الحقّ في نفس الأمر لو كان كاذبا ، بل يجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى التخلّص من حقّ المدّعي بلا خلاف ، بل بالإجماع ، له ، وللاستصحاب ـ حيث لم يثبت من أدلّة سقوط الدعوى أزيد من سقوطها ظاهرا ـ وللمعتبرة من الأخبار :

كصحيحة سعد وهشام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان ، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، وأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له قطعة من النار » (١).

والمرويّ في تفسير الإمام عليه‌السلام : « فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون ، ولعلّ بعضكم يكون ألحن بحجّته ، وإنّما أقضي على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له من حقّ أخيه بشي‌ء فلا يأخذنّه ، فإنّما أقطع له قطعة من النار » (٢).

ويستفاد منها مثل ذلك في جانب المدّعي لو شهدت له البيّنة الكاذبة ، وبخصوصه وردت أخبار كثيرة ، منها : رواية المناهي المشهورة المرويّة في الفقيه ، وفيها : « إنّه نهى عن أكل مال بشهادة الزور » (٣).

ثمَّ بما ذكرنا تخصّص الأخبار المتضمّنة لنفي الحقّ للمدّعي عن المنكر بعد حلفه أو ثبوته له بعد بيّنته لحقوق الدنيا ، فإنّها تسقط عن المنكر‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٣) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢ ح ٢.

٢١٣

بعد الحلف المعتبر ، فلا تجوز له المطالبة ولا المقاصّة بماله كما كان له قبل الحلف ، ولا العود في الدعوى ، فلو عاد إليها لم تسمع منه ، بلا خلاف فيه يوجد ، بل باتّفاق المسلمين كما قيل (١).

للنصوص المستفيضة ، كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في المسألة الاولى ، وفي آخرها : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ومن حلف لكم بالله فصدّقوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ، ذهبت اليمين بحقّ المدّعي ولا دعوى له » (٢).

وروايتي خضر بن عمرو المتقدّمتين فيها أيضا (٣) ، ورواية البصري المرويّة في الفقيه : عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ فلا تكون له بيّنة بماله ، قال : « فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له ، وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له » (٤).

ومرسلة إبراهيم بن عبد الحميد : في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده إيّاه فيحلف له يمين صبر (٥) ، إله عليه شي‌ء؟ قال : « لا ، ليس له أن يطلب منه » (٦).

وصحيحة سليمان بن خالد : عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني‌

__________________

(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٧ ـ ١٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٩ ح ٢ ، بتفاوت.

(٣) راجع ص : ٢٠٦.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٨ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١.

(٥) أي الزم بها وحبس عليها ، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم ـ النهاية لابن الأثير ٣ : ٨.

(٦) الكافي ٧ : ٤١٨ ـ ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٩٤ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٦ أبواب الأيمان ب ٤٨ ح ٢ ، بتفاوت.

٢١٤

عليه وحلف ، ثمَّ وقع له عندي مال ، فآخذه لمكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف عليه كما صنع؟ فقال : « إن خانك فلا تخنه ، ولا تدخل فيما عبته عليه » (١).

ورواية عبد الله بن وضّاح : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم ، فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف ، وقد علمت أنّه حلف يمينا فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة ، فأردت أن أقتصّ الألف درهم التي كانت لي عنده فأحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال ، فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت ، فكتب : « لا تأخذ منه شيئا ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولو لا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذه من تحت يدك ولكنّك رضيت بيمينه ، لقد مضت اليمين بما فيها » فلم آخذ منه شيئا (٢).

وأمّا حسنة الحضرمي : رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها ، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟ فقال : « نعم » الحديث (٣).

فهي أعمّ مطلقا ممّا مرّ ، لشمولها للحلف قبل استحلاف المدّعي‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٩٨ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ١١٣ ـ ٤٨٢ ، التهذيب ٦ : ١٩٧ ـ ٤٣٧ و ٣٤٨ ـ ٩٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٢ ـ ١٧١ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٨٣ ح ٧.

(٢) الكافي ٧ : ٤٣٠ ـ ١٤ ، التهذيب ٦ : ٢٨٩ ـ ٨٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٥٣ ـ ١٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤٨ ـ ٩٨٢ ، الاستبصار ٣ : ٥٢ ـ ١٦٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨٣ ح ٤.

٢١٥

والحاكم أيضا ، فيجب تخصيصها بما مرّ. مع أنّها لا تصلح لمعارضة ما مرّ ، لأشهريّته رواية وشذوذها.

ومقتضى صريح الصحيحة الاولى وإطلاق البواقي أو عمومها عدم الفرق في ما ذكر بين ما لم يقم بعد الحلف بيّنة أو أقامها ، كما هو الحقّ المشهور ، واختاره الشيخ في الخلاف والنهاية وموضع من المبسوط ، ونسبه الإسكافي إلى الصادقين عليهما‌السلام (١) ، وعن الخلاف والغنية الإجماع عليه (٢).

خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط ، فتسمع البيّنة مطلقا (٣) ، ولعلّه للإطلاقات سماع البيّنة.

وفيه : أنّها بما مرّ مقيّدة ، سيّما مع شذوذ ذلك القول بالمرّة.

وللمحكيّ عن المفيد وابن حمزة والقاضي والديلمي ، فتسمع ـ إلاّ إذا شرط الحالف سقوط الحقّ باليمين ـ إلحاقا لها بالإقرار ، فكما يجب الحقّ به بعد الحلف ـ كما يأتي ـ يجب بها أيضا (٤).

وهو قياس مع الفارق ، فإنّ الإجماع في الإقرار موجود دون البيّنة ، وأيضا الإقرار تمام العلّة في ثبوت الحقّ ، بخلاف البيّنة ، فإنّها لا تثبته إلاّ بعد الحكم ، ومع ذلك فهو اجتهاد في مقابلة النصّ.

وللمحكيّ عن موضع آخر من المبسوط والحلبي والحلّي (٥) ، ومال‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٦٢٢ ، النهاية : ٣٤٠ ، المبسوط ٨ : ٢١٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٩٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٦٢٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٣) المبسوط ٨ : ١٥٨.

(٤) المفيد في المقنعة : ٧٣٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢١٣ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٦٩٩ ، الديلمي في المراسم ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٥٧.

(٥) المبسوط ٨ : ٢١٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٤٧ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٥٩ ، وفيه : وإن قال المدّعي : ليس معي بيّنة ، وطلب من خصمه اليمين فحلّفه الحاكم ، ثمَّ أقام بعد ذلك البيّنة على صحّة ما كان يدّعيه ، لم يلتفت إلى بيّنته وأبطلت. وهو كما ترى مخالف لما نسب إليه ، قال في مفتاح الكرامة ١٠ : ٧٧ أو وجدوا ذلك في السرائر ولم نعثر عليه.

٢١٦

إليه في المختلف (١) ، فتسمع لو أحلف مع نسيان البيّنة أو عدم علمه بها ، ولا تسمع مع العلم بها والرضا به عنها ، لأنّ طلب الإحلاف لظنّ عجزه من استخلاص حقّه بالبيّنة.

وجوابه ظاهر ممّا مرّ.

ومقتضى إطلاق أكثر الأخبار أو عمومها وكذا الفتاوى عدم الفرق في ذلك بين دعوى العين والدين ، ولازمه أنّه لو ظفر صاحب العين بها بعد الحلف لم يجز له أخذها ، ولو أخذها كان فعل حراما ، كما هو مقتضى قوله : « ذهبت اليمين بحقّ المدّعي » وقوله : « فلا حقّ له » (٢).

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ المستفاد ـ من قوله : « قطعت له قطعة من النار » و : « لا يأخذنّه » في صحيحة سعد وهشام وتفسير الإمام والنهي عن الأكل (٣) ـ أنّه لا يملكه الحالف ولا يملكه غيره أيضا ، فالعين باقية على ملكيّة المالك البتّة ، ضرورة عدم تملّك غيرهما.

بل يدلّ قوله : « لا يأخذنّه » أنّ للمالك التصرّف فيه ، فيكون له فيه حقّ ، وليس جميع أنواع الحقّيّة الدنيويّة منفيّة عنه ، وبه يحصل نوع من الإجمال في الحقّ المنفي ، فيقتصر فيه على المصرّح به في الأخبار من الادّعاء والمطالبة والتقاصّ ، ويبقى غير ذلك ، وهو مقتضى الاستصحاب‌

__________________

(١) المختلف : ٦٩٩.

(٢) المتقدّمين في ص : ٢٠٦ و ٢١٤.

(٣) الوارد في رواية المناهي ، وقد تقدّم الجميع في ص : ٢١٣.

٢١٧

أيضا ، فلا تخرج العين عن ملكيّة المالك ، فله التصرّف فيها وأخذها لو أمكن بدون الدعوى والمطالبة والتقاصّ.

ولا يجوز لغيرهما العالم بالحقيقة ابتياعها عن الحالف ولا ردّها إليه لو وقعت في يده.

ويجب على وارث الحالف المطّلع ردّها ، وعلى الغير أمر الحالف بالردّ من باب النهي عن المنكر ، وكذا في الدين ، فإنّه يجب على العالم بالواقع نهيه عن ذلك المنكر.

هذا ، ثمَّ إنّهم قالوا : لو أكذب الحالف نفسه أو ادّعى سهوه أو نسيانه أو إثباته بالحلف ـ للعجز عن الأداء حين الترافع ـ واعترف بالحقّ المدّعى كلاّ أو بعضا جاز للمدّعي المطالبة وحلّت له المقاصّة.

قال المحقّق الأردبيلي : ولعلّه لا خلاف فيه. وقيل : بل لا خلاف ظاهرا بينهم (١). وعن المهذّب والصيمري دعوى الإجماع عليه (٢) ، وصرّح بالإجماع والدي العلاّمة في المعتمد ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلاّ فالأخبار المتقدّمة تردّه ، ودعوى انصرافها بحكم التبادر إلى غير محلّ الكلام واهية.

والوجوه التي استدلّوا بها لتخصيص الأخبار غير تامّة.

منها : ما ذكره في المسالك بقوله : لتصادقهما حينئذ على بقاء الحقّ في ذمّة الخصم ، فلا وجه للسقوط (٣).

وما ذكره المحقّق الأردبيلي من عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ومن عموم أدلّة جواز المقاصّة.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٩٨.

(٢) لم نعثر عليه في المهذّب ، ولكن نسبه إليه في الرياض ٢ : ٣٩٨.

(٣) المسالك ٢ : ٣٦٨.

٢١٨

وما ذكره غيرهما (١) من خصوص الخبر : إنّي كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه فحلف لي ، ثمَّ إنّه جاء بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه ، فقال : هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك ، واجعلني في حلّ ، فأخذت منه المال وأبيت أن أخذ الربح منه ، وأوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك ، فما ترى؟ قال : فقال : « خذ نصف الربح وأعطه النصف وحلّله ، لأنّ هذا رجل تائب » (٢).

والرضوي : « وإذا أعطيت رجلا مالا فجحدك وحلف عليه ، ثمَّ أتاك بالمال بعد مدّة وبما ربح فيه وندم على ما كان منه ، فخذ منه رأس مالك ونصف الربح ، وردّ عليه نصف الربح ، هذا رجل تائب » (٣).

لضعف الكلّ غايته :

أمّا الأول ، فلكونه اجتهادا في مقابلة النصّ ، أو مصادرة على المطلوب.

وأمّا الثاني ، فلأنّ مقتضى جواز الإقرار الحكم بتعلّقه بما في ذمّته حينئذ واقعا ، ولا دلالة على ذلك على جواز المطالبة أو التقاصّ أصلا ، فإنّه ليس بأقوى من علم المدّعي نفسه بذلك ، مع أنّهم صرّحوا بأنّه إذا لم يقرّ لا تجوز له المطالبة أو التقاصّ ، وصرّحوا بأنّه لا تبرأ ذمّة الحالف في نفس الأمر.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٩٨.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٤ ـ ٨٨٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٠ ـ ٧٩٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٦ أبواب الأيمان ب ٤٨ ح ٣.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٢ ، المقنع : ١٢٤.

٢١٩

ومع ذلك قالوا : إنّ المحلوف له المطّلع على ذلك الأمر النفس الأمريّ ليس له المطالبة والتقاصّ ، مع أنّ الثابت من الإقرار ليس إلاّ تعلّقه في ذمّته قبل الحلف ، وأمّا بعده وبعد تصريح الأخبار بأنّ اليمين أذهب حقّه فلا.

ومن ذلك ظهر ضعف ما قيل من أنّ التعارض بين عموم الإقرار وما مرّ من الأخبار بالعموم من وجه ، والترجيح للأخير (١).

فإن قيل : معنى جوازه أنّه يؤخذ به فيحصل التعارض.

قلنا : بل معناه أنّه مثبت للحقّ عليه ، فكما أنّ الثبوت الواقعي المعلوم للمدّعي لم يكن مجوّزا للمطالبة والتقاصّ فكذا ذلك.

وأمّا الثالث ، فلأنّ أدلّة التقاصّ أعمّ مطلقا من صحيحة سليمان بن خالد ورواية ابن وضّاح المتقدّمتين (٢) ، والقاعدة : تخصيصها بهما.

وأمّا الرابع ، فلأنّ محلّ الكلام جواز الدعوى والمطالبة والتقاصّ ، دون جواز الأخذ لو بذل الحالف المال ، فإنّه جائز مع عدم الإقرار أيضا ، كيف؟! وهم صرّحوا بأنّ على الحالف مطلقا إبراء ذمّته عن الحقّ المحلوف عليه ، ونهى في الأخبار ـ كما مرّ ـ عن أخذ ما حلف به لو كان كاذبا.

وعلى هذا فالحكم المذكور مشكل غاية الإشكال.

ولذا تردّد فيه صاحب الكفاية ، بل يشعر منه الميل إلى خلافه ، حيث قال : قالوا كذا ، وظاهر الروايات يدلّ على خلافه (٣). انتهى.

والأحوط أنّه إن بذله الحالف أخذه كما في غير الإقرار أيضا ، وإلاّ‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٩٨.

(٢) في ص : ٢١٤ و ٢١٥.

(٣) الكفاية : ٢٦٧.

٢٢٠